قراءة في كتاب

كتابان بترجمة احمد عبد الكريم حميد عن الروسية

ضياء نافعاستلمت بالبريد الاعتيادي الذي كدت انساه (وليس الالكتروني) كتابين مترجمين عن اللغة الروسية صدرا في بغداد . هذا حدث هائل جدا وجميل جدا بالنسبة لي شخصيا - هائل لأن الذي قام بترجمة الكتابين هو واحد من طلبتي المبدعين الشباب (وهي سعادة قصوى لأي معلّم في العالم، عندما يرى ويتلمّس باليد ثمار تلك الشجرة التي غرسها يوما ما في مجال عمله و ارض وطنه !)، وجميل لأنه يؤكد ويثبت بما لا يقبل الشك، ان الحياة الثقافية مستمرة في العراق رغم كل ما يحدث هناك من كوارث ومصائب وصراعات دموية نراها ونسمع بها يوميا.

اريد هنا طبعا ان اتوقف عند هذين الكتابين المترجمين قليلا (بعد ان اطلعت عليهما بامعان)، وان اقدمهما الى القراء، وان اكتب انطباعاتي حولهما. الكتاب الاول بعنوان – (فلاديمير بوتين)، والثاني بعنوان – (ما لا تعرفه عن كرة القدم الروسيّة)، وساكون مضطرا للتوقف عند الكتاب الاول فقط، اذ لا تتحمل طبيعة مقالتنا الحديث عن الكتابين معا، واتمنى ان تسنح الفرصة لي للحديث عن الكتاب الثاني لاحقا، علما انه سبق لنا ان تحدثنا عن كتاب سابق للمؤلف نفسه في هذا الموضوع – (انظر مقالتنا بعنوان – المعجم الروسي العربي في كرة القدم) .

الكتاب الذي سنتناوله هنا جاء بعنوان – (فلاديمير بوتين)، وعليه صورة ملوّنة كبيرة للرئيس الروسي، اما الغلاف الاخير فعليه ست صور ملوّنة لبوتين بوضعيات مختلفة، ويجب القول رأسا، ان اخراج الكتاب قد تم بشكل جميل وجذّاب، ويجلب انتباه القارئ اليه فعلا . يقع الكتاب في 128 صفحة من القطع المتوسط، وهو صادر عام 2017 في بغداد عن مؤسسة ثائر العصامي . الملاحظة الاولى التي أثارت استغرابي رأسا هو ان المترجم لم يذكر اسم مؤلف الكتاب، وانما جاء على الغلاف فقط – ترجمة احمد عبد الكريم حميد (دون ذكر اللغة التي تمت عنها الترجمة، وهذا شئ مؤسف، رغم انه شئ شائع جدا في العراق ومعظم بلدان العالم العربي)، ولم أجد اي اشارة حتى في مقدمة المترجم الى المصدر الذي قام المترجم بترجمته، ولكني وجدت جوابا على (استغرابي !) هذا في نهاية الكتاب، حيث توجد المصادر والمراجع (ص121 و 122، فهناك 17 مصدرا و 8 مصادر من الانترنيت، وكلها باللغة الروسية)، وهكذا فهمت، ان احمد عبد الكريم حميد كان محقّا، عندما كتب على غلاف كتابه، انه (ترجمة)، ولكنه (ربما تواضعا، او، ربما نتيجة لعدم الدقة من قبله او من قبل الناشر، او، ربما لاسباب اخرى) لم يكتب على ذلك الغلاف انه – (ترجمة واعداد)، وفي كل الاحوال، فان ذلك شئ غير صحيح بتاتا، خصوصا بالنسبة لكتاب يتناول شخصية سياسية عالمية بمستوى بوتين وباللغة العربية، اذ ان الكتاب هذا يعدّ اليوم مصدرا مهما للكثير من الباحثين العرب الذين لا يتقنون اللغة الروسية حول هذه الشخصية المهمة والتي تثير الجدل في الحياة الدولية. اضافة الى كل ما ذكرته، فاني وجدت في هذا الكتاب (من ص 93 الى ص119) 89 هامشا تفصيليا عن شخصيات روسية معاصرة وظواهر سياسية مطروحة بحدة في السياسة الدولية قلما يجد القارئ العربي عنها وعنهم معلومات علمية دقيقة ومتبلورة، كالتي جاءت هناك في تلك الهوامش، اذ انه (اي المترجم) أخذها من مصادرها الروسية الاصلية وترجمها وعرضها بموضوعية عالية فعلا وتعتمد على الوقائع المجرّدة ودون استطرادات عاطفية. ان كتابة (89) هامشا تفصيليا حول هذه المجموعة الكبيرة من الشخصيات الروسية والظواهر السياسية بحد ذاته يعدّ عملا علميا رائدا واصيلا، ويضفي على هذا الكتاب صيغة الاعداد العلمي الرصين . لقد كنت احلم (عندما كنت عميدا لكليّة اللغات في جامعة بغداد من 2003 الى 2006) ان اؤسس في كل قسم من أقسام اللغات وحدة خاصة ملحقة بذلك القسم تسمى – (وحدة البحوث)، وتكون مهمتها تكليف ومتابعة كل تدريسي في ذلك القسم بالقيام بنشاط علمي وترجمي خارج بحوثه العلمية المرتبطة بترقيته العلمية، نشاط يرتبط باختصاصه اللغوي ويكون مفيدا للمجتمع بشكل عام، وذلك لاقامة الجسور بين الجامعة والمجتمع، وقد عرضت هذا المقترح على مجلس الجامعة بعد ان بلورناه في مجلس الكليّة، ولازلت أتذكر ردود فعل أعضاء مجلس الجامعة السلبية على ذلك الاقتراح (ويشهد بذلك أ.د. موسى الموسوي رئيس الجامعة آنذاك)، مما اضطرني الى سحب المقترح في تلك الجلسة الصاخبة، وتحويله الى وحدة ادارية عامة في الكليّة ليس الا، خوفا من نسفه كليّا، بعد ان فهمت ان الوضع العام غير مستعد لمثل هذه المقترحات . لقد تذكرت هذا المقترح وتلك الاجواء التي كانت محيطة به، عندما كنت اطالع هذا الكتاب، اذ ان مترجمه أحمد عبد الكريم حميد هو الابن البار لقسم اللغة الروسية في كليّة اللغات، وقد استطاع فعلا ان يستخدم معرفته الممتازة للغّة الروسية، وان يعطي للقارئ العربي صورة متكاملة عن الرئيس الروسي بوتين من أصله وطفولته وشبابه وخدمته في جهاز المخابرات السوفيتية الى عائلته واطفاله ومعلومات عن دخله، اضافة طبعا الى موقعه الرسمي في الدولة الروسية حاليا خلال ربع قرن تقريبا من الزمن، اي ان المترجم استطاع ان يمنح للمكتبة العربية مصدرا مهما جدا يمكن الاعتماد عليه، وهو نشاط علمي خارج نطاق بحوث الترقية، وليس ذلك بالامر الهيّن .

تحية لاحمد عبد الكريم حميد على جهده العلمي المفيد، واتمنى له ولقسم اللغة الروسية الحبيب في كليّة اللغات التقدم والازدهار.

 

أ. د. ضياء نافع

 

 

في المثقف اليوم