قراءات نقدية

محمد الورداشي: قراءة مقارنة في روايتي: "عشب الليل" و"التبر" للروائي الليبي إبراهيم الكوني

محمد الورداشيإن قارئ هاتين الروايتين سيجد تشابها جليا بينهما في مجموعة من التقنيات السردية، وكذا الموضوعات المشتركة بينهما؛ فهذا التشابه هو تفاعل وتحاور بين الروايتين، لذلك، سنحاول الوقوف عند بعض العناصر المشتركة بينهما إن على مستوى الخطاب أو القصة.

- فمن حيث السردُ، نشير إلى أن الروايتين معا اعتمدتا سرد الشخص الثالث (سارد متمكن من مسارات السرد) بضمير الغائب، فضلا عن تعدد الأصوات السردية داخل الخطاب السردي؛ إذ هناك حضور اللهجات (اللهجة الأمازيغية الخاصة بقبائل شرق الجزائر كأهجَّار...). وهذا التعدد في الأصوات واللهجات يفتح أمام القارئ آفاقا رحبة للقراءة والتأويل المتعددي الأبعاد.

- أما من حيثُ الموضوعاتُ، فإن الروايتين تمتحان من معجم صحراوي، يحتفي بالحيوان الذي يعيش في الصحاري (الغزال في عشب الليل، والمهري في التبر)، علاوة على الاحتفاء بأسماء الأعلام والأمكنة (الطوبونوميا، الأنوميا). كما أن ثم استحضارا للأسطورة والمعجم الديني والشعر من حيث تخييلُها، وفي هذا تفسيرٌ للكائن وتعبيرٌ عن الممكن عبر فعل التخييل الذي يعرض الواقعي مُحَلاًّ بالأسطورة والمتخيل التاريخي.

هذا، إلى جانب الاحتفاء بالصحراء باعتبارها فضاءً مشتركا بين الروايتين، وحضور المرأة الخلاسية الحسناء بوصفها مفضلةً على ذوات القشرة البيضاء، ويعزى ذلك إلى كون مَنِ اختارها"مقررا أن يذوق طعم الدم الممزوج بحرارة الزنج" (التبر:ص16). فهذه المرأة، إلى جانب كونها مفضلةً، تعد محركا ل"الفحولة" باعتبارها نواةً لفعل السرد في الروايتين؛ ذلك لأن الفحولة ميالةٌ ومشدودةٌ، دوما، إلى الأنثى: فهي التي دفعت المهري إلى المرض بالجرب"الفحولة العمياء كلفته داء الجرب"(التبر:ص19)، وأوخيد إلى طرح السؤال الوجودي المؤرق:"لماذا يخلق الله الخلق إذا كان الموت بالمرصاد؟ لماذا يتعذب المخلوق قبل أن يموت؟" (التبر:ص26)، فيما دفعت الفحولةُ، في عشب الليل" سليلَ العتمةِ إلى البحث عن النبتة السحرية التي تكون مصدرا للقوة الجنسية.

على أن "السواد" يعد عنصرا بارزا في كلا العملين؛ إذ يتجلى، في عشب الليل، بحسبانه جسدا للخفاء، للضوء الحقيقي البعيد عن الزيف والبريق الخادع، ويحضر أيضا في شخص"العراف الوثني (القادم من كانو)، زنجي عجوز يزين رقبته المجعدة بالغضون، تعقد من أصداف النهر، يضع على رأسه عمامة سوداء. جبته الفضفاضة أيضا سوداء. يقال إنه مثل الغراب" (التبر:ص29)، وهذه الشخصية تتناصُّ مع شخصية العجوز الساحر الذي زار سليل الظلمة في "عشب الليل".

- من بين الموضوعات المشتركة بين الروايتين، نلفي "العزلة" التي كانت الشخصيةُ الرئيسةُ، في عشب الليل، "سليلُ العتمة" مشدودةً إليها، وكذلك شخصية أوخيد، في التبر؛ إذ"يبدو أن الشيخ موسى لاحظ ميله إلى العزلة وبرودة علاقته بالوالد" (التبر:ص70). كما أن حضور "الديني" في الروايتين تختلف وظيفته بينهما؛ ففي "عشب الليل" يغدو الدينُ(الناموس) مطيةً لارتكاب المنكرات، ووسيلةً للخروج عن الحدود المجتمعية والدينية، وتجسيدا للنفاق الديني: "تستر، تستر، يا مولاي، بلحاف الناموس، وافعل، بعد ذلك ما تشاء"(عشب الليل:ص124). وفي "التبر"، يحضر باعتباره ملاذا للنصح والإرشاد، وتفسيرِ الحلم وإصلاحِ ذات البين، وتجسيد القيم الدينية من زهد وورع... وذلك يتمثل في شخصية الشيخ موسى.

- إن بين الروايتين كثيرا من الموضوعات المشتركة يمكن الوقوف عندها، ومرد ذلك إلى التفاعل والتعلق النصي بين نصين روائيين للمؤلف نفسه، وكليهما تعبيرٌ وتأريخٌ تخييليانِ للفضاء الصحراوي وما يرتبط به من عناصرَ طبيعيةٍ وجغرافيةٍ، وقيمٍ إنسانيةٍ خصوصيةٍ لكنها ذاتُ طابع كوني مشترك بين القبائل الصحراوية عامة.

 

محمد الورداشي

 

في المثقف اليوم