قراءة في كتاب

الحرب والسلم.. قراءة تلخيصية لكتاب: الحرب العالمية الثالثة (الخوف الكبير) للجنرال فيكتور فرنر

علي المرهجقراءتي هي ليست قراءة في رواية وسرد جذل شبيه بما كتبه تولستوي في روايته "الحرب والسلم"، إنما هي قراءة وعيش في أتون الحرب، "الحرب العالمية الثالثة" المُفترضة، كالحرب بالوكالة أو "الحرب الباردة" بين أمريكا والإتحاد السوفيتي (روسيا) اليوم.

ولربما في سعي ترامب لتفعيل الحوار مع كوريا الشمالية تجميد لحرب علمية ثالثة مُتوقعة بين أقطاب مُتعددة الولاءات بين أقطاب (حلف وارسو) و(حلف الشمال الأطلسي)= (الناتو).

الحرب الدائمة

يستخدم (فرنر) مفهوم الحرب الدائمة للإشارة للحرب المُستمرة بطريقة مُباشرة أو غير مُباشرة بين الدول، لا سيما الدول المُتجاورة، أو الدول العُظمى التي لها مصالح في دول تقع تحت سيطرة أحدهما، تتصارع قوتان أو دولتان عُظمى كل منهما في حلف، تُناهض كل منهما الأخرى وفق مبدأ الصراع.

يميل (فرنر) إلى أن الحرب ظاهرة لا تستطيع الإنسانية التخلص منها أبداً، وربما هي قدر إلهي،... وأن الحرب ستكون أزلية لأنه تُساعد على التكفير عن الجرائم الجماعية بسفك دماء الأبرياء،...لأن وجود الدول الضعيفة ولا مُمبرر لوجودها هذا سوى أنها فدية عن الحرب، أو وقود لها يُشعل فتيله الأقوياء، ولا شك أن الحرب مكروهة، ولكنها يجب أن تأخذ مكانها في عالم هو في جوهره، غير كامل، ولا حل لفض النزاعات بين الدول المُتصارعة أفضل من الحرب، لأن في إنتصار أحد الطرفين إنهاء لفكرة الصراع بين حقيقتين، والمُنتصر هو من يرسم الحقيقة، على قاعدة "التاريخ يكتبه المُنتصر".

إذن فالحرب أمر طبيعي لا مفر منه، وهي عادة ما تكون أمراً مُلائماً، ذلك لأن بقدر ما تحفظ الرياح حركة البحار ذاتها من التعفن الذي تتعرض له إذا ما إنتابها هدوء دائم، بقدر ما تُصاب الأمم بالتعفن الذي تُصاب الأمم بالتعفن إذا ما تعرضت هذه لسلام دائم، بل السلام الأزلي (يُنظر: ص63ـ64).

الحرب هي قانون الدول، مثلما هي قانون الكائنات الحية، فالحرب تقوم بعمليات إنتقاء بين الدول طبقاً لقوانين الصراع في الحياة، تلك القوانين التي استخلصها (داروين).

إن مفهوم الدولة يفرض مفهوم الحرب، لأن جوهر الدولة هو القوة،...وطبقاً لما ذكر فرنر من أقوال، فإنه يرى مع مُفكرين آخرين" ليس السلام الدائم سوى حُلم سخيف. غن السلام أمرٌ مُستحيل لأن الحرب أمٌ حتمي لا مفر منه" (ص65).

يُعرف فرنر السلام على أنه "الحالة التي لا يكون فيها أي عُنف ولا تهديد بالعُنف الجُسماني أو النفساني تُمارسه جماعة إنسانية على جماعة أخرى".

يُفرق (فرنر) بين نوعين من السلام، الأول "السلام الإيجابي"، والثاني "السلام السلبي"، "الذي لا يعني أكثر من عدم نشوب القتال" (ص23)، وهناك حرب بالوكالة، فهل هي من نوع السلام سواء كان إيجابياً أم سلبياً؟، وماذا نُسمي سباق التسلح، أو مفهوم "الحرب الباردة"؟ هل هو مما يُمكن لنا إدراجه على أنه من نوع الحرب، أم من نوع السلام؟.

ـ إن واقع بناء المُجتمع على استعداد في كل حين للقيام بالحرب،...فالحرب هي حجر الزاوية في النظام الجتماعي.

ـ الحرب تحمي النوع الاجتماعي عبر التاريخ.

ـ تؤدي الحرب وظائف اجتماعية عديدة، مثل الدفاع عن المُجتمع ضد التهديدات الخارجية والداخلية، وبعضها الآخر مُستتر. وهذا النوع الثاني هو من الوظائف الأهم.

ـ إن الوظائف غير العسكرية للحرب هي أساسية لإقامة التوازنم في المجتمع.

ـ إن استبدال النظام القائم على أساس الحرب بنظام آخر قائم على أساس السلام يُشكل مُغامرة إذا لم يكن مُمكناً، في الوقت المُناسب، إنشاء مؤسسات قادرة على القيام بالوظائف ذاتها التي تقوم بها الحرب.

ـ يجب فهم طبيعة الوظائف غير العسكرية للحرب قبل السعي إلى إيجاد بدائل مقبولة لها.

يستخدم (فرنر) مفهومي "الحرب المُستحيلة" و "السلام المُستحيل".

يرى (فرنر) أن خيار الحرب عادة ما يكون خياراً خارج مُمكنات الإرادة الإنسانية، فكثيراً ما نجد أنفسنا أزاء إتخاذ قرار الحرب لم يكن لنا دور أو رغبة في السعي لإيقادها.

"والرؤساء بشرٌ كالآخرين، وهم ليسوا أكثر من بقية الناس حُرية في أن يقولوا أو يفعلوا ما يعتقدون بأنه الأكثر عدلاً والأسلم منطقاً" (ص38)، وهذا يشمل حتى الحُكام الطُغاة، فلا بُد لهم أن يأخذوا بعين الاعتبار ردود فعل الرأي العام.

ليصل (فرنر) لنتيجة مفادها أن هناك "حروباً غير مرغوب في شنها، تندلع بالرغم من مُنافاة أسبابها للعقل" (ص39).

ولن أخوض في تفصيلاته في الدفاع عن رؤيته كجنرال حرب في الدفاع عن تبني الحرب عبر استشهادات تاريخية مُطولة في تفصيل وقائع الحروب في أوربا، ولكنني سأوجز رؤيته للسلم والحرب.

ولكن يُوجز نظرته في أن "الحرب ظاهرة اجتماعية لا يملك الإنسان في يده أمر إطلاقها أو إيقافها حسب إختياره" (ص60)، لذلك هو يرفض فكرة "الحرب المُستحيلة"، لما تحمله هذه الفكرة من مثالية مُفرطة، فكيف يُمكن لدولة تمتلك أسلحة للتدمير الكثيف، أن تشهد إبادة شعبها بقصف تقوم به أسلحة تقليدية، دون أن ترد بإطلاق قنابل نووية ـ حرارية" (ص61).

نظرية السلام المُستحيلة

يرفض فرنر فكرة السلام الدائم التي يُسميها بـ "السلام المُستحيل"، لأن فيه الكثير من الضرر على اقتصاد الدول المُنتجة للأسلحة، وستكون سبباً من أسباب تدهور الاقتصاد في هذه الدول، فرغم مرارة الحرب، إلَا أنه ستظل "باعثاً مُحرضاً على التقدم الصناعي ومصدراَ له، وحامياً للاقتصاد من الإنهيار" (ص71).

والسلام الدائم لا يُعبر حالة طبيعية، فلا وجود لحياة اجتماعية خالية من العُنف.

في الحرب بعض من مُعالجات لمُشكلة البطالة والتضخم السُكاني، لذلك فإن اللجوء للحرب هو أحد العوامل المُساعدة في استقرار الحكومات.

إن دُعاة (اليجب) و(الينبغي) من "الوعاظ" من رجال الدين والمُصلحين ممن بُحت حناجرهم للعمل على تحقيق السلام الدائم إنما هم يعيشون خارج التاريخ الواقعي للبشرية، فهم يدعون كل من موقعه العقائدي المُنغلق لتحقيق السلام!.

لكن (فرنر) لا يرفض دعواتهم في نبذ الحرب حينما يكون الهم فيها التقتيل وتخريب المُدن لأن "كل عمل حربي يهدف، بدون تفريق، إلى تخريب مُدن بكاملها أو مناطق واسعة بسُكانها، هو جريمة ضد الله والإنسان نفسه، مما يستوجب إدانته بحزم وبلا تردد" (ص99ـ100).

لعبة (نزع السلاح) لعبة دولية استخدمتها الدول العظمى لغرض تقليل خسائرها مع بعض الدول النامية التي بدأت في صناعة السلاح، حتى صارت هذه الفكرة شعاراً بيد الدول العُظمى تستخدمه كأداة للضغط على الدول الأضعف التي بدأت تعي أهمية التسلح، ولكنه بقيَ مُجرد شعار الُستتر خلفه، هو سعي هذه الدول لإخضاع الدول الصغيرة لإرادتها، لأنك لا تجد دولة عُظمى قد تخلت عن أسلحة الدمار، فهو مطلب الدول العُظمى لاستسلام الدول الأقل منها، أو هو مبدأ حق يُراد منه باطل، فكل دولة تنزع سلاحها من دون وثوقها بنزع الدول العُظمى لأسلحتها، إنما هي في عداد الدول الغبية.

تفرد وسلطة كارزمية وغياب لسلطة عامة ذات صلاحيات عالمية، وحاجة لقوة شرطة إتحادية دولية تعدادها بالملايين لفرض إحترام "القانون العالمي" وتعقيد تشكيل هذه القوة، في خضم الصراع الأثني والعرقي المحموم.

لذلك يستشهد فرنر بقول هيجل بأن "السلام الدائم، ولنقل السلام الأزلي، يُفسد الأمم" (ص156).

لذلك يسعى فرنر لتأكيد ححالة الحرب بوصفها من حالات الوجود في الطبيعة، فهي موجودة في صراع الحيونات مع بعضها البعض، ولكن الحيوانات بصورة عامة، تسعى "إلى أن تُسيطر على عدوها أكثر مما تسعى إلى موته،...ولا يسعى الحيون الخاسر إلى الثأر، بل على العكس من ذلك يقبل الهزيمة" (ص173) والحرب مشهود لها في صراع الشعوب البدائية، ولكن الغريب في الأمر أن "ألإنسان يختلف عن الحيوان في حقيقة أنه قاتل، فالإنسان هو الوحيد في فصيلة الثدييات، الذي يقتل و يُعذب أبناء جلدته دون أي سبب بيلوجي أو اقتصادي، ويشعر بالرضا حين يفعل ذلك" (ص174).

لهذا نجد أن العُنف الحربي "يُشكل التحريض الأكثر جاذبية، سواء لدى الذي يُمارسه أولدى الذي يُعانيه. إنه يجعل الإنسان يشعر بأنه يعيش، عُوضاً عن شعوره بأنه يُستهلك في الضجر الكئيب" (ص179ـ180).

من عناوين كتاب فرنر الجاذبة هو (الحرب والنساء)

يُشير في عنوانه هذا لأهمية ودور المرأة فيما أسماه بـ "التشاركية النسائية ـ الرجالية" بوصفها الشرط الأساس اليوم لإنشاء فن سياسي يقوم على مُرتكزات بيولوجية وإنسانية تُساعد على تحرير الطاقات المُنسجمة والمُتكاملة للجنسين اللذين يُشكلان الإنسانية" (ص190).

لا يقبلن النساء برجل أو عشيق لهن إن لم يُظهر أنه يمتلك من القوة والعدوانية في القتال ما يجعلهن مُتباهيات بقوته.

والرجال يُقاتلون ويُحاربون لأسباب عدة، منها، الحضوة بالنساء والتمتع بإمتلاكهن.

والنساء أثبتن قُدؤتهن في المشاركة في الحرب، وفي معارك التاريخ عند العرب والمُسلمين وكل شعوب الأرض ما يشهد لهن بالمقدرة في المُبارزة وصُنع النصر، وقد ذكر (فرنر) شواهداً تاريخية عدة تُظهر دور المرأة وقوتها وعنفوانها في المُبارزة أو في عملهن المُساند للرجال في الحرب وفي (الصليب الأحمر).

يختتم (فرنر) كتابه بإيجاز لموضوعات عدة منها:

ـ العدوانية، بنوعيها حينما توصف بأنها نوع من أنواع الجرأة وتأكيد الذات، أو بنوعها الأخر، بوصفها نوعاً من أنواع العداء، والحقد، والميل الجُرمي..(ص228).

ـ القلق والحرب، وفرنر يُميز بين القلق والخوف، فالخوف عنده هو "الإنفعال الذي ينطلق كردة فعل ضد خطر حقيقي وجاثم، أما القلق، فهو الإنفعال الذي يتطلق ضد خطر لا يوجد له في لعالم الخ رجي، ولكنه مُمكن الوجود" (ص245).

ويظهر دور القلق في سباق التسلح بين الدول المتغايرة أيديولوجياً.

ـ ردع العدوان، على قاعدة "غن كُنت تُريد السلام، فاستعد للحرب"، والشكل الوحيد لردع العدوان أن تكون دائماً مُستعداً للحرب، ويخشاك العدو، لأنه لا يعرف مواطن ضعفك، ولا مكنة له لتقدير حجم قوتك لردعه، كي تجعل عدوك في توتر دائم يخشى قوتك التي لا قُدررة له للتكهن بها وبقوة الردع التي تمتلكها حين إعلان حالة الحرب.

ـ التكنولوجيا والعدوانية، فقد تسنى لمن يمتلك التكنولوجيا القدرة على تدمير العدو أو الخصم بمُدة قياسية، فبفضل التقدم التقني تستطيع الدول العُظمى تدمير الخصم أو العدو بمدة قياسية، تُحسب بالدقائق لا بالساعات.

الحرب خيار لمن هم يرومون التناسل وفق رؤية عرقية أو قومية، تدفعهم عُقد شتى منها:

ـ الكبرياء، وحب الذات.

ـ ومنها عُقد الدونية والفوقية.

ـ ومنها الإرتباط بالأرض، لمن تصوروا أن في الأرض هُوية لهم في الوجود.

ـ ومنها تماهي الكثير منهم مع تسارع التقدم التكنولوجي، فجعلوا من أنفسهم رُسل لهذا التقدم.

وفي القوقع القومي مصالح ستراتيجية واقتصادية، وعوامل دينية، وتراث لغوي وترابط جيو سياسي، وكل هذه العوامل ترتبط بالحاجة الماسة للأمن، فحينما يضطرب الأمن في دولة ما ويستشعر شعبها بذلك القلق، وحينما يزرع مُنظروا هذه الدولة أو الأمة في نفوس مُجتمعاتهم، على أنهم "خير أمة أُخرجت للناس" أو أنهم شعب الله المُختار، فثق أن في هذه الأمة قد زُرعت نبتة نابتة، يستخف أهلها "بشكل غير عادل بالشعوب الأخرى" (ص267)، وسيدب الصراع بينها وبين الأمم المُخافة لها في المُعتقد الديني والأيديولوجي.

 

- الكتاب "الحرب العالمية الثالثة" (الخوف الكبير)

- للجنرال فيكتور فرنر.

- ترجمة د. هيثم الكيلاني.

- دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت ـ لبنان، ط1، 1980.

 

د. علي المرهج

 

 

في المثقف اليوم