دراسات وبحوث

مفهوم ولاية الفقيه والحاكمية

بدر الدين شيخ رشيدمقاربات بين رؤيتي الخميني وسيد قطب (4)

مفهوم ولاية الفقيه عند الخميني: ناقش الإمام الخميني مسألة ولاية الفقيه في عدة كتب من مؤلفاته مثل:« كشف الأسرار» الذي ألفه عام( 1941م)، وكتاب: « البيع»، و«ثلاث رسائل» تكلم فيها ولاية الفقيه، وكتاب: «الحكومة الإسلامية» الذي ألفه عام( 1970م)، في النجف أثناء منفاه في العراق، فذكر أن حكومة النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة بعده، هي حكومة إلهية، يتولى تشكيلها الله سبحانه وتعالى ولا يَكِلُها إلى أحد،«بل بحكم العقل، الله هو الذي يشكل الحكومة للناس ويشرع الأحكام»[1]، أما في زمن الغيبة، فذكر الإمام الخميني أنها حكومة المجتهد، وهي تندرج تحت المسائل الفرعية الفقهية، حيث كان البحث فيها يدور بين المجتهدين على  نقطتين: في ثبوتها، وفي حدودها سعة وضيقا[2].

هذا، وقسّم الإمام الخميني الولاية إلى قسمين: ولاية تكوينية وولاية اعتبارية، فذكر أن ولاية الفقيه هي من ضمن الولاية الاعتبارية، لا التكوينية، والفرق بينهما أن الولاية التكونية تختص بالنبي صلى الله عليه وسلم والأئمة بعده، أما الولاية الاعتبارية، فليس لها واقع سوى جعل القيّم على الصغار، وعلى هذا الأساس، فالقيّم على الأمة لا يختلف عن القيّم على الصغار من ناحية الوظيفة والدور[3].

إذن، فولاية الفقيه بالمفهوم الاعتباري عند الخميني تعنى بها الحكومة وإدارة البلاد وتنفيذ أحكام الشرع، وهي ليست إلا وظيفة الحكومة حيث يقوم بها الفقيه لإجراء أحكام الإسلام[4].

يلاحظ من كلام الخميني أن حكومة ولاية الفقيه حكومة بشرية مبنية على الاجتهاد، وليست حكومة إلهية، ويستفاد من كونها حكومة بشرية من خلال كلامه حول الحكومة من ثلاث نواحي:

الأول: كون الإمام الخميني قصر الحكومة الإلهية بحكومة النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة، وذلك أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يتولى تشكيل الحكومة بنفسه لا غيره، ومفهومه أن ما بعد حكومة الأئمة، فالأمة هي صاحبة الولاية بنفسها في تشكيل الحكومة، والفقهاء ليس لهم اختصاص خاص بشأن الحكومة في زمن الغيبة، بل هم من جملة الأمة،  وذلك لفقدان العصمة في حقهم، بخلاف الرسول صلى الله عليه وسلم والأئمة، وعلى هذا الأساس، فحكومة الفقهاء في عصر الغيبة هي حكومة بشرية تخضع لإرادة الأمة.

الثاني: اعتبار الإمام الخميني حكومة ولاية الفقيه في زمن الغيبة حكومة المجتهد، كما اعتبر أدلة ولاية الفقيه من ضمن المسائل الفرعية الفقهية، فالقيد الأول: يفيد بأن الحكومة عند الخميني في عصر الغيبة هى حكومة بشرية لا تتسم بأي صفة دينية، وذلك؛ لأن المجتهد  يصيب ويخطئ، ولما كان اجتهاده معرضا للخطأ والصواب استلزم  تقييد سلطته بسلطة الأمة؛ لأنها معصومة عن الخطأ بجملتها من جهة، ومن جهة أخرى هي صاحبة السلطة في عصر الغيبة، وهو أمر يتفق عليه أهل السنة، والشيعة القائلون بولاية الأمة في عصر الغيبة، أما القيد الثاني: فيفيد أن أدلة ولاية الفقيه هي أدلة ظنية وليست قطعية، فهي كالمسائل الاجتهادية الفرعية، وهي تختلف حسب وجهات النظر بين الفقهاء، ولذا، رأى بعضهم من خلال النصوص الواردة في حق ولاية الفقيه، أنها تنهض  إلى نصب الفقيه للولاية، بينما نفى آخرون ذلك وقيدوا سلطته بالأمة[5].

الثالث: جَعَلَ الإمام الخميني ولاية الفقيه من الأمور الاعتبارية العقلية، وهي أمور ذهنية  نسبية لا وجود لها في الخارج، فهي تختلف حسب تعلقها بالخارج من اجتهادات الفقهاء، وهذا بالتأكيد يفيد أن حكومة الفقيه هي حكومة بشرية فرعية قابلة للأخذ والرد، تتغير من شكل إلى شكل بحسب الزمان والمكان والاجتهاد، ويدل على ذلك، تعدد وجهات النظر حول نظرية ولاية الفقيه حتى وصلت إلى تسع نظريات،كما ذكرها محسن كديفر، وهي: نظرية الفقهاء التعيينية الخاصة، وولاية الفقهاء التعينيية العامة، وشورى المراجع، قال بها  السيد محمد الشيرازي، ونظرية ولاية الفقيه التعيينية المطلقة، ذهب بها الخميني، والحكومة المشروطة، قال بها محمد حسين النائيني، وخلافة الأمة وإشراف المرجعية، ذهب بها محمد باقر الصدر، وولاية الفقيه الإنتخابية المقيدة، ذهب بها الشيخ حسين علي المنتظري، وولاية الأمة على نفسها، ذهب بها الشيخ محمد مهدي شمس الدين، ونظرية العقد والوكالة، قالها الشيخ مهدي الحائري[6].

مفهوم الحاكميّة عند سيد قطب:

إن مفهوم الحاكميّة عند قطب هو سيادة الشريعة، ويفيد معنى تحرر الإنسان من قيود الاستبداد البشريّ يقول سيد قطب: «إنه حين تكون الحاكمية العليا لله وحده في مجتمع - متمثلة في سيادة شريعته الربانية - تكون هذه هي الصورة الوحيدة التي يتحرر فيها البشر تحرراً حقيقياً كاملاً من العبودية للهوى البشري ومن العبودية للعبيد، وتكون هذه هي الصورة الوحيدة للإسلام، أو للحضارة ،كما هي في ميزان الله»[7].

وعلى هذا الأساس، فمفهوم الحاكمية عند سيد قطب يفيد معنى الحرية الناتجة عن توحيد الله؛ إذ جعل الإسلام الحرية مبدأ أصيلا يضرب بجذوره في أصل العقيدة، وذلك عبر التوحيد وهي الفكرة المركزية العميقة التي تتمحور حولها جميع  المبادئ والقيم والتصورات الإسلامية؛ فالتوحيد في جوهره هو عمق التحرر من كل سلطان في هذا الوجود، سواء أكان سلطانا خارجيا، كسطوة الحكام ورجال الدين والعادات والتقاليد، أو سلطانا داخليا، كالأهواء والشهوات والأوهام والخرافات، لقد اكتسبت الحرية في التصور الإسلامي قوة المبدئية مالم تكتسبه في التصورات والفلسفات البشرية الأخرى؛ لأنها تنطلق من صميم الاعتقاد المسلم، فشهادة التوحيد التي بها ينعقد الإسلام تقوم على ركنين أساسيين: النفي لا إله، والإثبات إلا الله، فالنفي هو حقيقة التحرر، والإثبات هو حقيقة التوحيد والنفي قبل الإثبات، ومن ثم، فلا يمكن أن يحقق كمال التوحيد مالم يتحرر الإنسان من كل طاغوت في هذا الوجود[8].

أما الحاكميّة السياسية، فالأمة هي صاحبة السيادة، وقد أقر سيد قطب بها للأمة،حيث بيّن أن الشرع خول مزاولة السلطة والحكم إليهم، فهي التي تختار في النظام الإسلامي الحاكم،  فتعطيه شرعية مزاولة الحكم بشريعة الله[9].

والخلاصة: أن الحاكمية لها  دلالتان:دلالة بمعنى التحرر العقدي، وهو مفهوم عام يستفاد من  كلمة التوحيد، ولاعلاقة له بالسلطة السياسية، ودلالة سلطوية سياسية تمارس بها الأمة،بحكم كونها المستخلفة في الأرض.

 

د. بدر الدين شيخ رشيد إبراهيم

......................

[1]- آية الله الخميني، كشف الأسرار، ( PDF)، الترجمة الصحيحة  غير المحرفة) بدون تاريخ الطبع  والناشر). ص179.

[2] - المصدر السابق،ص179.

[3] - آية الله الخميني، الحكومة الإسلامية، (PDF)، بدون تاريخ  الطبع والناشر) ، ص38.

[4] - المصدر السابق، ص38.

[5] - المصدر السابق،ص 59-60.

[6] - محسن كديفر، تسع نظريات لولاية الفقيه ترصد مسيرة الفكر السياسي الشيعي، عرض، ميرزا الخويلدي،(تاريخ النشر 21-9-2013م)، أنظر الرابط:

http://www.rasid.com/?act=artc&id=20851

[7] - سيد  قطب، في ظلال القرآن، دار الشروق، القاهرة،  مصر، ط2/1997م، ج2/ ص178.

[8] - عبد الله المالكي، سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة نحو فضاء أمثل لتجسيد مبادئ الإسلام، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، لبنان، ط1/2012م، ص122-123.

[9] - سيد قطب، في ظلال القرآن، دار الشروق، القاهرة، مصر، ط2/1997م،  ج4/ص1990.

 

في المثقف اليوم