قراءات نقدية

الأيروتيكية.. قراءة في رواية التشهي لـعالية ممدوح

  تمثل الايروتيكية فن راقٍ استعمله الكثيرون ولم يتقنه الا القلة من المبدعين والمبدعات ؛لأنه يخرق حدود الممنوع والمحرم ويتسلل داخل نطاق التابو، ويحتاج الى قلم كتابي حر يبتعد عن صياغة التقليد والخوف من خدش المحرمات الثقافية التي تفرض ضغوطها على الكثير من النتاجات الابداعية.

 وسعت الكتابة النسوية الى توظيف هذه الممنوعات ضمن كتاباتها السردية خاصة.

 لنرصد جملة نتاجات سردية خرقت حدود التابو وكتبت فوق خطه الأحمر.

 ونحن نقرأ مثل هذه النتاجات نقع  أمام جملة من المصطلحات، منها (الجسد، الهوية، الجنس) وهذهِ المصطلحات تمثل إشكالية في التصور النقدي أمام الفهم السائد، وما استعمالنا للجسد إِلا للأشارة إِلى الجنس، مع معرفتنا الكامنة بالاختلاف الجوهري ما بين الجنس كفعل بايولوجي وبين الجسد بوصفه ظاهرة جمالية.

   فالجنس ركيزة أساس تدور حولها الأعمال الأدبية، إذ يعد غاية لأَختراق المحرم، وقد استطاع النتاج الابداعي، إِنَّ يوظف الجسد داخل إعماله الأدبية، لإضفاء معنى ايروتيكي جديد.

ولأنَّ الناحية الجنسية تمثل حساسية في مجتمعاتنا؛ كونها تدخل دائرة المحرم، فالكتابة الجنسية أو النص الجنسي، هو آلة لغوية كتابية (تنظيرية)، ومن السهل التحكم في صياغة توظيفها .

  ومن المتعارف عليه في أوساطنا الأدبية والثقافية، إِنَّ الجسد شكل أهمية كبيرة في حياة الناس ؛ كونه ذا قيمة روحية كبيرة، فالحديث عنه أجده مرهوناً بالمناسبة، فكما نعلم أَنَّ لكل حادث حديث، أي أَنَّ النتاج الادبي لا ينفرد بالحديث عن الجنس، بل يحمّل - نتاجه - موضوعات عدّة، فتطور المجتمع أسهم في تطور أساليب الكتابة وتجاوزها للمكبوت.

 وحققت الروائية (عالية ممدوح) في رواية (التشهي)،خرقاً معلناً لحدود الممنوع والمحرم، من العنوان الذي اتخذ تسمية اشارت بصورة معلنة للفعل الايروتيكي والكتابة البنوغرافية .

 أما المتن السردي فقد جاء بلغة جريئة ابتعدت عن الحشمة والتورية، لتكتب بصيغة جنسية معلنة، وعمدت الى التعرية المباشرة في كتابتها، وفي تصوير شخصيات روايتها.

 وجاءت شخصية (سرمد) بتنظير كتابي تطبيقي ابتعد عن اللف والدوران في الفعل الايروتيكي، والذي انتقل الى ايجاد الحل لذاته الى صديقه الطبيب (يوسف) الذي نكتشف عن طريقه حجم الشجن الذي يعانيه بإزاء وطنه(العراق).

 والرواية على الرغم من المنع الذي نالته في الكثير من الدول العربية، الا أننا نلتمس في نهايتها قضية انسانية ورسالة هادفة الى حجم الخراب والدمار الذي ناله العراق، وهذا الدمار مواز لدمار الذات الإنسانية لـ (سرمد) الذي عانى الوحدة والألم والعجز في الوقت ذاته.  

  فـ(الجسد/ الجنس) تعبير رمزي يوظفه النتاج الأدبي الحديث خاصة، ليكشف  انزياحات الزمن عن طريق تنوع الثقافات، وهو نص له علامة ثقافية قبل أَنَّ يكون ذا قيمة جمالية، وهذهِ العلامة الثقافية لا تتحقق دلالتها إلا عن طريق سياقها الذي أنتجها أول مرة، فمصطلح(الجنس، الجسد، الهوية) يوحي بموقف ايديولوجي، واختراقه يعد عملاً ثقافياً جاداً ؛ كونه عملاً من أعمال المثقف .

 وأجد الروائية قد أتقنت نقل الحالة النفسية لشخصياتها، وشجن الوطن، وهذا ليس ببعيد عنها ؛لأنها تنتمي الى أختصاص علم النفس في دراستها للبكلريوس.

أضيف،أن الروائية قد ابدعت في نتاجها الجريء هذا؛لأنها أجازت لذاتها كتابة الخوف ضد الخوف، وهي نموذج للكثير من الكتابات النسوية التي اخترقت الممنوعات وتجاوزاتها.

أخيراً، امنياتنا لكاتبتنا بالشفاء العاجل، لأكمال مسيرتها السردية الجريئة.

 

بقلم: وسن مرشد

 

في المثقف اليوم