قراءة في كتاب

ماجد فخري ورحلته من الفلسفة الإسلامية إلي الفكر العربي الحديث (1)

محمود محمد عليلعب كثير من المفكرين اللبنانيين في حقبتنا المعاصرة دوراً قيادياً بارزاً لدفع عجلة التقدم والرقي في مجال التفكير الفلسفي، ويكفي أن نذكر كشاهد علي هذا الدور الأستاذ الدكتور ماجد فخري، ذلك الأستاذ المعروف في الوسط الجامعي، والباحث المتخصص في حقل الدراسات الفلسفية، والذي يعرفه الكثيرون من المثقفين والجامعيين الذين درسوا وتخرجوا من الجامعة الأمريكية في بيروت في عام 1941، وهي الجامعة التي أمضى فيها الدكتور فخري زمناً طويلاً طالباً وباحثاً، دراسة وتدريساً، وخلال هذه الفترة درس الفلسفة تحت إشراف الفيلسوف اللبناني شارل مالك، وحصل خلالها علي إجازة الماجستير في الفلسفة من الجامعة عينها في عام 1947.

وفي سنة 1949م حصل ماجد فخري على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعـة إدنبره البريطانية، ولديه اليوم سجل حافل في التدريس الجامعي، حيث درس في جامعـة لندن، وجامعة جورج تاون الأمريكية، وعمل باحثاً زائراً في جامعتي أكسفورد البريطانية، وبرنستون الأمريكية، وباحثاً ثم أستاذاً مساعداً في جامعة جورج تاون منذ سنة 1998م، وفي وقت لاحق أصبح رئيس دائرة الفلسفة فيها، وبعد سنوات طويلة أعطي لقب أستاذ فخري في الفلسفة.

والأستاذ الدكتور ماجد فخري من مواليد 6 كانون الثاني 1923، في بلدة الزرارية في قضاء صيدا (جنوب لبنان)، ويقيم اليوم مع عائلته في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وقد صدرت له العديد من المؤلفات والتحقيقات والترجمات في مجال الفلسفة والفلسفة الإسلامية، منها كتاب "أرسطو طاليس .. المعلم الأول " صدر سنة 1958م، وكتـاب "ابن رشد .. فيلسوف قرطبة " صدر سنة 1960م، وكتاب "رسائل ابن باجه الإلهيـة " صدر سنة 1968م، وكتاب "دراسات في الفكر العربي" صدر سنة 1970م، وكتـاب "أبعاد التجربة الفلسفية" صدر سنة 1980م.

حاضر ماجد فخري في جامعة لندن في بريطانيا من 1950 إلي 1954، وعمل كباحث زائر في جامعة أكسفورد من 1961 إلي 1962، وكأستاذ مساعد في جامعة جورجتاون في الولايات المتحدة الأمريكية من 1965 إلي 1967 . ومن ثم، كباحث زائر في جامعة برنستون الأمريكية من 1974 إلي 1975. وعمل كمدير لدائرة الفلسفة في الجامعة الأمريكية في بيروت، وكأستاذ لتاريخ الفلسفة فيها من 1976 إلي 1998 . ويحمل لقب "  أستاذ فخري  متقاعد في الفلسفة من جامعة جورجتاون الأمريكية منذ أواخر  القرن المنصرم . وبقي ملتحقاً بمركز التفاهم الإسلامي في تلك الجامعة حتي عام 2003 . ويدل  هذا النشاط الحواري علي التزام ماجد فخري قضايا التفاهم الكوني بين الأديان، وبين الحضارات، وبين المجتمعات البشرية . وهو، لذلك، كان يؤمن بفوائد الانفتاح الفكري والتقابس الحضاري، فطفق يناصر في نشاطه الفكري المساعي الإنسانية الرامية إلي ترسيخ ثقافة التنوع والتعاضد الروحي .

ويعد ماجد فخري من الطليعيين بين البحاثة الأكاديميين اللبنانيين والعرب المشتغلين بقضايا الفلسفة والتاريخ لها، وبالأخص في مجالات تدبر شؤون الحكمة المكتوبة باللغة العربية من ضمن سياق تطور الحضارات الإسلامية الكلاسيكية . وهو أستاذ للعديد من الأجيال من الجامعيين، وأعماله لا زالت تتصدر لوائح المراجع البحثية والمصادر الأساسية في مقررات التدريس في تاريخ الفلسفة العربية والإسلامية في الكثير من أهم الجامعات في أوروبا وامريكا الشمالية، وكذلك في العالم العربي . نُشرت له أعداد  كبيرة من الأوراق البحثية في دوريات أكاديمية محكمة بالإضافة إلي العديد من الكتب في اللغات الإنجليزية والعربية من خلال دور نشر أكاديمية عريقة.

والدكتور ماجد فخري من الذين كتبوا حول تاريخ الفلسفة الإسلامية ؛ حيث أصدر كتاباً باللغة الإنجليزية سنة 1970م بعنـوان "تـاريخ الفلـسفة الإسلامية.. منذ القرن الثامن حتى يومنا هذا "، وقد طبعته جامعة كولومبيا بنيويورك، وصدرت طبعته العربية في بيروت سنة 1974م، قام بترجمتها كمال اليازجي.

يتألف الكتاب من توطئتين، (توطئة الطبعة الأولى وتوطئة الطبعة الثانية)، ومقدمة واثني عشر باباً، كل باب يتضمن عدة فصول، وهذه الأبواب مرتبة على النحو التالي:

الباب الأول بعنوان "تراث اليونان والإسكندرية والمشرق " واحتوى على أربعة فصول، الفصل الأول جاء بعنوان "الشرق الأدنى في القرن السابع"، والثاني جاء بعنوان "ترجمات النصوص الفلسفية "، والثالث جاء بعنوان "عناصر من الأفلاطونية الجديدة"، والرابع جاء بعنوان "المؤثرات الفارسية والهندية".

أما الباب الثاني فبعنوان "المشادات السياسية والدينية الأول "، واحتـوى علـى فصلين: الفصل الأول بعنوان "الانقسامات الدينية السياسية "، والثاني بعنوان "نـشأة الحركة الكلامية في الإسلام".

وجاء الباب الثالث بعنوان "طلائع التأليف الفلسفي المنظم في القرن التاسـع "، واحتوى على فصلين: الفصل الأول بعنوان "الكندي أول مؤلف فلسفي مبـدع في الإسلام"، والثاني بعنوان "ظهور المذهب الطبيعي والتنكر للعقيدة الإسلامية".

وتلا الباب الرابع عنوان "تكامل الأفلاطونية الجديدة وصيغتها الإسلامية"، مشتملاً على فصلين، أولهما بعنوان "أبو نصر الفارابي "، والثاني جاء بعنوان "ابن سينا ". وأما الباب الخامس فحمل عنوان "الفيثاغورية الجديدة والترويج للعلوم الفلسفية"، واحتوى على أربعة فصول: الفصل الأول عن "الفلسفة صـنيعة الـسياسة "، والثـاني عن "الافتراضات الرياضية الفلسفية في مذهب الإخوان"، والثالث عن " الكونيات والإلهيات في نظام الإخوان"، بينما اختص الفصل الرابع بالكلام على "علم النفس ونظرية المعرفة في نظام الإخوان".

ثم جاء الباب السادس بعنوان "انتشار الفكر الفلسفي في القرن العاشر"، واحتوى على ثلاثة فصول، الفص ل الأول بعنوان "أبو حيان التوحيدي "، والثاني جاء بعنـوان "مسكويه"، والثالث جاء بعنوان "يحيى بن عدي"..

ثم يأتي الباب معنونا "التفاعل بين الفلسفة والعقيدة "، ومحتوياً على ثلاثة فصول، أولها بعنوان "تقهقر الترعة العقلية في علم الكلام "، وثانيها بعنوان "المذهب الأشعري ووضع الماورائية الظرفية"، والثالث بعنوان "التفنيد المنظم للأفلاطونية الجديدة"..

ثم يتلوه الباب الثامن في "نشؤ التصوف الإسلامي وتطوره "، ومتـضمناً ثلاثـة فصول: الأول عن "الطلائع التقشفية "، والثاني بعنوان "في اتجاه وحـدة الوجـود .. البسطامي، الحلاج، وسواهما"، والثالث عن "التركيب والبنيان الفلسفي".

أما الباب التاسع فعن "الحقبة الأندلسية والعودة إلى المشائية" التي تناولها عبر ثلاثة فصول: الأول عن "طلائع التأمل الفلسفي في الأندلس "، والثاني عن "ابن طفيل وترقي العقل ترقياً طبيعياً نحو الحقيقة"، والثالث عن "ابن رشد والدفاع عن المشائية".

ويجيء الباب العاشر الذي يدور حول "التطورات الفلسفية بعد ابن سينا"، مـن خلال فصلين: الأول عن "السهروردي"، والثاني عن "فلسفة الإشراق في مراحلـها اللاحقة.. صدر الدين الشيرازي وأتباعه".

ثم يتبع ذلك الباب الحادي عشر المعنون "الردة الكلامية والرجوع إلى السنة"، في ثلاثة فصول: أولها بعنوان "الظاهرة الحنبلية الجديدة .. ابن حزم، ابن تيمية، محمد عبد الوهاب"، و ثانيها عن "التحديث والانحلال .. فخر الدين الرازي، نجم الدين النسفي، الإيجي، الجرجاني والباجوري"، وآخرها بعنوان "الارتداد والإصلاح.. ابن خلدون"..

وأخراً يأتي الباب الثاني عشر عن عنوان "التيارات الحديثة والمعاصرة"، متناولاً إياها ثلاثة فصول: الفصل الأول عن "انبثاق الروح التجديدية.. جمال الدين الأفغاني، محمد عبده"، والثاني عن "التجديد في الهند .. سيد أحمد خان، أمير علي، محمـد إقبـال "، والثالث عن "الوضع الفلسفي اليوم"..

هذه هي الخريطة التفصيلية لموضوعات الكتاب ومحتوياته، وهي تكشف عن سمة الشمولية من حيث التطرق إلى الأعلام والمذاهب والاتجاهات المعروفة في تاريخ الفلسفة الإسلامية، كما تكشف من جهة أخرى عن سمة الامتداد التاريخي والعبور من الأزمنة القديمة إلى الأزمنة الوسيطة، وصولاً إلى الأزمنة الحديثة والمعاصرة.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو  مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

.........................

المراجع

1- ماجد فخري: تاريخ الفلسفة الإسلامية منذ القرن الثامن حتى يومنا هذا، دار المشرق، بيروت، ط2، 2000م.

2- زكي الميلاد: ماجد فخري ومنهج دراسة تاريخ الفلسفة الإسلامية: نظرات نقدية، 204  التجديد -المجلد الخامس عشر . العدد التاسع والعشرون. 1432ه / 2011م.

3- نادر البزاري: ماجد  فخري (1023-....): في تفعيل الفكر العربي المعاصر عبر تحليل مصادره الفلسفية الكلاسيكية، منشور ضمن كتاب الفكر الفلسفي المعاصر في لبنان،  مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2017.

 

 

في المثقف اليوم