قراءات نقدية

منتجع القول ذات سانحة.. تغاريد المنحى المموسق في كينونة جمال رميلي

أقضم عابرا للسبيل بعض منافي التجلي في مجموعة "تغريبة المنافي" للشاعر الفذ جمال رميلي، لم أكن متأبطا زادا مثقلا بنظريات النقد المطلة من "جملة" بنيوية أو من ثلم "سميائية" استعراضية كانت أو من ماء النقد المحدث أو "البرغماتية التطبيعية".

كان العبور على مشارف المنافي: منفى يوشّح منفى ويتقيأ نفيا لكن دون الوقوف عند المناهج ما بعد الحداثة والتي هي كما هو معلوم ارتبطت أيما ارتباط بمرحلة ما بعد السبعينات، حيث أن الشاعر جمال رميلي ينتمي لهذه الموجة، .

هذه "الفهوم" التي تتوزع على العددية،التناص، إعادة الاعتبار للمبدع والمتلقي. مع تضمين " المقصدية وكل السياقات الخارجية لهذا التجلي، دون إغفال الذكورية والأنوثة وغير ذلك من "الفهوم" والمفاهيم، وصولا إلى التركيز على مسلك التفكيك ولواحقه في تشريح النص والتناص معا، وكذا الخطاب والتأويل ..وصولا إلى النظرية الجمالية الجديدة ..والمادية الثقافية وغيرها من مصطلحات النقد الحديث ..وتراكماته ..

إذا كان أقطاب هذه المعابر عبر مساءلة للنص قد اجتلوا المرامي في كثير من المناهج على سبيل المثال المنهج التفكيكي، تحت زعامة الكثيرين من رواده ـ وقد اقتصر على بعضهم أمثال: جاك دريدا، وزمرة ييل الامريكية المعروفة، وسيميوطيقا التأويل عند الفيلسوف الفرنسي بول ريكور وعبد الله الغدامي، ومجاري المقاربات التي اقترنت بالفرنسي جان بول روسبير وكذا مقاربات الإثنوسينولوجية التي عانقها في مجال المسرح والدراما خاصة جان ماري براديي، وغيرهم من أقطاب ما بعد الحداثة ..

كل هذه " الحمولة التنظيرية، لا طائل وراءها- في اعتقادي - في هذا العبور، ليس لكونها لا تحمل زادا معرفيا ممنهجا وإنما لكونها تثقل المُموسق والمقدس والملائكي عند الشاعر جمال رميلي

إذا امتطت صهوة أبنيته "المعمارية" أو كانت عقدا على جيده الاستطيقي، .

- اي السيمائية و الاستطيقيا السيميائية، والجمالية الممكنة - فستصبح في هذه الحالة عجوز شمطاء ومذهب قريب من المدنس، عدو المقدس عند الشاعر ..

الشاعر الفذ جمال رميلي المنزه على هذا الثقل الكمي وهذا التضاد في " الإقرار " وقد تتوزع مدارك كل توقف من هذا القبيل فتلطخ ثورته المعمارية والبنيوية الصرفة لديه. .

الشاعر الجميل جمال رميلي، بقدر ما هو جميل هو ثائر على جملة من السلوكات التي قد لا تفضي "إيجابا" إلى منتجع القول، وقد تصبح من وجهة أخرى " سمسرة " مجانية أيضا لا طائل وراء ربحها الأجوف ..

لذلك كانت توطئني بهذا المدخل الفهومي، والمفهوماتي فقط لأصل برا، جوا، بحرا وعبر كل الثقوب والفصول إلى " مفصلية التسامي " عند الشاعر جمال رميلي من منطلق أن الشاعر يحمل عبر قصائد " اشتهاء الدلالة والمنحى " وقدسية التناغم والتموسق، ومجاري ينابيع لا تستبيح عبور الوحل ولا الأتربة الزائدة وهي في غنى عن كل حمولة تثقل كاهل رؤاه ..

هو شبل الأوراس .

 يقول ممتشقا سيفه في هذا المنحى الدلالي :

لكن "

وإن ملأوا المدى غبشا ..

واستنفروا الموت الذي ..

حرسوا ..

أن يصبغ المغنى ..

بميسمنا ..

هذا الذي ..

من وأده يئسوا ..

سنعد من نبض لنا ..

قبسا ..

ولسوف يرسم نبضنا القبس "..

هذا بركان يطلق حممه من فوهة الشاعر جمال رميلي، هذه الرمية ..القزحية حقل رماة من عيار ثقيل لكن في قفازة من ورد ومبدأ وثورة كامنة، وهو رد على "الأخر" مهما كان الأخر .. أو هذا الغير.

هذا قبس من قبس من رائعته " قبس " أول قصيدة في مجموعته التي تتوزع عبر 31 قصيدة ..

هو ذا الشاعر جمال رميلي الذي أهداني مجموعة " تغريبة المنافي " مشكورا ممهورة بتوقيعه .. وهذا عبور استهلالي مني بعيدا عن النظريات وبمنأى عن كل ركام نقدي يفسد إطلالة قوس قزح في تجليات هذا الشاعر الذي يذهلنا ببسالة نحته وحفرياته عبر مداه وعلى جميع الأصعدة : ثورة كامنة وتوقا إلى مدى كان يرشح بمداه ومداده، عبر ما تؤججه المداخن وما أسفرت عنه بلغة الساسة مواجعه في التناص والترويض والتدوير وهندسة كل لازمة، وهي تعبر صدى الكون لديه، هي ذي كينونته، وقد نعود للمجموعة في وقت لاحق عند تفّر الظرف لذلك متسع آخر، هذا عناق حميمي من معجب بالشاعر والمجموعة كمتلق وليس كناقد ..

وهذا عبور مني للتحية وللتحلية ومحاولة الاقتراب من " المموسق " الملائكي .. عند هذا الشاعر الفذ الذي كان فارسا مغوارا بامتياز بحقل " الرماة بملتقى ربيع الشعر البليدي بالبليدة أين جمعنا منتجع القول ذات لقاء .

 

كتب أحمد ختاوي

 

 

في المثقف اليوم