قراءة في كتاب

الأمل بالمستقبل يقوّي المناعة

منذ ايام بدأت بقراءة كتاب محترم باللغة الانجليزية عنوانه : بحث الانسان عن المعنى: Man’s search for meaning

مؤلفه هو فيكتور فرانكل ، الذي هو طبيب نفسي نمساوي وكان معتقلاً في معسكر اوشفيتز النازي في الحرب العالمية الثانية وقد قضى فيه ثلاث سنوات .

الدكتور فرانكل يقسم كتابه الى جزئين، الاول هو مشاهدات ووقائع عن التصرفات النازية الفظيعة ضد المعتقلين والتي سوف اعود للحديث عنها في مقالة او اكثر في المستقبل نظراً لما فيها من دلالات كبيرة.

 اما الجزء الثاني فهو مكرس لنظرية (أو مذهب) في العلاج النفسي طورها دكتور فرانكل بنفسه واسماها logotherapy والتي تعني باختصار علاج المريض عن طريق التركيز على المستقبل والمعاني التي يتعين على المريض تحقيقها في مستقبله . كلمة logo الانجليزية تعني الشعار الذي يميز شركة معينة او منتوج او فريق رياضي او مؤسسة . والذي اراده دكتور فرانكل هو اقناع المريض بان يكون له شعاره او بصمته المستقبلية المميزة والتي تمثل شخصه والتي عليه ان يحققها بالفعل والانجاز وليس بالكلام فقط.

انه يسعى الى أن يجعل لحياة المريض المستقبلية معنىً محدداً يختاره هو لكي يعيش من اجل تحقيقه.

انا لم انتهِ تماماً من قراءة الكتاب وسوف اعود لتناول بعض ماجاء فيه كما اشرت فيما تقدم ، لكني صادفت نقطة محددة واجتهدت بأنها مهمة في الوقت الحاضر ومن الضروري عدم التأخر في عرضها.

يقول انه في العام 1944 سرت اشاعة بين المعتقلين بأنهم سوف يعودون الى بيوتهم في نهاية العام 1944 وعند حلول عيد الميلاد . ولا احد يعرف بالضبط مصدر تلك الاشاعة. ولكن السجناء اليائسين تعاملوا معها كحقيقة وأخذوا بانتظار الافراج عنهم وصنع الاحلام حول التحرر والعودة الى البيت والأهل لاسيما بعد الاهوال الرهيبة التي تعرضوا لها على يد الالمان.

لكن الذي حصل ان عيد الميلاد قد حلَ وجاء رأس السنة ولم يحصل شيء مما خلق احباطاً كبيرا لدى السجناء . كان تعامل السجناء مع ذلك يختلف من سجين لآخر ، حيث ان بعضهم ممن يمتلك ، القوة الداخلية، كما يسميها فرانكل ، تغلبوا على احباطهم وأخذوا يمنون انفسهم بموعد جديد وانهم مطلوب منهم الاستمرار بالحياة من أجل احبائهم ، والبعض الآخر حصل لديهم انهيار مروع في المعنويات واصبحوا لايرغبون بالحياة ..ونظرا لتفشي الامراض ولاسيما التيفوس الذي ينقله القمل وظروف العيش المأساوية وسوء التغذية الشديد ، فقد بدأ الوفيات ترتفع بين المحبطين بشكل هائل حتى لم يتبق منهم أحد تقريباً.. في حين أن اولئك الذين تماسكوا واحتفظوا بشيء من الامل والتفاؤل ، كانت الوفيات بينهم قليلة جدا. وتمكنوا من الصمود لغاية التحرير التام اواسط العام 1945 .مع ان الفريقين يعيشان في نفس الظروف تماماً.

تحليل الاطباء كان ان الموتى حصل لديهم انهيار في النظام المناعي في الجسم مما جعلهم فريسة للأمراض الفتاكة ..

وهنا تتفاعل البيولوجيا مع السيكولوجيا في ديمومة الحياة او فنائها.

 نحن الآ في العراق تحديدا نواجه مرضين خطيرين كلاهما يحتاج الى جهاز مناعي قوي:

الاول: مرض كورونا الفتاك

والثاني: هو التفكك المجتمعي والفساد المؤسسي وتفسخ العديد ممن النظم على صعيد السياسة والاقتصاد والاجتماع والدين والثقافة وبنية الدولة والأمن ..

ذلك جعل الناس يفقدون الأمل تماماً في ان يخرج العراق من محنته ، في الوقت الذي يحتاج الناس الى المناعة المجتمعية الكفيلة بمقاومة خطر الموت.

كما يحتاجون الى المناعة البدنية التي تساعدهم في الانتصار على الفايروس القاتل كورونا.

 

د. صلاح حزام

 

في المثقف اليوم