دراسات وبحوث

حقيقة النبوة عند الغزالي (4)

ميثم الجنابي"الأنبياء أطباء أمراض القلوب"

(الغزالي)

النبوة مصدر الاخلاص التام في العمل 

كان مفهوم الرؤية وحقيقة النبوة عند الغزالي، المقدمة المناسبة لفكرة الإمداد والاستمداد النبوية. فبما أن النبي هو المثال الملموس للحقيقة النبوية، من هنا اضمحلال الفرق بالنسبة للأنبياء حول ما إذا كانوا في دار الدنيا أو الآخرة[1]. بمعنى بقاء المثال المحسوس والمجِّسد للحقيقة النبوية، باعتبارها الواسطة المعقولة بين التاريخ الدائم والعابر. الأمر الذي يحدد مصدريته الدائمة لاستمداد العارف. وذلك لأن "تقرّب الملائكة بروحه المقدسة بعد موته ازيد في تقربهم به في حال حياته"[2]. ولا تعني هذه الصياغة في منظومته عن النبوة سوى الإمكانية غير المتناهية لمقامات النبوة المكتسبة، والتي تشكل الحقيقة النبوية مصدرها المشع للعارفين بعد موت النبي. وبهذا المعنى تصبح الملائكة، باعتبارها جواهر المعرفة الصوفية، وسيلة الاتصال بالحقيقة النبوية[3].

وبهذا يكون الغزالي قد فسح المجال أمام إمكانية النبوة المكتسبة، التي صاغت التقاليد الصوفية السابقة له أغلب عناصرها، وبالأخص فكرتها القائلة، بأن كرامات الأولياء هي بدايات الأنبياء[4]. وحاول أن يجد لهذه الفكرة تمثيلها المناسب في شخصية محمد ما قبل النبوة وبعدها. فقد اعتبره في بداية أمره، أو في أول حاله، حسب عبارات الصوفية، ولياً. وهي الحالة التي كان يمثلها سلوكه ما قبل البعث عندما كان يقبل على جبل حراء ليخلو فيه بربه ويتعبده حتى قالت العرب: أن محمدا عشق ربه[5]. وسوف يشرح ابن عربي هذه الفكرة بما اسماه بذوق الإنزال في التنزيل، بمعنى إتباع الولي النبي في فهم حقائق التنزيل. لأن التنزيل (والشرع الجديد المطلق) مغلق بينما باب التنّزل بالعلم (المعرفة) أو باب النزول الروحاني بالعلم ليكون على بصيرة في دعائه (مفتوح). وبالتالي لا يعني "لا نبي بعدى" سوى استحالة وجود نبي على شرع يخالف شرعي. فالنبي الحقيقي هو من يكون على شريعة محمد (شريعة التوحيد الخالص). مما يعني عدم انقطاع مقام النبوة. وسوف يدقق الغزالي مضمون هذه الفكرة وعباراتها في (الإملاء على مشكل الإحياء)، في معرض دفاعه عن فكرة سهل التسترى القائلة، بأن "للنبوات سرّ لو انكشف لبطل العلم". حيث فسر فكرته هذه بمعنى انه لا يعرف النبوة بالحقيقة إلا النبي. وحالما ينكشف سرّها للعارف، آنذاك "يبطل العلم في حقه بارتفاع المحنة له بالأمر المتوجه عليه بطلبه والبحث عنه والتفكر فيه[6]. آنذاك يكون العارف "كالنبي إذ سئل عن شيء. ولو وقعت له واقعة لم يحتج إلى النظر فيها، ولا إلى البحث عنها، بل ينتظر ما تعود؟ من كشف الحقائق بإخبار ملك أو ضرب مثل يفهم عنه أو اطلاع على اللوح المحفوظ، أو القاء في روع"[7].

ذلك يعني، إن بلوغ العارف هذه الدرجة يحوله إلى التجسيد الشخصي الواقعي للنبوة الفاعلة. وهي الدرجة التي لا يجري نيلها عن طريق البحث أو التعلم أو الطلب، بل هي الصيغة المتنوعة للمنح الإلهية. أنها الدرجة أو المقام الذي يلازم سلوك الصوفي في معراجه الروحي. وهذا بدوره ليس إلا الطريق الذي يبلغ به العارف أو يستمد منحه على قدر تذليله منازل الطريق ومقاماته. وبالتالي لا يعني بلوغ الغاية دون طلب أو تعلم أو بحث سوى غياب الحوافز العندية واضمحلالها في بواطن المساعي الخالصة نحو المطلق. من هنا فكرة الغزالي الرادعة لطلب المقام الأعلى باللسان. بمعنى دعوته إلى ضرورة الرجوع عن مقام النبوة بصيغة "لا تتخطوا رقاب الصديقين"، أي عدم وجود مقام فاصل بين الصديقية والنبوة والذي أطلق عليه ابن عربي  عبارة "مقام النبوة المطلقة". بينما اطلق عليها الغزالي عبارة "مقام القربة". غير انه ترك الباب مشرعا، رغم اغلاقه إياه بعبارة "النبوة باب مغلق". لقد رفض هو بلوغ مقام النبوة بطلب اللسان ولهذا كرر مطلب عدم تخطي رقاب الصديقين. وأكد على إمكانية بلوغ أعلى المراتب بوحي الجنان. من هنا قوله أن المراتب هي مواهب يكرّم الله بها من يشاء، أي كل ما يتطابق مع حقيقة الصوفي ومساعيه العملية. فهي "مراتب الصدق في العلم، وبركات الإخلاص في العمل"[8]. ومن هنا استنتاجه القائل، بأن من "لم يرث من علمه وعمله المفترض عليه فطلبه والعمل به شتان من هذه المعاني، فليس في شيء من الحقيقة وإن كان حقا. غير أن حاله معلول. أما مفتون بدنياه أو محجوب بهواه"[9].

شكلت هذه الأفكار المقدمة الكبرى في ممارسة الغزالي العملية. إذ لم تعد النبوة فعلا متقطعا مازال مصدرها الحق الدائم مرتبطاً بالحقيقة النبوية. وبما أن  هذه الحقيقة في منظومته الفكرية هي وسيلة تجلي  وتطبيق الخير المطلق وإدراك حقيقة الوجود في تجلياته غير المتناهية، لهذا اتخذت صيغة الأداة الفاعلة للتغيير والإصلاح. الأمر الذي حدد تأسيسه الفكرى لما يمكن دعوته بإعادة الاعتبار الفاعل لحقيقتها، وكل ما يمكنه أن يكون مقدمة الفعل الصالح. بمعنى محاولة ربط الكينونة التاريخية للنبوة بمثالها الصوفي من خلال إعادة النظر بما اسماه بفتور الاعتقادات في أصل النبوة وحقيقتها والعمل بما شرحته النبوة نفسها. واستمد إدراكه لأسباب فتور الاعتقاد بالنبوة من تجربته الفكرية الخاصة. وبهذا يكون قد ظل أمينا في تجانسه لرؤية الأمور انطلاقا من تجربته العلمية والعملية (النظرية والأخلاقية)، التي عكست بدورها إدراكه الخاص لواقع الخلافة التاريخي وآفاقه. لهذا نظر إلى أسباب الفتور بها كأعراض متفرعة عن خوض الخائضين في علم الفلسفة وطريق التصوف والباطنية والمتكلمين والفقهاء. فالفلاسفة ومن اتبعهم ادعوا إدراكهم لحقيقة النبوة من علم الفلسفة. فقد وضع الفلاسفة في دحضهم للتقليد مطابقة الحكمة والمصلحة  وحقيقة النبوة. بمعنى أنها نظرت إلى النبوة نظرتها إلى وسيلة ترتيب الامور الحياتية والأمن بوضع حدود النظام الاجتماعي بما يكفل ضبط العوام. في حين أن الإدراك العقلي الخاص قادر بحد ذاته على وضع "حجر التكليف" وإتباع الحكمة كما هي. وقد وجد في هذه الآراء أحكاما خادعة زاد من قوتها ضعف اعتراضات مخالفيهم ضد علوم الفلسفة الدقيقة في المنطق والعلوم الطبيعية. بينما انخدع القسم الآخر بضلالات بعض المتصوفة القائلين بالإباحية وترك تكاليف الشريعة. في حين قيدت الباطنية حرية العقول انطلاقا من مقدماتها الصحيحة بحد ذاتها عن واقعية اختلاف الناس في الفكر، واستنتاجاتها الخاطئة عن عدم الثقة بالرأي. إذ وجد في هذه الفكرة المتشككة استنتاجا لا حجة له ولا دليلاً مقنعاً. اذ كيف يمكن أن يدعي المرء اليقين بالشك؟ أما "الموسومون بالعلم" من الفقهاء والعلماء، فإن أعمالهم من أكل أموال اليتامى والتهافت على القضاء والخضوع للسلطان وأخذ الرشوة قد أفسدت هيبتهم في أوساط العوام والخواص.

ووجد في إنكار الفلاسفة أصل النبوة أفكارا تستند إلى براهينهم التقليدية في الطبيعيات والإلهيات. وهي براهين مبنية، كما يقول في (المنقذ من الضلال) على أساس "تصورهم الأمور على قدر ما وجدوه وعقلوه، وما لم يألفوه قدّروا استحالته"[10]. فهم يقرون بلسانهم النبوة ويطابقون أوضاع الشرع على الحكمة (الفلسفة). انهم يجحدون النبوة بالعقل رغم إيمانهم الظاهرى بها. في حين إن الإيمان بالنبوة كما يقول الغزالي، هو الإقرار بطور ما وراء العقل، وإن الإنسان يستطيع به رؤية ما لا يستطيع العقل بحد ذاته أن يراه، تماما كما لا يستطيع البصر إدراك الصوت والسمع واللون والحواس والمعقولات. بينما رد على الإباحية في (إحياء علوم الدين) و(كيمياء السعادة) وعلى التعليمية الباطنية في (القسطاس المستقيم). في حين تناول في ردوده على الفقهاء والمتكلمين قضية الإصلاح الأشمل للجميع بفعل إدراجهم في أوساط الاتجاهات الأخرى، تماما بالقدر الذي يشكل الفلاسفة والباطنية والمتكلمون فقهاء وعلماء. لقد أراد القول بأن خطأ العلماء في أفعالهم لا يمكنه أن يكون أساسا ملزما لخطأ فكرة النبوة، بما في ذلك في حالة دفاعهم عنها. وسعى في الوقت نفسه إلى إعلاء شأنهم من خلال تحديد مهمتهم الحقيقية في العلم والمعرفة، باعتبارهما مقدمة للعمل. حيث وضع في هذه الوحدة العلمية العملية حوافز الإصلاح الشامل، بفعل إدراكه قيمة العلماء وأهميتهم باعتبارهم ورثة الأنبياء. لاسيما وأن معرفة العالم حجة عليه في خطئه وصوابه، حسنه وقبحه[11]. وذلك لأن العالِم الحقيقي، بنظر الغزالي، لا يقترف معصية إلا هفوة، ولا يصرّ عليها. فالعالِم الحقيقي يدرك حقيقة المعصية باعتبارها سما مهلكا. وذلك لأن العلم الحقيقي هو الذي يزيد صاحبه خشية وخوفا ورجاء. فالمؤمن هو ليس من لا يخطئ. أنه ممن لا ينفك عنه البشر. ولا يدل في الوقت نفسه على ضعف الإيمان. وأن المؤمن "مفتنن توّاب، بعيد عن الإصرار والإكباب"[12].

لقد أدرك  الغزالي موقفه الحقيقي باعتباره داعية ومفكرا متجردا عن مآثر السياسة والسلطة. غير أن تجرده المباشر عن مهمات السياسة المباشرة وتركيزه على قضايا الفكر، لا يعني ابتعاده عن الواقع الاجتماعي المعاصر له. على العكس! لقد أراد أن يثير شعلة الفكر من جديد بما في ذلك من خلال إعادة  النظر بقيم النبوة وفاعليتها الكامنة، باعتبارها المصدر المافوق اجتماعي وسياسي، والكيان الخاطف للحقيقة المطلقة والمتجردة عن تطرف المصالح العابرة. ولم يعن ذلك في الواقع سوى صياغة فكرة الرجوع إلى وحدة المبدأ لا تنوع المصالح. ولهذا السبب يمكن فهم سرّ استعماله لمفاهيم أسباب الفتور والعلاج باعتباره جوهر النبوة العملية. انه وضع أمام نفسه مهمة الإصلاح الشامل. أما النبوة فقد كانت وسيلتها الاجتماعية الروحية الحقيقية. ونعثر على كل ذلك في تصويره الشيق لمعاناته الفكرية الروحية في (المنقذ من الضلال)، عندما اشار إلى ما اسماه بملاحظته ومتابعته في خلوته عن ضعف إيمان الخلق. ووجد نفسه في هذه الحالة مشغولا بمهمة الكشف عن أسبابها وإزالة الشبهات عنها. لاسيما وأن تجربته النظرية، كما يقول عن نفسه، قد اهّلته بالشكل الذي لم يجد معه صعوبة في خوض الجدل الفكري مع الجميع من فلاسفة وباطنية وفقهاء وصوفية. فقد كان هذا الجدل بالنسبة له "أيسر من شربة ماء"[13].

إن التأمل العميق في الشبهات والأسباب القائمة وراء فتور الإيمان بالنبوة والانشداد إلى قضايا الأمة في دينها ودنياها هو الذي أدى، كما يقول في (المنقذ من الضلال)، إلى أن تنقدح في أعماقه رغبة الإعلان المباشرة عن شخصه الإصلاحي. وأن يجد فيه مصيره المحتوم. فقد كانت أعماقه تخاطبه بعباراتها الصريحة قائلة "أتغنيك الخلوة والعزلة وقد عمّ الداء ومرض الأطباء وأشرف الخلق على الهلاك؟ ثم قلت في نفسي متى تشتغل أنت بكشف هذه الغمة ومصادقة هذه الظلمة والزمان زمان الفترة والدور دور الباطل. ولو اشتغلت بدعوة الخلق عن طرقهم إلى الحق لعاداك أهل الزمان بأجمعهم، وأنى تقاومهم فكيف تعايشهم"[14]. لقد كان الغزالي يدرك حقيقة التضحية وقيمتها، وأن خوض الصراع يستلزم تضافر القوة والمناسبة. وهو ما عبّر عنه بالكلمات التي خاطب بها نفسه قائلا "لا يتم ذلك إلا بزمان مساعد وسلطان متدين قاهر"[15]. أما تردده الأولي فقد كان مرهونا بضعف الحجة لحالها. ويعكس هذا الإدراك حالة المفكر الكبير في أطوار "الزمن السيء" وأحواله، وكل ما أدى إلى نقل أفكاره وتفكيره إلى ميدان المعاناة الذاتية. غير انه سرعان ما استحلها إلحاح السلطة وسلطانها "المتدين القاهر" ابتداء بالتدريس وإنتهاء بالدعوة الشاملة للإحياء. وهي المهمة التي استجابت لبواعث قناعاته الذاتية. بحيث لم يجد في طلب السلطان وإلحاحه سوى حركة "قدّرها الله".

فالقدر الذي أوصله إلى تحريك "يد القدر الالهية" في ذاته والسلطان، لم يعن تاريخيا سوى الالتقاء الأكثر مناسبة لوعي قيمة المآثر الفاعلة في قوة الفكر والسياسة. فقد كانت هذه القيمة في إصلاحيتها. وجرى وعي هذا التضافر في تقاليد الثقافة الإسلامية وقرونها الخمسة السالفة. إذ لم ذلك مجرد تكرار لما مضى، بل  والاستعادة الحية لما في مبدأ الوجود الإسلامي الإصلاحي من طاقة لا تنفد، والتي سجلها الحديث الموضوع  القائل، بأن الله وعد بإحياء دينه على رأس كل مائة سنة. من هنا، لم يكن تطابق واعزه الداخلي مع إرادة السلطان مجرد ألعوبة بيد القدر العمياء، أو رغبة الأموات العابرة، بل الفعل الدائم لوعي الحقيقة النبوية ووحيها التاريخي. تماما كما كان الحال بالنسبة لنموذجها الأرقى:محمد! فهو الذي أدى به إلى أن  لا يجد مبررا للخلوة مازالت القناعة واليقين قد بلغا درجة لا معنى معه للانعزال والخلوة. ووجد في ذلك اختيارا واختبارا جديدا له. إذ لا معنى لطلب عزّ النفس وصونها من الأذى مع إدراك استحالة تحقيق الحق  والحقيقة دون تضحية وشقاء. وجعل هذا الإدراك من التجربة النبوية لمحمد مثال استمدادها الحقيقي المعاصر. فقد خاطب القرآن النبي بعبارات "أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون؟ ولقد فتنا  الذين من قبلهم"، و"لقد كذّبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا. ولا مبدّل لكلمات الله". و"إنما ننذر من أتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب". لقد واجه الغزالي "الخطاب الإلهي" في تطويعه الإصلاحي. فهو لم يبحث فيه عن ملاقاة الأزل بالمعاصرة، بل عن وحدة التاريخ الفاعلة في إدراك مصلحتها. فهو الوارث الحق لحقيقة النبوة، أو نبي عصره. وذلك لأن وارث النبي، كما يقول في (الإملاء على مشكل الإحياء) إنما "ورث العلم ليتحمل بعمله ويحل فيه كلمة. والنبي لا ينطق عن الهوى. وحكم الوارث فيما ورث حكم الموروث فيما ورث عنه. فما عرف فيه الحكم من فعل الموروث عنه امتثله، وما لم يصل إليه فيه شيء كان له اجتهاده"[16].

لقد لازم هذا الإدراك انهماكه الفعلي في حركة الإصلاح والتجديد على رأس المائة الخامسة للهجرة. وفعله لم يعد نتيجة لرغباته الفردية ولا توظيفا لنوازع وجوده الشخصي، بل التجسيد الحق لحقيقة النبوة. بمعنى استمداده حقائق المبدأ المطلق لا المصالح العابرة. وقد حلّت هذه الحالة في ذاته مبادئ الكل الإسلامي للدرجة التي كان بإمكانه أن يتلوع فيها كما لو انه "قلب بين أصابع الرحمن". بحيث أدى به  للقول "اني  لم اتحرك ولكنه حركني. واني لم أعمل ولكنه يريني الباطل باطلا ويرزقني اجتنابه"[17]. وبهذا يكون قد ألغى النبوة من طوفانها على ألسنة الدعاة والمتكلمين، والوعاظ والأدباء، وأبقى عليها في حقيقتها باعتبارها منهلا للفعل الحق. انه كبّل حريته بالحق، مما أعطى لأفعاله حرية استمدادها الدائم من حقائق النبوة.

 

ا. د. ميثم الجنابي

..............................

[1] الغزالي: المضنون به على غير أهله، ص124.

[2] الغزالي: المضنون به على غير أهله، ص152.

[3] للملائكة موقعها المتميز في منظومة الدين الماورائية والعملية. وهو موقع يحدده في الأغلب ثقل المضامين الرمزية المميزة لها في الثقافة. وعموما يمكننا القول، بأن لكل ثقافة ملائكتها الخاصة، باعتبارها المكونات المثالية الدائرة في فلك مبادئها الكبرى. وبهذا المعنى كانت ملائكة الثقافة الإسلامية هي الاجزاء الكبرى المكونة لروحها الماورائي والعملي. أما تعددها أو ثقلها الرمزي في وعيها الاجتماعي فهي الصفة الملازمة لثقل الميتافيزيقيا والأخلاق. من هنا تباين قدرتها وندرتها في منظومات الفكر الإسلامي ونظمه الأخلاقية. وعندما تطرق إليها الغزالي باعتبارها جواهر قائمة بحد ذاتها، فلأنها مثلت في منظومته القوى المثالية للمثال أيضا. فهو يتكلم عنها في (إحياء علوم الدين) باعتبارها قوى حيوية وذهنية ومادية كامنة في الأفعال الحيوية والذهنية والمادية للإنسان والكون. انه طابقها مع الصلات أو الروابط أو الذرات الفاعلة وراء كل ما هو موجود. وقدم في (إحياء علوم الدين) مثالا لذلك على علاقة البدن بالغذاء، قائلا:"إن معنى الغذاء أن يقوم جزء من الغذاء مقام جزء. وذلك الغذاء يصير دما في آخر الأمر ثم يصير لحما وعظما. وإذا صار لحما وعظما تم اغتذاءوك. والدم واللحم اجسام ليس لها قدرة ومعرفة واختيار. فهي لا تتحرك بأنفسها ولا تتغير بأنفسها. ومجرد الطبع لا يكفي في ترددها في أطوارها، كما أن البرّ لا يصير طحينا، فكذلك الدم لا يصير لحما وعظما إلا بصنّاع. والصناع في الباطن هم الملائكة، كما إن الصناع في الخارج هم أهل البلد".  (الغزالي: إحياء علوم الدين، ج4، ص120.)

[4] لا يغير من ذلك شيئا ذكره في كتاب (الإملاء عن إشكالات الإحياء) ورفضه لآراء أولئك الذين "زل بهم الأمر" فقالوا بإمكانية اكتساب النبوة. وذلك لأن رده هنا كان موجها ضد آراء المعارضة المستهزئة. وإذا كان الغزالي لا يقول صراحة بالنبوة المكتسبة، فإنه فسح المجال أمامها من خلال تأسيس عناصرها الأساسية. إضافة لذلك، إن حديثه عن زلل القائلين بها هو التأسيس الأكثر صرامة لمتطلباتها في منطق الطريق الصوفي.

[5] الغلزالي: المنقذ من الضلال ص142.

[6] الغزالي: الإملاء عن إشكالات الإحياء،ص40.

[7] الغزالي: الإملاء عن إشكالات الإحياء،ص40.

[8] الغزالي: الإملاء عن إشكالات الإحياء،ص40.

[9] الغزالي: الإملاء عن إشكالات الإحياء،ص40.

[10] الغزالي: المنقذ من الضلال، ص162-163.

[11] الغزالي: المنقذ من الضلال، ص168.

[12] الغزالي: المنقذ من الضلال، ص169.

[13] الغزالي: المنقذ من الضلال، ص157.

[14] الغزالي: المنقذ من الضلال، ص157-158.

[15] الغزالي: المنقذ من الضلال، ص158.

[16] الغزالي: الإملاء عن إشكالات الإحياء،ص40.

[17] الغزالي: المنقذ من الضلال، ص160.

 

في المثقف اليوم