قراءات نقدية

رواية الأزمنة الفاسدة.. نهب الثروات وتصنيع الديكتاتوريات

حميد الحريزيللروائي مهدي النجار

العنوان:

عنوان الرواية يكشف عن دلالته، فالأزمنة الفاسدة هي حكاية اكتشاف الثروة البترولية في امارات الخليج العربي، من قبل قوى الرأسمال العالمي وشركاته الأحتكارية البريطانية (المستر وليم نوكس دارسي) وعميل المخابرات البريطانية والجاسوسية الشهير فلهوزن، والاحتكارات البترولية الامريكية (ايزابيلا – شركة موبيل أويل).. وشراء ذمم الأمراء وبيعهم ثروات شعوبهم لهذه الاحتكارات مقابل توفير العيش الباذخ لهم وحمايتهم وتأبيد سلطتهم وتحكمهم بمصائر شعوبهم .

جهل وعمالة ووحشية الأمراء:

تمكن ممثل الاحتكارات البترولية البريطاني من توقيع صك شراء الثروة البترولية في الامارة من الشيخ (نور الدين برهان - شخبوط سابقاً –المطلق نور الدين برهان لاحقاً)، مغريا اياه بالمال والسلع الاستهلاكية الغربية التي لم يحلم بها هذا الشخبوط الجربوعالجلف عديم الأصل الخادم في بيت الفاتك الذي وقعت في عشق فحولته بنت الفاتك (الفارعة عتاكه الفاتك) التي صنعت منه شيخاً وأميرا والبسته ملابس وحلل والدها الامير الراحل، تاركا لها الثروة والعبيد وقطعان من الماعز، وأصبحت الاميرة طوع بنانه طمعاً في احتكار فحولته الساخنة الفجة لها وحدها .

2199 مهدي النجارشخبوط (الامير نور الدين برهان) يجمع حوله عصابة من البدو المكتوحشين ومن قطاع الطرق واللصوص والشاذين بمشورة من (فلهوزن) لتكون قوة رادعة وقامعة لكل من تسول له نفسه معارضة (شخبوط) أو يحتج على بيع ثروة البلد للاجانب بسعر بخس واستغلال الثروة لملذاته الشخصية وزمرته الفاسدة، ففتح السجون والمعتقلات تحت الأرض وأقدم على ارتكاب المجازر الجماعية وتقطيع الرؤوس وسلخ الجلود لمعارضيه وخصوصا في حي (الغواصين) حي تجمع الممشين والكادحين في الامارة الثائرين على حكم وهيمنة الاجانب على مقدرات بلادهم . حيث تمكنوا من تجريد (فلهوزن) من ملابسه وطردوه عارياً بعد أن حاول التعدي على مقابر أجدادهم وهو يفتش عن ضالة أسياده في نهب الثروات والكنوز والاثاتر الثمينة المادية والثقافية والروحية، فأوغل عليهم صدر (شخبوط) طالبا منه رميهم في البحر وازالة حيهم من وجه الأرض.

تمكن (شخبوط) من ترويض الشيخ عبد الحق النجراني الذي تحاول من معارض للغزو الاجنبي الى مطية طيعة بيد الامير والانكليز يفتي لهم بما يشاؤون وفق مقولة (الضرورات تبيح المحظورات) فأجاز سلخ الجلود وكل انواع التعذيب الوحشي ضد أبناء الامارة من المعارضين .

اعتمد الشخبوط على المتوحش (ناظم فلك) وزيرا للامن والدفاع والذي يذكرنا بالمجرم (ناظم كزار) مدير الامن العام زمن حكم البعث في العراق ويذكر بالحجاج وسجونه امتدادا لتاريخ القمع والقهر والتعذيب في التاريخ العربي الاسلامي في مختلف الحقب، والذي كان مصيرةه القتل على يد سيده الشخبوط ليدفن معه سر قتل زوجته بيدي (ناظم فلك) خنقأ.

كذلك توجه المستبد الى تدجين الشاعر (نابغة الصحراء) كممثل للصوت المؤثر، فوفر له المال والقصر الفاره والنساء الجميلات والخدم فاشترى وامتلك قلمه ولسانه حاله حال كل المستبدين في تدجين المثقفين والأدباء والمبدعين ليكونوا اداة طيعة بيدهم .

تحريف التاريخ بدعم من رجل الدين فصنع له شجرة نسبتنبه الى اشرف العوائل من العرب، فصنعوا له صورة كبيرة لشجرة العائلة مخطوطة بالذهب الخالص في اطار من خشب السنديان) ص64، وكأنه يتحدث عن شجرة نسب عبدالله المؤمن ديكتاتور العراق واسمائه الحسنى ونسبه الى الامام علي عليه السلام .

تدجين واستمالة الغجر هؤلاء الذين لايعرفون القيود ولا الحدود ولايخضعون لسلطة يدجنهم ويصنع منهم قرقزات تطبل وتزمر له ولحكمه وتتغنى ببطولاته الزائفة، كما يتمكن من استحصال الضرائب منهم !!!

تغير وجه الامارة وتغيير معالمها، بنايات شاهقة، وشوارع، واسواق وما اليها، سرعان ما كسدت وتفسخت نتيجة للتلوث البيئي واعدم احترام الطبيعة، وترك البريطاني العجوز ألامارة، لتركب المركب امريكا واحتكاراتها بعد انخفاض أسعار البترول وايهام المستبد من قبل (العاهرة ايزابيل ممثلة موبيل اويل) بانهم سيستخرجون البترول من فضلات الماعز حيث كان الامير يحتفظ بنموذج منه في جيوبه وهو في أمريكا مستغلة جهله المطبق .

البسه الامريكان بدلة عسكرية واعطوه نوطا مزيفا، ومدرعة من بقايا حروبسابقة ودراجة بخارية للابهة، ليكون المستبد الاكبر (المطلق نور الدين برهان )، منتجين له مسرحية انتخابية مزيفة يفوز ببالاغلبية الساحقة فلامنافس له سوى عد من قروده المقربين لتمر المسرحية على الجمهور، هذا هو حال المستبدين وحكامهم المدعومين من قبل الامريكان قادة الارهاب والراسمال والاستغلال في العالم .

الروائي مزج في السرد بين الواقعية الانتقادية الاجتماعية والسياسية وادخل فيها الغرائبية والسخرية الهازئة، كاشفاً جهل وهجانة ورداءة معدن حكام دول البترول العربي وسقوطهم الأخلاقي والأنساني وعمالتهم للأجنبي .

الروائي تمكن من سرد قصة المال والاحتيال والاستغلال في بلداننا بحنكة وفن روائي مميز مبتعدا قدر الامكان عن التقريرية والانحياز لصوت المؤلف رغم انه يفرض نفسه في العديد من المواقف موضحا انحيازه لقضية الشعوب والمهمشين ضد قوى الاستغلال والاحتلال وفضح أساليب القمع والفساد للحكام العملاء ولأسيادهم من الراسماليين وشركاتهم الاحتكارية .

هناك كما نرى تناقض في طبيعة العلاقة بين فارعة بنت الفاتك فمرة يناديها زوجته وهو الواضح من طبيعة السرد ومجرياته، (حرمه المصون الفارعة بنت الفاتك) رص128.

ومرة يناديها بأمي (يدق صدره، أمي، فداك روحي يأمي كان المطلق نور الدينبرهان الدين يحملق بحزن في نقطة المام بصره)117.

كما اننا نعلم من خلال كتابات مهدي النجار بأنه كاتب متمكن من اللغة العربية من حيث الأملاء والنحو، في حين نعثر على اخطاء املائية ولغوية كثيرة ربما لاتخلو صفحة منها وهو امر غريب، فأن مر الامر على منضد الحروف كان يفترض أن لايمر على المصحح اللغوي في دالدار (دار الشؤون الثقافية) وهي دار رصينة ولديهامصحح لغوي وأملائي .

 

حميد الحريزي

 

في المثقف اليوم