قراءات نقدية

العلاقة بين الإبداع والمتلقي

sabiha shobbar2قبل التحدث عن نوعية العلاقة، التي تربط بين الإبداع والمتلقي، لابد من توضيح ما هو الإبداع؟ وما هي الأسباب التي تجعل المبدع، يلجأ إلى نوع معين من الأنواع: كيف يعبّر عن نفسه، واصفا العقبات التي تفسد عليه بهجة الحياة، وتحول بينه وبين التمتع بها، ثم يبين السبل الناجعة للخروج من الأزمات المتلاحقة، التي تحيط بمن كان ذا رؤيا خاصة، لا تنسجم مع وجهات النظر، المهيمنة على المجموع، والتي لا تتوافق مع الرأي العام، وسواء أكان الإبداع فنا أو أدبا، فلكل مبدع طريقته الخاصة للتعبير، عما يجده من سدود مانعة، ولماذا يبدع الإنسان، ومن هم الأشخاص الذين، يحرص على مخاطبتهم وكسبهم، للوقوف في صفه إزاء عدد من القضايا، التي يجد نفسه مرغما على التوافق معها؟، خوفا أغلب الأحيان أو إضطرارا او رغبة.

أظن أن كل مبدع بحاجة، إلى من يتلقى منه الإبداع، فالأديب يرغب أن يقرأ الناس نتاجه الأدبي، والرسام يطمح إلى أن تطّلع فئة من الجماهير، على رسوماته، والعازف يأمل وصول ألحانه، إلى من وضعها من أجلهم، والممثل يحب أن تصل رسائله، إلى عدد كبير من الناس، وان كان للإبداع رسالة معينة، يحرص المبدع على إبلاغها، وانتقاء الطرق الجميلة، لوصول هذه الرسالة للمرسل إليهم، وان كانت هذه القاعدة لا تخلو من استثناء، فقد وجد مبدعون لا يحبون أن يطلعوا الناس على نتاجهم الفني، فماتوا وعرف بعد رحيلهم، أنهم مبدعون.

الإبداع مختلف ومتعدد، وقوانين تلقيه والإعجاب به، قد تتشابه رغم اختلاف طرق توصيله، وأدواته الفنية، الحرص على الجمال والسمو بالمعاني، والسعي نحو العواطف النبيلة،والارتقاء بذوق الجماهير المتلقية...

فهل استطاعت الفنون العربية أن تجد متلقيها؟ وما هي نوعية تلك العلاقة بينهما؟ وهل تمكن الأدب العربي (باعتباره يحظى بجل الاهتمام مقارنة بالفنون الأخرى) هل نجح الأدب العربي في توطيد العلاقة بالمتلقي؟ وما نوعية ذلك المتلقي، في ظل هيمنة الأمية،على أغلب الجماهير العربية، وتخليها عن حماستها نحو الكتاب العربي، التي كانت تحملها له في العقود الماضية، وسيطرة الثقافة الواحدة، التي تسعى إلى فرض مثال واحد،ومبادئ معينة، وإلغاء الأنواع الأخرى، وكيف يتمكن الأديب العربي، شاعرا أم قاصا ام روائيا، من الوصول الى الجماهير العربية، ومخاطبتها، بعد أن سادت ثقافة الفضائيات، ولغة الهجوم على الآخر وتشويه آرائه؟ وهل يستطيع القراء على قلتهم أن يستجيبوا للأفكار والرؤى التي يدعوهم إليها الأديب العربي؟ ولا سيما من كان يمتلك ثقافة واضحة، وهل إن خطاب الأديب يمتلك الوضوح؟ والعناية بالفن في آن واحد؟ ولماذا أصبح الأدب العرب في واد، والجماهير المتلقية في واد آخر، قد يكون مغايرا ومتناقضا، ومن يستطيع ان يقرّب العلاقة بين الاثنين؟ هل هي الصحافة؟ أم الناقد الأدبي؟ ونحن نشهد إن الساحة الأدبية،قد تخلو منه، الا بعض الأقلام القليلة جدا، ويمكن أن نطلق عليها صفة الاستثناء.

كيف يمكن للأديب ان يتواصل مع جمهوره؟ هل الصحافة الالكترونية التي تنتشر فيها الكتابات الغث منها والسمين، أم الصحافة الورقية التي تكاد تحتكر النشر للأقلام المشهورة جدا فحسب..؟؟.

وكيف تتطور العملية الإبداعية؟ أليس بنقد المتلقي الدقيق والمدروس؟ وهل يستطيع كل قارئ أن يحسن النقد ويجيده، أليس هناك شروط كثيرة قد لا يتقنها العديدون.

وهل أن الإبداع حقيقة ثابتة أم متغيرة، ككل المفاهيم التي تتعرض للتطور والتغيير، في عالمنا المعاصر، فالقصيدة التقليدية الكلاسيكية، لم يعد لها تلك القداسة، التي كانت تجعلها تستحوذ على الألباب، وظهرت فنون أخرى تستحق الإعجاب، فما هو الفيصل في تحقق العملية الفنية او عدمها؟ هل هم فئة تتميز بالثقافة العالية،من المثقفين والمبدعين، أم الجمهور المتابع لعملية الإبداع؟، وكيف يمكن للإبداع أن يستمر، على كونه ثوريا يدعو إلى تغيير العلاقات الحاكمة للمجتمع، في ظل هيمنة الفكر الجمودي الراهن، والذي يدعو الى سلطة الراهن، والإبقاء على السائد، رغم ما يمثله هذا الأخير من بقاء الظلم،والاستحواذ على مناطق النفوذ، دون تمكين القوى المستحقة كي تنال ما تطمح إليه من نفوذ، لتصل مع الجماهير الشعبية،إلى تحقيق المكتسبات الثقافية والفنية

لم يعد الأدب العربي يحظى بالاهتمام، كما كان في العقود التي مضت، فما هي الأسباب؟ وكيف يمكن ان تعود له البهجة المفقودة، والألق القديم؟ أظن بعودة الكتاب مجددا الى الصدارة في الاهتمام، وتشجيع الناس على القراءة، وتحفيز المبدع على الكتابة والطباعة والتوزيع، ومضاعفة الدعم المقدم للكتاب

 

صبيحة شبر

 

 

في المثقف اليوم