قراءات نقدية

سُوف عبيد: قراءة في رواية ابن العاقر

زهرة الحواشي اسم جديد في دنيا الأدب بتونس وأضحى حاضرا بما تواتر من إصداراتها المتنوعة فقد خاضت غمار الشعر والقصة والرواية والترجمة مراوحة بين اللغة العربية الفصحى والدارجة التونسية واللغة الفرنسية كما كتبت لليافعين الأمثولة أيضا ومن إصداراتها نذكر:

ـ رأسي في قفص الانسان

ـ حديث الروح

ـ حرف ودمعة

ـ دبشليميات

وهذه المجموعات الشعرية تتضمن كل منها نصوصا بالعربية الفصحى وبالدارجة التونسية وبالفرنسية أما في الترجمة فقد انبرت لترجمة قصائد - اللحمة الحية - للأديب صالح القرمادي من العربية إلى الفرنسية وقامت بتعريب قصائده التي كتبها بالفرنسية في نفس الديوان وبذلك أسدت عملا جليلا للمكتبة التونسية ناهيك أن هذا الديوان صار مفقودا وتناسته الأيام بالرغم أن صالح القرمادي يعتبره الكثيرون أحد أعمدة اللسانيات في العالم العربي وأحد أهم دعاة التجديد الأدبي في تونس .Exif_JPEG_420

- ابن العاقر - آخر ما صدر للأديبة التونسية زهرة الحواشي وهي رواية تتحدث عن امرأة من ربوع الشمال الغربي التونسي لم تنجب برغم تواصل سنين زواجها فكان مآلها الطلاق والعودة إلى أبويها ورفضها الزواج مرة أخرى خاصة وأنها تقدمت في السن غير أن أحد معارف أبيها في القرية ماتت زوجته وتركت مولودها فتقدم إلى أبيها يسعى للزواج منها بغاية أن تعتني بالرضيع  ولا تكلف نفسها الشؤون الأخرى فالرجل فلاح ميسور الحال وبعد تردد وإلحاح قبلت ربح بنت الضاوي الزواج من - علي بالخمري - فوجدت سعادتها في المولود كأنه ابنها الذي لم تنجبه.

في هذا المنعطف تبدأ طرافة هذه الرواية عندما تصور تطور الحالة النفسية لربح التي تحنو على الرضيع فتصف تفاصيل ذلك بأسلوب الأم التي لها خبرة في الإعتناء بالمولود وهذه ميزة لا تتوفر لكل كاتب حيث يكمن الفرق بين قلم الأديب والأديبة باعتباره إضافة نوعية لا غير .

وفي مسار هذه الوقائع يتحول نفور ربح من زوجها ومن مهمة رعاية ابنه إلى قبول ورضا بعدما وجدت منه الاهتمام والحظوة واللطف في معاملته لها وبدأت تشعر بميلها نحوه فانفجرت فيها جداول الأنوثة بعدما كاد يدركها اليأس منها وذلك عندما أحست مرة بقوة ذراع - علي بالخمري - فوق كتفيها وحرارة وجهه وشاربه يلامس جبينها وقد كان رأسها قريبا من صدره العريض فتمازجت فيه رائحة العطور بحرارة الشهوة الرجالية حينئذ استلذت - ربح - تلك اللحظة غير أنها لم تدم طويلا.

ومن هذه الواقعة التي شعرت فيها بهاجس الأنوثة تسري فيها عرفت العلاقة بين ربح وبين زوجها دفقا جديدا بعد أن ظلت مدة لا تتجاوز علاقتهما وظيفة المربية الساهرة على الرضيع بعناية فائقة لكنها منذ تلك الملامسة أصبحت علاقة زواج تامة فتغيرت ربح وعرفت السعادة المفقودة التي كانت تحلم بها وحرمت منها سنوات طويلة لكن أمر المستقبل وهلوساته بدأ أيضا يحط عليها بسحبه الداكنة فاحتارت في مصيرها بعدما يكبر الصبي ويطالبها أبناء زوجها الآخرون بنصيبهم من الميراث

لقد سبرت الرواية بعمق شجون ربح في مختلف أطوارها سواء في علاقاتها مع أمها وأبيها وأختها أو في معاناتها في عهد زواجها الأول وقرار طلاقها وكذلك عند ترددها وحيرتها في قبول الارتباط بالزوج الثاني وتحملها مسؤولية الاعتناء بمولوده والسهر على تربيته فجالت بنا أطوار الرواية بين حالات نفسية مختلفة الأطوار تشتد حينا وتلين أحيانا بين انقباض وتأزم مرة وبين انسياب وانفراج مرة أخرى.

هذا السبر في أغوار نفس الزوجة ربح جعل من الرواية سردية مهمة بما تخللها من تشويق واندياح وارف في ظلال الحياة اليومية لريف الشمال الغربي لتونس فقد سجلت الرواية العادات والتقاليد في أدق التفاصيل اليومية من الولادة وما يسبقها من عوالم عجائبية إلى الختان وما يحيط به تحضيرات وإلى الزواج وما يتطلبه من إعداد وإلى عادات التزاور والتجاور والتعاون في شتى الأعمال والمناسبات وسجلت الرواية في كثير من سياقاتها الأغاني التي كانت منتشرة في تلك الربوع والتي أضحت اليوم من التراث الذي تعبق به الذاكرة .

ولكن أين ابن الزوجة العاقرة من تطورات الرواية؟

نعم ستنجب - ربح - وهذه هي الغرابة في بقية الوقائع التي لا مناص من الاطلاع عليها عند قراءة بقية الرواية.

***

سُوف عبيد - تونس 

في المثقف اليوم