قراءات نقدية

الأنا وآخرها المتعدد .. قراءة في فيلم "غلطة لفولتير لعبد اللطيف قشيش"

husamadin amar"غلطة لفولتير فيلم فرنسي من اخراج عبد اللطيف قشيش يروي قصة شاب تونسي جلال يتحصل على بطاقة اقامة وقتية بفرنسا بعد ان يدعي انه لاجئ سياسي جزائري،

يحاول جلال التعايش مع وضعيته الجديدة بفرنسا يتعرف على أم عزباء فرنسية من أصول تونسية يقرر الزواج بها لكنها تقرر مغادرته يوم الزفاف، في الأثناء تتعلق به فتاة فرنيسة تعاني مشاكل نفسية

سنحاول في هذه المداخلة التعرض بالدرس لمسألة الأنافي علاقتها بالآخر المتعدد والمركب وذلك من خلال شخصثية جلال ومن ورائها المخرج عبد اللطيف قششيش وذلك كقراءة للتجربة السينمائية كتجربة غيرية une expérience d’altérité . سنخصص الجزء الأول من المداخلة لتعريف مفهوم الآخر، في الجزء الثاني سيخصص للآخر المتعدد في الفيلم فيما يخصص الجزء الثالث والأخير لمسأة المتخيل واشكالية الاختراق أو الاكتساح الذي من الممكن ان يمارسه المؤلف أو يخضع له.

 

الآخر ورحلة المصطلح

من الصعب تقديم مفهوم متكامل لمفهوم الآخر فهذا الأخير تطور من الصفة الى الاسم عبر مراحل عديدة أو عبر ما يسميه الباحث سعد البازعي رحلة الاصطلاح فهذا المصطلح تبلور في حقل العلوم النفسانية مع جان لاكان الذي استعمله صمن جدلية الذات والموضوع قبل أن يعرف تعاريف متعددة مع من يسمسهم كريستيان ريبي فلاسفة الاختلاف أي مع فوكوو دريدا ودولوز وليوتار. لكن الدراسات الثقافية والنقد ما بعد الاستعماري جاءا ليرسخا مفهوما شديد الخصوصية للآخر وكان ذلك مع كتاب الاستشراق لادوارد سعيد ليصبح بذلك الآخر "التكوين الثقافي والجغرافي والانساني عموما المغاير للغرب والمسمى الشرق" هذا الآخر الذي سينقله ادوارد سعيد وبعبارة فتحي المسكينس من حيز الموضوع الى افق الشخص أو الذات وهو ما يعتبر تطورا هاما في تاريخ المصطلح باغت الفكر الغربي ذاته ، يقول فتحي المسكيني في قرائته لهذا الطرح " ان الطرافة الفلسفية لهذا التشخيص لا يمكن الارتياب فيها حيث أن ادوارد سعيد ليس فقط استلهم المكاسب الحاسمة لنقد براديغم الذات الحديثةلدى نيتشه او هايدغير بل هو يتملكجملة الجهود النظرية المعاصرةلبلورة مساءلة موجهة لظاهرة الآخر ومحاولة كتابة تاريخ الغيرية في التراث الغربي كما تحقق في كتابات مورلوبونتي وفوكو خاصة، غيرية الأنا الآخر والجسد الآخر او المجنون او المريض او المسجون او الشاذ او الهامشي او المعارص، بيد أن الجديد لدى سعيد لا يتمثل فقط في سحب تلك الجهود على منطقة يفترض الوعي الفلسفي الغربي انها تقع في الخارج لانها صفة الغريب والعجيب والبعيد والمختلف والبدائي والهمجي والبربري، بل بخاصة في البيان على نحو من الاتزام الابستمولوجي الصارم باشكالية العلوم الانسيانية المعاصرة وبادواتها الاكثر نضجا أن هذا الآخر الكبيرليس غريبا ولابعيدا ولا خارجا بل هو من صنعنا لانه تمثيلنا وناشئ ضمن تجربتنا"

ينقل سعيد الآخر من الحقل الفلسفي والنفساني الى الحقل الثقافي ويكشف عن مكان يسكنه الأخر ولكن هذه المرة خارج اوروبا هنالك في الشرق.

الآخر تركيبة ثقافية معقدة تصنعها الذات لتحسن التموضع داخل العالم كما انه متعدد ومركب، هذا ما سنحاول تقصيه في الجزء الثاني منه المداخلة.

 

الآخر المتعدد

يدفع عبد اللطيف قشيش بالتجربة الغيرية الى حدودها القصوى فيحضر الآخر متعددا في فصاء جغرافي يقصيه ويلفظه، وذلك من خلال شخصيات الفيلم قاسمها المشترك انها آخر "الغرب" الداخلي كان أو الخارجي جلال الشاب التونسي القادم توا لفرنسا، لوسي التي تعاني مشاكل نفسية، نصيرة ام عزباء فرنسية من اصول تونسية،ليلي فرنسية من أصول مغربية، نانو فرنسي من أصوا جزائرية، بول معتنق الديانة البوذية التيبيتية، اندريه وفيليب فرنسيان مهمشان يقيمان بالمساكن الاجتماعية. ولكن كل أنا من هؤولاء تحاول "الآخرين" تحاول بدورها تحديد " آخرها" وذلك بتنصيب ذاتها اساسا لاصدار المعايير فجلال الذي تخفى بالانتماء للجزائر للحصول على اقامة وقتية ينتصب له الجزائري معنويا آخر ويمثل له عبئا ثقيلا يعجل بلفظه والتخلص منه في أول حالة لاوعي "حالة سكر" ، هذه الذات هي التي تحدد الجزائري حتى أن الأمر لايمكن أن يفهمه من لاينتمي الى ثقافة الجنوب اذ عندما يصرح جلال لصديقه اندريه بانه تونسي وليس جزائري في مشهد يظهر على جلال شيئ من الحرج يجيبه الاخير ببرود ولا مبالاة واذا et alors

يقدم عبد اللطيف قشيش احساسا عميقا بهذه التفصيلات المعقدة لتركيبة الأنا التي تحدد آخرها بطرق متعددة فجلال تونسي ولد بتونس وما عدا ذلك هو الأخر حتى ولو كان تونسيا ولد بفرنسا أو جزائري وهو مغاربي وما عدا ذلك هو الآخر يقول لليلى المغربية "نحن كلنا اخوة". بل ان المخرج يجعل من الثقافي كالشعر والموسيقى والمتخيّل تجربة غيرية وذلك من خلال مشاهد مختلفة تؤكد فيها الشخصيات انتمائها الى منظومة ثقافية وتخييلية شديدة الخصوصية وبالتالي الى علاقة لهذا المخرج بالمتخيل تعكس انتماءه الى ثقافتين مختلفتين وهوما يجعله في حالة فصام schizophrénie واللفظ نستعمله مجازا ثقافي .

 

المتخيل والغيرية

يحاول عبد الطيف قشيش اختراق المتخيل الغربي واكتساحه، هذا المتخيل الذي اطر الشرق واخترعه هوويا بعبارة ادوارد سعيد، فتملك المخرج للادوات والآليات التقنية والجمالية تجعل من فيلم "غلطة لفولتير" بمثابة احداث لفجوة داخل النظام الدلالي الغربي الذي يحكم النظرة الى الشرق دون هدم هذا النظام . فالتغييب المتعمد للخير والشرير هو محاولة للانزياح عن الشكل الصدامي الذي يحكم أغلب الأعمال السينمائية التي تطرح مشاكل المهاجرين بفرنسا فاستقبال آخر اوروبا الداخلي الهامشي والمجنون يخترق قشيش المتخيل الغربي الذي يرى في التقاء آخر اوروب الداخلي بآخرها الخارجي مؤديا لا محالة للصدام والعنف ونذكر هنا على افلاما من قبيل la haine لكاسفيتز او Tchao Pantin لكلود بيري.

اختراق هذا المتخيل يرسمه قشيش بكل دقة فجلال التونسي يتقن الفرنسية ويحب الشعر العربي والفرنسي وانساني مغرق في انسانيته، والمخرج يثبت بذلك انه استمع جيدا الى ما يقوله الغرب عن الشرق، وو أنه هضم أنه وتصالح معها، تقول دانيا سيبوني " الآخر يسمع بلسانه بما يمكن أن يقوله عما يسمعه".

و لكن يراودني في نهاية هذه المداخلة، ان كان قشيش قادرا على اختراق متخيل آخره الغربي فهل أن متخيله هو بقي بمنأى عن هذا الاختراق، لقد أرسل الفرنسيون منذ زمن شاحنات الأفلام الى الأسواق الاسبوعية ابان الفترة الاستعمارية لمنافسة المداح والفداوي ولاحتلال المتخيل الجمعي المغاربي كما يقول بلقاسم حجاج. كما أن مفاهيم كمفهوم احتكاك الحضارات وضع لأول مرة سنة 1911 في المؤتمر العالمي الأول للاعراق بمشاركة انطروبولجيين وهو الذي رسخ مفهوم مجتمعات ما وراء البحار.

في المثقف اليوم