قراءات نقدية

جمعة عبد الله: هي الحقيقة المرة في قصيدة: ما قالته حذام للشاعر شلال عنوز

ربما البيان السياسي لم يؤطر الحالة العامة للأوضاع الاجتماعية الطافحة على المسرح السياسي وواقع الحال السائدة، التي تأخذ بخناق الواقع والإنسان بشكل كامل بالوصف والتصوير، لكن نجد الصياغة الشعرية لهذه القصيدة (ما قالته حذام) بكل تقنياتها الشعرية الحديثة، نطقت بلسان مجريات الواقع بالمكاشفة الصريحة في بيانها الشعري، تعمقت وتوغلت بهواجس الاحساس الوطني والإنساني لمديات الواقع الفعلي، وتركزت في صياغتها، على منصات الاستلهام والتناص في مديات التراث والاسطورة والتاريخ، في توظيف شعري مبدع غزير بالرؤى الفكرية الهادفة والرصينة، لكي تسلط الضوء الكاشف على واقعنا المرير، الذي شذ عن العقل والمنطق، تدلل القصيدة على إشارات وعلامات سيميائية الواقع ودلالته التعبيرية والرمزية، بما يعاني الواقع بأزمة العيش والحياة، وتسعى القصيدة الى لملمت الواقع المتبعثر في اعادة ترميمه بما تهشم وتهدم منه، ولكن هل تستطيع (حذام) برؤيتها البصرية وحدسها الواقعي، بأنها وضعت اليد على الجرح كما يقال. أن تقرع جرس الإنذار الرنان بصوت عالٍ، حتى يسمعه (الاطرش)، في سبيل أن ينتشل هذا الواقع من البئر العميق الذي وقع فيه، هي محاولة في إحياء الضمير من سباته وغفوته وموته البطيء، حتى لا يفترس اليأس حقول الأمل، ويجعلها اشواكاً جافة تذر في القلب الهجير. حتى لا تموت الأمنيات على سخام الخطيئة والسحت الحرام.

تترمّل الأمنيات

على زفير خيباته

تتناسل...

أخاديد الموت

في زواياه الحادة

تنذرف الحَيرة

باكية

في قلب الهجير

تُلملمُ...

شتات تشرذمها

ترتدي...

حر القيظ

في مدن العطش

وسخام الخطيئة

حتى لا يكون انتظار (غودو) عبثاً ويأساً دون جدوى في قارعة الانتظار، تكبر فيه شجرة الخيبة والإحباط، في زمن تموت فيه الامنيات انهزاماً وخنقاً وحسرة.

منتظرة عودة (غودو)

أجهدتها

مطارق الانتظار

ممدّدة على

سرير الندم

في عرصات

اليُتم

تنفثُ..

آهاتِ الحسرة

مشدوهةً

بنزف المأساة

مثخنة

بلوعة المحنة

في فسطاط الأسر

وسربال الحرمان

وتموت أنغام قيثارة (أورفيوس) في زمن الجفاف، وقد حلت فصول القيظ والمعاناة، حتى زوجته (يوريديس) فضلت العالم السفلي على معاناة الواقع وجحيم العالم العلوي، بأن يكون فوق طاقة التحمل والصبر كصبر ايوب، فقد ضاع الواقع في زمن السحت الحرام والتزوير والخداع، حتى أصبح لا يتحرك أي شيء حتى الريح، دون هوية مزورة.

ماتت تلاحين

الناي

لم يُسمع عزف (أورفيوس)

غادرت البلابل

أعشاشها

فلا تغريد

على شرفات البوح

سوى نعيق الغراب

(يوريديس) عادت مستاءةً

لعالمها السفلي

تلعن تجمهر الرذيلة

تحت ظِلال

الضَلالات

والنُصب الدمى

في أوكار الغباء

وأصقاع السحت

أصبحت دروب العراق وعرة تسكنها الثعابين السامة، فقد جرفته أعاصير همجية العتمة، من قطاع طرق ومزورين ومرتزقة المال السحت الحرام، يعرضون كل شيء للبيع وبرخص زهيد : الإنسان. الوطن. الشرف. الدين. الضمير، يباع كل شيء والكل نياماً، لا يوقظهم الصباح وحتى الشمس الحارقة، فهل من يستمع الى نداء (حذام) انه نداء للوطن.

***

جمعة عبد الله – كاتب وناقد

....................

ما قالته حُذام

بقلم: شلال عنوز

زمن يباس

يفترس

خضرة الفصول

يأكل

ترانيم الصحو

ينهش بأنيابه

خاصرة الربيع

يمحق

ضوء البشارات

بأفواه

المداخن

في أرض

جُرُز

تترمّل الأمنيات

على زفير خيباته

تتناسل...

أخاديد الموت

في زواياه الحادة

تنذرف الحَيرة

باكية

في قلب الهجير

تُلملمُ...

شتات تشرذمها

ترتدي...

حر القيظ

في مدن العطش

وسخام الخطيئة

منتظرة عودة (غودو)

أجهدتها

مطارق الانتظار

ممدّدة على

سرير الندم

في عرصات

اليُتم

تنفثُ..

آهاتِ الحسرة

مشدوهةً

بنزف المأساة

مثخنة

بلوعة المحنة

في فسطاط الأسر

وسربال الحرمان

(هدهد سليمان) لم يأت

ما هنالك من خبر

(سبأ) غارقة

في أتون

مواسير القحط

الصوتُ مبتلعٌ

في لُجج

الضياع

والآمال مبعثرة

على مُجسّرات

وحل التيه

لم يُنكَّر

عرش (بلقيس) بعد

(آصف)...

يرتدّ طرفه

ضائعا

في شساعة المدى

أتعبه الجري

في جزر الفقد

ولهفة الغياب

حيث لا غائب يعود

من رحلة قسرية

شاء الوقت

أن تكون

بلا وداع

**

في زمن يباس

جفَّ شجر الغناء

احترق نسغ القصيد

ماتت تلاحين

الناي

لم يُسمع عزف (أورفيوس)

غادرت البلابل

أعشاشها

فلا تغريد

على شرفات البوح

سوى نعيق الغراب

(يوريديس) عادت مستاءةً

لعالمها السفلي

تلعن تجمهر الرذيلة

تحت ظِلال

الضَلالات

والنُصب الدمى

في أوكار الغباء

وأصقاع السحت

لم تطق

يباس هذا العالم

لم تكترث

بموسيقا الاغريق

والطبل الجنائزي

في ميادين

البغال النافقة

هذا ما روته (حُذام)

ولقولها بقيّة...

حيث يتمدّد السواد

في أصقاع الرحيل

ينمو الأرق

على أجفان الحقب

تتمدّد المتاهات

مرعبة

تحرث وجه الحقيقة

ليس هنالك

من أثر يقول:

مرّ الضوء من هنا

الدروب

جرفتها

أعاصيرهمجية

العَتمة

ضاع على مساربها

هديل اليمام

اختفت من سماواتها

غمامات الهطول

فتفاقم صخب الجدب

متلذّذاً بلوعة الظمأ

سرق بوصلتها

قُطّاع الطرق

وانتهك حرمتها

لصوص متمرّسون

في السكك الموبوءة

تقف كسيرا

شاحبا

يقضمك الذهول

تحذر كل شيء

تتلمّس نفسك

بين الحين والآخر

لتطمئنّ

أنك مازلت حيّا

فتشكر السماء

حالما

بمعجزة تولد

ناسياً أنك

في زمن

عقيم

**

في ليلة غجرية

الهوَس

عارية الحكايا

تنوء بها

سرادق الضجيج

تحوصلت جيوبها

بتذاكر العابرين

هويات مزوّرة

أختام للبيع

جوازات سفر وهمية

بشرٌ للبيع

وتآمر بشع

مخالب ذئاب

تنخر في

رئة الوطن

المجلس الموقر

سوق تباع

فيه الضمائر

و(ابن زياد) منهمك

باغتيال الصباح

ولا صباح

الكل نيام

ولا من فارس

يقبّل جيد الشمس

قبل الغروب

***

النجف: 24 – آب - 2022

في المثقف اليوم