قراءات نقدية

رواية تعالى.. وجع مالك لحميد الربيعي.. رؤية كتابية

خضير اللاميالنقد هو الذي يستنطق النصوص، ويفكك

العناصر المكونة لها، ويستكشف ابنيتها،

ودلالاتها، وجمالياتها..

عبد الله ابراهيم .

في البدء، ننطلق في حديثنا هذا، من الغلاف الأول، الذي اكتساه لون خردلي، وثمة فتاة، شبحية، مسدولة الشعر، طويله، ساهية العينين. وثمة لطخة بياض على جهته اليسرى، ترمز للشخصية الأولى في رواية "تعالى.. وجه مالك. "سرد حميد الربيعي.." وهنا، اعلن عن نفسي، قبل غيري، أنا لم اقرأ مثل هذا العمل السردي الباذخ، وبخاصة مشهد ما أطلق عليه سارد العمل الروائي الربيعي: اللقاء الثاني: صفحة 36، الذي احتوى على 34 صفحة، من القطع المتوسط، لمتن الرواية، وجع مالك، لحميد الربيعي . وسأكِّرس مقالي هذا عن هذا الفصل الثاني، الذي أعُّده جوهر رواية احمر حانة الأساس، لحميد الربيعي؛ والذي لم التق به في بغداد، اويّ مظانٍ اخر، الا لماما، منذ اقامتي في السويد العام 2006، واقامة حميد الربيعي هو الاخر، في الخارج، لفترة طويلة، كما اظن . وعندما التقينا في مقهى الشابندر في بغداد قبل فترة وجيزة اهداني روايته،هذه تعالى..وجع مالك، فضلا عن بعض اعماله الروائية الاخرى.. وحين شرعت بقراءة هذه الرواية صُعقت تماما، وبخاصة عند قراءتي فصل ما اطلق عليه اللقاء الثاني صفحة 36. واعلن هنا، للمتلقي، أنني لم اقرأ مثل هذا المشهد ابدا، منذ أنْ أصبت بهوى قراءة منابع الادب الابداعي، وبخاصة العمل السردي الروائي، اذ قرأت سرديات كبرى، لكتّاب عالميين عظماء عربا واجانب، بعضهم تناول الجنس الفاضح، والآخر الجنس الخجول إن صح التعبير .

اذن، وهذا الكلام يقودنا الى جمالية السرد الباذخ لحميد الربيعي في روايته.. تعالى.. وجع مالك، والذي سنكّرس مقالنا هذا له، إذ هو جنس آخر، مارسه طبيب يعمل في مجّمع محلي صحي مع الشحصية الرئيسة، التي تعمل فيه ايضا، كما أنّ هذا الطبيب لم ينطق بكلمة واحدة، طيلة معاشرته إياها، والذي قاد هذه الفتاة من يدها منقادة معه؛ وهي فّي المجمع دون ان تنبس ببنت شفة، كما ان هذا الطبيب، هو الاخر لم ينطق بأي كلمة . وانطلقا يلفهما الصمت بسيارته باتجاه فيافي الصحراء .

ويتناول حميد الربيعي، في عمله هذا، حتى جزيئات الاشياء المنمنة، وكانت الفتاة التي عاقرها زميلها الطبيب هذا، تصف الجنس والرجل هذا؛ ولم تكتف بالمضاجعة الاولى لشبقيتها؛ فما فتئت ظمئى للمواطأة: " في الاولى كان فاتحا يدك قلاعي، وفي الثانية، جاء فارسا، يمتطى حصانا، وفي الثالثة عاشقا، يتذوق عشق دغلي، وفي الرابعة اتخيله غازيا، وطأ فقري . وفي كل مرة، اراه

بهيئة جديدة، حينة نهض عن جسدي 56 ."

إنّ هذه المواطآت، التي قام بها هذا الرجل مع هذه الفتاة، ما تذكرني برواية عرس الزين، للروائي السوداني الطيب صالح، الذي نال عليها جائزة نجيب محفوظ، والتي ترمز الى اذلال بريطانيا لبلده السودان، التي استعمرت بلاده لسنين طويلة، والانتقام منها حين مارس الجنس مع امراة بريطانية.. فماذا ترمز رواية وجع مالك لحميد الربيعي؟ . ذهبت التحليلات النقدية الى الصنم صدام حسين، وسقوطه في ساحة الفردوس، في العام 2003 ..

في هذا السرد الروائي الباذخ، لم اقرأ وصفا جنسيا فنيا، في كل قراءاتي، بما فيها الكتب الجنسية البحت، انه، سرد جمالي، لهذا النوع من الجنس، يتوزع بين اللذة البحت، وبين الحركات الجنسية الوحشية التي يضفى عليها السارد غطاء جماليا ماتعا، ودون سابق انذار بين ممرضة، وطبيب باشر في العيادة التي تعمل فيها الفتاة التي تعرفت على الطبيب بعد يوم واحد من تعيينه اول مرة طبيبا في المجمع الصحي الذي تعمل فيه فيه الممرضة .

فهذا جنس، بين وصفه الغريزي العادي، ووصف الجنس الفني او الجمالي، ثم يختلطان ليكوّنان جنسا آخر باذخا، لا مباشرا، ولا فنيا، انه جنس سماوي إنْ صح التعبير. ويعد جنسا عاديا ابتداء من قيادة الفتاة الى مكان في الفلاة التي لا طير فيها ولا نأمة دون ممانعة من الفتاة الممرضة ووصفه جماليا . اذ يبدو أن السارد حميد الربيعي موهوب، اذا لم نقل مهوس، في وصفه لهذا النمط من الجنس . ويبدو، انه يمتلك ثقافة جنسية، ربما من كثرة قراءته لهذا النوع من الكتب..ويكاد يكون موهوبا في وصف امرأة يفوق أيّ سرد ابداعي آخر..

اذن، لم يكن السرد هذا، سردا تقليديا، كما هو سائد في الساحة الادبية الان؛ بل كان سردا يستفز المتلقي بقوة، فيتوقف هذا المتلقي متأملا، وما يعود لاتمام السرد حتى يتفاجأ بسرود غرائبية تتجاوز التي تعودنا على تلقيها، احيانا ياتي السرد غامضا، يحتاج الى مقدمات لمعرفة مقاصده . فهو يرسم ويؤطر لوحات ذات ابعاد عميقة في اظهار غور مكامنها، ويضفى عليها لمسات جمالية، اخاذة لاحلام هي الاخرى؛ تغور عميقا في معناها، لتأطير لوحة اطرها فنان تشكيلي بارع في توزيع الوانها وتشكيلاتها..واحيانا اخرى، يؤطر لنا لوحات نغرق في متاهات الوانها وغورها، واحيانا يرسم لنا مشهدا زيتيا تاخذنا الوانه الى متعة جمالية متناهية الوصف..

يا إلهي ! أيتها إمرأة هذه ! وأيّ رجل هذا ! وأيّ سارد ابداعي هذا، اقام الدنيا، ولم يقعدها ! يفوق التخيل، ليؤطر لوحة زيتية تقارب لوحات بيكاسو؛ فيها عمق فني يتعالى عن الواقعية التقليدية ليسمو بنا الى رحاب سماوية قل نديرها.. انه يتناول فيها حتى جزيئات الاشياء والالوان المنمنمة..

ليس هذا حسب، بل، ان الفتاة التي تصف الجنس والرجل الذي واطأها.. لم تكتف بالمضاجعة الاولى؛ اذ مازالت عطشى للمواطأة: الثانية او الثالثة الخ ." كان فاتحا، يدك قلاعي، والثانية جاء فارسا،، يمتطي حصانا، والثالثة، عاشقا يتذوق عشق دغلي، وفي الرابعة اتخيله غازيا وطأ فقري، وفي كل مرة، اراه بهيئة جديدة.. حينما هطلت امطارالحكاية السابقة نهض عن جسدي.. ص56 .

وقبل مسك ختام خطابنا هذا، وحين يتوهج الجنس لدى الفتاة، حيث تعبّر عن وهج تذوقها للجنس هذا الذي مارسه الطبيب معها في تيه الصحراء حيث تقول:

" أه.. أه.. أه.. يا أماه، وحين تتوه الفتاة في شبق نادر:

"انّ ما يفعله لي لم اره في حلم او امني ة، انه يقودني نحو مجهول، نحن متاهات، نحو عالم اخر صنعه الخيال، لم يعد اسمه شبقا، انه الالتصاق الاولي البوهيمي بين انثى وذكر، تفصدا علقا والتصاقا في مدّ كوني، خال من ايما ايماءة.."

إذن، هذه قصة تنتمي الى جنس الادب الغرائبي اسلوبا وتقنية وثيمة، تناولها قلم رشيق اضفى عليها جمالية انسيابية نادرة وبأحاسيس سارد موزون، يحاول ضبط مشاعره ازاء حدث جلل لفتاة شبقة..

 

خضير اللامي

 

في المثقف اليوم