قراءات نقدية

ناجي ظاهر: الشعر يمتطي حصانين

يسافر الشاعر العربي المصري أحمد عبد المعطي حجازي، في مجموعته الشعرية "كائنات مملكة الليل"، متنقلًا بين عالمين، عالم الغربة والانتماء، أو عالم الريف والمدينة، ويشدّد على براءة الريف وقسوة المدينة، موحيًا أن عالمه الاول/ عالم الريف، هو الاصل، ويتقاطع في هذا كلّه مع العديد من الشعراء الامريكيين الذين امتلأوا احساسًا بالغربة جراء الحضارة وتعقيداتها، فحنّوا إلى الغابة وبراءتها الاولى، وهو ما انعكس في تفضيل الغابة منزلًا دون القصور، كما ورد في قصيدة "المواكب" للكاتب الشاعر اللبناني المهجري جبران خليل جبران.

الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي من مواليد المنوفية في القطر العربي المصري عام 1935، حفظ القرآن الكريم في سنوات وعيه الاولى. حاز على شهادة في علم الاجتماع من جامعة السوربون، فضلًا عن شهادة الدراسات المعمّقة في الأدب العربي. ويعتبر واحدًا من أبرز الشعراء العرب المعاصرين والمجددين أيضًا. تشيّع للقصيدة الحديثة/ التفعيلة، وحاول أن يذود عن حياضها رافعًا إياها قُبالة مهاجميها أمثال الكاتب والشاعر العربي المصري عباس محمود العقاد، ومما يُذكر في هذا السياق أنه كتب قصيدة وجّه فيها النقد للكاتب عباس محمود العقاد ردًا على مهاجمته هذا النوع من الشعر.

بلغ عدد مجموعات حجازي الشعرية سبع مجموعات وحملت أولى مجموعاته عنوانًا لافتًا ومعبرًا هو "مدينة بلا قلب" صدرت عام 1959، وفي العام ذاته صدرت مجموعته الثانية "أوراس". في عام 1965، صدرت مجموعته الثالثة بعنوان "لم يبق إلا الاعتراف"، أما مجموعته الرابعة فقد حملت عنوان "مرثية العمر الجميل" وصدرت عام 1972. بعدها أصدر حجازي مجموعة جديدة عنوانها "كائنات مملكة الليل"، صدرت عن "دار العودة" عام 1983، و"أشجار الإسمنت" عام 1989. تُرجم عدد من أعمال حجازي الشعرية إلى العديد من اللغات الاوروبية وحصل على عدد من الجوائز المهمة، ففاز بجائزة كفافيس اليونانية المصرية عام 1989، ونال جائزة الدولة التقديرية للآداب التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة في العاصمة المصرية القاهرة، كما فاز عام 2013بجائزة النيل.

تبرز مجموعته "كائنات مملكة الليل" واحدة من المجموعات المميزة، للعديد من الاسباب، منها أن عالمه بدا أكثر وضوحًا وأشد ميلًا للقول الشعري الايحائي، في مقابل القول الشعري المؤدلج والمباشر، فظهر أنه كتبها بين الوعي واللاوعي، ليلتقي الوعيان في نقطة واحدة نعتقد أنها البؤرة الاعمق لكلّ فنّ يريد أن يكون ويود أن يؤثر أو يترك أثرًا لا يزول. واضح من معظم ما ضمّته هذه المجموعة أن حجازي كتبها أو كتب معظمها للحذر والاحتياط إبّان إقامته في أوروبا وتحديدًا في إحدى الجامعات الباريسية مدرّسًا للأدب العربي. أتوقف فيما يلي عند ثلاث محطات أو قصائد ضمن محاولة للتغلغل إلى أعماق المجموعة.

في قصيدته "سفر"، من هذه المجموعة، ونشرت أيضًا في مجلة "العربي" الكويتية، يبدع حجازي في وصف تنقله، بأسلوب فني أشبه ما يكون بالوسن الخفيف، في مولده، وكأنما هي/ القصيدة، ولدت بين الغيبوبة والحضور. يقسّم حجازي قصيدته إلى أربعة مقاطع، كلّ منها ينقل واحدًا من أبعاد تجربته ويوسّع في عمقها. يبتدئ المقطع الاول على النحو التالي. يقول:

بيننا يتغيّر لون الشجر

يتوغّل طير السماوات في بحر هدأته

عالقًا بالخيوط التي تتقاطع في خضرة السهل

أو تتوازى

ويتصل البحر بالليل

ينقص وجه القمر.

أما في المقطع الاخير فإنه يقول:

مدن للعبور فحسب

وأرصفة للصدى المعدني

وفي المدن الهامشية ما يوقظ الذكريات

بين القرى ومدافنها شبه

*

وبين القرى ومدافنها

ينفذ الضوء في ورق الشجرات ولا يتجسّد

أما نهاية القصيدة فتأتي على النحو المُعبّر التالي:

يا أيهذا الجمال الذي ظلّ محتميًا بالصبا

أيهذا الجمال الذي ظل محتميًا بالحجر

اكتفي بهذه الالماحات عن هذه القصيدة ومنها، وأحيل مَن يود من الاخوة القراء على قراءة متعمّقة لها، منشورة ضمن صفحات النت، ويمكن الاطلاع عليها بكبسة خفيفة على محرك البحث العالمي "غوغل". أنتقل بعد هذا إلى مقطع لافت في قصيدته "المراثي أو محطات الزمن الآخر". يقول تحت عنوان " أغنية":

أنت فاتنة

وأنا هرم

أتأمل في صفحة السين وجهي

مبتسمًا دامعًا

أنت فاتنة

تبحثين عن الحب،

لكنني

أقتفي أثرًا ضائعًا

كان لا بدّ أن نلتقي في صباي

إذن،

لعشقتك عشق الجنون

وكنّا رحلنا معًا.

أما المقطع الاخير الذي أود تقديمه من هذه المجموعة، هو عبارة عن قصيدة قصيرة حملت عنوان "بطالة". يقول فيها:

أنا، والثورة العربية

نبحث عن عمل في شوارع باريس،

نبحث عن غرفة

نتسكع في شمس ابريل

*

إن زمانًا مضى

وزمانًا يجيء

قلت للثورة العربية:

لا بد أن ترجعي أنت

أما أنا

فأنا هالك

تحت هذا الرذاذ الدفيء.

***

ناجي ظاهر

في المثقف اليوم