قراءات نقدية

قراءة في قصيدة الشاعر لشاعر الوطن القدير

الوطن طائر العنقاء يولد من رماده ينهض من جديد على تراتيل شاعر الوطن

يقول أرشيبالد ماكلش في كتابه الشعر والتجربة ص 17:

"نحن الشعراء نصارع اللاوجود لنجبره على ان يمنحنا وجودا، ونقرع الصمت لتجيبنا الموسيقى، أننا نأسر المساحات في قدم مربع من الورق، ونسكب طوفانا من القلب الصغير بقدر بوصة . فتأمل ماذا يعني هذا "

والشاعر شلال عنوز حياته قصيدة والقصيدة هي حياته يصارع اللاوجود ليمنحنا وجودا، فهو يتماها مع كلماته وصوره يلغي الحدود بينه وبين كلماته وصوره فتراه عندما يكتب عن النهر هو النهر ويلغي الحدود بين الحواس فالألوان والأصوات تمتزج لديه اضافة الى الموسيقى الداخلية التي تضفي على المشهد جمالا أخاذ فهي تكون في اغلب الأحيان كرتم داخلي وأحيان تكون كخارطة تدلك على الطريق

يوظف القيم والأشكال البصرية على الصفحة حتى تتداخل سيمياء الفنون التشكيلية وسيمياء الفن الشعري فالبنية الخارجية للمضمون تمتزج مع البنية الداخلية وإيقاعات القصيدة من خلال المساحات البيضاء والتنقيط الذي يعتمد عليه الشاعر ليعطي للكلمة مداها وللمتلقي فسحة من التأمل

أذن النصّ والسياق يتحدان لدى الشاعر من خلال وحدة الموضوع

فالقصيدة عند الشاعر لها قيمة رسالية ووجدانية ومعرفية معاً

والشاعر لديه القيمة الموضوعية تتقدم على القيمة الذاتية يقول اندريه بروتون في كتابه بيانات السريالية ص51 "أنه أي الشاعر لا يهتم بالألفاظ ولا بالتراكيب كيف تأتي وكيف تتراكب وتحصل وهو يستطيع بهذا التعبير عن رأيه في عدد من المواضيع أي موضوع "

فمن خلال الصورة المفردة والصورة المركبة وطريقة بنائها في أساليب عدة منها: التوليد والتراكم والمفارقة التصويرية ليصل الى الصورة الكلية، مبينة دورها الدلالي والجمالي الخاص، معتمدا على المشهد (اللقطة السينمائية والتفاصيل والتشكيلية).

ان سعي الشاعر في البحث عن أشكال شعرية ذات مستوى فني عال تحت إطار قصيدة النثر بمفهومها المتجدد الذي قد يؤدي إلى شكل شعري أكثر تحرراً قد يوصلنا الى القصيدة المطلقة وهذا ما نسعى اليه

الصور لديه تتوالد وتتابع بنظام هرموني جميل معتمدة على وحدة الموضوع وانسيابية العبارات في إيقاعاتها الداخلية

ان ذات الشاعر تفصح عن علاقتها الجدلية مع محيطها الخارجي فالوطن هو هم الشاعر فالقصيدة لديه عبارة عن سيل من الدفقات الشعورية فترى الشاعر متوهجا يشعل كلماته قناديل لتنير قتامة الليل لعلى الآخرين يقتبسون النور من قناديله يغني للريح حيث المدى المزدحم بالصخب والضجيج لعل كلماته توقظ الآخرين وتدلهم على مصدر النقاء

هواء فاسد دخان اسود يمتزج مع الضجيج يبتلع المدى وطوفان الصراخ الذي ينبعث مع الآهات أنهم الفقراء قلب الوطن النابض وملح الأرض تغمرهم متاهة الأسى، انكسارات، ضياع، العتمة تبتلع أخر ضوء للأصيل، زمن مشوه لا يحتمل حتى أحلام النوارس التي هاجرة نحو الغياب، ما لذي يريده الشاعر وأي صرخة يطلقها في هذا الصمت الرهيب انه الوطن الذي ادخلوه في متاهة التشرذم والضياع والتمزق

يُشعلُ قناديله في أُفقٍ قَتام

يُغنّي للريح حيثُ المَدى المُزدحم

....بأصواتٍ مُشَوّشة

.....يشربُها ألضَّجيج

يتنفّسُ دُخاناً

.......امتطتهُ رائحةُ التّبغ

فتشظّى في رئتَيهِ

..........ألَماً

.......قَيحاً

......مَرارَةً

يبتلِعُ طُوفاناً مِن صراخٍ

...................توسّدَ أذرُعَ الغسَق

.......................مُتسربِلاً

..................................جَلابيبَ الضّياع

.................................انكِسارتِ الزمن المُشوَّه

...............................هجرة النّوارس

فهو كلما ذكر الوطن ينهض كل مجنون،مذهولا لما يجري فهو لا يملك سوى روحه وكلماته يشهرها كالسيف بوجه الأعداء الذين اعتلوا صهوة الوطن وهم عابثين لا يجيدون ركوب الخيل كفرسان فيستلهم الشاعر روح المتنبي ذلك الشاعر والفارس الذي رفع شعاره على طول الزمن الخيلُ والليلُ والبيداءُ لكن في زمن شاخ فيه الترقب وتناسل الانتظار ما عاد يجدي سيف أبي فراس الحمداني لوطن مكلوم يتلمس الشاعر جراحاته جرحا جرحا ماذا فعلوا بك أيها الوطن الفارس الأصيل

كُلّما ذُكر الوطن

ينهض مجنوناً

....كأُمٍّ ذُبح رضيعها أمام عينيها

..لاتجيدُ عيرَ

............النَّواح

..........الفَزع

.........التَّبتّل

بين الفَينة والفَينة

.....يقفزُ مذعوراً مثل حصان مسلوب...

.................اعتلى صهوته عابِث لا يُجيدُ

.........................ركوب الخيل فارساً

المُتنبّي يدقُّ أعماقه بمطرقة..

(...... الخيلُ والليلُ والبيداءُ........ )

هوَ صوتٌ لكل ألأزمنة

...................شاخَ فيه الترَقُّب

...............تناسلَ فيه ألانتظار

أسعِفيهِ أيتها القصيدة ؟

فما عادَ الشعرُ..

.........سحابةً مِن وَدق

......ولا سيفاً بيد (أبي فراس)

ينامُ مَكلوماً على جراحات الوطن

...يتلَمَّسُها جُرحاً جُرحا

يتلمس الشاعر الجراح فيفز مفجوعا فيرتسم الوطن في عينيه دمعة وفي قلبه تفيض الكلمات على وطن هو كالأسير المرتهن

فيكون الشاعر دمعة وقصيدة فينبثق الأمل من القصيدة وينهض الوطن من جديد كطائر العنقاء يولد من رماده، ينهض مدنا من عنفوان وافق من تجلي ورايات من شموخ تنهزم الظلمة امام بهاء نوره وكل جيوش الظلام تندحر، لا خنوع ولا ترقب ولا انتظار هاهي القصيدة تعج بالضوء فيورق الصباح بالندى فيرقص الأمل مَفتوناً على تراتيل شاعر الوطن

 

فيفزُّ مفجوعاً

يبكي الوطن ..

...دمعةً وقصيدة

بينَ القصيدة والوطن..

...مُدنٌ مِن عُنفوان

..أُفقٌ مِن تجلٍّ

..راياتٌ مِن شموخ

.............يبتلعُ كلّ

....................غبار الخنوع

.................سَخام الهزيمة

...............وجع ألانكسار

أسعفيهِ أيتها القصيدة..؟

...........لتزدهي الحروف

.........يضجّ الضّوء

.........يورق الصّباح

فيرقص الأمل مَفتوناً

على تراتيل شاعر الوطن

القصيدة تحمل من الحداثة والتمييز بلغتها التعبيرية الرائدة التي استخدمت النثر بكامل طاقاته الهائلة والتي اعتمد الشاعر فيها على مرجعيته الذاتية حيث كان هو مقابل العالم جسد فيها خلجات وهواجس الوطن

والشاعر اختزل الزمن في القصيدة في حواراته الداخلية واستلهامه لشخصيات معينه بذاتها لما هذه الشخصيات من قيمة أدبية وتاريخية ومعنوية

وأخير فالشاعر شلال عنوز من خلال موهبته الفذة وتجربته الشعرية جعل النص ساحة للتجاذب بين الفضاء الداخلي المتمثل بالمضمون والفضاء الخارجي المتمثل في الشكل المرتبط ببنية الواقع كما يذكر علوي الهاشمي في كتابه تشكيل فضاء النص الشعري بصرياً ص82

النص

الشاعر

يُشعلُ قناديله في أُفقٍ قَتام

يُغنّي للريح حيثُ المَدى المُزدحم

....بأصواتٍ مُشَوّشة

.....يشربُها ألضَّجيج

يتنفّسُ دُخاناً

.......امتطتهُ رائحةُ التّبغ

فتشظّى في رئتَيهِ

..........ألَماً

.......قَيحاً

......مَرارَةً

يبتلِعُ طُوفاناً مِن صراخٍ

...................توسّدَ أذرُعَ الغسَق

.......................مُتسربِلاً

..................................جَلابيبَ الضّياع

.................................انكِسارتِ الزمن المُشوَّه

...............................هجرة النّوارس

كُلّما ذُكر الوطن

ينهض مجنوناً

....كأُمٍّ ذُبح رضيعها أمام عينيها

..لاتجيدُ عيرَ

............النَّواح

..........الفَزع

.........التَّبتّل

بين الفَينة والفَينة

.....يقفزُ مذعوراً مثل حصان مسلوب...

.................اعتلى صهوته عابِث لا يُجيدُ

.........................ركوب الخيل فارساً

المُتنبّي يدقُّ أعماقه بمطرقة..

(...... الخيلُ والليلُ والبيداءُ........ )

هوَ صوتٌ لكل ألأزمنة

...................شاخَ فيه الترَقُّب

...............تناسلَ فيه ألانتظار

أسعِفيهِ أيتها القصيدة ؟

فما عادَ الشعرُ..

.........سحابةً مِن وَدق

......ولا سيفاً بيد(أبي فراس)

ينامُ مَكلوماً على جراحات الوطن

...يتلَمَّسُها جُرحاً جُرحا

فيفزُّ مفجوعاً

يبكي الوطن ..

...دمعةً وقصيدة

بينَ القصيدة والوطن..

...مُدنٌ مِن عُنفوان

..أُفقٌ مِن تجلٍّ

..راياتٌ مِن شموخ

.............يبتلعُ كلّ

....................غبار الخنوع

.................سَخام الهزيمة

...............وجع ألانكسار

أسعفيهِ أيتها القصيدة..؟

...........لتزدهي الحروف

.........يضجّ الضّوء

.........يورق الصّباح

فيرقص الأمل مَفتوناً

على تراتيل شاعر الوطن

...........................

 

شلال عنوز / النجف ...17/1/2015

 

في المثقف اليوم