آراء

آراء

بعد عشرين عامًا العنوان يتكرّر

عشرون عامًا مرّت على غزو الولايات المتّحدة الأمريكيّة وحلفائها الغربيّين والمتخادمين العرب معها، للعراق، (آذار/ مارس- نيسان/ ابريل 2003) واحتلاله وتدمير دولته تحت حجج وذرائع ثبت خداعها وتضليلها للرأي العام العالمي والمحلّي منذ بدايتها، وفضح جوهر السياسات الإمبرياليّة ومشاريع التخريب والهيمنة والاستغلال وكي الوعي، و"كسب القلوب والعقول" وخطط "الصدمة والرعب". وهذه متناقضاتٌ فضحتها الوقائع والكوارث التي مارستها إدارة الاحتلال في العراق.

كان من بين الكتب المهمّة التي تناولت الحربُ على العراق كتاب "الحرب الخفيّة" الذي كتبته الأستاذة جوي غوردن، أستاذة الأخلاق الاجتماعيّة في قسم الفلسفة وكلية القانون في جامعة لويولا - شيكاغو في الولايات المتّحدة الأمريكيّة. والعنوان الفرعي له: أمريكا والعقوبات على العراق، وتضمنت محتوياته ما يكشف خطط تدمير العراق، من خلال العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والمتخادمين معها، غربيًّا وعربيًّا، وما تولّد منها وعنها من تداعياتٍ وآثارٍ كارثيّة.

صدر الكتابُ باثني عشر فصلًا، وبثلاثمائة وواحد وخمسين صفحةً من القطع الكبير، وبحروف صغيرة. وكتب الناشر على غلافه الأخير: “هذا الكتاب، كانت العقوبات الاقتصاديّة المفروضة على العراق منذ عام 1990 إلى عام 2003 هي الأكثر شمولًا وتدميرًا من أيّة عقوباتٍ أخرى، وضعت باسم الحوكمة الدوليّة، فقد أدّت تلك العقوبات، التي ترافقتْ مع حملةٍ عسكريّةٍ ضدّ العراق عام 1991 انتهت بغزوه عام 2003 إلى انهيار البنية التحتيّة للعراق، ومختلف المقوّمات الأساسيّة اللازمة لاستدامة الحياة فيه.

بحث الكتاب في إدانةٍ واضحةٍ للسياسة الأمريكيّة في الدور الرئيسيّ الذي أدّته الولايات المتّحدة في صوغ تلك العقوبات على العراق، التي أسفرت عن وضع قيودٍ صارمةٍ على الواردات العراقيّة حتّى لأبسط السلع الحيويّة، من أنابيب المياه إلى منظفات الغسيل إلى لقاحات الاطفال، بذريعة "الاستخدام المزدوج" لهذه السلع وإمكان إفادة العراق منها لتصنيع "أسلحة الدمار الشامل". وقد شرح الكتاب بالتفصيل، استنادًا إلى الآلاف من وثائق الأمم المتحدة الداخلية، ومحاضر الاجتماعات المغلقة فيها (التي أتاحت المؤلفة النفاذ إليها عبر الرابط www.invisiblewar.net) فضلًا عن مقابلاتٍ مع دبلوماسيين أمريكيين وأجانب، كيف أن الولايات المتّحدة لم تكتفِ بمنع وصول السلع الإنسانيّة الحيويّة إلى العراق فحسب، بل قوّضت من جانبٍ واحدٍ أيّ محاولاتٍ للإصلاح، عبرَ تجاوزِ مفتّشي الأسلحة التابعين للأمم المتّحدة، والتلاعب بالأصوات في مجلس الأمن؛ بهدف الاستمرار في العدوان على العراق الذي انتهى بتدمير كلّ مقوّماته المؤسسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، العسكريّة والمدنيّة على السواء". (من مقالٍ للكاتب في قراءته للكتاب نشر في العديد من المواقع الالكترونية، يراجع عبر محرك بحث).

واجه الشعب العراقي، خلال العقدين من سنوات الاحتلال المريرة، أنواع سياسات الاحتلال القمعيّة والاستغلاليّة والإرهابيّة والتعسفيّة، وعانى من صنوف انتهاكات الحقوق والالتزامات القانونيّة والأخلاقيّة، ولم تنته الأزماتُ التي ولّدها في العراق، كما يتبيّن من الوقائع اليوميّة الجارية على الأرض. فالعراق البلد الثري بكلّ الخيرات البشريّة والماديّة يعاني من شحٍّ وانحسارٍ بكل ما لديه، بل وازدادت مشاكله وإشكاليات الإصلاح والتغيير فيه إلى درجاتٍ وضعته التقارير الدولية في مستويات لا يحسد عليها على جميع الأصعدة، ما يعكس طبيعة سياسات الاحتلال وصعوبات سنواته العجاف. وحتى الآن وبعد التنفيذ الرسمي لاتفاقية انسحاب قوات الاحتلال الأمريكي العسكرية، نهاية عام 2011، ومثلها القوات التي شاركتها الجريمة في انسحابها الكامل من أرض العراق والتقاسم مع الإدارة الأمريكيّة بالفتات التي تتكرم بها من خيرات العراق الطبيعيّة، تحوّل الهمّ الأمريكي، خاصّةً من خلال زيارات مسؤولين أمريكان، علنية أو سرية، وإجراء لقاءاتٍ بالمسؤولين العراقيين، تتلخّص بالعمل على البحث عن وسائل خداعٍ أخرى، تستر الفضائح السابقة، وتجدّد مشاريع الإدارة الأولى وخططها التي على ضوئها أقدمت بحماقات وجرائم الاحتلال العسكري المباشر وتدمير الدولة العراقية، وإعادة انتشار لوحدات عسكرية وقواعد عسكرية وتدخلات مباشرة، من خلال أكبر سفارة في المنطقة، مساحة وبناء وعديدًا من العاملين فيها، أجهزةً وأدوارًا، بكلّ الشؤون السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة في العراق والمنطقة عمومًا.

والأبرز الذي أظهرته سياسات الاحتلال في العراق خلال سنواته هو تكريس نهج المحاصصة الطائفية الدينية والإثنية، وصناعة الأزمات المحلية بين القيادات السياسية وتجمعاتها الحزبيّة، وإشاعة التقاسم الإثني والطائفي في المجتمع وتفشّي الفساد والإفساد في الإدارة والحكم وزرع ألغام مؤقتة في العملية السياسية التي أدارتها وأشرفت عليها وما زالت تواصل سيرها في إطار بنائها السياسي وصناعة قاعدتها الاجتماعية التي تدير شؤون البلاد والعباد.

بعد عشرين عامًا من الاحتلال رفعت الإدارتين، الأمريكية والبريطانية، السرية عن وثائق لهما، أكدتا اعترافات للعديد من مسؤوليهما بجرائمهما التي ارتكبتاها في قراراتهما وخداعهما ومشاريعهما وأعمالهما المباشرة.

نشر الجيش الأمريكي دراسةً من ألف صفحةٍ تناقش تاريخه العسكريّ في العراق، متضمّنةً مئات الوثائق التي رُفعت السرية عنها، محمّلة القوات التي غزت العراق ارتكاب "أخطاء فادحة"، كما أطلق عليها وليس جرائم حرب ضد الإنسانية، كما هي في الواقع والقانون والاعراف.

استخلصت الدراسة التي تم نشرها عام 2019 الدروس من العثرات العسكرية العديدة خلال غزو العراق، الذي استمر 8 سنوات؛ بين عامي 2003 و2011، كما بررت، ووسعت الاتهام إلى الحكومة العراقية والمتخادمين معها لارتكابها أخطاء (!) أدّت إلى تفاقم الانقسامات الطائفية، وتسبّبت بعودة العنف للبلاد، مؤكدة أن الحرب التي بدأت عام 2003 لم تنتهِ بعد، متهربةً من دورها وخططها في تكريس أو إنتاج هذه الظواهر والحالات والأزمات.

أشارت الدراسةُ إلى أنّ "الخطط العسكرية لم تكن تتوقع اتخاذ قرار سحب جميع القوات الأمريكيّة في خريف 2011، بل استندت إلى افتراضاتٍ خاطئةٍ مفادها أنّ وزارة الخارجية ستدعم جهود التدريب، في حين أن الجهود المبذولة لتدريب الجيش العراقي لم تكن كافية". وجاء في الدراسة أنّها لا تُلقي باللوم الكامل على الأخطاء العسكرية أو السياسية، بل كذلك على ما عدّته "قلّة وعي لدى قادة الجيش الأمريكي حول الديناميكيات الطائفية والاجتماعية والسياسية في البلاد، التي غذّت الكثير من أعمال العنف". وحمّلت الدراسة واشنطن تبنّيها تفسيراتٍ خاطئةً عن مستويات العنف وعدم الوعي في تأمين الاستقرار مع تراجع أعداد قواتها؛ الأمرُ الذي أدّى إلى فشل قادة جيشها في تحقيق الأهداف الاستراتيجيّة مع مرور الوقت؛ بسبب القرارات التي اتُّخذت بالتوافق.

فضحت هذه الدراسة خطط إدارة الاحتلال واعترفت بالجرائم التي ارتكبت وستبقى وثيقة إدانة للاحتلال وبرهانًا عليه، بالمعنى القانوني والاخلاقي، رغم محاولات التهرب من الإدانة المباشرة وإقرار الارتكاب، ومثل هذه الجرائم لا تنتهي بالتقادم، ولا بدّ من يومٍ للمحاكمة والعدالة الإنسانية.

أما الإدارة البريطانية، الحليف الشريك، فقد كشفت وثائق رفعت السرية عنها، (شباط/ فبراير (2023) تأكيد معرفتها بعدم صحة مزاعم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل أو صواريخ بعيدة المدى قبل الغزو بعامين على الأقل. إذ فضحت الوثائق كذبة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، وأشارت إلى علمه بخلو العراق من أي قدرات لامتلاك أسلحة محظورة، وفقًا لقرارات الأمم المتحدة، وبطلان ذريعته بالمشاركة في الغزو والاحتلال، وفضح ادعاءاته بالأسلحة والخداع بها.

ذكرت قناة "بي بي سي" البريطانية أنه "بعد انتهاء الحرب، التي أدت إلى تدمير العراق ونزوح ملايين العراقيين وإسقاط نظام صدام حسين، تبين أن ادعاءات وجود أسلحة دمار شامل لدى النظام بلا أساس".

من جهتها أدانت لجنة تشيلكوت، في تموز/ يوليو 2016، التي شكلتها الحكومة البريطانية، الدور الذي لعبته بريطانيا في الحرب (!)، و(العدوان السافر والارتكابات الإجرامية!)، وكتبت بالتفصيل، في تقرير مطول، عن المعلومات الاستخبارية الخاطئة والأسس القانونية المشكوك فيها التي استندت بريطانيا إليها في غزو العراق، ورفعت إلى الرفوف أو أخفيت رغم كل محاولات التستر أو الدوران على الوقائع الكارثية.

بينما استمر توني بلير رئيس الوزراء البريطاني – آنذاك - في الدفاع بقوّةٍ عن المشاركة في غزو العراق، لكنّه أمام اللجنة والإعلام عبر عن "شعوره بقدر من الأسى والندم والاعتذار أكثر مما يمكن تصوره عن الأخطاء التي ارتكبت في الإعداد لحرب تسببت في حدوث شرخ عميق في المجتمع البريطاني". محاولًا التملص من مسؤولياته القانونية والأخلاقية ومهماته وتحمله نتائجها وتداعياتها، ليس عن المجتمع البريطاني وحده، وإنما عن الشعب العراقي، وما سببه له وما حصل جراء مشاركته واندفاعه في الغزو والاحتلال.

كما أظهرت الوثائق اعتراف الحكومة البريطانية عام 2001، بفعالية العقوبات العسكرية والتسليحية والتكنولوجية في سياق مراجعة أجرتها إدارة بلير للسياسة الأمريكية البريطانية بشأن العراق، وارادت بريطانيا عرض سياسة جديدة أسمتها "عقد مع الشعب العراقي" على أركان إدارة بوش، تستهدف استعادة المساندة، خاصة من دول وشعوب المنطقة العربية، للسياسة الأمريكية البريطانية في التعامل مع العراق. وحتى هذا الذي ورد في الوثائق لم تنفذه إدارة الاحتلال البريطانية وظلت ذيلا تابعا لسياسات البنتاغون وداعميه من اللوبيات المعروفة.

وكنت قد تتبعت كل ذلك في أربعة كتب صدرت لي. وورد في الغلاف الأخير للكتاب الرابع الذي كان بعنوان: العراق.. صراع الإرادات، عن دار التكوين، دمشق عام 2009، هذا هو الكتاب الرابع في تسلسله، فقد سبقته ثلاثة كتب، هي: لا للحرب، خطط الغزو من أجل النفط والإمبراطورية، صدر عن دار نينوى، دمشق 2004، ولا للاحتلال، إسقاط التمثال وسقوط المثال، عن دار التكوين، دمشق 2005، واشنطن - لندن: احتلال بغداد، عن دار التكوين، دمشق 2007، ضم كل كتاب ما نشره الكاتب من مقالات في صحف ومواقع عربية، في فترةٍ زمنيّةٍ مؤرّخة، وعبر في كل ما كتب كما سجل في مقدمة الكتاب الأول عن مواقف من خطط الغزو والاحتلال، وعن آراء فيما تعرض له الشعب العراقي الكريم والوطن الحبيب من عدوان سافر وجريمة حرب مستمرة وهذه المجموعة من المقالات استمرار لسابقاتها، زمنًّيا، مواصلًا فيها ما عدّه موقفًا واضحًا من العدوان والغزو والاحتلال ودعوة متواصلة لتأسيس مرصد مراقب ومحذر من الكوارث التي حلت في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان و السودان والصومال وتتجه بأخطبوطها لغيرها على امتداد منابع النفط والثروات الأخرى، وقراءة لما جرى وما يمكن الاستفادة منه من عبر ودروس التجارب والأحداث ومطالبة دائمًا بحقوق الشعب ومثله وثرواته البشرية والمادية.

ما زالت انشغالات الوضع العراقي الداخلي ومظاهر الأزمات فيه وتمددها على مختلف الأصعدة، راهنة أو متموجة، بعد عشرين عامًا من الاحتلال، من جهة، وتعكس كل يوم أزمة الاحتلال وسياساته وتطبيقاتها على الأرض من جهة أخرى. وهو الأمر الذي يوضح الفوضى الخلاقة التي أرادها المحافظون الجدد في العراق والمنطقة وتبناها من خلفهم وأدار بعدهم ما يحصل في العراق اليوم. التحديات التي عبرت عنها إدارة الاحتلال ولم تضع لها حلولًا تناسبها ويخفف عن الشعب العراقي ما وضعته سياساتها الدموية، تنشرها تقارير المنظمات الدولية وتكشف فيها صورًا أخرى، أكثر واقعية وأوسع أثرًا، وتفضح ما تحاول الإدارة الأمريكيّة والمتخادمين معها، التستّر عليه والتخطيط لاستثماره للعناوين الجديدة التي تطرح للعراق الجديد!

بعد عشرين عامًا من الاحتلال الأمريكي للعراق، العنوان يتكرّر، بصيغ أخرى أو أساليب تصب في خدمته، رغم كلّ التوتّرات والارتباطات الإقليميّة والدوليّة، ورغم تصاعد الأزمات وتنوّعها، ما زالت المطامع الإمبرياليّة موجودة في موقع العراق الاستراتيجي وثرواته المنوّعة وأمن المنطقة واستقرارها، والصراع عليها وحولها، وهو ما يجب إدراكه بوعي للسنوات القادمة.

***

د. كاظم الموسوي

 

على مدى السنوات الثماني الماضية، كانت قضية اتفاقية مينسك 1و 2، موضوع نقاش حاد، وتساؤلات عديدة، من وقعها ولماذا؟ ومن التزم ببنودها ومن خالفها؟ في ظل التطورات الحالية على الأرض الأوكرانية، هل ستكون هناك اتفاقية جديدة تحمل اسم " مينسك 3"؟ وقبل الاجابة على هذه التساؤلات، يجب ان نعرف أهم البنود التي تضمنتها اتفاقية مينسك، التي عبر عنها الرئيس الاوكراني السابق بيترو بوروشينكو بانها كانت فرصة منحت أوكرانيا لنفسها ثماني سنوات، استعادت فيها النمو الاقتصادي وبناء قوة لقواتها المسلحة لكي تصبح أقوى، وان تطورات القتال الدائر حول دبالتسيف في عام 2015، كان بإمكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن ينتصر بسهولة في ذلك الوقت، وكان الوقت لايسمح لدول الناتو فعل كل ما يفعلونه الآن لمساعدة أوكرانيا، وبالتالي فقد حصلت أوكرانيا عبر هذه الاتفاقية على وقتًا ثمينًا.

التوقيع على اتفاقيات مينسك من قبل مجموعة الاتصال الثلاثية بشأن تسوية الوضع في دونباس، كانت تضم ممثلين عن أوكرانيا وروسيا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ونيابة عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، تم التوقيع على الاتفاقية من قبل الممثلة الخاصة لرئيس المنظمة لأوكرانيا، هايدي تاغليافيني، من جانب أوكرانيا، ومن قبل الرئيس الثاني للبلاد، ليونيد كوتشما، ومن جانب روسيا، بقلم السفير ميخائيل زورابوف، وتم التوقيع على الوثائق أيضًا من قبل رئيس جمهورية دونيتسك الديمقراطية، ألكسندر زاخارتشينكو، ورئيس LPR، إيغور بلوتنيتسكي، وفي 5 و 19 سبتمبر 2014، تم التوقيع على بروتوكول ومذكرة، وكانت هذه أولى الوثائق،في حين تم التوقيع في 12 فبراير 2015، على مجموعة إجراءات من 13 نقطة لتنفيذ اتفاقيات مينسك ("مينسك -2") ؛ بشكل عام، تزامنت مع اتفاقيات سبتمبر.

وتم تبني "مينسك -2" بعد القتال بين مليشيات جمهورية دونيتسك الديمقراطية الشعبية و LPR مع الجيش الأوكراني، والتي انتهت باحتلال الميليشيات لمنطقة دبالتسيف، ثم استضافت مينسك اجتماعا في شكل نورماندي (بمشاركة قادة روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا، فلاديمير بوتين، وبترو بوروشينكو، وفرانسوا هولاند وأنجيلا ميركل)، وتم التوقيع على الوثيقة من قبل مجموعة الاتصال نفسها، وأيدها قادة الدول الأربع بإعلانهم، وتعهد الطرفان بوقف إطلاق النار وسحب مفارزهما من خط التماس، وحظر وجود أسلحة ثقيلة في منطقة المنطقة العازلة بشكل صارم، وكان من المفترض أن تستغرق أنظمة "إعصار" و "سميرش" و "بوينت" 70 كم، وكان من المفترض أن يقوم مراقبو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بمراقبة تنفيذ هذه القواعد، بالإضافة إلى تبادل الأسرى على أساس مبدأ "الكل للجميع"، وكان الأمر يتعلق أيضًا بالعفو عن المشاركين في الاشتباكات، وإعادة العلاقات الاقتصادية.

كما كان من المفترض أن يتبنى الجانب الأوكراني، قانون الوضع الخاص لمناطق معينة في منطقتي دونيتسك ولوغانسك وإجراء انتخابات محلية هناك، مع مراعاة موقف ممثلي جمهورية دونيتسك الديمقراطية و LPR، وفي اليوم التالي للانتخابات، كان من المفترض أن تسيطر أوكرانيا بشكل كامل على حدود الدولة، وكان الشرط الآخر هو تنفيذ الإصلاح في أوكرانيا، والذي تضمن إدخال مفهوم اللامركزية في دستور البلاد، مع مراعاة خصائص "مناطق معينة في منطقتي دونيتسك ولوغانسك").

وفي الواقع، ولمدة سبع سنوات، وبعد مفاوضات طويلة، نجح الطرفان فقط في تحقيق تبادل الأشخاص المحتجزين قسراً (في الواقع، سجناء)، واتهمت دونيتسك و LPR، وكذلك وزارة الخارجية الروسية، مرارًا وتكرارًا، كييف بالاحتلال غير القانوني للمستوطنات في المنطقة العازلة وظهور معدات ثقيلة هناك، ولم يتم العفو عن المشاركين في أحداث 2014-2015، وعلى الرغم من أن البرلمان الأوكراني اعتمد قانونًا بشأن الوضع الخاص لدونباس في عام 2015، فقد ربط دخوله حيز التنفيذ بإجراء الانتخابات المحلية، في الوقت نفسه، أصرت كييف على أنه يجب عليهم أولاً، استعادة السيطرة على الحدود، وبعد ذلك فقط إجراء الانتخابات، وهو ما اختلفت عليه موسكو بشكل قاطع .

وفي عام 2019، تبنى أعضاء مجموعة الاتصال ما يسمى بصيغة شتاينماير (التي سميت على اسم مؤلفها، وزير الخارجية الألماني فرانك شتاينماير)، والتي بموجبها دخل قانون الوضع الخاص حيز التنفيذ، بعد الاعتراف بالانتخابات المحلية في منطقتي دونيتسك ولوغانسك، وفقًا لمعايير OSCE ذات الصلة، إضافة إلى ذلك، كان من المفترض أن تنسحب من جديد التشكيلات المسلحة إلى مواقعها السابقة، وتسبب اعتماد هذا التعديل في عدم الرضا عن المعارضة في كييف، وفشل الطرفان في الاتفاق على إجراءات إجراء الانتخابات، وفي نهاية فبراير 2022، اعترفت موسكو باستقلال جمهورية دونيتسك و LNR، ثم صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن اتفاقيات مينسك لم تعد قائمة، وأشار إلى أن الاتفاقات "قُتلت" حتى قبل الاعتراف بالجمهوريات الشعبية - بسبب عدم رغبة سلطات كييف في تنفيذها، وفي 24 فبراير، شنت روسيا عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا "لنزع السلاح "، وفي نهاية سبتمبر، أجريت استفتاءات في جمهورية دونيتسك و LPR، وأصبحت جزءًا من روسيا.

وفي 7 كانون الأول (ديسمبر)، نشرت صحيفة " تسايت " مقابلة مع المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، وصفت اتفاقيات مينسك بأنها محاولة لمنح أوكرانيا الوقت، وأوكرانيا أيضًا استغلت هذا الوقت لتصبح أقوى، كما ترون اليوم، وقالت ميركل "أوكرانيا 2014-2015 ليست أوكرانيا اليوم"، واتفق مع المستشارة الألمانية السابقة، الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، الذي قال بدوره، إنه منذ 2014، عززت أوكرانيا موقعها العسكري بفضل اتفاقيات مينسك، وعبر رئيس أوكرانيا السابق بيترو بوروشنكو عن رأي مماثل في وقت لاحق.

روسيا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بالتأكيد شعروا " بخيبة أمل " كبيرة، من التصريحات الغربية، عن أساب اتفاقات مينسك و 1 و 2، والتي غابت عنها " صدق النوايا " في إيجاد حلول جذرية للازمة، فقد اعتمدت موسكو على صدق المشاركين الغربيين، لكن وفقا للرئيس بوتين "اتضح أن أحداً لم يكن ينوي الوفاء بجميع اتفاقيات مينسك هذه"، وإن كلمات المستشارة السابقة، أظهرت أن روسيا كانت محقة في شن عملية خاصة في فبراير 2022، في حين اكد المتحدث باسم الكريملين، ان ما اعلنه الغربيون " دفع نظام كييف في نواح كثيرة، وتحرير يديه لتنظيم مذبحة ضد الروس في بلادهم "، وهو ما أدى فقط إلى تفاقم الموقف وجعل العملية العسكرية أقرب، وأعربت رئيسة مجلس الاتحاد فالنتينا ماتفينكو، عن رأي مفاده "أنهم" خدعوا روسيا على الدوام، وقد واجهت موسكو مرارًا موقفًا "يقولون فيه شيئًا - يفعلون شيئًا آخر، ويقصدون ثالثًا"، وعند سؤالها "لماذا صدقتموهم ؟" بعد وقفة، أوضحت السيناتورة، "الطريقة التي نقوم بها، نعتقد أن الآخرين يفعلونها".

أن ما يسمون " بالشركاء الغربيين" وكييف لا يمكن الوثوق بهم، وكما يروهم الروس الان، لأنهم سيخدعون بالتأكيد، ولماذا كل هذه الدعوات المستمرة للتفاوض مع نظام زيلينسكي باتجاه ما يسمة (بمينسك 3)، فهل مينسك -1 ومينسك -2 ليسا كافيتين بالنسبة لهم؟ أليس من الواضح حقًا أن أوكرانيا وكتلة الناتو التي تقف وراءها تستخدمان تعليقًا آخر للعمليات العسكرية لمزيد من الاستعدادات للحرب؟، ولكن لن تحمي أي ورقة موقعة من زيلينسكي، روسيا من استئناف العملية العسكرية من قبل القوات المسلحة الأوكرانية، وحتى لو وقع هذا "المهرج " الآن على شيء هناك، فسيتم الإطاحة به لاحقًا من خلال انقلاب عسكري، وسيصل بعض زلوجني إلى السلطة، والذي سيعلن أن أوكرانيا لا تعترف بأي اتفاقيات مع "المحتلين"، وبعد ذلك سيبدأ كل شيء من جديد، وسيعمل زيلينسكي في مكان ما في " إسرائيل " أو المملكة المتحدة، في خلق "حكومة أوكرانية في المنفى" وهلم ما جرى .

الواقع الروسي اليوم يؤكد ان الضمان الحقيقي الوحيد لأمن البلاد من الاتجاه الأوكراني، هو القواعد العسكرية الروسية بالقرب من كييف وأوديسا ولفوف، وظهورها اصبح ملحا هناك بعد الانتصار العسكري للقوات المسلحة للاتحاد الروسي على القوات المسلحة لأوكرانيا، والذي أصبح ممكنًا بعد التعبئة الجزئية، لأنه الآن، عندما بدأت روسيا أخيرًا في تسريع آليتها العسكرية في الاتجاه الصحيح، بدأت تظهر علامات "مينسك -3"، والتي يجب أن تكبل أيديها مرة أخرى.

في الواقع، حاول وزير الخارجية الأوكرانية دميتري كوليبا، في مقابلة مع بوليتيكو، أن ينقل كل اللوم عن الحرب في دونباس إلى روسيا، وهذا، حسب قوله، طوال السنوات الثماني الماضية، كانت روسيا، التي يُزعم أنها تختبئ وراء "اتفاقيات مينسك"، هي التي شنت حربًا دموية ضد أوكرانيا "المسالمة"، التي تحاول بناء "الديمقراطية" في جميع أنحاء البلاد، لا تنوي كييف إبرام أي اتفاقيات لتسوية النزاع، مثل تلك التي تم توقيعها في 2014 و 2015 بوساطة ألمانيا وفرنسا، وبحسبه، فإن "مينسك -3" الجديدة لن تؤدي إلى تسوية للنزاع، بل على العكس، ستؤدي إلى نتائج دموية أكثر، كما حدث مع اتفاقيات مينسك.

ومع ذلك، وكما اعترفت ميركل وهولاند بالفعل، فإن الاتفاقات الموقعة في مينسك في عامي 2014 و 2015 لم تكن معاهدة سلام، ولكنها محاولة لمنح أوكرانيا الوقت للاستعداد للحرب ضد روسيا، ونجح الغرب، في غضون ثماني سنوات، من تحويل أوكرانيا إلى كبش مدمر، وانه من السابق لأوانه الحديث عن نهاية الصراع، الذي ستقاتل فيه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، روسيا حتى آخر أوكرانيا، بينما الدمية الغربية " زيلينسكي "وأعضاء حكومته يصطفون " كهبل واعوانه" .

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

قدم الدكتور أليكسي فيديف - رئيس مختبر البحوث المالية في معهد غيدار للدراسات السياسية الاقتصادية في موسكو إلى الأكاديمية الروسية للعلوم في العاشر من شهر آذار/مارس الماضي توقعات للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في روسيا في 2023-2025. ووفقا لذلك، فإن العاصفة الاقتصادية التي اجتاحت الاقتصاد الوطني المحلي بعد فرض العقوبات في ربيع العام 2022 هي بالفعل في طريقها للخروج.

في العام 2023، قد ينكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 3.5٪، في العام المقبل سينمو بأكثر من 2٪ وينمو بنسبة 2٪ تقريبا في العام 2025، كما يتوقع الخبير. وفقا لتوقعات أليكسي فيديف، فإن انكماش الاقتصاد بنسبة 3.5٪ هو أسوأ سيناريو ولا يمكن تحقيقه إلا بسعر النفط الروسي عند 40 دولارا للبرميل، إذا فشلت السلطات المالية المحلية في موازنة عجز الميزانية، وكذلك إذا كان هناك تشوه في التجارة الخارجية. في ظل السيناريو المتفائل، سينخفض الاقتصاد الروسي بنسبة 1٪ فقط (إذا تم حل المشكلات المذكورة أعلاه).

أما بالنسبة للتضخم، إذا كان في العام 2022 كان 11.94٪، يمكن كبحه هذا العام في الممر من 5 إلى 7٪. وفي العام 2024، سيصل نمو الأسعار إلى 4٪، ويمكن تحقيق معدل تضخم منخفض بسبب انخفاض الطلب الاستهلاكي واستقرار سعر الصرف.

أما بالنسبة لسعر صرف الدولار في العام 2023، فمن المتوقع أن يكون السعر في المتوسط من 75.8 إلى 80.4 روبل. في العام 2024، يمكن أن يرتفع من 73.5 إلى 77.9 روبل. وفي العام 2025 - في المتوسط من 72.6 إلى 74.2 روبل. يقول أليكسي فيديف إ ن قيمة الروبل في غضون ثلاث سنوات ستزداد بسبب ارتفاع أسعار النفط الروسي وانخفاض الخصم عليه.

كما أن تكلفة استخراج نفط الأورال في المتوسط في العام 2022 حوالي 76 دولارا وفي هذا العام الجاري 2023، من المتوقع أن تتراوح تكلفته بين 40 و 70 دولارا للبرميل، وفي العام 2024 - في المتوسط من 50 دولارا إلى 60 دولارا، وفي العام 2025 سيكلف برميل الذهب الأسود 60 دولارا.

أما بالنسبة للصادرات ونسبة النفط والغاز فيها، ففي العام 2022، أرسلت روسيا بضائع إلى الخارج بقيمة 585 مليار دولار، بينما تم بيع النفط والغاز والمنتجات البترولية في الخارج بمبلغ 338 مليار دولار، أي أن حصة صادرات النفط والغاز كانت 57.7٪. أوضح أليكسي فيديف أنه سيكون هناك إعادة توجيه للصادرات الروسية في اتجاه غير أساسي. سيتم تعزيز قطاع تكنولوجيا المعلومات وقطاع التصنيع في الاقتصاد. وأكد الخبير الاقتصادي أن التدابير الحكومية ستعطي نتائج من حيث الضرائب ودعم الصادرات غير الأولية. في العام 2025، سينخفض إجمالي الصادرات إلى 455 مليار دولار، وسيشكل النفط والغاز 212 مليار دولار، أي 46.5٪ من الصادرات.

***

ترجمة: أ.د. سناء عبد القادر مصطفى

 

بين إدارة التوحش وإدارة الفوضى الخلاقة شعرة لا تختلف عن شعرة معاوية التي رفض قطعها بينه وبين من يختلف معه، وفي كلتا الادارتين نتائج لا تختلف عن بعضهما الا بالوسائل المستخدمة والعناوين وبعض الشعارات، ففي إدارة التوحش تكون النتيجة هيمنة تلك الإدارة على السلطة وإقامة نموذجها الحياتي، كما يعتقد مؤلف كتاب إدارة التوحش أبو بكر ناجي حيث يقول:

"أن هذه الحالة من الفوضى ستكون "متوحشة" وسيعاني منها السكان المحليون، لذلك وجب على القاعدة -التي ستحل محل السلطات الحاكمة تمهيدا لإقامة الدولة الإسلامية- أن تحسن "إدارة التوحش" إلى أن تستقر الأمور".

وهي ذاتها الأهداف في إدارة الفوضى الخلاقة حيث يسميها (مايكل ليدين Michael Ledeen) الفوضى البنَّاءة أو التدمير البناء وذلك بعد أحداث سبتمبر بعامين في 2003، وهذا يعني الهدم، ومن ثم البناء، ويعني إشاعة الفوضى، وتدمير كل ما هو قائم، ومن ثم إعادة البناء حسب، المخطط الذي يخدم مصالح القوى المتنفذة.

وبالعودة قليلا الى الوراء ومنذ عشرينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا انتشرت منظمات شبه عسكرية وعصابات منظمة وميليشيات بمختلف التسميات والايديولوجيات، وبمشتركات سلوكية واحدة تقترب من التوحش وتتجاوزه في أحيان كثيرة، ولكي لا نغوص كثيراً في تاريخ هذه المنظمات التي كانت باكورتها في عشرينيات القرن الماضي والخوض في تفاصيل النتائج والافعال التي قامت بها وما تزال تمارسها سرا وعلانية، فقد تم تأسيسها خارج المؤسسات العسكرية بغياب الدولة تارة وبتوجيهها تارة أخرى وعلى خلفيات أيديولوجية او عنصرية او سياسية متطرفة، إما كأذرع سلطوية رديفة للمؤسسات العسكرية والأمنية وإما مستقلة تعمل بتوجيه سياسي او ديني او قومي متطرف، وتخضع في مجملها لحكم مطلق من شخصية متفردة مع مجموعة مغلقة، تتحكم فيها منظومة فكرية وسلوكية غاية في التشدد والقسوة مختزنة موروثات تاريخية وتأويلات مقولبة في إطار امتلاك كلي للحقيقة المطلقة بما يجعل الآخرين المختلفين في موقع الاتهام والاعدام، ولا يقتصر وجود ونمو هذه التنظيمات على مجتمع بذاته فهي تنتشر في مشارق الأرض ومغاربها أينما وجدت بيئة صالحة لنموها وتطورها.

إن منظومة أفكار هذه التنظيمات ومن يوجهها ويقودها هي من أخطر مفاتيح الكوارث التي تعرضت لها العديد من مجتمعاتنا، خاصة ما كان منها مرتبط بالعقائد الدينية والمذهبية، ناهيك عن تلك التي تعتمد العنصرية القومية الفاشية او الحركات الثورية المتطرفة التي شهدنا كوارثها في كمبوديا وفيتنام ولاوس ورواندا والعديد من الدول الأخرى، ومن الضروري جداً أن نتعرف جغرافياً على ينابيع تلك العقائد، فهي الأخرى ذات تأثير بالغ على تطبيقاتها وتفسيرات نظرياتها، والبيئة هنا تتحكم بشكل كبير في نوعية السلوك، وهي بالتالي ترسم خريطة الانتماء لتلك البقعة الجغرافية أو المكانية، وما بين البداوة والمدنية مساحات واسعة امتلأت بصراعات من كل الأنماط، بما فيها التي أنتجت بحوراً من الدماء، حتى استطاعت البشرية تجاوز تلك المرحلة للوصول إلى أشكال أكثر تطورا.

وفي البداوة لا نقصد بعض قيمها الخلاقة في الكرم والشجاعة، بل نستهدف مرحلة من مراحل تطور البشرية في السلوك البدائي الذي يؤشر لمرحل اولية من حياة البشر في تقسيمات حقب التطور الإنساني ابتداءً بالبداوة إلى المدنية المعاصرة، مرورا ببقية المراحل التي مرت بها البشرية حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن من حضارة وقيم مدنية خلاقة، رغم إصرار هذه التنظيمات على التقهقر والانجرار دوماً إلى الوراء وما كان يكتنزه من بعض التوحش والانغلاق. وليس ببعيد عنا في تاريخنا المعاصر ما يُظهر بقايا تلك الأفكار وأنماط السلوك البدائي وممارساته، على خلفية مشبعة بهمجية لا مثيل لها حتى في مراحل البدائية الأولى وبداوتها، وهذه الأنماط من السلوكيات ليس لها هوية قومية أو دينية معينة، بل تعكس الجوانب المظلمة في معظم المجتمعات، فقد رأيناها في رواندا وصراعاتها القبلية البربرية التي ذهب ضحيتها أكثر من ثلاثة ملايين إنسان، وقبلها في ألمانيا ومحرقة اليهود، وفي فيتنام وحربها مع الولايات المتحدة ومذابح الخمير الحمر في كمبوديا، ومثلها في لبنان ومخيمات اللاجئين فيها، وفي أنفال وكيمياويات الموت بكوردستان والمقابر الجماعية في جنوب العراق ووسطه، وقبل ذلك في أوربا وحروبها الداخلية أو العالمية، وما حصل للهنود الحمر في أمريكا وفي كثير من بلدان العالم المتمدن الآن، إنها حقاً حقبة سوداء في تاريخ البشرية، والأكثر منها سواداً وكارثية هو استنساخها، دينياً أو مذهبياً أو قومياً، كما فعلت منظمة داعش التي جمعت ولملمت في هياكلها كل العنصريين القوميين والمتطرفين الدينيين والمذهبيين، بل وحتى المناطقيين بخلفيات تتحكم فيها الكراهية والحقد الأعمى لكل من يخالفها الرأي لتنتج لنا جريمة القرن الواحد والعشرين التي وقعت في سنجار غرب العراق ابان غزوة داعش في أغسطس 2014م.

وبنظرة فاحصة للبيئة التي ينتمي لها عناصر هذا التنظيم، كونه الاحدث في البدائيات الدموية المعاصرة، يظهر خروج غالبية عناصره من مجتمعات قبلية مدقعة الفقر، تعاني من أمية ابجدية وحضارية وثقافية حادة، حيث يتم غسل ادمغتها بسهولة وتعبئتها بكم هائل من الحقد والكراهية المؤدلجة من قبل كوادر فاشية تتربع على رأس التنظيم، وتعاني هي الأخرى من تعقيدات نفسية واجتماعية وفكرية، أقرب ما تكون في توصيفها إلى السادية والسايكوباثية، كما ظهر ذلك في عمليات التقتيل التي تفننت في تنفيذه ذبحاً أو خنقاً أو حرقاً أو إغراقاً أو تقطيعا، بل إنها حتى في هذه الطرق تنحو إلى تفاصيل مقززة في القتل كما في عمليات الذبح بسكاكين مثلومة لمضاعفة آلام الضحايا والتمتع بصيحاتهم وآهاتهم، أو الشوي بالنار حتى الموت، أو الإغراق التدريجي للضحايا، أو تقطيع الأوصال، أو السلق بالماء او الزيت المغلي، ناهيك عن عمليات الاغتصاب الوحشية التي تعرضت لها الاف النساء الايزيديات والتي أدت الى موت المئات منهن.

هذا النمط من السلوك المتوحش لم يلد بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة تراكم هائل لأفكار وسلوكيات أنتجته صحراء الفكر وحضارة الغزو والقتل والسبي والاغتصاب، وإباحة الآخر المختلف تحت أي مسمى كان، سواء كان دينياً أو عرقياً أو فكرياً أو سياسياً، وإن كان قد استبدلت عناوينه ومسمياته، لكنه ما يزال يحمل تلك العقيدة البدائية التي ترجمت تفاصيلها مذابح ومحارق حلبجة والأنفال وبعد ذلك في نسختها المعدلة في سوريا وما حصل ويحصل في عفرين وقبلها في سبايكر وسنجار وسهل نينوى، ناهيك عن كارثة لم تظهر تفاصيلها بعد لعشرات الآلاف من المغيبين السنة بتهمة التعامل مع داعش.

إن مجرد تحطيم هياكل تلك المنظمة العسكرية لا يعني الانتهاء منها، فما تزال البيئة التي أنتجتها كما هي، بل إن ردود الأفعال على جرائمها أنتج مجاميع أخرى من المنظمات والميليشيات الانتقامية التي تسلك ذات النهج والوسائل وبشعارات مخدرة لضحايا تلك الجرائم مما يعطيها الى حد ما نوع من الشرعية في غياب مؤسسات قوية للدولة سواء في الجانبين الأمني والعسكري أو في الجانب الثقافي والتربوي والتوعوي، وهذا يعني ان سلسلة انتاج هذه الكائنات البدائية ما تزال فعالة بوجود ذات البيئة والأفكار التي انتجت داعش وأخواتها.

***

كفاح محمود

في نص تعريفي تقدمه دوائر السياسة الأمريكية عن طبيعة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID وهي وكالة تابعة لحكومة الولايات المتحدة الفيدرالية ومسؤولة في المقام الأول عن إدارة المساعدات الخارجية المقدمة (للمدنيين). حيث تصف الوكالة عملها بالسعي لمساعدة الشعوب التي تعاني من عديد المشاكل وفي المقدمة منها الاقتصادية، لتحسين ظروف معيشتها وللتعافي من الكوارث، وتكافح للعيش في أوضاع حرة وديمقراطية. وحددت الوكالة أهدافها والتي تتضمن توفير المساعدة الاقتصادية والتنموية والإنسانية حول العالم "لدعم تنفيذ السياسات الخارجية للولايات المتحدة".

الجملة الأخيرة من التعريف بوكالة التنمية، تبدو في نهاية المطاف دالة كاشفة لعمق الأهداف وأبعادها الإستراتيجية، وظهرت في الكثير من المنعطفات التاريخية كونها الغاية والدافع لمجمل تلك المساعدات السخية المقدمة بحجة دفع الشعوب المكافحة لنيل حرياتها ودمقرطة حياتها السياسية والاجتماعية. أي دون مواربة وفذلكة،وعلى المدى القريب والبعيد، تنفيذ أهداف الولايات المتحدة السياسية والاقتصادية .

لم تبخل الولايات المتحدة ومنذ آماد بعيدة بتقديم تلك المساعدات التي تسبقها دائما سياقات عمل وبرامج معدة لترتيب الخطط ووضعها في سياقات ممنهجة للتعامل مع أوضاع مناطق وبلدان ذات طبيعة محددة، تدخل ضمن اهتمامات الإدارة الأمريكية وتعطي بعدا حيويا للمشاركة و دعم وتنفيذ سياساتها

ففي عام 2004 أشيع بأن الإدارة الأمريكية سوف تعلن في حزيران منه، عن برنامج واسع حول الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي تشمل العالم العربي وتمتد لتحتوي محيطه الواسع أيضا. البرنامج أو المشروع الذي عرض، يحدد توجهات الإدارة الأمريكية للتعامل مع المنطقة وفق أسس ورؤية سبق أن أعلن عنها في مناسبات عديدة. وتتركز جلها في ثلاثة محاور. الأول دمقرطة المنطقة !! والثاني ربطها بالاقتصاد الدولي وبالذات الشراكة الاقتصادية مع الولايات المتحدة، والمحور الثالث يتمثل بتخليصها من مفاهيم العداء المتوارث للسياسة الأمريكية، وإشراكها في الجهود المبذولة لمحاربة الإرهاب.

تضمن مشروع الإدارة الأمريكية للتنمية، طيفا واسعا من المفاهيم المعرفية ومبادرات للشراكة المصممة خصيصا لتقديم المساعدة، لقيام البلدان المعنية، بالإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ويشمل المسعى هذا تقديم العون المادي والمعنوي الدبلوماسي وغير الدبلوماسي للنشاطات المهنية والاجتماعية، للذين يرغبون في المشاركة بقيادة المجتمع والدولة، من خلال خلق مبادرات ايجابية لإنجاح مهام منظمات المجتمع المدني وحركات التنوير، وتعزيز البرامج الحيوية لمعالجة مشاكل حقوق الإنسان.على أن تدرس المبادرة وتعالج مشاكل وتشوهات تعاني منها مجتمعات الشرق أوسط في محاولة لإماطة اللثام عن طبيعة ونوع العوائق ومن ثم وضع الحلول لها ليتم معالجتها.

صبت المبادرة أعلاه وموضوعاتها على جهد المشاركة في التغيير، من خلال التأثير بأسلوب الصدمة، وأيضا تغذية المبادرات الداخلية المرنة والممنهجة والمنتقاة بعناية التي ستشارك فيها النخب السياسية. ومع كل تلك الاستعدادات لزج القدرات في عمليات الشراكة نجد أن المبادرة خلت من توضيح أو بيان أو دراسة التأثير السلبي في فرض الخيارات القسرية من الخارج، و إقصاء التحولات أو التغييرات التي تقدم وفق المبادرات الوطنية، مما جعل المشروع يظهر ناقصا وهشا تجاه رغبات الطرف الأخر، الموجب تفعيل مشاركته والسماح لخياراته بالتفاعل والنجاح.

من خلال جميع الوثائق الصادرة عن الإدارة الأمريكية وأيضا الدراسات التي قدمها الباحثون المقربون منها وكذلك المقالات التي كتبها محررو الصحف من المؤازرين لتوجهاتها،يشار إلى أن الشرق الأوسط والعالم الإسلامي دائما ما كان يشكل تهديدا متزايدا لاستقرار العالم ومصالح الدول الصناعية الكبرى، لأسباب تتعلق أكثرها باحتواء ذلك العالم على خزين هائل من منظومات التفكير الطارد، وأنماط من مجتمعات تضمر العداء الديني والقومي (غير المبرر!!) للولايات المتحدة وحلفائها.

أغلب هذه الدراسات والبحوث دائما ما تغاضت عن أخطاء وخطايا الإدارة الأمريكية، ولم تصنفها ضمن العوامل الطاردة أو المسببة لذلك العداء والنفرة، و تهمل الطريقة البرغماتية في تعامل الغرب مع تلك الشعوب، والتعديات والقسر والجرائم التي يرتكبها الرأسمال العالمي في مواجهة طموح وتطلعات تلك الشعوب نحو الحرية وامتلاك خيراتها الاقتصادية والحفاظ على استقلالها وخصوصياتها الوطنية.

ليس غريبا أن تثير سياسات الوكالة الدولية للتنمية أعجابا شديدا لدى صانعيها، ولكنها في نهاية المطاف وبسبب محتواها العام وأساليبها القسرية، تقوي من عزيمة المضادين والرافضين لنظريات الإملاء وفرض الحلول، بعد أن يشعروا بكمية الإقصاء الذي تحويه تلك المشاريع والبرامج الموجهة لهم بالذات، مما يعني بقاءهم مهمشين وغير مرغوب فيهم، ويعاملون كفئران تجارب.رغم تأكيد البرنامج على الشراكة ووجود الآخرين كأدوات منفذة وواجب مشاركتهم الفعلية في تنفيذ جزئياته .

ففي الوقت الذي تعلن الإدارة الأمريكية سعيها لنشر مفاهيم المجتمع المدني وحقوق الإنسان والديمقراطية، نشاهدها تقدم العون للكثير من حكومات البلدان المعنية بالمبادرة، وبالذات من الذين يمثلون النوع الأكثر قدرة على انتهاك تلك الحقوق وخنقها. وتبدو مشاركة الإدارة الأمريكية فاعلة وذات تأثير صادم في إسناد ودعم هؤلاء الحكام في مواجهة شعوبهم.تلك الازدواجية في المعايير والتفاضل، جعلت بعض مجتمعات مشرقية تتبنى خيار العداء لكل ما يصدر عن الولايات المتحدة حتى في الحالات الإيجابية. وهي محقة في هذا. فمسألة حقوق الإنسان والعدل الدولي والسلام والحريات والديمقراطية، لا يمكن أن تخضع للانتقائية أو خيار المصالح، إن أريد لها أن تنمو بشكل طبيعي ومقنع.

عند هذه الإشكالية الحقيقية تواجهنا الكثير من الإجابات المقنعة عن ازدواجية المعايير لدى الإدارة الأمريكية، وخير دليل على ذلك الدعم المطلق الذي تقدمه لأصدقائها في منطقتنا وشرق وغرب آسيا وبالذات لحليفتها إسرائيل بالضد من حقوق وتطلعات الشعب الفلسطيني. وتلاقي التعديات اليومية الوحشية للسلطات الإسرائيلية الكثير من الدعم والتعتيم من قبل السياسيين في الإدارة الأمريكية، وهناك الكثير من الأمثلة العيانية التي تبدو حقيقية ومقنعة، لتأشير ذلك الخلل الأخلاقي السياسي، الذي يدفع لطرح التحفظات الكثيرة تجاه المشروع الأمريكي حتى بين أصدقائها في المنطقة .

فالاعتقاد الغالب بان ثقافة الغرب وأمريكا ليست بقيم عالمية لكي تفرض، فهناك ثقافات أخرى يجب الاعتراف بها واحترامها، وبدلا من إعطاء محاضرات إرشادية في الأخلاق والثقافة، على الغرب وأمريكا احترام عادات وتقاليد تلك الشعوب الشرقية، التي ترفع الصوت دائما بالقول، لماذا تنظرون لنا كحقول تجارب وشعوب طارئة على التاريخ، رغم أن التاريخ بدأ من وجودنا على هذه الأرض قبل أن تتكون حضاراتكم. ودائما ما فسرت نوايا الغرب، بالعملية القسرية لفرض مفاهيم غربية وغريبة على المجتمعات الشرقية، التي بدورها تشير لامتلاكها خصوصياتها الثقافية، وأيضا لديها مفهومها الاجتماعي والسياسي والديني عن نوعية (محلية) للديمقراطية وحقوق الإنسان. وتحاجج هذه السلطات ومعها المنظمات والجماعات الاجتماعية والسياسية والدينية، بأنها لم تعط الوقت أو الفرصة لتطبيق معاييرها الخاصة بالديمقراطية والحريات المدنية، والإجابة على تلك الأسئلة والانشغالات الكبيرة. وتتبادل تلك الأطراف مع الغرب وكذلك مع خصومها المحليين الاتهامات بتعطيل وتفكيك أسس العمل لإظهار تلك المعايير بخصوصيتها الوطنية.

فالتنظيمات والقوى السياسية والاجتماعية المحلية تتحصن بحجج تعتقد أنها تمتلك ثقافة وتقاليد تغنيها عن المفاهيم الغربية حول الحريات والديمقراطية والمجتمع المدني، وإنها ترتكن إلى خاصياتها الثقافية وموروثها الاجتماعي.ولكن في البحث والاستقصاء عن تلك الخصوصيات، نشاهدها تقدم مشاريعها بقصور بائن،وبالمجمل تكون في الغالب أفعال ورؤى مهلهلة تحد من تطور المجتمعات، وتنحو لخلق بؤر تشيع فكرة الوصاية والقسر. ومع اقتناعها بامتلاكها اليقين (البعيد عن الحكمة) بامتلاك الحقيقة المطلقة، فإنها تغذي خروقات تعدم بسببها حرية الرأي والعدالة الاجتماعية والتطلعات نحو الديمقراطية. وأيضا فأن تلك المؤسسات تتحرك في ظل فقدان قواعد ونصوص متكاملة يحتكم إليها كمرجعيات تمتلك حلولا منطقية لمشاكل عديدة تتراوح بين البسيط وصولا للمركب والمعقد منها.

في نفس الوقت فالسلطات الحاكمة وعبر مؤسساتها تحاول إدامة أو إشاعة المعايير القاصرة عن المفاهيم الحقوقية للحريات، باذلة جهودا وأموالا طائلة لكبح جماح القوى والأشخاص الساعين والمناشدين لتعميم معايير الحريات والديمقراطية في مجتمعاتهم.وتأتي تلك الإجراءات رغبة في وضع القيود ومنع أي تغيير يمكن له خلق أوضاع يتاح من خلالها إجراء تعديلات في هياكل السلطة والتشريعات القائمة .ويهيمن هذا الأداء على مسيرة الأنظمة الحاكمة التي باتت اليوم تستشعر القلق وتتوجس خيفة من المشاريع الوافدة وبالذات الأمريكية والغربية الخاصة بمنطقتها، وتعيش تحت هاجس ووطأة مشاعر الخوف من المثل العراقي والمآل الذي ذهب إليه العراق جراء الاحتلال الأمريكي.

وإذا كان لتلك السلطات عذر في مشاعر الخوف التي تتلبسها، فأمر رفض المشاريع الأمريكية لا يقتصر على السلطات المحلية والتجمعات والتنظيمات الدينية والطائفية، وإنما يشمل أيضا تنظيمات لبرالية يسارية، وتأتي اعتراضات هؤلاء على أسس خصام تأريخي غذته نفرة وشحن أيدلوجي، والقناعة التامة بان جميع ما يأتي من الإدارة الأمريكية ما هو إلا مسعى لتفضيل مصالح الرأسمالية على مصالح الشعوب. ويدفع هذا الاعتقاد بالكثير من دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان وحركات التنوير، وفي أغلب بلدان الشرق للإحجام عن التعاون مع مساعي الولايات المتحدة لتعميم مفاهيمها في هذا الشأن، لأسباب وطنية ومشاعر متصاعدة من الشكوك، وتطرح في هذا الشأن الكثير من الأمثلة عن سؤ نية الإدارة الأمريكية وما تبييته مشاريعها من مخاطر للمنطقة. حيث توضع الخيارات الوطنية للشعوب وبالمجمل، لصالح السير في ركب مصالحها الأمنية والاقتصادية ذات الطبيعة الامبريالية،وقد اختصر بول برايمر رئيس سلطة الائتلاف المؤقت عند احتلال العراق كل ذلك في مقابلة إعلامية بالقول، إن مصالح الولايات المتحدة تتقدم على واجباتها في القانون الدولي.

***

فرات المحسن

الصواريخ التي انطلقت من جنوب لبنان يوم الخميس تجاه شمال فلسطين المحتلة وأدت لتوتر الوضع على جبهتي غزة ولبنان تثير كثيرا من التساؤلات حول توقيت إطلاقها والجهة المسؤولة عنها وتداعياتها.

فقد جاء التوقيت في وقت تحتدم فيه الخلافات داخل المعسكر الصهيوني، ونتنياهو وحكومته في مأزق شديد لدرجة أن مسؤولين صهاينة يحذرون من حرب أهلية، وكان نتنياهو يبحث عن منفذ للخروج من المأزق، كما جاءت متزامنة مع اقتحامات المسجد الأقصى بما صاحبها من همجية لجيش الاحتلال في قمع المصلين مما أثار ردود فعل عربية ودولية منددة بهذا القمع، كما بدت إسرائيل في حالة شبه معزولة بسبب التصريحات العنصرية الاستفزازية للوزير سموترتش والأحداث الداخلية المتعلقة بالتعديلات القضائية أيضا بسبب العنف الممارَس في مواجهة الفلسطينيين، أيضا جاءت في وقت بدأت فيه بوادر تذمر من الدول العربية المطبعِة من السلوك الصهيوني.

أما بالنسبة للجهة المسؤولة عنها، فحزب الله نفى مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ كما لم تُعلن أية جهة فلسطينية أو غير فلسطينية مسؤوليتها، إسرائيل هي التي اتهمت حركة حماس بإطلاقها مع أنها انطلقت من لبنان وليس من غزة وهي التي باشرت بالرد بقصف قطاع غزة مما أدى لرد الفصائل الفلسطينية وكانت المواجهات محدودة جدا بحيث لم يسقط ضحايا من الطرفين وكأن الأمر كان منسقا ومدروسا ويعكس عدم رغبة في التصعيد.

أما بالنسبة للتداعيات الداخلية فقد استطاع نتنياهو استغلال الأمر بإبعاد الأنظار عن أزمته الداخلية وحشد قوى المعارضة من خلفه في الدفاع عن دولة الكيان في مواجهة التهديد الخارجي المزعوم، والأخطر من ذلك أنه استطاع إبعاد الأنظار ولو مؤقتا عما يجري في القدس والمسجد الأقصى من خلال التصعيد المزعوم على جبهة غزة والذي قد يستمر لأيام حتى ينفذ بن غفير وسموترتش مخططاتهم في المسجد الأقصى.

وبالنسبة للتوظيف الخارجي لعملية إطلاق الصواريخ فبالإضافة إلى أنها كشفت غياب السيادة في لبنان وما يسوده من حالة فوضى فقد تؤدي إلى مزيد من التوتر بين المكونات السياسية في لبنان وقد يحمّل لبنانيون الجانب الفلسطيني في لبنان المسؤولية مما ينذر بمزيد من التضييق على الفلسطينيين هناك.

صواريخ لبنان مجهولة الهوية ومحدودة التأثير ما دام لم يتم تبنيها من جهة مقاومة محددة ولم يضع من أطلقها هدفا محددا وخصوصا أنها لم تلحق ضررا بالعدو، بل حتى حزب الله وكل مكونات الدولة اللبنانية لم يباركوا العملية أو يعتبرونها حقا مشروعا وطنيا أو قوميا أو إسلاميا، ومجرد إطلاق صواريخ عبر الحدود دون هدف ورؤية أو توظيف سياسي يطرح كثيرا من التساؤلات حول جدوى العملية وما إن كانت تصب في صالح القضية الفلسطينية أم في مصلحة أجندة خارجية.

أيضا هذه العملية قد تخلق عند الفلسطينيين وهما أو مراهنة ليست في محلها بأن المعركة في فلسطين معركة العرب والمسلمين جميعا وعلى الفلسطينيين المراهنة على الأطراف الخارجية، وهي مراهنة ومزاعم غير صحيحة حيث كل الأنظمة والجماعات الحزبية العربية والإسلامية ليست الآن في وارد القتال دفاعا عن الفلسطينيين ولم يحدث عبر التاريخ أن حاربت هذه الأطراف من أجل تحرير فلسطين حتى حزب الله كانت حروبه مع إسرائيل من أجل تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، وهذا لا يعني تجاهل التأييد الشعبي وأشكال الدعم المادي الشعبية والرسمية.

هذه الصواريخ تستحضر صواريخ حركة حماس وفصائل المقاومة في غزة وحروبها التي بالرغم من تأثيرها المعنوي إلا أنها لم تؤدي إلا لمزيد من معاناة أهالي غزة وإفقارهم وتدمير بنيتها التحتية وتكريس للانقسام، لأن عملية إطلاق الصواريخ لم تندرج في سياق استراتيجية وطنية لتحرير الأرض، والصواريخ لوحدها لا تُحرر أرضا.

وخلاصة القول، على الفلسطينيين الاستفادة من تجارب الماضي وعدم المراهنة كثيرا على الأطراف الخارجية حتى العربية والإسلامية فحال هذه الأطراف غير مهيئة لمساندة الفلسطينيين عسكريا، ولهم في تجربة جبهة الصمود والتصدي وجبهة الممانعة عبرة، ونأمل أن يكون حالهم مختلفا مع محور المقاومة.

***

د. ابراهيم ابراش

المحكمة الجنائية الدولية هى هيئة دولية مستقلة تقوم بمحاكمة المتهمين الذين يقومون بارتكاب الجرائم الواردة فى نظامها الاساسى وهي على كل الجرائم التى تعتبر اشد خطورة فى العالم وتتمثل تلك الجرائم فى اربع مجموعات هى الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية وجريمة العدوان وقد حدد نظامها الاساسى على سبيل الحصر حدد النظام الاساسي للمحكمة فى المادة 13 منه طرق الإحالة اليها وتتمثل فى ثلاث طرق هى

أ \ اذا أحالت دولة طرف إلى المدعى العام وفقا للمادة 14 حالة تبدو فيها ان جريمة او اكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت

ب\ اذا أحال مجلس الامن متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حالة الى المدعى العام يبدة فيها ان جريمة او اكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت

ج\ اذا كان المدعى العام قد بدأ بمباشرة تحقيق فيها بموجب المادة 51

اذا تمت الإحالة بواسطة دولة غير طرف حسب شروط المادة 21\3 التي تنص على (اذا كان قبول دولة غير طرف لازما بموجب الفقرة 2 جاز لتلك الدولة بموجب اعلان يودع لدى مسجل المحكمة ان تقبل ممارسة المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث)

دارت الحرب الروسية على اوكرانيا على خلفية صراع الكبار للفوز والى الابد بتثبيت حالة المجتمع الدولي اما بنظام قطبى واحد كما تريدة الولايات المتحدة وحلفائها وإما بنظام متعدد الأقطاب كما تسعى له روسيا وحلفاءها أيضا ولهذا فان الحرب اوكرانية وان بدت فى ظاهرها غزو غير مشروع من روسيا للاراضى الأوكرانية إلا أنها فى حقيقتها صراع من اجل البقاء او العدم ومن احل ذلك فإننا نرى سلسال الدعم المنهمر بغير حساب الى اوكرانيا واستعمال حلفاءها كافة الأسلحة وتسخيرها كافة الإمكانيات وممارستها لكافة الضغوط كى تخسر روسيا الحرب ومن بين تلك الأسلحة المؤسسات الدولية والتي من اهمها المحكمة الجنائية الدولية.

اذن فما هو دور المحكمة الجنائية الدولية تجاه الحرب الروسية الاوكرانية ؟ وكيف تستطيع ممارسته من خلال النصوص القانونية المعلومة وفى ظل متطلبات العدالة الدولية وسياقات الظلم الكبير الذى يحدث فى العالم تحت سمعها وبصرها؟

من الواجب على المحكمة الجنائية التصدي الفوري وإجراء التحقيقات اللازمة فى حالة حدوث حرب او نزاع مسلح مما يدخل ضمن اختصاصها وفق ما نص عليه النظام الاساسى ولا يجوز فى حقها العمل وفق ما تتطلبه المصالح السياسية لاية دولة او اية مجموعة من الدول وذلك ان المحكمة وكما جاء فى تعريفها انها هيئة دولية مستقلة ، هذا من الواقع الافترالضى ولكن الواقع العملى له شأن اخر وهو شأن تواضعت عليه المحكمة منذ لحظة نشأتها الاولى ـ لان المحكمة نفسها ما كان لها ان ترى النور الا بالتقاء اراء الدول الموقعة على نظامها الاساسى فى منطقة وسطى بين العدالة المطلقة و الاعدالة وهى عدالة عرجاء لا تسير الا بمباركة الدول الكبرى ونحن نظن ان كل المحاكمات التى تم إجراءها والتحقيقات التى تم فتحها لم تكن الا ترجمة لذلك التواضع .

لم يكن من المستطاع ان تكون المحكمة الجنائية الدولية مكتوفة الايدى فى ظل نشوب حرب كالتى قامت فى اوكرانيا ... فالحروب هى ميدان عمل المحكمة الجنائية الدولية وكل الجرائم المنصوص عليها فى النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية سترتكب لا محالة على ارض المعركة ولهذا فان تفعيل النصوص التى تحرك آليات المحكمة من تحقيق وتوقيف ومحاكمة كان أمرا مقبولا ولكن المعضلة الاساسية – فيما يبدو – هى انعقاد الاختصاص وفق قواعد المقبولية المنصوص عليها فى المادة 13 من النظام الاساسى وذلك ان كل من روسيا واكرانيا غير موقعتين على النظام الاساسى وان مجلس الامن الدولى لا يستطيع احالة الوضع فى اكرانيا الى المحكمة الجنائية الدولية لان روسيا ستستعمل حق النقض لاسقاطه فلم يتبق غير اعلان اوكرانيا قبول ممارسة المحكمة الجنائية لاختصاصاتها فى الاراضى الواقعة فى إقليمها وبذلك يكون للمحكمة سلطات التحقيق والايقاف والمحاكمة عن كل الجرائم المنصوص عليها فى نظامها الاساسى وهو ما تم بالفعل حيث قامت اوكرانيا بالسماح للمحكمة بممارسة اختصاصها على اراضيها وبذلك ينعقد الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق فى الجرائم المحتملة فى تلك الحرب

على غير عادتها قامت المحكمة – سريعا جدا – بانشاء بعثتها فى اوكرانية وبدأ المحققون عملهم فورا وقاموا فى فترة قصيرة جدا بتوثيق كم هائل من انتهاكات للقانون الدولى الانسانى بجرائم تدخل ضمن اختصاصات المحكمة وكان من المؤمل ان تحال تلك الجرائم الى الدوائر التمهيدية بالمحكمة لإصدار مذكرات توقيف ومباشرة إجراءات القبض والترحيل والمحاكمة ولكن شيئا من كل هذا لم يحدث والسبب فى ذلك –كما نرى- ان فرق التحقيق توصلت أيضا الى أن تلك الانتهاكات لم تكن من الجانب الروسى فقط وامنا تورط الجنود الاوكرانيون أيضا فى انتهاكات تشكل جرائم داخلة فى اختصاص المحكمة ولم يكن من الممكن بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الاروبى ان يسمح فى هذه الفترة بتقديم جنود او قادة أوكرانيون الى المحكمة كما انه لم يكن من الممكن – من الناحية الاخلاقية- تقديم الجنود الروس الى المحكمة وترك نظرائهم من الجنود الاوكرنيين .

لم يكن فى الإمكان ترك امر المحكمة الجنائية الدولية الى ما بعد انتهاء الحرب فسارع المحققون الى تلقف ما قامت به روسيا من خطف وترحيل قسرى لآلاف الأطفال الاوكرنيين الى روسيا مما يشكل جريم تندرج ضمن الجرائم المنصوص عليها فى النظام الاساسى للمحكمة الجنائية الدولية وسارعت المحكمة متمثلة فى الدائرة التمهيدية الثانية باصدار امر توقيف بحق الرئيس الروسى شخصيا باعتبار انه القائد الأعلى للقوات المسلحة الروسية وعلى هذا أصبح الرئيس الروسى متهما مطلوبا امام المحكمة الجنائية الدولية وهو امر سعت اليه الولايات المتخدة سعيا واعدت له اعدادا ليكون واحدة من وسائل الضغط التى ستفاوض بها روسيا فى المستقبل وعليه يثور سؤالا كبير عما اذا السعى لذلك التوقيف كان لاغراض العدالة الدولية لضحايا تلك الحرب ام ان الامر يبدو ذو صبغة سياسية سعى لتحقيقها طرف على حساب القانون؟

تاريخ المحكمة الجنائية فى تعاملها مع ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة يخبرنا ان التأنى المفرط فى مباشرة التحقيقات واصدار اوامر التوقيف كان ديدن المحكمة فى كل الحروب والنزاعات المسلحة التى باشرت التحقيق فيها وتاريخ المحكمة حافل بهذا النمط من حرب البلقان فى يوغسلافيا السابقة استمر منذ عام 1995م تقريبا ولم ينته حتى الان الى التحقيق فى النزاع المسلح فى درفور استمر منذ 2005م وما يزال مستمرا حتى الان ولم يحدث فى تاريخ المحكمة الجنائية الدولية ان تم التحقيق واصدار وامر التوقيف بالسرعة التى تم بها توقيف الرئيس بوتن

كيفية تعامل المحكمة الجنائية فى كثير من أنحاء العالم كان مغاير جدا لتعامل المحكمة مع حرب اوكرانيا والمثال الابرز على هذا هو تعامل المحكمة مع الوضع فى الاراضى الفلسطينية المحتلة والتلكوء والمماطلة فى القيام باجراءات التحقيق والتوقيف منذ ان أعلنت فلسطين قبولها لاختصاص المحكمة ورضائها بان يحاكم كل من ارتكب جريمة تدخل فى اختصاص المحكمة سواء فلسطينيا ام اسرائليا فلماذا لم تقم المحكمة باصدار مذكرات توقيف ضد القادة الاسرائيليين والفلسطينيين؟

كيفية التعامل المحكمة الجنائية الدولية مع جرائم الحرب التى تم ارتكابها فى ليبيا بعد رحيل الرئيس السابق معمر القذافى توضح لنا وبجلاء ان اجراءت المحكمة مرهونة بتوافقات سياسية وان الدول الكبرى هى التى تحدد متى واين تقوم المحكمة الجنائية الدولية بدورها فى محكمة منتهكي القانون الدولى الانسانى

كثيرة هى الامثلة التى توضح ان المحكمة الجنائية الدولية قد أضحت أداة سياسية لتصفية حسابات بين الدول ولهذا حذر القادة الروس على ان مستقبل العدالة الدولية فى خطر وذلك ان روسيا نقسها باعتبار انها تمتلك حق الفيتو فى مجلس الامن تستطيع ان تمارس نفس الدور فى مكان اخر وبهذا ستكون المحكمة الجنائية الدولية التى أنشأتها الشعوب لضمان محاكمة المىتهمين فى الجرائم الاشد خطورة اداة فى ايدى الساسين يديرونها لتصفية حساباتهم او لتقوية مواقفهم وبهذا ستزداد كل يوم بعدا من القانون وقربا من السياسة.

***

د. ناجى احمد الصديق الهادى - المحامى / السودان

 

تحاول الولايات المتحدة الأمريكية التمويه على مساعيها للهيمنة على العالم، ومنها منطقة الشرق الأوسط، عبر مجموعة من الذرائع والحجج، كصعوبة القضاء على الأنظمة الاستبدادية بدون الاستعانة بالقوى الخارجية، وبإن النموذج الأمريكي للديمقراطية هو الاختيار الوحيد للتطور السياسي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بعد سقوط النموذج الاشتراكي، ولكونها القوة الوحيدة القادرة على مكافحة الإرهاب في العالم، وأن عليها مسؤولية أخلاقية، لإسقاط الانظمة الدكتاتورية، ونشر القيم الديمقراطية.

ومن النظريات الجديدة التي ابتدعها الفكر السياسي الأمريكي المحافظ، في بداية القرن الواحد والعشرين، نظرية الفوضى الخلاقة، التي تهدف لإحكام الهيمنة الأمريكية على منطقة الشرق الاوسط الغنية بمصادر الطاقة، عن طريق نشر الفوضى الشاملة للقضاء على الأنظمة الاستبدادية وإقامة أنظمة ديمقراطية بديلاً عنها. وقد مرت الاستراتيجية الأمريكية للهيمنة على العراق بثلاث مراحل:

المرحلة الاولى: سياسة التدمير” الاحتواء” المزدوج للعراق وإيران، التي انتهجته خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية، والتي استمرت لثمان سنوات وألحقت بالبلدين نتائج كارثية. وما يتعلق بالعراق، أدت الحرب إلى حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وإلى غزو الكويت كمسعى من الدكتاتورية لترحيل الأزمات التي نتجت عن حروبها وسياساتها الاستبدادية، الداخلية والخارجية، والتي لقيت تشجيعاً من الولايات المتحدة.

المرحلة الثانية: تطبيق سياسة الهيمنة غير المباشرة من قبل الولايات المتحدة، فبعد حرب الخليج الأولى، جرت الهيمنة الأمريكية بالاعتماد على ثلاثة أساليب رئيسية:

1. اعتماد القوة العسكرية، بشكل متكرر لإضعاف العراق حتى بعد خروجه من الكويت.

2. تطبيق نظام الحصار الدولي الشامل على العراق الذي استمر لغاية احتلاله في 2003.

3. تشكيل تحالفات من الأحزاب العراقية، تعمل بالانسجام مع سياسة الولايات المتحدة وعلى أساس قانون “ تحرير العراق” الذي صدر عام 1998.

المرحلة الثالثة: تطبيق نظرية الفوضى الخلاقة، مباشرة بعد الاحتلال الأمريكي، حيث عملت الولايات المتحدة على إسقاط/ وتهديم الدولة العراقية، وإعادة بنائها بطريقة تتلاءم مع أهداف الغزو.

أهداف الغزو

تم تمويه الأهداف المعلنة للغزو من قبل الولايات المتحدة، لخلق حالة من التعاطف أو على الأقل الحياد، مع الغزو، شعبياً ودولياً، فجرى الحديث عن تدمير أسلحة الدمار الشامل وتحقيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. وعلى ضوء النتائج السياسية والاقتصادية والقانونية، والتي أفرزتها عشرون سنة من الغزو، يتبين لنا أن كل الشعارات السابقة كانت مجرد أكاذيب.

اولاً. النتائج السياسية:

سعت قوى الاحتلال، إلى نشر الفوضى الشاملة في العراق، فتُركت كافة مؤسسات الدولة معرضة للنهب والتدمير، باستثناء وزارة النفط والبنك المركزي، اللذين وقعا تحت سيطرة القوات الأمريكية، وتسريح كبار الموظفين وحل الجيش وكافة الأجهزة الأمنية، بحيث بقيت الدولة بدون حكومة لمدة ستة أشهر، مما عمّق حالة الفوضى والاضطراب في المجتمع.

وبديهي أن لا يكون الهدف من سياسة الفوضى، إسقاط السلطة الاستبدادية وإقامة سلطة ديمقراطية حقيقية، بل كان لتدمير الدولة ثم لإعادة بنائها، حيث تشكلت حكومات غير مستقرة، تدير الأزمات ولا تحلها، وعاجزة عن القيام بواجباتها في توفير الأمن والخدمات والحد من مظاهر العنف والفساد الإداري والمالي. وأخذت سياسة نشر الفوضى الأشكال التالية:

1. إنهاء سيادة العراق واستقلاله من خلال إضفاء شرعية على سلطة الاحتلال من قبل مجلس الأمن الدولي.

2. تشكيل مؤسسات لقيادة الدولة خاضعة لسلطة الاحتلال.

3. تأسيس نظام يقوم على المحاصصة الطائفية ـ القومية، وتطبيقه على كافة مؤسسات الدولة، وذلك لتفتيت التشكيلة الاجتماعية الوطنية، لاسيما وقد أثبتت التجربة العراقية، أن وحدة السلطة السياسية أساس التلاحم الوطني لهذه التشكيلة.

4. إعادة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية، بما ينسجم مع المصلحة الأمنية والسياسية للولايات المتحدة.

5. الإسراع في إجراء انتخابات برلمانية من أجل اضفاء شرعية شكلية على مؤسسات الدولة التي بنتها سلطة الاحتلال.

6. ربط العراق بمعاهدة غير متكافئة كشرط لسحب القوات الأمريكية من العراق (اتفاقية الإطار الاستراتيجي 2011).

ثانياً. النتائج الاقتصادية:

لم يظهر المحتلون أي اهتمام بإعادة الحياة للبنية التحتية للاقتصاد الوطني، التي دمرتها الحروب والحصار الاقتصادي، بل اهتموا بإنهاء دور الدولة في الحياة الاقتصادية، والذي كان قد ساهم بشكل بالغ الأهمية في تطوير القوى المنتجة والحد من اتساع الفروق الاجتماعية بين المواطنين بشكل عام. وقد تحقق ذلك من خلال السعي لتكريس الاقتصاد الريعي وإعاقة قيام اقتصاد إنتاجي، على الرغم من توفر موارد مالية كبيرة للسلطة ـ تقدر بحوالي تريليون دولار. وكان من مظاهر الاقتصاد الريعي في العراق في المرحلة الراهنة:

1. إعادة توزيع الدخل القومي، على شكل نقدي، بحيث يرصد أكثر من ثلثي ميزانية الدولة للتشغيل ولتغطية تضخم عدد العاملين في مؤسسات الدولة.

2. ترك المؤسسات الصناعية الإنتاجية لتتقادم، مما يوفر الذرائع للسلطة الحاكمة لبيع هذه المؤسسات للمستثمرين بأسعار زهيدة جداً.

3. فتح السوق العراقية أمام السلع الأجنبية، وبدون رقابة أو تعرفة كمركية. وقد ساهم هذا النهج بتعميق الجانب الاستهلاكي في الاقتصاد العراقي، وتدمير المنتوج الوطني، الصناعي والزراعي.

4. عدم اعطاء أهمية للعمل، بحيث أصبحت مؤسسات الدولة تعمل لمدة ستة أشهر في السنة في أحسن الأحوال، نتيجة تعطيلها في كثرة من المناسبات الدينية والوطنية، او بسبب عدم الاستقرار الأمني والعمليات الإرهابية والعنف.

5. تركيز الاهتمام على زيادة انتاج النفط لتعزيز الموارد المالية للدولة، للإيفاء بمستلزمات الاقتصاد الريعي، يقابله إهمال إعادة بناء المؤسسات الاقتصادية الانتاجية.

6. نهب المال العام، من قبل النخب المتنفذة في السلطة وأعوانها، وانتشار مظاهر الفساد المالي بحيث أصبح العراق على رأس قائمة دول العالم التي تعاني من الفساد المالي والرشوة.

ثالثاً. النتائج القانونية:

تزداد أهمية البناء القانوني للدولة في العراق بالارتباط مع بقاء التركة الثقيلة للدكتاتورية، التي كّيفت البنية القانونية للدولة لتخدم طبيعة نظامها الاستبدادي. ولذلك أصبحت الحاجة ماسة للقيام بإصلاح قانوني بعد سقوط الدكتاتورية. الا أن ذلك لم يتحقق فما زالت قرارات سلطة الاحتلال وقوانين مجلس قيادة الثورة المنحل هي التي تسير أغلب مؤسسات الدولة، فيما نرى الفشل في تأسيس بنية قانونية تتناسب وقيام نظام ديمقراطي وهذا يتضح من خلال:

* عدم انجاز مهام العدالة الانتقالية، حيث تم تعطيل إصدار قانون متوازن للعفو العام ينصف ضحايا الاستبداد ويوفر محاكمة عادلة للمسؤولين عنه، مما أدى لتنامي نزعة الثأر في المجتمع.

* إعداد دستور، مليء بالثغرات والتناقضات، وبنصوص سهلة التأويل ولا تناسب دولة ديمقراطية حديثة، مما جعله أداة بيد القوى السياسية المتنفذة، تفسره حسب مصالحها الخاصة، مما أبعده من أن يكون مرجعاً قانونياً ملزما لجميع مؤسسات الدولة، وأن يكفل حقوق المواطنين المختلفة.

* فشل في خلق بيئة قانونية مستقرة للانتخابات، عبر اعتماد قانون لا ديمقراطي لها، مما مكّن النخب المتسلطة من استغلاله وتعديله كل مرة، بما يخدم استمرار نظامها ومنع معارضيها من الوصول إلى السلطة التشريعية.

* تحول الأعراف العشائرية إلى ناظم رئيسي للعلاقات بين الأفراد وفي أحيان كثيرة بين مؤسسات الدولة والمواطنين، بسبب التمييز في تطبيق القوانين النافذة وعدم اصدار قوانين مدنية تنظم علاقة مؤسسات الدولة بالمواطنين وعلاقات المواطنين مع بعضهم البعض.

الخلاصة

1. لم تدرك النخب الحاكمة منذ عقدين، مخاطر استمرار تمسكها بنهج المحاصصة الطائفية ـ القومية، المرفوض شعبياً، والذي فشل في بناء دولة حديثة قادرة على المحافظة على السيادة الوطنية وتوفير الأمن والخدمات والحماية الاجتماعية للمواطنين، وصار سبباً في الكثير من الأزمات العصية على الحل.

2. أدى تطبيق “ديمقراطية” الفوضى الخلاقة في العراق إلى نتائج خطيرة تهدد مستقبل العراق كدولة ومجتمع موحد، كعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، واتساع مظاهر العنف في المجتمع، ونشوء نخب سياسية فاسدة تتصدر الحياة السياسية وتقود سلطة الدولة وتقلص شعور الانتماء الوطني والمصير المشترك للمواطنين العراقيين، مما أدى إلى تهميش مفهوم المواطنة الواحدة، وعزز الانتماء إلى الهويات الفرعية “ طائفيةـ مذهبية ـ قومية ـ عرقية ـ إقليمية”.

3. أدت الفوضى الخلاقة على الصعيد الاقتصادي إلى عرقلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي تردي مستوى الخدمات بكافة أنواعها، الامر الذي ادى لارتفاع نسبة الفقر (25 في المائة حسب آخر أحصاء لوزارة التخطيط) وانتشار البطالة بين المواطنين ونشوء فئات غنية من الطفيليين ولصوص المال العام والمرتشين.

4. إن على النخب السياسية الحاكمة إدراك المخاطر التي تنشأ من تمسكها بسياسة التحالف مع قوى الهيمنة الٌإقليمية والدولية، وضرورة سعيها لانتهاج سياسة وطنية، بعيدة عن الانفراد والاقصاء، تقوم على التعاون مع القوى الوطنية بمختلف تياراتها لتحقيق تطلعات المواطنين بقدر معقول من العدالة الاجتماعية، فبدون هذا النهج لا يمكن تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي ومقاومة التدخل الخارجي.

***

 د. فاخر جاسم

يدور الحديث هذه الأيام، عن إمكانية أتحاد أوكرانيا مع بولندا بعد الانتهاء من العملية العسكرية الروسية الخاصة، وقد لمّح بذلك مؤخرا الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي خلال زيارته الى وارسو، وأشار إلى أنه لن تكون هناك حدود بين البلدين في المستقبل، ففي القرن السادس عشر، كانت هناك "شراكة" مماثلة في إطار الكومنولث، ما يبرز تساؤلا عن فرص نجاح هذه الفكرة؟ وما المخاطر التي قد تنشأ في هذه الحالة؟

زيلينسكي شدد على إنه لن تكون هناك قريباً حدود بين الدولتين - لا اقتصادية ولا سياسية ولا تاريخية، في حين تشير صحيفة Strana، نقلاً عن مصادرها الخاصة، إلى أن مكتب زيلينسكي يناقش إمكانية إنشاء اتحاد كونفدرالي لأوكرانيا وبولندا، وهو نوع من "الكومنولث الجديد"، ولكن كما يبدو ان هذه الفكرة لا تزال تبدو غريبة نوعا ما، ومع ذلك، فقد ظهر كإحدى الإجابات على سؤال استراتيجي مهم، كما يمكن للمرء أن يقول، - كيف يضمن أمن أوكرانيا إذا تم رفض قبولها في حلف الناتو بعد الحرب؟ .

ومن الغريب أن بولندا أعلنت مرارًا وتكرارًا طموحاتها تجاه أوكرانيا ن ففي كانون الثاني (يناير)، قال وزير الخارجية البولندي السابق رادوسلاف سيكورسكي، إن وارسو تدرس خيار ضم الجزء الغربي من أوكرانيا في بداية إنشاء الاتحاد الروسي الجديد، وأطلق المسؤولون في وارسو على هذه الكلمات بانها "دعاية روسية"، لكن الخبراء يعتقدون أن سيكورسكي قال ببساطة ما كانت السلطات البولندية تخطط له لفترة طويلة.

في الوقت نفسه، وفي منتصف مارس، وقعت الدبلوماسية البولندية في فضيحة أخرى، فقد اعترف سفير وارسو في باريس، أن على الجيش البولندي مواجهة القوات المسلحة الروسية في حالة هزيمة القوات المسلحة الأوكرانية، بعدها تم التنصل من تصريح الدبلوماسي، لكنهم فعلوه بشكل أخرق، ووفقًا للخبراء، في الواقع، حددت وارسو مرة أخرى خططها للأزمة الأوكرانية - وفي هذه القضية لا تتفق مع شركاء الناتو الآخرين الذين لا يريدون توسيع بولندا، وإذا توحدت أوكرانيا وبولندا مع ذلك، وهو أمر لا يشك فيه الخبراء عمليًا، فقد يصبح هذا نسخة مصغرة من الكومنولث، الذي كان موجودًا في الفترة 1569-1795، حيث تم توحيد مملكة بولندا ، ودوقية ليتوانيا الكبرى على أراضي بولندا وأوكرانيا وبيلاروسيا وليتوانيا الحديثة.

وتقد وارسو الآن المساعدة العسكرية للقوات المسلحة لأوكرانيا لسبب ما، ورداً على ذلك، بدأ البولنديون في الجري بقوة في أوكرانيا، والتخطيط لإمدادات الطاقة من محطات الطاقة النووية الأوكرانية، والعمل في مشاريع أخرى للطاقة والنقل، واستقبال قوة عاملة عملاقة في شكل ملايين اللاجئين، وقال سيرغي تسيكوف، عضو لجنة مجلس الاتحاد للشؤون الدولية الروسي ، "إن وارسو تستفيد من الصراع في أوكرانيا"، وإن هزيمة القوات المسلحة لأوكرانيا في ساحة المعركة مفيدة أيضًا لوارسو، وإن كان بدرجة أقل، ففي هذه الحالة، سترغب أوكرانيا الغربية نفسها في الانضمام إلى بولندا، تحسباً لمستوى المعيشة الأوروبي المفترض، صحيح، خلال العامين الأولين، سرعان ما سيصاب السكان المحليون بخيبة أمل من موقف البولنديين تجاههم، لكن هذا سؤال آخر "، لذلك، بغض النظر عن كيفية تطور الوضع في أوكرانيا، فإن بولندا تتلقى وستتلقى مزاياها على أي حال. قال تسيكوف "السؤال الوحيد هو حجمها ونطاقها".

ويشير المحللون السياسيون والمراقبون إلى أن دودا (الرئيس البولندي)، تحدث بالفعل بروح زيلينسكي وتحدث قبل عام عن غياب الحدود بين البلدين، وان فكرة إنشاء دولة بولندية أوكرانية واحدة لا تحظى بشعبية في المجتمع البولندي، لأنها تخشى وراثة المشاكل التي ظهرت أثناء إنشاء الكومنولث، وفي حالة وجود اتحاد كونفدرالي مع أوكرانيا، ستواجه بولندا تحديات صعبة إضافية، ووفقا للخبير البولوني ستانيسلاف ستريميدلوفسكي، فإن البولنديين، حتى بدون الاتحاد مع أوكرانيا، "يمتصون الموارد اللازمة منها"، بما في ذلك العمالة، ولكن الآن وارسو، أولاً وقبل كل شيء، تريد جني الأموال من استعادة البلاد، والمطالبة بالحصول على أموال حزمة من الغرب بقيمة 10٪ من إجمالي التكاليف والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات.

كما وتود بولندا مزيدًا من السيطرة على الحكم الذاتي المحلي، على أمل أن تواصل كييف الرسمية السيطرة على جزء من أراضي أوكرانيا، وإذا كان الغرب مهتمًا حقًا بترميمها، فإن الأموال ستخصص لبناء الطرق والإسكان وترميم الصناعة والطاقة، وإذا أتيحت الفرصة لبولندا للسيطرة على الحكومة ليس فقط على المستوى الوطني، ولكن أيضًا من خلال الحكم الذاتي المحلي، فستحصل وارسو على معظم العقود، ومع ذلك، فهناك شكوك في أن بولندا ستكون قادرة على استخدام "المنطقة الحرام" في حالة هزيمة القوات المسلحة لأوكرانيا، وأشار ستريميدلوفسكي إلى أن الجيش البولندي في بداية إعادة هيكلته، وليس لديه أسطول عمليًا، والقوة الجوية "في حالة يرثى لها"، لذلك، فقط في حالة وجود مبادرة من المناطق الغربية لأوكرانيا، "ستتولى بولندا المسؤولية عن هذه الأراضي".

وترتبط حكومتي أوكرانيا السوفيتية والبولندية، ارتباط قسريًا بميثاق وارسو لعام 1920 بين الرئيس البولندي جوزيف بيلسودسكي والأوكراني سيمون بيتليورا، والتي تم توقيع عليها خلال الحرب البولندية السوفيتية قبل وقت قصير من هجوم القوات البولندية على كييف، حيث رأى بيتليورا التحالف، باعتباره الفرصة الأخيرة لإنشاء أوكرانيا المستقلة ، ووعد بيتليورا البولنديون بمساعدة روسيا السوفيتية، و كل هذا تحول إلى بداية الحرب البولندية السوفيتية، هجوم القوات البولندية حتى كييف، وانتهى بتوقيع معاهدة ريغا في عام 1921 وتقسيم الأراضي، ولا يستبعد تكرار هذا الموقف .

إن ما يفعله زيلينسكي هو ، أقرب إلى أحداث القرن الماضي، عندما ضحى بيتليورا بأوكرانيا الغربية في محاولة للحفاظ على كييف لنفسه، لكنه في النهاية لم ينجح في ذلك، وأنه من وجهة نظر عسكرية، فإن أي تقارب بين أوكرانيا وبولندا يهدد بتقريب الناتو أكثر من حدود روسي، بالإضافة إلى ذلك، إذا أصبحت بولندا اتحادًا فدراليًا، فلن تكون أحادية العرق، ويجب أن تُمنح اللغة الأوكرانية مكانة لغة دولة ثانية، عندها ستحصل على موقف يظهر فيه المشروع البولندي الأوكراني مرة أخرى ، وكما فيودور لوكيانوف، رئيس تحرير مجلة روسيا في الشؤون العالمية، إلى أن تكوين العلاقات الدولية في الوقت الحالي يتغير كثيرًا، بحيث يصبح تحول التحالفات والحدود ممكنًا، وتم التأكيد على أن العمليات الحالية ستكتسب زخمًا، مما يجعل التفكير في أوجه التشابه التاريخية مع الكومنولث واتحاد لوبلين جادًا للغاية.

أن مسألة الاندماج ما هي الآن ، مولدوفا ورومانيا في الهواء لم تعد مثل دخان الشيشة، ولكن كواحد من السيناريوهات العملية، وبشكل عام، من الواضح أن التكامل الأوروبي، كما كان في النصف الثاني من القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، لن ينجو من الاضطرابات الحالية، و "بعد الحرب، سيصطف كل شيء بشكل مختلف إلى حد ما"، كمايقول لوكيانوف، وإذا بقيت أوكرانيا داخل حدود المناطق الغربية، فقد يتم تضمينها في الدولة البولندية، ومع ذلك، من المهم الإدلاء بملاحظة، لن يحدث هذا إلا إذا اعتبرت الولايات المتحدة أن مثل هذه النتيجة هي الأكثر فائدة.

ومما تقم ، فانه من حيث المبدأ، ستكون واشنطن راضية عن أي دمج للأراضي التي لا مالك لها في الكتلة الغربية، وووارسو وحدها لن تسحب استعادة أوكرانيا ودخولها إلى بولندا، ويؤكد وقال ألكسندر نوسوفيتش، رئيس تحرير بوابة RuBaltic.Ru، انه سيتعين علي اللجوء إلى العاصمة الغربية، والتي سيتم بالتأكيد تنسيقها مع الدول، وسيكون ظهور كونفدرالية جديدة بالقرب من الحدود الروسية تحديًا أكيدًا لموسكو .

أولاً، في هذه الحالة، ستكون الأراضي التي اعتاد تسميتها" بالمعادية لروسيا "، ستكون تحت الحماية المباشرة لحلف شمال الأطلسي، وهذا سيسمح، مع الإفلات النسبي من العقاب، بالمحافظة في أوكرانيا السابقة على كل الكثافة الأيديولوجية، التي أدت إلى الأحداث المأساوية وعمليات العمليات الخاصة التي تلتها، وبالتالي، فإن وارسو ستتلقى أداة ضغط جيدة على روسيا، وثانياً، سنحصل على دولة جديدة "سيثير" موضوع الخلافات الإقليمية معها، وستتحول بولندا بالتأكيد إلى الخطاب، الذي يجب أن تذهب إليه معظم المناطق الجديدة في روسيا، ويعتقد أنه سيتم إيلاء اهتمام خاص لمنطقة خيرسون، لأنه لا أحد يعارض زيادة الحدود البحرية، ومع ذلك، فإن هذا الوضع سيعطي روسيا أيضًا بعض المزايا التكتيكية في مجال الدبلوماسية، ففي كل مرة يتم اتهامها بعدم شرعية ضم ماريوبول أو ميليتوبول، وبالتالي ستكون روسيا قادرة على الإشارة بشكل معقول إلى الحدود الجديدة لبولندا، وأن وارسو ليس لها الحق الأخلاقي في الإدلاء بمثل هذه الملاحظات .

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

قيل الكثير عن عدم معرفة وإتقان غازي بالسياسة وأساليبها وفنونها وطيشه ونزقه بل وجنونه:

(ولنا أن نقول، إن الملك غازي قد غُلب على أمره وإستسلم لضغوط وقيود الحكومات، شاء أم أبى حتى النزع الأخير من حياته، لأنه لم يكن سياسياً مُحنكَاً، ولم تصقله التجارب أو تدركه الحيل في مواجهة أضداده من الساسة المخضرمين آنذاك) (1).

(درست تاريخ العرب والإسلام وآل عثمان، وتاريخ أوربا وملوكها، كنت أقرأ مثلاً أن ملكاً عظيماً خدم بلاده بكل ما أوتي به من حُبٍ وإخلاص حتى أوصل شعبه الى مراقي الفلاح، فإن مات وخلّف صبياً طائشاً نزقاً شبه مجنون، أنزل ولي عهده ذلك الشعب من قمة مجده الى حضيض الشقاء والتدهور، لأنه حلّ محل أبيه بالوراثة) (2). والصبي المقصود هو غازي.

والمصادر مملوءة بالمعلومات التي تشير لقلة فهم غازي وتطوره التعليمي البطيء لدرجة أن أباه فيصل قد أخذه الخوف على مستقبله ومستقبل البلاد عندما تكون بعهدته. أما المصادر البريطانية فقد أشارت بأن غازي قد أبدى قليلاً من التقدم عند دراسته في هارو بسبب قابلياته المحدودة وعدم إعداده بالمستوى المطلوب في صغره (3).

لكن هل كان غازي راغباً فعلاً في الدراسة في إنكلترا؟ وهل يرجع هذا التقدم القليل لخلل فيه؟ يقول د. لطفي جعفر فرج:

(والحق يُقال بأن عدم رغبة غازي بالدراسة في إنكلترة أو المكوث فيها لم يكن مرده الى نقص في الذكاء أو مجرد الحنين الى أهله وإنما هناك عامل آخر ألا وهو نقمته الشديدة على الإنكليز، حيث لم يستطع أن ينسى خذلانهم لجده الحسين بن علي وتخليهم عن وعودهم للعرب) (4).

هنا سنُمسك برأس الخيط في مقالنا الحالي، ونحاول أن نتأكد من هذا الزعم:

"لم يكن غازي سياسياً"، فهل فعلاً كان كذلك؟ لكن قبل ذلك لا بُد من المرور السريع على ولادة غازي ونشأته.

وُلِدَ غازي في مكة يوم 21 آذار 1912 (5). وهناك من يرى ميلاده في عام 1911 (6). وقد وصل لبغداد مع والدته وشقيقاته في 5 تشرين الأول 1924 (7). وتثقف على يدي إحدى المربيات الإنكليزيات، وسافر الى لندن ودرس في هارو ثم رجع الى العراق ودرس في الكلية العسكرية وتعلم ركوب الخيل بمهارة.

برأينا أن غازي لم يكن يفتقر الى الحنكة السياسية والمناورة مع البريطانيين والسياسيين العراقيين أيضاً، وسنُثبِتُ هذا من خلال شواهدَ تُفصِحُ عن هذه الحقيقة وبجلاء. لكن لا بُدّ من التأكيد الصارم على ما يلي:

عندما يريد الباحث الخوض في هذا الموضوع، لا بُد له من الإبتعاد عن مقارنة غازي بوالده، فنجم فيصل المُحَنّك سيُغطي ويحجب الضوء عن ولده غازي بكل تأكيد، إذ لا مجال للمقارنة بينهما من ناحية العُمر ـ تولّى غازي الحكم في 1933 وعمره 21 عاماً ـ والخبرة الميدانية. ثم إن الظروف التي جابهت غازي مختلفة جداً عن ظروف والده، فقد برز التوجه القومي والتدخل العشائري في السياسة، ثم تدخل العسكر وحدوث الإنقلاب العسكري الأول في العراق والمنطقة. وموقف الساسة العراقيين المُجَرّبين السلبي منه الى حد أن أصبح "سجيناً مُحتَرَمَاً"!

الشواهد:

أولاً: تصرف غازي أثناء نيابته عن والده بموجب الصلاحيات الدستورية المقترنة بنصائح والده، لكنه وقف موقفاً دستورياً صرفاً مُخالفاً لرغبات والده خلال أحداث الآثوريين، إذ كان موقفه مطابقاً لموقف الوزارة العراقية في تلك المشكلة (8).

ثانياً: تميزت الأيام الأول لعهد غازي بمجاراته للإنكليز، فقد أخذ يجتمع بالسفير البريطاني بصورة مستمرة ويؤكد له بأنه حريص على الأخذ بنصائحه وبأن العلاقة ستبقى كما كانت في أيام والده (9). وكُرهه للإنكليز معلوم جداً!

ثالثاً: وفي أشارة صريحة جداً على ما نجتهد في إثباته يقول د. فرج:

(إن عدم موافقة الملك غازي على إقتراح وزارة الكيلاني في حَلّ مجلس النواب فيها مؤشرات مبكرة توضّح شخصية غازي السياسية في السنة الأولى من توليه العرش، إذ لم يسمح للسلطة التنفيذية المتمثلة في الوزارة أن تطغى على صلاحياته الدستورية، كما خيّب آمال بعض الزعماء السياسيين الذين رأوا في حداثة سنه وقلة خبراته ما يجعله أداة بأيديهم. هذا بالإضافة الى أن رفضه شروط ياسين الهاشمي في تشكيل الوزارة وإختياره للمدفعي يدل أيضاً على أن الملك غازي حاول أن يكون فوق التكتلات الحزبية والرغبات الإنكليزية في هذا الشأن) (10).

رابعاً: أسند الملك غازي رئاسة الديوان الملكي لرشيد عالي الكيلاني، والأخير كما ترى بعض المصادر يحب دائماً أن يكون في الصف الأول. يقول د. عبد الله كاظم:

(وفي إعتقادي أن السبب الرئيس لتعيين الكيلاني، كان بهدف إيجاد موازنة يكون طرفيها نوري السعيد والكيلاني نفسه، لا سيما وأن الفكرة هذه قد تبلورت بشكل واضح لدى الملك غازي الذي رأى في الكيلاني نداً قوياً لنوري السعيد، وأن الإجراء قد تم بناءً على موافقته دون أن يُفرَض عليه ـ بحسب إعتقاده ـ، وبدت محاولة ناجحة للملك في مواجهة كبار السياسيين كما يرى خدوري. إذ لم يكن مرتاحاً من وزارة فُرِضَت عليه خلافاً لإرادته، خاصة وأن نوري السعيد بدأ العمل لإزاحة الملك عن الواجهة السياسية. والواقع أن تعيين الكيلاني مرة ثانية رئيساً للديوان الملكي، أثار لغطاً كبيراً، ولم يُقابَل بإرتياح البريطانيين ونوري السعيد) (11).

وهذه لعمري سياسة ما بعدها سياسة! رغم قول د. عبد "بحسب إعتقاده"، لكنها كانت محاولة ناجحة برأي خدوري.

خامساً: تمكّن رئيس الوزراء ياسين الهاشمي من شَلّ تصرفات الملك غازي وحوّله لمجرد رمز، خصوصاً بعد قضية هروب الأميرة عزة، هذه القضية التي إستغلها الساسة وجعلوها كقميص عثمان (12). لكن هل يعني هذا إستسلام الملك غازي؟ يقول د. فرج:

(إن خضوع الملك لضوابط ياسين لم تستمر طويلاً، ففي أوائل تموز 1936 ظهرت بوادر محاولاته لإستعادة سلطته، فقد أخذ الملك يُظهِر بعض المقاومة لخطط الحكومة المتعلقة بالإشراف على القصر، وبدأ يحاول إرجاع بعض الأشخاص الذين أُبعدوا عنه، بحيث شعر ياسين بأنها علامات خطيرة لإستعادة الملك لسلطته) (13). ولم تقف محاولات غازي عند هذا الحد، بل فَكّر في الإعتماد على الجيش من أجل التخلّص من وزارة ياسين الهاشمي وتهيئة أفكار الضباط لهذه المسألة (14).

سادساً: وفي خطوة تدل على التحدي والشجاعة في مواجهة ممثل عتيد للطبقة السياسية آنذاك، ترك غازي نوري السعيد الذي عاد الى العراق في 22 تشرين الأول 1938 وجاء لمقابلة الملك، تركه ينتظر طويلاً قبل أن يسمح له بمقابلة قصيرة لم يتحدث غازي خلالها إلا عن الأحوال الجوية! وهذا ما أزعج السعيد الذي أخذ يذم الملك (15).

سابعاً: إهتم الملك غازي إهتماماً خاصاً برجال الدين، فقد إستقبل في أثناء زيارته للنجف كُلاً من: أبو الحسن الأصفهاني، محمد حسين كاشف الغطاء، عبد الكريم الجزائري، جواد الجواهري. وحظي بالمثول بين يديه في بغداد روبين ميانسيان مطران الأرمن وإستقبل يوسف عمانوئيل بطريرك الكلدان (16). بماذا يُعَلّل د. عبد هذا الإهتمام من جانب غازي؟ يقول:

(وربما أراد الملك من ذلك كسب ود علماء الدين، والتأثير بواسطتهم للحصول على تأييد الرأي العام في صراعه الخفي مع البريطانيين وبعض الساسة الموالين لهم) (17).

وقد إهتم البلاط الملكي أيام ثورات العشائر في وزارة ياسين الهاشمي إهتماماً خاصاً ينم عن ذكاء ومرونة في صراعه مع الوزارة، يقول د. عبد:

(ومن المهم أن نشير إلا أن البلاط الملكي كان قد تعامل مع هذه الأحداث السياسية بأسلوب دبلوماسي مرن حاول فيه تفادي إراقة دماء أبناء الشعب ودفع شبح الخراب عن البلاد، فأصاب جهده مرة وجانب النجاح في الأخرى) (18). وقد حاول البلاط الملكي أن يتحول لمركز إستقطاب للشخصيات السياسية ونقطة إلتقاء الأطراف المتصارعة بعد إسقاط وزارة الهاشمي، مع ميل واضح الى إستغلال الأوضاع الى جانبه (19).

ثامناً: إنضمت اليمن "لمعاهدة الأخوة والتحالف" بين العراق والسعودية في 23 حزيران 1937 وقد عرف الملك غازي ـ يقول د. فرج ـ كيف يستغل مخاوف الإنكليز بإتجاه كسب تأييدهم لإنضمام اليمن الى هذه المعاهدة، فقد أخذ يُحذر الإنكليز من مشاريع الإيطاليين الطموحة مع اليمن، وأنهم سيحصلون على منافع كثيرة هناك (20). وقد حرص غازي في قضية سوريا على أن لا يُظهر من جانبه ما يمكن إعتباره مقاومة للمساعي السعودية تجاه سوريا بقدر ما يُظهر بأن السوريين أنفسهم يُنادون بالإنضمام الى العراق بزعامة غازي، فقد تجنب الأخير الإصطدام بالملك عبد العزيز حفاظاً على علاقاته الجيدة معه، وركز على كسب السوريين بتشجيعهم على الوحدة الوطنية والكفاح من أجل الإستقلال (21).

نتيجة المقال:

إتضح الآن بعد هذه النماذج أن القول بأن "غازي لم يكن سياسياً مُحَنّكَاً" يجب أن يوضَع بين مزدوجين، ويتم التحفظ عليه، فمن ذهب إليه فسيكون طريقه:

من خلال مقارنة غازي بأبيه، وهذا خطأ كبير كما أثبتنا في أعلاه. ومن خلال التغاضي عن سياق المرحلة شديدة الحراجة، فالظروف التي واجهها غازي مختلفة عن ظروف فيصل، هذا إذا علمنا بأن الطبقة السياسية المحيطة بغازي تتحمل جزءاً كبيراً من هذا الخراب الذي حَلّ بالمملكة، يقول د. الزبيدي في نص بالغ الأهمية:

(وهكذا يتبين لنا من سير الأحداث أن المسؤولية تقع على عاتق: رشيد عالي الكيلاني ونوري السعيد وياسين الهاشمي وجعفر العسكري وناجي شوكت بصورة مباشرة. فلو تعاون هؤلاء الساسة مع الملك غازي ووضعوا خبرتهم وتجاربهم في خدمة البلاد بعيداً كل البعد عن الأطماع والشهوات والمصالح الذاتية الضيقة لما حَلّ بالبلاد ما حل ولما وصلت الى ما وصلت إليه. ومع كل هذا فقد أسقطوا كل المشاكل التي خلقوها على الملك غازي متذرعين ب"جهله" تارة و"بقلة تجربته في الحياة" تارة أخرى أو بصغر سنه "زعطوط" وعدم نضجه. الى غير ذلك من الصفات التي كانوا يصفون بها الملك) (22).

ومن الأهمية الإستشهاد بما أثبته باحث آخر يُعَزّز ما ذهبنا إليه:

(لكننا لا يمكن أن نركن الى أن الملك الشاب يعاني من الضعف الذي تصوروه، بعد إن إستقطب إعجاب شعبه بكل فئاته حينما عبّر بشجاعة عن إنتمائه لشعبه وأمته في مواجهة 1933 التي وقف الإنكليز بقوتهم العسكرية ودهائهم السياسي في الطرف المضاد. لذلك لا نفترض مجرد إفتراض بأنه أفلح في تحشيد ما يمكن تحشيده لمواجهة خصومه وبالأسلوب ذاته الذي إنتهجه الخصوم، المناورة السياسية والدهاء والسرية التي تقتضيها الحالة. وحتى حينما فاجأوه بفضيحة شقيقته التي إستدرجها خادم إيطالي لقصة عشق لا تخلو من فعل مقصود

لخصومه بقصد تصعيد الحرب التي شُنت عليه، عسى أن تنال منه. لكن موقفه الحكيم فوّت على خصومه ما نصبوه له من شرك قاتل رغم الإجراءات أن التي إتخذوها لتحجيم دور الملك تجاوزوا فيها كل المقاييس) (23).

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

..................

الحواشي:

1ـ عبد الله كاظم عبد: تطور البلاط الملكي العراقي 1933 ـ 1939، مكتبة الرائد العلمية عمّان الأردن ط1 2007 ص332

2ـ ناجي شوكت "رئيس الوزراء الأسبق": سيرة وذكريات ثمانين عاماً 1894 ـ 1974، دار الكتب بيروت لبنان ط2 1975 ص104 حديث للمؤلف مع الملك فيصل

3ـ رجاء حسين حسني الخطاب: المسؤولية التاريخية في مقتل الملك غازي، منشورات مكتبة دار آفاق عربية بغداد ط1 1985 ص9 وكذلك:

محمد حسين الزبيدي: الملك غازي ومرافقوه، دار الحرية بغداد 1989 ص21

4ـ لطفي جعفر فرج: الملك غازي ودوره في سياسة العراق في المجالين الداخلي والخارجي 1933 ـ 1939، منشورات مكتبة اليقظة العربية بغداد 1987 ص33

5ـ المصدر السابق ص17 وكذلك/ الزبيدي: المصدر السابق ص7

6ـ الخطاب: المصدر السابق ص9

7ـ لطفي جعفر: المصدر السابق ص20 أما د. الخطاب فتجعل تاريخ الوصول في 1923 ص9

8ـ لطفي جعفر: المصدر السابق ص45

9ـ المصدر السابق ص66

10ـ المصدر السابق ص69

11ـ عبد الله كاظم: المصدر السابق ص50 و 51

12ـ الزبيدي: المصدر السابق ص132

13ـ لطفي جعفر: المصدر السابق ص112

14ـ المصدر السابق ص123 و 131 وقد ذكر د. القيسي دليلاً حَيّاً على ضلوع غازي بالإنقلاب، يقول: (أخبرني محمود صبحي الدفتري في مقابلة معه بتاريخ 11 آذار 1973 أن ناجي الأصيل تعيّن مديراً للتشريفات في البلاط الملكي قبل الإنقلاب بعدة أشهر، وهو الذي جَسّ نبض غازي ووجده مستعداً لتأييد الإنقلاب أو أية حركة تُطيح بالوزارة، فقام بنقل رغبة الملك الى حكمت وغير حكمت. كما أيّد ناجي شوكت في مقابلة معه بتاريخ 16 تشرين الأول 1972 أن الملك كان عالماً بالإنقلاب وقال بالحرف الواحد: إن الملك كان يعلم بالإنقلاب 100%) يُراجَع:

سامي عبد الحافظ القيسي: ياسين الهاشمي وأثره في تاريخ العراق المعاصر 1922 ـ 1936، منشورات دجلة المملكة الأردنية الهاشمية 2013 ص523

15ـ لطفي جعفر: المصدر السابق ص177 و 178

16ـ عبد الله كاظم: المصدر السابق ص261

17ـ المصدر السابق ص262

18ـ المصدر السابق ص271

19ـ المصدر السابق ص277

20ـ لطفي جعفر: المصدر السابق ص198 و 199

21ـ المصدر السابق ص202

22ـ الزبيدي: المصدر السابق ص132

23ـ حسام الساموك: الملك غازي ودوره في إنقلاب بكر صدقي عام 1936 وقضية هروب الأميرة عزة أخت الملك غازي وزواجها من خادم يوناني وأثرها على الإنقلاب، الدار العربية للموسوعات بيروت ط1 2005 ص61 و 62

المظاهرات في (إسرائيل) المتواصلة للأسبوع العاشر ضد التعديلات القضائية الذي تسعى حكومة نتنياهو لتمريرها تُشغل وسائل الإعلام العالمية واهتمام عديد الدول، مع صمت رسمي فلسطيني وحالة من اللامبالاة تجاه ما يجري في إسرائيل بل وصل الأمر بالبعض للمراهنة على حرب أهلية داخل دولة الكيان، وحتى بالنسبة لفلسطينيي الداخل لا يوجد موقف موحد وتسود حالة ارتباك وتردد ما بين المشاركة في الاحتجاجات أو عدمها مبررين الاستنكاف عن المشاركة أنهم لا يلمسون اهتماما من المتظاهرين اليهود بحال الفلسطينيين في الداخل وأن الصراع هو بين قوى يهودية صهيونية. في نفس الوقت يُلاحظ حالة غياب لأي نقاش أو حراك سياسي فلسطيني يتعلق بالشأن العام الفلسطيني سواء فيما يتعلق بالمصالحة والوحدة الوطنية أو باستراتيجية لمواجهة تداعيات التحولات في الكيان الصهيوني.

هذا الغياب لا يتعلق بالأحزاب فقط بل حتى غالبية المثقفين والكُتاب انشغلوا بما يجري في الكيان الصهيوني أكثر من انشغالهم بما يجري في النظام السياسي الفلسطيني من حالة انهيار وتفكُك بل استطاع العنصري المتطرف وزير المالية الصهيوني سموترتش بتصريحاته المتطرفة جر الجميع لجدل عقيم حول الصراع الديني في وعلى فلسطين وخزعبلات الرواية الدينية اليهودية والحديث عن دولة إسرائيل من النيل للفرات الخ، في تجاهل أن الرواية الدينية اليهودية المزعومة والتوراة المحرفة ليسا من أسَّسَ دولة إسرائيل وليسا مصدر قوتها راهنا، بل إن قوتها مستمدة من ذاتها كدولة متفوقة عسكريا وتكنولوجيا و صناعيا وعلميا وقادرة على كسب الحلفاء من حولها بما في ذلك أنظمة عربية، كما أن هذا اليمين العنصري الفاشي نمى وترعرع في ظل حكومات صهيونية علمانية وديمقراطية.

قد يقول قائل إن ما يجري شأن إسرائيلي داخلي وصراع على السلطة وهوية وطبيعة النظام بين قوى صهيونية ومن الحكمة عدم التدخل فيه سواء من خلال مشاركة فلسطينيي الداخل بالمظاهرات أو من خلال تصريحات ومواقف من السلطة والأحزاب الفلسطينية لدعم فريق على حساب فريق آخر، وهذا كلام صحيح ولكن المطلوب خلق جدل داخلي ووضع استراتيجيات عمل لمواجهة قادم الأيام لأن الواقع يقول بأن الفلسطينيين سيتأثرون سلبا من التعديلات في النظام القضائي و سيكونون ضحية لما ستؤول إليه الأمور، سواء باستمرار حكومة نتنياهو ونجاحها في تمرير التعديلات القضائية أو بتأجيلها أو التراجع عنها، أو في حالة انهيار حكومة نتنياهو واللجوء الى انتخابات مبكرة.

إن كنا نتمنى انزلاق الأمور لحرب أهلية ونهاية الدولة العبرية كما تنبأ بعض اليهود مستشهدين بأساطير (دولة اليهود) التي لم تعمر تاريخيا أكثر من ثمان عقود، إلا أن السياسة لا تحكمها التمنيات بل الوقائع على الأرض، والواقع يقول بأن المظاهرات وردود الفعل الدولية وخصوصا الأمريكية الغاضبة أتت أكلها وهناك مؤشرات على تراجع نتنياهو عن تعنته مثل تراجعه عن إقالة وزير الحرب غالانت وتأجيل التصويت على التعديلات في الكنيست كما أن حزب الليكود نفسه يشهد حالة تمرد وعدم رضا عما يجري، وفي اعتقادنا أن الأمور لن تصل لحد الحرب الأهلية في إسرائيل ، خصوصا أن نتنياهو حصن نفسه من أي متابعات بتهم الفساد بعد تمرير تشريعات في الكنيست تؤمن له ذلك.

نعم، على الفلسطينيين التخوف مما يجري في دولة الكيان وعلى الأحزاب والسلطتين الخروج من موقع المتفرج، صحيح أن شرخا كبيرا أصاب المجتمع الصهيوني وهناك نفور وحالة صراع داخلي غير مسبوق بين المتدينين والعلمانيين حول نظام الدولة وهويتها الدينية، ولكن في نفس الوقت هناك شبه إجماع فيما يتعلق بإنكار الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني وحقه في دولة مستقلة، وأي مصالحات أو توافقات إسرائيلية داخلية سيدفع ثمنها الشعب الفلسطيني.

بعض النظر عما ستؤول إليه الأمور في دولة الكيان مطلوب من الفلسطينيين وخصوصا الطبقة السياسية تجاوز مواقفها وسياساتها البئيسة الحالية المتمثلة بخطابات الاستنكار والإدانة ومناشدة العالم بالتدخل أيضا تجاوز مهزلة التهديد بالرد بالصواريخ من قطاع غزة ومهزلة الارباك الليلي، تجاوز كل هذه السياسات والمواقف التي أصبحت تثير سخرية العالم واحتقار السعب إلى موقف وطني موحد في مستوى المخاطر والتهديدات الوجودية، موقف واستراتيجية عمل تنطلق من الإحساس بالمسؤولية الوطنية وأن ما تتعرض له القضية اليوم لا يقل عن نكبة 1948 وهزيمة 1967.

تتجلى المخاطر التهديدات القادمة للشعب والقضية في الأمور التالية:

1- بالرغم من كثرة عدد المتظاهرين وتعدد انتمائهم إلا أن حكومة نتنياهو تمثل الأغلبية وهي أغلبية دينية عنصرية فاشية.

2- قد يلجأ نتنياهو وتحالفه المتطرف للتهرب من الأزمة الداخلية وللتغطية على تراجعه في تمرير التعديلات القضائية لتفجير الأوضاع في الضفة والقدس بإجراءات متهورة غير مسبوقة قد تحدث خلال شهر رمضان أو قبل الدورة التشريعية القادمة، وما جرى يوم الأربعاء في المسجد الأقصى مجرد بروفة لما هو أكثر خطورة.

3- بالرغم من أن المحكمة العليا جزء من المنظومة الصهيونية إلا أنها كانت تحد بعض الشيء من تغول المستوطنين على الأراضي الفلسطينية.

4- نجاح خطة إصلاح القضاء سيعزز موقف حكومة نتنياهو ومخططات بن غقير وسموترتش بالسيطرة على كل أراضي الضفة.

5- تمرير الإصلاح القضائي ونجاح التحالف الحكومي في فرض إرادته سيضع

حدا لكل المراهنات على التسوية السياسية العادلة وحل الدولتين.

6- التخوف الأكبر أن يتم تسوية الخلافات من خلال حلول وسط تعزز هيمنة اليمين المتطرف مع الحفاظ على استقلالية مؤسسة القضاء وفي هذه الحالة ستخرج دولة الكيان الصهيوني أكثر قوة.

7- تشكيل ما يسمى "الحرس الوطني" تحت قيادة المتطرف بن غفير يعني توحيد وشرعنة الجماعات الإرهابية الصهيونية وإضفاء طابع رسمي عليها وستكون مهمة هذه القوات قمع فلسطينيي الخط الأخضر وحماية قطعان المستوطنين في الضفة الغربية.

8- تؤكد هزالة ردود الفعل العربية والإسلامية والدولية على ما تقوم به حكومة نتنياهو في القدس والضفة أن الصراع بات محصورا بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولن يكون العالم الخارجي أكثر فلسطينية وحرصا على الفلسطينيين من الفلسطينيين أنفسهم.

وأخيرا، وإن كان سؤال أين الفلسطينيون؟ موجه للكل الفلسطيني إلى أن الرد مطلوب من منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب وللقيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس أبو مازن، فهل لدى هذه القيادة أية رؤية أو استراتيجية للتعامل مع ما يجري من تحولات في المجتمع الصهيوني وفي المحيط العربي والدولي؟ أم أنها ستستمر في نفس سياسة المراهنة على حل الدولتين وعلى الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية؟

***

د. ابراهيم أبراش

أكتب في الذكرى العشرين لغزو العِراق واحتلاله. سيُفهم المقال اتهاماً للوزير سلطان هاشم (ت: 2020)، ضمن التَّلفيق الذي طال الوزير مؤيد الدِّين بن العلقميّ (ت: 656هـ)، وطرف سيفهمه تقليلاً مِن العلقميّ، ذلك وفق الأهواء المذهبية. لكنني أكتب حافظاً للاثنين محاولتهما لإنقاذ بغداد، وإخلاصهما لها، ولستُ معنياً بما سيُقال.

أعبر عن قناعتي أنّ للوزيرين العِراقيين تجاربَ في الحروب، وإخلاصاً قل نظيره. فالعلقميّ صد غزو جد هولاكو جنكيزخان (ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة)، وهاشم ابن المؤسسة الوطنيَّة المخلص لبلاده في حرب الثماني سنوات وما بعدها. ليس مِن شأني إقناع الآخرين، وقد فصلتُ براءة الوزير العباسيّ في أكثر مِن كتابٍ ومقال: «لا إسلام بلا مذاهب وطروس أُخر»، و«ضد الطَّائفية»، وفي «الشّرق الأوسط»: «أيُّ مفاتيح سلمها ابن العلقمي» (4-4-2007). أما ردود الطَّائفيين المتحزبين فليست لها اعتبار.

ترك هاشم وصيةً بخط يده، تلاها محاميه سليمان الجبوري، مؤرخة في يوليو 2007، أرسلها لشقيقه عبدالله هاشم، عرض أمر تردي أوضاع الجيش، طالباً زيادة الرَّواتب، وتحسين الإمكانية القتالية، بعد الانهيار(1991). قال: «وصل الحال أنَّ الجنود يستجدون في أبواب الجوامع والمساجد». لكنَّ «الدَّوائر المعنية في القضايا المالية، في مجلس الوزراء، كانوا دائماً يضعون أمام القيادة: إنَ الوضعَ المالي للبلد لا يُساعد». حاول سد ما يحتاج من تجهيزات ومعدات، لكنه فشل.

رُفضت، قُبيل (2003) خطته لحماية بغداد، ولما اُحتلتْ «أم قصر»، وافق القائد العام عليها، ثم سرعان ما ألغيت. تحدث عن توزيع العراق إلى أربع مناطق يقودها مدنيون، لا يعلم وزير الدِّفاع ما سيفعله هؤلاء، وليس له علم بالحرس الجمهوري، ولا الخاص.

غلب على صدام حسين (أُعدم: 2006) الاعتقاد أنّ الأميركان لا يدخولون بغداد، أما الوزير فقال: «إذا لم تُعالج الأمور سيصل الأميركان خلال أيام». كتب: «هذا التقدير الخاطئ، وهذه القناعة، التي أجهل مِن أين أتت، وكيف تم التّوصل إليها، كانت هي سبب الكارثة»، بأنّ الأميركان لا يدخلون بغداد!

بالمقابل كان المستعصم بالله (قُتل: 656هـ) لا يسمعِ مشورة وزيره، فظل مطمئناً أنَّ هولاكو لا يدخل بغداد، لأنّ «بناء هذا البيت مُحكم للغاية، وسيبقى إلى يوم القيامة» (الهمدانيّ، تاريخ هولاكوخان).

أشار الوزير لدفع هولاكو: «ينبغي دفعه ببذل المال، لأن الخزائن والدَّفائن تجمع لوقاية عزِّة العرض» (المصدر نفسه، والحوادث الجامعة)، بإرسال وفد مع هدية نفيسة، اعتذاراً لما حصل لوفد هولاكو مِن إهانة على حدود بغداد. وافق الخلفية، لكنَّ الحواشي أشاروا بغير ذلك، وهم أجداد الذين حالوا دون تطبيق خطة الوزير هاشم.

عاد العلقميّ طالباً أموالاً لإعادة بناء الجيش المتضعضع، جاء في الرّواية بما يتطابق ومعاناة هاشم، مع القادة المدنيين وأحوال ضباطه وجنوده: فـ «كان الخليفة قد أهمل حال الجند، ومنعهم أرزاقهم، وأسقط أكثرهم من دساتير ديوان العرض، فآلت أحوالهم سؤال النَّاس، وبذل وجوههم في الطَّلب في الأسواق والجوامع» (الحوادث الجامعة).

إذا كانت قناعة المستعصم أنَّ الخلافة لا تسقط، فمات هاشم وهو لا يدري أيّ مُنجمِ أدخل في رأس صدام أنَّ بغداد لا تسقط؟! فسقطت الخرافة واجتيحت بغداد في أربعاء مِن صفر (1258م)، وأربعاء مِن صفر 2003.

كان هاشم حريصاً نزيهاً بما نراه نادراً، فأوصى بتسليم 13 ألف دولار، الباقية لديه مِن وزارته، والخمسة ملايين دينار إلى الفريق عبود كمبر، هدية مِن الرَّئاسة، وأخرى لشخص اسمه راضي. لكنَّ واقعة (1258م) تكررت بعد سبعة قرون (2003)، وكأن مجد الدِّين النَّشابيّ (ت: 657هـ)، لم يبرح المكان، محذراً مما سيقع: «يا ضيعةَ المُلكِ والدِّينِ الحنيفِ وما/ تَلقاه مِن حادثاتِ الدَّهرِ بَغْدادُ»(الحوادث الجامعة).

***

د. رشيد الخيّون - كاتب عراقي

5 ابريل 2023

تمر بعد ايام في التاسع من نيسان الذكرى العشرين للاحتلال الامريكي لبغداد بعد الغزو الوحشي الذي دمر العراق كدولة كان يعتد بها عسكريا في الشرق الاوسط بالرغم من الحكم الدكتاتوري الفاشي القائم انذاك ولاينبغي ان ننسى بان تلك الحرب المدمرة كانت حربا عدوانية وقامت على اسس كاذبة ومفبركة في مقدمتها مزاعم امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل وهذا ما اكده سكوت ريتر منذ سنين واعترف به زلماي خليل زاده في مذكراته المنشورة مؤخرا حيث اكد ان قرار الحرب العراق كان قد اتخذ منذ سنوات بانتظار الحجة المناسبة لتحقيقه. لقد نصب الامريكان بعد الاحتلال المدمر عناصر امريكية ذات ماضي اجرامي في امريكا اللاتينية وطبقوا الكثير من اساليبهم القذرة المجربة من التخريب والتعذيب والفساد واغتيال المئات من الكفائات المدنية والعسكرية وماحصل في سجن ابو غريب من الجرائم وامتهان كرامة الانسان العراقي لاينبغي تناسيه ولن تسقط تلك الجرائم بالتقادم ولابد ان ياتي يوم يدار العراق بحكومة وطنية تطالب بمحاكمة الامريكان والبريطانيين وقوات التحالف على جرائمهم ومسئوليتهم عن استشهاد مئات الالاف من ابناء شعبنا وليس هذا فحسب بل ومطالبة تلك القوات الغاشمة باعادة بناء العراق الذي دمروا مؤسساته وبناه التحتية وصناعاته ليس في الحرب فحسب بل ايضا في الحصار الجائر الذي سبق الحرب وفي تنصيب مجموعة فاسدة وفاشلة استمرت في تدمير العراق طيلة العشرين سنة الماضية .

جاءت الحرب على اساس كاذب بادعاء امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل وعندما عجزوا في ايجاد اي دليل على ذلك تحول المبرر الى مهمة نشر "الديمقراطية" وها نحن نتمتع بنتائج تلك الديمقراطية المزعومة المتمثلة في قمع وحشي للاحتجاجات وسرقة مهولة لمليارات الدولارات وتزوير الانتخابات ونشر الفساد الذي ينخر كافة الوزارات والمؤسسات والفشل الكامل في توفير الخدمات الصحية وايصال التعليم الى الحضيض والفشل في توفير الكهرباء والمضحك المبكي وباعتراف احدهم انهم عجزوا حتى عن انشاء مجاري في المنطقة الغبراء التي عزلوا انفسهم فيها عن الشعب واستولوا على قصور ومباني تعود ملكيتها للشعب العراقي الذي لا يرى حكامه الا وهم محاطين بحمايات مدججة بالسلاح ولايمكن الخلاص من هذه العصابات الحاكمة الا بانتفاضة شعبية قادمة مستفيدة من انتفاضة تشرين 2019 التي لازالت تشكل كابوسا مرعبا للقتلة والفاسدين الحاكمين بالكذب والتزوير .

لقد تمكن الثلاثي الامريكي القذر المتمثل في بترايوس ونيكروبونتي وجيمس ستيل بالقيام بنفس جرائم القتل والاغتيال التي سبق وان طبقت في العديد من دول امريكا اللاتينية وقاموا باثارة النعرات الطائفية وكان لايمر يوم في بغداد الا وتكتشف العديد من الجثث وتتعرض المدينة اسبوعيا لعشرات التفجيرات الارهابية والاغتيالات فى محاولات اشعال حرب اهلية ومن العناصر التي اعتمدوها المجرم الشرطي الامريكي بيرنارد كيرك الذي كان الامر الناهي في المجال الامني والعديد من المجرمين الأخرين ولا ننسى المجرمين الرئيسين كجرج بوش الابن وتوني بلير وكوندليزا رايس ورمسفيلد وشيني وولفيتس وبيرل ولو كانت هناك عدالة دولية لكانوا جميعا امام محكمة دولية تضعهم في السجن كمجرمي حرب كما اسخدموا ايضا جنود مرتزقة من شركة بلاك وتر وامثالها تحت واجهات "شركات امنية".

ان التقليعه الجديدة لبعض مراكز الدراسات الامريكية هي انهم ارتكبوا خطأ ستراتجيا في شن الحرب واحتلال العراق وفشلوا لسوء تقديرهم ولم يتمكنوا من تحقيق اية ديمقراطية في العراق الا ان الواقع هوعكس ذلك لان الذي تحقق من ماساة متواصلة لمدة عشرين عاما يعاني الشعب العراقي فيها الامرين هي ستراتيجيتهم الحقيقية عبر ما سموه بالفوضى الخلاقة التي كانت فوضى مدرة للعراق والشرق الاوسط وهي التي لعبت اسرائيل والصهاينة الامريكان دورا اساسيا في تخطيطها وتنفيذها وخاصة عبر تدمير وحل الجيش العراقي الذي كان قوة يحسب لها الحساب في المنطقة اما الهدف الآخر فهو السيطرة والتحكم بقطاع النفط وفي واقع الحال فان امريكا نجحت عبر حربها الاجرامية المخالفة لكل القوانين الدولين في تحقيق اهدافها بالهيمنة والسيطرة على مقدرات العراق وحكوماته المتوالية التي تخدم المصالح الاقليمية والدولية وبعيدة كل البعد عن تحقيق مصالح ومطامح الشعب العراقي .

ان الحروب الاستعمارية هي وسيلة فعالة في تحقيق الارباح الخيالية للدول الاستعمارية وخاصة شركات السلاح والمئوسسات المالية واحدى وسائلها في معالجة ازماتها الاقتصادية في حين تعاني مجتمعاتها من الغلاء الفاحش ومشاكل حقيقية في كافة القطاعات اي ان الدول الرأسمالية تحاول حل مشاكلها على حساب المستعمرات السابقة حتى وان كان ذلك عبر شن حروب وحشية غير عادلة وتنصيب مجاميع طفيلية تخدم المصالح الاستعمارية كما يجري حاليا في العراق حيث قام الامريكان بتجميع العصابات الارهابية في العراق منذ الزرقاوي حي البغدادي ومحاربتهم بدماء وتضحيات شعبنا العراقي ونجح الامريكان في تفتيت بنية المجتمع العراقي وتفريقه مذهبيا وعرقيا وتثبيت اسس المحاصصة البغيضة وهناك معاناة ماساوية اخرى وهي التلوث الاشعاعي لمئات المواقع والذي يسبب ارتفاع هائل في الاصابات السرطانية ووولادات بتشوهات خلقية ويلوث التربية والهواء لمئات السنين القادمة .

ان اوضاع المجتمع العراقي وخاصة الشبيبة منهم يتعرضون لافات اجتماعية خطرة تاتي في مقدمتها آفة انتشار المخدرات كما ان مئات الالاف منهم يعانون من البطالة والفقر ولاتتوفر اية ثقة باجهزة السلطة الحاكمة سواء التشريعية او التنفيذية اوالقضائية وكل ذلك هو من النتائج المباشر لتلك الحرب العدوانية الاجرامية بالرغم من انه كان بامكان الامريكان تجنب كل ذلك واستخدام اساليب اخرى للخلاص من صدام دون تدمير العراق ولكن ذلك لم يكن ليخدم نواياهم الحقيقية التي تستهدف تنفيذ مخططات صهيونية وهلوسات دينية .

ان الطبقة الفاسدة الحاكمة قد تجاوزت في فسادها وفشلها كل المقاييس ولا يمكن الخلاص منها الا عبر انتفاضة جماهيرية عارمة تحقق امال وتطلعات شعبنا العراقي التي طرحها بشعارات معبرة في انتفاضة تشرين 2019 الباسلة وخير شعار فيها هو "نريد وطن" وقدم من اجل ذلك اكثر من 800 شهيد والاف المعوقين ولم تقم الحكومات المتعاقبة بتقديم اي من المجرمين للمحاكمة بل بالعكس يحاولون مستميتين ارجاع عقارب الساعة للوراء من خلال العودة الى طريقة سانت ليغو لمصادرة ارادة الناخبين واصدار قانون جديد للانتخابات هو القانون المستخدم في الانتخابات قبل الاخيرة وكذلك تفصيل مفوضية انتخابات غير مستقلة وعاسس المحاصصة والطائفية .

ان امال الشعب معقودة على انهيار هذا النظام الكريه والذي لن يتم الا على ايدي السواعد العراقية الباسلة والقرار هو لشعبنا العراقي اولا واخيرا .

***

د. محمد الموسوي

ابريل 2023

 

ان المتابع للأوضاع بعد الحرب الروسية الأوكرانية سيجد ان الاخطار اخذت منعطفات سريعة نحو تحديات يصعب المرور بها مر الكرام وعندما يوجه سيرجي لافروف تحذيرا بقوله أن روسيا قد تتعامل مع الاتحاد الأوروبي بقسوة إذا لزم الأمر، فإنه يعيد قراءة حقيقة من حقائق التاريخ على مسامع العالم،وبعد ان اعتبرت رسمياً فنلندا العضو الحادي والثلاثين في حلف الناتو، اكبر واقوي واقدم تحالف عسكري دولي في التاريخ، سوف يلقي انضمامها الي الناتو بأعباء دفاعية ثقيلة ومكلفة على روسيا نظرا لطول الحدود المشتركة بينهما، وذلك من اعادة نشر اسلحة وقوات وتعديل خطط واستراتيجيات دفاعية أصبحت تقتضيها هذه المتغيرات مع انضمام فنلندا للناتو سوف يتزايد الاحتمال بأن ينصب الحلف بعض قواعد أسلحته النووية داخل الأراضي الفنلندية بالقرب من الحدود الروسية لتعزيز قدراته علي الهجوم والردع وبصورة لم يسبق لها مثيل بعد ان تخلت فنلندا عن حيادها وأصبحت حلقة مهمة من حلقات استراتيجية الناتو الدفاعية في أوروبا، وكان ما تخوفت منه روسيا في أوكرانيا وذهبت الى الحرب عليها بسببه، وكان ما يزال مجرد احتمال لا أكثر، أصبح واقعا مؤكدا في فنلندا، بدرجة أشد تهديدا لامنها القومي من أوكرانيا.. ولان ما فعلته في اوكرانيا لن تستطيع ان تفعله في فنلندا بعد انضمامها للناتو لمخاطره وتبعاته الانتحارية الهائلة، وقريبا سوف تلحق بها السويد لتكتمل حلقات الحصار الغربي المضروب حولها وتصبح حينئذ في موقف امني واستراتيجي اسوأ بكثير مما كانت فيه قبل حربها في أوكرانيا...وهو ما لم تحسب حسابا له لتوقعها أن حربها في اوكرانيا سوف تكون حربا خاطفة لن تطول ولن يكلفها الكثير، وأنها قادرة بإمكانياتها العسكرية المتفوقة على حسمها لصالحها ولتضع الناتو والجميع بعدها امام الامر الواقع الجديد كما سبق لها وان فعلت في شبه جزيرة القرم التي انتزعتها من أوكرانيا عنوة بعملية عسكرية خاطفة.. لكن كل هذه التوقعات المبدئية التي بنت عليها تقديراتها وقراراتها، خابت تماما ولا يتغير سيناريو الحرب الاوكرانية برمته في اتجاه آخر، أما بماذا خرجت روسيا من حربها في اَوكرانيا التي كلفتها كل هذه الاعباء الرهيبة َ، وزادت من همومها الامنية بدرجة لم تتوقعها في بداية هذه الحرب والا لما بادرت اليها من الاساس، فهذا هو السؤال الذي يجب ان تطرحه القيادة الروسية على نفسها لتعرف السبب في كل ما جرى وانتهى بها الي ما هي فيه الآن من تورط في حرب استنزاف طويلة ودامية لم تعد تعرف مخرجا لها منها، بعد ان اصبحت تقف في مواجهة اكبر قوة عسكرية ضاربة في العالم، القوة التي تحاصرها وتضغط عليها من كل اتجاه. وتضعها بين المطرقة والسندان.. كما ان عليها ان تسأل نفسها ما إذا كانت دائرة الخيارات التي يمكنها أن تتصرف بها للخروج من مأزقها قد ضاقت امامها الي الحد الذي أصبحت معه اما ان تتوقف وتسلم بعدم قدرتها على الاستمرار وتخسر؟ او ان تستمر وتواصل حربها في اوكرانيا وتخسر اكثر؟ وهل ستقبل بالنتيجة في الحالتين؟ أم أن الحرب النووية هي الطريق الوحيد المفتوح أمامها للرد بها على ما تواجهه من أخطار وتحديات؟ وهل يساوي هذا كله هدفها الذي خططت له من دخولها في هذه الحرب؟

***

عبد الخالق الفلاح –باحث واعلامي

 

 

في معظم دول العالم تحتاج الحكومات والسلطات التنفيذية لموافقة المجالس النيابية في حال قررت المشاركة وإرسال جنودها الى الخارج للمشاركة في أي من الحروب والنزاعات العسكرية الخارجية وإن كانت هذه الموافقة تأتي بصورة آلية في بعض الدول.

لكن في أستراليا وعلى العكس من تلك الدول فإن الحكومة لا تحتاج لهكذا موافقة، وحتى أنها ليست ملزمة في إبلاغ او إستشارة البرلمان في حال قررت المشاركة في أي حرب.

مؤخراً بدا نقاش وطني على مستوى البرلمان حول الموضوع وباتفاق الحزبين الكبيرين (عمال وأحرار) وقد تم تشكيل لجنة برلمانية لبحث هذه المسألة.

أفرجت اللجنة عن تقريرها الأسبوع الماضي، ومن أهم توصياتها بأنه في حال وقوع أزمات دولية مسلحة دعت اللجنة الى أن يلعب البرلمان دوراً رقابياً أكبر حول دور الجيش ألأسترالي، وأوصت أللجنة أيضاً بتشكيل لجنة خاصة لفحص ألأستراتيجية الدفاعية وكيفية تزود الجيش بألأسلحة والعمليات العسكرية.

رفضت أللجنة مطالبة حزب الخضر والمجموعات التي تطالب بإصلاح وتعديل قوانين المشاركة في الحروب، حيث يجادل هؤلاء بأنه كان يمكن لأستراليا عدم المشاركة في الحروب المشؤومة في العراق وفي فيتنام لو كان هناك دوراً تقريرياً لمجلسي البرلمان النواب والشيوخ في الموافقة للذهاب الى الحرب.

دعت اللجنة الى المزيد من الشفافية بما يتعلق بالعمليات العسكرية، رئيسة اللجنة الفرعية للدفاع النائبة عن حزب العمال جوليان هيل والتي ترأست أعمال لجنة التحقيق قالت: أن اللجنة خرجت باستنتاجات عن الحاجة لتعزيز الشفافية ومحاسبة الحكومة التي تتخذ القرارات المتعلقة بالحروب وأضافت هيل أن أعضاء اللحنة من حزبي العمال والأحرار كانوا مقتنعين بوجوب لعب البرلمان دوراً أكبر في إتخاذ قرارات الحرب وشددوا على أهمية تنفيذا هذا ألأمر.

وأكدت اللجنة على الدور المنوط بالحكومة المنتخبة باتخاذ قرارات الحرب لكن هناك حاجة لتعديل تلك الإجراءات ودعوة البرلمان في اقرب وقت لمناقشة الموضوع في حال قررت أستراليا المشاركة في النزاعات الدولية المسلحة، وطالبت اللجنة الحكومة بتسهيل النقاش في البرلمان بمجلسيه قبل إرسال الجنود إلى الخارج بثلاثين يوماً.

وزير الدفاع الأسترالي ريتشرد مالرز من جهته دعى إلى عدم المس بطريقة إتخاذ قرارات المشاركة في الحرب المعمول بها حالياً، لكنه ايد فكرة مناقشة البرلمان لتلك القرارات واضاف أن الحكومة ستأخذ توصيات اللجنة بعين الأعتبار ولكن ستدرسها بحذر.

حزب الخضر من جهته يرى ان توصيات اللجنة ما هي إلا الحد الأدنى وانه من المفروض أن يتم إبلاغ ألبرلمان قبل ذهاب أستراليا إلى الحرب، ورأى الخضر أن أستراليا هي الدولة الوحيدة من الدول الديمقراطية التي لا يوجد لبرلمانها دوراً في تقرير ومراقبة نشر القوات المسلحة الأسترالية في الخارج.

إذن، فتح باب النقاش حول كيفية إتخاذ أستراليا قرار المشاركة في في الحروب، لكن إلى اي مدى سوف تلتزم الحكومات الأسترالية بنفيذ تلك التوصيات، وهل ستتخلى الجكومة عن صلاحياتها المطلقة بهذا الخصوص؟

من جهتنا نرى أنه يجب توسيع النقاش حول الموضوع ليشمل كل قطاعات المجتمع، مع العلم أنه يبقى للحاكم العام صلاحيات تأجيل هذه التوصيات أو المتطلبات إذا كان الأمن الوطني يواجه مخاطر عالية أو تهديد وشيك لحياة ألأستراليين.

***

عباس علي مراد

 

أقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الاستراتيجية الجديدة للسياسة الخارجية الروسية، فتح الباب لروسيا التركيز على مهام تنميتها ومنع مجموعة كاملة من التهديدات المحتملة، وهذا بالطبع يعطي الانسجام لنظام أولويات السياسة الخارجية للاتحاد الروسي، مع الأخذ في الاعتبار النمو الواضح للتهديدات الخارجية ذات الطبيعة الأكثر تنوعًا، فإن هذا الطلب مطلوب للغاية اليوم.

فالدبلوماسية الروسية اعتبرت أسس السياسة الخارجية الجديدة، التي ستعتمدها روسيا في المرحلة المقبلة، بأنها تعكس التطورات الثورية التي يعيشها العالم اليوم، وتعكس واقعا سياسيا جديدا، ومتغيرات جيوسياسية، وتطورات ثورية في العالم، والتي تسارعت بشكل ملحوظ مع بدء العملية العسكرية الخاصة، والوزير سيرغي لافروف، أشار الى إن المفهوم الجديد للسياسة الروسية، يطلق على الولايات المتحدة تسمية المبادر الرئيسي والمحرض الرئيسي على انتهاج الخط المناهض لروسيا، وإلى أن الغرب بصفة عامة ينتهج سياسة تهدف إلى إضعاف روسيا من جميع النواحي، ما يمكن اعتباره حربا هجينة من نوع جديد، وأن المفهوم الجديد، وكما أكد الوزير لافروف، ينص على إمكانية اتخاذ إجراءات مماثلة أو غير مماثلة ردا على الإجراءات غير الودية ضد روسيا، وأنه في ظل ظروف التهديدات الخارجية، تؤكد الاستراتيجية الجديدة على أن مبدأ الارتباط الأمني متاح استنادا للندية، كما يتحدث المفهوم الجديد عن إعادة هيكلة جادة للاقتصاد العالمي.

ويحتوي المفهوم على قسم حول الاتجاهات والآفاق الرئيسية لتنمية العالم، فهي تنص على أن "الإنسانية تمر بعصر تغيير ثوري"، وبالتوازي مع ذلك، ويستمر تشكيل عالم أكثر عدلاً ومتعدد الأقطاب، وهذا يعني أن القوى الاستعمارية استولت في وقت سابق على موارد المناطق التابعة وبالتالي زودت نفسها بنمو فائق، لكن هذا النموذج أصبح الآن شيئًا من الماضي، وهذه "التغييرات الإيجابية بشكل عام" لا ترضي البلدان "المعتادة على التفكير وفقًا لمنطق الهيمنة العالمية والاستعمار الجديد"، والتي تستخدم أساليب مختلفة للضغط (بما في ذلك تجاوز الأمم المتحدة)، وتثير الانقلاب، والصراعات المسلحة، والتلاعب بوعي بعض الجماعات والشعوب، وتفرض "مواقف أيديولوجية نيوليبرالية مدمرة"، في الوقت نفسه، الضغط على الأمم المتحدة والمؤسسات الأخرى، مما يقلل من قيمتها كمنصات للعمل المشترك.

وقررت الوثيقة تسمية أحداث العام الماضي "بالإجراءات التي اتخذها الاتحاد الروسي لحماية مصالحه الحيوية في الاتجاه الأوكراني"، والتي أصبحت ذريعة لإطلاق "نوع جديد من الحرب المختلطة" من قبل الولايات المتحدة، ولم يكن اختيار روسيا الاتحادية، حيث لا تعتبر روسيا نفسها عدوًا للغرب، ولا تنعزل عنه، وليس لديها نوايا معادية تجاهه، وتتوقع أن تدرك الدول المنتمية للمجتمع الغربي في المستقبل عبث سياستها المواجهة وطموحاتها في الهيمنة، وتأخذ في الاعتبار الحقائق المعقدة لعالم متعدد الأقطاب وسنعود إلى التفاعل البراغماتي مع روسيا

وتنطلق القيادة الروسية من خصوصيات الوضع العسكري السياسي الراهن في العالم، والذي يتسم باستمرار هيمنة الاتحاد الروسي في مجال أسلحة الصواريخ النووية، ويحد هذا الظرف من إمكانيات " النظراء " الغربيين في القمع العسكري المباشر للاتحاد الروسي، وان أحد أكثر البدائل الواعدة بالنسبة للغرب للصراع العسكري المباشر مع الاتحاد الروسي هو إمكاناته السيبرانية القوية، فاستنادًا إلى الهيمنة الغربية شبه الكاملة (في الوقت الحالي) في شبكات المعلومات والاتصالات، يتحكم الغرب تقريبًا في البنية الأساسية الكاملة للإنترنت العالمي، المشبع بأنواع مختلفة من المنصات الافتراضية التي تخدم اهتماماته، بما في ذلك المصالح ذات الطبيعة العسكرية الاستراتيجية، فمنذ عام 2010، تعمل قيادة سايبر منفصلة للقوات المسلحة الأمريكية، وتشمل مهامها، في الواقع، شن حرب إلكترونية عالمية:

كما وتخطط USCYBERCOM وتنسيقها ودمجها ومزامنتها وتنفيذها لتوجيه العمليات وحماية شبكات الكمبيوتر التابعة لوزارة الدفاع، ويعد وينفذ مجموعة كاملة من العمليات العسكرية في الفضاء الإلكتروني، ويضمن حرية عمل الولايات المتحدة وحلفائها في الفضاء الإلكتروني، ويمنع الإجراءات المماثلة من قبل العدو، ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، تلقت الوكالات الحكومية الأمريكية المسؤولة عن الأمن عبر الإنترنت تعليمات مباشرة لزيادة الضغط على روسيا، من خلال نشر واستخدام الأدوات الإلكترونية، ورفض ممثلو الإدارة الرئاسية الأمريكية تحديد الآليات التي سيتم تطبيقها على روسيا .

ووفقًا للخبراء، ستتعامل الأجهزة الأمنية مع وضع برامج ضارة وفيروسات كمبيوتر يحتمل أن تكون خطرة داخل الجزء الروسي من الإنترنت، وهي جاهزة لتنفيذ هجمات إلكترونية إذا دعت الحاجة، كواحد من الخيارات الممكنة، ويتم النظر في خيار استخدام نظائر دودة الكمبيوتر Stuxnet، القادرة على إحداث أضرار مادية للبنى التحتية للعدو، ومن الناحية القانونية، اتخذت حكومة الولايات المتحدة استعدادات جادة لزيادة الضغط على روسيا على الإنترنت، فلدى الولايات المتحدة مذكرة سرية 13 سارية تسمح للقيادة الإلكترونية الأمريكية بتنفيذ أي نشاط دون موافقة رئيس الولايات المتحدة .

وفي عام 2014، بدأ الاتحاد الروسي في إنشاء هيكل مماثل كجزء من قواته المسلحة، ردًا على العدوان الإلكتروني الأمريكي، وتم تشكيل قوات عمليات المعلومات في القوات المسلحة الروسية، ووفقا لمصدر في وزارة الدفاع الروسية، فقد اكد لوكالة ايتار تاس، إن الغرض الرئيسي منها هو حماية أنظمة التحكم والاتصالات العسكرية الروسية من الإرهاب السيبراني، ومنع المعلومات التي تمر عبرها بشكل آمن من عدو محتمل، و"اقتراح إنشاء مثل هذا الهيكل، المصمم للمواجهة الإلكترونية والمعلوماتية مع خصم محتمل، كان قيد التطوير لأكثر من عام .

وفي العام الماضي، تسارعت اكتشافات ضابط وكالة المخابرات المركزية السابق إدوارد سنودن عن المراقبة الإلكترونية العالمية من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكية، وبحسبه، ستشمل قوات العمليات المعلوماتية وحدات ووحدات فرعية في المناطق والأساطيل العسكرية، ويعمل بها متخصصون مؤهلون تأهيلاً عالياً، علماء رياضيات، ومبرمجون، ومهندسون، ومصممو تشفير، ورجال إشارات، وضباط حرب إلكترونية، ومترجمون وغيرهم. وأضاف المحاور "تم تعيين قائد عسكري برتبة جنرال على رأس الهيكل الجديد".

ان المواجهة في الفضاء الافتراضي مستمرة منذ سنوات، وحتى وقت قريب، أظهروا قدرًا من ضبط النفس في هذا المجال، يتوافق مع المستوى العام لعلاقاتهم، ومع ذلك، في الوقت الحالي، وصل تدهور هذه العلاقات بالفعل إلى حد أن التهديد بالإبادة النووية المتبادلة الكاملة، وهو الذي يردع خصوم روسيا الغربيين عن استخدام أكثر أنواع المواجهات العسكرية تدميراً، ونقل العدوان الغربي إلى المجال السيبراني، وإعطاء مثل هذه الأفعال نطاقًا مختلفًا تمامًا، له أهمية خاصة بالنسبة للغرب، ووفقا لبعض المحللين عن مثل هذا التصعيد باعتباره أمرًا واقعًا، تتوقع دول الناتو أن موسكو، التي تركز على العمليات العسكرية في أوكرانيا، لن ترد بشكل متماثل على الهجمات الإلكترونية، وتم تشكيل جيش من المتسللين الأوكرانيين (الموالين) لشن حرب إلكترونية، والذين تم منحهم أسلحة قتالية إلكترونية قوية قادرة على تعطيل مرافق البنية التحتية الحيوية، وتم حشد قدرات تكنولوجيا المعلومات المتقدمة، بشكل أساسي في أوروبا الشرقية ودول البلطيق وفنلندا.

ويشارك مركز الإنترنت في تالين، ومركز الاتصالات الإستراتيجية في ريغا، ومركز الحرب الهجين في هلسنكي بشكل مباشر في الأعمال العدائية، وإن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تستخدمهما عمدًا، مما يعرضهما لضربة انتقامية، وفي هذه الحالة، سيتم توجيه الهجمات الإلكترونية الانتقامية من موسكو إلى أوروبا الوسطى والشرقية ولن تتسبب في أضرار كبيرة للولايات المتحدة والعمالقة الأوروبيين، وقد تتضرر البنية التحتية الحساسة للأوروبيين الشباب، بما في ذلك مرافق الطاقة، بشكل كبير، مما سيؤدي إلى إثارة التوتر الاجتماعي، وسيحمي الاتحاد الروسي بنيته التحتية الحيوية، وفي المقام الأول قطاع الطاقة، ومن أجل قمع مصادر الهجمات، سيكون قادرًا على شن هجمات إلكترونية انتقامية قوية من أجل تهدئة المتهورين في دول الناتو.

واعتبارا من 31 مارس، أزالت روسيا عن نفسها القيود التشريعية المرتبطة بقمع، من بين أمور أخرى، العدوان الإلكتروني للغرب، علاوة على ذلك، في مفهوم السياسة الخارجية الجديد للاتحاد الروسي، يتم تحديد ذلك مباشرة لدوائر وهيئات الدولة ذات الصلة:" إذا ارتكبت الدول الأجنبية أو جمعياتها إجراءات غير ودية تشكل تهديدًا لسيادة الاتحاد الروسي وسلامته الإقليمية، بما في ذلك تلك المتعلقة بتطبيق إجراءات تقييدية (عقوبات) ذات طبيعة سياسية أو اقتصادية أو باستخدام معلومات حديثة و تكنولوجيات الاتصال، يعتبر الاتحاد الروسي أنه من القانوني اعتماد تدابير متناظرة وغير متكافئة ضرورية لكبح مثل هذه الأعمال غير الودية، وكذلك لمنع تكرارها في المستقبل ."

ومن أجل ضمان أمن المعلومات على الصعيد الدولي، والتصدي للتهديدات الموجهة ضدها، وتعزيز السيادة الروسية في مجال المعلومات العالمي، يعتزم الاتحاد الروسي، ووفقا للمفهوم الجديد، إيلاء الاهتمام على سبيل الأولوية لما يلي:، تعزيز وتحسين النظام القانوني الدولي لمنع وحل النزاعات بين الدول وتنظيم الأنشطة في فضاء المعلومات العالمي، و تشكيل وتحسين الإطار القانوني الدولي لمواجهة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأغراض الإجرامية، و ضمان التشغيل الآمن والمستقر وتطوير شبكة المعلومات والاتصالات "الإنترنت" على أساس المشاركة المتساوية للدول في إدارة هذه الشبكة ومنع فرض رقابة أجنبية على قطاعاتها الوطنية، واعتماد تدابير سياسية ودبلوماسية وغيرها تهدف إلى مواجهة سياسة الدول غير الصديقة لعسكرة فضاء المعلومات العالمي، واستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للتدخل في الشؤون الداخلية للدول ولأغراض عسكرية، وكذلك للحد من وصول الدول الأخرى إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المتقدمة وتقنيات الاتصالات واعتمادها المتزايد على التكنولوجيا.

لقد استخلصت روسيا استنتاجات مناسبة من تاريخها الصعب، ومن الآن فصاعدًا، لا تنوي الانتظار حتى يأتي العدو بسيفه إلى أرضها، وتتيح التقنيات الإلكترونية الحديثة، مد السيف الروسي إلى أراضي الولايات المتحدة نفسها، حيث يمتلك الاتحاد الروسي في الوقت الحاضر، قدرات تنظيمية وهيكلية (قوات العمليات الإعلامية) وأسس قانونية ليس فقط للرد الفعال على العدوان الإلكتروني الغربي، بما في ذلك على أراضي الغرب نفسه، ولكن أيضًا للتدابير الوقائية لمنع مثل هذا العدوان .

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

نشرت صحيفة المثقف الغراء في ركن آراء وأفكار مقالا للدكتور عادل رضا، بتاريخ 27 آذار / مارس 2023 م، تحت عنوان "الطورانية الأردوغانية والزلزال" وهذا نص تعقيبي عليه.

باديء دي بدء، لست بصدد الدفاع عن نظام سياسيّ معيّن، ولن أنصّب نفسي محاميا ومدافعا عن الظاهرة السياسيّة (الطورانيّة الأردوغانيّة) كما نعتها د. عادل رضا - لأنني لست تحت جناح شلة أو سلطة، ولا ممن يفكرون بعقلية القطيع صونا لحريتي الثقافية - فهناك العديد من النقاد والمحلّلين السياسيين والأكاديميين، من هم أقدر منّي على ذلك، ويمتلك من الأدوات المقنعة أكثر منّي. بحكم التخصّص أو القرب من سلطة القرار السياسي. لكن، ما جاء في مقال د. عادل رضا من أحكام وأوصاف – وله مطلق الحريّة في ذلك -، يدعوني إلى الوقوف على بعض ما ورد من أطروحات (تهافتيّة) فلسفيّة وفكريّة، حملت جملة من المغالطات، قد تقنع البعض وقد تصدم البعض الآخر، وقد تدفع رهط ثالث إلى الصمت، من باب (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب). وليس هدفي تغيير قناعات الغير - ولو كانت ترقي إلى مستوى (الترّهات) - مهما كان نوعها، فلكلّ كاتب أو مفكّر أو باحث أو مجتهد قناعاته، إن أصاب فيها فله أجران، وإن جانبه الصواب فله أجر واحد. ولكل كاتب زمام حريّته، وكشكول ثقافته وأفكاره وآرائه ورؤاه الفلسفيّة في الحياة.

وأنا أقرأ مقال د. عادل رضا، تساءلت: لماذا أقحم الكاتب موضوع الزلزال الذي ألّم بإخواننا في تركيا وبلاد الشام – وهو ظاهرة جيولوجيّة – في موضوعه، وهو بصدد مناقشة وتحليل ظواهر سياسية وفلسفات فكريّة، لا علاقة لها بالزلازل ولا البراكين ولا الكوارث الطبيعيّة الأخرى؟ بل أكثر من ذلك زكمت أنوفنا رائحة التشفّي، وكأنّ الكاتب لا يعلم (ومن المؤكّد أنّه يعلم) أنّ ضحايا زلزال السادس من فبراير للعام 2023 م هم مسلمون ومؤمنون أتراك وشآم، سنيّون وشيعة، تركمان وأكراد وعرب وعلويّون، ومقيمون، ومن مذاهب وإثنيات شتى، ويشهدون أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمدا رسول الله، ويصلّون ويصومون ويحجّون ويزكّون، وبالتالي فهم من ملّة الكاتب، إن كان الكاتب على ملّتهم. فلم يفرّق الزلزال المدمّر بين الساكنة، ولم ينتق ضحاياه، ولم يجامل أحدا من الناس، ولم يمت تحت أنقاضه، ولم ينج من دماره إلاّ من طال أجله. جاء على لسان الكاتب قوله: " نحن نقول أنّ هذا الزلزال المدمّر قد حطّم قشرة حقيقة ما كان موجود (والصواب موجودا) منذ ما قبل سقوط الدولة العثمانية " " إننا نقول أن هذا الزلزال قد كسر قشرة ما كان مخفيا وما كان يحدث منذ أكثر من مائة سنة من كراهية طورانية تركية عنصرية ضد مواطنين يعيشون في نفس الدولة العثمانية التي تضم أرض أناضوليا المليئة في التنوعات العرقية والدينية والطوائف المتنوعة كما هو الحال في مجمل هذا الشرق القديم ".

هل أراد الكاتب التلميح، بعدما أحجم عن التصريح، أنّ الزلزال انتقام ربانيّ، وعقوبة إلهيّة نافذة لتركيا الطورانيّة ونظامها الأردوغاني؟ أما كان الأولى أن يقلب الله الأرض ويخرج أثقالها على رؤوس الصهاينة، الذين يقتلون الكبير والصغير في فلسطين بدم بارد؟ أما كان الأولى أن يخسف الله الأرض من تحت أقدام الصليبيين، الذين عاثوا فسادا في العراق وأفغانستان والشام، وقبلهم في الحربين العالميتين، وفي هيروشيما ونكازاكي وإفريقيا وآسيا والقارة الأمريكيّة وأستراليا؟

ونص المقال مليء بالمغالطات الكيديّة. ومعنى هذا أنّ الكاتب قد انطلق من خلفيات إيديولوجيّة وسياسيّة وعقائديّة وقوميّة وتاريخيّة من اجل تحقيق غايات عدّة، مثل: مغالطة الرأي العام العربي والإسلامي. وتشويه النظام السياسي التركي بقادة أردوغان وحزبه.... وتحميل المجتمع التركي أوزار العالم العربي، ونفي كل صفة إيجابيّة، وإلصاق تهمة ضياع فلسطين بالدولة العثمانيّة.

ثم يتعرض الكاتب إلى الجذور التاريخية للزعماء الأتراك (طلعت وأنور وجمال باشا، وأتاتورك) ولمجمل العنصر التركي. في قوله:

" يُشار هنا إلى أنَّ الطورانية نفسها مزعومة إلى حدّ كبير، سواء في عناوينها أم في جذورها، فأبطالها السياسيون منذ نهاية القرن التاسع عشر، مروراً بالثُلاثي "طلعت " و" أنور" و"جمال باشا"، وانتهاء بـ " أتاتورك "، ليسوا أتراكاً، بل تعود أصولهم جميعاً إلى منابِت شتَّى، تؤكِّد أنَّ الطورانية من جذورها إلى أردوغان هي صناعة قوَّة إقليمية، فهم من أصولٍ يهوديةٍ أو كرديةٍ أو غجريةٍ أو مجريةٍ أو ألبانية. ".

إنّ ظاهرة امتزاج الثقافات واختلاط الأجناس البشريّة قديمة، منذ فجر الخليقة، والإنسان يمارس حياة الترحال والانتقال من بيئة إلى أخرى. وشهدت البشريّة رحلات فرديّة وجماعيّة من الشرق إلى الغرب، ومن الغرب إلى الشرق، وفي اتجاهات الأرض كلّها، بحثا عن الماء والكلإ والأمن، قطع الناس الصحاري واجتازوا أغمار البحار والمحيطات والنهار. وقد خلق الله الناس، وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا. ولم يفضل الله تعالى الناس بعضهم على بعض لألوانهم أو ألسنتهم أو أنسابهم أو أحسابهم، وإنّما فضّل الصالح منهم والأتقى والنافع لبني جنسه. لقد تجاوز العقل المعاصر هذه النظرة القبليّة الضيّقة، بل لقد انخرط العالم في نظام العولمة الثقافيّة والسياسية والاقتصادية، وانفتحت أبواب الحوار بين الأديان والحضارات في جوّ من الحريّة والديمقراطيّة، بعيدا عن الروح القوميّة العنصريّة. إنّ المتأمل للمجتمع التركي، ولنأخذ مدينة إسطنبول مثالا، يدرك مقدار التعايش السلمي وقيمته بين طوائفه الدينيّة وأحزابه السياسيّة وبين إثنياته المتنوعة، في مناخ ديمقراطي ليبرالي، وفي مزيج من الأصالة والمعاصرة، والتقاليد والعصرنة والتسامح في ظلّ السلم الاجتماعي.

و من المغالطات التاريخيّة التي ساقها الكاتب في مقاله قوله: " أما الجذور التاريخية لمُجْمَلِ العنصر التركي (السلجوقي ثم العُثماني)، فهي لا تقلّ تزويراً عن تزوير التاريخ اليهودي، فالأتراك في أصولهم قبائل بدوية رَعوية لم تعرف تركيا أبداً قبل القرن الثاني عشر، ويشبهون اليهود في ظروف استيطانهم الكولونيالي بتوظيفٍ من قوَّةٍ خارجيةٍ استدعتهم لأغراضٍ عسكريةٍ. فإذا كانت الدولة العباسية قد استدعت الموجة التركية البدوية المُقاتِلة الأولى، وهي الموجة السلجوقية، لمواجهة البويهيين الشيعة، فإن ملك بيزنطة الأرثوذكسي استدعى الموجة العُثمانية (عُثمان بن أرطغرل من قبيلة القايي) لمواجهة فُرسان الصليب المُقدَّس الكاثوليك بعد السقوط الأول لبيزنطة (القسطنطينية) على يد هؤلاء الفُرسان، وتحريرها على يد المسلمين وإعادة الأرثوذكس ".

إنّ تشبيه استيطان العنصر التركي لجغرافيّة الأناضول باليهود في استيطانهم فلسطين ضرب من تزييف التاريخ، ونأي فاضح عن الحقيقة. فشتان بينهما. ثم إنّ امتزاج الاتراك (العجم) بالعنصر العربي في العصر العباسي، لم يكن لأغراض عسكريّة البتّة. وإنّما كانت أسبابه دينيّة، عندما اتّسعت الفتوح الإسلاميّة خارج جزيرة العرب، ودخل الناس في دين الله أفواجا. وكانت النتيجة ظهور مجتمع إسلاميّ عباسي ذهبيّ. انصهرت في بوتقته الأجناس والثقافات المختلفة، وأشرقت على أوربا والعالم شمس حضارة لا مثيل لها، بينا كانت أوربا وغيرها من الشعوب في قارات العالم الأخرى تعيش في ظلمات الجهل والتخلّف. ولو أفول الحضارة الإسلاميّة في القرن السابع الهجري، الثالث عشر الميلادي، لكانت حالة البشريّة على غير هذا التردّي الأخلاقي والصراع السياسي والاقتصادي. ألم يخرج العرب إلى العالم من بيئة بدويّة قاسيّة، تحكمها العصبيّة القبليّة، وتديرها قوانين أخلاقيّة واجتماعيّة جائرة؟ فما الذي ينقص من المجتمع التركي، إذا كانت قبائله بدويّة، رعويّة، سكنت بلاد الأناضول قبل القرن الثاني عشر، قبل القرن العشرين؟ اليست المجتمعات العربيّة في المشرق والمغرب، (في مصر والشام والعراق وشمال إفريقيا) وليدة هجرات لقبائل عربيّة، يمنيّة، كهجرة قبيلة بني هلال العربية الهوازنية القيسية المضرية العدنانية، من الجزيرة العربية إلى الشام ثم صعيد مصر ومنه انتقلت إلى باقي شمال إفريقيا، في القرن الخامس الهجري ن الحادي عشر الميلادي. ومازالت الهجرة البشريّة مستمرة من البوادي والأرياف إلى المدن والحواضر، ومن قارة إلى أخرى، ومن الجنوب إلى الشمال إلى يوم الدين. .

وقوله أيضا: " إن العقلية التركية الطورانية العنصرية الكارهة للأرمن واليونانيين والعلويين والعرب والأكراد والتي حكمت وأدت بالدولة العثمانية الى الزوال والنهاية والتفكيك، ان هذه العقلية لا زالت موجودة ومستمرة في الوجود والتواجد والاستمرارية مع الحالة الأردوغانية للإسلام " الأمريكي" التابع لحلف الناتو وهو نفس الإسلام "الأمريكي" للأخوان المسلمين الذي كان أيضا ضد الحالة النهضوية العربية المضادة للاستعباد الغربي ".

لا أدري من أين استخلص الكاتب هذه " البديهيات " و" المسلّمات "؟ وكيف توصّل إلى هذه الكشوفات "العقليّة "، ومن الذي أوحى له بها؟ فالمجتمع التركي المعاصر، بكل طوائفه الدينيّة والسياسيّة والإيديولوجية مثال للتعايش السلمي، والاندماج الديمغرافي، والنشاط السياسي الديمقراطي، منذ أن تخلّص من حكم الطغمة العسكريّة، التي استمرّت عقودا من الاستبداد والعسكرة. وقد شهد المجتمع التركي، بعد عودته إلى الحكم المدني طفرة اقتصاديّة عظيمة، جعلت الغرب الأوروبي (الاتحاد الأووربي) يتوجس خيفة من تركيا الناهضة في شتى الميادين الاقتصاديّة والعلميّة.

أما فيما يخص الإسلام، فهو دين واحد، لا يتجزأ، مهما حاول دعاة الفتن والتشرذم تقسيمه إلى أنواع، ولا وجود لإسلام عربي وآخر تركي وآخر أمريكي وآخر أروبي وآخر إخواني، إلاّ في أذهان ذوي القلوب المريضة. ولم يكن الإخوان المسلمون ولا الإخوان النصارى أبدا حجر عثرة في طريق النهضة العربيّة في المشرق والمغرب. لقد أجهضتها العقليّة العربيّة العميلة للغرب والعقليّة العربيّة العسكريّة، المسلمة والنصرانيّة، الحريصة على عرش السلطة. وبالعودة إلى التاريخ العربي منذ قرنين، يدرك كيف أنشأ الغرب بعض الدول، سعيا منه إلى تقسيم البلاد العربيّة وتقزيمها وإضعاف وحدتها، وبالتواطؤ العلني مع العملاء المتعطّشين إلى السلطة والتسلّط على الرعيّة. ألم تكن الشام والعراق أمّة واحدة؟ فمن الذي فرّقها؟ ألم تكن جزيرة العرب (نجد والحجاز) أمّة واحدة وموحدة؟ فمن الذي فرّقها؟ ألم تكن دول المغرب العربي، مغربا واحدا كبيرا؟ فمن الذي فرّقها؟ ألم تكن مصر والسو دان والصومال أمّة واحدة.؟ فمن الذي فرّقها؟

" وهذه العقلية أساسا مضادة للحالة الإسلامية الجامعة للقوميات والأديان والتي قدمت حالة حضارية رائعة في التعايش منذ بداية حركة الإسلام المقدس الرسالة الجامعة والخاتمة لكل الرسالات السماوية حيث انتجت هذه الحالة الإسلامية تجميع وحالة من التعايش الرائع بين كل القوميات ضمن دول وامبراطوريات إسلامية لديها سلبياتها وعيوبها وايجابياتها وتفاصيلها الكثيرة ولكل بالخط العام هذه الحالة الإسلامية قد صنعت وخلقت نموذج جامع وشامل يحترم كل من يعيش على ارض الإسلام على العكس مما تريده وتسعى اليه الحالة الطورانية التركية العنصرية ".

ولو كان كاتب المقال منصفا ومحلّلا عادلا وملتزما بقواعد الموضوعيّة التي يتطلّبها البحث الأكاديمي، لما أنكر الإنجازات التاريخيّة والحضارية العثمانيّة في شمال إفريقيا وأوربا الشرقية والجنوبيّة وآسيا. في وقت كانت فيه البلاد العربيّة عرضة للأطماع الصليبيّة في بلاد الشام ومصر والمغرب العربي.

و لو كان الكاتب صادقا في ادّعاءاته، لصدقناه. فقد اتّهم العقليّة التركيّة، بأنّها عنصريّة واستعلائية شوفينية ومضادة للحالة الإسلاميّة والتعايش السلمي بين القوميات. ولا أدري هل كاتب المقال د. عادل رضا يعايش العصر الحاضر أم لا؟ وهل غابت عن بصره وبصيرته ما يجري في تركيا المعاصرة، بقيادة أحزابها الوطنيّة، ورجالاتها المخلصين لتاريخها المجيد، من تقدّم وازدهار وانعتاق من دائرة التخلّف؟ ولكنّ قد تُغيّب الحقائق في خضّم الكيديّة والتعصّب الإيديولوجي.

كما حكم الكاتب د. عادل رضا (وليته كان عادلا) على الأمّة التركيّة بأنّها من سلالة واحدة، أي أنها أقلّ من مرتبة (شعب)، وبعبارة أخرى هي قبيلة أو عشيرة ونسب واحد. أي أنّها لا ينطبق عليها صفة (أمّة)، وهنا وقع الكاتب في تناقض صارخ، عندما وصفها الكاتب بـ (الأمّة)، وهو حكم جائر ينافي الواقع تماما، ولا أساس له من الصحة. إنّ أقّل الشعوب نسمة لا تحوي نسبا واحدا فقط. فما بالنا بالأمة التركيّة، سليلة الدولة العثمانيّة، التي نفوذها شرقا وغربا وشمالا، وحكمت شعوبا وقبائل من العرب والعجم. ولو تمعّن الكاتب في حكمه الذي أصدره بايعاز أيديولوجي حقود، لوجده حكما مبنيّا على أوهام كيديّة.

جاء في المقال قول الكاتب:

" " الأمة التركية لا تتشكل بخلط الأجناس المختلفة. كما هو الحال في بعض الدول اليوم، الأمة التركية هي من سلالة واحدة. وهذا النسب هو النسب التركي... القومية التركية فكرة عظيمة واضحة الأفكار والحدود كمثل وطني للنسب التركي العظيم. الطورانية والقومية التركية هما مبدأين أساسيان لهذه الفكرة العظيمة "

" كما دافع رهاء أغوز توركان عن التفوق العرقي واستخدم شعار "العرق التركي فوق كل عرق ".

ثم عرّج الكاتب على علاقة تركيا بالغرب، وبالتحديد أمريكا والكيان الصهيوني قائلا:

" اذن خدم الاستعباد الغربي لا زالوا في الصورة وتحت الضوء وفي خط الممارسة والتطبيق على ارض الواقع ك " عقلية" وك "ذهنية" وك "قناعة" وك "ممارسة على أرض الواقع "

" إن الحالة الإسلامية الأميركية للطورانية التركية العنصرية الاردوغانية إذا صح التعبير، ليست فقط تتحالف مع الصهاينة عسكريا وامنيا وتجاريا وتنسق مع الصهاينة امنيا ومخابراتيا وهي أساسا لسواد وجهها هم اول من اعترف بهذا الكيان العنصري السرطاني الذي أقامه كل ما هو شر في العالم على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة."

لقد نسي د. عادل رضا أو تناسى، أنّ علاقات أمريكا بالعرب (خاصة عرب الشرق الأوسط والخليج) أقوى من علاقاتها بتركيا. وأنّ الجامعة العربيّة قد اعترفت بالكيان الصهيوني، على مبدإ الأرض مقابل السلام، ولم تحقق مؤتمرات مدريد (1991 م و2011 م) واتفاقيات كامب ديفيد (17 سبتمبر 1977 م) واتفاقيات أوسلو (13 سبتمبر 1993 م) واتفاقيات إبراهيم (15 سبتمبر 2020 م)، شيئا للقضيّة الفلسطينيّة ما عدا ترسيخ الانقسام بين الإخوة في رام الله وغزّة. وهرولت دول عربيّة إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتبادلت القناصلة والسفراء والزيارات والأنشطة الاقتصاديّة والسياحية والفنيّة بينها، لتجسيد الفكرة الصهيونيّة، " المزاوجة بين العقل الصهيوني والمال العربي." فلماذا غفل أو تغافل الكاتب عن هذه الحقائق المرّة؟ أيهما أخطر على الأمّة العربية، العلاقات التركية الصهيونيّة أم العلاقات العربيّة الصهيونيّة والتعاون الأمني بين الصهاينة والسلطة الفلسطينيّة في رام الله؟ إنّ السلطة الفلسطينيّة وبعض الدول العربيّة قد اعترفت سرّا أو علنا بالكيان الصهيوني كشريك سياسي واقتصادي في الشرق الأوسط الجديد. هل حرام على تركيا، التي اتهمها الكاتب بأنّها عنصريّة وكارهة للعرب، حيث قال: " إن العقلية التركية الطورانية العنصرية الكارهة للأرمن واليونانيين والعلويين والعرب والأكراد." وحلال على العرب، أصحاب البيت والقضيّة؟

و قد حاول الكاتب، د. عادل رضا أن ينفي التصادم القائم، منذ ظهور الفكر القومي بعد (سايكس بيكو)، بين القوميّة العربيّة والفكر الإسلامي. وتصادم منطقيّ بين تيار ضيّق الأفق مبنيّ على الفلسفة الإثنيّة وفكر إسلامي إنسانيّ رحب قائم على دعائم الحريّة الدينيّة والأخوّة الإنسانيّة، دون النظر إلى العناصر الإثنيّة. يقول الكاتب في معرض حديثه عن القوميّة وعلاقتها بالفكر الإسلامي:

" إنّ القوميّة قد تلتقي بالفكر الإسلامي في بعض مواقعه وحركته وقضاياه وأهدافه المرحليّة ووسائله. لذلك، لا نعتقد أنّ هناك حتميّة للتّصادم بينهما، ولكن، من حيث طبيعة حركيّة الفكر الإسلامي وحركيّة الفكر القومي، من الممكن أن يكون هناك تصادم بينهما، عندما يريد الفكر القوميّ أن يؤكّد ذاته في الموقع نفسه الذي يريد الفكر الإسلاميّ أن يؤكّد ذاته."

و يضيف قائلا:

" القوميّة العربية عندما نخرجها من الخصوصية الإيديولوجية التي يفرضها الفكر القومي، فهي حالة إنسانية تمثّل أمّة من الناس، يُطلق عليهم اسم العرب، يلتقون في اللغة والأرض وبعض الخصائص الاجتماعية والتاريخية التي تجعل منهم مجموعة من البشر ذات خصائص مشتركة، مع وجود تمايز في تفاصيل هذه الخصائص بين موقع في الأمّة وموقع آخر، وبذلك ستكون القوميّة العربيّة هي خصوصيّة إنسانيّة تلتقي مع خصوصيات إنسانية أخرى، كالقومية الفارسية والتركية أو أيّ قومية أخرى، وهي لا تتنافى مع الإسلام، بل تمثل أحد الأطر الذي يتحرك فيها لتنفتح على نظامه ونهجه وتفكيره "

" ونتصوّر أن الإسلام استطاع أن يوسّع أفق العروبة، باعتبار أنه استطاع أن يعرّب مساحات كبيرة من الناس ومن العالم، عندما انفتحت على الإسلام، فانفتحت على لغته وعلى تاريخه وعلى رموزه وشخصيّاته وما إلى ذلك، بحيث أصبح الإنسان المسلم في كلّ بلد في العالم، يرى في التاريخ العربي تاريخه، ويرى في الشخصيات العربية شخصيّته بشكل أو بآخر، مما لا تملكه أيّ قومية أخرى، إلا بمقدار ما أعطت الإسلام من علمها وثقافتها وخصوصياتها في مرحلة ثانية أو ثالثة أو رابعة من التاريخ الإسلامي "

أمعن الكاتب في مغالطة القاريء، وهو يسوّق لفكرة " القوميّة العربيّة "، كما أرادها الغرب، وأرادتها بريطانيا، من خلال الترويج لفكرة " الجامعة العربيّة "، القائمة على القوميّة العربيّة (اللغة والعرق والثقافة والجغرافيا والهويّة)، كي لا يتحقّق مشروع " الجامعة الإسلاميّة " المؤسسة على الهويّة الدينيّة فقط. والحقيقة، التي لا يمكن أن ينكرها عاقل، أنّ فكرة الجامعة العربيّة، هي فكرة صنعت في المخابر الغربيّة الإستعماريّة، بغرض تقسيم الأمة الإسلاميّة، وتجزيء الإسلام الواحد إلى أنماط إسلاميّة ومذاهب متعدّدة ؛ إسلام سنّي، إسلام شيعي، إسلام إباضي، إسلام عربي، إسلام أعجمي وآخر غربي وآخر شرقي بعد اشتداد نضال الحركات التحرّرية العربيّة، وتحقيقها للاستقلال بقوة الحديد والنار. كل ذلك للحيلولة دون تحقيق الوحدة الإسلاميّة على الواقع. وبقاء تلك الوحدة المنشودة كشعار، لا يغني من فقر ولا يسمن من جوع.

إنّ فلسفة القوميّة العربيّة قائمة على الإقصاء والعنصريّة والتناقض الصارخ. لأنّها – ببساطة – لم تراع التنوّع الإثني (السلف، اللغة، المجتمع، الثقافة) في المجتمعات العربيّة. وعملت على إقصاء ما يسمّى (الأقليّات الإثنيّة) من الحياة السياسية على وجه الخصوص، ومحاصرتها ثقافيّا. بل إن بعض البلدان العربيّة لم تطبّق مبدأ المساواة الاجتماعيّة بين مواطنيها، الأصليين والمجنّسين، وبين الأغلبيّة الغالبة والأقليّة المغلوبة. وبنت فكرة المواطنة على التمييز العرقي والمذهبي الديني. بل هناك من المواطنين في بعض البلاد العربيّة من يعيش على هامش المجتمع، دون وثائق إداريّة، كالجنسيّة والهويّة الشخصيّة، ودون حقوق سياسيّة واجتماعيّة. وأنا على يقين بأنّ الكاتب على علم بذلك.

" لقد ذكرنا أنّ هناك أكثر من رابط، باعتبار أنّ لغة العرب هي لغة الإسلام في كتابه المقدَّس وفي سنّته الشريفة، وكذلك تاريخ العرب هو تاريخ الإسلام، كما أنّ تاريخ الإسلام هو تاريخ العرب، وهكذا نجد أنّ حركيّة العرب في فترة طويلة من التّاريخ وحتى يومنا هذا، ترتبط سلباً أو إيجاباً بحركة الإسلام، باعتبار أنّ أغلب العرب مسلمون.

ولذلك، فإننا لا نستطيع أن نفصل بين العروبة والإسلام في ماضيهما وحاضرهما ومستقبلهما كخطين يلتقيان في أكثر من موقع."

و يقول كاتب المقال، د. رضا عادل أيضا، وهو يكيل التهم الباطلة لحزب العدالة المعتدل والحديث:

" يدعون: بأن حزب العدالة قدم نموذجا لإسلام حداثوية معتدل، وفي موضع آخر يستشهدون بمقولة الرجل الثاني في الـحزب عبد الله غول (نحن لسنا إسلاميين وحركتنا ليست دينية نحن حزب أوروبي محافظ وحديث) فأين هو الربط المنطقي بين أفكارهم في هذه الادعاءات، فحين يستحسنون الإسلام المعتدل بديلا عن الإسلام المتشدد يصنفون حزب العدالة كحزب ديني معتدل، وحين يفضلون العلمانية على الايديولوجيا الدينية، فإنهم يرفعون الصبغة الإسلامية عن حزب العدالة، وهذا فقاعة ديماغوجية انتقائية مقيتة تشوش رأي المتلقي، في محاولة للتسويق لهذا الحزب بأي شكل كان، فلم يستقروا على رأي حوله، إن كان حزب مشرقي إسلامي، أم حزب أوروبي حديث، هذا لأنهم لا يملكون الإجابة، أو لأنهم لا يريدون التصريح بحقيقة هذا الحزب، فمن المعروف أن نظام الجمهورية التركية قائم من أساسه على الايديولوجيا الطورانية – الاتاتوركية، التي لا تسمح بقيام أي تنظيم سياسي، ما لم تتضمن وثائقه وأديباته التزاما بأطروحات هذه الإيديولوجية، وفي هذا المجال فان تركيا بهويتها الأسيوية الشرقية الإسلامية، أو بهويتها الأوروبية، حطمت الرقم القياسي بين الدول في حظر وإلغاء الأحزاب ". ولو سألنا د. عادل رضا عن حال الأحزاب في البلاد العربيّة جمعاء، وعن موقعها في الحياة السياسيّة والاجتماعية والاقتصاديّة، لما استطاع أن يخرج لنا حزبا واحدا من بين مئات الأحزاب الوطنيّة والإسلاميّة والشيوعيّة والثوريّة، قدّم خدمة جليلة للمواطن العربي. فكلّها – دون استثناء – تخوض حرب المصالح والمنافع والريّع. بل إنّ تلك الأحزاب التي تستيقظ من سباتها في المواعيد الانتخابيّة فقط، صارت عبئا على الاوطان والمواطنين، وأصبحت تهدّد روح المواطنة. فإذا كانت أمريكا الإمبرياليّة بعدد سكانها الضخم (قرابة 335 مليون نسمة حسب إحصائيات 2022 م) يتنافس فيها حزبان سياسيان ؛ جمهوري وديمقراطي)، فإن بلدا مثل لبنان (عدد سكانه 6. 747. 787 نسمة حسب إحصائيات 2023 م) يضم عشرات الأحزاب، وقد عجزت عن تحقيق الإجماع في اختيار رئيس للبلد. وليس لبنان فقط، فإنّ معظم البلدان العربية – ما عدا بلدان الخليج العربي – تنسحب عليها ظاهرة الحزبيّة الريعيّة.

ويقول الكاتب في معرض حديثه عن التجربة التركيّة:

"إن الموضوعية تقتضي كثيرا من التحفظ أثناء الحديث عن نجاح التجربة التركية، وإذا كان البعض يدعي أن حزب العدالة حكومة ديمقراطيين مسلمين بعيدة عن نوستالجيا وأحلام الشوفينية، فليقدموا لنا المعايير الصحيحة التي يقيسون بها علمانية وديمقراطية نظام الجمهورية التركية، هل هي نموذج الدولة العرقية العنصرية التي تمارس التمييز بين مواطنيها على الهوية القومية، هل هي دولة العرق الأوحد، أم هي دولة المواطنة والعدل والمساواة واحترام التنوع القومي والديني والثقافي."

"هذه هي تركيا التي نعرفها النموذج المشبع بالأطماع التوسعية والنزعة العسكريتارية والايدولوجيا السوفيتية، النموذج المعاصر للدولة العنصرية الاستعمارية، التي تحتل الأراضي الكردية نصف جزيرة قبرص، ولواء الاسكندرون، وتتحين الفرص للانقضاض على ولاية الموصل، وتعتمد على تحالفاتها الاستراتيجية مع الناتو وإسرائيل، لتمارس الغطرسة على دول وشعوب المنطقة، فإذا كانت بعض دولها قد وقعت في مطب الراديكالية الإسلامية، فان تركيا غارقة في مطب الراديكالية القومية، كجسم طفيلي، يعيش على صراع المتناقضات بين الشرق والغرب"

ان هذه الحالة عدوة للأسلام المحمدي الأصيل وهي أيضا عدوة لمواطنيها العرب والأرمن والاكراد والعلويون الذين يعيشون على أرض الاناضول في ظل حكم الجمهورية التركية.

وكأنّي بالكاتب د. رضا عادل، قد شهر سيف الحجاج في وجه كل ما هو تركيّ، نجح أم فشل، أكان إيجابيا أم سلبيا. والمنطق يقتضي أن نعترف بأنّ التجارب السياسية أو الاقتصاديّة أو الاجتماعيّة في أيّ بلد تحتمل الصواب والخطأ، والنجاح والفشل. فإذا كانت التجربة التركيّة – حسب رأي د. عادل رضا – فاشلة ومشبعة بالأطماع التوسّعيّة والنزعة العنصرية والعسكريّة والإيديولوجيّة السوفيتية و(عدوّة للإسلام المحمدي الأصيل) وللعرب والأرمن والأكراد والعلويين. فما هو النموذج العربي الناجح؟ ليدلنا الكاتب على تجربة عربيّة ناجحة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولو قارنا بين حالة العرب (الغرقى في الفوضى الخلاقة لرباعهم)، وحالة تركيا المعاصرة، في مجال التنميّة ونسبة النمو لأذهلنا الفرق الشاسع بينهما. ولولا ثروة النفط والغاز وعائداتهما المالية الضخمة، لما كان للعرب ذكر في المحافل الدوليّة.

ويضيف الكاتب، حسب مصادره الخاصة، كما زعم:

" تقول مصادري الخاصة من داخل تركيا وأيضا من خلال شبكة علاقاتي مع الاتراك المقيمين في أوروبا ان هناك تقسيم ديني في التعامل مع الهيئات الاغاثية العاملة في قرى العلويون والاكراد الذين تم تدمير قراهم وبلدانهم وكان هناك تأخير متعمد بما يختص بالمساعدات، وأيضا كان هناك تأخير متعمد وأوامر بالجيش للتأخر بمساعدة الضحايا والمحتاجين في المناطق العلوية والكردية من الجمهورية التركية.

"أصبحت AFAD وهي المنظمة التركية لطوارئ الكوارث وهي المنظمة المختصة بالتحضير لمنع والتحضير للكوارث وتقليل الاضرار في حال حدوثها وهي أيضا المسئولية عن تقليل الاضرار الناجمة لما بعد حدوث الكوارث وترتيب الاستجابات المطلوبة من الدولة ومؤسساتها بجميع المؤسسات الحكومية المعنية، ان هذه المنظمة المهمة اصبحت مزرعة أقارب الأشخاص المنتمين لحزب العدالة والتنمية الاردوغاني ومن غير حملة الاختصاص المطلوب بل ان هناك اعداد كبيرة من أئمة المساجد فيها؟!

"بعد الزلازل التي ضربت كهرمان مرعش، لم تساعد جهود البحث والإنقاذ في المنطقة.

واتضح أن أقارب المقربين من الحكومة كانوا مديري إدارة الكوارث والطوارئ التي تعرضت لانتقادات بسبب وصولها إلى حطام الطائرة متأخرًا وعدم التنسيق أثناء كارثة

كما تم الكشف عن أن الأشخاص الذين ليس لديهم تدريب وخبرة، والبحث والإنقاذ في إدارة الكوارث والطوارئ، عملوا كمدير إقليمي. يوجد العديد من الأئمة بين مديري المحافظات في إدارة الكوارث والطوارئ."

"ان هؤلاء متخصصين في الدين وأساسا هم ضمن تعليم ديني متوسط وليسوا أصحاب اختصاص في الإغاثة او الجيولوجيا او إدارة الكوارث وهذه كلها تخصصات علمية اكاديمية تطبيقية، وهذه أحد اهم المشاكل التي تعيشها المنظومة الحاكمة الطورانية الاردوغانية والتي تتحرك لضمان الولاء على حساب أصحاب الاختصاص والتكنوقراط أصحاب الشهادات وهذا ما تم كشفه وأدى الى مضاعفة الكارثة للزلال أكثر وأكثر على الناس الأبرياء"

هكذا بنى كاتب المقال معلوماته (الخاصة) حول الجهود الإغاثيّة بعد الزلزال على القيل والقال، وعلى ما رواه له بعض أصدقائه الأتراك المقيمين في أوربا. ولم يخبرنا الكاتب عن إيديولوجيات وتوجّهات أولئك الأصدقاء. هل هم من الموالاة أم من المعارضة؟ هل هم أتراك أم أكراد أم علويين أم شيعة أم سنّة أم علمانيين أم إخوانيين أم شيوعيين أم مسلمين أتراك أم يهود أتراك أم نصارى أتراك؟ وهل وقفوا بأنفسهم على عمليات الإغاثة أم قيل لهم ذلك؟ أم استقوا معلوماتهم تلك من مواقع التواصل الاجتماعي؟

والحقيقة، إنّ ما نقلته وكالات الأنباء العالميّة، وخاصة قناة الجزيرة القطريّة، عكس حجم الكارثة الإنسانيّة، التي تعجز عن الإحاطة بها أعتى الدول في العالم. وهذا ما جعل عمليات الإغاثة والإنقاذ شابها نقائص شتّى في تركيا وشمال سوريا. أمّا مسألة التمييز بين ضحايا الكارثة، ففيها نظر، ولم ترها سوى المعارضة الحاقدة والعملاء القاعدين في شرفات الفنادق الفخمة، يرتشفون قهوة الصباح وشاي المساء..

" العلمانية التركية المزعومة، فهي إيديولوجية عنصرية تم استزراعها عنوة بقرار سلطوي فردي في بيئة حضارية متخلفة، ومخالفة لمنشئها الأوروبي، ثقافة وفكرا ودينا، فلم تكن وليدة الرغبة في دولة مدنية – ديمقراطية، ولم تكن من بنات أفكار الفلاسفة، بل اتخذها الجنرال أتاتورك، ذريعة للتملص من استحقاقات معاهدة سيڤر 1920، بخصوص منح شعوب السلطنة حق تقرير المصير، تماشيا مع مبادئ ولسون الأربعة عشر، فالرجل بنزعته السوفيتية العنصرية كان من غلاة القوميين الأتراك الطورانيين، ممن يمجدون العرق التركي ويضعونه فوق بقية الأعراق "

و يختم د. رضا عادل مقاله بقوله:

" وما حدث في زلزال تركيا المنكوبة ليكن هزة للعقل العربي والضمير لكي نعود للتحرك في خط صناعة السعادة للفرد والنهضة للمجتمع كما كنا، اما الواقع العنصري الاتاتوركي الطوراني السائر في خط خدمة الصهاينة والحلف الطاغوتي الربوي العالمي فماذا سيكون مصيره لاحقا، فأن هذا أيضا سيكون ضمن ماذا سيترتب على صراع الأقطاب الدوليين؟ وهذا هو جواب المستقبل القريب "

و خلاصة القول، إنّ الكتابة في الشؤون العربيّة والإسلاميّة، كانت تقتضي من الكاتب د. رضا عادل أن بتّسم بالعدالة ويلتزم بالموضوعيّة، ويبتعد عن الفلسفة الكيديّة، التلفيقيّة. إنّ معارضة د. عادل رضا للنظام السياسي والإيديولوجي التركي الحالي، أو كما سمّاه " النظام الأردوغاني " - الذي أعاد مسجد أيا صوفيا بعد أن حوّله كمال أتاتورك 1934 م إلى متحف عالمي باقتراح من الأمريكي توماس ويتيمور- أمر يخصه، وهو حرّ كل الحريّة في إبداء آرائه، والإفصاح عن قناعاته السياسية وفلسفته الإيديولوجيّة، لكن لا يبيح له تشويه الحقائق التاريخيّة والحقائق المعيشة. وخداع القاريء. لأنّ مخاطبة عقل القاريء تخضع لمعايير الصدق والحق والموضوعيّة والمسؤوليّة.

لقد يئس (الاستعمار الجديد) من العودة – من جديد – إلى غزو البلاد العربية والإسلاميّة واحتلالها، والسيطرة على خيراتها وثرواتها والحيلولة دون تقدّمها وبعث نهضتها وبناء اقتصادياتها، فلجأ – بأساليب خبيثة – إلى إثارة الفتن الإثنيّة، والنبش في التاريخ القديم، وتحريك النوايا الخبيثة لما أطلق عليه بـ (الأقليّات) العرقيّة (الأكراد في الشام وتركيا والعراق، البربر في المغرب العربي، الأقباط في مصر، التوارق في دول الساحل..)، تحت مظلّة الدفاع عن حقوق الإنسان، بأيادي منظمات حقوق الإنسان المشبوهة - التي عَمِيت عن الدفاع عن حقوق الفلسطينيين والبوسنيين والروهينغا والإيغور – متبّعة سياسة (فرّق تسد). وهاهو نظام العولمة السياسية والاقتصاديّة والثقافيّة، الذي بشّرت بها الليبراليّة الأمريكيّة والأوروبيّة، يسعى إلى تفتيت مجتمعات الجنوب – في الوقت الذي يسعى إلى الوحدة في الشمال – وذلك بإيقاظ موجات من (الفوضى الخلاّقة). لتحطيم الدولة الوطنيّة، وتنصيب أنظمة عميلة للغرب. وانطلاقا من المعطيات السالفة الذكر، وغيرها، وجب على المفكّرين الباحثين العرب والمسلمين التزام الحذر الشديد من الدعوات المسمومة، والمدسوسة في أكواب العسل، والتي غايتها الآجلة والعاجلة، بث روح الكراهيّة والبغضاء والتنازع بين مكوّنات المجتمعات العربيّة والإسلاميّة، وتشجيع النظريّة العرقيّة، وإضعاف الوازع الديني (إنّما المؤمنون إخوة) { 10/ الحجرات }. وتفتيت الأمة الواحدة إلى شعوب وقبائل متناحرة. لتيسير غزوها من جديد. إنّ الفلسفة (الطورانيّة) التركيّة، لا تتعارض مع الإسلام، مثلها كمثل القوميّة العربيّة التي لا تتعارض أيضا مع الإسلام. لأنّها – حسب رأي الكاتب – تلتقي بالفكر الإسلامي في أكثر من موقع. فإذا كان العرب يفتخرون بقوميتهم، فلماذا لا يفتخر الأتراك بقوميتهم؟ أحلال على وحرام على الأتراك؟ إنّ الدعوة إلى الفلسفة الطورانيّة كالدعوة إلى الفلسفة العروبيّة، لا اختلاف بينهما. ولكلّ أمّة الحق في بناء نفسها كيفما شاءت، ما دامت لا تهدّد السلم العالمي وآليات التعاون الإنساني.

ومهما تكن خلافاتنا البينيّة وتعدّد مشارب أفكارنا واختلاف رؤانا، فإنّ هدفنا قول الحق ولا شيء غير الحق. والابتعاد عن بث روح الكراهيّة بين الأمم والشعوب والجماعات البشريّة، وبالمقابل، الدعوة إلى الحوار والمحبة والسلام والتكافل الإنساني، وعن اختلفت الملل الدينيّة والمذاهب السياسية والقناعات الإيديولوجيات.

***

بقلم: الأستاذ علي فضيل العربي – روائي وناقد جزائري

..........................

للاطلاع

الطورانية الأردوغانية والزلزال / بقلم: د. علي رضا

https://www.almothaqaf.com/opinions/968181

مع الحضور الطاغي والفعال لمواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، أصبح التعلق بالجزئيات وإثارة الضجيج حول تفاصيل فنية ورياضية ودينية معينة ورفدها بشحنات أخلاقية لفظية متشنجة تقليدا استهلاكيا شائعا في جميع المجتمعات المعاصرة، وخصوصا تلك التي تعيش مرحلة انتقالية مضطربة نحو ما يمكن تسميته "الاندماج في الزمن المعاصر المفتوح" بسلبه وإيجابه. تلك المجتمعات تكون غالبا محكومة من قبل دكتاتوريات عسكرية أو مدنية مغلفة بقشرة انتخابية زائفة، أنظمة حكم تعود إلى عصر ما قبل الدولة الحديثة، وتجعل الهويات الفرعية الطائفية والعشائرية بديلا للهوية الوطنية الرئيسية وتدوس على هذه الأخيرة في كل حركة تقوم بها!

الملفت أن البعض من مثقفي زماننا ممن يسمونهم "صناع الرأي العام" يصاب بالخرس والصمم والعمى وهو يشاهد سيادة بلاده تداس وتهان من قبل السفراء الأجانب وخاصة الغربيين، أو وهم يتفرجون على أنهارهم وهي تجف وتزول من الوجود بسبب السدود التركية والمشاريع الإيرانية، أو ثروات بلادهم وهي تنهب وتسرق من قبل عصابات الحاكمين الطائفيين وحاشيتهم من أراذل البشر فلا ينبسون ببنت شفة خوفاً من القمع أو من فقدان الحظوة والامتيازات أو طمعا بحظوة وامتيازات إضافية من لدن أهل الحكم، ولكنهم سرعان ما يشحذون ألسنتهم وأقلامهم إذا تعلق الأمر بفيلم أو مسلسل تلفزيوني تجاري بائس!

بل أن بعض الكتبة ارتضى القيام بدور "مهرج السلطان" الذي لا يستثني سلطانه من قفشاته وغمزاته ولمزاته معتبرا ذلك نوعا من "المعارضة الثورية"، ويصب غضبه على هذا "المجتمع المتخلف" الذي يرفض أن يتطور، ولكن مهرجنا حين يجدُّ الجدُّ يأخذ موضعه على سفرة السلطان كباقي أفراد القطيع "الثقافي" الحكومي بانتظار ما سماه أحد أقطاب التصوف القدماء "ذلِّ انتظار المرق واللحم"!

لا يكاد يخلو شهر رمضان سنويا من ضجة حقيقية أو مفتعلة يثيرها عمل تلفزيوني أو أكثر. وكانت حصتنا في العراق هذا العام ضجتين اثنتين؛ الأولى أثارها مسلسل تلفزيوني كويتي يحمل اسم " دُفعة لندن"، قيل إنه يسيء إلى العراق والمرأة العراقية تحديدا لأن ممثلة عراقية ظهرت فيه بدور "الخدّامة"، والضجة الثانية أثارها مسلسل عراقي اسمه "الكاسر" وقيل إنه يسيء إلى عشائر العراق الجنوبية، والبعض وسع دائرة الإساءة لتشمل الطائفة الدينية الأكبر "الشيعية" كلها! لست في وارد الكلام عن هذين العملين التلفزيونيين لأني لم أشاهدهما، لأنني نادرا ما أشاهد المسلسلات التلفزيونية، ولكني سأكرز كلامي على الظاهرة نفسها؛ ظاهرة الضجة التقليدية التي تثيرها أعمال كهذه وهل هي ترتبط – كما يزعم البعض- بطبيعة المجتمع العراقي التي توصم دائما وكحكم مسبق بالتخلف والمحافظة، أم إنها ظاهرة معاصرة تسود في مجتمعات كثيرة ولها أسبابها وشروطها الاجتماعية؟

بقليل من المتابعة والتحري الإعلامي يتأكد لنا أن هذه الظاهرة ليست اختراعا أو ابتكارا عراقيا، وأعتقد أن غالبية مجتمعاتنا العربية والعالمثالثية شهدتها بدرجات متفاوتة الحدة ولكني سأخص بكلامي الساحة المصرية لكونها الساحة الفنية الأكثر إنتاجا واستهلاكا للأعمال الفنية، وقبل مصر دعوني أذكِّر بما أثاره المسلسل الكويتي "من شارع الهرم إلى" في رمضان من العام الفائت، حيث اعتُبِرَ هذا المسلسل "مسيئا أولا للمجتمع الكويتي وللعلاقات الإنسانية وللقيم الأخلاقية، وبأنه ينطوي على إساءة لسمعة النساء في مصر"، وأطلق مدونون مصريون هاشتاغا للمطالبة بوقف المسلسل ومنع عرضه وشاركهم مدونون سوريون وجدوا أن خطاب الكراهية واضح في هذا المسلسل.

وقد نأت وزارة الإعلام الكويتية بنفسها عن الموضوع وبرأت ذمتها منه بأن أعلنت أن "اللغط المثار حول أحد ‏الأعمال التلفزيونية الذي يبث من قبل إحدى المحطات هي من إنتاج شركة غير ‏كويتية، وأنه لم تتم إجازة العمل من قبل وزارة الإعلام، كما أنه تم تصويره ‏خارج الكويت ويعرض على منصّات خارج البلاد". في المقابل، هناك نساء كويتيات أشدن بالعمل الفني الذي يلقي الضوء على حقوق النساء والمشاكل التي يعانين منها، مبينات أن تفاصيله هي من تفاصيل حياة الكثير من العائلات الخليجية.

أما في مصر فالأعمال الفنية التي أثارت ضجيجاً وصخباً ووصل بعضها الى ساحة القضاء كثيرة، ومنها على سبيل المثال فيلم "أريد حلا" الشهير، رغم أنه أثمر تعديلا قانونيا لمصلحة النساء. ومسلسل "فاتن أمل حربي"، الذي طاله الانتقاد من مؤسسة الأزهر التي أصدرت ضده بيانا شديد اللهجة، رغم الإشادات الواسعة التي نالها، ثم وجد أصحاب المسلسل أنفسهم موضوع شكوى أمام القضاء بعد بلاغ مقدم إلى النائب العام من طرف المحامي المصري، سمير صبري يتهم المسلسل فيه بازدراء الأديان وتشويه صورة علماء الأزهر وإنه يصنف "تحت جريمة استغلال الدين في الترويج لأفكار متطرفة المنصوص عليها في المادة (98) من قانون العقوبات"، ورغم ذلك فلم يصل الأمر إلى منع المسلسل من العرض ولم يعاقَب أصحابه من قبل القضاء حتى الآن.

وقد اعتبرت هذه الأعمال من قبل المحافظين نوعاً من "دراما خراب البيوت" كما وصفها الناقد محمد عبد الشكور. لنقرأ هذه الفقرات من تقارير صحافية مصرية متنوعة حول هذه الظاهرة:

* لنبدأ بفيلم «الأفوكاتو» بطولة عادل إمام والذي كتب قصته وأخرجه رأفت الميهي، وهو فيلم كوميدي من النوع التهريجي السطحي كأغلب أفلام عادل إمام، "وبسببه أقيمت أكثر من مائة دعوى قضائية ضد عادل إمام وحده من محامين كبار اعتبروا ان بطل الفيلم استهزأ بهم ومسح بكرامتهم الارض حين تقمص دور محام «أونطجي»، مهرج، يلعب بالبيضة والحجر، يتحايل على القانون".

وقد أصدر القاضي مرتضى منصور حكما على عادل إمام بسبب الفيلم "بالسجن لمدة عام مع الشغل والنفاذ". وأشار منصور لاحقا في لقاء تلفزيوني "إلى أنّه غضب كثيراً عند مشاهدته فيلم "الأفوكاتو" لكونه يتعرّض وبشكلٍ عام إلى قدسيّة مهنتي القضاء والمحاماة (لاحظت هنا تقديس المهنة كبوابة لمنع نقدها)، الأمر الذي دفعه إلى إصدار حكمٍ بسجن عادل إمام لمدّة سنة. وعلى إثر ذلك، تعرَض مرتضى لهجومٍ كبيرٍ من قبل الصحافة التي دعمت عادل إمام. وعندما ذهب ليشتكي إلى وزير العدل أحمد ممدوح عطية، فوجئ بخبر إلغاء الحكم الذي أصدره؛ الأمر الذي دفعه إلى تقديم استقالته لشعوره أنّ العدالة لا تُطبّق إلّا على الفقراء الضعفاء".

ثم قام "منصور" برفع قضية أخرى على عادل إمام يتهمه بسبه وقذفه حصل بمقتضاها على حكم بحبس الزعيم لمدة 6 أشهر، وتعويض مليون جنيه؛ إلا أن الخلاف انتهى أيضا بعقد صفقة يتنازل بموجبها مرتضى منصور عن بلاغه في مقابل قيام عادل إمام بنشر اعتذار بالصحف لمرتضى منصور وتقديمه شيكا بمليون جنيه لمرتضى منصور بحضور الممثل صلاح السعدني.

* في عام 1983 منع عرض فيلم "الغول" لعادل إمام بسبب اتهامه بالتواطؤ مع رجال الأعمال، ومنع عرض الفيلم جماهيرياً رأت لجنة الرقابة وقتها بأن الفيلم يُعد مظاهرة سياسية مضادة للنظام القائم، ويدعو إلى الثورة الدموية ضد أصحاب رؤوس الأموال، إلى أن اتخذ قرار وقتها بمنع عرضه.

* وحدثت الضجة ذاتها بعد عدة أفلام ذات نزوع أيديولوجي مدعوم من نظام الحكم ومناهض لجماعة الإخوان المسلمين ومن تلك الأعمال "طيور الظلام" و"الإرهاب والكباب".

* و"حين قدم عادل إمام فيلم "عمارة يعقوبيان"، ثارت ضجة بسبب مشهد "الشذوذ"، حيث شكل مجلس الشعب عام 2006 لجنة برلمانية لتقييم الفيلم أثناء عرضه للجمهور، بعد أن تقدم 112 نائبًا بطلب إحاطة، يطالبون فيه بوقف عرضه".

* "عاد الجدل مرة أخرى حول أفلام عادل إمام، وعمل العديد من المحامين التابعين لجماعة الإخوان، على رفع أكثر من قضية ضده يتهمونه بازدراء الأديان من خلال أعماله الفنية السينمائية والتي كان من ضمنها "مرجان أحمد مرجان".

* في عام 1976، شن بعض أعضاء مجلس الشعب حملة قوية على المخرج سعيد مرزوق بسبب فيلمه (المذنبون)، الذي اتهموه أنه يسيء إلى سمعة مصر ونجح ضغط النواب في دفع وزير الثقافة وقتها لتشكيل لجنة سباعية للبحث في منع الفيلم بعد أكثر من شهرين من عرضه عرضاً عاماً.

* من أوائل الأفلام التي تعرضت لهذه التهمة فيلم (درب الهوى) للمخرج حسام الدين مصطفى وكانت المفارقة أن أول من شنَّ عليه حملة صحفية شرسة كان سينمائياً ممن دأبت الصحف على تسميته بزمن الفن الجميل، هو الكاتب والزجال ومسؤول الدعاية السينمائية لعدد من الأفلام الشهيرة في تاريخ السينما عبد الله أحمد عبد الله.

* في عام 1984 تعرض المخرج التسجيلي مختار أحمد للاتهام بالإساءة إلى سمعة مصر، حين بدأ عرض فيلمه القصير (إنقاذ) في مهرجان سينمائي دولي بمدينة أسوان في حضور وزير الثقافة ، وحين بدأ عرض الفيلم الذي يصور الحياة في أحد مساكن الإيواء في منطقة الدويقة بالقاهرة، دوى صوت أحد الصحفيين في قاعة العرض صارخاً: "ولعوا النور، أوقف العرض يا سيادة الوزير، ده واحد بيشوه سمعة مصر"، ليتوقف عرض الفيلم ويعتصم بعض الفنانين في بهو الفندق الذي أقيم به المهرجان مدافعين عن الفيلم الذي قال مخرجه للكاتبة منى فوزي في مجلة صباح الخير "أنا لم آت بشيء غير الواقع، ولم أقدم على هذا الفيلم إلا للتنبيه إلى أن هناك خطراً فظيعاً قادماً"، وهو ما جعل منى فوزي تذكر بما جرى قبلها للمخرج سامي السلاموني حين تم منع عرض فيلمه (الصباح) في التلفزيون لأنه أظهر المصريين وهم يأكلون الفول في الصباح بصورة تسيء إلى سمعة مصر، وما جرى لمسرحية (العسل عسل والبصل بصل) للمخرج سمير العصفوري في مهرجان قرطاج المسرحي الدولي عام 1984، "حين طالب بعض الصحفيين بالتحقيق في ملابسات خروج المسرحية من البلد، ليشكل وزير الثقافة لجنة خرجت بقرار ينص على مراقبة المسرحيات قبل سفرها إلى مهرجانات خارجية حتى لا تسيء لسمعة مصر".

* عادت تهمة "الإساءة إلى سمعة مصر" لتنبعث بشكل صاخب وحاد، كان هدفه هذه المرة المخرج يوسف شاهين، بعد أن عرض فيلمه التسجيلي (القاهرة منورة بأهلها) في افتتاح أسبوع المخرجين في مهرجان كان السينمائي الدولي عام 1991، برغم أن الصحافة المصرية احتفت بالفيلم حين أعلن عن عرضه في المهرجان، واعتبرته نصراً لمصر، لكن رد الفعل اختلف بعد مشاهدة الفيلم الذي تم اعتباره أكثر الأعمال إساءة إلى سمعة مصر على الإطلاق، لدرجة أن هناك سياسيين وصحفيين طالبوا بسحب جواز السفر المصري من يوسف شاهين.

وحول هذه الحادثة كتب مصطفى أمين في عموده اليومي (فكرة) بصحيفة (الأخبار) بتاريخ 3 يونيو 1991 قائلاً: "لم أفهم الضجة القائمة على فيلم يوسف شاهين، واتهامه بالخيانة العظمى لأنه أظهر مدينة القاهرة بكل عيوبها، كأن المفروض أن يقول إن القاهرة أنظف بلد في الدنيا وأن سكانها يعيشون في فنادق ماريوت وسميراميس وهيلتون. خاتماً فكرته بالقول "الوطنية أن ننظف القاهرة لا أن نمنع نشر صور أكوام القمامة"!

خلاصات: بالعودة إلى موضوع مسلسلي "الكاسر" و"دُفعة لندن" ورغم أنني وعدت القارئ بأني لن أتحدث حول مضمون أو إخراج هذين العملين لأنني لم أشاهدهما، ولكني سأطرح الملاحظات والخلاصات التالية حول الضجة التي أثيرت حولهما فتحول هذا الحدث الى ما يشبه الظاهرة السنوية:

* هذه الظاهرة لا تتعلق بتخلف هذا المجتمع وتقدم ذاك، فالتخلف والتقدم حالات نسبية وهي نتيجة لسبب أو لحزمة أسباب، بل تتعلق بنمط متشابه من المجتمعات المغلقة والمقموعة، والتي يتناوب ويتعاون نظامُ حاكم تابع ولاديموقراطي مع نخبة ثقافية محافظة ومنحطة تشتغل في خدمته سواء كانت ذات نزعة دينية أو عشائرية محافظة أو متغربنة تزعم الليبرالية، ومهمتها تغييب وعي الجمهور وقمعه وتضليله واستغفاله وقطعه عن جذوره وهويته الحضارية، وهي تتعلق، ثانياً، بالتقصير الهائل لدى النخبة المثقفة النقدية التقدمية والمشلولة بفعل القمع الحكومي الشرس أو شراء الذمم في القيام بدورها التحرري والتغييري.

* ثم إن النظرة الإفلاطونية القاصرة للمجتمعات بوصفها تجمعا للملائكة أو للشياطين هي التي تؤدي إلى هذه النزعة الخاطئة في تقييم الأعمال الفنية والثقافية عموما. فبموجب هذه النظرة فإن العشيرة أو المهنة أو الجنسية الفلانية كريمة ونبيلة ومقدسة والأخرى العلانية شيطانية وفاسدة ومنحلة، وهذا محض هراء فالمكونات المجتمعية والثقافية هي تجمعات من البشر لا من الملائكة ذوي الأجنحة ناصعة البياض وفيها الصالح والطالح والبين بين، وفيها الجيد والسيء والبين بين، ولا يمكن بالتالي إطلاق الأحكام القيمية والأخلاقية الباترة والمزاجية على العشيرة الفلانية أو ذوي المهنة الفلانية أو على النساء الفلانيات لا في الحياة العادية ولا في الأعمال الفنية.

* وإن استسهال طريق القمع والحظر لكل ما لا نرغب فيه لا يؤدي الى شيء، بل يزيد من تعقيد الأمور، خصوصا وقد أصبح منع نشر وبث الأعمال الفنية في عصرنا شبه مستحيل بوجود منصات البث الرقمي المستقلة، وإن الأفضل من القمع والحظر والمصادرة توسيع دائرة النقد الحر التقدمي والتثقيف الذاتي والجماعي لبناء مصدّات وحواجز حماية ضرورية أمام الأعمال الهابطة والهدامة الحقيقية وليكون بمقدور الجمهور المشاهد ان يقرر بإرادته الحرة نوع الأعمال التي يحبذها أو تلك التي يجب مقاطعتها وفضح مضامينها نقديا.

* إن ظهور بعض الشخصيات الاجتماعية في المسلسلات والأفلام ينبغي أن يؤخذ في إطاره الشخصي، أي إطار الحالة الإنسانية المفردة التي يدور حولها العمل الفني - وهو عمل خيالي أصلا - من دون تعميم، إلا إذا أعلن كاتب العمل الفني ذلك بوضوح. إن الخطأ الفادح إنما يكمن في التعميم، وجعل الفرد ممثلا للجماعة وناطقا باسمها فبموجب هذا الخطأ يتحول المحامي الفاسد فلان إلى ممثل رسمي ينطق ويتصرف باسم جميع المحامين، والمرأة المتحللة أو الفاسدة فلانة تصبح نموذجا لجميع النساء من جنسيتها، وغني عن القول والتكرار أن عمل المرأة "خادمة أو معينة منزلية" ليس منقصة إلا في أذهان الارستقراطيين الكسالى والمتشبهين بهم بل هو عمل كدحي شريف! وأن يكون الشيخ الفاسد والمتحلل فلان نموذجا لجميع شيوخ العشائر، خصوصا وإن غالبية مفردات المؤسسة العشائرية في عراق اليوم كما قلنا بلغت الدرك الأسفل من الانحلال والتفسخ والارتزاق حتى أصبح لكل عشرة أشخاص مشيخة وشيخ وربما أكثر من شيخ، ويبقى القابضون على جمر الكرامة والتقاليد العشائرية الإيجابية قلة نادرة في أيامنا!

وأخيرا، فإن من بديهيات حرية التعبير أن يتكلم الجمهور بحرية وأن يقول رأيه في هذا المسلسل أو ذاك الفيلم، رفضاً أو قبولاً، إنما من دون الدخول في مطبات التحريض والدعوة الى القمع والحظر والتكفير وإهدار الدم، وبعيدا عن الإساءة العنصرية أو الجهوية أو الطائفية الى شعب البلد الذي أنتج فيه العمل أو التنمر على أصحاب العمل والقائمين عليه من منطلقات ذكورية أو طبقية. إنها نوع من النرجسية الشعبية البلهاء تلك التي يسخر المصابون بها من كادحة تعمل خادمة بيوت أو مدبرة منزل ولكنهم يحترمون ويوقرون قواداً يعمل خادماً ومترجما وجاسوسا لقوات الاحتلال الأجنبية ويلتقطون الصور معه للتباهي!

* * *

علاء اللامي - كاتب عراقي

غثاثة ومخاض عسير!

أن المخرجات الكارثية للعدوان الأمريكي على العراق بأحتلالهِ البغيض للعام المشؤوم 2003 لم يكن أحتلالاً عسكرياً فحسب بل (تدميراً للمنظومة الأخلاقية) حين أغرق وطننا العزيزفي مستنقع المخدرات الملوثة بهلوسة المؤثرات العقلية، بالوقت الذي كنا ننعم بأنحساره وقلة مريديه وضئالة أنتشاره بسبب عقوبتها المشددة والثقيلة (أعدام بحق المتعاطي والمروج)، حين أصبحت العقوبة بعد 2003 وحسب الديمقراطية الأمريكية العرجاء (أقرت) : الحكومة الأتحادية في 2017 قانون رقم 50 يعتبر االمدمن والمتعاطي (مريضاً وليس مداناً) بالوقت الذي يذهب بكامل قواه العقلية إلى هذا السم القاتل وهو تحدي سافر للقيم السماوية والوضعية والقيمية الأخلاقية أضافة إلى إنهُ تدمير وبائي للقوى العقلية والخلايا الجسدية،وتفكيك وتدمير الأواصر الأجتماعية، والغريب إن المخدرات وبأنواعها الخطرة وحتى غالية الثمن مثل (الكريستال والكبتاجون) أنتشرت في جميع المحافظات العراقية وفي أغلب الجامعات والمدارس كالنار في الهشيم وعلى سبيل المثال لا الحصر تصريح الناطق بأسم وزارة الداخلية : سنة 2022 ضبط ستة أطنان مواد مخدرة، وعاد في سنة 2023 ليصبح التصريح الحكومي عشرة أطنان والأكثر تحديا تصريح قوى الأمن الداخلي : لدينا 60 طن جاهز للحرق والأتلاف وهو مؤشر مخيف ومرعب على مستقبل أجيالنا القادمة !؟ .

أن المخدرات وحبوب الهلوسة من المواد المضرة بصحة الأنسان والمحرمة شرعا ويجرمها القانون والتي غزتْ العراق في السنوات الثلاثة الأخيرة بالذات أو الأصح أن نقول بعد الغزو الأمريكي الجائر للعراق في 2003، وكان المألوف في العراق يستهلك الحشيش والترياق المهرب من أيران، وكان المتعاطون يمارسونه عن طريق دسّهِ في النرجيلة، وتشهد البصرة وحدها أستهلاك نوع منه ما يسمى بالكرستال الذي يتميّز بتأثيره القوي وأرتفاع شديد لسعره برقم جنوني، وفي الآونة الأخيرة تم تصنيعه مختبريا وبشكلٍ شبه علني، وبعد دخول القوات المحتلة للعراق شكلت هذه الظاهرة القاتلة أرقاما خيالية في التجارة الدولية، وحسب أحصائية لمكتب المخدرات التابع للأمم المتحدة : أن من بين كل عشرة أشخاص تتراوح أعمارهم بين 18-30 سنة يدمن منهم (ثلاثة)، وأنه أخطر من العبوات الناسفة أو حتى الأحزمة الناسفة أن لم توازيها بالخطر المرعب في نخر المجتمع العراقي، لتحطيم القوّة البشرية في العراق عن طريق أغراق شبابه ببراثن التخدير والهلوسة، تعتبر مادة الكبتاجون من أخطر المواد المخدرة التي تدمر الجهاز العصبي للأنسان تدريجياً ويدمن عليهِ الأنسان بسرعة ويتم الترويج لهذا المخدر الخطير على أنهُ مقوّي جنسي، وهذا ما يساعد على أنتشاره !؟ .

وحسب تحليل طبي علمي أستقيتهُ من المجموعة الطبية في جامعة Stockholmshögskola في هودنكه وسط العاصمة السويدية ستوكهوم واحدة من أشهر وأقدم الجامعات رصانة في العالم وإنها تنظم محاضرت للمواطنين وهو تقليد ما زال قائما لحد اليوم وكان حضوري لطرح هذا السؤال : ما هو تأثير المخدرات وبالذات ال(الكبتاجون) على صحة الأنسان ؟ وصلني هذا الجواب :

{أدمان تعاطي الكبتاجون يؤدي إلى الجلطات القلبية، وأبطاء عمل الأعصاب، وألتهاب قشرة الدماغ، وتدمير عمل الغدة الكظرية، وتسارع نمو الخلايا السرطانية، وتقرح المعدة، أضافة إلى مدمني الكبتاجون يعانون من الهلوسات السمعية والبصرية} مترجم بقلم الكاتب .

تداعياتها الكارثية المرعبة

- وهي مواد ذات تأثير تدميري وطريقة بشعة للموت البطيء لا تختلف عن طرق الأعدام على الشبهات لدى النظام الصدامي، والقلق يتزايد حين يكون هذا الموت من نصيب فئات الشباب في العراق المنتجة والمخصبة وتحويلها إلى فئاتٍ شائخة مستهلكة طفيلية عالة على المجتمع .

- ومن تداعيات هذه الكارثة الرهيبة أن يتحوّل العراق إلى ساحة تعبث بها مافيات الجريمة علناً وبشكلٍ غير مسبوق في تأريخ العراق أن تصل الجرأة والتحدي لهذه المافيات أن تفتح لها سوق شبه مخفي ومموه لترويج بيع المخدرات في الباب الشرقي بجوار نصب الحرية ومنطقة البتاوين، فأصبح العراق مخزنأ للتصدير بل تحوّل إلى محطة ترانزيت للتوزيع والتهريب إلى تركيا ودول أوربا الشرقية ثمّ الغربية ودول الخليج وشمال أفريقيا .

- وأن أعداد المدمنين على المخدرات تزايدتْ بشكلٍ ملحوظ بعد سنة الأحتلال الأمريكي للعراق بنسبة 80% وأدت إلى حالات الوفاة المفاجئ أو ربما بالأنتحار بسبب تعاطي هذا السم القاتل ووقعت أغلبها في محافظات البصرة وميسان وبغداد وبابل والمثنى وواسط، وكربلاء والنجف وأكدت البعثة الأممية أن عشرة سنوات القادمة ستفتك المخدرات بالشباب العراقي في حال بقي الوضع متأزما على ما هو عليه .

- وأن أحصائيات العيادات الخارجية في المستشفيات الحكومية للعام 2009 تشير إلى أن عدد المدمنين على الحبوب الطبية والمؤثرات العقلية وصلت إلى40349 مدمنا يرقد في المستشفيات الحكومية 340 شخص فقط وهي أرقام مخيفة حين يتعرض العراق بعد سنة الأحتلال إلى سونامي طوفان المخدرات وحبوب الهلوسة حسب خبر عاجل في نيسان الماضي دخول 18 مليون حبة من المخدرات دخلت العراق من منفذ البصرة والدولة المصدرة الأمارات العربية.

- أصبح العراق جسراً يربط بين آسيا وأوربا من خلال دخول المخدرات أليه من الجارة أيران بشكل رئيسي فغدت تعاطي المخدرات في وطننا العراق ثقوباً سوداء لأبتلاع وجودها الحضاري وقيمها الآجتماعية والآخلاقية مما أدى إلى تزايد أنشطة عصابات ومافيات منظمات التهريب في داخل العراق .

- وأن المخدرات أصبحت وسيلة مساعدة في أرتكاب الجريمة بفقدان المتعاطي لقواه العقلية كما شاهدنا نشرات الأعلام العراقي في مسألة التعنيف الأسري حين يقدم أحد أفرادها على تصفية جميع العائلة أو أن ترمي أم أطفالها من على الجسر إلى النهر ووووو.

الأسباب/

- عدم الجدية في السيطرة على المنافذ الحدودية البرية والبحرية والجوية مفتوحة وغير منضبطة أمنياً تسيطر عليها الرشا في تسهيل تهريب المتاجرين والمروجين لهذه الآفة الخطرة .، وخاصة الحدود مع سوربا وأيران .

- أنتشار البطالة وبنسبْ عالية ربما أكثر من 39 % من المجتمع العراقي، وعدم توفر مراكز للترفيه يلجأ اليها الشباب .

- قانون منع أستيراد وصنع وبيع المشروبات الروحية وهو قانون محزن ومخيب مما أدى إلى الأتجاه إلى المخدرات والتي هي الأرخص عالمياً حين يكون سعر الغرام حوالي 20 ألف دينار ما يعادل (13دولار) .

- الفلتان الأمني أو الوضع الأمني الهش والأشكالات السياسية والدستورية صارت سبباً في أنتشار مروجي المخدرات من الذين يسعون إلى تعزيز مواردهم المالية بطرق سهلة غير قانونية، وللأسف الشديد أن هذه الظاهرة المرعبة والقاتلة مغيّبة عن مراكز القرار المتنفذة وبحضور مخجل، مما دفع إلى ظهور (بعض) الكتل السياسية المتنفذة الذين يسعون أصلا إلى تخريب مؤسسات الدولة من أجل أستغلال هذا الوضع السريري للدولة للأثراء في تسهيل ترويج آفة المخدرات، والنزاعات العشائرية التي أنعكست سلباً على الحياة الأجتماعية والمعيشية والتي هي ربما سبب في الأقتتال العشائري في الأستحواذ على مراكز الحيوية في تجارة المخدرات، وأن المنظومة الأمنية والسياسية المتفككة أصلا وهي تعيش فوضى الطائفية والمحاصصة الكتلوية والحزبية تشكل سبباً هاماً في أنتشار وتعاظم هيكل تلك الآفة الأجتماعية .

- الأحتلال الأمريكي الذي لم يكتفي بتخريب البنى التحتية والفوقية بل عمل على جعل العراق منذ 2003حديقة خلفية للعم توم !!! ولغاية اليوم ممراً للمخدرات الأيرانية والأفغانية بأتجاه دول الخليج .

- أن أسعار المخدرات في دول الجوار عالية ومكلفة جداً، بينما في العراق تباع بأسعار زهيدة .

- أن الأحزاب المتنفذة تتحكم بمقدرات البصرة، وأن الدور الحكومي مغيّبْ تماماً، ويؤكد المكتب الأقليمي التابع للأمم المتحدة في العراق هذا التردي الأجتماعي وأنهيار الحكومة أمام عصابات الجريمة المنظمة وحيتان تجار المخدرات يعود إلى غياب المتابعة والتوعية وقلة مراكز العلاج في العراق فضلا عن أنخفاض نسبة العقوبة في العراق حيث تصل إلى ستة أشهر فضلا عن كون أغلب التجار مدعومين .

- كان لسبب أثارة موضوع منع بيع المسكرات الكحولية - المثير للجدل- في الأسواق العراقية دفع المدمن للأتجاه نحو المخدرات لهذا أصبح سوق المخدرات رائجاً .

العلاج /

- دعوة إلى وزارة الصحة لأنشاء مصحات لمعالجة المدمنين والمتعاطين وتأهيلهم ضمن الأهتمام بالتنمية البشرية، وثم تكثيف الجهود الأمنية والقضائية في ردع المتاجرين والمروجين للمخدرات .

- زج وسائل الأعلام المتعددة في نشر التوعية وتدريس مخاطرها في المدارس والكليات .

- على الهيئات الحكومية في العراق تشريع قانون مكافحة المخدرات الخاص بالعراق

- فرض عقوبات صارمة (الأعدام والمؤبد) بحق المستورد وزارعيه ومصنعيه والأتجار به تجار ومروجي المخدرات، أما المتعاطين والمدمنين الحبس الشديد بتهمة مدان ثم بعد أتمام المحكومية يحولون للعلاج والتأهيل والمتابعة .

- الجميع يتحمل المسؤولية البيت الشارع المدارس الجامعات والمساجد .

- أجراء فحص دوري للعراقيين وخاصة المقدمين على الزواج فرض الفحص الألزامي لأكتشاف أمتداداتها العنكبوتية .

- وأن هذه المؤشرات الخطيرة تحتاج إلى التفكير الجدي عبر الخطاب السياسي الوطني والخطاب الديني الموحد والجامع للحمة العراقية، وهذا يتم عبر الوحدة الوطنية والمصالحة المجتمعية وبث مناهجها الوطنية في التوعية تجاه هذا الكابوس المقلق، وعجبي للدعايات الأنتخابية لم ألاحظ ولا كتلة سياسية واحدة تقدم برنامجا مكثفاً لمكافحة هذه الظاهرة المستلبة للمجتمع العراقي وناسفة لمراهناتها على الأهتمام بمستقبل الأجيال الشبابية .

- السيطرة التامة على المنافذ الحدودية البرية والبحرية والجوية، وتبديل شفتات الحراسة بين الحين والحين لتفادي السقوط في مستنقع الرشوة، والحل يجب أن يبدأ من البصرة لأنها حاضنة لترويج هذه الغدة السرطانية والتي تعمل فيها الأحزاب المتنفذة المدعومة من العشائر.

***

عبد الجبار نوري - كاتب عراقي مقيم في السويد

في نيسان2023

تابعت كذبات نيسان عند العراقيين وحكومات 2006 وما بعدها.. كان اولها في 2003 بالأعلان ان النظام في العراق صار ديمقراطيا. وبرروا المحاصصة بأنها معمول بها في الأتحاد الأوربي ودول ديمقراطية. والكذبة ليست في (المحاصصة) بل في آلية التطبيق والمنهج ومستوى وعي قادة الكتل السياسية الذي اثبت الواقع أن اغلبية تلك الأحزاب ليست سياسية بالمفهوم الأجتماعي – الأقتصادي- الوطني، بل هي تنظيمات دينية مذهبية واثنية لا تمتلك برامج وطنية بقدر ما تهمها مصالحها.والكذبة الثانية ان اهم مبدأ في النظام الديمقراطي هو تطبيق مبدأ العدالة الأجتماعية، فيما نظام ما بعد 2003 كسر الرقم القياسي في عدد الوزارات بين بلدان العالم قياسا بعدد السكان لتنهب حكوماته ثروة البلد ما شهد العراق في تاريخه افسد وأفشل منها.

وعلى صعيد الناس، كانت كذبة نيسان في عام 2016 تكشف عن حاجات ودوافع سيكولوجية تعبّر عن شخصية الفرد العراقي.. بعضها مقالب طريفة لاسيما بين أصدقاء شباب (ينصبون) على احدهم، غالباً ما تكون عاطفية، كأن يقلد أحدهم صوت فتاة تبدي له إعجابها به وولعها فيه.. فيصدّق، ويطلب منها اللقاء، فيأتي الى المكان الذي فيه من حاكوا له المقلب!. وتوزعت أغلب (كذبات نيسان) العراقية حينذاك، بين مقالب تحمل أخباراً مفزعة (شدّ حيلك اخي.. ترى الوالد انطاك عمره، أو.. اخوك.. دعمته سيارة وأخذوه للمستشفى، أو اسرع يمعود.. . ترى صار حريق بمنطقتكم.. .)، وأخرى سياسية تحمل أيضاً خبر موت من يكرهون، أو مفارقات لا تحصل مهما يكون!.

وفي العام (2018) ذكرت (الرشيد نيوز) أن أبرز ما تداوله العراقيون في هذا اليوم (1 نيسان): (خبر زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى طهران، عقب تظاهرات شهدتها بغداد ضد زيارة ابن سلمان إلى العاصمة، بينما كتب الأستاذ في علم النفس قاسم حسين صالح، في هذا اليوم أن محطة CNN العالمية نشرت خبراً عاجلاً ينص على إصدار الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً للسفارة الأميركية في بغداد برفع الكتل الكونكريتية المحيطة بالمنطقة الخضراء).

ولم تخل مشاركة العراقيين في (كذبة نيسان) من الطرفات، بينها أن صاحب مكتبة ودار نشر المعقدين فارس الكامل، نشر على صفحته الشخصية في موقع فيسبوك، رسالة درامية محبوكة عن خبر اعتزاله مهنة النشر وبيع الكتب، ذيّلها باعتذار إلى أصدقائه ممن قرأوا الرسالة لأنها "كذبة نيسان".

وما لا ينتبه له كثيرون، أن نيسان كذّب على العراقيين كثيراً، بدءاً من عام 2003 (مستثنين ميلاد الرئيس القائد في 28 نيسان!)، فحين تم تشكيل مجلس الحكم، ظن العراقيون أن هؤلاء السياسيين سيعملون لخدمة العراق، وانكشفت الكذبة بعد سنة في كتاب بريمر (عام في العراق) بقوله إن الشيعة جاءوا يطالبون بحقوقهم وكذا فعل السنّة والكرد، ولم يطالب أحد بحقوق العراقيين.

ومن كذبات نيسان العراقية تأكيد النائب علي العلاق في مداخلته بجلسة البرلمان (الاثنين 28 آذار 2016) بأن "السيد العبادي مستعد أن يعلن غداً حكومة تكنوقراط مستقلة، إن وافقت الكتل السياسية"، وعلقنا في حينه بأن تشكيل كابينة جديدة مطعّمة بتكنوقراط.. ممكن.. لكن أن يُقال أن المحاصصة انتهت في العراق بأمان.. فتلك أقوى كذبات الأول من نيسان!

ومن كذبات نيسان عام (2019) رفع شعار (الأغلبية السياسية للقضاء على المحاصصة والطائفية) فيما اثبتت الأحداث بأنه لا يمكن لزعيم طائفي أن يكون ديمقراطياً، لأنه يؤمن بأن طائفته فوق الجميع وأن مرجعيته لها تعلو على مرجعيته للناس والوطن.

ومن كذبات نيسان عام (2020) أن السيد نوري المالكي دعى الى تلبية مطالب متظاهري انتفاضة (ثورة) تشرين، ويعرف ان اهم مطالبهم هو (محاكمة الفاسدين)، ويعرف ويعرفون انه هو الذي تستّر على الفاسدين بتصريحه علنا:(لديّ ملفات للفساد لو كشفتها لأنقلب عاليها سافلها).لكنه صدق يوم قال (جميعنا فاسدين) مؤكدا صدقه بجوابه على استفسار المذيع:بمن فيهم أنت؟.. (نعم بمن فيهم أنا).. واعلن في العام نفسه أنه سيرشح نفسه لرئاسة الوزراء!.

وبصفحاتنا بالفيسبوك وتوتير كانت اصبوحتنا في (1 نيسان 2020): ( الرئاسات الثلاث في العراق ومعها رئيس وزراء سابق، تبرعوا بأربعة ملايين دولار لخلية الأزمة دعما لتأمين الخدمات الطبية للعراقيين)، فاكتشف المتابعون انها كذبة وعلقوا قائلين:(بالمشمش، اول كذبة من الحكومة يفرح بيها الشعب، ما صارت مثلهم بالتاريخ كان استحوا، ما معقولة بس لا كذبة نيسان.. .)

وكانت اشهر كذبة اعلامية عراقية حدثت قبل يوم من واحد نيسان( 2020) ان الأمام علي كان قد تنبأ بـ(كورونا) في نهج البلاغة، مستشهدا بابيات شعرية، فسلقه العراقيون بألسنة غلاظ وكأنهم في نيسان ايضا لا يكذبون!، ولا كأن رجل دين معمم ونائب برلماني لم يكذب حين اعلن في خطبته ( من دخل الأيمان قلبه لن يصاب بكورونا)!.. ولا تقولوا (ان هذا معتقده) لأنه كان يعرف ان رجال دين كبار اصيبوا بكوفيد 19. ولا قول الدكتور حسين الشهرستاني، ان عالما امريكيا اراد ان يصبح مسلما بعد ان قرأ القرآن، ولما سألهم ماذا عندكم بعد.. اعطوه نهج البلاغة، فلما فرغ منه قال آسف، سأبقى على المسيحية لأن نهج البلاغة اكثر تاثيرا من القرآن.

وحين تشكلت حكومة مصطفى الكاظمي في 2020، قالوا عنه انه ليس منتميا لاحزاب نهبت ثروة الوطن وافقروا اهله، وانه سيكون نزيها، وحدث ان انتهت ولايته بسرقة القرن!

وفي 2022 تشكلت حكومة محمد شياع السوداني ووعد بانه سيقضي على الفساد، تبين بعدها انه غير قادر حتى على مساءلة حيتان الفساد الذين طالبت المرجعية بمحاسبتهم، وقتل اكثر من ستمئة عراقي لأنهم رفعوا شعار (محاسبة الفاسدين).

وتبقى حقيقة صادقة، ان الحكومات العراقية هي اكذب الحكومات في تاريخ العراق السياسي على مدى مئة عام.. وانها تكذب ليس في نيسان فقط بل حتى في يوم عشرة عاشوراء، الذي يبكون فيه على الامام الحسين فيما لو ان من يعتبرونه امامهم وقدوتهم ظهر الان مطالبا بالاصلاح واسترداد المليارات، لخيروه بين الرجوع من حيث اتى وبين القتال.

وتبقى أقبح وأوجع هذه الكذبات، يوم هزج العراقيون بساحة الفردوس معتبرين التاسع من نيسان 2003، يوم (التحرير) تبيّن لهم بعدها أنه كان بداية لمرحلة تاريخية من الضحايا والفواجع والتدمير، قابلة للتمديد في مستقبل ليس لهم فيه حق تقرير المصير.!

***

أ. د. قاسم حسين صالح

بعد الغزو البريطاني قامت (شركة بريتيش بتروليوم-BP) باستخراج ما قيمته 15 مليار جنيه إسترليني من النفط العراقي*

على الرغم من انكار الوزراء في حكومة المملكة المتحدة بأن الحرب كانت بسبب النفط، إلا أن الشركة البريطانية الرائدة تمكنت من حصد ثروة كبيرة عند عودتها إلى العراق بعد غزو عام 2003، وفقًا لما توصل إليه موقع (Declassified).

MATT KENNARD**

22 MARCH 2023

ترجمة: عزام محمد مكي

***

* عادت شركة بريتيش بتروليوم إلى العراق في عام 2009 بعد غياب دام 35 عامًا وحصلت على حصة كبيرة في أكبر حقل نفطي في البلاد بالقرب من البصرة التي تحتلها بريطانيا

* ضخت شركة بريتيش بتروليوم 262 مليون برميل من النفط العراقي منذ عام 2011

* حصل السير (John Sawers)، أول ممثل مميز للمملكة المتحدة في العراق بعد الغزو، على 1.1 مليون جنيه إسترليني منذ انضمامه إلى مجلس إدارة شركة بريتيش بتروليوم في عام 2015

* فازت شركة شل النفطية البريطانية "العملاقة" الأخرى بعقد في العراق في عام 2009 كمشغل رائد لتطوير حقل مجنون النفطي "العملاق".

أظهرت تحليلات جديدة أن شركة بريتيش بتروليوم ضخت نفطًا بقيمة 15.4 مليار جنيه إسترليني في العراق منذ عام 2011 عندما بدأت الإنتاج في البلاد لأول مرة منذ ما يقرب من أربعة عقود.  

وتأتي المعلومات الجديدة في الذكرى العشرين لبداية غزو العراق، الذي اعتبرته الأمم المتحدة غير شرعي. ومع ذلك، لم يخضع الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ولا رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، الزعيمان اللذان قادا الحرب، لتحقيق جنائي.

بدأ الغزو في آذار/مارس 2003 وأطلق العنان لكارثة إنسانية كارثية حيث قُتل ما يقدر بنحو 655000 عراقي في السنوات الثلاث الأولى من الصراع، أو 2.5 ٪ من السكان.

تم الانكار باعتبارها حربًا على النفط وعلى نطاق واسع من جانب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة: يمتلك العراق خامس أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم. لا علاقة للعراق بهجمات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر الإرهابية التي وقعت قبل 18 شهرًا والتي شرعت ما يسمى "الحرب على الإرهاب".

تأتي البيانات المتعلقة بإنتاج شركة بريتيش بتروليوم بعد الغزو في العراق من التقارير السنوية للشركة وتم حسابها باستخدام متوسط السعر السنوي لبرميل النفط لكل سنة إنتاج.

من عام 2011 إلى عام 2220، ضخت شركة بريتيش بتروليوم 262 مليون برميل من النفط العراقي.

(شركة) بلير للبترول

بدأت الشركة في عام 2011، بإنتاج 31 ألف برميل من النفط العراقي يوميًا، لكن هذا الرقم ارتفع بسرعة إلى 123 ألف برميل يوميًا بحلول عام 2015.

بحلول عام 2020، أنتجت شركة بريتيش بتروليوم نفطًا من العراق أكثر من إنتاجها في أوروبا بأكملها، بما في ذلك بحر الشمال البريطاني.

في الأشهر التي سبقت الغزو عام 2003، أُطلق على شركة بريتيش بتروليوم لقب "شركة بلير للبترول" بسبب الضغوط المكثفة التي مارسها رئيس الوزراء البريطاني نيابة عن الشركة.

لكل من شركتي بريتيش بتروليوم وشل تاريخ في العراق يعود إلى قرن من الزمان، وكانت صناعة النفط في البلاد تحت سيطرة الشركتين البريطانيتين إلى حد كبير خلال معظم القرن العشرين.4987 بترول

"الوصول إلى الموارد"

لكن شركة بريتيش بتروليوم عادت إلى العراق للمرة الأولى منذ السبعينيات بعد ست سنوات من الغزو البريطاني. حيث صرحت الشركة في ذلك الوقت: " نحن نسعى باستمرار للوصول إلى الموارد الذي شمل العراق في عام 2009 ".

وكانت الفرصة الجديدة هي في الحصول على عقد من الشركة المملوكة للدولة لتوسيع الإنتاج في حقل الرميلة بالقرب من البصرة، أحد أكبر حقول النفط في العالم. حيث كان الجيش البريطاني في ذلك الوقت يحتل البصرة والمناطق المحيطة بها في جنوب العراق.

ان حقل الرميلة، الذي يمتد 50 ميلاً من البداية إلى النهاية، تم "اكتشافه" بالاساس من قبل شركة بريتيش بتروليوم في عام 1953 وهو الأكبر في العراق.

كانت خطة إدارة بوش الأولية تقضي بان توقع الحكومة العراقية على قانون نفط جديد والذي كان من شأنه خصخصة النفط العراقي بشكل غير مباشر من خلال نوع غير تقليدي من التعاقد يسمى "اتفاقيات مشاركة الإنتاج" (PSA)

كان من شأن ذلك أن يسمح لشركات النفط الأجنبية بتوقيع عقود مع الحكومة لتطوير مناطق معينة من قطاع النفط العراقي مقابل حصة من أرباح النفط.

لكن الدستور العراقي يتطلب من البرلمان التصديق على القوانين، وبسبب الديناميكيات الداخلية في البلاد في ذلك الوقت، انتهى الأمر بالبرلمان إلى سيطرة الأحزاب الوطنية ذات السياسات المناهضة للاحتلال.

كان على الحكومة العراقية العودة إلى قانون قديم يسمح فقط بـ «عقود الخدمات الفنية» (TSC) التي أبقت النفط تحت الملكية العراقية مع منح شركات النفط الأجنبية سعر ثابت مقابل الخدمات.

اتخذ استثمار شركة بريتيش بتروليوم في الرميلة شكل(TSC)، والذي دخل حيز التنفيذ في كانون الثاني/ديسمبر 2009. في الصفقة، ستسترد شركة بريتيش بتروليوم التكاليف، بغض النظر عن سعر النفط، وتحصل على رسوم لكل برميل من الإنتاج فوق عتبة محددة.

ومع ذلك، ذكرت الشركة أن "عقد الخدمة الفنية (TSC) الذي نعمل بموجبه في العراق يعمل كإتفاقية مشاركة في الإنتاج [PSA]".4988 بترول

"المقاول الرئيسي"

كانت بريتيش بتروليوم هي المقاول الرئيسي في مشروع تطوير الرميلة، بحصة عمل بلغت 38٪. وتمتلك شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC) نسبة 37٪ فيما تمتلك الحكومة العراقية نسبة الـ 25٪ المتبقية.

وقالت شركة بريتيش بتروليوم، بانها إلى جانب شركة البترول الوطنية الصينية، تعتزم استثمار 15 مليار دولار على مدى السنوات العشرين المقبلة لزيادة الإنتاج في الرميلة إلى ما يقرب من 3 ملايين برميل يوميًا، أو 3 ٪ من إنتاج النفط العالمي.

في ذلك الوقت، كان حقل الرميلة ينتج فعليا نصف صادرات العراق النفطية وكانت تشمل خمسة مكامن منتجة. ستقوم بريتيش بتروليوم مع شركائها بتجديد الآبار والمرافق.

في عامها الأول من التشغيل، زادت شركة بريتيش بتروليوم إنتاجها من حقل الرميلة بنسبة 10٪ فوق المعدل المتفق عليه في البداية مع وزارة النفط العراقية، مما يعني أن الشركة أصبحت مؤهلة للحصول على حصة من النفط المنتج. على مدى العقد التالي، استخرجت شركة بريتيش بتروليوم ما معدله 65000 برميل من النفط يوميًا من الرميلة.

في عام 2014، زادت شركة بريتيش بتروليوم حصتها في العمل ضمن عقد الخدمة الفنية (TSC) في الرميلة إلى 48٪ وتم تمديد العقد لمدة خمس سنوات حتى عام 2034.

وذكرت الشركة أنه "على الرغم من عدم الاستقرار والعنف الطائفي في شمال وغرب البلاد، فإن عمليات شركة بريتيش بتروليوم كانت مستمرة في الجنوب".

في عام 2015، ذكرت الشركة أننا «نواصل بناء علاقات في معاقل شركة بريتيش بتروليوم التاريخية في الشرق الأوسط، مع تزايد الفرص» بما في ذلك في العراق، حيث وصل إنتاج شركة بريتيش بتروليوم إلى أعلى مستوى 123000 برميل يوميًا. وتم تصنيف العراق الآن كواحد من «مجالات الإنتاج الرئيسية» لشركة بريتيش بتروليوم.

المبعوث المميز لدى العراق

أحد الشخصيات التي حققت أداءً جيدًا من شركة بريتيش بتروليوم هو السير (John Sawers)، أول مبعوث مميز للمملكة المتحدة في العراق في عام 2003، والذي انضم إلى مجلس إدارة الشركة في عام 2015.

على مدار السنوات السبع التالية، كسب (Sawers) 1.1 مليون جنيه إسترليني من الرسوم من الشركة. كما بلغت قيمة حصته في شركة بريتيش بتروليوم العام الماضي 135 ألف جنيه إسترليني، بزيادة 181٪ عن وقت انضمامه إلى الشركة.

انضم (Sawers) إلى شركة بريتيش بتروليوم كمدير غير تنفيذي في آيار/مايو 2015 بعد أن "تم تشخيصه" على ما يبدو في العام السابق عندما تنحى عن منصب رئيس وكالة المخابرات الخارجية البريطانية (MI6).

ذكرت الشركة أن "( John) لديه خبرة طويلة في السياسة الدولية والأمن اللذان يمثلان أهمية كبيرة لأعمالنا". وأضافت الشركة أن (Sawers) أمضى الجزء الأكبر من حياته المهنية في الدبلوماسية "ممثلاً للحكومة البريطانية حول العالم". بسبب هذه التجربة، عينت بريتيش بتروليوم (Sawers) رئيسًا للجنتها الجيوسياسية.

كان (Sawers) مقربًا من رئيس الوزراء توني بلير في الفترة التي سبقت غزو العراق، حيث عمل مستشارًا للسياسة الخارجية من 1999-2001. في آيار/مايو 2003، عين بلير (Sawers) كأول مبعوث مميز لبريطانيا في عراق ما بعد الغزو.

كان دور المبعوث المميز هو "العمل مع العراقيين، ومع شركاء التحالف وكذلك مع ممثلين آخرين للمجتمع الدولي للمساعدة وتوجيه العمليات السياسية المؤدية إلى إنشاء الإدارة المؤقتة".

ثم أصبح (Sawers) المدير السياسي والعضو الرئيسي لمجلس الإدارة لوزارة الخارجية من 2003-2007. وعند عودته الى العراق استمر نفوذه في البلاد ممثلاً للحكومة البريطانية في تشرين الاول/أكتوبر 2005 في أعقاب الاستفتاء الدستوري الناجح.

بالقرب من وكالة المخابرات الخارجية البريطانية MI6

يبدو أن (Sawers)، وفي وقت سابق من حياته المهنية، كان ضابطا في وكالة المخابرات الخارجية البريطانية MI6. في عام 2009، عندما تم تعيينه رئيسًا لجهاز MI6، علقت بي بي سي: "كما أشارت الحكومة البريطانية بخجل، فإن السير (John)" ينضم مجددًا "إلى جهاز المخابرات السرية (SIS) - ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول حياته المهنية السابقة في MI6."

لطالما كانت BP على مسافة قريبة من وكالة المخابرات الخارجية البريطانية MI6. ففي مقال نشرته (Mail on Sunday) في 2007، والذي تم حذفه لاحقًا، ادعى أحد المبلغين عن المخالفات (مخبر) في الشركة أن " شركة بريتيش بتروليوم كانت تعمل عن كثب مع وكالة المخابرات الخارجية البريطانية MI6، على أعلى المستويات لمساعدتها على كسب الأعمال ... والتأثير على الهيكلية السياسية للحكومات".

كتب ( Richard Tomlinson)، الضابط السابق المنشق في وكالة المخابرات الخارجية البريطانية MI6، في مذكراته عام 2001 أن شركة بريتيش بتروليوم لديها "ضباط اتصال في وكالة المخابرات الخارجية البريطانية MI6 الذين يتلقون [المعلومات المخابراتية `ذات السرية] ذات الصلة".

كان سلف (Sawers) كرئيس وكالة المخابرات الخارجية البريطانية MI6، هو السير (John Scarlett)، كبير موظفي الاستخبارات والمسؤول عن ملف توني بلير سيئ السمعة حول أسلحة الدمار الشامل العراقية الذي تم اصداره في الفترة التي سبقت الغزو. وقد اقترح(John Scarlett)" استخدام هذا الملف لتضليل الجمهور حول أهمية الأسلحة العراقية المحظورة".

في تعليق شركة بريتيش بتروليوم حول مهارات (Sawers) ذات الصلة، أفادت الشركة أن "إدارة (Sawers) للإصلاح في وكالة المخابرات الخارجية البريطانية MI6 تكمل أيضًا رغبة شركة بريتيش بتروليوم للتركيز على القيمة والتبسيط".4989 بترول

حقل شركة شل النفطي العملاق

كما عادت شركة النفط البريطانية "الكبرى" الأخرى، شل، الى العراق مرة أخرى في عام 2009 عندما "حصلت على مكانة مهمة" في البلاد بعقد حكومي لتطوير حقل مجنون، مرة أخرى بالقرب من البصرة في جنوب العراق الذي تحتله بريطانيا.

ووصفته الشركة بأنه "واحد من اكبرحقول النفط العملاقة في العالم" باحتياطي يقدر بنحو 38 مليار برميل من النفط.

مُنحت شل شركة «عقود الخدمات الفنية»TSC لمدة 20 عامًا كمشغل رئيسي مع حصة 45٪ في تطوير حقل مجنون. وستمسك شركة النفط الماليزية بتروناس بنسبة 30٪ بينما تحتفظ الدولة العراقية النسبة المتبقية البالغة 25٪.

وصرحت شل إن من المتوقع أن يصل الإنتاج إلى 1.8 مليون برميل نفط يوميا بزيادة عن 45 ألف برميل كانت تنتجه في ذلك الوقت. وقالت شل أيضا بإن لدى الحقل "إمكانات استكشاف إضافية".

وفي عام 2009 حصلت شل أيضًا على حصة 15٪ في عقد لتطوير حقل غرب القرنة 1 – وهو مرة أخرى بالقرب من البصرة - كجزء من تجمع تقوده شركة ExxonMobil.

وفي عام 2014 تمت إعادة التفاوض على هذا العقد حيث تم تخفيض حصة الحكومة من 25٪ إلى 5٪ وتوزيعها على مساهمين آخرين، بما في ذلك شل.

رغم ذلك، باعت شل في عام 2018، حصتها البالغة 20٪ في حقل غرب القرنة 1، وحصتها البالغة 45٪ في حقل مجنون، للحكومة العراقية.

و لم تستجب شركة بريتيش بتروليوم وكذلك السير (Johm Sawers (في الرد على الطلبات المقدمة لهم من اجل التعليق.

***

........................

* https://declassifieduk.org/bp-extracted-iraqi-oil-worth-15bn-after-british-invasion/?s=08

** (MATT KENNARD هو كبير الصحفيين الاستقصائيين في موقع DeclassifiedUK

تغيرت الشوارع الاوروبية بعد العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا وتصاعد قرع طبول حرب يقودها حلف الناتو، وتديرها الولايات المتحدة الامريكية صراحة وبلا التباس. حيث فرضت ادارة الحرب الامريكية على اوروبا المشاركة المباشرة في سياسات الحرب تحت اسم دعم اوكرانيا وتقديم المليارات لآلة الحرب فيها وتشريع ما تسميه بالعقوبات والاجراءات العدوانية ضد روسيا والضغط عليها وعلى من يتعاون معها، مبينة ظهور تحالفين واضحين، متصارعين ومستعدين لمواصلة حرب تتدحرج نحو اخطر انواعها واشدها تهديدا للبشرية. وبالتاكيد تولد تداعيات على مختلف الاصعدة وتنعكس على حياة المواطنين عموما. ولهذا تدافعت موجات من الغضب على هذه السياسات في الشوارع الاوروبية، متنوعة من الاضرابات والتظاهرات المحدودة الى الاحتجاجات الشعبية الواسعة، تقودها النقابات وقوى يسارية في المعارضة للاحزاب الاوروبية الحاكمة، والتي اغلبها من اليمين التقليدي او اليمين الوسط.

وسائل الاعلام بكل انواعها، لا سيما الفضائيات منها، تكشف صورها مباشرة وتعلن عنها كما هي في واقع الشوارع الاوروبية وامتلائها بالمحتجين وشعاراتهم والرايات التي تعبر عنهم والتي تنوعت اشكالها وفئاتها الاجتماعية. واغلبها جاءت رد فعل سياسيا وانعكاسا للازمة الاقتصادية التي ضربت اوروبا بعد تلك المواقف والسياسات التي تزعم محاصرة روسيا والتخلي من صادراتها اليها، لاسيما الطاقة والغذاء..فاثرت عكسيا في الحياة الاقتصادية في الغرب عموما، وتراجعت القدرة الشرائية لدى مواطني البلدان التي اشتركت مع الادارة الامريكية في مواقفها وقراراتها ضد روسيا وحلفائها.

وحتى التظاهرات التي خرجت تحت شعارات السلام في اوكرانيا ووقف الحرب والانحياز لموقف الناتو، والتي تدعمها الحكومات الغربية ومن يؤيدها من الاحزاب والنقابات والبرلمانيين، رفعت شعارات تطالب بزيادة الاجور وتحسين الاوضاع الاقتصادية للعاملين في مؤسسات الدولة واعادة النظر بسياسات دعم الحرب والعقوبات والمقاطعة التي حملت الحكومات قسطا من اضرارها المتفاقمة على حياة المواطنين اليومية.

شاركت اغلب نقابات العمال في أوروبا وقوى اليسار الاوروبي في اوسع الاحتجاجات مدافعة عن حقوق اعضائها في العمل والأجور، وأكثرها في قطاعات حساسة كقطاع الطاقة والموانئ والطيران، وامتدت الى نقابات عمال النقل والمواصلات العامة والعاملين في الصحة والتعليم وغيرها مما حكم الشارع الاوروبي في الحياة اليومية لاغلب العواصم الاوروبية وكشف التفاوت والنزاعات المخفية بين الفئات الراسمالية المتحكمة بالسلطات والقواعد الشعبية المنتجة للخيرات او الداعمة للتطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

عكست ذلك طريقة تعامل الحكومات الاوروبية مع الاحتجاجات السلمية، ومن بينها الحكومتان، الفرنسية والالمانية، مدعيتا مثال الديمقراطية في العالم، حيث مارستا القمع الوحشي للمتظاهرين ومنعهم من التعبير عن سوء حالهم وغلاء معيشتهم وعن آرائهم والمطالبة بحقوقهم، وقد فضحت وسائل الاعلام هذه الممارسات الوحشية وعرت ديمقراطية حكومات الغرب امام العالم.

اثار اعلان تزويد اوكرانيا بانواع اخرى من الاسلحة، كالدبابات والصواريخ والطائرات موجة غضب اضافية، حيث اندلعت احتجاجات في اكثر من مدينة اوروبية، خاصة التي توجد فيها مصانع للاسلحة، مثل مدينة ميونخ، معارضة بشدة نقل الدبابات الألمانية إلى أوكرانيا، وردد المتظاهرون شعارات مناهضة للحرب وطالبوا بحل دبلوماسي للأزمة والكف عن تصعيد الازمة واستمرار اشعالها.

صب زيت الممارسات الحكومية العنفية ضد المحتجين على الرد عليها بما يقابلها ورفع الصورة الى مواجهات عنف بين قوى امنية مدججة بالسلاح ومدنيين يضطرون الى المقاومة بكل الاساليب المتاحة لهم، من حرق اطارات وغلق شوارع، الى مهاجمة مؤسسات الامن وحرقها واشباه ذلك مما يدفع الى نقل مشاهد عنف ترتفع وتيرتها كل مرة، وتضع المسؤولية من جديد على عاتق الحكومات وقراراتها وتبعيتها لسياسات مفروضة عليها ولا تعكس خيارات شعوبها واراداتها الوطنية. وهو ما يستدعي النظر اليه من زوايا الاسباب الحقيقية لما يجري وما يؤدي الى استمرار الاحتجاجات في الشوارع الاوروبية خصوصا.

***

كاظم الموسوي

أنشئ مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عام 1968 كمركز علمى مستقل وكان فى بدايته موجهاً للتركيز على القضية الفلسطينية ودراسة العدو الإسرائيلي والصهيونية العالمية، لكنه تطور مع الوقت وتشعبت مهامه لتصبح أكثر شمولاً ورحابة .. وباتت للمركز في ظل رئاسة الدكتور محمد فايز فرحات إصدارات دورية ينتظرها المثقفون والمفكرون لما لها من ثقل وأهمية على صعيد الفكر الاستراتيجى..

هذه الإصدارات تعددت وأكثرها يركز على الشأن المصرى مثل (بدائل) و(رؤى مصرية) و(أحوال مصرية) وغيرها من الإصدارات وأغلبها دوريات شهرية تصدر بانتظام، وتسلط الضوء على أوضاع البلاد فى الداخل المصري، وتحلل الوضع من عدة زوايا.. لكن الإصدار الأهم من وجهة نظرى هو الدورية السنوية التى تصدر تحت عنوان(التقرير الاستراتيجى العربي) والذى بدأ إصداره أول مرة عام 1986.. وقد صدر مؤخراً تقرير عام 2022 سعياً لتقديم رؤية استراتيجية مصرية لتطورات النظام الدولى والنظام الإقليمى العربي وحال المجتمع المصري..

قدم للتقرير د. وحيد عبد المجيد تحت عنوان (2022:انخفاض القدرة على حل الصراعات وإدارة الأزمات) كأن تلك النتيجة هى محصلة الأحداث التى حفل بها العام السابق.. وإذا قرأت محتوى المقدمة الطويلة التى جاءت فى تسع صفحات من القطع الكبير من تقرير شامل استوعب ما يناهز الثلاثمائة صفحة سوف تدرك على الفور أن تقييم الأحداث كلها يتمحور حول الحدث العالمى الأهم؛ ألا وهو الحرب الروسية الأوكرانية وما تسببت فيه من تداعيات ضخمة للعالم أجمع..

تلك الحرب ذاتها نشأت،طبقا لرؤية د. وحيد، كنتيجة مباشرة لانعدام القدرة على توصل المجتمع الدولى لحلول دبلوماسية قبل قيام الحرب، وأن التعنت الذى أبداه الجانبان وصل بالأزمة إلى آفاق ومستويات لم تكن فى الحسبان حتى بات العالم كله مهدداً باشتعال حرب نووية عالمية فى أية لحظة ولم يتوقف هذا التخوف بل زاد وتفاقم مع احتدام الصراع وتعقده يوماً بعد يوم..

التفاعلات الدولية

ينطلق التقرير من دائرته الأوسع العالمية ثم الدائرة العربية حتى يصل للشأن المصري.. ووضع عدة محاور ومرتكزات رئيسية من أجل تغطية أهم وأقوى النقاط المؤثرة على السياسىة العالمية جراء الحرب القائمة بين الناتو وروسيا على الأراضى الأوكرانية .. وكيف أن تلك الحرب تسببت فى تهديد مستقبل النظام العالمى وأن جوهر الصراع ليس بين روسيا وأوروبا أو أوكرانيا وإنما بين قوة عظمى أفلت وضعفت وبين قوة عظمى تقاتل للبقاء كذلك.. وكيف أن الوضع الدولى الراهن يتشكل من جديد طبقاً لمخرجات هذا الصراع الدائر بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية..

يتساءل التقرير أولاً: لماذا لم يتم الحسم العسكرى خلال عام 2022؟ ويضع إجابات متعددة لمثل هذا السؤال من واقع ما حدث على الأرض..كما يضع سيناريوهات خمسة محتملة لانتهاء تلك الحرب ..ثم ينتقل إلى بؤرة صراع أخرى بدأت فى التشكل والتنامى عقب الحرب وهى "أزمة تايوان" والتى مثلت ذروة صراع صينى أمريكي يسير بالتوازى مع الحرب الأوكرانية الروسية القائمة.. وكان لابد فى هذا الصدد إلقاء الضوء على التحالف الصينى الروسي الذى لم يكن حتى نهاية العام السابق قد اكتمل كما رأيناه هذه الأيام يظهر بشكل واضح بعد زيارة الرئيس الصينى لروسيا دعما لها..فكأن التقرير قرأ هذا المشهد القادم واستشرف له..

ومن خلال سبعة محاور كاملة انتقل التقرير يحلل تداعيات الحرب ، ومنها ما يخص الفكر العسكرى داخل حلف الناتو ومدى انعكاسات الحرب على الأمن السيبرانى وأمن أوروبا وعلى حركة الهجرة ، ومدى ما حققه اليمين الراديكالى من مكاسب سياسية كنتيجة للحرب.. ثم يرصد التقرير أمراً خطيراً لوحظ فى فترة ما بعد الحرب وهو ما يختص بالتدافع الدولى نحو القارة السمراء، وكيف أن أوروبا والغرب يتجهان بقوة نحو زيادة التقارب والتواجد داخل قارة إفريقيا لمواجهة النفوذ الصينى الروسي من ناحية ولتأمين مصادر الطاقة من ناحية أخرى..

أما التأثير الأكبر والأكثر جلاء ووضوحا لهذه الحرب فهو التأثير على الاقتصاد العالمى.. والتي بدأت أولاً من جانب الغرب حينما فرضوا العقوبات على روسيا فيشكك التقرير من جدوى تلك العقوبات وأنها جاءت بأثر عكسي على فارضيها.. وكيف أن ردة الفعل الروسية إزاءها تسببت فى أزمات فى أسعار الطاقة وعلى سلاسل التوريد وحركة صادرات القمح من أوكرانيا وروسيا ما تسبب فى خلق أزمة غذاء عالمية تفاوت حجم تأثيرها من دولة لأخرى..

دائرة النظام العربي والإقليمى

انشطر هذا القسم من أقسام التقرير إلى ثلاثة فصول.. أولها ركز على مدى حجم تأثر الدول العربية المختلفة بالحرب الروسية الأوكرانية، وثانيها تناول الأزمات الداخلية بهذه الدول، ثم انتهى إلى القضية الأولى والأهم لدى العرب وهى قضية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى..

بدأ هذا الجانب من التقرير بالإشارة إلى اختلاف مواقف الدول العربية تجاه الحرب وهو ما بدا من خلال سياساتها الخارجية وتحركاتها الدبلوماسية..وأن تلك المواقف تم اتخاذها طبقاً لأبعاد تاريخية ووقائع تفرض نفسها على الساحة.. وحاز الاتفاق النووى الإيرانى على جانب من مناقشات هذا الفصل الذى انتهى بمناقشة التداعيات الاقتصادية للحرب على العرب فيما يخص النفط والغذاء..

كما ناقش التقرير أوضاع البلاد العربية داخلياً وأهم الأزمات المحورية التى ترزح تحتها كل دولة ، وكيف تتطور تلك الأزمات، وما هى الجهود الدولية الأممية التى تم اتخاذها خلال العام السابق تجاه أزمات عالمنا العربي..

المشهد المصري

اختتم التقرير فصوله بتلخيص المشهد المصري سياسياً من خلال أربعة محاور .. السياسة العامة والمجال العام.. ثم السياسات الاقتصادية .. ثم طاف حول مظاهر تنامى القدرات الدفاعية للقوات المسلحة المصرية قبل أن يختتم هذا القسم بالجهود الدبلوماسية وما تم على صعيد السياسة الخارجية للدولة المصرية..

ثم تناول تحليلاً للخطاب الرئاسي على مدى عام كامل، ثم ناقش الخطوات التى تمت فى ملف الحوار الوطنى، واهتم بالحدث الكبير الذى نظمته مصر ووضعت تصورها الخاص له وهو حدث تنظيم قمة المناخ(cop27) ومدى فاعلية مخرجاته.. كما عرج التقرير على مدى تطورات العنف المجتمعى فى مصر..

ونظراً لأن المحور الرئيسي فى التقرير الذى التفت حوله كل محاوره ظل هو الحرب الروسية الأوكرانية فقد بدأ الملف الاقتصادى المصري بمناقشة أولويات مصر التنموية فى ظل الحرب، ثم تحدث عن مفاوضات صندوق النقد ثم انتهى لمناقشة الموازنة العامة وسياسات الاتجاه نحو اقتصاد السوق..

التقرير الاستراتيحي العربي -الذي يرأس تحريره حاليا الدكتور عمرو هاشم ربيع - جاء حافلاً بالاستدلالات والجداول والصور والرسوم البيانية والتوضيحية ، وهو من إعداد كوكبة من الخبراء والباحثين المرموقين من داخل المركز وخارجه ليخرج بهذه الصورة الوافية المكثفة المشرفة.

***

د. عبد السلام فاروق

 

تجد جبالَ ووديانَ كردستان العِراق زاخرةً بالطُّرق الصُّوفيَّة والعقائد الدِّينيَّة، مِن الإسلام والمذهب السَّائد الشَّافعي، ولعله منذ (القرن السَّادس الهجريّ) عهد الأتابكة السَّلاجقة، و«الأتابك» تركية النَّجار تعني مربي الأمير (حسين، أربيل في العهد السُّلجوقيّ)، مع وجود المسيحيَّة والإيزيديَّة، واليهوديَّة (العماديَّة تاريخاً)، والزَّرادشتيَّة، والكاكائيَّة، وأهل الحقِّ، والبرزانيَّة، والشَّبك، والبهائيَّة والمندائية حديثاً. سادت في التَّصوف: القادرية والنّقشبنديَّة، ومؤسس الأخيرة بالعراق خالد النَّقشبندي.

عُقد بالسُّليمانيَّة «المؤتمر الدُّولي لمولانا خالد النَّقشبنديّ»، وكان مهماً حضره مختصون بالصّوفيَّة، مِن مختلف البلدان. تبناه «مركز عزّ الدِّين رسول الثَّقافيّ»، نسبة للأديب الأكاديمي عزَّ الدِّين رسول (ت: 2019). صار للمركز شأنٌ الآن، بما يحويه مِن مكتبةٍ متعددةِ اللُّغات، تولى تأسيسه شقيقه فاروق رسول رجل الأعمال الذي ما زال يعتز بيساريته كتاريخ، نقل له مكتبات رفاقه السَّابقين، مِن لندن مكتبة ضخمة لرفيقه الشِّيوعي العراقي إبراهيم علاويّ (ت: 2015)، وهي بادرة قيمة، إذا علمنا أنَّ أصحاب المكتبات الغرباء عن العراق حاروا بمصائر مكتباتهم.

يُثار التَّساؤل، لماذا يُحيي مركز ثقافي مدني، صاحبه وراعيه يساريان، شخصية صوفيَّة، شافعيّ الفروع أشعريّ الأُصول (رسالته العقد الجوهريّ)؟! هل لأنَّ النّقشبندي، النَّاقل الطريقة مِن الهند إلى العراق، وعُرفت بالنَّقشبندية الخالديَّة، والبداية بالسُّليمانيّة، برز مِن طبقة معدمة، ومعلوم ما لأهل اليسار مِن صِلةٍ بهذه الطَّبقة، وبعد انتشار طريقته واجهه مَن كان مسيطراً بالقادرية، وهم السَّادة البرزنجيّة مِن الطَّبقة العليا؟ أم هل لصلة النّقشبنديّ بالسُّليمانيَّة وبأسرة آل رسول، وفق ما ورد في كتاب راعي المؤتمر فاروق رسول (ذكرياتي)، كانت دافعاً؟ أقول: ربَّما يكون ذلك.

لكن الراجح أنّ التصوف النقشبنديّ، الذي جعل بينه وبين السياسة والعنف حداً، يصلح لمواجهة الإسلام السياسيّ، السَّاعي لممارسة السُّلطة باسم الدين. صحيح هناك مشاركة للقوى الدينية في البرلمان والحكومة، لكنَّ القلق مِن توظيف الدين في السياسة، والهيمنة باسمه، جعل صحيفة «وشه الكردية» (21/8/2013) ثم «المدى البغداديَّة»(18/9/2013) تنشر صورةَ رسالةِ نائب المرشد خيرت الشَّاطر، إلى «الاتحاد الإسلاميّ الكردستانيّ»، والإخوان هم أصل العمل الإسلامي بالمنطقة، والآخرون فروع، بعد الانشطار عن الإخوان ببغداد، فكانوا قبلها كتلةً واحدةً. مع عدم تأكيد صحة الرِّسالة، لأنها جاءت بعد اعتقال قيادات الإخوان بمصر، ونفاها الإخوان الكردستانيون، إلا أنَّ طرحها والضجة التي أثيرت حولها، يبينان حجم المواجهة مع الإسلام السِّياسيّ.

استلهم النقشبندي الطريقة مِن الهند، وله رسالة «الرّحلة الهنديَّة»- المؤسس الأول شاه نقشبند (ت: 791هج) مِن أوزبكستان- تعرض بعدها بالسُّليمانية وبغداد ودمشق إلى فتاوى تكفير كالرَّسالةِ التي وجهها شيخ صوفي ضده إلى والي بغداد «تحرير الخطاب في الرَّدِ على خالد الكذاب»، فنصره أحد مريديه بـ «الحِسام الهنديّ لنصرة الشَّيخ خالد النَّقشبنديّ».

لم ينته الأمر عند هذا الحد، وصل تكفيره إلى السلطان العثمانيّ نفسه. أخيراً نجا مِن القتل (البيطار، حلية البشر). لكنه تحدى الطَّاعون بدمشق (1242هج): «ما نحن فيه مِن مصابرة الطَّاعون خير ثواباً» (الخاني، الحدائق الورديَّة)، فمات به.

بما أنّ الماضي حاضرٌ، اعترضت فتاة داخل القاعة بغضب على اتهام القادريّة بمحاولة قتله، ولما سألتها قالت: إنّها قادرية كسنزانيّة، فقدرتُ سبب غضبها. لا تعتقدوا بالتَّصوف الصَّفاء التَّام، فالمصالح لا تدع المشاربَ صافيةً.

يأتي التَّوضيح مِن المعريّ (ت: 449هج): «إِنَّما هذه المَذاهِبُ أسبَابٌ/ لجَذبِ الدُّنيا إِلى الرُّؤساءِ/ كالَّذي قامَ يَجمعُ الزِّنج بِالبَصْرةِ/ والقَرمطِيُّ بالأَحَساءِ/ فانفردْ ما استطعتَ فالقائلُ الصَّا/ دقُ يُضْحي ثقلاً على الجلساءِ» (اللزوميات). لا أظن أنَّ رئيسَ مذهبٍ دينيّ لم يستثقل أبا العلاء! أمَّا عن يساري يحتفي بشخصيّة دينيَّة، فلها تاريخ، فاليساريون العراقيون طالما احتفوا بـ «لاهوت التَّحرير»، والعبارة استعرتها مِن هاديّ العلويّ (ت: 1998).

***

د. رشيد الخيّون - كاتب عراقي

29 مارس 2023

 

 

في مقابلة تلفزيونية بثت قبل أيام قليلة، رفض حيدر العبادي التعليق على سؤال يقول "هل صحيح أن قرارك - حين كنت رئيسا للوزراء - بتعيين مصطفى الكاظمي رئيسا لجهاز المخابرات كان سببه رسالة أو إشارة وصلتك عن طريق أخيك محمد عبر شخص مقيم في لبنان من المرجعية الدينية النجفية"؟ ولكنه أجاب عن السؤال بشكل غير مباشر حين أضاف أن الكتل الشيعية والسنية والكردية توافقت بمجموعها على تعيين الكاظمي في ذلك المنصب، أما في تعيينه لاحقا في منصب رئيس الوزراء، فهو كان رافضا لتعيينه بمنصب رئيس مجلس الوزراء. العبادي أكد خبر تسلمه رسالة أو إشارة من المرجعية حول الكاظمي - رغم نفيه لتدخلها في تعيين مسؤولين - حين قال مصححا معلومة المذيع حول الرسالة الإشارة التي وصلت من المرجعية بتأييد تعيين الكاظمي في المنصب الأمني فقال: "ولكن قطعا لم يكن أخي محمد، والشخص في بغداد وليس في الخارج"!

التعليق: إذا رفعنا قشرة اللغة الدبلوماسية البدائية والمجاملات على حساب الحقيقية بين أهل النظام، يثبت لنا كلام العبادي في هذا التفصيل وفي تفاصيل أخرى مشابهة كثيرة، أن هناك ثلاث قوى تتقاسم الهيمنة على نظام الحكم في بغداد وتسييره وحمايته وهي نفسها المسؤولة عن تأسيسه وقيامه على أسس المحاصصة الطائفية والعرقية وهذه القوى هي على التوالي من حيث قوة التأثير: أميركا وإيران والمرجعية السيستانية، إضافة إلى قوى ودول إقليمية أخرى أقل نفوذا، وكل من يراهن على أحد هذه الأطراف كعامل مساعد أو رئيس، في إخراج العراق من مأزقه الكارثي الحالي هو وأهم أشد الوهم ويمهد لبقاء العراق في هذا القبر "الاستراتيجي" المفتوح.

العبادي: هناك من لا يريدون العراق القوي والناجح بل العراق الضعيف حتى يؤكل، والدولة صاحبة النفوذ رقم واحد في العراق اليوم هي إيران لأنها تخاف من عودة العراق المعادي لها. وخلال الحرب ضد داعش جرت محاولة لاغتيالي في الميدان واتهموا بها تركيا أولا ثم أميركا وأخيرا قالوا قذائف هاون!

سؤال من المذيع: هل وضع العبادي بيضه كله في السلة الأميركية، فكان الأميركيون داعمين لتوليك ولاية ثانية؟

العبادي: الأميركيون كانوا داعمين أيضا لرئيس الوزراء الذي كان قبلي وللذي قبله، ولرئيس الوزراء الذي جاء بعدي... فالأميركان كانوا يريدون استقرارا في العراق، حيث كانت لهم مصالح في العراق وأي انهيار في العراق يضر بمصالحهم، ولذلك فهم يدعمون أي رئيس وزراء في العراق يحقق "يضمن" هذه المصالح.

سؤال: أقوى نفوذ خارجي في العراق الآن لأي طرف يعود؟

العبادي: في مرحلة سابقة كان هناك نفوذ إيراني تركي قوي بإضافة إلى النفوذ الأميركي والغربي، أما الآن فإيران هي الرقم واحد. هذا هو تقييمي. أما أميركا والتي يصفونها بدولة كبرى فلا أدري أية دولة كبرى هذه التي لا تعرف مصالحها! البعض يتصور أن اميركا دولة كبرى قادرة على كل شيء، لا، هذا خطأ!

سؤال: إذا كان النفوذ الأميركي قد ضعف، فلماذا لم يتم استغلال ذلك للحد من النفوذ الإيراني؟

العبادي: الأمر متعلق بنا، كم نستطيع أن نقيم علاقة متوازنة مع المقابل؟ لكن إذا انت تشعر بأنك ضعيف وتذهب لتستجدي من الآخرين لكي يعطوك بعض المال حتى تفوز بالانتخابات؟ ويستجدي ليس فقط من إيران، بل من هذه الدولة وتلك الدولة يستجدي المساعدات المالية ليفوز بالانتخابات!

هناك كثير من الناس لا يريدون الاستقرار في العراق لا يريدون النجاح فيه، يريدون العراق ضعيفا حتى يؤكل، حتى يستطيعوا استغلال الدولة... التصور الثاني هو أن العراق القوي في وقتي وعنده أموال جيدة لأننا أوقفنا الهدر حينها فصارت عندنا أموال، فهم تصوروا أن هذا الشيء يجب أن يخطف، شيء يريدون أن يأخذوه والعراق الناجح هم يقودونه ولكنهم عمليا أسقطوا هذا العراق فبعد سنة اندلعت تظاهرات تشرين.

وعن محاولة اغتياله عند خروجه من اجتماع مع كبار القادة العسكريين ومنهم أبو مهدي المهندس حيث قصف الموقع الذي كانوا فيه من قبل طائرة حربية أميركية، قال العبادي أن المحاولة جرت فعلا، ولكن ليس عند خروجه بل وهو في الموقع ولكنها لم تكن بطائرة حربية بل بواسطة قصف هاون. وإن هادي العامري اتصل به وطلب منه مغادرة المكان لأن الأتراك يستهدفونه رغم أن بينهما كانت حالة توتر وتصعيد. ثم أصدروا بيان وقالوا إن الأميركيين هم من قاموا بالهجوم، فقلت لهم إنني دققت بكل الطائرات الموجودة في سماء المنطقة فكانت أقرب طائرة تبعد عنا أربعين كيلومترا فلا تصل قذائفها. وحين طلبت بقايا المقذوف الذي استعمل في الهجوم لم يحضروه لي ولكنهم قالوا إنه مقذوف هاون!

***

علاء اللامي

....................

*رابط يحيل الى المقابلة التلفزيونية مع رئيس مجلس الوزراء السابق حيدر العبادي:

https://www.youtube.com/watch?v=eBEJQ1-2PmI&ab_channel=Utv

 

نشرت (الزمان) بعددها الصادر في (25 آذار 2023) مقالا لنا بعنوان ( نفاق المثقفين.. موقفهم من الراحل عبد الرحمن الربيعي مثالا)، نبه الى ظاهرة مؤلمة هي ان كثيرا من المثقفين نعوا الأديب الكبير عبد الرحمن مجيد الربيعي، فيما اغلبهم ما كانوا زاروه وتفقدوه في بيته، ولم يتبرعوا له بدينار واحد، مع ان الربيعي كان يعاني من اشهر.. وضعا صحيا سيئا وعوز ماديا، قد نعذر السياسي حين يكون منافقا.. لأن السياسة في العراق، بلا اخلاق.. لكن لا عذر للمثقف في مثل هكذا حالات ستتكرر مع ادباء وفنانيين آخرين.

وتساءلنا في نهاية المقال:

هل وصلت الرسالة.. الى وزارة الثقافة والأتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق؟

ولقد اثار هذا المقال اهتمام عدد كبير من الأدباء والفنانين والأعلاميين والمفكرين، داخل العراق وخارجه، توزعت مواقفهم بين من تؤكد وجود هذه الظاهرة وتشيد بلفت الأنتباه لها، واخرى تدين السلطة وتعتب على اتحاد الأدباء، واخرى ساخرة، واخرى تقدم مقترحات لمعالجتها.

وتأتي هذه المقالة لتطرح مشروعا انسانيا لتشريع قانون يضمن حياة كريمة للأدباء والفنانين والمفكرين والأعلاميين الذين يعانون من عوز مادي، أو يتعرضون لأزمات صحية تحتاج علاجا مكلفا.. في ظاهرة غريبة حصلت في السنوات الأخيرة.. أن الملتحقين بقافلة الأدباء والفنانين الذين غادروا الدنيا قد زادوا لأن جميعهم عانوا ما عاناه الربيعي، ولأسباب نفسية هي أن عدم تواصلنا معهم في محنتهم يؤدي سيكولوجيا الى ضعف مناعتهم النفسية، وتعرضهم لأزمات قلبية و.. اكتئاب حاد يستعجل الموت!.

المشروع

نقترح هنا تشريع قانون بعنوان (قانون رعاية المثقفين في العراق) يحدد في مادته الأولى مفهوم المثقفين بأنه يشمل المفكرين والأدباء والفنانيين والأعلاميين الذين يعانون عوزا ماديا او وضعا صحيا يحتاج الى علاج غير مقدور على دفع تكاليفه.

ولأنه قانون يحتاج الى دراسة مستفيضة ورؤية ناضجة، فأننا نقترح على الأتحاد العام للأدباء والكتّاب تبني هذه المبادرة ودعوة كل الأطراف الذي يعنيها هذا الأمر (نقابات واتحادات ومنظمات.. ) الى عقد ندوة تخصصية بعد عيد رمضان المبارك لصياغة مواد هذا القانون، وتسمة لجنة لمتابعة مراحل تنفيذه وأقراره.

*

نماذج من التعليقات.. حرصنا ان تكون باسماء اصحابها، نوجز عددا منها في الآتي:

تعليقات تتضمن تساؤلات و.. تؤكد:

*دكتور سيار الجميل. بوركت عزيزي في موت كل مثقف عراقي مبدع زفة عرس. لأنصاف المثقفين ثم ينسونه بعد ساعات.

* ابراهيم الخفاجي. علامات استفهام من أديب و عالم نفس، مهمة جدا. لكن أنا أسأل، أليس للعراق دستور حشدوا الناس للتصويت عليه و كاد وقتها أن يكون التصويت له مقدسا؟. أليس الدستور كفل حقوق الإنسان و حقوق الشيخوخة و حقوق الرعاية الصحية و حقوق الطفولة و حقوق المساواة إلخ إلخ ؟

أليس من الواجب محاكمة جميع السلطوين من أربيل إلى البصرة و بالخصوص الإسلاميين؟ أين مليارات العراق التي تكفي لإشباع الهند ؟ أين أموال العراق الفلكية و نصف المجتمع يرزح تحت خط البؤس و الفقر و الجوع و التخلف؟

نعم أسئلتك مشروعة و وطنية و إنسانية، لكن هل الرعاية و العناية عصبوية أم مؤسساتية قانونية رسمية ؟

* د. طاهر البكاء. اغاتي هذه معلومات مؤلمة لم نسمع بها من قبل. سؤال لماذا لم يصدر نداء من الادباء عن وضعه في حينها؟

محمود ابو هدير. رسالتك جدا واضحة ولا تحتاج الى ترجمة دكتور، ولكن.. لقد اسمعت ان ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي

* علياء طالب عقيل. احسنت.. رحمة ونور على الارواح التي رحلت وعانت وصمت.

* عبد السادة البصري. للاسف هذه الحلة متفشية في الوسط الثقافي وبشكل كبير.

*وليد حسين. بوركت وانت تمد اصبعا وتشير الى ظاهرة النفاق الثقافي.

*د. عقيل الوائلي. موضوع بغاية الروعة وتساؤلات مشروعة.

* وليد حسين. بوركت وانت تمد اصبعا وتشير الى ظاهرة النفاق الثقافي.

* أ. د. مصطفى لطيف عارف. احسنت واجدت دكتورنا العزيز.. فعلا مثلما تفضلت.

* د. أمل المخزومي. بارك الله بك دكتور قاسم على هذه الروح التعاونية وأنت تتابع اصدقاءك وزملاءك.

* رائد كاظم. عرض صحيح لواقع حال حصل في الماضي ويحصل في الحاضر وسيحصل في المستقبل.. وليس للأدباء فقط بل شمل حتى الذين تقدموا وضحوا من أجل الشعب. ولكن الإنسان حيوان سياسي، والسياسة حيلة وتكيف مع الوضع.

* رياض عبد الكريم. كلام مثير للشفقة !واقصد بالشفقة لمن هم في مثل ظروف المرحوم الربيعي اولا، وثانيا لمن هم ينتظرون الموت لاسامح الله ولا من معين او مجيب.

التفاتة طيبة وعتاب واقعي عبر عنهما المقال.

* عبد الامير المجر. تحياتي دكتور. ويبقى السؤال، من يقرأ هذه الكلمات، ومن يصغي اليها جيدا.. من المعنيين ؟؟!!

* صباح هرمز

هذا المقال جدير بكل الادباء ان يطلعوا عليه لانه يعبر بصدق عن معاناتهم عندما تتقدم بهم السن.

تعليقات تنتقد

* يحيى الشرع. دكتور كنت اتمنى ان توجه سهام نقدك لوزارة الثقافة واتحاد الأدباء والرئاسات الثلاث لسبب بسيط.. أن غالبية الادباء او المثقفين او الكتاب، جميعهم يعيشون ظروفا معيشية صعبة وجلهم فقراء ومرضى وسكنهم ايجار. لايعرفون المطارات وقوانين دخولها ولايعرفون الفيزا باستثناء رؤساء الاتحادات والنقابات فهم يملكون ويكتنزون اموالا بحجم النفايات. وللعلم جميع النخب الثقافية يموتون جراء الاهمال المادي والصحي فلم لاتوجه نقدك الى سياسيي الصدفة؟.

* موفق العامري. سعد البزاز تبرع بمبلغ ١٠ مليون لمساعدته في العلاج، ولكن وبعد المسيرة الطويلة للمرحوم الم يفكر في توفير بعض المال لسنينه القادمة. يا دكتور انت عندما أصبت بالكورونا الم تنفق على علاجك ٣٠ ألف دولار!. المشكلة انهم ينفقون أموالهم خارج العراق وعندما يتمرض يعود إلى بلده ويتذكر ولده الذي فارقه منذ أمد بعيد.. هذا أجله وقد عاش حياة جميلة.

* يوسف العراقي. رحم الله الاديب الراحل، ولكن أعتقد انه لم يدخر لايام عوزه، رغم انه كان مستشارا ثقافيا في سفارتنا في تونس وبراتب مجزي أكيد. وأكيد عدم تواصلهم فيها جنبة سياسية، كما حدث مع نعيهم يوسف الصائغ وعبد الرزاق عبد الواحد وسامي مهدي وغيرهم من اعمدة الادب والشعر في العصر الحديث

* أحمد الخياط. لروحه السلام والخلود.. ترك أثرا كبيرا بالمشهد الثقافي العربي والعراقي والعالمي. اما عن الأدباء والكتاب العراقين فاغلبهم حدث عليهم بلا حرج، كما ذكرت قمة النفاق للطبقة السياسية والنظام السياسي بكل زمان. وفي زماننا ازداد أضعافا حتى للمسؤول الثقافي من أجل المصالح والمكاسب. كثر النقد الثقافي الخاص بالمجاملة والتكسب والتسقيط فيما بينهم وللغير. ومثال واحد ماحصل للدكتور حسين الكاصد عندما عين مديرا عاما في وزارة الثقافة.. الكل تنافقه لموقعه، وعندما علق على صفحته الشخصيه حول احمد راضي والراحل هشام الهاشمي انقلب عليه الاغلبية الغالبة نفاقا للنظام السياسي.

* عبد الوهاب الدايني. قد نعذر الادباء والفنانين لكن لاعذر لوزارة الثقافة ولا اتحاد الادباء او نقابة الفنانين. شكرا لهذه الالتفاته.

تعليقات تقترح

* طارق الجبوري. استاذ الى متى نكون عاطفيين. هذه الحالات والمشاهد تكررت، والشفقه مهينه. الموضوع بالمجمل بحاجه الى اقرار قانون رعايه العلماء والادباء والفنانين لا اكثر. وهكذا نكون قد حافظنا على كرامتهم واحترامهم.. شكرا لكم دكتور

* طه ياسين. لنبادر بتاسيس صندوق يكون عليه قيم محترم يخصص ريعه للذين هم اشد تضررا. اما المقالات والشعارات ابدا لا تنفع في امة عربية كلها حرامية.

د. عبد السلام العاني

لو تكررت الزيارات له ولامثاله مع مبلغ بسيط يجمع لكل اديب محتاج لكان انفع هل يوجه دعوه للباقين على شضف الحياة زيارات مع مساعدات قدر الامكان من سيتولى الدعوه لذلك

*

عذرا لأصحاب التعليقات المهمة الأخرى لأن مجال النشر لا يسمح بذلك.. راجيا منهم متابعتنا لنبلغهم بموعد الندوة للحضور والمساهمة في اعداد مشروع القانون.. وراجين من موقع المثقف تبني هذه المبادرة اعلاميا.

***

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

في تاريخ السادس من فبراير للعام 2023 جاء الزلزال القاتل في الجمهورية التركية ليكشف حالة قديمة موجودة منذ أيام الدولة العثمانية والتي تجزأت الى أكثر من 22 دولة ومنها الجمهورية التركية الحالية!؟ نقول ان هذا الزلزال المدمر لم يستشهد به أكثر من خمسين ألف انسان مع عشرات الألوف من الجرحى والمصابين فقط، وأيضا هذا الزلزال لم يمسح قرى وبلدات تاريخيا كانت موجودة وحية منذ ما قبل الميلاد بالألف السنين وكذلك هذا الزلزال يشق الأرض ويقلبها ويخلقا ودية جديدة ومسارات ضخمة مستحدثة.

نحن نقول ان هذا الزلزال المدمر قد حطم قشرة حقيقة ما كان موجود منذ ما قبل سقوط الدولة العثمانية وتقسيمها من الاستعباد الفرنسي والاستعباد البريطاني بالاتفاق والتوافق مع الإمبراطورية القيصرية الروسية الى أكثر من 22 دولة وهذا ما ذكرناه سابقا.

اننا نقول: ان هذا الزلزال قد كسر قشرة ما كان مخفيا وما كان يحدث منذ أكثر من مائة سنة من كراهية طورانية تركية عنصرية ضد مواطنين يعيشون في نقس الدولة العثمانية التي تضم ارض اناضوليا المليئة في التنوعات العرقية والدينية والطوائف المتنوعة كما هو الحال في مجمل هذا الشرق القديم.

"يُشار هنا إلى أنَّ الطورانية نفسها مزعومة إلى حدّ كبير، سواء في عناوينها أم في جذورها، فأبطالها السياسيون منذ نهاية القرن التاسع عشر، مروراً بالثُلاثي "طلعت" و"أنور" و"جمال باشا"، وانتهاء بـ "أتاتورك"، ليسوا أتراكاً، بل تعود أصولهم جميعاً إلى منابِت شتَّى، تؤكِّد أنَّ الطورانية من جذورها إلى أردوغان هي صناعة قوَّة إقليمية، فهم من أصولٍ يهوديةٍ أو كرديةٍ أو غجريةٍ أو مجريةٍ أو ألبانية.

أما الجذور التاريخية لمُجْمَلِ العنصر التركي (السلجوقي ثم العُثماني)، فهي لا تقلّ تزويراً عن تزوير التاريخ اليهودي، فالأتراك في أصولهم قبائل بدوية رَعوية لم تعرف تركيا أبداً قبل القرن الثاني عشر، ويشبهون اليهود في ظروف استيطانهم الكولونيالي بتوظيفٍ من قوَّةٍ خارجيةٍ استدعتهم لأغراضٍ عسكريةٍ. فإذا كانت الدولة العباسية قد استدعت الموجة التركية البدوية المُقاتِلة الأولى، وهي الموجة السلجوقية، لمواجهة البويهيين الشيعة، فإن ملك بيزنطة الأرثوذكسي استدعى الموجة العُثمانية (عُثمان بن أرطغرل من قبيلة القايي) لمواجهة فُرسان الصليب المُقدَّس الكاثوليك بعد السقوط الأول لبيزنطة (القسطنطينية) على يد هؤلاء الفُرسان، وتحريرها على يد المسلمين وإعادة الأرثوذكس."

ان العقلية التركية الطورانية العنصرية الكارهة للأرمن واليونانيين والعلويين والعرب والاكراد والتي حكمت وأدت بالدولة العثمانية الى الزوال والنهاية والتفكيك، ان هذه العقلية لا زالت موجودة ومستمرة في الوجود والتواجد والاستمرارية مع الحالة الاردوغانية للأسلام " الأمريكي" التابع لحلف الناتو وهو نفس الإسلام "الأمريكي" للأخوان المسلمين الذي كان أيضا ضد الحالة النهضوية العربية المضادة للاستعباد الغربي.

وهذه العقلية أساسا مضادة للحالة الإسلامية الجامعة للقوميات والأديان والتي قدمت حالة حضارية رائعة في التعايش منذ بداية حركة الإسلام المقدس الرسالة الجامعة والخاتمة لكل الرسالات السماوية حيث انتجت هذه الحالة الإسلامية تجميع وحالة من التعايش الرائع بين كل القوميات ضمن دول وامبراطوريات إسلامية لديها سلبياتها وعيوبها وايجابياتها وتفاصيلها الكثيرة ولكل بالخط العام هذه الحالة الإسلامية قد صنعت وخلقت نموذج جامع وشامل يحترم كل من يعيش على ارض الإسلام على العكس مما تريده وتسعى اليه الحالة الطورانية التركية العنصرية.

وهذه العقلية أساسا ملتبسة غربيا ومتشابكة أوروبيا حيث انطلقت ك "فكرة" وك "كيان" وأيضا ك "ممارسة" لتزيد الأمور تعقيدا في الواقع الاناضولي إذا صح التعبير حيث التداخل والتشابك والتفاعل مع خليط هجرات متتالية ومتتابعة وتاريخ امبراطوريات قامت وزالت منذ ما قبل ميلاد سيدنا المسيح عليه السلام الى يومنا هذا، يقول الباحث حسين داي في بحثه المعنون تناقض نظريات الأمة والمحتوى الحقيقي للمفهوم التركي التالي:

" أن المفكرين الغربيين لم يتمكنوا من توضيح مفهوم الأمة في حضارتهم العلمانية منذ القرن السابع عشر لأنه لا يتناسب مع هيكل أي بلد تقريبًا. يُرى أن مفهوم الأمة قد تم جره إلى نفس الفوضى في العالم الإسلامي التي انتقلت إلى الحضارة الغربية. هذا الحال خاصةً بالنسبة لتركيا أصبحت أكثر تعقيدا. سبب هذه الحالة الخاصة هو أن الأتراك لديهم مجموعة واسعة من التغييرات والإضافات في مجال الوجود التاريخي، سواء من حيث المساحة (الوطن)، والجوار الاجتماعي ونمط الحياة (من الرحل إلى المقيم، من تربية الحيوانات إلى الزراعة والتجارة) وأيضاً من ناحية الإيمان، هناك العديد من التغييرات والإضافات التي لا يمكن مقارنتها بالمجتمعات الأخرى. ما حدث هو الهجرة التي تؤثر على جميع الجوانب المادية والروحية للحياة الاجتماعية. ويمكن القول أنه، على عكس حقيقة إنشاء دول أخرى، تشكلت الأمة التركية في الحال التنقّل لذلك، لم يتم توضيح مفهوم التركية، الذي تم إعداده وفقًا لمعايير الحداثة الغربية. كل من أنظمة الفكر الإيديولوجية "القومية"، التي لا تزال تعرف باسم "التركية-الطورانية، أتاتوركي-الكمالية، الأناضولي"، لديها فهم تركي مختلف."

"المفهوم "التركية" الأكثر انتشارًا في تركيا، عرفها المفكرون الذين هم في الإطار التركية. هذا الفهم، بغض النظر عما إذا كان مذكورًا أم لا فهو الطورانية. ولأنها قدمت في مؤسسات التعليمية أولئك الذين ليسوا في الخط "القومية" تعلموا مفهوم التركية في هذا الإطار. تحت عنوان "من الحضارة الإسلامية والقومية إلى الحضارة الغربية والقومية"، يستند هذا الرأي بشكل رئيسي على مفاهيم "الأمة والتركية" المنتجة في الحداثة الغربية، تم عرضه مباشرة من قبل المنظرين الأتراك الأوائل. في اكتساب هذا المفهوم صفة رسمية في تركيا ووصولها الى أيدولوجية ترتبط فيها بعض الدوائر بكل حماس"

والأخطر في اتباع الطورانية ومنظريهم ما يقوله أحدهم والذي نراه يتحرك على خط التطبيق تاريخيا مع الأرمن والعرب واليونانيين والعلويين الى يومنا هذا؟!، يقول نجدت سانجار أن العرق لا غنى عنه في التعريف التركي!؟ ويقول اتباع الطورانية العنصرية أيضا:

"الأمة التركية لا تتشكل بخلط الأجناس المختلفة. كما هو الحال في بعض الدول اليوم، الأمة التركية هي من سلالة واحدة. وهذا النسب هو النسب التركي... القومية التركية فكرة عظيمة واضحة الأفكار والحدود كمثل وطني للنسب التركي العظيم. الطورانية والقومية التركية هما مبدأين أساسيان لهذه الفكرة العظيمة."

كما دافع رهاء أغوز توركان عن التفوق العرقي واستخدم شعار "العرق التركي فوق كل عرق"، وهناك من الاقوال المتداولة بين الطورانيين العنصريين الاتراك ان أي شخص يستطيع ان يعيش في تركيا ما دام يفكر ويتحدث ويتصرف ك "تركي!"؟ ومن هذا كله نفهم العقلية العنصرية الطورانية التي الغت الاذان باللغة العربية وغيرها من "التتريك العنصري الممارس"، لذلك أيضا يتم السماح بأي كردي او عربي او ارمني او علوي بممارسة السياسة فقط عندما يكون متعصبا قوميا لهذه العقلية الطورانية العنصرية، ك "ملكيين أكثر من الملك" وغير ذلك لا يتم قبولهم ضمن المنظومة الحاكمة او السماح لهم في لعب لعبة السياسة إذا صح التعبير، ولذلك علينا ان نلاحظ ان هناك قوزاق وألبان وارمن واكراد قوميين عنصريين طورانيين أكثر من الاتراك الحقيقيين أنفسهم؟!. وهناك من يقول ان كمال أناورك نفسه ليس تركيا اصيلا ك "عرق" وانتماء، بل هو الباني القومية، وهذا ما يدخل المنظرين للطورانية العنصرية التركية بمأزق لذلك يتجاهلون هذه الحقيقة.

اذن خدم الاستعباد الغربي لا زالوا في الصورة وتحت الضوء وفي خط الممارسة والتطبيق على ارض الواقع ك " عقلية" وك "ذهنية" وك "قناعة" وك "ممارسة على ارض الواقع.

ان الحالة الإسلامية الأميركية للطورانية التركية العنصرية الاردوغانية إذا صح التعبير، ليست فقط تتحالف مع الصهاينة عسكريا وامنيا وتجاريا وتنسق مع الصهاينة امنيا ومخابراتيا وهي أساسا لسواد وجهها هم اول من اعترف بهذا الكيان العنصري السرطاني الذي أقامه كل ما هو شر في العالم على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة.

يقول الكاتب زاكروس عثمان معلومات قيمة وتحليل مهم حول حقيقة المنظومة الحاكمة في تركيا التالي:

"أمام عجز الثقافة العربية فان العقل الجمعي العربي يظل يدور في حلقة التوكل على الغيب، والهرولة وراء الآخرين، بانتظار أيوبيا!! آخر ينقذهم من شمولية التردي والانهيار، وهذا يفسر سرعة استجابة الإنسان العربي، للظواهر السمعية المثيرة للغرائز القومية والدينية الأكثر بدائية، ولهذا فان التبعية تبقى صفة أصيلة ملازمة للعقلية العربية، حيث نجد عربا لأمريكا وعربا لروسيا، وعربا لإيران، واليوم صار هناك عربا لتركيا أيضا، حيث تحولت ظاهرة الإعجاب بتركيا في العالم العربي، من هيام العوام بالدراما التركية، إلى موقف سياسي تتبناه الأوساط العربية الثقافية والإعلامية، فإذا بهم يتعلقون بتركيا كقشة عابرة تنقذهم من الطوفان العولمي، وهم يتهافتون على تجربتها، لاعتقادهم بان تركيا صادقة في رفع شعارات الإسلام، أو جادة في خدمة المصالح العربية، فالشخصية العربية المأخوذة بالفروسية الجوفاء والزخرفة البلاغية، لا تمتلك القدرة على ابتكار نموذجها الذاتي الحداثوي، لتواجه به تحديات الواقع، كما تفعل الأمم الحية، التي تؤسس تجارب ثرية تمكنها من التفاعل الديناميكي مع مفرزات العولمة، ومن احتواء تسوناميات المتغيرات المتلاحقة في عالم اليوم، لذلك تربط المصير العربي بأجندة القوى الخارجية، علها تنال بعض الفتات من هذه المائدة أو تلك .

فما هي المعايير التي يعتمدها خبراء الرأي العرب، في تقـييمهم لنظام الجمهورية التركية تحت حكم حزب العدالة والتنمية، في هذا المضمار لا نجد أكثر من انطباعات واستنتاجات سطحية ضحلة بعيدة عن المنهجية، تشوبها انفعالات عاطفية متسرعة، قائمة على تحليل التجربة التركية من زاوية أحادية النظرة، ليجدوا في تركيا النموذج الأمثل الذي يجب الاقتداء به، فيطلقون توصيفات عجيبة عليها وعلى تجربة حزب العدالة في الحكم، ضاربين بعرض الحائط شعاراتهم عن الحريات العامة والديمقراطية وحقوق القوميات والثانيات والأقليات العرقية والدينية، ومناهضة الأنظمة الاستبدادية والشمولية، بذلك هم يسيئون إلى مكانتهم الفكرية والسياسية والأدبية كشخصيات عامة، لها حضورها في الأوساط الإقليمية والعالمية، إذ كثيرا ما يتلقى المتنورون من أبناء شعوب المنطقة، هذه الآراء المسطحة بكثير من الاستغراب والاستهجان، فما الذي أطاح بأبراج وعي بعضا من هؤلاء، وبعثر ازياج بصيرتهم ليشطح سمت تلسكوب خيالهم بعيدا عن الواقع بضعة سنوات ضوئية، إلى كوكب خارج مجرة الإدراك، ليكتشفوا عليه- وتؤبيا- تركية، غير التي نحفظ تضاريس سياساتها عن ظهر قلب.

ما بهم-قبل العد إلى الـ 10-يتسابقون إلى إبداء إعجابهم بتركيا وحزب العدالة لحد التماهي، هل هو خلل معرفي أم فقر بالمعلومات، أم تحول فكري أصاب قناعاتهم، أم هو تأثر أعمى بالـ propaganda الغربية، فالغرب بعدما فقد الأمل بنشر الفكر الليبرالي-العلماني في مجتمعات أدمنت الأنظمة الدكتاتورية والفكر السلفي -الأصولي، أراد تسويق النموذج التركي على أساس انه اقل تشددا من الأنظمة الأخرى، وعلى أساس أن إيديولوجية حزب العدالة أكثر اعتدالا من الإيديولوجيات الأخرى السائدة في الشرق الأوسط.

وإذا كنا نؤمن بثقافة الاختلاف ونحترم حق هؤلاء في إبداء الرأي، فإننا أيضا نحترم حق القارئ في الحصول على المعلومة كاملة، لذلك تقديرا لثقافة القارئ، رأينا أن نبين الحقائق التي لم يعرج هؤلاء عليها في غمرة هيامهم بتركيا، لنعمل بشيء من التجرد على إملاء الفراغات بين سطورهم، وإتمام جملهم الناقصة، والإشارة إلى النصف الآخر لوجه تركيا الذي غفلوا عنه سهوا أو عمدا، فالثقافة البديلة التي نشاركهم في البحث عنها، لن تكون أفضل من الثقافة السائدة، ما لم يكن أساسها قائما على الشفافية.

يدعون: بأن حزب العدالة قدم نموذجا لإسلام حداثوية معتدل، وفي موضع آخر يستشهدون بمقولة الرجل الثاني في الـحزب عبد الله غول ( نحن لسنا إسلاميين وحركتنا ليست دينية نحن حزب أوروبي محافظ وحديث) فأين هو الربط المنطقي بين أفكارهم في هذه الادعاءات، فحين يستحسنون الإسلام المعتدل بديلا عن الإسلام المتشدد يصنفون حزب العدالة كحزب ديني معتدل، وحين يفضلون العلمانية على الايديولوجيا الدينية، فإنهم يرفعون الصبغة الإسلامية عن حزب العدالة، وهذا فقاعة ديماغوجية انتقائية مقيتة تشوش رأي المتلقي، في محاولة للتسويق لهذا الحزب بأي شكل كان، فلم يستقروا على رأي حوله، إن كان حزب مشرقي إسلامي، أم حزب أوروبي حديث، هذا لأنهم لا يملكون الإجابة، أو لأنهم لا يريدون التصريح بحقيقة هذا الحزب، فمن المعروف أن نظام الجمهورية التركية قائم من أساسه على الايديولوجيا الطورانية - الاتاتوركية، التي لا تسمح بقيام أي تنظيم سياسي، ما لم تتضمن وثائقه وأديباته التزاما بأطروحات هذه الإيديولوجية، وفي هذا المجال فان تركيا بهويتها الأسيوية الشرقية الإسلامية، أو بهويتها الأوروبية، حطمت الرقم القياسي بين الدول في حظر وإلغاء الأحزاب، تحت مختلف الذرائع، ولكن الدافع الحقيقي وراء المنع، كان رفض تلك الأحزاب اعتناق الايديولوجيا الطورانية، وما كان مجلس الأمن القومي صاحب القرار الأول في تركيا يسمح لحزب العدالة بالاستمرار كحركة سياسية، ولا باستلام السلطة، ما لم يقدم ضمانات أكيدة على التزامه بالاتاتوركية، بغض النظر عن فبركة سيناريوهات حول محاولات حظره، فالغاية من هذه التمثيليات المبتذلة هي حظر الأحزاب التي تمثل شعب كردستان الشمالية الخاضعة للسيطرة التركية، حتى توهم شريكها الأوروبي، بأن حظرها للأحزاب لا يقتصر على الأحزاب الكردية بل الأحزاب التركية أيضا، وانه ليس في الأمر دوافع سياسية، بل نتيجة حكم القضاء، على أساس استقلالية السلطة القضائية في تركيا، بدليل تقديم الحزب الحاكم للقضاء، ولكن عمليا كان تدبير سيناريو محاكمة حزب العدالة يهدف إلى تمرير محاكمة حزب المجتمع الديمقراطي حيث تم قبيل أشهر حظره، رغم انه تبنى الأسلوب السلمي - الديمقراطي - البرلماني طريقا لحل مسالة كردستان الشمالية، في الوقت الذي تم فيه تبرأت حزب العدالة، وهذا يدل على أن القضاء التركي ليس مستقلا ولا نزيها ولا مهنيا، وان أحكامه بحق الأحزاب الكردية تصدر على خلفية سياسية إذا كانت مصالح الغرب تفرض عليه القبول بهذه الخدع التركية المكشوفة، فإنها لا تنطلي على أصحاب الآراء الحرة، التي ترفض حجب حقيقة حزب العدالة على أنهم ليسوا بإسلاميين ولا مسلمون ولا محافظين أوروبيين حداثويين، بل حزب طوراني، انتهازي، شوفيني، يتفوق على الأحزاب الطورانية الأخرى، بنجاحه في تحديد نوعية الأفيون الذي يستسيغه الشعب التركي ليخدره به، ويحصد الأصوات في الانتخابات .

وعلى ما يبدوا فان عدوى إعجابهم بحزب العدالة دفعهم إلى الإعجاب بنظام الدولة التركية ككل، ليجدوها دولة علمانية (تضم تحت مظلتها الأديان والاتجاهات السياسية كافة ولا تلغي أحدا منها، فالوطن للجميع في تركيا المعاصرة والدين فيها لله) عجيب عن أي تركيا وأي علمانية يتحدثون، بالنسبة للأديان، فان غالبية الدول تقر بحرية الأديان والعبادة، وقلما تتدخل الحكومات حتى القمعية منها في المعتقد الديني لدى مواطنيها، وليس هناك ما يميز تركيا عن غيرها من الدول في هذا المجال، مع العلم أن سجلها في معاملة الأقليات الدينية ليس مشرفا، فما زال العلويون والسيزيليون والمسيحيون، يلاقون العقبات أمام ممارسة حقوقهم الدينية والاجتماعية، وإذا كان الدستور التركي لا يشير صراحة إلى دين الدولة، فإنها تنحاز خفية إلى مذهب الأكثرية السنية، وعلى أية حال فان القضايا الجوهرية التي تواجه تركيا هي ليست المسألة الدينية، حتى نقول أنها حققت انجازا في حل هذه المشكلة، أما بخصوص الادعاء بان العلمانية التركية من الاتساع ما يكفي لتستوعب كافة الاتجاهات السياسية، فهذا تجني صارخ على الحقيقة، كما ذكرنا، أن تركيا لا تتقبل التيارات الإيديولوجية والسياسية، من ماركسية أو قومية غير القومية التركية أو دينية أو ليبرالية، ما لم تتبنى أحزابها النظرية الطورانية، والتاريخ التركي المعاصر حافل بالإلغاءات، وليس كما يدعون بان الوطن في تركيا للجميع، فالدستور في تركيا المتعددة الأعراق والأجناس والأديان، ينص على أن تركيا للعنصر التركي وحده، ويقول قادة تركيا المعاصرة !! من أتاتورك إلى أردوغان أن من يسكن أراضي الجمهورية التركية عليه القبول بالهوية العرقية التركية لغة وثقافة وانتماء، ومن يرفض فعليه الرحيل، لن تكون تركيا وطنا للجميع إلا إذا كان هذا الجميع من العرق التركي، أو يتقبل سياسة التتريك السارية المفعول منذ الحقبة العثمانية."

"العلمانية التركية المزعومة، فهي إيديولوجية عنصرية تم استزراعها عنوة بقرار سلطوي فردي في بيئة حضارية متخلفة، ومخالفة لمنشئها الأوروبي، ثقافة وفكرا ودينا، فلم تكن وليدة الرغبة في دولة مدنية - ديمقراطية، ولم تكن من بنات أفكار الفلاسفة، بل اتخذها الجنرال أتاتورك، ذريعة للتملص من استحقاقات معاهدة سيڤر1920، بخصوص منح شعوب السلطنة حق تقرير المصير، تماشيا مع مبادئ ولسون الأربعة عشر، فالرجل بنزعته السوفيتية العنصرية كان من غلاة القوميين الأتراك الطورانيين، ممن يمجدون العرق التركي ويضعونه فوق بقية الأعراق، وما كان مثل هؤلاء ليقبلوا بمنح حق تقرير المصير إلى المستعمرات التي بقيت تحت الاحتلال العثماني، لان الإيديولوجية الطورانية كوجه آخر للصهيونية قائمة على التوسع والعدوان، ولهذا سارع أتاتورك إلى دفن نظام السلطنة الإسلامية، بإعلانه أن جمهوريته الجديدة لا تتحمل أية التزامات كانت مفروضة على السلطنة البائدة، فلم يجد وسيلة أفضل من العلمانية ليقطع الصلة مع الميراث العثماني، والتقرب من أوروبا حتى تعفيه من تركات الرجل المريض، وتسمح له صبغ الجمهورية التركية بالصبغة العرقية التركية، فبادر إلى إنكار وجود القوميات الأخرى في الدولة، خاصة القومية الكردية، فأغلق المدارس الكردية ومنع اللغة الكردية، واعتقل البرلمانيين الأكراد، وباشر عمليات الجين وسايد ضد أبناء الشعب الكردي، ليفرض سياسة التتريك على أهالي البلاد الأصليين من أكراد وأرمن وعرب ولاز ويونان وبلغار ناكرا عليهم حقهم في الوجود، هذه هي علمانية أتاتورك وحداثوية اردوغان، دولة عرقية، قومية، عنصرية، عدوانية، عسكريتارية، تلغي صفة الإنسانية عن أي كائن بشري ما لم يكن من العنصر التركي، علمانية ليست لفصل الدين عن الدولة، وليست لحراسة دولة المواطنة، بل لحراسة الدولة العرقية، فهل حاد حزب العدالة عن هذه السياسة قيد أنملة ."

"إن الموضوعية تقتضي كثيرا من التحفظ أثناء الحديث عن نجاح التجربة التركية، وإذا كان البعض يدعي أن حزب العدالة حكومة ديمقراطيين مسلمين بعيدة عن نوستالجيا وأحلام الشوفينية، فليقدموا لنا المعايير الصحيحة التي يقيسون بها علمانية وديمقراطية نظام الجمهورية التركية، هل هي نموذج الدولة العرقية العنصرية التي تمارس التمييز بين مواطنيها على الهوية القومية، هل هي دولة العرق الأوحد، أم هي دولة المواطنة والعدل والمساواة واحترام التنوع القومي والديني والثقافي."

"هذه هي تركيا التي نعرفها النموذج المشبع بالأطماع التوسعية والنزعة العسكريتارية والايدولوجيا السوفيتية، النموذج المعاصر للدولة العنصرية الاستعمارية، التي تحتل الأراضي الكردية نصف جزيرة قبرص، ولواء الاسكندرون، وتتحين الفرص للانقضاض على ولاية الموصل، وتعتمد على تحالفاتها الاستراتيجية مع الناتو وإسرائيل، لتمارس الغطرسة على دول وشعوب المنطقة، فإذا كانت بعض دولها قد وقعت في مطب الراديكالية الإسلامية، فان تركيا غارقة في مطب الراديكالية القومية، كجسم طفيلي، يعيش على صراع المتناقضات بين الشرق والغرب"

ان هذه الحالة عدوة للأسلام المحمدي الأصيل وهي أيضا عدوة لمواطنيها العرب والأرمن والاكراد والعلويون الذين يعيشون على ارض الاناضول في ظل حكم الجمهورية التركية.

تقول مصادري الخاصة من داخل تركيا وأيضا من خلال شبكة علاقاتي مع الاتراك المقيمين في أوروبا ان هناك تقسيم ديني في التعامل مع الهيئات الاغاثية العاملة في قرى العلويون والاكراد الذين تم تدمير قراهم وبلدانهم وكان هناك تأخير متعمد بما يختص بالمساعدات، وأيضا كان هناك تأخير متعمد وأوامر بالجيش للتأخر بمساعدة الضحايا والمحتاجين في المناطق العلوية والكردية من الجمهورية التركية.

"أصبحت AFAD وهي المنظمة التركية لطوارئ الكوارث وهي المنظمة المختصة بالتحضير لمنع والتحضير للكوارث وتقليل الاضرار في حال حدوثها وهي أيضا المسئولية عن تقليل الاضرار الناجمة لما بعد حدوث الكوارث وترتيب الاستجابات المطلوبة من الدولة ومؤسساتها بجميع المؤسسات الحكومية المعنية، ان هذه المنظمة المهمة اصبحت مزرعة أقارب الأشخاص المنتمين لحزب العدالة والتنمية الاردوغاني ومن غير حملة الاختصاص المطلوب بل ان هناك اعداد كبيرة من أئمة المساجد فيها؟!

"بعد الزلازل التي ضربت كهرمان مرعش، لم تساعد جهود البحث والإنقاذ في المنطقة.

واتضح أن أقارب المقربين من الحكومة كانوا مديري إدارة الكوارث والطوارئ التي تعرضت لانتقادات بسبب وصولها إلى حطام الطائرة متأخرًا وعدم التنسيق أثناء كارثة

كما تم الكشف عن أن الأشخاص الذين ليس لديهم تدريب وخبرة، والبحث والإنقاذ في إدارة الكوارث والطوارئ، عملوا كمدير إقليمي. يوجد العديد من الأئمة بين مديري المحافظات في إدارة الكوارث والطوارئ."

"ان هؤلاء متخصصين في الدين وأساسا هم ضمن تعليم ديني متوسط وليسوا أصحاب اختصاص في الإغاثة او الجيولوجيا او إدارة الكوارث وهذه كلها تخصصات علمية اكاديمية تطبيقية، وهذه أحد اهم المشاكل التي تعيشها المنظومة الحاكمة الطورانية الاردوغانية والتي تتحرك لضمان الولاء على حساب أصحاب الاختصاص والتكنوقراط أصحاب الشهادات وهذا ما تم كشفه وأدى الى مضاعفة الكارثة للزلال أكثر وأكثر على الناس الأبرياء"

وهذه الكراهية والرغبة في تصفية العلويون والاكراد ليست وليدة لحظة زمنية تاريخية قديمة أدت الى انهيار الدولة العثمانية بل هي استمرت مع الجمهورية التركية الحالية وهذا ما حدث بواسطة الجيش والأجهزة الأمنية في العام 1978 في مذبحة مرش الشهيرة، حيث تم تنسيق حالة من القتل الجماعي على الهوية الدينية ضد العلويون وهذا الحالة القديمة المتواصلة ظهرت مع تأخر المساعدات بعد الزلزال.

يقول الباحث خالد بشير:

" شكّل عقد الثمانينيات بداية ظهور تململ واضح من جانب العلويين مما يجري حولهم وضدهم. وكان ما سُمّي بالبيان العلوي الذي أصدره مثقفون علمانيون في آذار (مارس) عام 1989، من كل الطوائف والمذاهب والأعراق، حدثاً مهماً ومرحلة بارزة في مسيرة علويي تركيا؛ إذ طرح هذا البيان ولأول مرة المسألة العلوية في تركيا. "

"ومنذ صدور البيان العلوي، قام العلويون بمحاولات عديدة لإثارة أوضاعهم إلى العلن، وشجّع على تكثيف تحركهم الأحداث الدموية التي وقعت بحقهم في "سيواس" عام 1993، وفي ضاحية "غازي عثمان باشا" بإسطنبول عام 1995؛ حيث وقعت مجزرة سيواس عام 1993، التي قتل فيها 73 شخصاً جميعهم من الشعراء والكتاب والفنانين العلويين، في حادثة احتراق فندق مفتعلة، كانت تعقد فيه فعالية ثقافية."

"ومنذ وصول حزب "العدالة والتنمية" إلى الحكم عام 2002، شرع بتنفيذ سياسات تهدف إلى استيعاب العلويين ودمجهم في سائر النسيج التركي، وهو ما قوبل بالمعارضة من الطائفة؛ حيث اعتبرت هذه السياسات مهددة لوجودها.

وتتمثل هذه السياسات في بناء المساجد السنية في المدن والقرى العلوية، وتدريس أبنائهم الدين على الطريقة السنية. أما بيوت الجمع التي يمارس فيها العلويون الطقوس وشعائرهم الدينية، فتسميها الحكومة مراكز ثقافية علوية ولا تعترف بها كدور عبادة. كما تخصص الحكومة ميزانية رسمية لفائدة المساجد تتراوح ما بين 5 و6 مليارات دولار، من دون وصول أي شيء منها للعلويين."

ان الحالة العنصرية الطورانية اذن هي حالة مستمرة تستخدم الإسلام "الأمريكي" لصناعة حالة استحمار في المحيط الحيوي العربي التي تستعى المنظومة الحاكمة داخل تركيا الى ابتلاعه والسيطرة عليه باستخدام أدوات من تنظيم الاخوان المسلمين الدولي والذي هو أيضا مرتبط مع حلف الناتو التي تركيا أيضا جزء منه وتتحرك معه امنيا واستخباراتيا وعسكريا.

وهذه المنظومة الحاكمة ونهجها القاتل ضد العرب والأرمن والاكراد والعلويين لم يتغير نهجها من أيام الدولة العثمانية الى اليوم، والزلزال كشف ما هو كان قائم عندما تم تكسير بيضة الخديعة عن كل هذا الاستحمار التي تمارسه هذه المنظومة الحاكمة ضد مواطنيها قبل ان تتحرك ضد المحيط العربي بالتعطيش من خلال مشروع سدود جنوب غرب الاناضول او مع احتلال شمال الجمهورية العربية السورية ودعم تنظيمات الاجرام والتكفير الوظيفية الخادمة للمنظومة الحاكمة الطورانية العنصرية، والتي أيضا تستخدم هناك ما استخدمته ضد العلويون والاكراد والأرمن واليونانيين من "تتريك" متواصل في اللغة والتعامل والاضطهاد الديني.

ان التعدد القومي والاختلاف الديني من المفترض ان تكون حالة إيجابية لصناعة ثراء معرفي وتنوع انساني ينطلق من القواسم المشتركة لصناعة خط يخدم الجميع إنسانيا وأيضا خروج الأسئلة الثقافية ذات الهدف والبعيدة عن الجدليات الفارغة والخادمة لخط صناعة الابداع المادي والمعنوي وخدمة الجانب الروحي للأنسان والمجتمع والدولة هي من النواحي الإيجابية المطلوبة اما العنصرية والإلغاء هي تتحرك في الجانب السلبي، لذلك نحن نقول بأن وجود خصوصيات قومية او دينية او طائفية ما دام تتحرك في الخط الثقافي وضمن المساحات المشتركة ضمن الية حوارية تنطلق من المساحات المشتركة بعيدا عن نقاط الاختلاف هي امر إيجابي يقدم غنى لكل الواقع ويمثل خط للخير اذا صح التعبير بعيدا عن عنصرية القتل والإلغاء، يقول المرحوم محمد حسين فضل الله في كتاب خطاب الإسلاميين والمستقبل بهذا المجال الاتي:

"عندما نريد أن ندرس أساس الفكر القومي، فإنّنا نراه يتصادم في عمقه مع أساس الفكر الإسلامي، لأنّ الفكر الإسلامي ينطلق من قاعدة الوحي الذي أنزله الله على رسوله، باعتبار أنّه يمثل الحقيقة فيما يتحدّث به عن الكون في بدايته ونهايته وطبيعته، وفيما يتحدّث به عن الإنسان وعن حركته وأهدافه وأوضاعه، ككائن حيّ مسؤول في الكون أمام الله.

وهكذا في نظرته الامتداديّة التي لا تتمحور حول منطقة أو جماعة معيّنة، أما الفكر القوميّ، فإنه ينطلق من الاستغراق في مجموعة معيّنة من الناس، بعيداً من أيّ معطيات غيبيّة أو دينيّة؛ إنه ينطلق من فكرة أنّ هناك قوماً من الناس في أرض محدّدة في عناصر معيّنة، لا بدّ أن يلتقوا ويجتمعوا ويفكروا لأنفسهم من موقع الخصوصيّة الذاتية والموضوعية التي ترفع مستواهم، بقطع النظر عن أيّ حالة أخرى وأيّ جماعة أخرى.

فالفكر القومي يستغرق في داخل هذه الخصوصيات التي تمثّل محوره، بحيث تكون نظرته إلى العالم منفتحة على ما يرتبط بهذه الخصوصية، ولا يتحرك في العالم من خلال المواقع الإنسانية في ذاتياتها أو في آفاقها الواسعة. من خلال ذلك، نستطيع أن نؤكد أن الفكر القومي علماني بطبعه، بينما الفكر الإسلامي هو ديني في قاعدته."

"ومن هنا، يختلف الفكر القومي عن الفكر الإسلامي من حيث طبيعة القاعدة والنظرة إلى الأمور، ومن حيث معنى الشموليّة هنا في الفكر الإسلاميّ، والمحدودية هناك في الفكر القومي. إنّ الحديث عن التناقض قد لا يكون دقيقاً بهذه المسألة. إننا نتحدث عن الاختلاف، أما التناقض، فينطلق من مضمون أن فكراً ما يمثّل الإيجاب، بينما يمثل ذلك السلب.

إنّ القوميّة قد تلتقي بالفكر الإسلامي في بعض مواقعه وحركته وقضاياه وأهدافه المرحليّة ووسائله. لذلك، لا نعتقد أنّ هناك حتميّة للتّصادم بينهما، ولكن، من حيث طبيعة حركيّة الفكر الإسلامي وحركيّة الفكر القومي، من الممكن أن يكون هناك تصادم بينهما، عندما يريد الفكر القوميّ أن يؤكّد ذاته في الموقع نفسه الذي يريد الفكر الإسلاميّ أن يؤكّد ذاته.

مثلاً، عندما نريد أن نقيم المنطقة العربيّة على الفكر القومي، فلا بد أن ننطلق في دراسة قضاياها من ذاتية القومية في خصائصها ومصالحها، وبعيداً من مصالح أيّ فئة أخرى، وبعيداً من أيّ التزام ثابت بأيّ شريعة معينة، بينما يكون الالتزام بالفكر الإسلامي خاضعاً للنظرة الشمولية للإنسان كلّه وللعالم كلّه وللحياة كلّها، بحيث تكون خصوصية هذا الموقع هنا مقارنة بخصوصية المواقع الأخرى، فتكون دراسة المسألة على أساس النتائج التي تخرج من خلال أولوية الخصوصيات هنا والخصوصيات هناك في الساحة العامّة، إنه تماماً كما هو الأفق العالمي والأفق لمحلي في نظرته للأشياء."

"أما ما هي نظرتنا إلى القومية العربية؟

القوميّة العربية عندما نخرجها من الخصوصية الإيديولوجية التي يفرضها الفكر القومي، فهي حالة إنسانية تمثّل أمّة من الناس، يُطلق عليهم اسم العرب، يلتقون في اللغة والأرض وبعض الخصائص الاجتماعية والتاريخية التي تجعل منهم مجموعة من البشر ذات خصائص مشتركة، مع وجود تمايز في تفاصيل هذه الخصائص بين موقع في الأمّة وموقع آخر، وبذلك ستكون القوميّة العربيّة هي خصوصيّة إنسانيّة تلتقي مع خصوصيات إنسانية أخرى، كالقومية الفارسية والتركية أو أيّ قومية أخرى، وهي لا تتنافى مع الإسلام، بل تمثل أحد الأطر الذي يتحرك فيها لتنفتح على نظامه ونهجه وتفكيره.

كما أنّ للقومية العربية خصوصية تختلف عن القوميات الأخرى، باعتبار أنّ الإسلام ولد في أرضها، وتحرّك كتابه المقدّس بلغتها، وانطلق المجاهدون من الصحابة الأول من موقع خصوصياتهم العربية التي انفتحت على الواقع الإسلامي، وبذلك استطاع العرب في خصوصياتهم الفكرية والعملية أن يعطوا الإسلام الكثير، كما أعطاهم الإسلام الكثير.

ولذلك، فإن شخصانية القومية العربية تتكامل مع شخصانية الإسلام، إذا صحّ التعبير، باعتبار أنّ العرب هم الطليعة الأولى للمسلمين، وهم القاعدة الأولى التي انطلق الإسلام من خلالها إلى العالم.

ونتصوّر أن الإسلام استطاع أن يوسّع أفق العروبة، باعتبار أنه استطاع أن يعرّب مساحات كبيرة من الناس ومن العالم، عندما انفتحت على الإسلام، فانفتحت على لغته وعلى تاريخه وعلى رموزه وشخصيّاته وما إلى ذلك، بحيث أصبح الإنسان المسلم في كلّ بلد في العالم، يرى في التاريخ العربي تاريخه، ويرى في الشخصيات العربية شخصيّته بشكل أو بآخر، مما لا تملكه أيّ قومية أخرى، إلا بمقدار ما أعطت الإسلام من علمها وثقافتها وخصوصياتها في مرحلة ثانية أو ثالثة أو رابعة من التاريخ الإسلامي.

أمّا عندما نتحدث عن القومية العربية كإيديولوجيا، تنطلق من خلال الخطوط الغربيّة في التفكير القومي، وتتحرّك بحرية في احتضان أيّ مضمون فكري جديد، فإنّ الإسلام يختلف معها من خلال ما تختزنه وتنفتح عليه وتتحرَّك معه من فكرٍ يختلف عن الفكر الإسلامي، عند ذلك، لن يختلف الإسلام مع القوميّة العربيّة، ولكنه يختلف مع الفكر القومي الذي ينفتح على فكر غربي أو غير غربي يختلف مع فكر الإسلام."

"لقد ذكرنا أنّ هناك أكثر من رابط، باعتبار أنّ لغة العرب هي لغة الإسلام في كتابه المقدَّس وفي سنّته الشريفة، وكذلك تاريخ العرب هو تاريخ الإسلام، كما أنّ تاريخ الإسلام هو تاريخ العرب، وهكذا نجد أنّ حركيّة العرب في فترة طويلة من التّاريخ وحتى يومنا هذا، ترتبط سلباً أو إيجاباً بحركة الإسلام، باعتبار أنّ أغلب العرب مسلمون.

ولذلك، فإننا لا نستطيع أن نفصل بين العروبة والإسلام في ماضيهما وحاضرهما ومستقبلهما كخطين يلتقيان في أكثر من موقع."

من هذا كله نقول: ان من الواضح ان مشروع الاستعباد الفرنسي البريطاني بالاتفاق مع القيصرية الروسية الموثق في الاتفاق الشهير سايس بيكو وما تخلل عنه من 22 دولة مستحدثة كنتيجة للحرب العالمية الاولي وهذه المشاريع لتلك الدول التي تم اقامتها منتوج لهذه الاتفاقية قد فشلت او انها بالطريق للفشل.

ان الجمهورية التركية الحالية تواجه مشاكل في الهوية والانتماء وطريقة التعامل مع الشعوب والأديان والطوائف التي تعيش على ارض الاناضول منذ ما قبل الميلاد لليوم، وما تم صناعته او وجوده او تطوره من طورانية عنصرية لم تصنع لمواطنيها الا القتل والالغاء المتواصل، وان دولة تقتل مواطنيها او تضطهدهم او تفرض عليهم التصفية والتغيير الديني والقومي ليست دولة نموذج بطبيعة الحال لأي بشر طبيعي.

ان هذا المشكل للفشل يتواصل لباقي "دول" سايس بيكو إذا صح التعبير حيث نشاهد القطر العربي اللبناني مع صيغة الاستعباد الفرنسي الصانعة لهذه المنطقة العربية الجميلة المنكوبة حاليا، ان الصيغة الفرنسية المعدلة أمريكيا مع اتفاق الطائف قد صنعت المأساة والفشل المتواصل.

ان الأجانب الغرباء من فرنسيين وامريكان لا يعرفون هذه المنطقة اللبنانية العربية الاصيلة الا من منظار مصالح الاستعباد الفرنسي والاستعباد الامريكي وهو ما خلق اليوم في القطر العربي اللبناني واقع أسوأ من جهنم يتحكم فيه بالمشهد الداخلي سياسيا واقتصاديا ومعيشيا هناك منظومة من قتلة ومجرمين وسفاحين من مليشيات الحرب الاهلية اللبنانية مع اوباش البشر والقمامات الادمية من حولهم كمنتفعين ومرتزقة والذين صنعوا واقع مافيوي بلا نظام ولا قانون ولا رحمة وهذا الامر الحاصل في القطر العربي اللبناني المنكوب هو جرس انذار لباقي الأقطار العربية والتي ستنتهي لنفس مصير لبنان لاحقا ام اجلا، الا اذا تحركت هذه الأقطار العربية في خط الوحدة العربية الحقيقية الواقعية إداريا وتنظيما وعسكريا وامنيا وعاشت مشروع حقيقي مصلحي عربي للنهضة قبل ان يجرفها ويهدم أركانها، التغير القادم للعالم .....كل العالم من عالم لقطب واحد الى عالم متعدد الأقطاب ومنها سيتم انشاء دول جديدة ومجالات حيوية متجددة ستخدم مصالح الأقطاب الروسية الصينية الانجلوساكسونية الأطلسية والتي تمارس الى الان صراع الأقطاب لحد الوصول الى إعادة صناعة اتفاق مالطا جديد كما حدث بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا التقسيم ان حدث فهو لن يخدم مصالحنا ك "عرب" بل مصالح تلك الأقطاب وما يخدم بلدانهم وقومياتهم اذا صح التعبير، لذلك على الشعب العربي والأنظمة الرسمية ان تعيس لحظة المسئولية وواقع الهم الرسالي صاحب المشروع، لكي لا يجرفنا التيار بعد ان لا ينفع الندم، وما حدث في زلزال تركيا المنكوبة ليكن هزة للعقل العربي والضمير لكي نعود للتحرك في خط صناعة السعادة للفرد والنهضة للمجتمع كما كنا، اما الواقع العنصري الاتاتوركي الطوراني السائر في خط خدمة الصهاينة والحلف الطاغوتي الربوي العالمي فماذا سيكون مصيره لاحقا، فأن هذا أيضا سيكون ضمن ماذا سيترتب على صراع الأقطاب الدوليين؟ وهذا هو جواب المستقبل القريب؟

***

د.عادل رضا

كاتب كويتي في الشؤون العربية والاسلامية

 

 

كلنا من يعرف المثل الشعبي "الصديق يعرف بالشداد"، او "الصديق وقت الضيق"، وتعابير أخرى تختلف طبقا للهجات العامية في دول العالم، ولكن جميعها، تشير الى ان التعرف على حقيقة " صداقة " صديقك، فإنها تبان، أو تظهر "معدنها" الحقيقي، عندما تمر بظروف صعبة، وللأسف اليوم، قليل من يحتفظ بصديق " صدوق "، فما أكثر الأصحاب حين تعدهم، ولكنهم في النائبات قليل .

وزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، هي تجسيد، لعمق العلاقة التي تربطه والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي التقاه لأكثر من 30 مرة، وعشرات المكالمات الهاتفية، أسهمت في تكوين صداقة عميقة بينهما، ويطلقون على بعضهم البعض اسم الشركاء الأكثر موثوقية، "الأصدقاء الأقرب والأكثر موثوقية" بين الزملاء الأجانب، وأسهمت هذه الصداقة القلبية بين رئيسي الدولتين بالارتقاء بالعلاقات الصينية الروسية إلى مستوى جديد وعززت التعاون بين الصين وروسيا في مختلف المجالات لتحقيق مثمر.

الزيارة هذه المرة، حيرت القريب والبعيد، والصديق منهم والعدو، فرغم كل التحديات والتهديدات التي تلقاها الرئيس الصيني، لإلغاء زيارته الى العاصمة الروسية، لأن نتائجها بالتأكيد، لن تحمل أي معنى سوى إنها، زيارة " دعم " لروسيا والرئيس فلاديمير بوتين، أمام هجمة لا يمكن وصفها الا " بأشرس " هجمة غربية عرفها العالم، وعقوبات ظالمة تنزل "كالمطر" تستهدف كل مرافق الحياة، في محاولة غربية، لتجويع الشعب الروسي، وإيقاف عجلة التقدم الحضاري والصناعي والعلمي في روسيا وتقسيم البلاد، لذلك اخذت الزيارة بعدا " حميميا "، أكثر مما كان متوقع، من ان تكون مجرد زيارة روتينية .

وما زاد من " حميمية " هذه الزيارة، قبول الرئيس الصيني دعوة " صديقه " الرئيس الروسي، لشرب الشاي في شقة الأخير الموجودة بالقرب من الكريملين، بعيدا عن المراسيم البروتوكولية، والجلوس وشرب الشاي بجوار مدفأة، ما أوقعت جميع من يهمه الامر، في حيرة كبيرة، عما تم في هذا اللقاء، وخصوصا، عندما أعلن الرئيس بوتين، انه ناقش مع " صديقه "في حفلة الشاي هذه " كل شيء "، تعبير زاد من الامر تعقيدا وقلقا وفضولا، للتعرف عن ما هو المقصود " بكل شيء "، وقال بوتين "نحن لا نشكل أي تحالف عسكري مع الصين، نعم، لدينا أيضا تعاون في مجال التعاون العسكري -الفني، ونحن لا نخفيه، لكنه شفاف، ولا يوجد سر هناك"، وبالتالي زاد الرئيس بوتين " الطين بلة"، في حيرة الغرب وتوقعاته عما يدور في خلد الرئيسين لقوتين كبيرتين الأولى نووية والثانية اقتصادية .

بوتين وشي، صديقان قديمان مرتبطان ببعضهما البعض من خلال اتصال متنوع وغني، وقدموا لبعضهم بعض الهدايا، وسافروا في قطار فائق السرعة معًا، وخبزوا الفطائر معًا، وتذوقوا العسل الروسي والكافيار معًا، وأصبحت كل لحظة من اتصالاتهم جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الصداقة الصينية الروسية، و إنهم يدعمون بعضهم البعض في أهم الفعاليات، ففي أوائل عام 2014، قام الرئيس الصيني شي جين بينغ برحلة خاصة إلى روسيا لحضور حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي، وتأثر الرئيس فلاديمير بوتين بشدة بهذه التحية من الرئيس شي جين بينغ، "عندما يحظى أحد الجيران بأحداث سعيدة، سأحضر بالتأكيد لأهنئه شخصيًا"، وفي عامي 2017 و 2019، زار فلاديمير بوتين بكين مرتين للمشاركة في منتدى الحزام والطريق الدولي، وقدم مقترحات بشأن هذه المبادرة الصينية، وفي عام 2021، دعم فلاديمير بوتين دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، وحضر زيارته الوحيدة للدول الأجنبية المقرر إجراؤها حاليًا في عام 2022 حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في العاصمة الصينية.

وفي عام 2015، زار الرئيس شي جين بينغ روسيا، لحضور الاحتفالات بالذكرى السبعين للنصر في الحرب الوطنية العظمى، بينما زار الرئيس فلاديمير بوتين الصين لحضور احتفالات الذكرى السبعين لانتصار الشعب الصيني في حرب المقاومة اليابانية، والحرب العالمية ضد الفاشية، وفي الاحتفالات التي أقيمت في الساحة الحمراء، ترك الرئيس فلاديمير بوتين المكان الأكثر تكريمًا - عن يده اليمنى - للرئيس شي جين بينغ، وكان حرس الشرف للفروع الثلاثة لجيش التحرير الشعبي الصيني (PLA) آخر من شارك في هذه العرض، ليصبح العدد النهائي لمسيرات القوات الأجنبية، وفي العرض العسكري في 3 سبتمبر، رافق الرئيس شي جين بينغ الرئيس فلاديمير بوتين على طول الطريق إلى منصة تيانانمين، ومثل هذه اللحظات الصادقة لا تعكس الصداقة الودية بين رئيسي الدولتين فحسب، بل تعكس أيضًا الأهمية الكبيرة التي توليها الصين وروسيا لبعضهما البعض، فضلاً عن العلاقات الودية بين الشعبين الصيني والروسي.

وفي مواجهة انتشار COVID-19، سار الصديقان القديمان "جنبًا إلى جنب"، لتقديم مساعدة نكران الذات لبعضهما البعض، فروسيا هي أول دولة من أرسلت وفدًا من الخبراء لمكافحة الوباء إلى الصين، والصين بدورها دولة رئيسية في تزويد روسيا بوسائل مكافحة الوباء، وفي بداية عام 2020، عندما عانت الصين أكثر من COVID-19، زودت روسيا الصين بـ 183 مترًا مكعبًا من البضائع الإنسانية - والإمدادات الطبية ومعدات الحماية الشخصية، ومع ذلك، استمرت جائحة COVID-19 في روسيا في التصعيد لاحقًا، لينتقل ليس فقط الى مستوى التزويد المتبادل للإمدادات الطبية، ولكن إلى مستوى التعاون الشامل ومتعدد المستويات، وحافظت الصين وروسيا على تواصل وتعاون وثيقين طوال الوقت، وتضافرت جهودهما للمساهمة في المعركة العالمية ضد الوباء، وفي قمة قادة مجموعة العشرين الخاصة بشأن الاستجابة لوباء COVID-19، أعرب شي جين بينغ وبوتين عن موقفهما بالإجماع، داعيا المجتمع الدولي إلى بناء الثقة والعمل معًا والتحدث بصوت واحد، في حين أكدت روسيا تصميمها على الوقوف إلى جانب الصين، وأشار مسؤولون روس مثل الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية الروسي مرارًا وتكرارًا للولايات المتحدة إلى أنه من غير المقبول، نقل مسؤولية COVID-19 إلى جمهورية الصين الشعبية.

وتقف الصين وروسيا إلى جانب بعضهما البعض في القضايا ذات الاهتمام الحيوي، فبعد زيارة رئيسة مجلس الشيوخ الأمريكي بيلوسي الى تايوان، وعندما قررت ليتوانيا (البيدق في يد الغرب) للقوات المعادية للصين، تجاهلت السيادة الصينية وأعلنت عن إنشاء ما يسمى بـ "ممثليتها " بالتعاون مع الانفصاليين المؤيدين لـ "استقلال تايوان"، أجرى الرئيسان محادثة هاتفية في أغسطس202، اكد خلالها بوتين، إلتزام روسيا الحازم بسياسة صين واحدة، وتدعم الموقف الشرعي لجمهورية الصين الشعبية في الدفاع عن مصالحها الأساسية في الأمور المتعلقة بتايوان وهونغ كونغ وشينجيانغ وبحر الصين الجنوبي، وتعارض بشدة تدخل القوى الخارجية في الشؤون الداخلية للصين، كما عكست المحادثات الهاتفية بين قادة الصين وروسيا، التي أجريت في لحظات مهمة من تطور الجانبين، الدعم المتبادل والتفاهم والثقة بين الصين وروسيا بشأن القضايا الرئيسية، وهي دليل على المستوى العالي للصين- العلاقات الروسية.

النظام العالمي يواجه اليوم تحديات غير مسبوقة، فقد أعرب قادة الصين وروسيا عن موقفهم من حماية التعددية والعدالة الدولية خلال المحادثات الهاتفية وجسور الفيديو، هذا ليس فقط انعكاسًا لدعم التوازن الاستراتيجي العالمي، ولكنه أيضًا دليل على مسؤولية بلديهما كقوتين عالميتين، باعتبارها أعلى شكل من أشكال التبادلات الدولية، تلعب دبلوماسية رؤساء الدول دورًا مهمًا ولها قيمة استراتيجية لا يمكن استبدالها بتبادلات أخرى.

أن التقارب بين روسيا والصين، من وجهة النظر الغربية، بات يشكل مصدر قلق خطير في العواصم الغربية، حيث يعتبرون هذا الثنائي (روسيا والصين) منافسا محتملا للولايات المتحدة وحلفائها،خصوصا وان التفاعل بين روسيا والصين على الساحة الدولية يساعد على تعزيز المبادئ الأساسية للنظام العالمي وتعدد الأقطاب، وحذر الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ من تنامي التعاون العسكري والاقتصادي بين روسيا والصين معتبرا ذلك تهديدا للنظام العالمي الذي أنشأه الغرب، وأن الصين باتت ولأول مرة تدعم مطالب روسيا بإغلاق أبواب حلف الناتو وتتبنى وجهة النظر الروسية حول دوافع العملية العسكرية في أوكرانيا.

ويمر العالم حاليًا بتغيرات عميقة لم نشهدها منذ قرن من الزمان، وطالما أن الصين وروسيا تقفان جنبًا إلى جنب وتتعاونان بشكل وثيق، فسيتم ضمان السلام والاستقرار العالميين بقوة، وستتم حماية العدالة الدولية بشكل موثوق، وتحت قيادة رئيسي الدولتين، سيصبح التعاون الاستراتيجي الصيني الروسي في العصر الجديد أكثر استقرارًا وقوة، وستستمر الصداقة بين الشعبين بلا شك إلى الأبد، كما إن دبلوماسية رؤساء الدول على هذا المستوى الرفيع أمر نادر الحدوث في العلاقات الدولية الحديثة، وأبى الرئيس الصيني أن يغادر موسكو، دون أن يسعد" صديقه "، بكلمات على مبدا " أتكلم معاك يا أبنتي، واسمعي ياكنتي "، فقال شين مخاطبا بوتين، " هناك تغيرات جديدة لم تحصل منذ 100 عام، وعندما نكون معا نقود هذه التغيرات "، ليرد عليه الرئيس بوتين بالقول (أوافقكم الرأي)، كلمات نظن أنها لا تحتاج الى تعليق !

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

بسبب التراكمات التربوية والاجتماعية والدينية الموروثة او التي تتعلق بالمناهج الدراسية الجامدة عبر عشرات السنين، والبناء القبلي لمعظم مجتمعاتنا التي تمنح الشيخ صلاحيات تشبه صلاحيات الدكتاتور في النظم السياسية الشمولية، تكلست مجموعة من القيم والسلوكيات التي حولت الكثير ممن يتولون أي مسؤولية إدارية صغيرة كانت او كبيرة الى دكتاتوريات قزمية تحاول تقمص شخصية الرئيس او شيخ القبيلة، من خلال اسقاطات سلوكية وسايكولوجية بالغة في معظم المجتمعات العربية والإسلامية وتأثيراتها على الفرد وموقعه الوظيفي اجتماعيا او إداريا، حيث يتقمص في سلوكه وتصرفه شخصية الرئيس او الملك في الموقع الذي يشغله تدرجا من اصغر مدير دائرة أو مفوض شرطة مرورا بشيخ العشيرة ورجل الدين، وليس غريبا أن يكون ذلك السلوك مرتبطا في الأساس بسلوك ابٍ متسلط بإفراط او معلم مستبد في المدرسة او رجل دين متشدد لا يقبل الحوار والنقاش صعودا الى شيخ العشيرة ومن ثم الى اعلى الهرم في الحكم المطلق للفرد.

ولا عجب في ذلك لأن منظومة التقاليد والعادات والتفسيرات الدينية الداعمة مع التراكم التربوي والاجتماعي وحتى الديني يدعم هذا التوجه والرمزية في الحكم، ولا أظنه عيباً في مجتمعات ما تزال في بدايات انتقالها إلى نمط آخر من الحياة السياسية والاجتماعية وما يواجهها من صراعٍ عنيف بين النظام الذي تعيشه والنظام البديل، خاصةً وأنه ليس من الضرورة أن يكون البديل سياسياً فقط، بل إن المتغيرات التي أنتجتها الكهرباء ومشتقاتها في عالم الاتصالات والإنترنيت والتواصل الاجتماعي أحدثت ارتباكا شديداً في عملية الانتقال المفاجئ إلى النظام الجديد دونما المرور في سياق التطور الطبيعي للمجتمعات وتعاملها مع معطيات الحضارة الجديدة، فكانت أشبه ما تكون في صدمتها بنتائج غزوة بدوية كالتي كانت تحصل بين القبائل قبل عشرات السنين، مما أدى الى تعطيل الانتقال النوعي واستبداله بمظهرية سطحية لم تتعدى الشكل الخارجي وإكسسواراته في السلوك أو الثقافة، والذي أنتج هجينا غريبا لا يمت بأي صلة لا بالنظام الأول ولا بالبديل المرتجى!

نعود الآن إلى عقدة (الرئيس) المفرط بالرئاسة، كواحدة من تلك العقد التي واجهتها عملية التغيير الاجتماعي والسياسي في معظم هذه البلدان، وخاصة تلك التي تم تغيير هياكل أنظمتها اما بانقلابات او بمساعدة قوى خارجية كما حصل في العراق وليبيا واليمن وسوريا وتداعياتها الاجتماعية والسياسية، خاصة العقد الموروثة من أنظمتها السابقة، وفي مقدمتها عقدة (الرئيس القائد) المفرطة التي أنتجتها الدكتاتوريات السياسية والاجتماعية وما يرتبط بها من كاريزما وصلاحيات مطلقة كانوا يتمتعون بها ويستخدمونها في تخدير الغالبية من الأهالي الذين يمتلكون استعداد الاحتواء (القطيعية) من هكذا كارزميات بصرف النظر عن طبيعة سلوكها، ولعلنا نتذكر تلك الجموع الغفيرة التي كانت تتغنى بهم وما زالت تمارس ذات السلوك مع غيرهم اليوم.

ومن هنا وبسبب هذا التراكم الموروث سيكولوجيا واجتماعياً تشعر كثير من الزعامات التي أنتجتها مرحلة الانقلاب الى الوضع الجديد وبغياب دولة المواطنة وهشاشة القانون، إنها تشغل ذات الموقع الذي شغلته تلك الشخصيات في النظم الشمولية، ابتداءً من اصغر مدير دائرة يتوهم نفسه امبراطورا وحتى اعلى المستويات حيث تتقمصها وتقلدها بشكل أعمى، وإزاء ذلك يبدو من الصعوبة بمكان إحداث تغيير مهم وبسرعة في هذه التركيبة من الأمراض الاجتماعية والنفسية والسياسية المتكلسة، مالم تبدأ حملة تطهير وتنوير كبيرة تشارك فيها كل النخب المثقفة والأكاديمية بمختلف توجهاتها وعلى كل المستويات، ابتداءً من الأسرة والمدرسة ومناهجها التي تكرس هكذا سلوك وخاصة في مبدأ المواطنة الجامعة، وتنقية التعليم من عملية تعبئة الرؤوس بالمعلومات واستبدالها بمناهج معاصرة نقدية عملية بعيدة عن المتوارث من الخرافات والاساطير والهيمنة البدوية في التفكير والسلوك، وإلغاء تداخل النظام القبلي او الدين مع الدولة بالتأكيد على مدنية الدولة والنظام، وإن أي موقع في الدولة أو في النظام الإداري والتشريعي والقضائي ما هو إلا عمل وظيفي مقابل أجر لخدمة المجتمع وأفراده، وليس منةً أو هبةً من أحد، بل هي وظيفة اجتماعية أو سياسية أو تشريعية لخدمة الأهالي دونما تأليه أو تفرد أو امتيازات مبالغ بها على حساب الآخرين.

***

كفاح محمود

وكأنه لا يكفي الشعب الفلسطيني ما يتعرض له من طرف حكومة صهيونية عنصرية لا تخفي أهدافها بتصفية الوجود الوطني الفلسطيني، ولا يكفيه الانقسام والفصل بين غزة والضفة وبين الداخل والخارج، ولا يكفيه حالة الفقر والبطالة وتراجع مؤشرات التنمية ومحاولة العدو تجهيل الشعب الفلسطيني، فتأتي إضرابات النقابات وخصوصا في قطاع التعليم وكأنها إعلان عن نجاح المراهنة الإسرائيلية بتوقيعها اتفاقية أوسلو، حيث كانت تراهن على تغيير معادلة الصراع من صراع كل الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال إلى صراع حزبي على السلطة، و تغيير في وظيفة المجتمع المدني وخصوصا النقابات من قاعدة من قواعد الثورة الفلسطينية إلى حركات وتنظيمات تواجه سلطة فلسطينية لتحقيق مكتسبات مادية.

لا شك أنه في الوضع الطبيعي والظروف العادية فإن الإضرابات التي تقوم بها النقابات تكتسي شرعية قانونية لأن مهمة النقابات الدفاع عن حقوق منتسبيها، ولكن ... أن تأتي هذه الإضرابات وفي هذا الوقت الذي تتوسع فيه الهجمة الصهيونية على كل شعبنا بحيث لا يميز العدو في عدوانه بين العامل و لمعلم والمهندس والفلاح والتاجر حتى السلطة الفلسطينية نفسها مهددة من الاحتلال، وفي الوقت الذي تقرصن دولة الاحتلال أموال المقاصة وتسعى لإفشال الدور الوطني للسلطة الوطنية، وأن تأتي في ظل الانقسام حيث بعض مكونات النقابات تنتمي لقوى معارضة لا تعترف بالسلطة وتعلن موقفا واضحا بمناهضتها وسعيها لإفشالها، وأن تؤدي الإضرابات إلى تعطيل العام الدراسي ...كل هذا يطرح تساؤلات عميقة حول التحولات التي طرأت في العلاقة بين الحركة النقابية والمجتمع المدني بشكل عام من جهة والسلطة الوطنية التي يفترض أنها امتداد لمنظمة التحرير وعنوان سياسي للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة من جهة أخرى.

في الحالة الفلسطينية يتداخل العام مع الخاص والسياسي مع المدني، الشعب الفلسطيني بكل فئاته ومستوياته انتظم في حركة جماهيرية واحدة، قيادة سياسية، نقابات، أحزاب لمواجهة الاحتلال، ولم يكن تأسيس الحركة النقابية بداية وقبل قيام السلطة في إطار حركة مطلبيه اقتصادية أو اجتماعية بل في إطار حركة جماهيرية سياسية نضالية تسعى للاستقلال والحرية وإبراز الهوية الوطنية والحفاظ عليها.

تواجدت الحركات النقابية في فلسطين قبل النكبة وكانت جزءا من الحركة الوطنية في مواجهة الانتداب البريطاني والحركة الصهيونية، وبعد النكبة نهضت مجددا في رحم حركة التحرير الوطني خلال الشتات وكانت المواثيق والقوانين الأساسية لجميع النقابات تنص على انها قاعدة من قواعد الثورة الفلسطينية، وبالفعل كان كثير من المؤسسين والنشيطين في الحركة الوطنية منظمين للحركة النقابية، وكان منتسبو[k1] مؤسسات المجتمع المدني من اتحادات وجمعيات ومنظمات اجتماعية هم الذين رفدوا حركة المقاومة أو الثورة والنخبة السياسية الفلسطينية والسلطة الوطنية خصوصاً، وهؤلاء مدينين للمجتمع المدني بكل تكويناته.

دخول منظمة التحرير الفلسطينية مسلسل التسوية وتوقيعها اتفاقية أوسلو وبداية الحكم الذاتي الفلسطيني في مناطق من الضفة والغربية وقطاع غزة غيَّر في وظيفة المؤسسات المدنية والسياسية التي ظهرت في مرحلة الثورة، فالسلطة الوطنية الفلسطينية التي تدير مناطق الحكم الذاتي أصبحت بمثابة السلطة السياسية لها حساباتها وسياساتها وارتباطاتها الناتجة عن مسلسل التسوية, وهي سياسة وارتباطات لا تتفق بالضرورة مع موقف كل الشعب الفلسطيني ومؤسساته المدنية، ومن هنا حدث الانفصال بين المجتمع المدني وخصوصا النقابات وحركة التحرر الوطني التي يُفترض أن السلطة الوطنية امتداد لها.

وهكذا لاحظنا منذ تأسيس السلطة 1994. ظهور (مجتمع مدني) بعضه تابع للسلطة وآخر يمارس دور المعارضة في مواجهتها، كما أن السلطة اعترفت للنقابات بحق العمل النقابي وحقها بالأضراب وكل أشكال الاحتجاجات السلمية لتحقيق أهدافها بل ووقعت الحكومة مع النقابات اتفاقات وتفاهمات لضمان حقوق العاملين.

ما أربك العلاقة بين الحركة النقابية والسلطة هو انعدام الثقة والانقسام السياسي ومحاولة قوى سياسية معارضة للسلطة الهيمنة على النقابات ليس لتحقيق مزيد من المطالب المعيشية بل لمناكفة السلطة وإضعافها بل وسيطرة بعض أحزاب المعارضة على بعض النقابات مما عزز حالة انعدام الثقة وتخوفات السلطة من توظيف العمل النقابي للإضرار بها.

من حق المعلمين أن يعيشوا حياة كريمة لأن بناء الأجيال يقوم على اكتافهم، ولا يُعقل أن يكون أجر المعلم أقل من أجر عامل في إسرائيل وحتى في الضفة، كما أن على الحكومة الالتزام بتعهداتها مع النقابات، ولكن في نفس الوقت على المعلمين وكل النقابات ألا يتجاهلون حراجة الظروف التي تمر بها السلطة وأن هناك أطراف متعددة معنية بتدمير السلطة وإفشالها وهؤلاء قد يوظفون النقابات لهذا الغرض.

حتى مع اتهامات يوجهها البعض بأن حالة الارباك في تدبير السلطة للشأن العام وما يشوب السلطة من أوجه فساد كما يزعم البعض ووجود بعض الأطراف في السلطة نفسها معنية بالتصعيد مع النقابات لإبعاد الأنظار عما تعيشه من مأزق وعجز في مواجهة العدوان الصهيوني وانغلاق أفق مراهنتها على التسوية السياسية... هذه الاتهامات كما الاتهامات التي توجهها الحكومة لبعض مكونات نقابة العاملين يجب ألا تكون عائقا أمام تصويب العلاقات بين الحكومة والحركات النقابية وخصوصا المعلمين، فاستمرار الإضرابات لن يتضرر منه إلا التلاميذ وأولياء أمورهم وليس الحكومة، بل يمكن القول بأن كل أشكال الإضرابات وتعليق العمل أو التدريس في الحالة الفلسطينية، معلمين وأطباء ومحامين الخ، مرفوضة ويجب إعادة النظر بها، سواء كانت لأسباب مطلبية أو سياسية كالمناسبات الوطنية ودعم الأسرى وغيرها، فالمجتمع الفلسطيني الذي يعيش في مرحلة بناء الدولة ومواجهة السياسة الصهيونية لتجهيل الشعب الفلسطيني وافقاره يحتاج لكل طاقات الشعب في كل المجالات في هذه المرحلة المحرجة، والإضرابات لن يتضرر منها إلا المجتمع الفلسطيني وعلى النقابات البحث عن وسائل نضالية أخرى لتحقيق مطالبها .

***

علي حسين

سبق وإن كتبت مقالا تحت عنوان "العراقيون ولوثة الدكتور"(1) سلطت فيه الضوء على الجانب "العقدي" الجديد في الشخصية العراقية من زاوية تطلع أعداد هائلة من متخرجي الجامعات إلى الحصول على الشهادة العليا (الدكتوراه أو الماجستير) دون أن يمتلك الكثير منهم المقومات التي تؤهلهم لهذه الدرجة العلمية المهمة في تطوير وانتاج المعارف الجديدة. وبما أن المسألة قد أن اخذت بعدا مبالغا فيه في هذا الاتجاه بات الأمر بنظري يتطلب نظرة أبعد باتجاه محاولة اكتناه مدى تأثير هذا الانتشار (الضار بالتاكيد) على الجانب المعرفي العام وبالتالي نوع المنتج البشري الذي يترتب عليه وما يتركه ذلك من آثر في تطور العراق من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.

وكما يلاحظ كثيرون فإنك اينما صادفت شبانا عراقيين في الخارج سوف تجد عند أول حديث معهم أن العديد منهم قد جاءوا للحصول على شهادة الدكتوراه. والسؤالان اللذان لابد وأن يتبادرا إلى اذهن المهتم هما أولا: هل يعقل أن كل هؤلاء الطلبة مؤهلين حقا من الناحية الفكرية والمعرفية ويتمتلكون درجة كافية من الذكاء ليصبحوا "دكاترة" يطالبون غدا بتوظيفهم كأساتذة جامعة؟والثاني: هل أن الجامعات التي يدرسون بها تمتلك مستوى علميا مقبولا وأن لديها تقاليد أكاديمية عالية بما يكفي   ليجعلها مؤهلة لمنح تلك الدرجات؟ ويكتسب هذا السؤال أهمية خاصة في وقت تنتشر فيه الجامعات والمعاهد الخاصة ذات الطابع التجاري في كل مكان في الدول العربية. ويزداد عدد هذه المؤسسات "العلمية" ذات الطابع التجاري كلما كان مسؤولو ذلك البلد أكثر استعدادا ، تحت القسر أو الإغراء، للانسياق وراء وصفات الليبرالية الجديدة القادمة من وراء الحدود الموجهة للدول النامية، تلك الوصفات التي تعمد إلى تدمير ما تبقى من المؤسسات الحكومية وعلى رأسها المؤسسات التعليمية الحكومية لتنتشر بدلها معاهد خاصة كلها معنية بتدريس مواد لها علاقة بالتجارة والتسويق وتقنيات الكومبيوتر ولن تجد واحدا منها يدرس المواد العلمية كالفيزياء والكيمياء والرياضيات. إن تزايد الكم (من المتخرجين) الذي أنتجه ذلك التوجه على حساب النوع يكاد يكون ظاهرة لافته في هذه الدول. إن غالبية المتخرجين من هذه المعاهد دائما ما يسعون للانغماس في السوق التجارية عن طريق العمل كوسطاء بيع وترويج المنتجات التي تقدمها الشركات الغربية التي تمول المؤسسات التي تخرجوا منها وهم يفعلون ذلك طامعين بالانضمام إلى فئة الأغنياء الجدد الساعين وراء الربح السريع ليصرفوا و المال الذي كسبوه على شراء سيارات مرتفعة الثمن ولبس ماركات عالمية وبذلك يكون المال الذي كسبوه في خدمة تلك الشركات قد أعادوا ضخه في السوق الراسمالية مع أرباح فاحشة. و لا شك أن النهب الرأسمالي بوسائل مستحدثة كان ولا يزال عاملا بارزا في تزايد فقر البلدان النامية.

ولقد دار حديث كثير حول حصول فضائح في بعض الجامعات اللبنانية التي منحت مئات وربما آلاف الشهادات العليا لدارسين عراقيين مقابل المال ومنح كثيرون شهادات حتى دون أن يحضروا..هذه الجامعات والعديد غيرها في الدول العربية وبعض الدول الأخرى من شرق أوربا كأوكرانيا نادرا ما ترى فيها طلبة دكتوراه من البلدان السائرة في طريق التطور الحقيقي كتركيا أو أندونيسيا وغيرها من بلدان شرق آسيا الناهضة. أما البلدان الني بلغت شوطا كبيرا في التطور كالهند والصين فإن طلبة الدكتوراه عندهم يدرسون في أرقى الجامعات الأمريكية والبريطانية والألمانية. وفي الولايات المتحدة لوحدها يدرس حاليا 400 ألف طالب صيني كلهم في أرقى الجامعات التي تكلف الدراسة فيها مبالغ طائلة لا قبل إلا للدولة في تحمل تكاليفها.وإذا حسبنا المجموع الكلي للصينيين الذين حصلوا على شهادات عليا من الجامعات الأوربية والأمريكية المرموقة لربما بلغ ملايين. أما عندنا فكلمن امتلك 10 آلاف دولار راح يبحث عن جامعة تمنحه شهادة الدكتوراه، ومن لا يملك هذا المبلغ في عراق اليوم؟

كما لا يجوز لنا أن ننسى حقيقة المنح العشوائي للشهادات العليا في المؤسسات التعليمية العراقية الذي حصل بعد 2003 الأمر الذي يضع اللجان التي منحت هذه الشهادات تحت طائلة المسؤولية الأخلاقية ويتطلب الأمر بحثا حقيقيا للإجابة على أسئلة ملحة تتعلق ب: هل أن لجان مناقشة الإطروحات أو من ترأسها مؤهلين من الناحية الأكاديمية لهذه المهمة ويتسمون بالحياد العلمي؟ هل تعرضوا للضغط من أطراف محددة؟هل يوجد من بينهم من يخضع لمغريات المال؟وأسئلة أخرى عديدة تستدعي الإجابة عليها إذا ما أريد وقف الانحدار. إن عدم أهلية المتخرج من المعاهد الدراسية العليا في العراق من شأنه أن يجعل هذا البلد يراوح مكانه وغير قادر على السير للأمام بسبب غياب القدرات العلمية التي تؤهله لذلك...إن أستاذا جامعيا يفتقد التأهيل يعني أن المتخرج على يده حامل شهادة البكالوريوس يتصف بنفس الصفة وتتدرج المسألة نزولا حتى الوصول إلى المستوى الابتدائي..أما رياض الأطفال التي انتشرت عندنا على نطاق واسع كمشروع تجاري يدر ربحا وفيرا فهي جميعها تقريبا يملكها أو يديرها أناس لا علاقة لهم بمهنة تربية وتعليم الأطفال وأصبح فتح روضة أطفال مشروعا مربحا كأي تجارة رائجة أخرى. و لا نعرف كيف تمنح الوزراة المعنية هذه الرخص دون تدقيق وتمحيص الأمر الذي يمكن أن يعرض الأطفال لمخاطر جمة ناتجة عن التوجيه والتعليم الخاطئ وبهذا تترابط سلسلة التردي من أعلى ومن أسفل...

إن أبرز ما يميز الوضع العراقي العام اليوم هو أكوام المشاكل الاجتماعية التي تواجه الحكومة ومنها تشغيل العاطلين. وفي الوقت الذي تحدث فيه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني محقا عن ضرورة دعم وتطوير القطاع الخاص في عملية البناء والتشغيل تغيب النظرة إلى واحدة من أهم مستلزمات تطور القطاع الخاص ومجمل التطور الاقتصادي ألا وهو إعداد الكفاءات العلمية والفنية اللازمة لرفد القطاع باليد العاملة الكفوءة. إن واحدة من أهم الأسباب التي جعلت الصين مقصدا لكبرى الشركات العالمية هي امتلاكها لليد العاملة الماهرة والمعقولة الأجر قياسا بما لدى غيرها ولاشك أن الصين قد استثمرت جهدا كبيرا ومالا كثيرا في سبيل إعداد هذا الجيش من العمال والفنيين الماهرين..

في فترة السبعينات وتحديدا قبل اللجوء إلى تبعيث العملية التعليمية على نطاق واسع والذي شكل بداية التدهور كانت الحكومة العراقية تختار افضل الطلبة وترسلهم إلى أرقى الجامعات الغربية مع تعهد بالعودة وخدمة بلدهم وكانت النتيجة أن اسس العراق قاعدة علمية جيدة كانت تؤهله لسلوك طريق التطور الصاعد لولا أن اكلت الحروب المتكررة ما أكلت وكان الاختصاصيون العراقيون الذين اضطروا لمغادرة العراق في فترة الحصارالاقتصادي مثار إعجاب الدول التي هاجروا إليها.

وفي نفس السياق كانت الحكومة آنذاك تولي اهتماما كبيرا بإعداد الكوادر الوسطية وفتحت من اجل ذلك عشرات المعاهد الفنية لتخريج فنيين عالي الكفاءة. لقد اصبح هؤلاء إلى جانب زملائهم من ذوي الاختصاص العالي على وشك الانقراض خاصة وقد هاجرت أعداد كبيرة منهم إلى الخارج خلال فترة الحصار ولم نر نية لأي من الحكومات التي جاءت بعد 2003 في منح من يبدي من هؤلاء استعدادا للعودة للعراق للمساهمة بقدراته الفرصة لإفادة بلده. أقول ذلك وأنا أعرف أن من يأتي للعراق ليساهم بجهده سوف يلقى مقاومة من الجيل الجديد الشاب الذي لا يتسم بالتواضع والرغبة في التعلم من غيره..بل أستطيع القول أن هناك لوبيات تعمد لإبعاد الكفاءات المتقدمة. ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه قد سبق لحكومة المالكي الأولى أن وضعت برنامجا لإرسال طلبة دراسات عليا إلى الجامعات الغربية المرموقة ولكننا لم نعرف إين حل بهم المقام وما إذا كانوا قد عادوا ليسهموا بما تعلموه.

وفي الوقت الذي أقر فيه بأحقية الشبان حاملي الشهادات في أن تتوفر لهم فرصة إيجاد عمل يتوافق مع طموحاتهم إذ يفترض في الحالة الطبيعية أن يكون هؤلاء حاملي أفكار جديدة ويتسمون بالحماس إلا أنهم سوف يحتاجون إلى وقت طويل للتعلم عن طريق التجربة والخطأ ما لم يكن هناك مختصون أكبر منهم عمرا يرفدوهم بالمعرفة والخبرة التي اكتسبوها من خلال عملهم الطويل. يولي الصينيون احتراما كبيرا لمن هم أكبر منهم سنا ويصغون لهم بانتباه ويستخدمون كثيرا كلمة "المعلم" في وصفهم وهي كلمة يبدو انها ذات معنى مميز في الثقافة الصينية. ولن تجد بالطبع في ثقافتهم من يصف الأكبر منهم سنا على الطريقة العراقية "هذولة عتيك"، هذا "يخرفش"..إلخ من التعبيرات الحاطة من قيمة الآخر التي يجود به المعجم العامي العراقي.

ويؤكد المفكرون المختصون بقضايا التنمية في بلدان العالم الثالث أن امتلاك قاعدة علمية رصينة (متخصصون ذوي كفاءة عالية) تترجم نفسها في بحوث لتطويرتقنيات الانتاج في المجالات المختلفة شرط لا غنى عنه للتطور العلمي و التقني. إن التكديس الكمي الفاقد للنوع لحملة الشهادا العاليا في العراق من شأنه ليس فقط إثقال الحكومات العراقية بمهام البحث عن عمل لهؤلاء بل وأيضا يلحق ضررا اجتماعيا كبيرا إذ يعتبر الكثيرون ممن حصلوا على الشهادة العليا بالطريقة التي ذكرت أنفسهم قد بلغوا قمة المعرفة ونادرا ما تجد منهم من يقر بقصور معارفه بينما يكشف الواقع حالات تثير الدهشة. لأضرب مثالا:

في مقابلة تلفزيونية مع وزير التخطيط في حكومة الكاظمي ووزير الصناعة حاليا خالد بتال تحدث فيها عن هذه الظاهرة قائلا إنه التقى في مناسبتين مع إثنين من حاملي الشهادات العليا الأول حاصل على الدكتوراه في الهندسة والثاني على الماجستير باللغة الإنكليزية وأن حامل شهادة الهندسة قد أخفق في تعريف الخط المستقيم عندما سأله والثاني لم يفهم ما قاله له الوزير عندما شرع بالحديث معه باللغة الإنكليزية.

ومن باب الطرافة أود أن اذكر أني شاهدت على إحدى القنوات الفضائية فيديو ينقل ما جرى في مطار بغداد أمام مصرف الرافدين عندما أغلق القائمون عل المصرف باب المصرف بوجه المسافرين الذي كانوا يريدون تحويل مبالغ مالية بحجة أن المصرف لا يستطيع القبول بمزيد من العملاء لأن لديه قائمة طويلة. ورفض هؤلاء بعناد إظهار هذه القائمة للمسافرين الذين طالبوهم برؤيتها. والجانب الظريف في الأمر ان أحد المسافرين، وهو شاب لم يبلغ الثلاثين حسب تقديري، تقدم نحو الرجل الطويل الذي يقف في الباب صائحا بوجهه: "أنا دكتور". بالطبع لم يعره الرجل أية اهتمام وواصل عمله المكلف به.

عندمام تسنم السيد علي الأديب وزارة التعليم العالي نقل عنه أنه ينوي تشكيل لجنة من الأساتذة المختصين تتولى مهمة مراجعة الشهادات العليا التي منحت قبل 2003 للتأكد فيما لو كانت تلك الشهادات قد منحت لقيمتها لعلمية الحقة أم لاعتبارات تتعلق بالانتماء الحزبية. وقد أثيرت في وقتها احتجاجات ضد هذه النية بحيث راح بعضهم يضعها في إطار ما سموه "الاستهداف الطائفي" الأمر الذي يبدو أنه قد جعل الوزير يغض النظر عن المسألة. وفي الوقت الذي يمكن فيه الإقرار بأن الكثير من الشهادات العليا التي منحت قبل 2003 (هنا أتحدث عن فترة التسعينات بالدرجة الأولى) لا تتوفر فيها الشروط العلمية فقد تكرر الأمرعلى نطاق أوسع بعد 2003 ولم تتخذ وزارة التعليم العالي في الحكومات المتعاقبة أية إجراء لإخضاع عملية منح الشهادا العليا للمعايير العلمية المطلوبة أو، أضعف الإيمان، أن تعلن الوزارة عبر وسائل الإعلام المختلفة عن الجامعات التي تعترف بشهادتها وأن توضح لكل دارس أن حصوله على شهادة معترف بها من قبل الوزراة لا تعني أن الوزراة ملزمة بإيجاد وظيفة له. أما التدريس في الجامعة فيجب أن يخضع لشروط عملية صارمة أهمها أن يكون صاحب الشهادة العليا (عدى أهلية الجهة التي منحتها) قد أنجز بحوثا ذات قيمة علمية وتطبيقية بعد حصوله على الشهادة. ومن المعروف أنه في الكثير من الدول تخضع عملية معادلة الشهادة المتحصل عليها من جامعة أجنبية لتقييم من لجنة خاصة ولكن كيف لنا في الحالة العراقية ان نتحدث عن معادلة شهادات كهذه بالشهادات المتحصل عليها من المؤسات العلمية العراقية إذا كانت القيمة العلمية والتطبيقية لهذه الشهادات (أي العراقية) هي موضع شك؟

لقد أتيحت لي الفرصة للحديث حول الموضوع إلى حامل شهادة عليا من الجيل القديم فاكتفى بالقول: "إن الوضع بهذا الخصوص خارج عن السيطرة و لا مؤشر على وجود نية لإصلاحه" أما حاملي الشهادات الأدنى الراضين بما هم عليه فهم متفقون على القول ما مفاده: إذا كان سياسيون كبار قد حصلوا على شهادة عليا بهذه الطريقة بل أن بعضهم شهادته مزورة فعلى من نلقي اللوم؟

وهكذا يبدو أن موضوع الشهادة العليا بات يشبه إلى حد كبير موضوع الفساد المالي والإداري (أجد أن الإداري منه عصي على الحل) إذ ما أن ترفع الحجر عن كومة التراب حتى تظهر لك تحته مئات الديدان...

***

ثامر حميد

......................

(1) رابط مقالة "العراقيون ولوثة الدكتور"

https://www.almothaqaf.com/aqlam-4/941374

تمر هذه الأيام الذكرى العشرون لأحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة وإسقاط النظام البعثي، الذي كان نفسه سلاح دمار شامل للعراقيين بقمعه وحروبه الداخلية والخارجية وتفريطه بالسيادة الوطنية وأراض ومياه عراقية، ومسؤوليته برعونته عن حصار ظالم دفع العراقيون ولازالوا ثمنه. وقد هيأت الولايات المتحدة بسلسلة من الأكاذيب الأجواء لبدء حربها على العراق، حين وقف وزير خارجيتها كولن باول في مجلس الأمن الدولي حاملا انبوبة صغيرة على أنّها جزء من برنامج كيمياوي يقوم العراق بتطويره! وما أن أنتهت الحرب وليومنا هذا لم تستطع الولايات المتحدة ومعها حلفائها من تقديم أدلّة على أمتلاك العراق لأسلحة نووية وبايولوجية وكيمياوية!

لو تركنا أسباب الغزو والحرب والأحتلال جانبا، وعدنا الى تصريحات المسؤولين الأمريكان ما بعد حرب تحرير الكويت والحصار الذي تلاه وحرب ما سميّت بحرية العراق، لصدمتنا تصريحاتهم حولها. فوزيرة الخارجية السابقة مادلين اولبرايت قالت في معرض ردّها على سؤال من الصحافية ايزابيل كومار أواخر نيسان/ ابريل 2016، حول قولها من أنّ " قتل خمسمائة الف طفل عراقي كان أمرا يستحق ذلك"؟ لتجيب قائلة : لقد سبق لي الإعتراف بأن هذا هو أغبى شيء قلته وأعتذرت عن ذلك، ولكن يبدو أن هناك أناسا يريدون دائما العودة إلى هذه المسألة. لقد غاب عن بال السيدة اولبرايت من أننا نتحدث عن جريمة قتل خمسمائة الف طفل وليس عن خمسمائة الف قطعة شوكلاتة أذابتها شمس بغداد الحارقة، قبل أن تصل الى بطون أطفال العراق المحاصرين كهدايا أمريكية لنقبل كعراقيين ناهيك عن الذين يمتلكون ضمائر حيّة أعتذارها!

لقد قُتل الكثير من المدنيين على يد جنود امريكان وبريطانيين وغيرهم من القوات الغازية، كما ووصلت أهانة القوات الأمريكية للعراقيين الى حد الوقاحة والأستخفاف. وبعد مرور سنوات حسب تقرير للبي بي سي نيوز العربية نشرته بمناسبة الذكرى العشرين لبدء الحرب، قالت فيه لقد " أدرك الرأي العام الدولي أن تلك الحرب كانت خطأ جسيما"، ومن هؤلاء السناتور الجمهوري جون ماكين، الذي كان من أشد المدافعين عن "تحرير العراق" لسنوات، والذي تراجع في مذكراته التي نشرها قبل وفاته العام 2018 عن موقفه فكتب قائلا: " لا يمكن الحكم على تلك الحرب، بتكلفتها العسكرية والانسانية، سوى أنها خطأ... خطأ خطير للغاية، وعليَ أن أتحمل نصيبي من اللوم على ذلك ". أنّه ليس بخطأ أيّها السيّد ماكين لتُلام عليه، بل جريمة تضاف الى سلسلة الجرائم التي أرتكبتموها والغرب بحق شعوب وبلدان عديدة في هذا العالم ويجب محاسبتك وبلادك عليه. وعلى سبيل المثال فأنّ قوات بلادكم ومعها القوات البريطانية أستخدمت ما بين 320 – 800 طن متري من اليورانيوم المنضّب ضد العراقيين في حرب تحرير الكويت فقط، وعليكم أن تكتشفوا بأنفسكم حجم الموت وتشوّهات الأجنة والتربة والمياه التي خلّفتها هذه القذائف في بلادنا وأثارها الواضحة للعيان لليوم!

بعد هذه المقدمة التي لابدّ منها، نعود الى "المكاسب" التي حققتها الحرب وفق السيّد بول بريمر الذي عيّنته واشنطن حاكما مدنيا في العراق، ففي مقابلة متلفزة مع محطة سكاي نيوز بالعربية تناول السيّد بريمر جملة أمور معتبرا أنّها كانت أيجابية وساهمت في تحوّل العراق الى دولة ديموقراطية!! قبل تناول ما حققته الحرب من "مكاسب" للعراق وشعبه، علينا تذكير السيّد بريمر من أن بلاده كتبت في العام 1947 بشخص الجنرال ماكارثر الدستور الياباني إثر هزيمة اليابان في الحرب، ومن خلال بنود هذا الدستور وصلت الحياة السياسية في اليابان الى درجة من النضج الديموقراطي والأستقرار السياسي وهي التي أستقبلت أوّل قنبلتين ذريتين على أراضيها! أمّا في العراق فقد ترك الأمريكان متعمّدين كتابة دستور البلاد الى القوى السياسية الطائفية القومية، وكان أعضاء لجنة كتابة الدستور العراقي تتكون من شخصيات سياسية ودينية، ومنهم السيد أحمد الصافي ممثل السيد السيستاني ومعه عدد من رجالات الدين والسياسة الشيعة وثلاث أو أربع قضاة من قوام 71 عضوا في تلك اللجنة، وعلينا أن نعرف طبيعة الدستور الذي يخرج من هكذا مطبخ! وإن كان الدستور الياباني ضَمَنَ استقرار البلاد وتقدمها، وكان اساسا لتقدم اجتماعي واقتصادي وصناعي اوصل اليابان الى مقدمة دول العالم، فأن دستورنا ومن ديباجته وقبل الدخول في مضمونه وبنوده، ضَمَنَ عدم الأستقرار السياسي بالبلاد، وكان ولا يزال أساسا لتخلّف العراق اجتماعيا وأقتصاديا وصناعيا وزراعيا وتعليميا، ولتكن بلادنا في مقدمة الدول الفاسدة والمتخلفة.

السيّد بريمر قال في لقائه التلفزيوني من أنّ الناتج المحلي للبلاد اليوم يعادل خمسة أضعاف ما كان عليه في العام 2003 ، وأنتاج البترول تضاعف هو الآخر لخمسة أضعاف ما كان عليه في نفس السنة. ولم يتطرق السيد بريمر الى زيادة العشوائيات في المدن، وأزدياد نسبة الفقر والبطالة، وتخلّف الصناعة والزراعة وسوء أدارة الدولة لملفّات المياه والمناخ والتعليم والصحة والكهرباء والخدمات الأساسية الأخرى التي أزدادت طرديا مع ما ذكره من أرقام، وهذا يعني أنّ الزيادة في الناتج المحلي والذي جاء لتضاعف انتاج النفط وصعود اسعاره، قد التهمه الفساد الحكومي ولم يستفاد منها الشعب العراقي. وهذا يعني أيضا أنّ النظام الحالي هو أستمرار للنظام السابق كون نهج النظامين واحد، بغضّ النظر عن طبيعتيهما السياسيتين.

يستمر بريمر في حديثه ليقول من أن الديموقراطية في العراق لم يشهدها أي بلد عربي آخر، لكنّ ما فات السيد بريمر هو أننا أكثر الدول العربية تقريبا في الفساد والأمية، ومصادرة الحريات حتى تلك التي نصّ عليها الدستور. ويبدو أنّ السيد بريمر وهو يحاول تجميل الوجه القبيح والبشع للأحتلال وطبيعة سلطة المحاصصة، يعمل على القفز على مبدأ دستوري يجب أن يتم تعديله ليحبو العراق نحو الديموقراطية ويمارسها بشكل حقيقي. ولا نظن من أنّ عدم حسم نقطة تحديد الكتلة الأكبر الفائزة بالأنتخابات التي يقع على عاتقها تشكيل الحكومة، وترك الأمر للقضاء المسيّس وسطوة المال والميليشيات لحسمه، تعتبر شيئا من الديموقراطية وهي تقصي من تأتي به صناديق الأقتراع لصالح جهة خسرتها.

لقد تحررنا أيها السيد بريمر من سطوة نظام قمعي وحالة حرب مستمرة لعقود، لنسقط في مستنقع نظام محاصصاتي فاسد وحرب أهلية (طائفية) وفوضى، تحررنا من نظام يملك ميليشيا أجرامية كميليشيا صدام، لنسقط أسارى سلطة تمتلك العشرات من الميليشيات، تحررنا من نظام دموي يخطف المناهضين له من الشوارع ويغيّبهم، لنسقط في فخ نظام" ديموقراطي" يخطف الناشطين الذين يواجهون نهجه من الشوارع ويغيّبهم، تحررنا من نظام كان يهجّر مواطنيه الى خارج الحدود لنقع فريسة نظام يعيش عشرات الآلاف من مواطنيه نازحين في بلدهم، تحررنا من نظام تسرق فيه عائلة صدام حسين وبعض المقربين منها عشرات المليارات من الدولارات ، لنسقط في بحر من اللصوص سرقوا مئات المليارات من الدولارات.

النظام السياسي الذي جاء به المحتل الأمريكي في نهجه، هو أستمرار لنهج نظام البعثي في تعامله مع قضايا شعبنا ووطننا. وما عجز النظام البعثي عن أنجازه خلال ما يقارب الأربعة عقود من حكمه الكارثي، أنجزه النظام الحالي في عقدين من الزمن، والأنجاز هنا هو تدمير البلاد والنسيج الأجتماعي والتخلف الثقافي والفكري والتعليمي والصحّي. أننا بحاجة الى زلزال أقوى من زلزال تشرين ليأخذ على عاتقه مهمة أعادة بناء البلاد على أسس ديموقراطية حقيقية بعيدا عن نهج المحاصصة والفساد، أننا بحاجة الى نظام علماني ديموقراطي حقيقي، والّا فأن الأزمات التي نعيشها ستتحول الى أزمات مستدامة لتهدّد وجود الدولة نفسها.

***

زكي رضا - الدنمارك

يبدو أن الغرب " قرر حقا محاربة روسيا حتى آخر أوكراني ليس بالقول فقط بل بالأفعال"، بهذه الكلمات، رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على النوايا البريطانية بإمداد أوكرانيا بالدبابات، بقذائف مشبعة باليورانيوم المنضب، خطوة واجهتها روسيا برد قوي وسريع، من قبل الرئيس الروسي نفسه، الذي وجه تحذيره المباشر للغرب، من أن روسيا ستضطر للرد إذا بدأ الغرب الجماعي في استخدام أسلحة ذات مكون نووي، وكذلك تحذير وزير الدفاع سيرغي شويغو، من أن موسكو ستفكر بجدية بالرد على الإمدادات البريطانية الموعودة لأوكرانيا، تلك الأسلحة التي استخدمها الناتو سابقًا في يوغوسلافيا السابقة، وقال "سنفكر بجدية في كيفية الرد على هذا".

البارونة البريطانية أنابيل غولدي، نائبة وزير الدفاع في المملكة المتحدة، أعلنت إن المملكة ستزود أوكرانيا، إلى جانب مجموعة من دبابات القتال تشالنجر 2، بالذخيرة، بما في ذلك القذائف الخارقة للدروع التي تحتوي على اليورانيوم المنضب، وقالت في رد مكتوب على سؤال ذي صلة من عضو مجلس اللوردات ريموند جوليف: "مثل هذه المقذوفات فعالة للغاية ضد الدبابات الحديثة والعربات المدرعة"، خطوة، علق عليها نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، عبر خلالها عن قلق الأمم المتحدة بشأن استخدام اليورانيوم المنضب في أي مكان، وقال "أعربنا منذ سنوات عن قلقنا بشأن أي استخدام لليورانيوم المنضب، بالنظر إلى عواقب مثل هذا الاستخدام".

والحديث يدور عن قذائف من عيار خارق للدبابات، وتسمى أيضًا BOPS باختصار. وهي ظاهريا، تبدو أشبه بمخل حاد مع ريش. كما يطلق عليها أحيانًا اسم ذخيرة حركية، حيث تتمتع هذه القذائف بقدرة اختراق عالية، فكلما كان قلب أو سبيكة هذه المقذوفة أقوى، كان اختراقها أفضل للدروع، وأظهرت الدراسات أن سبيكة اليورانيوم المستنفد مع التيتانيوم قوية للغاية، نعم. هي، لا تنشر إشعاعات، لكنها شديدة السمية، والحقيقة أن الغبار الناعم منها، والذي يتشكل عندما تواجه عائقًا، يدخل الجهاز التنفسي للإنسان، وهذا ضار جدًا، ومن حيث المبدأ، استنادا إلى مفهوم روسيا لاستخدام الأسلحة النووية في الرد، يمكن اعتبار هذا استخدامًا لأسلحة ضدها، ربما لا تكون نووية تمامًا، ولكنها تتسبب أضرارا جسيمة.

وبلغت قيمة المساعدة العسكرية البريطانية لأوكرانيا العام الماضي نحو 2.3 مليار جنيه (2.8 مليار دولار)، وعلى وجه الخصوص، تم إرسال أكثر من 10000 نظام صاروخي مضاد للدبابات من NLAW، وأكثر من 200 مركبة مدرعة وأنظمة إطلاق صواريخ M270 المتعددة وصواريخ Brimstone عالية الدقة، بالإضافة إلى ذلك، قام المدربون البريطانيون بالفعل بتدريب أكثر من 10000 عسكري أوكراني كجزء من الدورات التدريبية، كما تم تقديم مساعدات إنسانية واقتصادية قدرت سلطات المملكة بنحو 1.5 مليار جنيه (1.86 مليار دولار)، هذا العام، تعتزم لندن تخصيص 2.3 مليار دولار على الأقل للمساعدة العسكرية لأوكرانيا.

وفي الوقت الذي أثارت كلمات البارونة البريطانية البهجة بين القوميين الأوكرانيين، إلا أن الدبلوماسية الروسية شددت من جانبها، على أن لندن "فقدت اتجاهاتها من حيث أفعالها، وهو ما يقوض الاستقرار الاستراتيجي حول العالم"، وأشار وزير الخارجية سيرغي لافروف إلى أن المملكة المتحدة مستعدة لتحمل ليس فقط المخاطر، ولكن أيضا جرائم الحرب، وعلى أن "الناتو"، فقد الاتصال بالواقع، والبريطانيون، بأفعالهم، يعرضون حياة الأوكرانيين العاديين للخطر، وأنه إذا تم تزويد كييف بمثل هذه القذائف الخاصة بالمعدات العسكرية الثقيلة لحلف "الناتو" واستخدامها، " فإن موسكو سترد بشكل مناسب"، بحسب تعبير رئيس الوفد الروسي في المحادثات بفيينا حول الأمن العسكري والحد من التسلح كونستانتين غافريلوف، في حين وصفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، خطط لندن لنقل قذائف اليورانيوم المنضب إلى كييف بـ "السيناريو اليوغوسلافي"، وان "هذه القذائف لا تقتل فحسب، بل تصيب البيئة وتسبب الأورام، هذا يمكن أن يؤدي إلى تلوث بيئي وانتشار لأمراض السرطان".

ولم يقتصر الامر على الأمم المتحدة وحدها، فقد وصفت النائبة عن حزب اليسار الألماني سارة فاغنكنيخت، خطط بريطانيا لنقل قذائف اليورانيوم المنضب إلى أوكرانيا، ووصفتها بأنها "جريمة"، حيث أظهرت الدراسات أن استخدامه يلوث البيئة ويسبب السرطان بين السكان المدنيين والجنود، ودعت السلطات الألمانية إلى اتخاذ موقف واضح من هذه القضية، كما أدانت منظمة "حملة نزع السلاح النووي"، التي تأسست عام 1957، وهي منظمة بريطانية مناهضة للأسلحة النووية، قرار لندن بنقل قذائف اليورانيوم المنضب إلى كييف، مشددة على أن القرار يؤدي إلى زيادة معاناة المدنيين، ودعت الأمينة العامة للمنظمة، كاثرين هدسونمرارا وتكرارا حكومة المملكة المتحدة إلى وقف استخدام أسلحة اليورانيوم على الفور، وتمويل الأبحاث حول آثارها الصحية والبيئية على المدى الطويل، وقالت " كما كان الحال في العراق، فإن نقل قذائف اليورانيوم المنضب إلى كييف على المدى الطويل لن يؤدي إلا إلى زيادة معاناة المدنيين المحاصرين في الصراع".

مرة أخرى تحاول بريطانيا والولايات المتحدة، تذكيرنا بجرائهما في الحروب، فجريمة قصف العراق بهذه الأسلحة المشبعة باليورانيوم المنضب، وفق استنتاجات العلماء، أن الحربين الدوليتين بقيادة الولايات المتحدة على العراق في عامي 1991 و2003، قد تركتا إرثا وخيما على صحة المدنيين العراقيين بشكل عام، وزيادة في السرطانات والتشوهات الخلقية لدى المواليد بشكل خاص، ولازالت آثارها مستمرة حتى اليوم، ويوضح الدكتور كاظم المقدادي في كتابه تحت عنوان "التلوث الإشعاعي والمضاعفات الصحية لحروب الخليج"، أنه أُطلقت على العراق، كمية هائلة من ذخائر اليورانيوم .

لقد خلفت هذه الهجمات أكثر من 2200 طنا متريا من اليورانيوم المنضب، وهذا اليورانيوم المنضب الذي استعمل في العراق، يساوي في ذريته ما يعادل 250 قنبلة ذرية، وهذا وفقا لما قدره البروفسور ياغازاكي Katsuma Yagasaki من الهيئة العلمية في جامعة ريوكيوس في أوكيناوا في اليابان، وأشار المقدادي، الى أن العقدين الأخيرين، شهدا انتشارا للأمراض السَرطانيّة في المجتمع العراقي على نحو كارثي، وبلغت الإصابات السَرطانيّة أكثر من مليون إصابة مُسجّلة رسميا، وما زال العدد يرتفع باستمرار، ويموت من هذه الإصابات سنويا ما يتراوح بين 10 آلاف و12 ألف شخص، وهناك عشرات آلاف الإصابات والوفيات سنويا غير المسجلة.

وطرأت تغيرات كبيرة على وبائية الأمراض السرطانية في المناطق التي استخدمت فيها أسلحة اليورانيوم، ولاحظ الأطباء عقب حرب الخليج 1991 الكثير من الحالات الغريبة لدى أبناء وبنات المناطق التي تعرضت للقصف، خصوصا في محافظات البصرة وميسان والناصرية، ومنها، كثرة حالات الإجهاض المتكرر والولادات الميتة، وظهور حالات من التشوهات الولادية الرهيبة وغير المعروفة من قبل، وانتشار العقم لدى رجال ونسا، وانتشار الحالات السرطانية وسط عوائل لم يصب أحد منها من قبل، وأحيانا أكثر من فرد في العائلة الواحدة، وإصابة المريض الواحد بأكثر من حالة سرطانية (2 و3 وحتى 4 حالات) في آن واحد، بالإضافة الى انتشار أمراض سرطانية وسط أعمار غير الأعمار المعروفة طبيا، مثل سرطان الثدي لدى فتيات بعمر 10 و12 سنة، وسرطانات أخرى نادرا ما تصيب شريحة الأطفال، وارتفاع الإصابات السرطانية والوفيات بالسرطان بنسب عالية جدا، بلغت أضعاف ما كانت عليه قبل عام 1989.

وفي يوغوسلافيا السابقة، تسببت الأخبار في الغضب والحيرة، فقد أدى استخدام قذائف اليورانيوم المنضب خلال عدوان الناتو إلى مقتل مدنيين وقتل جنود الناتو المشاركين في العملية، وخلال هجوم 1999 على صربيا، تم إلقاء 15 طناً من اليورانيوم المنضب في قذائف، بعد ذلك، احتلت البلاد المركز الأول في عدد أمراض الأورام في أوروبا، في السنوات العشر الأولى بعد القصف، أصيب حوالي 30 ألف شخص بالسرطان في الجمهورية، توفي منهم 10 إلى 18 ألفًا، وقد أثبتت الحرب في يوغوسلافيا بالفعل أن مثل هذه القذائف تشكل خطورة على أولئك الذين يستخدمونها، وليس فقط على أولئك الذين يتم استخدامها ضدهم، كما يقول الرئيس السابق لقسم المعاهدات الدولية بوزارة الدفاع الروسية، الفريق الاحتياطي يفغيني. بوزينسكي، "لا يزال التلوث الإشعاعي في المنطقة يحدث، وإن كان صغيرًا".

والغريب والحالة هذه، هو ذلك " الصلف " البريطاني، و " استخفافه " بالرأي العام العالمي، ومحاولة لندن تبرير " جريمتها "، واعتبار وزير الخارجية البريطاني، جيمس كليفرلي، أن تزويد أوكرانيا بقذائف تحتوي على اليورانيوم المنضب "ليس تصعيدا نوويا للصراع"، وقوله "لا يوجد تصعيد نووي. الدولة الوحيدة التي تتحدث عن الجوانب النووية هي روسيا"، مضيفا أن لا يوجد تهديد، و"الأمر يتعلق فقط بمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها"، وهو ما يشكل تحول خطير في التصعيد الغربي ضد روسيا .

على أي حال، في الرأي العام - ليس فقط في روسيا، ولكن أيضًا في الغرب - يعتبر الارتباط بهذه الأسلحة أمرًا سلبيًا، وعبر الكثير من دعاة حماية البيئة عن غضبهم بشكل خاص، ويرى الخبراء العسكريون من جانبهم، ان الخطوة البريطانية، يمكن ان تكون بسبب نفاذ القذائف العادية، وأصبحت المستودعات فارغة، لذلك قرر البريطانيون إرسالها - بسبب نقص القذائف، لذا فإن توريد ذخيرة اليورانيوم المنضب إلى أوكرانيا سينتهي بشكل سيئ بالنسبة للندن وحدها، وبرأي وزير الخارجية سيرغي لافروف، فإن لندن من خلال القيام بذلك تظهر استعدادها لتحمل "ليس فقط المخاطر، ولكن انتهاكات القانون الإنساني الدولي"، ويعني قرار لندن بالنسبة للكثيرين، أن العالم قد اقترب خطوة واحدة من تصادم نووي - وما زالت أمامه "خطوات أقل وأقل"، وهكذا قال وزير الدفاع سيرغي شويغو، "هذا يدفعنا إلى التفكير بجدية في المسار الإضافي للأحداث، والذي يمكننا الرد به".

***

بقلم : الدكتور كريم المظفر

 

 

دعا رئيس «تيار الحكمة»، و«المجلس الأعلى الإسلامي» سابقاً، إلى الوطنيَّة الشِّيعيِّة، في «مؤتمر الآفاق المستقبليَّة لأتباع آل البيت» يوم 4 فبراير 2023: «بدأنا بطرح وبلورة مشروع شيعي عام، متاح لجميع أتباع أهل البيت، للمشاركة فيه، وإنضاجه تحت عنوان الوطنية الشِّيعية، مستندين في ذلك إلى تاريخ طويل من المواقف والأفكار والإرشادات، الصَّادرة عن النَّبي والأئمة الأطهار، مروراً بحركة الفقهاء على طول التَّاريخ بعد الغيبة الكبرى، وصولاً إلى مدرسة النَّجف الأشرف، بوصفها محوراً مركزياً وأصيلاً لهذا المشروع، وطرحنا معالمه العامة...». نرى بهذا الكلام العائم، قفز الدَّاعي إلى الوطنيَّة الشِّيعيَّة على العشرين سنةً مِن ممارسة السُّلطة، تحولت خلالها ساحات وحدائق عِقر دار الشِّيعة (النَّجف) إلى أضرحة ومصالح أُسريَّة!

قبل «الوطَّنيَّة الشِّيعيّة» ظهر: «إعلان الشِّيَّعة» (20/6/2002)، وبعد 2003 «البيت الشِّيعيّ»، «المجلس الشِّيعيّ»، «الائتلاف الشِّيعيّ»(مجازاً الوطنيّ)، وتداول مصطلح «المثقف الشَّيعيّ»، والتّنسيق بما عُرف بـ«الكاثوليكيَّة والشّيعة»، وكأن المعبرين عن أنفسهم بقادة الشِّيعة ومثقفيهم، يرسمون لوطنٍ بديلٍ عن العِراق، عَبر عنه أحد أصحاب عمائم العنف بـ«البدر الشِّيعيّ»، ولا أرى اختلافاً بينه وبين «الوطنيّة الشِّيعية».

لكنْ ما يبرر العجب والعتب، أنَّ لا الموقعين على «إعلان الشِّيعة»، ولا مؤسسي «البيت الشِّيعيّ»، قد نظروا إلى معاناة الشِّيعة بجنوب العراق ووسطه، قُتل مِن شبابهم نحو ثمانمائةٍ، علانيةً بسلاح شيعيّ صِرف، والخطف والاغتيال جارٍ على كلّ شيعيّ ردد شعار «نريد وطناً». إذن، ما معنى إعلان الشِّيعة، وبيت الشِّيعة، و«الوطنيَّة الشِّيعيّة»، وسواد الشّيعة أسرى أوهام المظلومية، التي تدر ذهباً وفضةً لأصحاب الدَّعوات؟ّ!

يُفهم مِن خطاب الحكيم، وخطابات أمناء الأحزاب وأمراء الميليشيات، أنَّ حدودَ الوطنيَّة العِراقيَّة عُميت، التي مِن غابر التَّاريخ تُسمى بالنِّهايات، وحُددت بما عليه العِراق، فالدَّعوة إلى وطن شيعيّ، يسرُ بقية أمراء الطَّوائف، لأنَّ التركيز على الطَّائفة والقوميَّة يمنح نفوذاً، ويدر فساداً أكثر.

أمَّا تبرير تلك العناوين أنّها لصالح العراق، فـ«خُرافةٌ يا أمّ عَمر»(الخوارزميّ، الأمثال المولدة). فما للوطنيَّة والطَّائفة! هل المطلوب تحقيق شعار «يا شيعة العالم اتحدوا»! على حِساب أوطانهم؟ وهنا يُعطى الحقّ لمواجهة الشِّيعة في أوطانهم، لأنّهم يغدون وقوداً لوهم «الوطنية الشيعيَّة»، بعد تفتيت الأوطان ذات الجغرافيات الثَّوابت! هذا ما حذر منه الشّيخ محمَّد مهدي شمس الدِّين(ت: 2001)، وهو يرى لبنان تتمزق بجماعات لا تشبه لبنان.

صرح شمس الدِّين، على فراش الموت، وتلك أصدق اللَّحظات: «أوصي أبنائي وإخواني الشِّيعة الإماميَّة، في كلِّ وطنٍ مِن أوطانهم، وفي كلِّ مجتمعٍ مِن مجتمعاتهم، أنْ يدمجوا أنفسهم في أقوامهم، وفي مجتمعاتهم وفي أوطانهم، وأنّ لا يميزوا أنفسهم بأي تمييز خاص، وأنْ لا يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصاً» (الوصايا). هذا، ودعوة الشِّيعيَّة الوطنيّة آخر الاختراعات وليست الأخيرة.

يقول شمس الدِّين الذَّهبيّ(ت: 774هج): «رأَيتُ للأشعرِيّ كلمَةً أَعجبتَني»، راوياً عن أحدهم: «لمَّا قَرُبَ حُضورُ أَجل أَبِي الحَسنِ الأَشعرِيِّ فِي دَارِي ببغْدَادَ، دعَانِي فأتَيتُه، فَقَالَ: اشهدْ عليَّ أَنِّي لاَ أَكفِّر أَحداً مِن أَهلِ القِبلة، لأَنَّ الكلَّ يُشيرونَ إِلَى معبودٍ واحِد، وإِنَّمَا هَذَا كُلُّه اخْتِلاَف العِبَارَات»(سير أعلام النُّبلاء). كذلك شمس الدِّين كان صادقاً.

أمّا الإعلان، البيت، الكاثوليكيَّة والشِّيعيَّة، المثقف الشِّيعيّ، فتلك ستذهب بالعِراق وشيعته ذهاب أمّ عمر «لقد ذهب الحمار بأمّ عمرو/فلا رجعت ولا رجع الحمارُ»(الأبشيهي، المستطرف).

يا أصحاب الدَّعوات، ستتحملون خطيئةً تاريخيّةً بحقّ العراق، وحقّ الشّيعة أنفسهم. فبعد عشرين سنةً مِن النُّفوذ المطلق «إنَّ ما وَرَاءَ الأكَمةِ مَا وَرَاءَهَا»(الميدانيّ، مجمع الأمثال)، وهو قطع رأس العِراق، الذي يأمن الجميعَ مِن خوفٍ ويشبعهم مِن جوعٍ، لو صار الانتماء له صدقاً لا كَذباً.

***

د. رشيد الخيّون - كاتب عراقي

22 مارس 2023

 

 

هناك انتاج وهناك توزيع وهناك اعادة توزيع وهناك تبادل واستهلاك.

هذه الفعاليات تشبه في طبيعتها وموضوعيتها، قوانين الفيزياء والرياضيات، من حيث انه لاوطن لها او انتماء قومي او جغرافي.

انها تخضع لقوانين وشروط وآليات، بغض النظر عن المسميات التي يطلقها عليها البعض لتمييزها وتحويلها الى انماط مختلفة تتبع هذا النظام او ذاك او ذلك البلد او ذلك الحزب وتلك الايديولوجيا.

اقول ذلك للأشارة الى ماكانت تنشره وسائل الاعلام والدعاية خلال حقبة الاتحاد السوفيتي والتي تتحدث عن الاقتصاد الاشتراكي وقوانينه وكيف يتوقف عمل بعض قوانين السوق كلياً او جزئياً في ظل النظام الاشتراكي في ادارة الاقتصاد (قانون القيمة مثلاً).

قوانين الاقتصاد الاشتراكي المزعومة، كانت فرضيات سياسية وضعها بعض الايديولوجيين وجعلوا اقتصاد بلدانهم ميداناً لاختبار تلك الفرضيات والتي ثبت بالتطبيق انها ليست قوانين وانها جزء من ايديولوجيا ترفع شعار الاشتراكية !!

لقد تلاعبوا، بشكل سياسي، باشكال الادارة وجعلوا مهمة الادارة والتنظيم في ايدي موظفين حكوميين ليس لديهم دافع للتطور. واصبحت القرارات ادارية لاتخضع للمنطق الاقتصادي وزعموا ان تلك هي قوانين الاشتراكية.

كانت نتيجة محاولة تطبيق تلك القوانين، سقوط الإتحاد السوفيتي والمنظومة الشيوعية بفعل تراجع الكفاءة الاقتصادية وغياب الحساب الاقتصادي.

تلك المنظومة كانت ترفع اجمل الشعارات وقادتها بشكل عام ليسوا من الأثرياء، لكنها لم تنجح في توفير العيش الكريم والتطور المنشود لبلدانها..

الغريب ان العديد من الدول النامية اتبعت نفس المنهج ونفس القوانين الافتراضية، فأصابها ما أصاب تلك المنظومة. ومن تلك الدول، الهند والبرازيل ومصر والعراق.

العراق حاول ان يذهب بعيداً باختراع مفهوم الاشتراكية العربية (وهنا يلبس علم الاقتصاد ثوباً قومياً).

كانوا يتحدثون عن الاشتراكية العربية بنوع من الثرثرة والانشاء الفارغ، ولا ادري ماعلاقة القومية العربية بعلم الاقتصاد؟

وحتى ربط الاقتصاد بالاسلام ومحاولة تأليف شيء اسموه الاقتصاد الاسلامي، يعتبر عملية غير موفقة.

بعض النصوص الاسلامية تناولت قضاياً محددة مثل شروط التجارة العادلة والنزيهة وكذلك تناولت بعض قضايا العدالة وشجعت على شكل من اشكال معالجة الفقر. وهنالك خلافات فقهية حول بعض الضرائب الواجبة على الاغنياء. اي انها مواضيع تتعلق بالتبادل واعادة التوزيع فقط.. ولايوجد حديث، على حد علمي عن الانتاج وآلياته وشكل الملكية.

في اسكندنافيا وعدد آخر من الدول ظهرت احزاب اشتراكية ديمقراطية، لكنها لم ترفض علم الاقتصاد الحقيقي والموضوعي، بل انها كانت تركز على عملية اعادة توزيع الفائض من خلال نظام ضريبي تصاعدي يقتطع جزء من عوائد الأثرياء لكي يعاد توزيعها على الفئات الاقل دخلاً

(من خلال توفير التعليم والصحة والخدمات العامة) من اجل تحقيق قدر مقبول من العدالة الاجتماعية.

وحتى برامج تلك الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية كانت تتعرض للانتقاد من قبل القوى المحافظة لانها تقلل من حوافز رجال الاعمال من ناحية كما انها تشجع الفئات الافقر على الكسل وتُشيع الاعتمادية بينهم وتُفقدهم الحافز للتطور.

وهنالك آراء تقول ان اعادة التوزيع والضرائب التصاعدية والضمان الاجتماعي الخ.. كلها عناصر ساهمت في إلغاء دوافع الثورة والغضب الاجتماعي وقلصت نفوذ اليسار في تلك الدول.

***

د. صلاح حزام

 

 

اختتام زيارة الزعيم الصيني شي جين بينغ، (أول زيارة خارجية له منذ إعادة انتخابه رئيسا للصين لولاية ثالثة)، إلى موسكو في رحلة استغرق ثلاثة أيام، بالتوقيع على وثيقتين بين موسكو وبكين، وهما وثيقة تهدف لتعميق العلاقات الروسية الصينية وخطة لتطوير التعاون الاقتصادي حتى العام 2030، اكدت ان موسكو وبكين يسعيان الى المحافظة على ديناميكيات عالية للتجارة المتبادلة، وفي العام 2023 يمكن أن تتجاوز التجارة عتبة الـ200 مليار دولار.

الوثيقة الأهم في الزيارة، هي البيان المشترك عقب محادثات الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي جين بينغ (الذي عقد مع بوتين 39 اجتماعا وجها لوجه) عقب محادثاتهما، أكدت أن العلاقات الصينية الروسية تجاوزت كونها علاقات ثنائية، وهي ذات أهمية كبيرة للنظام العالمي، وأن العلاقات الروسية-الصينية القائمة على شراكة شاملة وتعاون استراتيجي، تدخل عصرا جديدا، وان الرئيسين لخصا معا نتائج تطور العلاقات الثنائية على مدى السنوات العشر الماضية واتفقا على أن العلاقات الصينية الروسية تجاوزت العلاقات الثنائية، وهي ذات أهمية حيوية للنظام العالمي الحديث ولمصير البشرية".

وبشأن القضية الأهم التي ينتظر نتائجها العالم اجمع، فقد أشار الرئيس الصيني إلى أن بلاده تتمسك بموقف موضوعي وغير متحيز بشأن الأزمة الأوكرانية، وتعمل بنشاط على تعزيز المصالحة واستئناف المفاوضات لحلها، والتأكيد أنه فيما يتعلق بهذه التسوية، "فإننا نسترشد بشدة بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ونلتزم بموقف موضوعي ومحايد، وبفاعلية تعزيز المصالحة واستئناف المفاوضات "، وان هذا الموقف مبني على جوهر القضية والحقيقة، " نحن دائما مع السلام والحوار، ونحن نقف بثبات على الجانب الصحيح من التاريخ "، في حين أشاد الرئيس بوتين بموقف بكين المتوازن في هذا القضية، وغيرها من القضايا الدولية، والتشديد على أن روسيا منفتحة على المفاوضات في الأزمة الأوكرانية، وأكد احترامه للمبادرة الصينية، كما وعبرت روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية عن قلقهما الشديد بشأن الأنشطة البيولوجية العسكرية للولايات المتحدة، بما في ذلك خارج الأراضي الأمريكية، وتطالبان بتوضيحات.

إن روسيا اعتمدت بحسب تعبير الرئيس الروسي، على حقيقة أن الوضع مع أوكرانيا يمكن حله سلميا، ولم تسع أبدا إلى المواجهة، ولكن الشركاء الغربيين رفضوا الحل السلمي في دونباس، وقال "انطلقنا من فرضية أننا سنكون قادرين على حل (الوضع) بالوسائل السلمية المطلقة، لم نسع أبدا إلى أي نوع من المواجهة"، والتأكيد أن روسيا في 2014 لم يكن بإمكانها رفض دعم سكان القرم ومساعدتهم وحمايتهم، من بطش النازيين، والشارة الى ان كل ما حدث في شبه جزيرة القرم، واضح للجميع! ببساطة لم يتمكنوا من رفض دعمهم وحمايتهم لشعب القرم، من قبل النازيين كما يسمون أنفسهم في أوكرانيا.

وبشأن القضايا الدولية الأخرى، فان البيان ركز على أن روسيا والصين تؤيدان الحفاظ على القطب الشمالي كمنطقة سلام وتعاون بناء، والتأكيد على دعم موسكو وبكين سيادة واستقلال ووحدة أراضي سوريا وليبيا، وتدعم الأطراف سيادة واستقلال وسلامة أراضي سوريا، وتسهم في تعزيز عملية تسوية سياسية شاملة، ينظمها وينفذها السوريون أنفسهم، ويدافع الجانبان عن حماية سيادة واستقلال ووحدة أراضي ليبيا، والمساهمة في تعزيز عملية تسوية سياسية شاملة، "ينفذها ويقودها الليبيون أنفسهم كذلك"، والتشديد على عدم مقبولية وجود محاولة استبدال مبادئ القانون الدولي وقواعده المعترف بها بشكل عام، وأن روسيا والصين تعارضان فرض دولة واحدة لقيمهما على دول أخرى، مؤكدين عدم وجود شيء يسمى بـ "ديمقراطية أعلى"، ودعت روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية، حلف شمال الأطلسي "الناتو" إلى احترام سيادة الدول الأخرى ومصالحها، وتأكيدهما أن بكين وموسكو تعارضان التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية.

أن العلاقات بين روسيا والصين ليست تحالفا عسكريا ومواجهة، وليست موجهة ضد دول أخرى، ورغم أنها ليست تحالفا عسكريا سياسيا مشابها للتحالفات التي أقيمت خلال الحرب الباردة، وكما جاء في البيان المشترك، تتفوق على هذا الشكل من التفاعل بين الدول، في حين أنها ليست ذات طبيعة تكتلية ومواجهة وليست موجهة ضد الغير، وأن العلاقات بين روسيا والصين ناضجة ومستقرة ومكتفية ذاتيا، وصمدت في وجه الوضع الدولي المضطرب ولا تخضع لتأثير خارجي.

كما شددت المباحثات الروسية الصينية على أن روسيا والصين ضد سياسة القوة، والتفكير في الحرب الباردة، والمواجهة بين المعسكرين (الغربي والشرقي)، وأشارت موسكو وبكين إلى المساهمة الإيجابية لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي في إمكانية تطوير التعاون بين منظمة معاهدة الأمن الجماعي وجمهورية الصين الشعبية لضمان السلام والاستقرار، ويلاحظون إمكانية تطوير التعاون بين منظمة معاهدة الأمن الجماعي والصين من أجل ضمان السلام والاستقرار في المنطقة".

وأعربت روسيا والصين عن قلقهما بشأن الوضع في شبه الجزيرة الكورية، وتحثان جميع الأطراف على التحلي بالهدوء وضبط النفس، وبذل جهود للحد من التوتر، وتأكيد البلدان رفضهما القاطع لمحاولات استيراد "الثورات الملونة" والتدخل الخارجي في شؤون آسيا الوسطى، واستعدادهما لتعزيز التنسيق المتبادل لدعم دول آسيا الوسطى في ضمان سيادتها وتنميتها الوطنية، ولا تقبل محاولات استيراد الثورات الملونة والتدخل الخارجي في شؤون المنطقة، والإشارة الى إن روسيا ستدرس مبادرة الحضارة العالمية للجانب الصيني.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي اعتبر ان التعاون التجاري والاقتصادي يعتبر أولوية في العلاقات بين روسيا والصين، وانهما يحافظان على ديناميكيات عالية للتجارة المتبادلة، ففي العام 2023، يمكن أن تتجاوز التجارة عتبة الـ200 مليار دولار، والأشارة إلى أن التجارة بين روسيا والصين وصلت إلى رقم قياسي تاريخي تجاوز مستوى 185 مليار دولار في العام 2022، ومن المتوقع أن تتجاوز التجارة بين البلدين في العام الجاري مستوى 200 مليار دولار، والاشارة الى إن "الفرص الإضافية لإطلاق إمكانات الاقتصادين الروسي والصيني يتم توفيرها من خلال الاتحاد الأوراسي ومبادرة الرئيس الصيني (حزام واحد - طريق واحد)".

المحادثات الروسية الصينية ناقشت بالتفصيل مشروع "قوة سيبيريا-2" (أنبوب لضخ الغاز من روسيا إلى الصين عبر منغوليا)، وسيتم وفقا للرئيس الروسي، زيادة إمدادات الغاز الطبيعي المسال من روسيا إلى الصين، مشيرا الى ان مؤسسة الطاقة النووية الروسية والوكالة الصينية المتخصصة توقعان برنامج تعاون طويل الأمد، كما وان الوثائق الموقعة خلال الزيارة تعكس مستوى العلاقات بين موسكو وبكين، والتي هي عند أعلى مستوى في التاريخ، كذلك لفت إلى أن الوثائق الموقعة مع الصين، تتضمن هدفا بمضاعفة حجم التجارة معها.

روسيا وخلال لقاء الرئيس الصيني و رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين، كشفت عن أن موسكو ستعزز التعاون الاستراتيجي مع بكين، والاشارة إلى وجود مشاريع حكومية بقيمة 165 مليار دولار بين البلدين، وتشمل محفظة هيئة الاستثمار الحكومية 79 مشروعا، وأن التعاون الاستراتيجي يغطي بحسب ميشوستين، كلا من النقل والمشاريع التكنولوجية، وليس فقط شراكات الطاقة، والحديث يدور عن بناء الطائرات والهندسة الميكانيكية وأبحاث الفضاء وكذلك التقنيات" الشاملة "التي تهدف إلى إنشاء منتجات مبتكرة وتقديم الخدمات، وكما يجري إعداد مشاريع جديدة من شأنها زيادة حركة المرور بشكل كبير على طول الطرق العابرة لسيبيريا وعبر آسيا.

وابرزت الزيارة وفقًا للخبراء، انها جاءت على خلفية رفض إدانة الصين لروسيا، وتهديد الولايات المتحدة بكين مرارًا وتكرارًا بعقوبات ثانوية، وغالبًا ما كانت تجيب (بكين) على الأمريكيين بردود غاضبة - يقولون، ليس للولايات المتحدة أن تقرر بكين مع من تكون صديقة، وإلى جانب ذلك، ألمح ضمنيًا إلى أن الغرب هو الذي يؤجج الصراع بإمدادات الأسلحة إلى كييف، وأكدت إن موسكو كانت تنتظر رئيسًا صينيًا لفترة طويلة، ففي أوائل فبراير من العام الماضي، حضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في بكين، وفي ضوء الممارسة الراسخة للزيارات المتتالية، وعلى خلفية "البيان المشترك للبلدين بشأن دخول العلاقات الدولية حقبة جديدة والتنمية المستدامة العالمية"،، كما وجاءت الزيارة إلى روسيا في مرحلة مهمة للغاية في الحياة السياسية الصينية، فقبل أيام قليلة، تم التأكيد بالإجماع على شي جين بينغ في الدورة السنوية للبرلمان كرئيس لجمهورية الصين الشعبية لولاية ثالثة، ومن وجهة النظر هذه، كانت الرحلة إلى موسكو هي الأولى له بعد إعادة انتخابه، والتي، بالطبع، تبين أنها رمزية معينة، ففي عام 2013، عندما انتخب شي لأول مرة زعيمًا للصين، كانت روسيا أيضًا وجهته الخارجية الأولى، ومنذ ذلك الحين.

الوثيقة الصينية المؤلفة من 12 نقطة، حول رؤية بكين للمخرج من الأزمة الأوكرانية، تهدف إلى إظهار أكبر قدر ممكن من الحياد والتأكيد على مفاوضات السلام، وبحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وي بين، فإن فكرة الصين "تنبع من اقتراح واحد، وهو الدعوة إلى السلام وتعزيز المفاوضات"، في وقت لا تريد الصين أن يتصاعد الصراع إلى الوضع الحالي، ويأمل الرئيس الصيني في زيارته التي وصفتها " غلوبال تايمز " الصينية بالفعل بأنها "زيارة صداقة وتعاون وسلام"، في مساعدة روسيا وأوكرانيا، في إيجاد حل سياسي، إلا ان الغرب انتقد الوثيقة على الفور، واعتبرها موالية لروسيا بشكل علني، وأثارت الزيارة بالفعل موجة من القلق بشأن زيادة تعزيز محور موسكو وبكين، واعتبروا (الغرب) وصول الزعيم الصيني واللقاء بالرئيس الروسي بمثابة تحد للولايات المتحدة وحلفائها الذين سعوا للضغط على الاقتصاد الروسي من خلال العقوبات، في حين أعطت موسكو تقييمًا إيجابيًا لوثيقة السلام الصينية .

الزيارة على ما يبدو كشفت أن المزاج الكئيب للغرب، وقبل كل شيء واشنطن، يعود إلى حقيقة أن الاتصالات رفيعة المستوى بين قادة البلدين، أصبحت دليلًا واضحًا آخر على فشل المحاولات لعزل موسكو في الساحة الدولية، وإشراك أكبر عدد من المشاركين في العقوبات المناهضة لروسيا، وجزئيًا، عكس هذا أيضًا استياء الولايات المتحدة من دور الصين نفسها في الشؤون الدولية، حيث اعتادت الولايات المتحدة على لعب دور الكمان الأول فيها، والاعلان السعودي الإيراني قبل أكثر من أسبوع بقليل من الزيارة التي تمت بوساطة الصين، عن استئناف العلاقات الدبلوماسية، والذي مهد هذا الاختراق الطريق أمام جهود بكين التي سلطت الضوء على النفوذ السياسي والاقتصادي المتزايد للصين في المنطقة، والذي شكله النفوذ الأمريكي منذ فترة طويلة، وفي ظل هذه الخلفية، ربما أصبحت صورة الوسيط في الصراع الأوكراني أكثر إزعاجًا للولايات المتحدة.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

الجغرافيا المقدسةُ للإيرانِ والسعودية لحواليْ مليارِ مسلمٍ. هلْ تغيرَ ميزانُ القوةِ في حالةِ التفاهماتِ في ملفِ الصراعاتِ في الشرقِ الأوسطِ، رغمَ الهواجسِ والتخوفاتِ العربيةِ منذُ قيامِ الثورةِ الإيرانيةِ عام / 1979 منْ النظامِ الجديدِ " ولايةَ الفقيهِ " في إيران ساعدَ على تدخلاتِ خارجيةٍ لعدمِ وجودِ جسورٍ لعلاقاتٍ طبيعيةٍ معَ جيرانها العربِ... إنَ جيوسياسيةً الصراعاتِ والحروبِ الأهليةِ التي خلقتْ وضعا

جديدا للمنطقة، ِ في كلٍ منْ - اليمنُ، سوريا، لبنان، العراقُ، أفغانستان " والتدخلاتِ الإيرانيةِ والملفِ النوويِ، خلقُ صراعٍ طائفيٍ وعرقيٍ في منطقةٍ منْ اليابسةِ ممتدةً جغرافيا معَ بعضها... وفي ظلِ ولادةِ عالمٍ جديدٍ متعددٍ الأقطابِ هلْ تشهدُ المنطقةُ في التقاربِ السعوديِ الإيرانيِ سيغيرُ اللعبةَ لشرقَ أوسطَ جديدٍ كقوةٍ لها حساباتٌ أخرى لنظامٍ عالميٍ جديدٍ يولدُ منْ رحمِ ضرباتِ وأوجاعِ فيروسِ كورونا والحربِ الدائرةِ شرقَ أوروبا ونهايةِ حروب في المنطقةِ والأزمةِ الاقتصاديةِ العالميةِ الطاحنةِ "... ؟ !

قيلَ دوما إنَ الجغرافيا أمُ العلومِ، وأنَ السياسةِ هيَ ابنةُ التاريخِ، والتاريخُ هوَ ابنُ الجغرافيا، وقيلَ إنَ الجغرافيا ثابتةٌ لا تتغيرُ،، وسواءٌ كانتْ الجغرافيا الطبيعيةُ أوْ الجغرافيا السياسيةِ “ الجيوسياسيةِ، فإنَ المقولةَ في الحالتينِ خاطئةً، فحتى الجغرافيا الطبيعيةُ، بمحيطاتها وبحارها وجبالها وصحاريها وسهولها، ليستْ ثابتةً، ولمْ تكنْ يوما ثابتةً، بلْ لعلها كانتْ تابعةً دوما للسياسةِ وليسَ العكسُ،، تبدو الصورةُ الحدثيةُ للخريطةِ السياسيةِ للعالمِ العربيِ والإسلاميِ وشرقُ أوروبا مألوفةً على سكانهِ داخلَ هذهِ الخرائطِ مرسومةً الحدودِ، لدرجةَ أنها لا تثيرُ التساؤلَ عنْ أصلها وكيفيةٍ منْ رسمها وصنعها ؛. وتغيرَ الخرائطَ الجغرافيةَ تبعا لتغيرِ خرائطِ القوى السياسيةِ ليسَ أمرا جديدا، بلْ لقدْ كانتْ الجغرافيا في تغيرٍ مستمرٍ دوما حسبَ راسميها، فقدْ دخلتْ ضمنَ بديهياتِ الأمورِ التي لا يتبادرُ للذهنِ التفكيرِ فيها، وإنْ كانَ هذا في بقيةِ العالمِ أمرا أصبحَ مألوفا، بعدُ الحربِ العالميةِ الثانيةِ، الذي أنتجتهُ الأحداثُ الأوروبيةُ على دولِ التجزئةِ. عقبَ اتفاقيةٍ ” سايْكس بيكو ” وغيرها منْ الاتفاقياتِ في رسمِ الحدودِ ؛ - إنَ انهيارَ الحدودِ الجغرافيةِ بينَ الدولِ وسقوطِ المعادلاتِ التي رسمتها اتفاقيةٌ (سايكسْ – بيكو) الشهيرةِ ينذرُ بتحولاتٍ غيرِ مسبوقةٍ على مستوى المنطقةِ برمتها لا سيما أنَ هذهِ المتغيراتِ الدراماتيكيةِ ليستْ وليدةَ عواملَ سياسيةٍ طبيعيةٍ نتجتْ عنْ اتفاقياتٍ أوْ تفاهماتٍ بينَ الدولِ أسوةٍ بالاتحادِ الأوروبيِ، على سبيلِ المثالِ، الذي أعادَ رسمُ هويتهِ السياسيةِ منْ خلالِ ترفعُ الأعضاءَ عنْ مكتسباتٍ ذاتيةٍ وطنيةٍ للمصلحةِ العامةِ والمشتركةِ... وتتزامنَ هذهِ الحقبةِ الجديدةِ منْ نزاعاتِ الشرقِ الأوسطِ معَ تفككِ النظامِ العالميِ، ففي مرحلةٍ “ ما بعدَ الحربِ الباردةِ ” والوضعِ الراهنِ منْ صراعٍ سياسيٍ واقتصاديٍ وسباقِ التسلحِ والبحثِ عنْ أطرافٍ للصراعِ جددَ وكتل متجانسةً جغرافيا لتنضمَ إلى الصراعِ العالميِ، فالشرقُ الأوسطُ لهُ أهميةٌ قصوى لكلِ أطرافِ الصراعِ وليسَ بعيدٌا وخاصتا المملكة السعوديةِ وإيران كأكبر مصدري ْ للنفطِ والاحتياطيِ العالميِ...

ومعَ أزمةِ الطاقةِ منْ تداعياتِ حربِ شرقَ أوروبا التي نعيشها اليومَ، لمْ يعدْ المجتمعُ الدوليُ قادرٌا

على الاستجابةِ بشكلٍ فعالٍ للنزاعاتِ الدوليةِ، ناهيكَ معَ تراجعَ دورُ الأمِم المتحدةَ في فضِ النزاعاتِ الإقليميةِ المنَوطه بها في حفظِ السلامِ وتهديدٍ إلسلمُ الاجتماعيِ العالميِ، لمُ تكن لها دورٌ في وقفِ نزيفِ الدمِ على الخريطةِ السياسيةِ في الشرقِ الأوسطِ منْ حروبٍ أهليةٍ وسطَ هذهِ التطوراتِ الحاليةِ في سوريا، والعراقُ، واليمنُ، وليبيا،، إنَ النزاعاتِ في الشرقِ الأوسطِ. تعنى المشكلةُ الأولى منْ دخولِ أطرافٍ إقليميةٍ في الصراعِ وتهديدِ الأمنِ القوميِ العربيِ...

الجغرافيةَ الدينيةَ لإيران والسعوديةِ لهمْ أهميةٌ قصوى في النزاعاتِ في المنطقةِ فالسعوديةُ تتزعمُ الدولُ السنيةُ، رغمَ تخوفاتها منْ أجزاءٍ منْ أراضيها في المنطقةِ الشرقيةِ الذينَ يدينونَ بالمذهبِ الشيعيِ...

وإيران تتزعمُ المذهبَ الشيعيَ والأقلياتِ الشيعيةَ في المحيطِ الجغرافيِ والعربيِ ومعَ ظهورِ نزاعاتٍ طائفيةٍ وعرقيةٍ ومذهبيةٍ في الدولِ العربيةِ كانتْ إيران حاضرةً وبقوةِ سياسيا وعسكريا في لبنانَ وسوريا واليمنِ والعراقِ... مما ساعدَ على تأزمِ العلاقاتِ العربيةِ الإيرانيةِ... إنَ النزاعاتِ في العالمِ العربيِ والإسلاميِ بترسيمِ الحدودِ أوْ مبدأِ عدمِ قابليةِ تقسيمِ الدولةِ على الطائفيةِ. فنظرا إلى أنَ الحروبَ الحديثةَ بينَ الدولِ تنتهي في غالبِ الأحيانِ منْ دونِ المساسِ بوحدةِ وسلامةِ أراضيها ما حدثَ في حربٍ “ إيران والعراقِ ” على ترسيمِ الحدودِ، لذلكَ أنَ منْ الصعبِ إيجادُ حلولٍ وسطٍ تتأرجحُ بينَ الانتصارِ والهزيمةِ في فتراتِ الحربِ التي استمرتْ ” 8 سنواتٍ ” إنَ الصراعاتِ الداخليةَ والحروبَ الأهليةَ في العراقِ خلقَ شكل جغرافيٍ جديدٍ منْ المطالبةِ بالتقسيمِ بسببِ استحالةِ إحداثِ فصلٍ جغرافيٍ بينَ طرفيْ النزاعِ في شمالِ العراقِ بسببِ تداخلٍ (الديموغرافيةَ والعرقِ والدينِ) كذلكَ لبنان واليمنِ وما هوَ مطروحٌ في ظلِ الوضعِ المأساويِ في سوريا بفصلِ طرفيْ النزاعِ في مناطقِ شمالِ سوريا وحلبَ فيجبُ في هذهِ الحالةِ أنْ يحصلَ أحدُ الطرفينِ على كلِ شيءِ تقريبا، إذْ لا يمكنُ أنْ يكونَ هناكَ حكومتانِ لدولةٍ واحدةٍ ” (كما في الحالةِ العراقيةِ حكومة كردستانْ وحكومة في بغدادَ كذلكَ الحالةِ الليبيةِ واليمنيةِ... إنَ مشكلةَ ترسيمِ الحدودِ تعتبرُ حادةً في حالةِ النزاعاتِ التي ترسمُ معالمها الانقساماتُ (الاثنيةَ والطائفيةِ) لذا، طالما أنَ احتمالَ التقسيمِ الرسميِ لدولِ الشرقِ الأوسطِ لا يزالُ يلقى معارضةً إقليميةً ودوليةً قويةً، سيكونُ منْ الصعبِ تفاديَ الحصيلةِ الصفريةِ ودليلٍ على ذلكَ فشلُ صفقةِ القرنِ للقضيةِ الفلسطينيةِ. وقدْ لأتكون التسوياتِ المتفاوضَ بشأنها والتي تحافظُ على سيادةِ الدولةِ ممكنةً إلا منْ خلالِ تحقيقِ عمليةِ انتقالِ السلطةِ السياسيةِ عبرَ تعزيزِ الحكمِ الذاتيِ المحليِ. وهذا ما طرحَ في مفاوضاتِ جنيف منذُ أعوامُ بشأنِ الوضعِ السوريِ بطرحِ نموذجِ يوغسلافيا في تقسيمِ سوريا.

هذا الانهيارِ على المستوى العربيِ يعيدُ رسمَ الحدودِ الجغرافيةِ بالدمِ وليسَ ” بحبرٍ ”

صحيحٍ أنَ الأهدافَ الاستعماريةَ في مطلعِ القرنِ العشرينَ لمْ تكنْ تبحثُ في تلكَ التقسيماتِ السياسيةِ إلا عنْ مصالحها المباشرةِ والدليلِ على ذلكَ هوَ مساعدتها الحثيثةُ لزرعِ الكيانِ الإسرائيليِ في قلبِ فلسطينَ والمنطقةِ العربيةِ، ولكنْ سرعانَ ما تحولتْ هذهِ الحدودِ إلى أمرِ واقعٍ تولدتْ عنهُ ممارساتٌ وعاداتٌ وتقاليدُ وأعرافٌ سياسيةٌ ومجتمعيةٌ وشعبيةٌ أدتْ إلى تمتعِ كلِ الكياناتِ العربيةِ بخصوصياتٍ لمْ يعدْ التراجعُ عنها بالأمرِ السهلِ لا سيما إذا كانَ هذا التراجعِ يتمُ بالقوةِ والعنفِ ولمصلحةِ مشاريعِ أيدولوجيةٍ وأطماعٍ إقليميةٍ ودوليةٍ للدولِ العربيةِ،، هذا التقسيمِ في الحقيقةِ تقسيما سياسيا بحتا، يضعَ الغربُ نفسهُ فيهِ في مواجهةٍ معَ الشرقِ طمعا بمصالحَ سياسيةٍ واقتصاديةٍ بالدرجةِ الأولى. وستأخذُ هذهِ المواجهةِ غيرِ السلميةِ في غالبِ الأحيانِ شكلاً أكثرَ نبلاً في عيونِ التاريخِ والشعوبِ الأوروبيةِ لوْ بررتها (الجغرافيا المزيفةُ) كصراعٍ حتميٍ لا مفرَ منهُ، ولوْ جعلتها الفروقُ الثقافيةُ والدينيةُ بمثابةِ حربٍ مقدسةٍ للدفاعِ عنْ الهويةِ العربيةِ والفارسيةِ والتركيةِ،، وهوَ يقننانِ منْ مرونةِ الجغرافيا في خدمةِ السياسةِ، سيجعلنا حذرينَ جدا منْ التسليمِ بالمصطلحاتِ الجغرافيةِ. كما أنَ الترويجَ لحالةٍ منْ الصراعِ بينَ الشرقِ الذي كثيرا ما يستخدمُ مرادفا (جغرافيا عنْ العربِ والإسلامِ ) والغربِ الذي يعني دولَ العالمِ الأولِ بهويتها ومرجعيتها المسيحيةِ، على أنهُ صراعٌ تحتمهُ الجغرافيا أمر يحتاجُ إلى إعادةِ نظرٍ، حيثُ تنقضهُ عشراتُ الوقائعِ والأزماتِ التي يصطلي المسلمونَ في جحيمها. فالصينُ مثلاً التي تضطهدُ ملايينَ المسلمينَ في إقليمِ شنغيانغْ تقعَ إلى الشرقِ منا، وكذلكَ ميانمار، وثمةَ أيضا روسيا الدولةَ العابرةَ للقاراتِ والتي غرستْ خنجرها في العالمِ العربيِ، وثمَ إبادة تعرضَ لها المسلمونَ في إفريقيا الوسطى، وهناكَ إسرائيلُ التي تقعُ في قلبنا الذي أسموهُ “ الشرقَ الأوسطَ ”، وكلهمْ لا ينتمونَ للغربِ بالمفهومِ المرادِ لنا برمجةُ عقولنا على جغرافيتهِ. وعندما يتمُ التلاعبُ بالجغرافيا في فتراتِ السيطرةِ والقوةِ، ففي عامِ 1884 م عقدٍ ” مؤتمرَ ميريديانْ ” الدوليُ بتحديدِ خطِ الطولِ “ جرينيتش ” كخطٍ فاصلٍ بينَ شرقِ الأرضِ وغربها. لمْ يكنْ المقصودُ منْ ذلكَ تسهيلُ إجراءاتِ التجارةِ والملاحةِ وقياسِ الوقتِ فقطْ، بلْ يحملُ الأمرُ بعدا سياسيا واضحا، يتمثلَ باعتبارِ بريطانيا العظمى، نفسها نقطةَ صفرٍ للجغرافيا ومركزٍ للعالمِ تقاسُ الدولُ تبعا لهُ شرقا وغربا. وهوَ تقسيمٌ سياسيٌ بحتٌ، وهذا ما يؤكدُ لنا صحةُ تغيرِ الجغرافيا تبعا للسياسةِ. ففي عصرِ الخليفةِ المأمونْ، دعيَ علماء وجغرافيينَ لوضعِ خريطةٍ جديدةٍ للعالمِ، أسفرتْ عنْ خريطةٍ تقعُ بغدادُ عاصمةَ الدولةِ العباسيةِ في مركزها تماما، وتبدو أوروبا فيها صغيرةٌ نسبيا، في حينِ تمتدُ أفريقيا وآسيا امتدادا واسعا، واختفاءُ وجودِ قارتيْ أمريكا وأستراليا فيها، فاختفاؤهما منْ الخرائطِ لمْ يكنْ يعني فقطْ عدمَ اكتشافهما، بلْ كانَ يعني أيضا غيابهما عنْ الخريطةِ، إنَ قدرَ الشرقِ الأوسطِ بما فيهمْ تركيا وإيران تجاوزا، أنْ يكونوا سكانا لأكثر مناطقِ العالمِ سخونةً على مدارِ التاريخِ ؛ فمنذُ سقوطِ الدولةِ العثمانيةِ والشرقِ الأوسطِ، على خلافِ مناطقِ كوكبنا الأرضيِ الأخرى، على صفيحٍ ساخنٍ مستمرٍ السخونةِ والاشتعالِ، كلما خبتْ نارُ صراعٍ اندلعتْ نيرانُ صراعٍ آخرَ، منْ صراعاتِ الحروبِ معَ المستعمرينَ الذينَ تقاسموا تركةٌ « الرجلِ التركيِ المريضِ »، إلى الصراعاتِ والحروبِ غيرِ المتكافئةِ بينَ العربِ وإسرائيلَ حولَ فلسطينَ، إلى صراعاتِ القوى الطائفيةِ في لبنانَ إلى صراعِ الانقلاباتِ العسكريةِ إلى حربِ صدامْ معَ إيران ثمَ صراعِ صدامْ معَ جيرانهِ الخليجيينَ ثمَ الاحتلالِ الأميركيِ للعراقِ إلى صراعٍ إقليميٍ إيرانيٍ وتركِي على منْ يقودُ هذهِ المنطقةِ،، إلى ثوراتِ الربيعِ العربيِ وما أحدثتهُ منْ دمارٍ وفوضى هائلينِ في سوريا وليبيا، واليمن،ثمَ صعودٍ « داعشْ »، وأخيرا التهديدَ بحربِ أميركيةٍ إسرائيلية خطيرةٍ ضدَ النظامِ الإيرانيِ. قدرُ الشرقِ الأوسطِ أنْ يكونَ مهدُ الدياناتِ التوحيديةِ الثلاثِ : الإسلامُ واليهوديةُ والمسيحيةُ، هوَ أيضا سبب لأنْ يكونَ قدرا منْ معاناةِ الصراعاتِ الدينيةِ والمذهبيةِ، وقدرَ الشرقُ الأوسطُ أنْ يكونَ حاضنا لحضاراتٍ عريقةٍ : الحضارةُ العربيةُ الإسلاميةُ والفارسيةُ والعثمانيةُ، ومركزا لطوائفَ مسيحيةٍ متنوعةٍ في كلٍ منْ لبنانَ وسوريا ومصرَ، وخاضنا لمللٍ وأعراقِ ومذاهبَ مختلفةٍ كالسنةِ والشيعة، والدروزُ والآشوريونَ والصابئةُ، والأكراد والدروز، والترْكمانْ، والعلويينَ والبربرِ، والنوبيينَ، والأرمنُ والزنجُ، والتتارُ والصقلابْ والشناقْ والشرُكس، والسرياليينَ، والٍكلدانيينْ، والزيديينَ، هذا ناهيكَ عنْ الهوياتِ العرقيةِ، هوَ تنوعٌ مثيرٌ في مفرداتِ لغةِ الحضارةِ، ولكنهُ تحولَ على نارٍ تحتَ رمادِ الخريطةِ السياسيةِ في الشرقِ الأوسطِ الملتهبِ إلى كوارثَ وصراعاتِ ولعنةِ الجغرافيا،، النفطُ في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ، والمقدرَ بثلثيْ الاحتياطيِ العالميِ، هوَ الآخرُ “ منحةٌ ” قدْ يتحولُ في بعضِ الأحيانِ إلى “ محنةٍ، ” جعلتهُ محلَ تنافسٍ شديدٍ بينَ الدولِ المستهلكةِ وجعلِ المنطقةِ كلها في بؤرةِ هذا التنافسِ الآنِ صراعَ الغازِ شرقَ المتوسطِ، (كلٌ ذي نعمةِ محسودْ)، ناهيكَ عنْ الصراعِ المتوقعِ في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ على المياهِ، في مصرَ ودولِ المنبعِ في إفريقيا، وفي الشيِح المائي.. في العراقِ وسوريا وهيَ أكثرُ المنطقةِ التي تعتبرُ الأكثرَ فقرا بالنسبةِ إلى المواردِ المائيةِ في العالمِ. منْ يسيرُ حوادثَ التاريخِ في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ بالذاتِ سيخرجُ بمحصلةٍ تؤكدُ أنَ المنطقةَ ستظلُ ملتهبةً بالصراعاتِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والطائفيةِ والعسكريةِ في سلسلةٍ ممتدةٍ في عمقِ التاريخِ. وأخيرٌا يطرحُ سؤالاً هلْ التقاربُ الإيرانيُ السعوديُ يستطيعُ خلقا شرقَ أوسطَ جديدٍ منْ نبذِ الصراعِ الطائفيِ...؟!

***

محمدْ سعدْ عبدِ اللطيفْ

كاتبٌ مصريٌ وباحثٌ في علمِ الجغرافيا السياسيةِ

 

إن ما يشهده العالم المتقدم اليوم من ردود أفعال على التغيرات الراهنة لا ينبىء أبدا بمبدأ الديمقراطية الذي لطالما تغنى به وعاب على الكثير من دول العالم دكتاتورية الحكام في التعامل مع شعوبها.

ديمقراطية؛ هذه الكلمة التي تحمل في طياتها مبدأ الحرية التي لطالما تفاخر العالم المتقدم بتوريدها للعالم كشكل من أشكال الحضارة.

ديمقراطية؛ يرجى ظهورها الأول إلى آثينا (اليونان القديمة)، مشتقة من demos بمعنى الشعب وKratos بمعنى حكم أو سلطة وعليه فهي تعني سلطة الشعب أو حكم الشعب.

لكن إلى أي مدى وصل حكم الشعب في العالم المتقدم؟

حينما نرى الشرطة في مكان ما من هذا العالم المتقدم تقمع مظاهرات شعبية تطالب بحقوق مشروعة وفق مبادىء الديمقراطية، حينها يكون تساؤلنا مشروعا: لماذا نفس هذه البلدان تعيب على غيرها قمع الحريات عن طريق قنواتها ومتابعيها في بلدان تريد لهم ديمقراطية على مقاسها هي وبما يخدم مصالحها؟

لا ننكر أن هذا العالم المتقدم أعطى للعالم أجمع مثالا رائعا عن التحضر والتطور في جميع المجالات وأحدث ثورة علمية انعكست على الجانب الاجتماعي والفكري للإنسان الحديث الذي ركب الموجة في مسايرة منه للتطور الحاصل في العالم دون أن يدري أنه أداة في يد العلم يحركها كيفما شاء، العلم الذي في جانب منه بعد أن كان فائدة للبشر صار هوسا لفئة قليلة من البشر تؤذي به فئة كبيرة أخرى من البشر.

معظم الحروب التي قامت في العصر الحديث ما هي إلا نتيجة لعلم أنتج أسلحة، منها النووية ومنها البيولوجية.

حرب بيولوجية حسبما يُروى تدور كواليسها في مختبرات لرقعة جغرافية تدعمها دول يُعتقد أنها من عالم ديمقراطي متحضر، ويحاربهم من يتهمه كتابهم ومثقفوهم بالدكتاتورية.

ما قول هؤلاء المثقفين في سياسات حكوماتهم التي تفرض على شعوبها، بشكل مباشر أو غير مباشر، ما تراه عند الآخرين رجعية وتخلفا وتعاملهم بمنطق الأنظمة التي تتهمها بالشمولية في حين أنها تسلب شعوبها حقوقا مشروعة لم يكن فيها جدال.

دول قامت أمجادها على حساب استعمار واستعباد وتقتيل شعوب أخرى وسلبها ثرواتها وتجهيل شعوبها في مقابل ضمان حياة كريمة لمواطنيها الذين تعتبرهم بشرا وغيرهم نصف بشر أو لا يوجد. مواطنون يعلمون أن رفاهيتهم قائمة على حساب تفقير شعوب أخرى ومع ذلك دعموا مواقف حكوماتهم في زمن ما فيما رفضها آخرون منهم دعموا الشعوب المستعمرة ضد حكومات بلدانهم شخصيا، دعم شهد لهم به التاريخ.

لا جدال في أنها شعوب متحضرة في جوانب ما من حياتها وهي كذلك شعوب تفكر وتعمل، لكنها دخلت من خلال الشاشات إلى شعوب أقل تقدما فسلبت منهم عقولهم وحولتهم لمجرد تابعين لها، تبعية لم تدم طويلا، فهاهو العالم يستفيق من غفوته أو من حالة الخدر التي أصابته ليجد ديمقراطية زائفة تكشف عن نفسها في ظل عالم متغير تصعد فيها قوى جديدة وتنهار أخرى أو على الأقل تتضاءل سطوتها مع توجه العالم نحو تعددية قطبية يكون فيها تساو ونوع من العدل في تقسيم ثروات العالم وتعدد قواه.

إن التعددية القطبية التي يسير نحوها العالم اليوم تتطلب تغييرا في النظم والايديولوجيات التي قام عليها العالم سابقا، ليس تغييرا جذريا بين ليلة وضحاها، لكن تغيير تدريجي مبني على أسس تخدم الإنسان، خاصة وأننا نشهد منذ زمن اضمحلالا لهذا الإنسان وسط دكتاتوريات مختبئة تحت غطاء ديمقراطي بدأت تكشف عن وجهها بقمع حرية الرأي والتظاهر والتعسف في تمرير قوانين مرفوضة شعبيا ودكتاتورية رأس المال الذي وسع الفجوة بين الغني الذي لا يزداد إلا غنى والفقير الذي لم يعد يستطيع مقاومة عجلة الرأسمالية التي لا تعترف بالديمقراطية إلا إذا عادت عليها بالمنفعة.

إن تعطش الفرد في بعض الدول الفقيرة أو السائرة في طريق النمو إلى الحرية يجعله لا يعرف كيف يختار طريقه نحو الحرية، فبدل أن يتجه للعمل والتفكير الذي يعود عليه وعلى الصالح العام بالمنفعة، على العكس من ذلك يغرق في مستنقع التشاؤم وعدم الفعالية التي تجعل منه فردا كئيبا دائم التذمر والاعتراض بدل النهوض ومحاولة التفكير الايجابي والعمل اللذان لا يمكن أن نتحدث عن تقدم نحو الأمام بدونهما.

إن الإنسان في ظل عالم متغير عليه تغيير نظرته لتتماشى مع مستجدات الوضع الراهن وعدم تصديق ايديولوجيات زائفة تظهر يوما بعد يوم للعلن معلنة عن انهيار جبل المثل الذي طالما أوهمت به العالم لتكشف عن وجهها الحقيقي الذي لطالما اختبأ تحت مبادئ عدة أثبت الزمن أنها مجرد حبر على ورق.

فالانسانية لا تقتضي القضاء على البشر لحساب البشر والديمقراطية لا تعني استعمار بشر لأجل منفعة بشر آخر.

إن هذه المفاهيم تتطلب تجسيدا واقعيا مع كل البشر والكائنات وإلا فهي مفاهيم تستوجب إعادة النظر في معناها وطريقة تطبيقها.

***

لامية خلف الله - كاتبة من شرق الجزائر

 

 

وحديث عن تحديث الجيش الياباني ما بين استراتيجية التصنيع المتفوق وتعدد مصادر الشراء

ماذا عن العقيدة العسكرية اليابانية وعلاقتها بانتحار الروائي الياباني "هو يوكيو ميشيما"؟

وماذا عن تخوفات الصين وروسيا وكوريا الشمالية؟

وأسئلة أخرى

ظلت العقيدة العسكرية اليابانية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية رهينة مخرجات الهزيمة التي القت بظلالها على العقل الياباني وبرمجته على رهاب القوة العسكرية اليابانية التي قيدتها شروط الحلفاء القاسية.. وفق عقيدة دفاعية قيدت من تطوير الجيش ليعتمد على وعود الأمريكيين في الدفاع عن اليابان إذا ما تعرضت لعدوان من قبل جاراتها.

لذلك صدرت المادة التاسعة من الدستور الياباني التي تنص على "التخلى إلى الأبد عن الحرب".

وتجدر الإشارة إلى أن اليابان ليست لديها جيش بالمعنى التقليدي، بل هناك ما يسمى ب"قوات الدفاع الذاتي"، لكن ذلك لم يمنعها من تشكيل قوات قوية صنفت في المرتبة الخامسة عالمياً، وفق مؤشر "غلوبل فاير باور" الأمريكي.

إلى جانب ذلك احتضنت الدولة العميقة في اليابان هذه العقيدة لِتُوْلِي اهتمامَها بالتنمية المستدامة وتحويل ما يتوفر من أموال إلى مشاريع التنمية وخفض العبء عن الصندوق السيادي.. وهذا سينعكس على المستوى المعيشي لليابانيين؛ لذلك فاليابانيون يحبذون بقاء الوضع على حاله.

ولكن الحرب الأوكرانية فتحت عيون اليابانيين على ما يحيق ببلادهم من أخطار بالغة، لعل أهمها:

أولاً:- الخطر الداهم الذي يحيط باليابان من ثلاث دول نووية تتنازع معها على بعض الجزر اليابانية، وهي الصين وروسيا وكوريا الشمالية.

ثانياً: عدم ثقة اليابانيين بالولايات المتحدة فيما لو تعرضت اليابان لهجوم من أعدائها، وتأكيداً على ذلك، فإن مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق روبرت أوبراين صرح مؤخراً بأن الولايات المتحدة ستدمر مصانع شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات (TSMC) إذا أتيح للصينيين السيطرة عليها بعد الغزو المحتمل، وفقاً لما أورده موقع بيزنس إنسايدر.. أي أن أمريكا لن تتدخل عسكرياً لحماية حلفائها الذين أخذوا ينفضون من حولها كالسعودية وهم يراقبون التلكؤ الأمريكي في دعم أوكرانيا.

إن تغيير العقيدة القتالية "للجيش الياباني" لم تكن وليدة اليوم، فهي مرتبطة تاريخياً بانتحار الروائي الياباني هو يوكيو ميشيما، الذي توجه إلى قاعدة للجيش في طوكيو في 25 نوفمبر 1970 واختطف القائد، وأمره بأن يجمع الجنود، في محاولة انقلابية فاشلة، ودعا ميشيما الجنود للتمرد على الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة والدستور، ووبّخهم بقسوة على الاستكانة والخنوع وتحداهم أن يعيدوا للإمبراطور هيبته كإله حي وقائد قومي كما كان قبل الحرب.

قوبل هذا الكلام باستخفاف الجنود الذين برمجت عقولهم على مبدأ السلام ونبذ الخيار العسكري والخضوع لإرادة أمريكا التي تعهدت بحماية اليابان، ما دام ذلك -بالنسبة لليابانيين- سيصب في دعم التنمية والنهوض باليابان في كافة المجالات وحصولها على فرصة الاطلاع على التكنلوجيا الأمريكية الحساسة؛ ما سيعوض شعور اليابانيين بالإذلال الذي ظل دفيناً في القلوب.

كانت صدمة بالنسبة لميشيما إذ انسحب إلى الداخل وقال كلمته الشهيرة: "أعتقد أن صوتي لم يصل إليهم".

ثم جثا على ركبتيه وانتحر على طريقة الساموراي ببقر البطن.

كان موت ميشيما صادماً للشعب الياباني، وتحول كلامه إلى أيقونة ملهمة أذ يعتبر أول الدعاة إلى "عقيدة الهجوم اليابانية" بدلاً من الدفاعية.

وقد تصاعدت المطالبات بذلك مع وصول شينزو آبي، إلى رئاسة الوزراء للمرة الثانية في 2012، رافعاً معه شعار "استعادة اليابان القوية" اقتصادياً وعسكرياً.

لكن "آبي"، قتل في يوليو 2022 ربما من الدولة العميقة التي تخالف هذا التوجه، إلا أنه بوفاته تصاعدت فكرة استعادة قوة اليابان "الاقتصادية والعسكرية" بدل أن تذبل وتموت.

وجاءت "وثيقة استراتيجية الأمن القومي اليابانية" لتسمح لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية للجيش بالقيام بـ"ضربات مضادة" ضد قوى معادية.

ثم اجتمع رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا مؤخراً، مع وزيري الدفاع والمالية، وأصدر تعليماته باتخاذ التدابير اللازمة لضمان نمو الإنفاق العسكري إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا بحلول العام 2027.

وهذا يفسر توجهات كيشيدا، بزيادة ميزانية بلاده الدفاعية للسنوات الخمس القادمة إلى 43 تريليون "ين"، بواقع 318 مليار دولار.

وسوف تذهب هذه الميزانية إلى زيادة عدد أفراد الجيش وتطوير الصناعات العسكرية ثم شراء الأسلحة المتطورة مع تعدد مصادرها.

من جهة أخرى ثارت مضاعفة ميزانية اليابان الدفاعية وتغيير عقيدتها العسكرية قلق جيرانها شرقي آسيا، خاصة وأن ذاكرة المنطقة مثخنة بجراح الحروب الدموية التي خاضها الجيش الياباني في النصف الأول من القرن الماضي، منها احتلال شبه الجزيرة الكورية والتنكيل بشعبها.. أي أن علاقة اليابان بأعدائها تقوم على الريبة والثارات المبيتة نسبياً.

وعزز هذه المخاوف، ما لدى اليابان من ميزات في الجوانب العسكرية، أهمها أنها واحدة من أكثر دول العالم تقدماً، وهي تنتج بعضاً من أفضل الأسلحة في العالم، من حيث التكنولوجيا والجودة والريادة، بما في ذلك تقديمها أول رادار "أيسا" في العالم، وواحدة من أكثر الدبابات تقدماً (الدبابة Type-10)، إضافة إلى أن واشنطن سمحت لطوكيو بالوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية المتقدمة التي لم يحظَ بها إلا الكيان الإسرائيلي وربما بريطانيا.

لكن الأهم من كل ذلك أن اليابان أيضاً قررت امتلاك أسلحة هجومية من طائرات حربية من الجيل الخامس (إف 35) وصواريخ ذات مدى يطال العمق الصيني ويغطي مساحة كوريا الشمالية ويصل جنوب شرق روسيا.

وهذا لا يحجب ما لدى طوكيو من مشكلات في المجال العسكري، منها تداعيات سنوات النزعة السلمية الطويلة، وتراجع عدد السكان، وبالتالي تراجع أعداد الجنود، والأهم تأخر اليابان في الدخول في مجالات تصنيع الطائرات المسيرة والذكاء الاصطناعي والصواريخ فرط صوتية، وهي المجالات التي حققت فيها الصين -تحديداً- تطوراً مذهلاً فاق في بعض الحالات التطور الأمريكي (خاصة في الصواريخ فرط صوتية).

صحيح أن أمريكا ستستفيد مادياً من فتح سوق السلاح الأمريكي الباهظ الثمن لليابانيين، ناهيك عن توفير قطع الغيار والمواد الأولية ومدخلات الانتاج من العناصر النادرة والشرائح الإلكترونية اللازمة للمساعدة في جهود التصنيع اليابانية لصالح الجيش الياباني؛ إلا أن الخطير في الأمر أن امريكا تريد إشعال منطقة بحر الصين من خلال وكلائها دون أن تورط نفسها وهذا يفسر ما بادر إليه العم سام بفكِّ قيود اليابان العسكرية بغية تطوير جيشها المتعطش للانتقام لاستعادة هيبتها، في إطار التحالف الإقليمي مع أمريكا لضرب الصين إذا ما اقدمت على اجتياح تايوان دون الاكتراث بالنتائج.. مع أن الحكمة تسترعي حل المشاكل مع دول الجوار دبلماسياً كما فعلت الرياض إزاء طهران؛ لأن الحروب مجلبة للدمار وأمريكا لا تقترب من النار بل تدفع حلفاءها إليها أفلا يعقلون!.

***

بقلم بكر السباتين

20 مارس 2022

صرح بتسلئيل سموترتش المًنظر الجديد للصهيونية العنصرية ووزير مالية الاحتلال، في تصريحات له في فرنسا بالأمس أنه "لا يوجد شعب فلسطيني وأن هذا ليس سوى اختراع يعود عمره الى أقل من مائة عام". وتأتي هذا التصريحات كجزء من الحرب الصهيونية المعممة على الفلسطينيين شعباً وهوية وتاريخاً ولتبرير الممارسات الإرهابية والاستيطانية.

وسنستشهد بنصوص من كتبهم (المقدسة) وهي جزء من الكتاب المقدس الذي يشمل العهدين القديم والجديد وهذا الكتاب موجود في الكنائس وفي المكتبات بكل اللغات بما فيها اللغة العربية، وإن كانت هذه الاقتباسات تؤكد على وجود لليهود في فلسطين القديمة كما كانوا موجودين كديانة في بلاد أخرى ونحن لا ننكر وجود ديانة يهودية، إلا أنها تؤكد أيضاً على أسبقية وجود الشعب الفلسطيني على هجرة اليهود أو بني إسرائيل الأوائل إلى فلسطين.

ففي الكتاب المنسوب إلى نبيهم يشوع بن نون (كتاب يوشع) جاء: " وقد بقيت أرض كثيرة – لم يدخلها اليهود – وهي: كل دائرة الفلسطينيين وكل أرض الجاشوريين – أمام مصر – وأقطاب الفلسطينيين الخمسة – وهم: الغزي والاشرودي و الاشقلوني والجتي والعقروني ..." . وفي عصر (القضاة) الموالي لعصر يوشع جاء في سفر القضاة (10:7) : " فحمى غضب الرب على بني إسرائيل – وباعهم بيد الفلسطينيين فحطموا إسرائيل ثماني عشرة سنة – في جميع أرض بني إسرائيل " وفي سفر القضاة (13:1) جاء: " ثم عاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عيني الرب – فدفعهم الرب إلى يد الفلسطينيين أربعين سنة " . وفي العصر التالي – عصر النبي (صموئيل) جاء في الكتاب المنسوب إلى هذا النبي: (صموئيل الأول 4: 1) : " وخرج جيش بنو إسرائيل للقاء الفلسطينيين – فانكسر (انهزم) بنو إسرائيل أمام الفلسطينيين } وتكررت الهزيمة " .وفي عهد الملك (طالوت) واسمه في كتابهم (شاول) جاء في (صموئيل الأول 13: 5): " واجتمع الفلسطينيون لمحاربة بني إسرائيل أيام شاول الملك: ثلاثون ألف مركبة حربية وستة آلاف فارس وشعب (جيش) عدده كالرمل الذي على شاطئ البحر .. فاختبأ اليهود في المغارات والغيامن والآبار .. وكل شعب اليهود ارتعب من الفلسطينيين " . وفي عهد داوود جاء في سفر (صموئيل الأول 27: 12) أن داود يهرب للمرة الثانية ويختبئ هو ورجاله عند ملك الفلسطينيين الذي أكرمهم , وظلوا عنده سبعة أشهر ، وفي كتاب (صموئيل الثاني) جاء أنه بعد أن صار (داود) ملكاً على اليهود , قام باسترداد والديه وزوجاته وأولاده من عند ملك الفلسطينيين الذي أكرمهم جداً . وفي عهد سليمان وفي كتاب (ملوك أول 4: 24) جاء أن حدود مملكة اليهود تنتهي عند حدود مدينة غزة التي لم تدخل أبداً ضمن مملكة اليهود. وظلت بعد ذلك ملكاً للفلسطينيين. وفي كتاب (أخبار أيام ثاني 17: 11) صار ملوك الفلسطينيين أصدقاء لملوك بني إسرائيل الذين ملكوا بعد موت سليمان)

لو لم يكن هناك شعب فلسطيني فلماذا سميت فلسطين تاريخياً بهذا الاسم فالدول تسمى باسم الشعب الذي يسكنها؟ حتى وعد بلفور نفسه وقبل أكثر من مائة عام نص على "إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين" وليس في (إسرائيل).

إن لم يكن الفلسطينيون الذين يعيشون في وعلى أرضهم منذ آلاف السنين وتجمهم نفس اللغة والعادات والتقاليد والهوية والثقافة شعباً فهل اللقطاء الذين جمعتهم الحركة الصهيونية من كل أصقاع الأرض ومن كل الأعراق: عرب وروس وفرنسيين وأثيوبيين وأمريكيين الخ يشكلون شعباً أو قومية؟ نعم يجمعهم الدين ولكن الدين ليس قومية أو شعبا، وماذا يقول سموترتش للأمم المتحدة والمنظمات الدولية وغالبية دول العالم التي تعترف بوجود الشعب الفلسطيني بل وبحقه في دولة مستقلة، وفي العالم خوالي 120 سفارة وممثلية لفلسطين؟ فهل كل العالم على خطأ وسموترتش وحده على صواب؟

***

ا. د. أبراهيم أبراش

 

 

في المثقف اليوم