قراءات نقدية

في قصيدة "يا ذا القلب الحاني" لـــ هايدي جمال شكري

ahmad alshekhawiحضور الجسد للتدليل على مستويات رمزية للحب العذري

بغضّ النظر عن سجعية النص وحرص صاحبته على تطريز مبناه عبر تجزيئه إلى مقطوعات أربع يذيّلها النسق الضمني الذي يتطلب بذل جهد ينم عن دربة ومراس ودقة في التمحيص تفضي إلى تصيّد الأغراض الكامنة في مفاصل الجسد الشعري،بصرف النظر عن هذا الطرح فهو يكاد يشي بنوايا شاعرة مصرية في انتمائها وانتسابها إلى مناخ دموي مضطرب .

عبر لوحة من بوح يواري جراحات الذات الإبداعية ويحتفي بالجسد الأنثوي خصوصا ويرتقي به حدّ الكمال ، تتمثل تلكم النوايا في سرد منظومة مواصفات يشترط في " المخلص" حيازتها للظفر بقلب أنثى على هكذا طراز يتحرك مخيالها داخل حدود هواجس مؤججة للتوجس من تبعات ثورة لا تعترف بثيمة إنسانية اسمها الحب.

 

يا ذا القلب الحاني

يا فارساً .. طهره أغفاني..

أيا فريداً .. أيا أميراً

أيا رباناً

رست سفينته علي مينائي

فأتاني

بحب الشمال وعشق الجنوب

بساتين الزهر .. قوارير الطيوب..

نقاوة ..عذوبة .. وعفة قلوب

هنا، بالعنونة ذاتها تفتتح الشاعرة قصيدتها للتأكيد على ما يفيد سير خطابها باتجاه عكسي تماما، لما يمنح المتلقي انطباعات تغييب التوازي الطبيعي بين القلب والجسد/القلب الحاني.القلب ليس كمضغة ملموسة إنما كوعاء رمزي لترعرع إحساس إنساني لا اعتدال ولا اتزان مع تعطيل وظيفته الحيوية على شاكلة ضامنة لتحقيق التكامل الجنسي والنفسي بين النوعين البشريين ذكرانا وإناثا.

وعملية المزج الدمثة بين أبعاد شيم المنادى عليه في النص/المخلّص باعتبار التمثال المرسوم له إبداعيا يتميز بنفحة من قداسة مراوغة يتهيأ لنا من خلالها كون هذه المواصفات فوق ما يطيقه البشر،و بين   نرجسية الشاعرة/أغفاني / مينائي، عملية مهدّت لاستحضار جسدي مستشف من منطوق مستويات النص الصامتة/رست سفينته على مينائي، ففي الجملة إشارة إلى الماء الآخر في أسمى مفاهيمه وفق ما يفيد استدراج المتلقي إلى تأويلات ذهنية تستدعي ضرورة وشم اللحظة بخاتم الحب العذري، لحظة تمييع الفحولة لدرجة معها يميل الطرف النقيض للأنثى إلى ما يفجر لديه شهوة استعبادها هي وإن بأشكال غير مباشرة كاتقاد شهوة الفتك لديه والتخريب والتدمير.فتقول: نقاوة.. عذوبة .. عفة قلوب..

يا ذا الثوب الأرجواني

يا قيصراً.. سيفه أحياني

أيا راهباً … أيا ناسكاً

أيا ساهراً

أتي وتعبد بمحرابي فهداني

بطيب الخواطر ..بصدق المشاعر

بحب وأخفي ما بقلبه من كروب

رجولةٍ… وحكمةٍ

تُذيبُ الحروب

تشمل هذه القطعة بدورها تكرار النداء، ويحضر الجسد مرة أخرى/الثوب الأرجواني، متماهيا مع الإقحام القصدي لنرجيسة سيتأكد في أبيات لاحقة كيف أنها مختزلة للغة " النحن" وعولمة الحالة الإنسانية والجنوح إلى تصورات مشدودة إلى الوعي الجمعي.

ومن جهة أخرى، وبسبب تدافع صور شعرية جديدة يأخذ ضباب اللبس الذي قد يخامر الفهم، ولا تدع مجالا للشك في أن المعني والمخلص آدمي ، فالرهبان والقساوسة من طينة البشر بالنهاية /أيا راهبا/أيا ناسكا.

وأداة النداء"أيا" دالة على الدنو التدريجي للمنادى عليه، ما يعكس استعجال لحظة الخلاص،وخلف ذلك نفسية قلقة وجلة أدمتها بربرية الراهن وفوضاه،وإن على نحو من التدثر بثوب الألفاظ والمعاني المتشبعة بالأمل كسلاح ضد تسرب أي من أنماط الروح الإنهزامية في مرحلة مصيرية وحاسمة جدا.

نلاقي كثيراً أناساً عزيزي

وتفرق مقادير الحياة الدروب..

وتجمع أخري بشتي البقاع

ومن يتحمل منا الذنوب ؟

وماذا يخفي قدرك وقدري؟

سعادة وفرحة أم مرارة هروب

يأخد النص منحى عقائديا ،فيتم ربط إكراهات الحياة وضغوطاتها وتقلباتها،بالأقدار ومدى ما تخفيه من مسرات وآلام، وهنا يوضع الجسد في زاوية اتهام كونه ينطوي على قابلية رهيبة لاقتراف الذنوب واجتراح ما يلطخ العفة ،في حالة الإنزياح عما يشحذ فينا المحفزات المثالية للحب،كفكرة أمّ تتمحور حولها هذه القصيدة التي تضمر فوق ما تظهر.

أعلم أن العمر سيمضي..

وأني في زحام البشر سأذوب

وإن أفقدتني الحياة بريقي..

وسُرِقَ العمر مني وحل النضوب

وإن تُبْتُ يوماً عن كل ما بعمري

فعن إجلالك لن أتوب...

وختاما،الجسد في سلم تنقله من النضارة فالذبول إلى الفناء، يعلمنا وعبر دروس تاريخية درامية ،كيف أن توبة العاشق مستحيلة جدا/فعن إجلالك لن أتوب. وهو ما يعود بنا في حركة شعرية لولبية إلى نقطة انطلاق النص للتدليل على الدفع بحركية الجسد المملي اشتراطات تكاد تكون وهمية ،اللهم إذا أنجب الغيب مخلصا بمستوى مواصفات التمثال القابع داخل إطار مخيال شاعرتنا والتي آثرت التغني بمثالية الحب على أسلوبها الخاص والمتفرد.

 

أحمد الشيخاوي/شاعر مغربي

/14/04/2015

 

 

في المثقف اليوم