قراءة في كتاب

كتاب الدولة.. اللويثيان الجديد

566 فالح عبدالجبارعنوان كتاب للدكتور المرحوم (فالح عبدالجبار)، وكعادته شغوف بالعنونة، ولكنك حين (المُقاربة) بين استعارته لعنوان كتابه هذا من الفيلسوف (توماس هوبز) ستجد البون شاسعاً.

وضع (هوبز) عنوان كتابه (الليويثيان) لتنظيم العلاقة بين السلطة التنفيذية (الحاكم) والشعب، ليكون مفهوم (العقد الاجتماعي) هو الفيصل بينهم كونه الضامن للحقوق والواجبات، فللحاكم حق اتخاذ القرار وفق العقد بينه وبين الشعب، وللشعب حق فسخ العقد، ولكن الشعب مُلزم بالستجابة لقرارات السلطة لانه هو من وضع ثقته بها، فتخلى عنها ويولي الحاكم سلطة اتخاذ القرار، وعليهم (الشعب) أن يتحملوا مسؤولية منحه الثقة به وبقراراته.

(اللويثيان) هو حيوان أسطوري يجمع صفات حيوانات عدَة، كلأفعى والتمساح والتنين والحوت.

يرمز (هوبز) باستعارته هذه إلى أن من يمتلك السلطة لإدارة الدولة له حق اتخاذ القرار ولا مقدرة للشعب بعد منحه الثقه على منعه من اتخاذ قراراته ولو كانت ظالمة، فقط هو الله من يستطيع وربما القضاء عليه.

ومن قرأ لفالح عبدالجبار سيعرف أنه ماركسي التكوين، وبعد التحول هو أقرب في السياسة لجماعة (الديموقراطية الاشتراكية) أو (الديموقراطية الاجتماعية)، وبحدود للـ (الاشتراكية الفابية)، وليس من مُقضيات القول تفصيل المقال، ولكنني أظن أن فالح عبدالجبار يهيم بجماليات العنونة لكُتبه لجذب القارئ ومُراعاة دور النشر في الترويج.

وإلَا بنظرة لا تحتاج إلى تبصر، سيتبادر إلى ذهنك إن كُنت قارئاً في الفلسفة وعلم اجتماع المعرفة لتتسائل:

ما علاقة كاتب مثل فالح عبدالجبار هو في السياسة أقرب لما بيَنت و في علم اجتماع المعرفة هو أقرب لمدرسة (فرانكفورت النقدية) بآراء (توماس هوبز)؟.

الجواب: هو أنه مُغرم باستعارة العنوان الأكثر جاذبية في عالم التسويق والبيع والشراء.

وليتحملني من هو مُعجب بآراء فالح عبدالجبار السوسيولوجية وأنا مثله مُعجب به، ولكن (الاختلاف لا يُفسد في الود قضية) ـ كما يُقال ـ فلا يستبق القول ويُصادر رأيي من دون تفحص لقولي هذا.

حينما نستعير عنواناً لفيلسوف كبير مثل (توماس هوبز) نرغب بتوظيفه علينا أن نضع مُبررات لاستعارتنا هذه، فإما أن تكون مُبرراتنا للدفاع عن تبنينا لهذا العنوان وفق منهجية مقبولة في الاستعارة والتوظيف، أو أننا نروم (تبيئةً) لهذا المفهوم تنسجم وواقعنا الموروث ومُحيطنا الاجتماعي والبيئي وتحولاته السياسية والاجتماعية أو المعرفية بأقل ما هو مطلوب.

تفحص الكتاب من ألفه إلى يائه وستجد أن هذه الاستعارة للعنوان مُقحمة على متن الكتاب، ولا تمهيد ولا مدخل يُبرر لنا من خلاله فالح عبدالجبار استعارته لرؤية فيلسوف يميل للدفاع عن التفرد في الحُكم ليوظفها مُفكر في تأسيسه ماركسي، وفي خاتمته أقرب للاشتركيين الديموقراطيين كما ذكرت.

عندي تفصيل يطول..وسأفرد له بعض من القول...

 

د. علي المرهج

 

 

في المثقف اليوم