قراءات نقدية

يحيى السماوي في "نهر بثلاث ضفاف" يوقظ مرايا الهزيع على أجنحة قصيدته

انطوان القزي

ليست هي الكلمة التي تبوح، وليست هي القصيدة ترود مطارح الغنج وتجرح الأقلام، بل هو الملاّح الذي أسدل ساريته بين أكثر من ضفّتين، وهو العاشق الذي طبعَ قبلة على أكثرَ من شفتين، وهو النخيلُ الذي أطلق في الريح أكثرَ من جناحَين.

هو يحيى السماوي الذي عانقت دلتاه ثغور الأنهر، وأسكرت نجواه شفاهَ الظلام، تُلبس الأفقَ شموساً سافرة وتدركُ نعاسَ الليل مع رقصةِ القناديل.

كانت إينانا إلاهة السماء والمطر، وكانت أسطورة سومر، وكانت فوّارة العشقِ وأرغنَ المسافات،.. وإينانا السماوي عروسٌ تلتحفُ الأمس سواراً وتخرجُ من بيت ماضيها، دربُها التيهُ وسقفُها اللا مكان، تعصر أعناق الأقاحِ طيباً لفراشاتِ السهَر وتزرعُ النهدة في دنانِ الهزيع.

صيادٌ هو، تفيءُ المواسمُ إلى راحِ كفّيه، وتُفردُ الغيمة خصلة على مفرقيه، وفي عباءَته السومرية آلهة وأقباسٌ وفردوسُ ملائكة، وحرّاسٌ خبّأوا الخطايا في سلالِ الأعياد.

إنْ تسألوه، فهو شاعرٌ ساحر، وإن دنوتم  فإلى هالةِ الفارس الأبيض يرتدي الفصولَ أثوابَ آسٍ ويرودُ الجزرَ ليسَ كسندباد بل كنورسٍ غافلَ المراسي الى حيث تشقّ أرياشُه صدورَ الحواري.

في يديه مفتاحُ المستحيل، وفي مساكبهِ زرَعَ الهديلُ أعشاشاً لندى الأسحار.. وتمرّ إينانا السماوي تنثرُ رذاذاً لأنثى ألهبَ وجنتَيها الخجل وغزلتْ منديلَها عبَقاً لرياحينَ رمضاء.

77 samawi600

يضرب السماوي موعداً مع العاصفة لينتصر، يمتطي السواري ليدركَ الموانىء البعيدة ويترك للريحِ أن ترسمَ خريطة شرودِه.

بين بردهِ والدفء أكسيرُ لهَب، وبين مدّه والجزْر خبزٌ لسمكٍ عابر .

ثائرٌ لا ينتظر،  بركان نهدات تزلزل الجبال وتوقظ الشموس وتُغافلُ شهرزادَ من شباّكٍ أدركَهُ النعاس، لينهي رحلة القصص الطويلة.

شاعرٌ أوصد الأبوابَ وترك لرجفة السراج أن ترقص. يعتصم بحبّ إينانا وتعتصم القصيدة بخياله، وبينهما نهرٌ بثلاث ضفاف.

سلمت يداك يحيى السماوي، زيّانَ الضفافِ تبقى وقبطانَ الشواطىء وملاّحاً يُسكرُ الهزارات بكأس سندسية.

يدمن يحيى السماوي متعة الإبحار مع أشرعة مجنونة، ويتقنُ القطافَ في زمن البواكير، ويمضي إلى حيث النذورُ تشعل  جمرَ قصيدته وحيث البحارُ ترسو إلى ضفافه.

في محرابهِ، يخبزُ رغيفَ الهمَسات وخلفَ محاريثهِ تنبت بذارُ السرائر.

لا يفرش بساطاً لوردة، ولا يحنو أمامَ سحْرِ إينانا، بل يرفعُ أباريقَ دفئهِ صلاةً لأقانيمِ السفر ويولمُ للعصافيرِ شدوَ قوافيه، وبين الريشةِ والريشة يبني عمارةً للشعر. 

 

أنطوان القزي

رئيس تحرير "التلغراف" الأسترالية

 

في المثقف اليوم