ترجمات أدبية

أغاني الخريف

bahjat abaasترجمة لنصوص فرنسيّة

عن الخريف

 


 

أغاني الخريف - أربع قصائد فرنسية

ترجمها عن الإنكليزية: بهجت عباس

 

1

أغنية الخريف

باول فيرلين (1844-1896)

تنهّـدات الكمان المتواصلة

في الخريف

تقطّع قلبي باطّراد رتيب واهن.

 

خانقـة وباردة عندما

تدقّ السّاعة الرهيبة

أتذكّـر

الأيّـامَ الغابرةَ

وأبكي.

 

وأنـا أتجـوّل

في ريحٍ آثـمة

وهي تحملنـي

هنا وهناك

أصير مثلَ ورقة ميتة.

 

2

أغنية الخريف

شارل بودلير (1821-1867)

قريباً سنغـرق في عَـتمة متجمِّـدة

وَداعاً، يا صفاءَ صيفـنا القصير جـدّاً!

قبل الآن سمعتُ الخريفَ بأسىً

على الغابة متساقطاً على فناء الدار المرصوف.

 

الشتاء سيجتاح وجودي: غضب

شنآن، برد، رعب، وعمل قسريّ،

وكالشمس في جحيمها الثلجيّ،

قلبي ليس سوى قطعةِ جليدٍ حمراءَ طافية ٍ.

 

أحِسُّ برعشةٍ عندما أسمع غصناً واهناً يسقط.

ليس للمشنقة صدى أكثرُ صخبـاً.

إنَّ روحي مثـلُ برجٍ يستسلم

لضربة المنجنيق الثقيلـة غير الكليلـة.

 

هادئاً هنيـهة بهذا الصوت الرتيب،

ربّما تابوتٍ، في مكان ما، سُـمـِّـرَ على عجل،

لمن؟ الصيفُ أمسِ، الخريفُ الآنَ!

هذه الضوضاء الغامضة تُسمَعُ كوداع.

 

2

أعشق الضِّياء المُخضَـرَّ في عينيك الواسعتين،

أيها الجمال الهادئ، ولكنْ كلُّ شيء هو مُـرّ هذا اليوم،

لا شيءَ، لا حبٌّ، المخدع أو الموقـد

أعــزّ من شروق الشمس على البحـر.

 

أحبِـبْـني دومـاً، أيها القلب الحنون! كُـنْ أمّـاً،

حتـى لناكـر الجميـل، للشرّيـر،

حبيباً، أختاً، حلاوةً سريعةَ الزوال

لبهاء الخريف أو للشمس الغاربـة.

 

مهمَـة قصيرة الأجـل! القبر ينتظر بلا رحمة.

آه! دعْـني، دعْ  رأسي يستريح على ركبتيك،

مستمتعـاً، نادماً على ذهاب الصَّيف الأبيض الحارّ،

بأشعّـة الخريف الأخيرة، صُـفـراً ولِطافـاً.

 

3

الخريف

لامارتين (1790- 1869)

 

تحيّـاتٌ، أيتها الغاباتُ المتوَّجةُ بالأخضر المستديم!

الأوراقِ المصفـرَّةِ على العشب المتنـاثر!

تحيّـاتٌ، أيتها الأيام الأخيرة الرائعة! حِدادُ الطبيعة

يُـثيـرُ ألمي ويُمَتِّـعُ عينـيَّ.

 

أسير بخطواتٍ حالمة في طريق مهجـور،

وأريد أن أرى ثانية، ولآخـرِ مرةٍ،

هذه الشمسَ المتضائـلةَ والشّاحـبةَ والتي لا ينفـذ

نورُها الواهنُ إلى ظلام الغابات عند قدميَّ إلاّ بالكاد!

 

أجلْ، في أيام الخريف هذه، عندما تموت الطّبيعة،

أجد إغراءً عظيماً في نظراتها المتستِّرة،

وَداعَ صديق، والبسمةَ الأخيرةَ الصادقةَ

من الشِّفاه التي سيغلقها الموتُ إلى الأبد.

 

هكذا أتهـيّأ لأغادر أمدَ عمري،

أندب الأملَ المُحتضَر لأيامي الطَّوال،

وأنظر إلى الوراء مرة أخرى، وبأعين حاسدة

أفكر مَـليّـاً بعطاياها التي لم أنعُـمْ بهـا قطّ.

 

يا أرضُ، يا شمسُ، يا وديانُ، ويا طبيعةً رائعةً جميلة،

أنا مدين لكم بدموع على حافّـة قـبري؛

يُشَمُّ الهواء عذباً ! الضياءُ جِـدُّ نقـيٍّ!

والشمسُ جميلة للمُحتضَـر!

 

الآن أريد أن أشربَ حتى آخـرَ قطرةٍ

من خمر كأس الزَّهرة التي تمزج الرّحيق بالمرارة!

عند قعــر كأس الحياة التي شربتُ

ربما تكون ثمّةَ قطرةٌ من عسل معتدل المذاق.

 

ربما يدّخر لي المستقبل في مستودعه

قبضةً من سعادة، لأملٍ بائسٍ؟

ربما تكون بين الحشد روح أُهمِلَـتْ

تتـفهّم روحي وتتجاوب معـها؟

 

تسقط الزَّهـرةُ فتمنحُ الريحَ عِطرَها،

إلى الحياة، وإلى الشّمس ناطقةً وَداعَـها الأخيـرَ؛

سأموت ؛ وروحي في لحظة انتهـائهـا

ستعطي صوتَ نغمةِ ناقوسِ موتٍ هادئٍ شجيٍّ.

 

4

أوراق الخريف

جاك بريفير ( 1900-1977)

(إلى الدكتور هادي الخليلي)

آهِ كلّي أملٌ أنْ تذكري الأمسَ وأيّاماً جميلـهْ

عنـدمـا كـنّـا رفيـقـيـْن نغـنـّي فـي الخـميـلـهْ،

حيث كان العيشُ أحلى، لنْ تـَرَيْ أبْداً مثيـلهْ

حيث كانتْ شمسُنـا أكثـرَ وَهْـجـاً وسُـطوعـاً

ما لشمسِ اليـومِ تبدو في السَّـما جِـدَّ كـلـيـلــهْ

هي ذي الأوراقُ، أوراقُ غصون الشَّجَراتِ

فـوق جـرّافـة حـرثٍ جُـمـِعَــتْ بعـد شَتـاتِ

هل تريْنَ؟ إنني لست بناس ٍ...

فوق جرّافــة حــرثٍ جُـمِـعـتْ بعــد شتـاتِ،

وكذا الآهــاتُ طــرّاً وجـمـيـعُ الـذِّكـريـاتِ،

 

كلّـهـا مـقـهــورةٌ تحـمـلـها ريــحُ الشَّـمــالِ

فــي خـفـايــا لـيـلــة بـاردةٍ نـحـــوَ الـزَّوالِ

وكـذا النِّسيـان يَـطـويــها إلـى غـيـر مــآلِ

لـنْ تـَريْـني نـاسيــاً أغـنـيـةً غَـنّـيـتِـهـا لـي.

 

لازمة

إنّـها أغـنـيـة ٌ تُـشـبـِهـنــا حُــبّـاً ووَجْـــدا

أنـتِ، يـا أنـتِ الـتـي هـامــتْ غــرامـــا

وأنـا الـوالِــهُ في حُـبـِّـكِ شوقـاً وهـُيـامـا

فلقد عشنا معـاً ننهل كأس الحُـبِّ رغـدا

أنتِ، يـا أنتِ الـتـي هـامـتْ غـــرامــا

وأنا الـوالِـه فـي حُـبِّـكِ شوقـاً وهـُيـامــا

لكنِ الدّهـرُ ضنينٌ يُـبعِــد العشّاق حَسْدا

وبلـطـف دون أنْ يُحـدِثَ صوتـاً أو نـغــمْ

ومن الرَّمل مياه البحر تمحـو كلَّ آثار قدمْ

لمحبّـيـن نَأوا عـن بعضهم قـهـراً ونَكـدا

 

هي ذي الأوراقُ، أوراقُ غصون الشَّجَراتِ

فـوق جرّافـة حـرثٍ جُمـِعَـتْ بعـد شَتاتِ

وكذا الآهـاتُ طـرّاً وجـمـيعُ الذكـريـاتِ

إنّ حُـبّـي، هــادئـاً عَـذبـاً نـقــيّـا،

باسمٌ دومــاً ومـمـتـنّ ٌلهاتـيـكَ الحـيـاةِ

إنَّ حُـبّـي لـك جَـمّ وافــرٌ لـيس يُـحَــدّ ُ

فلقد كُـنتِ بحُسْنٍ ما لـه فـي الكـون نِـدّ ُ

 

فلماذا الظنّ ُأنْ أنساكِ لا حبّ ٌوعهدُ؟

وحياة الأمس أحلى زانها عطر ووردُ

حيث كانتْ شمسُنا أكثرَ وهجاً وسطوعاً

ولقد كنتِ ليَ الأكثـرَ عطفاً يا فـتـاتي

غير أني لم أكنْ أصنعُ غيرَ الحَسَـراتِ

والتي غنّـيْـتِـها لي من أغانيك شجـيّـا

سوف أبقى دائماً أسمعها ما دمتُ حيّـا

لازمة

 

في نصوص اليوم