دراسات وبحوث

فلسفة الإرادة النبوية والبديل الشامل

ميثم الجنابيفلسفة النبوة المحمدية (3)

الإرادة صانعة المصير، سواء جرى النظر إليها بمعايير التجربة التاريخية والواقعية أو بمعايير القضاء والقدر اللاهوتية. وذلك لأن جذرها يكمن فيما يريده المرء ويسعى إليه، أي كل ما يتمثل القوة والرغبة العميقة في الإنسان. وبدونها يتحول المرء إلى كتلة بلا طاقة. فالإرادة تصنع العظمة والعظماء وتحقق من خلالهم إحدى المآثر التاريخية الكبرى. إذ تكشف التجارب التاريخية لصيرورة الأمم الكبرى عن ارتباط كينونتها الثقافية بشخصياتها الإرادية الكبرى، ومن ثم فإن الإرادة هي العنصر الجوهري بالنسبة للانتقال من طور وحالة ثقافية تاريخية إلى أخرى. فالإرادة الفاعلة تعادل معنى "الطاقة التاريخية" أو الإرادة التأسيسية بوصفها الحلقة الضرورية في سلسلة الآلية الداخلية لهذا الانتقال. وفيها ومن خلالها تبرز قيمة وأهمية وفاعلية العظماء في التاريخ. والمقصود بالعظيم هنا الشخصية الإرادية المتفائلة، والعاملة بمعايير الرؤية المستقبلية ومتطلباتها. فالانتقال من المرحلة الإثنية الثقافية إلى المرحلة الثقافية الدينية سواء ارتبطت بشخصية فردية أو جماعية، فإنها تعمل بالضرورة بنفسية وذهنية الإرادة المتفائلة بالمستقبل والإرادة الذاتية، الأمر الذي يحدد صيرورة المرجعيات الثقافية المتسامية والعمل بموجبها في حل إشكاليات الوجود الطبيعي والماوراطبيعي، كما نراه على سبيل المثال في شخصية حمورابي وإرادته في تحديد ملامح الانتقال التاريخي صوب المرحلة الثقافية الدينية عبر بناء الدولة الإمبراطورية الموحدة، والقوانين الموحدة، والآلهة الموحدة.

وليست العظمة في الواقع سوى الإرادة التاريخية المتفائلة في تحديها للواقع والخروج منه عليه بعقل ثقافي مستجد ومتجدد صوب بدائل منظومية كبرى. وليس مصادفة، على الأقل في العربية، أن تكون العظمة والعظيم والعظم من جذر واحد يدل على القوة والبقاء. لكن العظمة في مسارها الفعلي هي تاريخ الصراع والكفاح والتحدي مع ما يتخلله بالضرورة من وحدة المتناقضات الملازمة للحياة والتاريخ الفعلي للبشر من نصر وهزيمة، وفوز وانكسار، وفرح وألم، والذي يجعل من الإبداع مرارة ومن مذاقها الثقافي حلاوة. كما انه لا احد يتذوق مرارة العظمة غير حاملها ومبدعها، ومن ثم لا يمكن تذوقها بوصفه أسلوبا لإدراك الحقيقة كما هي إلا من خلال معاناتها وتمثل ما فيها في العلم والعمل. وقد عانى محمد وتمثل رحيق التجربة التاريخية للنبوة من خلال صقل الإرادة الذاتية المتسامية وتجسيدها العملي في إرادة تاريخية كبرى وتحقيق ما فيها من مساع وغايات.

إن العلاقة بين الإرادة الفردية المتسامية والإرادة التاريخية هي الصلة الضرورية التي لا يمكن بدونها تحقيق الانتقال من طور تاريخي ثقافي إلى آخر. وكما لا ينجح التحدي الفردي إلا بوجود إرادة فردية متسامية، كذلك لا ينجح التحدي التاريخي بدون إرادة تاريخية كبرى. فالأولى وثيقة الارتباط باليقين الفردي المتفائل، بينما الثانية وثيقة الارتباط بالعقل الثقافي الجديد، أي بالعقل المؤسس لمنظومة المرجعيات المتسامية. وهذا بدوره ليس الا منظومة البديل التاريخي الذي يعي الخلل البنيوي أو المأزق التاريخي للعنصر الجوهري في صيرورة وكينونة المرحلة التاريخية الثقافية السابقة. فالإرادة التاريخية للانتقال من المرحلة الثقافية الدينية إلى المرحلة الدينية السياسية يفترض إدراك طبيعة ونوعية الخلل في العنصر الديني بوصفه المكون البديل لما قبله وإضافة العنصر البديل القادر على نفي عناصر المرحلة السابقة. وفي الحالة المعنية تذليل الفكرة الدينية السابقة بأخرى أكثر فاعلية في إرساء أسس البديل التاريخي الثقافي الجديد وتجذير البديل عبر العنصر الأكثر فاعلية ألا وهو العنصر السياسي. ومن ثم إرساء أسس الطور الديني السياسي ومنظومة مرجعياته المتسامية، أو المافوق تاريخية لكي ترسي أسس التاريخ الجديد.

صنعت الإرادة الفردية لمحمد شخصيته النبوية، كما صنعت شخصيته النبوية إرادة تاريخية أو طاقة تاريخية ثقافية كبرى وجدت تعبيرها وتحقيقها في الثقافة الإسلامية اللاحقة وحضارتها. بعبارة أخرى، لقد جعلت الإرادة الفردية المتسامية من محمد نبيا، بينما جعلت إرادته التاريخية الكبرى من النبي محمد رسولا ذا رسالة وشريعة.

وجسّدت الشخصية المحمدية وحققت فكرة الإرادة التاريخية، أي الإرادة المتفائلة تجاه المستقبل، وذلك لأنها كانت منذ بداية النبوة مليئة باليقين. ونعثر على هذه الحالة النفسية والعقلية للإرادة المحمدية من ناحيتها الفكرية المجردة في ظهور عبارات "عين اليقين" و"حق اليقين" في الآيات الأولى للوحي القرآني. ووجد ذلك تعبيره العملي الدقيق والواضح والجلي والمستميت من أجل تحقيقه في العبارة العميقة والمباشرة التي واجه بها طلبات وتحديات قريش من أجل ترك النبوة والتخلي عنها: "لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن اترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه".

فما قبل النبوة، لم تكن الإرادة الفردية لمحمد أكثر من إرادة البحث عن اليقين. اذ لا نعرف عنه ما قبل النبوة إلا أشياء قليلة وعادية مثل كونه يتيما، ورباه عمه أبو طالب، وعمل بالرعي ثم التجارة عند خديجة التي تزوج منها لاحقا، وسفراته إلى العراق والشام، وأمانته بحيث وصفوه بالأمين. وفِي الميدان الاجتماعي كان مختفيا وراء صيرورته الفردية وشخصيتها، بمعنى أنها كانت تتراكم في مجرى تأملاته العقلية والوجدانية في وديان مكة وديارها. والحالة الوحيدة التي أشار هو شخصيا إليها وجوده في مجرى الاتفاق على حلف الفضول في مكة عام 590 (ميلادية) بعد شهر من انتهاء "حرب الفجار" بين كنانة وقيس عيلان1.

ذلك يعني، إن إرادته الأولية المتراكمة في تصوراته عما يسعى إليه والطريقة المثلى لبلوغ ما يسعى إليه في مواجهة إشكاليات الواقع وقضاياه، لم تكن أكثر من إرادات الآخرين. لكن بأثر تحول الإرادة الفردية إلى إرادة متسامية (نبوية)، أخذت الشخصية المحمدية تعطي للإرادة قيمتها ومعناها التاريخي. بمعنى تحسس ورؤية الأبعاد المافوق تاريخية والماوراطبيعية في سلوكه ومواقفه التاريخية والطبيعية. إذ أصبحت إرادته جزء وتمثلا "لإرادة الله". ولعل الحادثة المشهورة عن مساهمته في رمي الحصى على أعداءه في معركة بدر، احد النماذج الحية بهذا الصدد، والتي وجدت انعكاسها وتعبيرها في الآية القائلة (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).

إن رؤية الإرادة الإلهية في إرادته تعكس من حيث طابعها الرمزي التأويلي والواقعي العملي، أو الديني والسياسي عن أن جوهرية الإرادة في شخصيته الجديدة تنبع من جوهرية الإرادة في مراحل الانتقال. وذلك لأنها تحدد مسار ونوعية التحدي والبدائل، ومن ثم تجد انعكاسها وتجسيدها في العقل الثقافي. من هنا أثرها الجلي اللاحق في المواقف العملية والنظرية للمرحلة التأسيسية الأولى للثقافة الإسلامية كما نراه على سبيل المثال في حركات الخوارج والمعتزلة والمتصوفة.

جعلت هذه الحالة المعقدة والمتداخلة من حيث مقدماتها ومكوناتها وقواها من محمد نبي الإرادة. بمعنى اختارها واختارته. وقد يصعب الكشف عن سرّ هذه العلاقة بمعايير المنطق، لكن المنطق يكشف ويبرهن على حقيقة جوهرية ألا وهي أن غلبة الإرادة في التحدي الشامل جعلت من "إرادة الله" الملجأ الأول والأخير لاختيار الفعل بوصفه تحديا. وبالتالي، فإن "إرادة الله" تعني الإرادة المطلقة، أي إرادة اختيار الفعل بمعايير الحق، التي ستجد منفذها الجلي بالنسبة للوعي الديني والسياسي والأخلاقي فيما يسمى بأسماء الله الحسنى، بوصفها مؤشرات على الفضائل العملية. بينما يشكل اختيار أي منها تحقيقا للإرادة. وضمن هذا السياق يمكن فهم تنوع واختلاف المواقف من الشدة إلى الرحمة، ومن الهجوم إلى الصبر وكثير غيرها، على وحدة الثبات في التغير. وذلك لأن عدم اقتران الفعل المختار بمعايير الحق يؤدي بالضرورة إلى زعزعة اليقين وخلخلة الإرادة. فالإرادة الحقيقة بلا رغبة. بينما الإرادة المقيدة بالرغبة مجرد أهواء عابرة. ومن ثم ليست قادرة على الصمود أمام التحديات الكبرى. فقد جعل النبي محمد من كل تحد درجة قصوى، وانه لا صغائر في الأمور، انطلاقا من أن الأشياء بالنسبة لله كلها سواء. الأمر الذي يجعل من الأشياء كلها سواء بالنسبة للإرادة المتسامية.

ونعثر على هذه الصيغة في شخصية محمد وإرادته حالما تجسدت في حالة "شخصية نبوية وإرادة متسامية". ولعل الحادثة الشهيرة عن رفضه المساومة على نبوته وإرادتها الفاعلة مهما كلفه الأمر بالعبارة الشهيرة "حتى يظهره الله أو اهلك دونه". ففي هذه العبارة والموقف نعثر على باعث اليقين بوصفه جوهر الإرادة المحمدية. فالإرادة المتسامية تعادل على الدوام فكرة اليقين، اذ يتغلغل اليقين في الإرادة ويتماهى معها بالشكل والمضمون، بحيث لا يمكن التفريق بينهما. فقد ظهرت عنده منذ البداية فكرة "حق اليقين" و"عين اليقين". وهو يقين يختلف عن يقين العلم والمعرفة، ويقين التقليد، ويقين البلادة والغباء. فالأول يحتمل الشكوك، بينما الثاني لا يعرف الشك، أما الثالث فهو يقين التقليد بمختلف مظاهره وأشكاله، والذي كان يطغي على تقاليد الوثنية العربية. أما اليقين المحمدي فهـو يقين متفائل، وذلك لأنه يقين النبوة أو حدس الوجدان الخالص. من هنا تداخل التفاؤل بالمعاناة العميقة التي تضعه أحيانا أمام هاوية اليأس والقنوط، ثم تعيده من جديد إلى تفاؤل مغر. فالإنسان الذي يدرك إرادته على أنها الحلقة الرابطة بين الأزل والأبد لا يصاب باليأس والقنوط، أو على الأقل إن هذه الأحوال تظهر وتضمحل بوصفها شفرات القطع الحادة لما هو عالق وعابر، أو حجر المبرد الذي يقطع الشكوك بيقين الإحساس الجديد بنعومة "الأذى"!

إن حالات الإحباط واليأس والقنوط وما شابهها ليست إلا أحوال الروح في معاناته شحذ قوة الإرادة بوصفها يقينا متفائلا. وقد كان هذا هو مضمون الإرادة الإلهية في القرآن، أي مضمون الإرادة المحمدية بوصفها إرادة إنسانية تاريخية كبرى. ذلك يعني، إن الإرادة الإنسانية إلهية بمعايير النبوة حالما تتمثل الحق والحقيقة. وبالتالي كانت الإرادة المحمدية إرادة التحدي والبدائل، المبنية على أساس فكرة التفاؤل واليقين، أو الإرادة المتفائلة يبقينها الذاتي. وضمن هذا السياق يمكن القول، بأن تأسيس المرجعيات الثقافية الكبرى للإسلام، بوصفها الأساس البنيوي لانتصاره وإرساء أسسه الذاتية، هو النتاج الخالص للإرادة المتفائلة للنبي محمد، والتي يمكننا رؤيتها أيضا في جميع مظاهر وجوده وفعله العلني والمستتر بما في ذلك أثره وتأثيره فيمن حوله.

وقد تكون نبوة الإرادة من بين أكثرها نموذجية، بمعنى الاقتناع واليقين بنبوته وعلاقته بالله بوصفه رسولا للعالمين من جانب العرب الوثنيين، أي الواقعيين جدا والمشككين في كل ما لا يتجاوز حدود المعقول المباشر في الرؤية والفعل. وقد تكون الحادثة الطريفة بين محمد وأبو سفيان بعد تحرير مكة من بين أكثرها نموذجية بهذا الصدد. فقد استجاب أبو سفيان للشطر الأول فقط من الشهادة الإسلامية عندما نطق بها قائلا "لا اله إلا الله" ثم سكت. وعندما قال له محمد "الم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟"، فأجابه "أما هذه، والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئا" 2.

فإذا كان إسلام الشخصيات الأولى بصورة طوعية، بأثر إدراك لا يخلو من نوعية الإرادة المحمدية الشخصية والنبوية كما كان الحال بالنسبة للشخصيات التي ستلعب لاحقا دورا كبيرا في تاريخ الإسلام وإرساء أسس الخلافة. فقد كان إيمان عتيق بن عثمان (أبو بكر الصديق) وما تبعه من إسلام شخصيات أخرى كبيرة وكثيرة يعكس من الناحية الاجتماعية والنفسية والفكرية أيضا اثر الإرادة الفردية للنبي محمد. وذلك لأن إيمان هذه الشخصيات المتعرّكة في تجارب الحياة، والكبيرة في أعمارها، وغير المعروف عنها الاهتمام بقضايا الروح وما وراء الطبيعة، بل على العكس، الاهتمام بالثروة والتجارة، هو احد المؤشرات الدقيقة لأثر الإرادة المحمدية وشخصيته الفردية. خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار الحالات الفردية الخاصة للكثير منهم، ممن سيلعب دورا هائلا في تاريخ الإسلام والدولة والثقافة.

كان عمر بن الخطاب، على سبيل المثال، من ألد اعداء محمد والداعين إلى قتله. اذ كان يسمي النبي محمد بالصابئ. كما كان سلوكه يتسم بالعنف والقسوة تجاه المسلمين، بما في ذلك تجاه أخته التي أسلمت قبله. بحيث قال عن نفسه لاحقا "كنت  للإسلام مباعدا، وكنت صاحب خمر في الجاهلية، أحبها وأسرّ بها". كما أسلم أغلب قواد الفتوحات الإسلامية مثل عمرو بن العاص وخالد بن الوليد. ويقال أن الأول أسلم خوفا من ملك الحبشة بسبب مؤامراته لقتل النبي محمد، بينما كان إسلام الثاني عاديا. في حين وجد فيه بعض من الخزرج، كما تنقل الروايات، ما كانت تبشر به اليهود عن النبي الجديد الذي يمكنه أن يجمع بهم شمل الأوس والخزرج. بينما كان إسلام اغلب من أسلم بعد فنح مكة بأثر القوة والخوف!

مما سبق يتضح، بأن محمدا كان يخضع، كما هو جلي من هذه الحادثة وأمثالها، كل ما كان يقوم به لتأسيس فكري وتبرير عقائدي. الأمر الذي كان يجمع بين الرؤية الواقعية (السياسية) والتأويل الفكري (الديني) ومن ثم احتوائهما على أبعاد غير متناهية بوصفهما جزء من الوحي. ومن ثم أعطى لكل ما يقوم به صفة التأييد الإلهي. والهدف من وراء كل ذلك هو التوحيد الاجتماعي والعقائدي، كما نراه في الآية "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ". ومن ثم صنع المناعة الذاتية والروحية، كما في الآية القائلة: "لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ... وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ"

لا يعني إتباع "أحسن ما انزل" في الوحي سوى اختيار ما هو ملائم للإرادة الفاعلة بمعايير الحق. بعبارة أخرى، إننا نعثر هنا على مرونة الموقف باختيار ما هو مناسب في تأسيس أو تبرير الموقف، ولكن بشرط ارتباطها بأحسن أو أفضل ما هو موجود في ذخيرة الرؤية العقائدية. وفي هذا كان يكمن الأساس العقائدي للإرادة المحمدية في صراعها ضد الوثنية العربية أولا، والأديان الأخرى لاحقا في الجزيرة من اجل إرساء أسس "التوحيد الخالص". واستعمل النبي محمد كل ما كان في متداول يديه من الذاكرة التاريخية وقوة المنطق والبلاغة والبيان ومعطيات الحس والعقل السليم، باختصار كل ما كان بإمكانه تقوية وشحذ الإرادة في مواجهة إشكاليات الواقع وقضاياه الفعلية. فنراه على سبيل المثال، يستشهد بحياة وأفعال ومآل من سبقه من الأنبياء والصالحين. بمعنى العمل من اجل شحذ الهّمة وإثارة الهموم لتلافي الرذيلة واليأس والقنوط. ومن ثم بناء منظومة المعنى أو المعاني المتسامية في الموقف من الوجود بوصفه حركة لا تنتهي. وقد كان هذا يعني من حيث مقدماته وغاياته العمل على تأسيس المعنى الروحي للعمل من اجل البديل التاريخي والمستقبلي، الذي كان يتطابق من حيث أسسه وآفاقه التاريخية مع فكرة الانتقال من المرحلة الثقافية الدينية (الوثنية) إلى المرحلة الدينية (الإسلامية) السياسية. ومن ثم يتطابق مع مهمة إرساء أسس الكينونة التاريخية الثقافية والسياسية الجديدة للعرب، بوصفها كينونة إسلامية. 

استمد هذا الإرساء أسسه من تمثل التجربة التاريخية للعرب بعد نفيها بمعايير الإسلام ومرجعيته الكبرى والجوهرية في التوحيد. وينطبق هذا على كل ملامح ونماذج المواجهة والصراع التي قام بها محمد ضد عرب الجاهلية بشكل عام وقريش بشكل خاص. اذ تنوعت أشكال الصراع ضد البنية الاجتماعية للعرب(القبلية) والديانة الوثنية، والتقاليد والقيم والأعراف التي وجد فيها أحوالا أو أساليب لا تخدم فكرة الوحدة أو تتعارض معها. فإذا كانت العرب، على سبيل المثال، تقول وتعمل بتقاليد الجوار (القبلي)، فإن الفكرة الإسلامية البديلة التي اخذ النبي محمد يدعو إليها تقوم باستبدالها بفكرة "جوار الله".

 

ا. د. ميثم الجنابي – مفكر وباحث

........................

1- حرب الفِجَار (43 قبل الهجرة الموافق لعام 580 ميلادية). وهي إحدى حروب العرب في الجاهلية التي جرت بين قبيلة كنانة (ومنها قريش) وبين قبائل قيس عيلان (ومنهم هوازن وغطفان وثقيف وغيرها). وسميت بالفجار لما استحلوا في معاركهم المحارم في الأشهر الحرم وغيرها من الرذائل.

2- هذا قول أبو الخليفة الأموي الأول. وهو إسلام مزيف دون شك.

 

في المثقف اليوم