قراءات نقدية

قراءة في قصة: المقايضة للاديب حميد الحريزي

جمعة عبد اللهالاديب يمتلك القدرة والمهارة في تنوع اساليبه الابداعية في أصناف واشكال السرد القصصي، في الاتجاه تدعيم رؤيته الفكرية في المتن النص، في الدلالة التعبيرية الدالة، ان يؤطرالنص في الابعاد الرمزية البليغة، في الايماء والايحاء والمغزى، في اسلوبية واضحة يقدمها الى القارئ، بوضوح التعبير الرمزي الدال، في متانة الصياغة في الحبكة الفنية، في التكثيف والتركيز، على تجليات المعنى التعبير الرمزي، في ابتكار حكاية شعبية وتوظيفها، في تسليط الضوء الكاشف في تعرية ماهية الدولة الشمولية ومقوماتها، واسلوب تعاملها مع المواطن . وكذلك تسليط مخالبها الضارية عليه، لتنزع منه ادق تفاصيل خصوصيات حياته الخاصة، في الانتهاك والاستحواذ، وسلب قيمته الانسانية، حتى تركيعه بأذلال، ليكون تابع ذليل، ذيل خانع ومطيع للنظام الدكتاتوري الطاغي، ليتجرع مرارة وقسوة النهج المتسلط في الارهاب والبطش، حتى يجرده من كرامته وانسانيته . ليكون بوق ذليل يمجد بالعظمة والتقديس، نظام دولة العائلة المتوارث، الذي يرث الحكم بالوراثة لعقود طويلة من السنين . حيث (تذهب اجيال وتورثها اجيال، والحكم ثابت الاباء يورثون الحكم للاولاد والاحفاد، شعب يطيع ملوكه الى حد العبادة، فله الارض والثروة، وله على الارواح والاملاك السيادة) بهذه البراعة يوظف بؤرة النص السردي، بحكاية شعبية، يبتكرها ويصوغها لتتناسب مع الواقع الدولة الدكتاتورية بدون رتوش، في التحليل والتشخيص اساليبه ونهجه الباطش ضد المواطنين، بأن يصبح الدكتاتور (الملك العظيم) في شريعة الامتلاك الشامل (أنا الدولة والدولة أنا) . هذا الواقع في دلالته الفعلية، كما كان الحكم الشمولي بالامس، وكذلك اليوم يستنسخ صيغته بطبعة رديئة وسخيفة بالمهازل والمهاترات الوقحة والصلفة، على حساب المواطن . هذا التوظيف الفعلي لدلالة الرمز وتعابيره البليغة، وهي لا تنفصل عن ممارسات الامس واليوم، ولكن ألاساليب تتغير والاقنعة تتبدل، حسب المناخ السياسي العام والسائد، في استخدام اسلوب القمع والترهيب، اسلوب القتل والزنازين والسراديب الموت . حتى يفرض ارادته بالقوة الغاشمة . نظام يعتمد على قبضة الاذلال والتركيع للمواطن، حتى يكون تابع ذليل، لا يعرف سوى لغة التمجيد والتعظيم والتهليل والتطبيل، للملك المعظم (القائد المقدس) يلوكها بمناسبة او غير مناسبة . ان تكون مقاييس المواطن الصالح، حسب طول وقصر ذيله في مؤخرته، وكلما كبر ذيله في مؤخرته، عظم شأنه بالاخلاص والوفاء والطاعة العمياء، كلما اقترب من النظام الباطش، ويغدق عليه المنح والهدايا المالية والمناصب، لذلك فالمواطن في دولة العائلة الاستبدادية، يقاس بذيله في مؤخرته . وهذا يدل في بعده الرمزي، بأن المواطن محاصر بخناق، بطوق حديدي مطوق حول عنقه كحبل المشنقة من حكم (ملك الزمان . المختار بأمر بالله) . وما على المواطن إلا ان يسلم بجلده ويحفظ عنقه من حبل المشنقة، ان يضع ذيلاً في مؤخرته . هذه براعة الخيال الفني، بأعادة صياغة الواقع من خلال الرؤية الفكرية، التي تستند على الحكاية الشعبية، المبتكرة، بناصية الابداع المتمكن، ولاسيما وان الاديب من خلال تجربته الابداعية في الادب وفي سوح النضال ، اتخذ طريق الكفاح طريقاً ومنهج سلوك، يكافح من اجل الانسان وللانسان والى الانسان، خلال عمره الطويل . في فضح الاساليب الدكتاتورية بالامس واليوم، بأن يجعلوا المواطن عبداً ذليلاً مهاناً، يلهث وراء الخبز المر .لذلك يتوسع من ناحية الكشف، ابعاد هذه التعرية للانظمة الدكتاتورية التي تتناسخ وتتوارث بوجه ذئب شرس، او بالنفاق والاحتيال في اظهار الوجه الوديع، ولكن يكمن في داخله ذئب ضاري وشرس وجشع، هذا المعنى الدال في دولة الذيول، التي تتناسخ وتتفقس بيوضها الثعبانية، مرة بالزي الزيوتي، ومرة في جبة العمامة الدينية . الشكل يتغير والمضمون والجوهر ثابت لا يتغير . ولكشف ماهية دولة العائلة والملك المعظم، يحاول صحفي مغامر من العالم الديموقراطي، ان يقتحم عرين دولة مملكة الحكم الشمولي، ويوافق على الشروط يفرضونها عليه، واية مخالفة لخرق الاتفاق، يكون رأسه ثمناً للمخالفة التعليمات . اول ما يجد في جولته في مملكة الملك المعظم، ان الحرس والامن والمواطنين، لهم ذيول في مؤخراتهم . وهذا الترميز، يدل على بشاعة التبعية والركوع والمهانة، في الدولة الطاغية التي يحرسها (التيوس) من اصحاب اللحى الطويلة بذيولهم الطويلة . كما يكشف الصحفي، عن قيام عمليات غسل الادمغة، بالتربية الجديدة والتدريب القائم على قدم وساق . من اجل اظهار الذيول في مؤخرات المواطنين . اما الطائفة المنبوذة، التي لم تظهر الذيول في مؤخراتهم، يعتبرونها طائفة (الشواذ) المنبوذين، الذين لاحق لهم العيش والحياة في دولة الذيول، في دولة الملك المعظم (المنصور بالله) . في هذه الدولة التي تعتبر عيدها الكبير والعظيم في في الاول من نيسان !! عيد ميلاد الملك المعظم والمقدس (لذلك يحتفل ليوم محدد من كل عام، هو الاول من نيسان، كعيد ميلاد الملك، يحتفل به عموم المملكة من اقصاها الى اقصاها، فتتعطل الدوائر الرسمية والمعامل وتتعطل كافة الاعمال ليوم واحد ....) . وكذلك يعرج المتن السردي في تناول زمر من بعض الكتاب المطبلين في حفلات الاعلام التهريجي، المطعون بهزالة السخف التافه والهزيل من النفاق الانتهازي . وهو يقصد الاعلام المأجور، المكرس لتبجيل القائد المقدس والمعظم . ايضاً لهذه الزمر والشراذم لهم درجات في تصنيف صفاتهم واسماءهم واعمالهم ومهامهم حسب خدمته الذيلية للنظام ورأس النظام في مملكة الذيول (ما سميت قطعان (الكلاب النابحة) مهمتها، ترديد التهم والشتائم للاعداء، كما يشخصهم الملك، وهناك قطعان (القردة) فمهمتها ان تلهج بأسم الملك، وتتدرب وتدرب الناس على اساليب الخضوع واستجداء عطف الملك واسعاده واضحاكه.. وهناك قطيع (الثعالب) و(الخيول) و(الذئاب) .... الخ) اما قطيع (الغزلان) فهي تتكون من اجمل نساء المملكة (فمهنتن أسعاد الملك واسرته وتلبية رغباتهم وطلباتهم، في اي وقت، وفي أي مكان لهم وحدهم لا شريك لهم) يعني بالقلم العريض الدعارة تحت شريعة دولة الذيول . اما (التيوس) فهي مهمتها حفظ أمن وسلامة (التيس الكبير والعظيم) فهم حراسه الامناء . أما طائفة (الشواذ) والشاذين فهم الطائفة من المغضوبين عليهم، وهي الطائفة المنبوذة في المملكة، لا يحق لها العيش والحياة، لانها لا تملك ذيول في مؤخراتها، ويجب التخلص منها وتطهير المملكة من هذه الطائفة الشاذة والمنبوذة، التي لا تؤدي فروض الطاعة والسجود والصلاة للتيس العظيم، لذلك قرر الملك العظيم، لابد من التخلص منهم، عبر اتفاقية المقايضة، او عقد اتفاقية المقايضة (بعقد اتفاقية طويلة المدى لمقايضة شواذ مملكة (الذيول) مع ممالك (الشواذ) في العالم، ببضائع تسد حاجة الملك العظيم... لتحتفل كل قطعان بهذا المنجز العظيم، وخلاصهم من الشواذ، اول بأول من آلآن فصاعداً..) بهذه السخرية التهكمية في التراجيدية الكوميدية . يقدم لنا الاديب روعته في شغاف التعبير الرمز البليغ والدال في اشارته التعبيرية

 

 جمعة عبدالله

 

في المثقف اليوم