صحيفة المثقف

اللاعنف والإسلام

معراج احمد الندويتعد ظاهرة الحرب والعنف من أقدم الظواهر الإنسانية كما تطلب المجتمعات البشرية الأمن والسلام ونبذ العنف وتسارع إلى الطرق اللاعنفية منذ بدايتها مثلما تسرع الطيور إلى أوكارها. وشهد العالم نظريات مختلفة وطرقا متنوعة لتحقيق السلام العالمي بعد ويلات الحروب العالمية الأولى والثانية فيما بينها نظرية السلام الديمقراطية ونظرية السلام من خلال القوة ونظرية حرية المقايضة وميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وما إلى ذلك.

أما ما يتميز الإسلام عن غيره من النظريات، فإن الإسلام لا يعتبر السلام بالمعنى المحدود البسيط الذي ترنو إليه هذه النظريات المختلفة، وهو تجتب العنف والقتال. أما مبادئ الإسلام وأسسه لتحقيق السلام العالمي تقوم على العدل والمساواة والحرية، وضمانات الحياة القانونية والمعيشة، ومنع البغى وإزالة الظلم والعدوان، وتحقيق التوازن الاجتماعي، والتكافل والتعاون، وإزالة أسباب الخصام والنزاع بين الأفراد وبين الجماعات، ومنع التمييز حسب اختلافهم في الأجناس والطبقات والألوان والأماكن. ومن أبرز ميزة يتميز بها الإسلام عن غيره من الأديان والأيدولوجيات أن الإسلام يبذل جهوده لتنمية شعوب التعاون والتضامن في المجتمع بتعاليمه.

الإسلام يتصور الحياة بوحدة إنسانية غايتها التعارف والتعاون بين الجميع، ولا يتصورها صراعا بين الطبقات، ولا حربا بين الشعوب، ولا عداوة بين الطبقات، ثم يخطو الإسلام خطوات كبيرة لتحقيق هذا الهدف النبيل بتقربه لحقوق الإنسان وبتمسكه بالآداب النفسية والقيم الاجتماعية وتوجيهاته لبناء مجتمع ينمو فيه الحب والتعاطف والتعاون وتشريعاته لضمان الأمن والسلام في الحياة البشرية.

الوحدة هي التي تربط بين المجتمع البشري رغم كل اختلاف وتنوع بسبب دينه وشكله ولونه. تكونت فكرة الوحدة والسلام في الإسلام وترسخت به لتصبح فكرة أصيلة وعميقة. تشمل جميع جوانبه سواءا في الكون الإنسان والوجود والطبيعة بحيث تجتمع عقيدة وتشريعاته وتوجيهاته ومبائه ونظمه إلى السلام والأمن. يدعو الإسلام إلى الوحدة الكبرى في هذا العالم المختلف أنواعه وأشكاله وأساليبه. تبدأ خطوات الإسلام لترسيخ السلام من سلام الفرد إلى سلام الأسرة، وإلى سلام المجتمع وإلى سلام العالم في نهاية المطاف. يشتمل تعاليم الإسلام على أنظمة وأساليب متميزة لتوطيد علاقة الفرد بالفرد، وعلاقات الأفراد بالجماعة، وعلاقة الأفراد بالحكومة وعلاقات الدول بالدول الأخرى.

التفاعل السلمي سيمنح المسلمين نوعًا من التحفيز الثقافي والتنوع في الخبرات التي لابد من امتلاكها إن شاؤوا السير في طريق التقدم كما يساعد التفاعل مهمة الدعوة على نطاق واسع. وستكون النتيجة الطبيعية لهذا التفاعل الواسع بين المسلمين وغير المسلمين بدء حوار حول الإسلام في كل مكان رسميًا كان أم غير رسمي. إن الإسلام دين سلام،  فلو كان دين عنف لما كان له أن يكون أبديًا. فبالنسبة للأزمنة الحديثة، نُبِذ طريق العنف كليًا من التفكير المعاصر. والآن، فقط النظام الذي يستحق التقدير والقبول هو الذي يقوم على السلام واللاعنف.

لقد نبذ التفكير الحديث الشيوعية، وكان أحد الأسباب الرئيسية هو أنه كان لزامًا على الشيوعية أن تدوم عن طريق العنف. فمهما كانت الظروف، لا يمكن للعنف أن يكون مقبولاً للعقل الحديث. وبعد انهيار النظام الشيوعي في عام 1991م الذي كان جزءا كبيرا من العالم، وما يزال، يواجه خواء إيديولوجيًا. وهذا الخواء لا يمكن ملؤه إلا بالإسلام وحده. لقد أصبحت الدول المتطورة في العالم الحاضر قوى عظمى، اقتصادية أو عسكرية، لكن المكان شاغر من قوة عظمى إيديولوجية، وهي تعود إلى الإسلام من جديد بشكل كامن.

السلام في مبادئ الإسلام أعمق من أن يكون رغبة يدعو إلى تحقيقها في الحياة، وإنما هو أصل في عقيدة وعنصر في عناصر تربيته في بناء المجتمع المثالي. وبعد أن يسكب في ضمير الفرد الأمن والسلام يحاول الإسلام بناء المجتمع في ضمائر الأفراد وأعماقهم، ولتحقيق هذه الغاية يأخذ المسلمين بالآداب النفسية والآداب الاجتماعية على نشر إشاعة المودة والمحبة في النفوس والقلوب. يدعو الإسلام إلى إشاعة الكلمة الطيبة بين الناس كما يدعو إلى افشاء السلام في مكل مكان ولكل إنسان. ويمنع الإسلام عن الأعمال التي تثير الأحقاد وتورث الضغائن في النفوس.

الإسلام دين الطبيعة، وقد كبح العنف باعتباره غير مقبول منذ البداية. فالإسلام داعم للسلام، وليس للعنف من يومه الأول. في الماضي، لعب الإسلام دورًا عظيمًا في تطوير الإنسانية، ونتيجة لذلك ولج التاريخ الإنساني عصرًا جديدًا من التقدم والتطور. وقد آن الأوان اليوم لكي يلعب الإسلام دورًا بناء عظيمًا، فيقود التاريخ الإنساني مرة أخرى إلى عصر جديد من التقدم.

 

د. معراج أحمد معراج الندوي - الهند

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم