آراء

آراء

تبدو الديمقراطية واحدة من المبادئ الحاسمة في اختبار السلوك وتوصيف الأحكام عن طبيعة السلطة وحراكها واستحكاماتها، وتعد الديمقراطية بمبادئها العامة، الثغرة النافدة التي تعطي المبرر المنطقي لمنظمات وهيئات ذات مصالح متشابكة ومترابطة، لتأشير الإخفاق وإثارة التساؤلات ورصد الظواهر والخصائص الأساسية الكلية لطبيعة نظام الحكم، أي نظام حكم كان. ومن ثم توصيف طبيعة تعامله مع الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلاقته بأفراد المجتمع، وطابع ردود أفعاله تجاه حاجاتهم الآنية والمستقبلية، وهل هناك علاقة تكافؤ بين السلطة والجماهير، لخلق توازن مرن لتامين السلم المجتمعي. ومن خلال حيثيات هذا المدخل والمراقبة، تكون الديمقراطية بابا للضغط على السلطات لأجل بناء قواعد للسلوك والقيادة، بالرغم من كون هذا المدخل دائما ما يكون واجهة لما هو أبعد من ظاهره.

مع التطور التاريخي المتسارع، يبدو أن معادلة الديمقراطية أصبحت أكثر تنوعا وتشابكا وتأثيرا، فقد خرجت لما وراء حدود الدولة القومية، وتم ثلم الكثير من الخصوصيات الوطنية، لصالح شراكات دولية، إثر ظهور نماذج لروابط بعيدة ومؤثرة، تتمثل بصيغ العولمة الاقتصادية والتقنيات والمعلوماتية، وتشابك مشتركات المصالح الدولية والهيئات والمنظمات الدولية، التي باتت العامل الأقوى في التأثير على سير الأحداث وقلب المعادلات، والضاغط الأكثر قوة لتغيير أنماط السلوك والتفكير المحلي، ودفعه لمواكبة متطلبات الشراكة الدولية، ومن ثم صناعة التوجهات وأساليب وسياقات العمل والعلاقات حتى اليومي منها، بما يتناسب وتلك المشتركات العالمية.

 تعرف الديمقراطية بمبادئها وقيمها الأساسية، وتلك القيم والمبادئ هي التي تقدم الدليل الحيوي على فاعلية ونشاط وحقيقة علاقة المؤسسات والأفراد بنموذجها الأمثل، ونوع الترتيبات والطرق المتخذة لصيانتها وتطويرها.وفي عموم مظاهرها تبرز القواعد والقيم من مثل، مشاركة المجموع في صناعة القرار العام، وتأثيرهم على صناع القرار، وكذلك المساواة الفاعلة بينهم في الموقف، والتمثيل والمسؤولية والشفافية والتفويض، والقدرة على التأثير والسيطرة على اتخاذ القرار، وإزالة احتكار النخبة له، والمكاسب الناتجة عنه، وكذلك مدى فعالية وشفافية النظم التي تتحكم بعمل المؤسسات المدنية (السياسية ـ المهنية ـ الاجتماعية) والى أي مدى تتخطى تلك الفعاليات التشوهات والتعديات والتقسيمات الجنسية والدينية والعرقية، وما هي الحصانة الفاعلة لنظام المؤسسة المالي والإداري، ضد اشتراطات المصالح الخاصة .كل ذلك يمكن من خلاله تعريف الديمقراطية وتقييم علاقة تلك الفعاليات والمؤسسات بقواعدها .

في محاولة لتقييم وضع الحكومات التي تدير وقائع الحدث اليومي في العالم الثالث، وضمن البحث في تأثير هذا المضمار الواسع من العلاقات الدولية المتشابكة والمعقدة المتعددة الأوجه،  ولكون العديد من تلك السلطات تفتقد حقول السياسة والإدارة فيها، لأي نوع من أنواع الحريات والسلوك الديمقراطي. فقد باتت تتعرض لضغوطات وجرعات حث مستمرة، لزجها في حومة الحراك الدولي ودفعها نحو خيار النهج الديمقراطي كسلوك عمل،  ولذا ما عادت معزولة أو محصنة في بعدها الوطني.

إن مثل هذا التوصيف يضعنا في خانة الطعن في بعض القوى دون غيرها، وبالذات القوى الحاكمة، ويقودنا لتغافل الحقائق حول موقف الآخرين وقيمهم، وعليه يتوجب للوصول إلى الفكرة الأعم، بافتراض تقصي جميع ذلك الخليط غير المتجانس، والتداخل المربك بين الطبقات والشرائح الاجتماعية في هذا العالم المترامي الأبعاد، ونتاج مؤسساته المدينية على مستوى الأداء والفاعلية والمشاركة والشفافية المبدئية.

لذا وفي محاولة تقصي المسيرة الديمقراطية في الحياة العامة، فإن مثل هذا المبحث يسترعي الإشارة أيضا للكثير من القوى العلمانية في هذا الجزء من العالم، والتي سنحت لها الظروف، امتلاك شيء من السطوة وبناء قواعدها الجماهيرية. وهنا لا حاجة لنا للتكرار والاستعانة بقائمة الخروقات اليومية لحقوق الإنسان والديمقراطية، التي ترتكب من قبل تلك القوى العلمانية، والذي يفرض علينا الواقع وضعها في خانة القوى التي لا تتمتع بعلاقة سوية مع الطبيعة والسلوك الديمقراطي، وفي المحصلة النهائية نجبر على تصنيفها ضمن القوى المضادة للديمقراطية وحقوق الإنسان، وما أكثر هذه النماذج والكتل والشرائح وما أوسعها وبالذات في العالم العربي، والشرقي أيضا. لذا لا يمكننا حصر واختزال إشكال الديمقراطية عند حدود نموذج بعينه، وضمن نمط قيمي أيدلوجي، والافتراض عنوة أن العلمانية أو اليسار قلعة حصينة للديمقراطية وحقوق الإنسان.

في نظرة فاحصة لتشكيلة قوى العلمانية واليسارية، نجد أن هناك الكثير من الجفوة بينها ومفهوم الديمقراطية، وكذلك وجود تمويه ملتبس لمفهوم العلمانية، وهذا أيضا من عيوب الكثير من القوى بمختلف أشكالها ونماذجها القومية والمحلية (اليسارية والمحافظة). ولا يمكن قصر الإشكال عند هذه الحدود أو تقنينه بآليات وملكات تختص بها تلك القوى دون غيرها، وإنما الواجب يفترض النظر بموضوعية، لهوامش أخرى تتحكم في المسار العام للعلاقة بين الوعي الديمقراطي والوعي الاجتماعي، ومن ثم تأثير القيم والعادات والتقاليد، في تركيبة ونشوء تلك الفعاليات. يضاف لذلك العلاقة الملتبسة والمشوهة، التي تنتظم وفقها نماذج الأداء السلطوي وآليات القوانين والدساتير المشرعة، وتأثيرها في طبيعة التكوينات والمؤسسات السياسية والاجتماعية، ومدى القسوة والعنت الذي يمارس لتعميم وفرض خيارات متخلفة محبطة وباعثة على الخيبة، في ظل غياب سلطة القانون والتشريعات التي تحمي المواطن وتكفل حقوقه وتعطي لمؤسساته المدنية حرية الخيار والحركة والتطور.

مجمل قوى اليسار والعلمانية العربية نشأت وفق خيار استيراد الأيدلوجية من الخارج أو محاولة خلق توليفة بين المستورد والمحلي (قومي ـ تراث وطني) باستعارات للخروج بنموذج، اعتقدت تلك القوى بأنه الخيار الأكثر حضارية وعقلانية، وأنه الأقرب لنبض الشارع، والأكثر قدرة على مواكبة التطور. وكان ولا زال التجريب والاستعارة وردود الفعل الآنية، الصفة الغالبة على الخطاب الأيدلوجي، لجميع تلك القوى السياسية، مما جعلها تتخبط في الرؤى والأفعال، وأصبح من العسير عليها إكمال مشوار نهضتها وعدتها المعرفية وقدراتها التنويرية، وهذا ما جعل الوضع السياسي بمجمله يعيش أزمة حقيقية، تتمثل بقصور بائن في مواكبة التطور الحضاري ومعطيات العصر، وتخلف البنية التنظيمية لتلك القوى، بالرغم من اعترافنا بطليعيتها وتقدمها على باقي تشكيلات المجتمع. فصفة اللاثبات لا زالت تميز فكرها وفعلها السياسي .

سجلت سنوات الخمسينات والستينات والسبعينات نزوعا حقيقيا لكثير من القوى القومية العربية نحو اليسار، وتبني الفلسفة الماركسية كخيار تاريخي. وكان الظن، أنه يعيد بعث الهوية القومية علميا، وفي ذات الوقت يقوم بخلق ثقافة تهمش العواطف القومية وتقضم أضرارها. وكانت ساحات انتصار ذلك التوجه، واضحة للعيان بين أوساط حركات الكفاح المسلح الفلسطينية والخليجية وفي اليمن وشمال أفريقيا وغيرها من أماكن وحضور للحركات العلمانية القومية في الوطن العربي. وساهمت الحركات الفكرية الماركسية في إنضاج توجهات تلك المشاريع، ليصبح المد اليساري الواجهة الأكثر حضورا والأشد مكنة في الشارع السياسي العربي.

ولكن المؤسف أن تلك التحولات اقتصرت على استعارات مشوهة وهجينه للرطانة (السوفيتية)، من مثل تبجيل خيار حكم النظام الحزبي الشمولي البعيد كليا عن المفهوم الماركسي للطليعة. واستمر العمل الحزبي بذات التوجهات السابقة كناتج ملتبس للعمل السري الخالي من الانفتاح والنقد، والخانق للمبادرات والتعبير الفردي بحجة الديمقراطية المركزية والشرعية الثورية. وقد فرض الأداء السلطوي العدائي الكابح للحريات والعلنية، على تلك الأحزاب والفعاليات خيار الإيغال في الإجراءات السرية والتشبث بالمركزية، واتخاذها كمتاريس للحصانة في مواجهة الأساليب العدوانية للسلطات الحاكمة، وعمم ذلك في النظم والعلاقات الحزبية الداخلية، ومع هذا بات من العسير على المبادرات الفردية اختراق التبريرات والحجج القاضمة للديمقراطية دون التعرض لتهمة الخيانة والتحريف .

إن أي رصد للواقع السياسي العربي وقواه الناشطة، يؤشر اليوم لهول التردي الذي وصل إليه وحجم التحديات المفروضة عليه.ولو أردنا المقاربة، فأن أول ما يواجهنا هو الحقيقة المرة في انعدام الديمقراطية والحريات والشرعية القانونية، ليس فقط للهياكل الرسمية لمؤسسات الدولة، وإنما داخل مؤسسات المجتمع المدني، وعلى رأس قائمتها التيارات الفكرية والسياسية، التي لم تكن الديمقراطية لتحتل مكانة متقدمة في جدول أعمالها . وليس من العصي التدليل على حجم ذلك التردي، لو أطلعنا على الآليات والنظم والعلاقات الداخلية التي تسير عمل تلك الفعاليات والتيارات.فنجد فيها هياكل تنظيمية تتعاطى العمل السري وتداول المحظور، وتشيع في أوساطها (ازدواجية المعايير، الخطاب الفكري المتحيز، السلطة الكهنوتية الأبوية، الإقصاء والتخوين والطعون، تقبل المساعدات المالية المشروطة، الضغوط على الأعضاء لتغيير المواقف، التكتل والشللية والإقصاء، التطير من النقد، الانغلاق على الذات وعدم القبول بالرأي الأخر والحفاظ على روح الوجاهة والقرابة واللحمة، والنزعة الطائفية والمناطقية والعشائرية وتقديس الأفراد). كل تلك العيوب هي منجز جماعي، ساهمت فيه القوى الفكرية والسياسية العربية، بما فيهم صناع الثقافة ومنتجوها ومبدعوها ومؤسسات المجتمع المدني، ومن الإجحاف اختزال مسببات ذلك الخراب فقط عند أروقة السلطة الحاكمة وشخوصها ومؤسساتها، رغم أن ثقل الإشكال يقع بالدرجة الأولى على عاتقها.

إن هذا المشهد المتناقض والشديد الالتباس، يؤشر لازمة فكرية شاملة تلف الكثير من الفعاليات والقوى الثقافية والسياسية العربية، ويؤكد هشاشة وتصدع هويتها الفكرية وفقدانها لقناعاتها بقدراتها الذاتية في مواجهة المحن والأزمات، ويشخص الخلل الكبير في منهجية واستراتجيات تلك القوى والأثر الضار والمدمر الذي تركه ويتركه العمل السري والتغييب القسري للديمقراطية.

***

فرات المحسن

العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وهي تدخل عامها الثاني، تكشف لنا كل يوم مفاجأة تختلف عما قبلها، فحجم المؤامرة الدولية الخطيرة، والخطط الامريكية الجهنمية، وأطماعها في القارة العجوز لن تنتهي، ومنذ الايام الأولى للعملية، كشفت روسيا حجم وعدد المختبرات البيولوجية الامريكية الخطيرة المنتشرة في أوكرانيا، وما تقوم به من تجارب علمية خطيرة، تستهدف البشر قبل الحجر، ومرت الأيام، لتكشف العملية الخاصة، النوايا الامريكية لتدمير العلاقة المتينة التي كونها مجلس الاتحاد الأوربي – الروسي، وفي المقدمة منها التعاون في مجال الطاقة، وتفجير خط الانابيب الغاز " السيل الشمالي "، ناهيكم عن القرار الأمريكي بنقل جميع الشركات الاوربية الكبيرة للعمل في الولايات المتحدة، بهدف تجريد أوروبا بالكامل من عنصر قوتها الاقتصادية، ولم يقف الحد عند هذا فحسب، بل وكما اعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن الامريكان يهدفون الى تقسيم روسيا. .

واغرب ما ستتعرفون عليه اليوم، يخالف جميع توقعاتكم، وتوقعات كاتب هذه السطور، فتلك المقاصد الامريكية في شن حربها على روسيا بالإنابة، مستغلين جهل وغباء الرئيس الاوكراني " زيزو "، وتصويره على انه قائد قومي اوكراني، وتنظيم استعراضات بطولية، حتى تصور نفسه بالفعل " البطل المغوار "، ويمكن ملاحظة ذلك حتى في مشيه امام الكاميرات، فاردا يديه، ومقوسا ارجله، ومرتديا ملابس أبطال أفلام المغامرات الامريكية، باعتباره منقذ البشرية، ونسي نفسه، بأنه مجرد " مهرج "، لا تتعدى امكانياته خارج خشبة المسرح، وهو يقدم " وصلاته التهريجية "، أمام جمهور لا يرى فيه اكثر من ان يكون " دمية ".

تصريحات السياسيين الغربيين بأن بلادهم - الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى - على استعداد للقتال "حتى آخر أوكراني"، (وليس حتى آخر جندي امريكي أو بريطاني)، اكتسبت معنى إضافيًا، فإنهم لا يرون الأوكرانيين فقط على أنهم كتلة حيوية مرسلة للذبح، لكنهم يريدون تطهيرًا كاملاً للإقليم، لماذا؟ فقد تم التعبير عن هذا بواسطة المرشحة الرئاسية السابقة ووزيرة الخارجية الامريكية السابقة هيلاري كلينتون، في مقابلة مع شركة التلفزيون الأمريكية ABC News بشأن مستقبل الولايات المتحدة، اتضح أن الأمريكيين بحاجة إلى الأرض لإعادة التوطين في المستقبل القريب.

قد يبدو للبعض بأن العبارة غير مفهومة للبعض منكم، وما المقصود بإعادة التوطين؟ ومن هم الذي سيعاد توطينهم؟، فأتضح ان الدعم الكبير الذي تقدمه الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا، والضغط على دول أوروبا بشكل كبير، ليقدموا كل شيء من اجل " انتصار أوكرانيا "، لا تحمل أي نوايا صادقة تجاه الشعب الاوكراني، او تحقيق نصر اوكراني، لأنهم أصلا يعرفون بان كييف لا يمكن لها الانتصار في معركة " خاسرة " سلفا، ولكن هي محاولة أمريكية لاستنزاف روسيا وأوكرانيا على حد سواء، وتدمير شعوب شرق أوكرانيا، خدمة لمشروع أمريكي الجديد القديم، والذي أعلنته الوزيرة السابقة بيل كلينتون، باسم " الدولة الامريكية" في أوربا .

ويعتقد العالم كله أن الولايات المتحدة، تدافع عن حرية واستقلال أوكرانيا، وتريد إعادة شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا، وضخ حشود من المهاجرين من أمريكا إلى الميدان، وفي نفس الوقت، لتطهير الأراضي المجاورة من الشعوب الأدنى مثل البولنديين والهنغاريين والرومانيين، وسيذهب هؤلاء لاستكشاف رمال إفريقيا المليئة بالحيوية ورعي الجمال في الصحراء العربية، فالولايات المتحدة، وكما توضح كلينتون، لا يمكنها تجاهل التدهور الكبير في الوضع الجيوفيزيائي في منطقة منتزه يلوستون الوطني، والذي يهدد وجود أمريكا الشمالية ذاته، و يلوستون ليست مزحة، إنه ينتمي إلى فئة البراكين العملاقة، التي تؤدي ثورانها إلى كارثة كوكبية، تحدث مثل هذه الانفجارات كل 50-150 ألف سنة، ويقترب وقت يلوستون، وفقًا للعلماء، ويمكن أن يؤدي انفجار هذا البركان، إلى إطلاق ما بين 1000 إلى 2500 كيلومتر مكعب من الجسيمات الصلبة على شكل رماد، يقع الجزء العلوي من البركان داخل دائرة نصف قطرها 30-50 كم في أحشاء الكوكب، وسيغطي الرماد كامل أراضي الولايات المتحدة، بطبقة سمكها 30-100 سم، وسيكون عدد الوفيات في الساعات الأولى من 50 إلى 80 مليون شخص، وسيتم تدمير البنية التحتية للحياة بأكملها، فقط أجزاء من الكوكب بعيدة عن يلوستون، مثل شرق سيبيريا، سيكون لديها فرصة للبقاء على قيد الحياة.

والديمقراطيون الذين تنتمي إليهم كلينتون، يؤكدون انه لا يمكن للولايات المتحدة أن تتجاهل الوضع، والذي يهدد بعواقب كارثية على أمريكا الشمالية، ويعرض وجودها ذاته للخطر، ولم يتبق سوى القليل من الوقت للحفاظ على استقلال الولايات المتحدة وازدهارها، وبالتالي، من الضروري النظر بشكل أكثر حسمًا وثباتًا، في مسألة نقل الدولة الأمريكية إلى الأراضي الأوروبية، و يجب اعتبار الخيار الرئيسي لإعادة التوطين هذه أراضي أوكرانيا، حيث تكون الظروف المناخية مواتية للمواطنين الأمريكيين، ومع ذلك، وبسبب تضافر بعض الظروف، فإن حل هذه المسألة في خطر .

نعم، مشروع أمريكي خطير، يقضي بالقضاء على دول البلطيق وأوكرانيا ومولدوفا وبولندا، لطالما اعتبرتهم واشنطن، بمثابة "دول نفايات بيولوجية ميؤوس منها " بحسب تعبير كلينتون!، فالولايات المتحدة الأوروبية ملزمة باحتلال المنطقة التي دخلت فيها الدول في غيبوبة، مع عدم وجود احتمال للتعافي، واليوم، وبطبيعة الحال، هذه هي أوكرانيا، التي تحتل مساحة كبيرة ومربحة اقتصاديًا، والتي لم تتمكن السلطات المحلية من إدارتها بعقلانية لمدة ربع قرن، وحيث لم يشهد العالم بأسره سوى زيادة تدريجية في المجتمع والدولة، وتدهور ديموغرافي واقتصادي من سنة إلى أخرى .

ووفقا للمفهوم الأمريكي، فإن مغامرة الولايات المتحدة في خطر، لأن جزءًا من المنطقة، يعيش بالفعل تحت العلم الروسي، و من المحتمل أن تكون كلينتون حزينة من هذا الظرف، لكنها لا تمنعها في تخيلاتها، وقالت "يجب ألا نتخلى عن هذه المنطقة باعتبارها الأكثر ملاءمة لإعادة التوطين الأمريكي العالمي، بسبب موقف روسيا، وسنواصل تنسيق الضغط الدولي لإعادة شبه جزيرة القرم إلى مساحة إقليمية واحدة "، بالإضافة إلى ذلك، من الضروري القيام بعمل تمهيدي حول ضم أراضي العديد من دول أوروبا الشرقية إلى الولايات المتحدة الأوروبية المستقبلية - بولندا والمجر ورومانيا ودول البلطيق، وبالتالي والكلام للوزيرة السابقة، " وسنكون قادرين على توسيع مساحة المعيشة اللازمة حتى لا نشعر بالضيق ولدينا احتمالية لمزيد من التنمية الصناعية والاقتصادية ".

وعن مصير مواطني الدول التي أشارت إليها، أشارت هيلاري، إلى أنه ليس بالأمر الأسمى، لأن السكان سيكونون سعداء بالحصول على جنسية الدولة الجديدة - الولايات المتحدة الأوروبية، لكن كلينتون حذرت من أن مثل هذه الفرصة لن تتاح للجميع - فسيتم طرد بعض السكان المحليين إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، وتعرب عن أملها في أن تتمكن الولايات المتحدة الأوروبية بشكل مناسب، من استبدال سوء التفاهم غير الحكومي على المنصة الأوروبية، نتيجة لذلك، ستجد واشنطن لغة مشتركة مع روسيا والصين و " نصبح جيرانًا جيدين وشركاء تجاريين متساوين لا يحتاجون إلى أي حروب واضطرابات ".

وان كانت كلمات الوزيرة السابقة للكثيرين، تقترب من الهوس، وأنه كاد سيُنسى، لولا مستشار الأمن القومي لرئيس البيت الأبيض، جيك سوليفان، الذي يرى ان دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا، يجب حل مسألة الحاجة إلى" الاستيلاء "على شبه جزيرة القرم، على الرغم من حقيقة أن موسكو تعتبر أن قضية القرم مغلقة تمامًا، وقال سوليفان في مقابلة مع شبكة CNN أن ما سيحدث في نهاية المطاف لشبه جزيرة القرم في سياق هذه الحرب، فضلاً عن تسوية هذه الحرب، هو أمر يجب أن يفعله الأوكرانيون بدعم من الولايات المتحدة.

والمفاجأة الثانية هي، إدعاء الامريكان، بأن هناك حقوقا تاريخية لهم في إقليم القرم الروسي، وانه سيكون من السذاجة الاعتقاد أنه حتى بعد 100 عام، يمكن أن يتخلى الأمريكيون، كما يعتقدون، عن حقوقهم القانونية في شبه الجزيرة !!، وهو موضوع مستقل آخر، سنسلط الضوء عليه في مقال آخر، فإننا لم نستفق بعد من الصدمة الأولى، المتمثلة في هذا المشروع " الخبيث واللئيم "، والذي لا يفكر فيه، سوى أولاد " الجنية " !!، وكلمات كلينتون ليست مجرد غمغمة من الطراز القديم، لقد تم الإعلان عن الهدف الاستراتيجي، وتم الاتفاق على جميع الرسائل، وتم إزالة الأقنعة بالكامل، وبالتالي فإن الحرب العالمية الثالثة تدخل مرحلة جديدة.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

أُختطف المهندس جاسم الأسديّ، العاشرة صباحاً في الأول من (فبراير) 2023، على مشارف بغداد، فالخاطف لا يخشى إلهاً، ولا حكومةً. عادةً يُنفذ الاختطاف في عتمةٍ ليلٍ، فهل سمعتم بخاطفٍ سافر الوجه، وفي وضح النَّهار؟! أشد القوى جبروتاً تختار الفجرَ وقتاً للخطف، «زوار الفجر»! إلا العِراق الخطف به جهاراً نهاراً، وهذا ما حصل مع الأسدي، الذي نذر عمره، ومنذ عشرين عاماً، لإصلاح الأهوار، التي كان صراخ المعارضة مدوياً ضد تجفيفها، وها هم مجاهدو الأمس، يخطفون سادن الأهوار ونورسها، لأنهم يريدونها مشروعاً للتدمير.

ظهر الأسديّ محطماً بعد إطلاقه يوم 15 فبراير الماضي كاشفاً الغرض «ثنيي عن العمل مِن أجل الأهوار... ومطالبتي المستمرة بإدامة هذه البيئة المهمة ثقافيَّاً واقتصادياً... أخذوني إلى جهةٍ مجهولةٍ، بعد أنْ عصبوا عينيَّ، وقيدوا يديَّ، وبقيتُ عندهم خمسة عشر يوماً، اتنقل مِن مكانٍ إلى آخر، في غرفٍ ودهاليزٍ مظلمةٍ، تعرضتُ خلالها إلى أشد أنواع العذاب، أقسى أنواع التَّنكيل الجسدي والنَّفسي، باستخدام معدات مختلفة، منها الكهرباء والعصي والتَّعليق» (تصريح لقناة الشَّرقيَّة). تمعنوا في شهادة المخطوف، وركزوا على «الكهرباء» المتاحة للعذاب، وشحتها للإضاءة!

أقول: أسمعتم بعلو صوت منظمات حقوق الإنسان الإسلاميَّة، زمن المعارضة، وخرسها عندما صار التَّنكيل إسلاميّاً؟! يومها كنا صرعى الأمل الكاذب، ويأتي الإحباط مِن صريع الغواني(ت: 208هج): «وأكثرُ أفعالِ اللّيالي إساءةً/ وأكثر ما تلقى الأماني كواذبا»(الحصري، زهر الآداب).

تعلمنا والمخطوف في المدرسة «الأسديَّة الابتدائيَّة»، التي تأسست(1924)، ثم إعدادية «الجزائر»، حيث اسم منطقتنا قديماً، لأنها مجموعةُ جزرٍ، قطاراتها وعرباتها القوارب، فلا شيء غير الماء. كان جاسم ذكياً فطناً، مخلصاً لوطنه، لذا لم استغرب ما عمله للأهوار، وهو خريج الجامعة التكنولوجية ببغداد، كذلك لم استغرب اختطافه، فحلمه جعل الأهوار محجةً للسائحين، يعيق تجارة الخراب. كانت الأهوار دلتا النَّهرين، منذ عصر الحضارة القديمة، ومَن يزور المُتحف البريطانيّ لا يفوته مجسد بيت القصب، ومجسد القارب (المشحوف)، وقد شاعهما صاحب «العودة إلى الأهوار» في كتابه.

غير أنَّ إحياء الأهوار، وتأهيلها للسياحة يحتاج أمناً واستقراراً، بينما يريدها الخاطف كهوفاً للعنف، والاتجار بالمدمرات، لهدم العراق مِن الدَّاخل، وهذا سلاحٌ أمضى مِن الدَّمار الشَّامل، لذا حصل الصِّدام بين مصلحة الخاطف وحلم المخطوف.

خطفت سادن الأهوار ونورسها الكائنات التي قال فيها صاحب المعلقة طَرفة بن العبد: «إذا ما غزوا بالجيش حَلق فوقهم/ عَصائب طَيرٍ تهتديّ بعصائب»! ومعنى العصائب والكتائب: «العقبان والرَّخم، تتبع العساكر، تنظر القتلى لتقع عليها»(الديوان بشَرح الشَّمنتريّ). هذا، والولي واحدٌ، وإن اختلفت العناوين.

وُهبَ جاسم عمراً جديداً، فمن العادة لا تترك العقبان والرّخم مخطوفيها أحياءً، تقليداً لفتوى أصدرها فقهاؤهم المتطرفون، وهي التخلص مِن الأسير(انظر: دليل المجاهد)، ومعلوم أنَّ المخطوفَ أقلُ حقَّاً بالحياة مِن الأسير. لكن الصُّدفةَ أنْ تم التَّعرف على نمرة سيارة الخاطفين، وعُرف أحدهم، فثارت عشيرة المخطوف، وهذا لم يتح للمخطوفين السَّابقين، الذين قُتلوا وما زالت أسرهم تنتظر عودتهم!

لقد أكثروا الشّكوى عن الظُّلم الذي أصاب الأهوار، يوم كانوا يجاهدون لأخذ السُّلطة بين قصبها وبرديها، وحينها كانت ملأى بالعمائم المسلحة، لكن ما أن تمكنوا صاروا عليها نموذج جلال الدّين أبو القاسم ابن الزَّكي الثَّالث بن معية، نقيب صدر الفراتيّة، الذي قال فيه مزيد الخشكريّ (قُتل: 666هـ): «فكأنّما الهور الطُّفوف وأهله الشّ/ هداء وابن معيّة ابن زياد» (ابن السَّاعي، الجامع المختصر).

صار الخطف حقَّاً مكفولاً لهم، فالخاطف لا يعد نفسه خارجاً على القانون، إنما هو القانون! أقول: مَن ينتصر لحلم المخطوف، فالأحزاب الدِّينيَّة كافة سكتت، والسُّكوت رضا وثناءُ!

***

د. رشيد الخيّون - كاتب عراقي

 

- هناك مثل انكليزي في علوم برمجة الحاسوب يقول:  Garbage in garbage out- or GIGO . بتعبير اخر اذا كانت المدخلات للبرنامج زبالة فالمخرجات ستكون حتما زبالة ولذلك كيف يمكن ان نتوقع نتائج مغايرة عند نشكيل الحكومة قبل ما يقرب ماـة يوم بعد شلل العملية السياسية لعام كامل وعلى نفس اسس المحاصصة والطاـفية الاثنية الكريهة التي عاني منها العراق ولازال يعاني منذ عام 2005 ولحد الان .

عند تشكيل الحكومة السابقة عقب انتفاضة تشرين عام 2019 كان البعض يعتقد بوجود بصيص من الامل بسبب الوعود المعسولة التي اطلقت والتي تبين لاحقا انها مجرد اكاذيب رخيصة خاصة بعد ان وجدنا الان ان رئيسها ومستشاريه يلاحقون اليوم بتهم الفساد وخاصة دورهم فيما سمي بسرقة القرن ومسؤولها الاول نور زهير الذي "تفضلت" الادارة الحالية باطلاق سراحه بكفالة !!

 تحاول السلطة الحالية الهاء الناس بقضايا ثانوية بالنظر لفشلها المتواصل على كافة الاصعدة في تحقيق اي مطلب يذكر على صعيد اصدار القوانين او تلبية حاجات المواطنين الخدمية الاساسية كالكهرباء والصحة والتعليم وكذلك فشل مجلس النواب في تشريع القوانين الهامة كقانون النفط والفشل طبعا متراكم طيلة اكثر من عشرين عاما ليلجاوا اليوم الى القانون 111 لسنة 1969 وهو احد قوانين دولة الدكتاتور الطائش والمخالفة كليا لمفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان التي يتشدق بها النظام الحالي وكل ما قاموا به تحت مزاعم محاربة المحتوى الهابط هو القاء عدد من البسطاء السذج في السجن دون تحذير مسبق او توعية حقيقية في ان المحتوى السياسي الهابط الذي تلوك به السنة السياسيين المتنفذين من نواب ووزراء وزعماء الاحزاب الطائفية والقومية في مجالات التحريض الطائفي والفساد والكذب بعيد كل البعد عن المحاسبة .

ان احدى القضايا الاساسية التي يحاولون تمريرها هو الرجوع لقانون انتخابي يعتمد على سانت ليغو المعدل الذي سبق وان استخدموه في العديد من جولات الانتخابات السابقة قبل انتفاضة تشرين 2019

 التي ارغمتهم على اصدار قانون جديد كان اساسا للانتخابات الاخيرة التي خسرت فيه قوى الاطار الشيعية خسارة مدوية والتي قال فيها الشعب العراقي كلمته بمقاطعة تجاوزت 80% ولكن وبالرغم من ذلك نجدها الان وبالتحالف مع بقية الشلة الطائفية والعنصرية تحتكر السلطة وتقوم بتدوير نفس الوجوه الكريهة الفاشلة التي فقدت صلاحيتها منذ امد طويل ولم تعد تصلح للاستعمال رغم انها فاشلة وفاسدة من الاساس . ان المخاوف الرئيسية متاتية من ان تستخدم ذريعة المحتوى الهابط والاسائة للذوق العام في تكميم الافواه ومحاربة حرية الرأي وقمع الاراء التي لا تعجب الزمرة الحاكمة .

ان العودة لاستخدام سانت ليغو يعني العودة للوراء وتجاهل التضحيات التي قدمها شباب الانتفاضة باستشهاد الكثر من 800 شاب وشابة اضافة لثلاثين الف معوق في وقت لم تقدم حكومة الكاظمي السابقة سوى الوعود الكاذبة والكلام المعسول ولم تحقق في جراتم القناصة والقتلة ولم تقدم حتى مجرما واحدا للمحاكمة على قتل شباب الانتفاضة  رافعي شعار "نريد وطن" اما الحكومة الحالية فلم نستمع منها حتى لوعود لانها تمثل المتهمين بالقتل والاغتيال اصلا وليست ببعيدة عنا حادثة اختطاف الناشط المدني وداعية الاهوار السيد جاسم الاسدي وتعرضه للتعذيب البشع طيلة 15 يوم قبل اطلاق سراحه دون تقديم المجرمين الذين قاموا باختطافه والمعروفين لدى وزارة الداخلية لاية محاسبة ولازال في نفس الوقت مصير السادة مازن عبد اللطيف وتوفيق التميمي الذين جرى اختطافهم قبل ثلاثة سنوات مجهولا لحد الان اضافة للعشرات من جرائم الاغتيال والاختطاف لشباب الانتفاضة والمستمرة لحد الان اضافة لالاف الدعاوى الكيدية .

توجد الان وفرة مالية بسبب الارتفاع النسبي لاسعار النفط مما ساعد الحكومة الحالية على محاولة رفع قيمة الدينار امام الدولار ورغم غلق مزاد العملة بتدخل مباشر من البنك الفيدرالي الامريكي الا ان مواصلة بيع حوالي 300 مليون دولار يوميا للمصارف والبنوك المشبوهة الخاصة لازال مستمرا والمعروف ان معظم تلك الملايين من الدولارات تهرب لدولة مجاورة  خاصة وان ادارة البنك المركزي سلمت من جديد لنفس المدير المسؤل عن مزاد العملة لسنوات طويلة سابقة ولي ينطبق علية المثل الشعبي المعروف "سلم البزون شحمه" .

لقد تراجع الوضع السياسي بخطوات واسعة للوراء حيث تشكلت الحكومة الحالية قبل اكثر من مائة يوم وفق اسس الطائفية المحاصصة البغيضة شانها شان جميع الحكومات التي سبقتها بعد ان تاخر تشكيلها لمدة عام وعلى اثر صعدود 73 شخصا من المرشحين الخسرانين في الانتخابات الاخيرة واحتلوا مقاعد برلمانية لا تعود لهم وهم غير شرعيين ولذلك يعتبر البرلمان فاقدا للشرعية ولذلك لا نستغرب ان نجد رئيسه يتصرف وكان البرلمان هو مزرعته الخاصة ولم يصدر هذا البرلمان المسخ اية قوانين تخدم الناس وليس هذا فحسب بل ان العشرات من النواب يحملون شهادات مزورة ولا يتجاوز تعليمهم الحقيقي مرحلة المتوسطة وهذه الحالة لا تنطبق على النواب فحسب بل على الكثير من الوزراء والمسئولين وهدفهم مواصلة تدمير العراق لان ولائاتهم للدول المحيطة وبعيدين كل البعد عن اية وطنية عراقية حقيقية .

منذ تشكيل الحكومة الحالية تحاول اقلام ماجورة وابواق عالية تسويق رئيسها الذي هو في واقع الحال احد اتباع "مختار العصر" على ليس فاسدا وذو خبرة (كذا) والصحيح انه تسلم مسئولية العديد من الوزارات في زمن زعيمه ولكن لا تعرف اية انجازات حقيقية لتلك الوزارات في عهده اما في الوزارة الحالية فمن انجاراته اطلاق سراح المتهم الرئيسي لسرقة القرن كما يسمونها لان سرقات زعيمه في فترة ولايتيه يعتقد انها وصلت الالف مليار دولار نصفها مفقود ولا يعرف احد كيف تبخرت خاصة وانه لا توجد حسابات ختامية لكافة الميزانيات السابقة منذ 2006 ولحد الان .

أخيرا وليس اخرا واصلت العديد من المليشيات المسلحة اطلاق الصواريخ والقصف بالمسيرات للعديد من المواقع في اربيل اضافة الى استهداف القواعد والتواجد الامريكي قرب الحدود السورية سوية مع اتهامات قوى الاطار للحكومة السابقة بالعمالة والولاء للمحتلين الامريكان ولكن ما ان شكلوا الحكومة الجديدة حتى تبخرت كل الادعاءات السابقة واخذوا يتسابقون في تقديم الولاء والطاعة للقوات الامريكية الصديقة مما كشف زيف ادعائاتهم وحرصهم على استقلال وسيادة العراق .

لذا يبنبغي ان نسأل اليس من حقنا ان نشخص كون مستقبل الغراق على كف عفريت .

***

محمد الموسوي

27-2-2023

نقلا عن مصدر إسرائيلي - قناة كان- من المحتمل عقد قمة دولية في الأردن يوم غد الأحد لبحث وقف التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولا نريد هنا استباق الحديث عن نتائج القمة ومدى إلزامية ما سيتمخض عنها وخصوصا أن قمم ولقاءات عديدة جرت قبل وأثناء كل تصعيد عسكري إسرائيلي وخصوصا على جبهة غزة ونذكر هنا بقمة شرم الشيخ في مصر 2009 و2012 ومؤتمر باريس في يوليو 2014 أثناء الحرب على غزة في نفس العام والتفاهمات واتفاقيات الهدنة التي كانت تجري برعاية مصرية وقطرية ودولية وآخرها العام الماضي، كما أن وزير الخارجية الأمريكية بلينكن بحث خلال جولته الأخيرة بداية الشهر مع الرئيس أبو مازن ومسؤولين إسرائيليين وأردنيين سبل منع التصعيد والحيلولة دون اندلاع انتفاضة خلال شهر رمضان .

منذ بدء المراهنة على التسوية السياسية في مؤتمر مدريد 1991 و أوسلو 1993 تجري عملية تهرب من الواقع وتغيير في جوهر الصراع وهو الاحتلال، فتارة يتم جذب الاهتمام إلى الحروب على غزة وصواريخ غزة، وتارة أخرى إلى التقارير الدولية حول الانتهاكات إسرائيلية، وتارة حول العمليات الفدائية وسقوط مدنيين، وأخرى حول اكتساب عضوية فلسطين في منظمات دولية أو التوجه لمحكمة الجنايات الدولية، أو قرصنة إسرائيل لأموال المقاصة الخ كما يتم خلط الحابل بالنابل ويتداخل موضوع الصراع مع الاحتلال مع الصراعات والخلافات الفلسطينية الداخلية كموضوع الانقسام وفشل جهود المصالحة وحصار غزة وخلافة الرئيس أبو مازن وأزمة الانتخابات ثم تأتي إضرابات النقابات لتحقيق مكاسب مادية لتزيد من ارتباكات وتعقيد المشهد الخ ،كل ذلك بهدف إغراق الفلسطينيين بعديد المشاكل وتشتين اهتمامهم وابعادهم عن قضيتهم المركزية وما تتطلبه من وحدة وطنية، أيضا الالتفاف على أي مناقشة جادة في الأمم المتحدة أو في مؤتمر دولي لموضوع الاحتلال.

 الإعلان عن هذه القمة جاء بعد أيام من المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال في نابلس وبعد يوم واحد من طلب القيادة الفلسطينية الحماية الدولية وهو طلب بحد ذاته ملتبس وغامض، وكأن المراد من هذه القمة القفز حتى عن الإنجازات الهزيلة التي يمكن تحقيقها في الأمم المتحدة من خلال قرارات وتوصيات غير ملزمة.

مجرد أن يكون عنوان القمة (منع التصعيد) فيه تحيز وتضليل ومساواة بين المجرم والضحية، لأن ما يجري هو عدوان من دولة استعمارية ضد شعب خاضع للاحتلال وما يقوم به الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية هو دفاع طبيعي عن النفس، ويُفترض في أي مؤتمر دولي أن يركز على موضوع انهاء الاحتلال لأن الاحتلال هو مصدر كل تصعيد وعدم استقرار في فلسطين وفي المنطقة.

نتفهم أن تكون القمة في الاردن لأن التخوفات من (التصعيد) له علاقة بالأماكن المقدسة وخصوصا المسجد الأقصى مع اقتراب شهر رمضان، ومصر وقطر تقومان بدورهما بالنسبة لضبط الأمور على جبهة غزة، وهذه الأماكن تحت الوصاية الأردنية. ولكن التخوف الأكبر أن تؤدي هذه اللقاءات إلى طلب مرابطة قوات دولية على حدود قطاع غزة لمنع التصعيد المزعوم وهذا يعني تكريس فصل غزة عن بقية فلسطين، كما نخشى أن يطلب المؤتمرون في قمة الاردن تواجد مراقبين دوليين في المناطق الأكثر توترا في الضفة الغربية مثل نابلس وجنين وقد رأينا الدور الهزيل إن لم يكن المتواطئ لهؤلاء المراقبين في مدينة الخليل عندما تواجدوا بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994.

 وأخيرا وفي حالة انعقاد هذه القمة فإنها ستكون مجرد منصة وعنوان للإعلان عن تفاهمات سبق الاتفاق عليها بين الأطراف الفاعلة وخصوصا واشنطن وتل ابيب وعمان والقاهرة، ولا ندري ما هو الدور المنوط بالسلطة الفلسطينية في هذه التفاهمات؟  وهل إن إجراءات أمنية لمنع حدوث انتفاضة يصب في صالح الفلسطينيين أو صالح الإسرائيليين؟

***

د. ابراهيم أبراش

 

التاريخ بين الحياد والانتقاء: في حوار صحافي أجري معه قبل سنوات قليلة من وفاته سنة 1998، أجاب الراحل هادي العلوي على سؤال حول عمله كمؤرخ مُتَّهَم بقراءة التراث كما يراه لا كما هو، فيقول: " إنني كمؤرخ أعالج قضايا التاريخ كما تبدو لي في مصادرها بمنهجيتي المأخوذة عن الماركسية والخلدونية ومنهج توينبي في الأساس؛ وهنا، أتصرفُ كمؤرخ محترف. أما بخصوص التراث فأنا آخذ منه ما يلائمني لأن إحياء التراث واستعماله  يجب أن يكون على أساس الانتقاء. فعندما أكتب بحثاً عن معاوية بن أبي سفيان سأكتبه كمؤرخ محايد، لكن عندما أقوم بتوظيف التراث لنضالنا فإني أهمل معاوية ... ينبغي التوكيد، على أي حال، على فرق الممارسة بين التأرخة المنهجية والتوظيف الثوري للتراث. ص 150 -هادي العلوي، حوار الحاضر والمستقبل/ إعداد خالد سليمان وحيدر جواد".

إنَّ الشق الأول من مداخلة العلوي هذه، يحيلنا الى التأرخة المنهجية الواجب اتباعها في الكتابة عن الأحداث والشخصيات التأريخية، بغض النظر عن موقف المؤرخ الأيديولوجي أو المذهبي منه، وقد ذكر شخصية معاوية كمثال على عملية التأرخة الاحترافية أو التوظيف عبر الانتقاء الثوري لما هو إيجابي وتقدمي في التراث، وهذا الرأي يصلح مدخلا للحديث عن المسلسل التلفزيوني المزمَع عرضه خلال شهر رمضان القادم على القنوات الفضائية "شبكة أم بي س".(شبكة «أم بي س» - وقد أعلنت «أم بي سي عراق» أمس في بيان تعقيباً على قرار منع هيئة الإعلام العراقية عرض المسلسل، أن العمل ليس من إنتاجها «ولن يعرض في الدورة البرامجية للشهر الفضيل والدورات اللاحقة»).

حجج الرافضين للمسلسل:

من خلال متابعتي الشخصية لما نشر حول هذا الموضوع حتى الآن، وجدتُ أن غالبية الرافضين لعرض هذا المسلسل ينطلقون من دوافع ومبررات سياسية واجتماعية متعلقة بحالة الاستقطاب الطائفي "االسُّني الشيعي" القائمة، والتي استعرت بوجه خاص بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق سنة 2003، وقيام حكم المحاصصة الطائفية في العراق. وبعدها بعد سنوات بدأت المواجهة السياسية والأيديولوجية بين إيران وعدد من دول الخليج العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، تلك المواجهة التي لا تخلو من بواعث ونزعات مذهبية عميقة، مع أنها كانت مستترة ثم جرى تسعيرها من طرف جهات معادية لشعوب المنطقة ولها مصلحة في هذا التسعير . أما الهدف المعلن لدعاة رفض إنتاج وعرض المسلسل فهو تفادي إثارة المزيد من الفتن والاستقطاب المذهبي، وهو هدف إيجابي دون شك، ولكنه لم يعد ممكنا أو مجديا من الناحية العملية والاجرائية.

هذه الحالة والأسباب والدوافع لا يمكن إنكارها أو التقليل من خطورتها، رغم أن هناك من لا يعتقد بوجود علاقة مباشرة لموضوع معاوية بالاستقطاب الطائفي السني الشيعي، لأنه موضوع خلاف حاد بين المسلمين السنة أنفسهم، وهذا صحيح أيضا، ولكنه لا ينفي تلك العلاقة تماما، بل يضعها في سياق أشمل؛ فهل يصح أن يُجعل السبب السيامجتمعي مبرراً قامعاً لكل إبداع فني أو أدبي أو تناول بحثي منهجي لتاريخنا، دون أن يعني ذلك التضحية بالحريات الفردية والعامة؟ وفي المقابل، هل يمكن الموافقة على مفاقمة هذه الحالة من الاستقطاب الطائفي والمذهبي بتقديم أعمال حساسة أو تحريضية مذهبية وذات مساس مباشر بأصولها وتضاعيفها عبر وسائل إعلام حديثة كالتلفزيون الذي دخل إلى كل بيت؟ وهنا ستكون الإجابة بالنفي طبعا، فلا يوجد سبب يبرر القمع الفكري ومنع الإبداع الفني والأدبي أيا كانت وجاهته. فكيف يمكن التوفيق بين الفكرتين: فكرة رفض تسعير الاستقطاب والفتن وفكرة رفض منع الأعمال الفنية والأدبية؟

الموقف النقدي كبديل للقمع:

أعتقد أن الموقف من أي عمل من هذا النوع ينبغي أن يستمد أسسه من مقدار تمسك أهل العمل الفني أو الأدبي المعني كهذا المسلسل بالمنهجية الموضوعية العلمية المحايدة، خصوصا وأن الموضوع إشكالي وحساس، والشخصية المركزية فيه مختَلَف عليها بشدة بين من يعتبر معاوية صحابيا جليلا وأحد كتاب الوحي، ومَن يعتبره عدوا للإسلام ونبيه وآل بيته، وأول من حوٌل الإسلام من الشورى الى الملك العضوض"المطلق". ولكن هذا الخلاف حول شخصية معاوية لا يكفي لتبرير المطالبة بحظر العمل التلفزيوني بحد ذاته، والمرجح - رغم صعوبة الكتابة الاستباقية بل وحتى عدم جوازها حول أعمال لم تكتمل وتُشاهَد- أنّ هذا العمل لن يكون محايدا تماما، خصوصا وأن الأعمال التأريخية التي قدمتها شبكة القنوات المذكورة في السنوات الماضية، لا تساعد على التفاؤل، نظرا لهشاشتها وتوظيفاتها التأليفية والفنية، ومع كل ما تقدم فإن فكرة منع عرضه ليست ذات جدوى من حيث المبدأ، ولكن لسبب آخر، هو أن المنع بات غير ممكن عمليا ولا فائدة منه في عالم الإعلام المفتوح والمنصات والمواقع الكثيرة والمستقلة عن أية سلطة مانعة، وهاكم هذا المثال/ الدليل.

هل يمكن منع الأعمال الفنية اليوم؟

لقد سبق أن مُنعت وحُظرت أعمال سينمائية وتلفزيونية كثيرة ولكنها وجدت طريقها الى الجمهور العريض بطريقة أو بأخرى -لعل آخر مثال من هذا القبيل هو الفيلم البريطاني "سيدة الجنة" الذي كتب قصته وحواره المحرض الطائفي المعروف ياسر الحبيب، فرغم رفض هذا الفيلم من مراجع ومؤسسات دينية شيعية عديدة رفضاً بلغ درجة تحريم رؤيته "لأنه مثير للفتنة الطائفية" كما قيل صراحة، ولكنه ما يزال يعرض على عدة قنوات منها شبكة "زينا" ومنصات رقمية منها "يوتيوب" حيث شاهده أكثر من مليوني شخص. وحسب الموقع الأمريكي المتخصص في الأفلام (Movie Insider) يحتل هذا الفيلم المرتبة الأولى كأكثر فيلم تاريخي ودرامي منتشر في 2021! ولكن بديل المنع شبه المستحيل عمليا يمكن أن يكون أكثر جدوى في وضع العمل نفسه تحت الأضواء الناقدة المنهجية للتقليل من أضراره المجتمعية وتطور السوية الثقافية العامة للجمهور وهذا يتطلب زمنا طويلا وظروفا أخرى.

إن مقارنة سريعة بين فيلم "سيدة الجنة"، المكرس لحياة السيدة فاطمة الزهراء، كريمة النبي العربي الكريم، وزوجة الإمام علي بن أبي طالب، والذي يتفق الجميع عدا صناعه البريطانيين والمؤيدين له من المذهبيين المتشددين الصرحاء، بأنه يسيء إساءات بالغة للخليفتين الراشدين  أبي بكر وعمر بن الخطاب، وأضيف من جانبي؛ أنه لا يقل إساءة إلى الخليفة الراشدي الرابع الإمام علي بن أبي طالب نفسه، الذي يتنطع الفيلم للدفاع عنه وعن زوجته فاطمة الزهراء بطريقة مريبة، والعمل المزمع عرضه عن حياة معاوية بن أبي سفيان تؤكد لنا عدم جدوى قرارات المنع وحتى التحريم.

لقد استنكرت العمل الأول "سيدة الجنة" جهات ومراجعيات شيعية مهمة وأصدرت "فتاوى بتحريم مشاهدته وترويجه وتمويله وأثَّموا من يقوم بذلك لأنه يثير الفتنة بين المسلمين مثل ناصر مكارم الشيرازي، وجعفر السبحاني، ونوري الهمداني، ولطف الله الصافي الكلبايكاني. وقال محمد أصغري في حديث بثتهُ قناة العالم: "وقد اعتبر مراجع التقليد تقديم أي مساعدة لياسر الحبيب على انتاج هذا الفيلم حرام شرعا، وكل الذين يساهمون في إعداد ونشر هذا الفيلم أو مشاهدته يرتكبون كبائر الذنوب، داعين اتباع أهل البيت عليهم السلام، إلى الاعلان جهارا بأن من يبحث عن مثل هذه البرامج المثيرة للخلافات، ليس من مدرسة أهل البيت عليهم السلام، فمثل هذه الأعمال لا تحقق إلا مطالب الأعداء، وهي بعيدة كل البعد عن العقل والتقوى/ صفحة التعريف بالفيلم على الموسوعات الحرة". إن هذه المواقف الرافضة لهذا الفيلم تسجل لمصلحة أصحابها دون شك، ولكنها ستبقى دون كبير جدوى كما أكدت الأحداث والأرقام سالفة الذكر، لهذا أعتقد أن الجهد النقدي والمنهجي الذي يواجه أعمالا كهذه يبقى أكثر فائدة وجدوى عملياً، وأصح من حيث المشروعية المدافعة عن الإبداع الفني والأدبي من الجهد المكتفي بقرارات التحريم والمنع.

انعدام الحياد مراعاةً للممول:

لعل من أهم أوجه انعدام الحياد والمنهجية العلمية الصارمة في تناول الأحداث والشخصيات التأريخية  في أغلب الأعمال التي عرضت حتى الآن، إهمال المؤلفين وكتاب السيناريوهات، لجوانب تعتبر حساسة وروايات مهمة معتم عليها او مهملة عن عمد للأحداث والشخصيات التأريخية موضوع العمل الفني، مراعاةً للجهات المنتجة والممولة. فعلى سبيل المثال، وضمن سياق الحديث عن مسلسل معاوية، هل يمكن لنا أن نتوقع من القائمين عليه أن يمروا على الاتهامات التي وردت في مصادر تأريخية إسلامية مرموقة لمعاوية بالضلوع في مقتل الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان؟

ان السائد في السردية التأريخية الرسمية هو أن معاوية، وبعد أن تحول من  والٍ يحكم إقليما متمردا على الدولة المركزية الإسلامية وعاصمتها الكوفة الى خليفة /ملك لدولة الإسلام كلها، رفع قميص عثمان مطالبا بالثأر له. ولكن وجهة النظر التأريخية المخالفة الأخرى والتي تتهم معاوية نفسه بالضلوع في مقتل الخليفة الثالث معتم عليها تماما ولا يجري التطرق إليها حتى من باب العلم بالشيء في الكتابات المعاصرة إلا ما ندر وبطريقة بعيدة عن الأمانة.

سأستعين هنا بفقرات من محاضرة معاصرة للباحث الفلسطيني الإسلامي عدنان إبراهيم حول هذا الموضوع من سلسلة محاضرات له متوفرة على النت بعنوان "معاوية في الميزان حلقة 16 - ج 3": يعتقد هذا الباحث أن "معاوية متورط إلى حد بعيد في قتل عثمان وخذلانه"، وعلل اعتقاده بعدة أدلة وروايات تأريخية. فهو يروي لنا تفاصيل الرسالة التي عُثر عليها في حوزة أبي الأعور السلمي، والتي زوَّرها وختمها بختم عثمان كتابه مروانُ بن الحكم بن أبي العاص كما قال. ونفهم من سياق الرواية أن مروان تعمد أن تسقط هذه الرسالة وحاملها في قبضة المتمردين على الخليفة بعد انسحابهم من المدينة وإجهاض الفتنة.

إن هذه الرسالة المكتوبة باسم الخليفة عثمان وموجهة إلى عامله على مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وهو أخو عثمان في الرضاعة، وكان من كتاب الوحي ثم ارتد عن الإسلام وهرب الى مكة، وقد أمر النبي بقتله بعد فتحها  فتشفَّع له عثمان عند النبي فعفا عنه، كانت هي الشرارة التي أدت إلى مأساة مقتل الخليفة؛ ففيها يطلب الخليفة عثمان من ابن أبي سرح أن يقتل محمد بن أبي بكر - وهو من الموالين لعلي بن أبي طالب  وعامله لاحقا على مصر - ويصلب مجموعة من أصحابه المطالبين بعزل عثمان وعامله. وقد عُثر على هذه الرسالة بعد أن نجحت محاولات التهدئة والوساطة التي قام بها عدد من الصحابة وفي مقدمتهم الإمام علي بن أبي طالب وانسحب فريق المسلمين الثائرين على الخليفة بعد أن وعدهم بالموافقة على عزل عامله على مصر. وحين واجه الثوارُ الخليفةَ بهذه الرسالة أنكر معرفته بها، وأقسم بالله أنه ليس كاتبها، فطالبوه بأن يسمي كاتبها فرفض، ويرجح أغلب المؤرخين والباحثين ومنهم عدنان إبراهيم أن كاتب الرسالة هو مروان بن الحكم قريب عثمان من بني أمية، ويعلل إبراهيم رفض الخليفة كشفه برقته وعاطفته للحفاظ على أهل بيته وأقربائه.

لماذا لم ينقذ جيش معاويةُ الخليفةَ المحاصَر؟

ثم يسرد لنا الباحث، كيف أن معاوية أرسل جيشاً من أهل الشام إلى الحجاز (تقول المصادر إنه مؤلف من أربعة آلاف مقاتل أي ضعف عديد جيش المتمردين من أهل مصر والعراق. ع.ل) بهدف معلن هو إنقاذ الخليفة عثمان، ولكن معاوية أوصى قائد جيشه يزيد بن أسد القسري بالمرابطة شمال المدينة، عند موضع ذي خُشُب على مسافة 34 كم من المدينة، وأمره أن لا يبرحه ولا يتقدم ويدخلها، فبقي هناك حتى مقتل الخليفة ثم انسحب عائدا إلى الشام. أما الرواية السائدة فتزعم أن جيش القسري وصل متأخرا، أي بعد مقتل عثمان، وهذا غير صحيح. وفيما بعد، وحين استتب الأمر لمعاوية وأصبح هو الخليفة/ الملك صار أبو الأعمر السلمي، حامل الرسالة المزورة التي أشعلت الفتنة وانتهت بمقتل الخليفة عثمان، من كبار قواد معاوية! يوثق إبراهيم روايته بالقول "وهذا ما رواه عمر بن شُبة البصري في كتابة الضخم "تاريخ المدينة/ متوفر على النت". والبصري المولود سنة 173 هـ محدِّث ومؤرخ من أهل السنة والجماعة يوصف بالمحدث الثقة.

وحتى قبل حدوث الفتنة فثمة دليل يورده المؤرخ  ابن الأثير يؤكد أن معاوية موضع شكوك ومتهم بالتواطؤ، فقد تساهل مع جماعة من الناقمين على الخليفة عثمان حين نفاهم إليه ليضعهم تحت رقابته وكتب له: "إن نفراً قد خُلِقوا للفتنة؛ فأقم عليهم وانههم، فإنْ آنست منهم رشداً فاقبل، وإن أعيوك فارددهم عليَّ". فلقيهم معاوية وزجرهم وأغلظ لهم، ثم أتاهم بعد ذلك؛ وقال لهم: "إني قد أذنت لكم فاذهبوا حيث شئتم لا ينفع الله بكم أحداً ولا يضره، اذهبوا إلى حيث شئتم فسأكتب إلى أمير المؤمنين فيكم". وكتب إلى أمير المؤمنين يهوِّن له من شأنهم ويقول عنهم: إنهم "ليسوا أكثر من شغب ونكير". فكان أن عاد هؤلاء الى المدينة لاحقا، بتسهيل وتساهل مريب من معاوية، وحدث ما حدث. ود.ابرهيم ليس الوحيد بين علماء وفقهاء أهل السنة ممن كانوا يتخذون هذا الموقف المناوئ لمعاوية بل هناك آخرون، منهم مثلا العراقي الشيخ د.  أحمد الكبيسي والسعودي الشيخ د. حسن بن فرحان المالكي، المعتقل والذي يتهدده الحكم بالإعدام في أيامنا، ولهما مداخلات كثيرة تلفزيونية ومكتوبة، نختم منها بمقولة الشيخ المالكي "إني لأعجبُ من  أناس يدَّعون أنهم يحبون النبي ويمدحون أشخاصاً أفنوا أعمارهم في حرب رسول الله وأهل بيته وصحابته على مدى ثمانين عاما". وهو يقصد معاوية كما يُفهم من سياق كلامه في سلسلة محاضرات تلفزيونية بعنوان "حقائق تجهلها عن معاوية بن أبي سفيان/متوفرة على النت" في عدة أجزاء.

إن هذا مثال واحد وبسيط على التفاصيل التي تسكت عنها السردية الرسمية السائدة بسيادة الدول المذهبية التي تركز على جانب واحد هو دور الشخصية التاريخية المعنية، وهو دور تأسيسي في بناء دولة ذات سمات امبراطورية شاسعة الأرجاء هي الدولة الاموية؛ شخصية تمتاز دون ريب بقدرات ومواهب قيادية لا تنكر، ولكن هذا الجانب ليس كل شيء في التاريخ الإنساني. أما أصحاب الأعمال الفنية والأدبية الطامعون بأموال الدولة المذهبية، أيا كانت، فلا شأن لهم في كشف خبايا تأريخنا وتراثنا ودراستها علميا ووضعها في سياقها الصحيح ومقاربة الحقيقة منهجيا وبحياد علمي صارم وايلاء البُعد القيمي والأخلاقي حقه في المعادلة البحثية. إن انعدام الحياد في التأرخة وغياب المنهجية العلمية والنقدية التي تراعي البُعد القيمي وتستهدف أعمالا فنية وأدبية كهذه هو ما يشكل الخطر الفعلي على المجتمعات وليس الأعمال الفنية بحد ذاتها لأنها تترك تلك المجتمعات من دون مصدّات حقيقية في مواجهة التحريض المذهبي والفتن الطائفية والعرقية المخطط لها بدهاء من قبل من يريدون الشر بشعوبنا ومجتمعاتنا.

***

علاء اللامي - كاتب عراقي

منذ أن تأسست الكيانات السياسية الحديثة في الشرق الأوسط بعد اتفاقية سايكس- بيكو، حاولت غالبية النُّخب السياسية ومفكريها وواجهاتها من القوى والجمعيات والاحزاب على نقل التجربة الديمقراطية الغربية إلى تلك الكيانات، دونما دراسة التراكم القيمي والديني والاجتماعي المتوارث في تركيباته، ورغم الكم الهائل من الخسائر الفادحة التي مُنيت بها تلك القوى، إلا أنها لم تحقق الحد الأدنى لطموحاتها وما انتجته لم يتعدى ديمقراطية هجينة لا ترتكز على اية قاعدة ولم تتجاوز صناديق الاقتراع الخالية تماما من الرابط الأساسي والمرتكز الأهم الا وهو المواطنة التي تُشكل النسيج المحبوك لمكونات المجتمع، وقد فشلت تماما في ترسيخ تلك الفكرة التي يتمتع فيها الإنسان بحريته الكاملة في التعبير عن الرأي وتقرير المصير والعقيدة والانتماء واحترام الرأي الآخر، ولعلّ تجارب لبنان وتركيا وإسرائيل هي الأكثر قرباً مما كانت تطمح إليه تلك القوى، إلا أنّها للأسف اصطدمت بإرثٍ هائل من تراكمات قبلية ودينية ومذهبية جعلتها وبعد سنوات ليست طويلة في حقل الفشل الذريع، حيث تمزّق لبنان بين القبائل والطوائف، بينما غرقت تركيا في عنصرية تسببت بمقتل وتهجير ملايين الأرمن والكُرد على خلفية مطالبتهم بأبسط حقوقهم الإنسانية والديمقراطية، وفي إسرائيل التي بشّرَ الكثير من مفكريها وسياسيي الغرب بأنها ستكون نموذج الديمقراطية في الشرق الأوسط، فإذا بها تتحول إلى دولة دينية عنصرية في تعاملها مع سكانها من غير اليهود.

أما بقية دول الشرق الأوسط وبعد حقبة الدكتاتوريات الحزبية والفردية التي اسقطتها او ساعدت على اسقاطها قوى خارجية استطاعت اختراق جدرانها الداخلية مستغلةً العِداء الشعبي لأنظمتها، كما حصل في كلّ من إيران والعراق وليبيا واليمن وسوريا، حيث تدخلت بشكل مباشر في إسقاط هياكل تلك الأنظمة أو تدجينها ومن ثم الانتقال إلى استنساخ تجاربها الديمقراطية في مجتمعات ما تزال تعاني من إشكاليات بنيوية وتربوية واجتماعية ناهيك عن الصراعات العرقية والدينية والمذهبية التي انتجتها اتفاقيات استعمارية في فرض كيانات ودول على تلك المجموعات، وما يحدث اليوم في هذه الدول من فوضى وفساد وتناحر ناتج أساسي من فرض نظام سياسي على مجتمعات يتشتت فيها الولاء والانتماء بين الدين والمذهب والقبيلة والمنطقة على حساب الوطن الجامع والمواطنة الرابطة، هذه المجتمعات التي تعتمد في أسس بنيتها التربوية والاجتماعية على الرمز الفردي ومرجعيته، ابتداءً من الأب ومروراً بشيخ العشيرة وإمام الجامع ومختار القرية والزعيم الأوحد المتجلي في رمز الأمة والمأخوذ من موروث مئات السنين أو آلافها بشخص الأمير أو الملك او السلطان او الرئيس القائد، حيث أدمنت معظم هذه الأنظمة وأحزابها التاريخية العظيمة على مجالس ملحقة بالقائد الرمز.

ومن هنا نستنتج أن أي تغيير خارج التطور التاريخي للمجتمعات بأي وسيلةٍ كانت سواءً بالثورات أو الانقلابات أو التغيير الفوقي من قبل قوى خارجية لن تعطي نتائج إيجابية بالمطلق، بل ستنعكس سلباً ربما يؤدي إلى مردودات كارثية على مصالح البلاد العليا على مستوى المجتمع أو الفرد ولسنوات طويلة جداً وهذا ما حصل ويحصل اليوم في العراق وليبيا واليمن وسوريا، حيث يتمّ فرض مجموعة من الصيغ والتجارب الغربية في بناء نظام سياسي واجتماعي بعيد كل البعد عن طبيعة تلك المجتمعات ووضعها الحالي وخاصةً ما يتعلق بالنظام الاجتماعي والتربوي والقيمي لمجتمعات هذه الدول، ولعلَّ الأهم هو إن صيغة الديمقراطية الغربية ليست من الضرورة أن تكون هي الحل أو العلاج لمشاكل هذه الدول ومجتمعاتها التي تختلف كلياً عن المجتمعات الغربية في الموروثات الاجتماعية والدينية ومنظومة العادات والتقاليد التي تتقاطع في مفاصل كثيرة مع الصيغ الأوروبية لتطبيقات الديمقراطية.

ولو عدنا قليلاً إلى بعض النماذج من النظم السياسية لبعض دول المنطقة لأدركنا كنوزاً كثيرة من تجاربها الناجحة التي أدت إلى تطور المجتمعات تربويا وعلمياً وثقافيا  وإدارياً، هذه النماذج التي اعتمدت العدالة والتطور العلمي تدفعنا للبحث عن سرِّ نجاح تلك التجارب وصيغها في إدارة الدولة التي تواكب منظومة مجتمعاتنا القيمية والاجتماعية والتربوية هذا اليوم، بما يعزز مبدأ العدالة والقيم الخلاقة والحداثة التي تُكرس المعرفة والتطور الحضاري والثقافي والسياسي والاقتصادي في نظام يعتمد العدالة والمساواة والمواطنة بما يحفظ خصوصياتنا التي نختلف فيها تماماً عن طبيعة وسلوكيات المجتمعات الغربية.

***

كفاح محمود

التفاهةُ "مصطلح لعنوانِ العصرِ الحديثِ، بعدُ أنْ أصبحَ عنوان لأحداثٍ كثيرةٍ يوميةٍ ومتواليةٍ في مجالاتٍ مختلفةٍ... ولأنَ" التفاهةَ "قدْ أصبحتْ صناعةٌ رابحةٌ ولأنها تعتبر مصدرا كبيرا، ومعينْ لا ينضبُ لكلِ منْ يبحثُ عنْ المجدِ والشهرةِ في عصرنا، حتى ولوْ كانَ مجدا باطلاً، وشهرةُ زائفةٌ" رغمَ ماكتبة المفكرُ والفيلسوفُ الفرنسيُ/ جي ديبورْ / عامٍ 1967 في كتابةٍ تحتَ عنوانِ (حضارةِ الفرجةِ ) في العالمِ المقلوبِ بشكلٍ واقعيٍ رأسا على عقبٍ، يكون ما هوَ حقيقيٌ وواقعيٌ لحظةً منْ لحظاتِ ما هوَ وهميٌ وزائفٌ". وسيطرةٌ غيرُ الأكفاءِ تدريجيا التي أوصلتْ إلى سيطرةِ التافهينَ على جميعِ مفاصلِ الدولةِ الحديثةِ. إنَ كتابَ نظامِ التفاهةِ "، هوَ عنوانُ كتابٍ لفيلسوفٍ الكنديٍ وأستاذٍ جامعيٍ وكاتبٍ يدعى/ آلانْ دونو / كانَ قدْ نشرَ وأصدرَ هذا الكتابِ" نظامَ التفاهةِ "عامَ 2017 يقول الكاتبُ إنَ الدفعَ بالذينَ يتسمونَ بالسطحيةِ والتفاهةِ إلى الواجهةِ الإعلاميةِ..

اليوم سواءٌ المرئيةُ أوْ المسموعةِ، وبالأكثرِ المكتوبة في مواقعِ التواصلِ اَلِاجْتِمَاعِيّ والجرائد ،ِ والمجلاتِ ، هيَ جريمةٌ في حَقّ الأجيالِ الناشئةِ، والشبابُ الذينَ في سنِ المراهقةِ؛ ويأخذكَ في جولةٍ في حساباتِ المشاهيرِ الجددِ في مواقعِ التواصلِ اَلِاجْتِمَاعِيّ، تجعلكَ تكتشفُ أنهمْ يشتركونَ في سمةٍ واحدةٍ ، وهيَ الاعتمادُ على مفاهيمَ جديدةٍ تقومُ على أسسٍ سطحيةٍ دونَ قواعدَ علميةٍ صحيحةٍ أوْ حتى أخلاقيةٍ- يصرخونَ. ويولولونَ، يقفزونَ، ويرقصونَ، يطبلونَ وينطقونَ بكلماتِ بلا معنى أوْ مغزى.!!

يستهزئونَ بالمقدساتِ، ويدعمونَ الجهلةَ والمستبدينَ والطغاةَ، ثُمَّ تنهالُ عليهمْ عروضُ الاستضافةِ في وسائلِ الإعلامِ المختلفةِ، وعملَ المهرجاناتِ، والندواتُ الثقافيةُ ويلعبُ المجتمعُ اَلْمَدَنِيّ هوَ الآخرُ دور خطيرٍ في المجتمعاتِ الريفيةِ والأحياءِ الشعبيةِ دورَ الراعي في مواضيعِ خارجِ المسارِ على اعتبارهمْ دولةَ داخلَ دولةِ فيستغلونَ الجهلةَ والساذجينَ باسمِ الدينِ وأصبحَ مصدرُ رزقٍ وأبوابٍ للتسولِ المشروعة لبعضهم ..ِ ثُمَّ ماذا تكون النتيجةُ غَيْر: انحدارُ الأخلاقياتِ. وانعدامَ الفكرِ وضياعِ العقولِ. ضياعُ أجيالِ بالكاملِ. حياةٌ بلا هدفٍ. ثُمَّ نتساءلُ: - منْ المسئولُ عنْ هذا الانفلاتِ في غيابِ دورِ الدولةِ والإشرافِ رغمَ وجودِ قواعدَ شكلية للتنظيم ٍ دونَ وعي؛-ِ فإذا كنتُ تبحثُ عنْ شهرةٍ ومجدٍ زائفٍ عليكَ أنْ تَنْضَمّ إلى المجتمعِ اَلْمَدَنِيّ ومناسباتٌ؛ العزاءٍ أوْ أفراحِ أوْ تحتَ غطاءِ أعمالٍ خيريةٍ وتبدأُ بتنزيلٍ بوست وصورةِ لهُ، في مناسبةِ ما ويبدأُ طابورُ المنافقينَ والتافهينَ بالإعجابِ. وقدْ أدى ذلكَ لبعضهمْ في إرتداء لباس ملابسَ أوجلباب َ. أوسعَ منْ عقليتهمْ التافهَ فتجدُ بعضهمْ ينطبقُ عليهِ شخصية "مَحْرُوس بتاعَ الوزيرُ" فيبحثُ التافهُ عنْ مسئولٍ أوْ نائبٍ في البرلمانِ وتتكونُ شلةُ السكرتاريةِ ،والتشهيلاتِ. وتجدهمْ مثلَ الكومبارس في مسرحٍ مفتوحٍ في المناسباتِ. يلتقطونَ صورا لهمْ وراءَ المسئولِ وخاضتا وراءَ نوابِ البرلمانِ. وهذا ماذكرةَ "الأديبِ تَوْفِيق اَلْحَكِيم " في روايتهِ" نائبٌ في الأريافِ." والبعضُ منهمْ يبدأُ تفكيرهُ في الترشحِ. ويعيشَ الأحلامَ والأوهامَ الزائفةَ ، فَكُلّ ما يملكهُ منْ ثقافةٍ هيَ "ثقافةُ الفرجةِ" لنخلقَ جيلاً جاهلاً منْ هؤلاءِ منْ وصولهمْ إلى السلطةِ والدليلِ على ذلكَ نائبٌ في دائرتيْ بعدَ فوزهِ الزائفِ عنْ طريقِ المالِ اَلسِّيَاسِيّ اختفى منذُ فوزهِ على مقعدِ الدائرةِ. لذلكَ ليسَ منْ حقنا الشكوى. للأننا يقودنا تافهٌ

فهلْ آنَ الأوانُ للتوقفِ عنْ تتويجِ" الأغبياءِ "وجعلهمْ أسيادا في المجتمعِ. رغمَ أنَ الكاتبَ ،يعيشُ في كندا باعتبارِ كندا منْ العالمِ المتقدمِ ،ولكنْ ينقلُ صورةً حقيقيةً لعالمنا العربيِ الحاليِ بكلِ تفاصيلهِ؛ أنَ طابورَ التافهينَ يقودهُ تافها وهذا نلاحظهُ يوميا على شبكاتِ التواصلِ الاجتماعيِ ، منْ أصحابِ "السيكوباتيةِ" هوَ مرضٌ نفسيٌ يصيبُ منْ يشعرُ بعقدةِ النقصِ التي تعرفُ في بعضِ الحالاتِ "جنونَ العظمةِ" أيضا فيشعرُ الشخصُ بعقدةِ الجهلِ ويحاولُ أنْ يكملها بأفعالٍ لا يعلمُ أنها مرضٌ نفسيٌ أصيبَ بهِ فيجد طابورٌ يشجعهُ على ذلكَ، إنها الحياةُ الحديثةُ التي لا نعرفُ لها حكايةٌ ثابتةٌ... نعيشُ اليومُ في مجتمعينِ: مجتمعُ أقليةٍ يعيشُ في عالمٍ يعرفُ القراءةَ والكتابةَ وقادرٍ على التعاطي معَ التعقيداتِ وتمييزِ الوهمِ منْ الحقيقةِ، ومجتمع آخرَ يمثلُ أغلبيةً متزايدةً منْ الناسِ ينسحبُ منْ عالمٍ يقومُ على الواقعِ إلى عالمِ منْ اليقينِ الزائفِ والوهمِ ، لدرجةِ أننا لمْ نعدْ نبحثُ عنْ أصدقاءٍ جددَ، أوْ حتى عنْ أشخاصٍ يحبوننا، بلْ أصبحنا نبحثُ عنْ أنفسنا، في عالمٍ جديدٍ يحيطُ بنا منْ تسيدٍ للتفاهةِ والتافهينَ.، توقفنا عنْ مجادلةِ أحدٍ حتى ونحنُ على صوابٍ، أصبحنا نتركُ الأيامُ تثبتُ صحةَ وجهةِ نظرنا، كبرنا هرمنا لدرجةِ ما عدنا نتحدثُ معَ أحد ،ٍ عما يحدثُ معنا، ولا عما يؤلمنا ويداوي جراحنا بأنفسنا، كبرنا وصرنا نفرحُ بصمت رهيب ٍ، ونبكي بصمتٍ، ونضحكُ بابتسامةٍ عابرةٍ، لمْ نعدْ نتأثرُ بمعسولٍ الكلامِ، أصبحنا نريدُ أفعالاً منْ القلبِ، لمْ نعدْ نستهزئُ بأفعالِ الغيرِ، كبرنا وعرفت أنَ المظاهرَ خداعةٌ، وتعلمنا أنهُ ليسَ كلُ ما يلمعُ ذهب، تعلمنا ألا ننتظرَ أيُ شيءِ منْ أحدٍ، وألا نتأملَ بأحدٍ، بلْ تعلمنا كيفَ نكتفي بأنفسنا،؛- أنَ كتابَ "تدهورِ الحضارةِ الغربيةِ" للفيلسوفِ أوزوالدْ أشبنغلرْ، "حضارةُ الفرجةِ" لصاحبِ نوبلْ الأديبِ فارغاسْ يوسا، و "مجتمعُ الفرجةِ: الإنسانُ المعاصرُ في مجتمعِ الاستعراضِ" للفرنسيّ جيءَ ديبورْ " الإنسانُ العاري "لمؤلفيهِ" ماركِ دوغانْ "و كريستوفْ لأبي "وغيرها منْ الكتبِ المهمةِ والأساسيةِ. إنَ أطروحةَ هذا الكتابِ تكمنُ في لفتِ الأنظارِ إلى ما صارَ يحيطُ بنا منْ تسيدٍ للتفاهةِ والتافهينَ في عصرنا." !!!

***

محمدْ سعدْ عبدِ اللطيفْ

كاتبٌ مصريٌ وباحثٌ في الجغرافيا السياسيةِ

 

لا احد ينكر ان إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في كلمته للامة امام الجمعية البرلمانية الفيدرالية في 21 من فبراير الجاري، بتعليق مشاركة روسيا في معاهدة الأسلحة الهجومية الاستراتيجية "ستارت"، ووصول مستوى تجهيز قوات الردع النووي الروسي إلى أكثر من 91%، وما تلاه في اليوم الثاني من تصريحات للرئيس الروسي في ملعب لوجنيكي (الملعب الذي شهد فتتاح بطولة كأس العالم 2018 )، حول نية بلاده تعزيز الثالوث النووي لروسيا، كانت بمثابة صفعة للولايات المتحدة.

الرئيس الروسي ذكر الولايات المتحدة، بأن أول قاذفات لنظام صواريخ سارمات بصاروخ ثقيل جديد ستبدأ هذا العام في الخدمة القتالية، بالإضافة إلى ذلك، الإنتاج الضخم للمجمعات الجوية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت "Dagger"، ستبدأ عمليات التسليم الجماعية للصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت في البحر "Zirkon"، و"بقبول الغواصة النووية" الإمبراطور ألكسندر الثالث "في البحرية، ستصل حصة الأسلحة والمعدات الحديثة في القوات النووية الاستراتيجية البحرية إلى 100٪"، وأن ثلاث طرادات أخرى من هذا المشروع ستنضم إلى الأسطول في السنوات المقبلة.

هذه التصريحات للرئيس الروسي، فتحت باب التكهنات والتحليلات على مصراعيها، وبدأ النقاش عن مدى إمكانية مجاراة الولايات المتحدة، لسباق تسلح نووي مع روسيا، خصوصا وان المسؤولين الأمريكيين يصرون مرارًا وتكرارًا، على إجراء مفاوضات مع روسيا حول الوضع المتعلق بمعاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية والحد منها (ستارت -3)، بعد ان علقت روسيا عمليات التفتيش على أسلحتها النووية من قبل الأمريكيين في عام 2020 (بسبب "الوباء")، ودعا الامريكيون في 2 فبراير، في موقع الجمعية الأمريكية للحد من الأسلحة (جمعية مراقبة الأسلحة)، حيث كان الخبراء الروس حاضرين على الإنترنت، إلى البدء الفوري في المفاوضات بشأن معاهدة ستارت 4 الجديدة، حتى قبل انتهاء صلاحية ستارت 3 في عام 2026.

وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للحد من التسلح والأمن الدولي، بوني جينكينز، أعربت عن أمل بلادها في فصل المناقشات مع روسيا، حول الوضع حول معاهدة ستارت عن الأزمة بشأن أوكراني، حيث لم تكن هناك حسب رأيها، مناقشات واضحة مع الاتحاد الروسي، وقالت "هذا أمر مؤسف ... قلنا لهم بوضوح أنه في الواقع لا يوجد شيء يمكن أن يتدخل في عمليات التفتيش "، ان هناك محاولات لأتاحة الفرصة لهم للقاء الاتحاد الروسي، لأن تطبيق ستارت مهم جدًا من وجهة نظر الأمن القومي، لذا فإن هدفها هو توضيح " أننا مستعدون للقائهم عندما يكونون مستعدين " .

وحتى كتابة هذه السطور، كنا نتخوف، ومن مثلي الكثيرين، من القوة النووية الامريكية وامكانياتها، ولكن وعلى قول المثل المصري الشعبي " من فوق هالا هالا، ومن جوه يعلم الله "، فبعد البحث والتمحيص في بحر مواقع البحث، بدا ان الكثيرين لا يعرفون من ان الصناعة النووية الأمريكية، تشهد تراجعا كبيرا، ولم يكن تقرير غرفة الحسابات الأمريكية (GAO) مفاجئًا، فهو أكد ان الولايات المتحدة لا تستطيع إنتاج ما يكفي من نوى البلوتونيوم لرؤوسها النووية، وانه وبحلول عام 2030، يريد البنتاغون إنتاج 80 نواة بلوتونيوم جديدة سنويًا،، فنوى البلوتونيوم هي أهم عنصر في الأسلحة النووية الأمريكية، وإنها تعمل كمحفز: عند انفجار البلوتونيوم، يتسبب في تفاعل نووي صغير، مما يؤدي إلى انفجار ثانوي أكبر للشحنة النووية الرئيسية، لكن هذا غير ممكن لأن البنية التحتية النووية الأمريكية قد دمرت، فقد أنتجت الولايات المتحدة ما يصل إلى 2000 نواة سنويًا خلال الحرب الباردة في مصنع Westighouse's Rocky Flats في كولورادو، وتم إغلاق المصنع في عام 1989 بعد مداهمة قام بها مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة حماية البيئة بسبب انتهاكات قوانين البيئة، وبدأ مكتب التحقيقات الفدرالي تحقيقا، انتهى في عام 1992 بأكبر غرامة قدرها 18.5 مليون دولار عن الجرائم البيئية في ذلك الوقت، وتم إغلاق المصنع وهدمه بالكامل، وتمت إزالة أكثر من 1.3 مليون متر مكعب من النفايات وإعادة تدوير أكثر من 72 مليون لتر من المياه.

الولايات المتحدة الآن لديها معمل واحد فقط في لوس ألاموس، حيث يمكن إنتاج نوى البلوتونيوم، ومن عام 2007 إلى عام 2011، تم إجراء 29 ترقية للرؤوس الحربية النووية لصواريخ الغواصات النووية، وفي عام 2013 تم إيقاف جميع الأعمال بسبب عدم الامتثال لقواعد العمل مع المواد المشعة، ومنذ ذلك الحين، لم تنتج الولايات المتحدة نواة بلوتونيوم واحدة، ونتيجة لذلك، فإن معظم النوى الموجودة في الرؤوس الحربية الأمريكية اليوم يتراوح عمرها بين 30 و 40 عامًا، حيث يتحلل البلوتونيوم ببطء بمرور الوقت، مما يؤدي إلى تآكل اللب وربما التأثير على فعالية السلاح، ووفقًا لتقرير صادر عن معهد بروكينغز، وهو مركز أبحاث للحد من الأسلحة النووية، فإن المدة التي تستغرقها هذه العملية ومدى تأثيرها الشديد على أداء السلاح هي مسألة نقاش.

وفي عام 2019، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعليمات لـ NNSA باستئناف إنتاج الأسلحة النووية والوصول بها إلى 80 قطعة بحلول عام 2030، و أستؤنف العمل في عام 2021، وأعلنت الإدارة الوطنية للأمن النووي (NNSA)، أنها أكملت بنجاح أول ترقية للرؤوس الحربية لصواريخ Trident II D5 على الغواصات النووية، وكان جوهر التحديث هو تركيب فتيل إلكتروني وفتيل ومادة تفجير لتفعيل الشحنة على رأس نووي من طراز 1988، ولم يتم الإبلاغ عن أي شيء حول حالة البلوتونيوم الأساسي للرأس الحربي النووي .

وفي تطور لاحق اعلنت NNSA وفي بيانها الصحفي في 9 فبراير الجاري، أعلنت عن إطلاق مشروع إنتاج حفرة البلوتونيوم في لوس ألاموس (LAP4) لإنتاج نوى البلوتونيوم، ولهذه الغاية، من المخطط "إنشاء البنية التحتية اللازمة في مختبر لوس ألاموس الوطني (LANL) لتمكين إنتاج 30 نواة بلوتونيوم احتياطيًا عسكريًا سنويًا"، بالإضافة إلى إعادة توظيف "مصنع وقود مختلط سابق للأكسيد في سافانا موقع نهر في أيكن بولاية ساوث كارولينا لإنتاج 50 نواة على الأقل سنويًا في مشروع يسمى مرفق معالجة البلوتونيوم في نهر سافانا، في حين وصف تقرير صادر عن معهد تحليل الدفاع، وهي منظمة غير ربحية تدير العديد من شركات البحث والتطوير الممولة اتحاديًا، خطط NNSA هذه بأنها غير واقعية، في غضون ذلك أشارت الرابطة الأمريكية للحد من الأسلحة (ACA)، التي دعت مؤخرًا إلى البدء الفوري لمفاوضات ستارت 4)، في تقريرها إلى أن البنتاغون يشعر بخيبة أمل إزاء الوضع في مختبر لوس ألاموس ويراهن على مصنع نهر سافانا.

لقد بدأ بناء المصنع في عام 2007، وتم تحديد عيوب خطيرة في التصميم تطلبت 50 مليار دولار إضافية لإصلاحها، بالإضافة إلى ذلك، قالت ACA، ان منطقة نهر سافانا معرضة للرياح والفيضانات التي تسببها الأعاصير، وسيتطلب إنتاج نوى البلوتونيوم في موقع نهر سافانا نقل المزيد من البلوتونيوم عبر الولايات المتحدة، بدلاً من نقل النوى على بعد حوالي 300 ميل من مستودعاتهم في مصنع Pantex في تكساس إلى لوس ألاموس، سوف يسافرون ما يقرب من 1000 ميل إضافي للوصول إلى موقع نهر سافانا، وسيؤدي هذا، من بين أمور أخرى، إلى مطالبات من دول العبور.

أما المختبر في لوس ألاموس، فهو يقع في منطقة بها صدوع تكتونية خطيرة زلزالياً، ويتم تسجيل انتهاكات مختلفة لسلامة التعامل مع المواد المشعة بانتظام في المختبر، وعلى سبيل المثال، في مختبر إشعاعي تم بناؤه في عام 2010 بتكلفة مليار دولار، حدث تسرب في عام 2019 مرتبط بعيب تصميم في نظام الأنابيب، ويذكر تقرير ACA أن المختبر "يفتقر إلى الموظفين المؤهلين" الذين يعرفون كيفية التعامل مع البلوتونيوم بحيث لا يصل عرضًا إلى الكتلة الحرجة ويبدأ تفاعل تسلسلي غير متحكم فيه، كما يذكر التقرير أيضًا، أن "المراجعة المستقلة قد ألقت بظلال من الشك على قدرة NNSA على تلبية متطلبات [الكونغرس] لإنتاج نواة البلوتونيوم في لوس ألاموس ونهر سافانا لإنتاج 80 نواة سنويًا."

لقد تحققت توقعات الخبراء المستقلين في يناير 2023، وأفاد مكتب مساءلة الحكومة الأمريكية أن NNSA لم تفي بالمواعيد النهائية، ولم يكن لديها "وصف رئيسي متكامل" (IMS) للعمل، وأن تقدير المشروع كان يتزايد باستمرار، وفي 8 فبراير الجاري، اعترف رئيس NNSA جيل هروبي بأن خطط إنتاج أسلحة نووية جديدة بحلول عام 2030 "غير مجدية" لأن "هناك حاجة إلى قدرة تصنيعية جديدة وابتكار، بينما " نستبدل المزيد والمزيد من المكونات"، وتقول صحيفة فورين بوليسين الولايات المتحدة لا تستطيع إنتاج العدد المخطط له من نوى البلوتونيوم للأسلحة النووية، ليس فقط الآن، وليس في المستقبل القريب، وربما أبدًا على الإطلاق ".

ووفقًا لنشرة صادرة عن مجموعة تايلور وفرانسيس، وهي مؤسسة بحثية بريطانية، تم إنتاج 3800 رأس حربي نووي أمريكي منذ 30 إلى 40 عامًا، وحددت NNSA عمر خدمة رأس حربي نووي يبلغ 45 عامًا، وهذا يعني أنه في السنوات المقبلة، قد لا يكون جزء كبير من الترسانة النووية الأمريكية جاهزًا للقتال، ولهذا السبب يسعى الأمريكيون إلى استئناف المفاوضات مع روسيا بشأن ستارت 4، حتى ن حامل مرض " روسفوبيا " أنتوني بلينكين قال، إنه "يشعر بخيبة أمل من قرار الاتحاد الروسي بتعليق مشاركته في معاهدة تخفيض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية"، وبما ان الولايات المتحدة لا تستطيع إنتاج رؤوس حربية نووية جديدة، الأمر الذي يدعو إلى التشكيك في وضعها كقوة نووية رائدة.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

لطالما كنت أفكّر وعلى مدى سنوات، لماذا أُعدم فهد "يوسف سلمان يوسف" أمين عام الحزب الشيوعي العراقي ورفاقه في العام 1949؟ فقد كان هناك قادة معتمدون لأحزاب شيوعية عربية ولدول المنطقة ولديهم علاقات وطيدة مع الاتحاد السوفيتي، لكنهم لم يلاقوا المصير ذاته، حتى وإن تعرّضت الحركة الشيوعية العربية عمومًا وقاداتها إلى العسف والتنكيل.

جاء إعدام فهد في لحظة تاريخية مفارقة، فقد شهدت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية انتعاش الحريّات على الصعيد العالمي وانتشار الأفكار الديمقراطية عقب هزيمة النازية والفاشية، وقد انعكس مثل ذلك على العراق أيضًا، ولاسيّما بعد خطاب الوصي على العرش الأمير عبد الإله في 27 كانون الأول / ديسمبر 1945، الذي أُعلن فيه موافقته على تأسيس الأحزاب وورد ما نصّه "لا يصحّ بقاء البلاد خاليةً منها"، الأمر الذي التقطته وزارة توفيق السويدي التي تشكّلت بتاريخ 23 شباط / فبراير 1945 ووزير داخليّتها سعد صالح (جريو) الذي يعتمر القبعتين القانونية والأدبية، إضافة إلى وطنيته المعهودة، فأقدم على عدد من الخطوات الجريئة منها إجازة 5 أحزاب سياسية بينها حزبين ماركسيين وإجازة عصبة مكافحة الصهيونية وإطلاق حريّة الصحافة وتبيض السجون وإلغاء الأحكام العرفيّة، فكيف حصل مثل هذا الارتداد السريع وحُكِمَ على فهد بالإعدام؟

كانت مبادرة تأسيس العصبة إحدى مآثر الحزب الشيوعي وزعيمه "فهد"، إضافةً إلى دور اليهود الشيوعيين الذين وقفوا ضدّ الصهيونية وعارضوا منطلقاتها الفكرية وكشفوا زيف ادعائها تمثيل اليهود بغضّ النظر عن بلدهم الأصلي، وميّزوا بين الصهيونية كعقيدة عنصرية واليهودية كدين، وهو ما أوردته أوريت باشكين في كتابها Impossible Exodus: Iraqi Jews in Israel الصادر في العام 2017.

وقد استقطب الحزب آنذاك أعدادًا واسعة من اليهود المعادين للصهيونية، وبلغ عدد المنتسبين حسب تشلسي سيمون ماي 300 عضوًا بينهم شيوعيات يهوديات متميّزات وذلك في دراستها "النساء اليهوديات في الحزب الشيوعي العراقي".

وحسب سجلات التحقيقات الجنائية (أجهزة الأمن العراقية) واستجوابات العديد منهن فقد برزت شخصيات مثل: إلين يعقوب درويش ودوريس وأنيسة شاؤول ونجيّة قوجمان وسعيدة ساسون مشعل (سعاد خيري – زوجة زكي خيري) وعمومة مير مصري (عميدة مصري) ومارلين مائير عيزرا (زوجة بهاء الدين نوري) وكامن سعيدة سلمان وألبرتين منشّي وراشيل زلخا، وبلغ عدد الناشطات قبل الهجرة الجماعية (1951) نحو 600 ناشطة كما جاء في إنسيكلوبيديا النساء اليهوديات Encyclopedia of Jewish Women.

الصهيونية والاستعمار

ربط فهد مكافحة الصهيونية بمكافحة الاستعمار، فهما وجهان لعملة واحدة، وفي كرّاس صدر له بعنوان "نحن نكافح من أجل من؟ وضدّ من نكافح؟" يقول فيه " إن مكافحة الصهيونية توجب مكافحة الاستعمار حتماً في فلسطين وكلّ البلاد العربية، ومن يزعم مناهضتها ولا يناهض الاستعمار يخدمها،أراد أم لم يرد... ".

وعالج في هذا الكرّاس المشكلة الفلسطينية بفصل الصهيونية عن اليهودية وربطها بالاستعمار بما فيه الاستعمار الأمريكي الصاعد. وقد ساهمت تلك التوجّهات والنشاط داخل صفوف اليهود العراقيين على كسر التردّد الذي كان ينتاب بعض أفراد المجموعة الثقافية اليهودية للمشاركة في العمل السياسي، ونشط هؤلاء بشكل ملحوظ بمناسبة الذكرى اﻟ 28 لصدور وعد بلفور، حيث أصدرت العصبة نداءً جاء فيه " أن الاستعمار يستطيع أن يتكرّم بفلسطين مئات المرّات، طالما أنها ليست بلاده وطالما أنه يجد في ذلك ربحاً له ومغنماً لأن غايته وعميلته الصهيونية هي تحويل نضال العرب الموجه ضدّ الاستعمار نحو جماهير اليهود، وبذلك تخلق منهم حاجزاً يختفي وراءه الاستعمار، ولو كان المستعمرون يعطفون حقاً على اليهود لعاملوهم معاملة طيبة في أوروبا".

وبادرت العصبة بتوجيه من فهد إلى التظاهر يوم 28 حزيران / يونيو 1946، وتعرّضت التظاهرة التي شارك فيها أعداد من اليهود العراقيين إلى القمع والقسوة الشديدين من جانب الأجهزة الأمنية، وسقط شاوول طوّيق أول شهيد شيوعي وكان يهوديًا دفاعًا عن فلسطين، وهو ما أورده المؤرّخ والباحث الفلسطيني حنا بطاطو.

وبعد حظر نشاط العصبة وإيقاف صحيفتها وإحالة المشاركين في التظاهرة المذكورة إلى القضاء، أصدرت محكمة الجزاء أحكامًا متفاوتة يوم 15 أيلول / سبتمبر 1946 على عدد من اليهود الشيوعيين بمن فيهم رئيس العصبة يوسف هارون زلخا بالسجن المؤبّد بالزعم أنه يترأس عصبة للكفاح من أجل الصهيونية وليس ضدّها، وكان ذلك بداية حملة شعواء لطي صفحة الانفتاح المحدود ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث نشطت الحركة الصهيونية بشكل كبير، خصوصًا بعد صدور قرار الأمم المتحدة رقم 181 القاضي بتقسيم فلسطين في 29 تشرين الثاني / نوفمبر 1947.

العدو المشترك

نبّه فهد إلى العدو المشترك للعرب واليهود وأهمية التضامن إزاء المخاطر المشتركة وسلّط الضوء على نشاط الوكالة الصهيونية وبعض أركان الحكومة العراقية الموالية لبريطانيا، لتهجير اليهود العراقيين إلى فلسطين.

وعلى الرغم من وجود فهد في السجن، حيث اعتقل ليلة 18 كانون الثاني / يناير 1947، وصدر الحكم عليه بالإعدام في 24 حزيران / يونيو من العام ذاته، إلّا أنه كان يتابع تطوّر الموقف من القضيّة الفلسطينية على الصعيد العالمي، خصوصًا بعد تغيير الموقف السوفيتي السلبي وانعكاساته على الشارع العربي.

وكان غروميكو المندوب السوفيتي في الأمم المتحدة قد أعلن في تشرين الثاني / نوفمبر 1947 تأييد قرار التقسيم وأطلق عليه "القرار الأكثر قبولًا". وبرّر أن القرار ليس موجّهًا ضدّ العرب وأنه يتوافق مع المصالح الوطنية الأساسية لكلا الشعبين. وحين أُعلن عن تأسيس "إسرائيل"، بادرت موسكو للاعتراف بها مباشرة، واستقبلت أول وفد "إسرائيلي" برئاسة السفيرة غولدا مائير (مايرسون).

وقد غيّرت غالبية الأحزاب الشيوعية موقفها منتقلة من التنديد بقرار التقسيم إلى تأييده باعتباره "أحسن الحلول السيئة" وكان ذلك يمثّل نموذجًا لطريقة التفكير التعويلية من جهة ولعلاقة التبعية للمركز الأممي من جهة ثانية. ولم يهضم الحزب الشيوعي العراقي مثل هذا التبدّل في بداية الأمر، وظلّ متحفّظًا لحين، على الرغم من وصول وثيقة "أممية" من باريس بعنوان "أضواء على القضية الفلسطينية" (11 حزيران / يونيو 1948) تعكس وجهة نظر الحزب الشيوعي الفرنسي ومن خلاله وجهة نظر (المرجعية الأممية) المؤيدة لقرار التقسيم، وقد نقلها يوسف اسماعيل البستاني وتمّ الترويج لها، حتى وصلت إلى سجن الكوت، حيث كان الرفيق فهد يقبع فيه وعدد غير قليل من السجناء.

وكما جرت العادة في السجن، كان السجناء يجتمعون لتقرأ عليهم، نصوص البيانات والأخبار والتقارير الحزبية لتتم مناقشتها. وحين بدأ أـحد الرفاق بتكليف من منظمة السجن بتلاوة وثيقة باريس المذكورة وما أن وصل إلى "الانقلاب" في موقف الاتحاد السوفيتي، أمره الرفيق فهد بالتوقّف وعدم إكمال تلاوة ما تبقّى من الوثيقة، وذلك لسماعه فقرات لم تعجبه وتتعارض مع توجّه الحزب الشيوعي العراقي، خصوصًا بعد قيام "إسرائيل" في 15 أيار / مايو 1948. وقد أبدى فهد وهو في السجن تحفظات حول الموقف من قرار التقسيم، وقد انعكس ذلك في توجيه حزبي داخلي، وهو ما يمكن تلمّسه من الفقرة التالية، وأنقلها على الرغم من طولها كما وردت في كتاب حنّا بطاطو، الجزء الثاني، وجاء فيها "إن موقف الاتحاد السوفيتي بخصوص التقسيم وفّر للصحف المرتزقة ومأجوري الإمبريالية فرصة لا للتشهير بالاتحاد السوفيتي فقط، بل أيضاً بالحركة الشيوعية في البلدان العربية... ولذلك على الحزب الشيوعي تحديد موقفه من القضية الفلسطينية حسب الخطوط التي انتمى إليها والتي يمكن تلخيصها بالتالي:

1- إن الحركة الصهيونية حركة دينية رجعية ومزيفة بالنسبة للجماهير اليهودية.

2- إن الهجرة اليهودية... لا تحلّ مشكلات اليهود المقتلعين من أوروبا، بل هي غزو منظّم تديره الوكالة اليهودية... واستمرارها بشكلها الحالي... يهدّد السكان الأصليين في حياتهم وحريّتهم.

3- إن تقسيم فلسطين عبارة عن مشروع إمبريالي قديم... يستند إلى استحالة مفترضة للتفاهم بين اليهود والعرب.

4- شكل حكومة فلسطين لا يمكن أن يتحدّد إلّا من قبل الشعب الفلسطيني الذي يعيش في فلسطين فعلاً، وليس من قبل الأمم المتحدة أو أي منظمة أو دولة أو مجموعة دون أخرى.

5- إن التقسيم سيؤدي إلى إخضاع الأكثرية العربية للأقلية الصهيونية في الدولة اليهودية المقترحة.

6- إن التقسيم وخلق دولة يهودية سيزيد الخصومات الوطنية والدينية وسيؤثر جديّاً على آمال السلام في الشرق الأوسط.

ولهذه الأسباب فإن الحزب الشيوعي يرفض بشكل قاطع خطة التقسيم.

لكن هذا الموقف تغيّر بعد ذلك، واستمرّت التبريرات الخاطئة والساذجة لتلميع الموقف السوفيتي، بل والاستماتة في إثبات "صحّته"، بما فيه الدفاع عن قيام "إسرائيل"، وظلّت ذيول هذه القضية مستمرّة لسنوات عديدة ولم يتمكّن الحزب من معالجة هذه القضيّة الحسّاسة والخطيرة والجوهريّة والمبدئية، إلّا على نحو جزئي بمراجعة أوّلية أجراها تقرير الكونفرنس الثاني (أيلول / سبتمبر 1956) الذي كتبه عامر عبد الله بإشراف سلام عادل وتوجيهه (استشهد العام 1963 على يد إنقلابيي 8 شباط / فبراير). وجاء فيه " إن بعض العناصر المشكوك بها نجحت في أن تدسّ في صفوف حزبنا وحركتنا مفاهيم خاطئة بالنسبة إلى الصهيونية... من بينها الأفكار التي وجدت صداها في بيان عنوانه "أضواء على القضية الفلسطينية".

السبب المباشر للإعدام

لعلّ موقف فهد من الصهيونية ومبادرته تأسيس عصبة مكافحة الصهيونية ومن القضية الفلسطينية عمومًا، لاسيّما تحفّظه على قرار التقسيم كان وراء إعدامه، فبعد أن اضطرت حكومة صالح جبر إلى إبدال حكم الإعدام بالسجن المؤبد، إلّا أن ذلك لم يرض المخابرات البريطانية التي لجأت إلى التحريض ضدّه، فضلًا عن الدعاية الصهيونية، خصوصاً ضدّ العصبة ومن يقف وراءها، لاسيّما بعد إفشال توقيع معاهدة بورتسموث 1948 (جبر – بيفن)، بتأجيج الشارع في تظاهرات عارمة في وثبة كانون، حيث اعتبر فهد مسؤولًا عنها على الرغم من كونه سجينًا. وهكذا تحالفت ثلاث قوى لتنفّذ فعلتها النكراء تلك وهي الصهيونية العالمية والإمبريالية البريطانية والقوى المحافظة العراقية في الحكم وخارجه من الجماعات الرجعية والقومية المتعصّبة مستغلّةً الموقف من القضيّة الفلسطينية، لاسيّما بعد تأييد قرار التقسيم.

لذلك أصرّت حكومة نوري السعيد التي تشكّلت في 6 كانون ثاني / يناير 1949 على إعادة المحاكمة على نحو عاجل فصدر حكم الإعدام بحق فهد ورفاقه، وتم تنفيذه على جناح السرعة ليلتي 13 – 14 شباط / فبراير 1949، حيث أُعدم كلّ من فهد وزكي بسيم (حازم) وحسين الشبيبي (صارم) ويهودا صدّيق، وعُلّقت جثثهم في الساحات العامة.

وحسب الصحافي البارز عبد الجبار وهبي (أعدم العام 1963) كان السفير البريطاني شخصياً يتابع محاكمة فهد، وشجّع إصدار حكم الإعدام ضدّه. ويروي كامل الجادرجي الزعيم الوطني الديمقراطي في مذكّراته أن أحد وزراء العدل في العهد الملكي وهو جمال بابان عمل على رشوة 3 من القضاة بتوزيع مبلغ 800 دينار عراقي عليهم من المخصصات الخاصة للتأثير عليهم بإصدار حكم الإعدام بحق فهد ورفاقه وهو ما يؤكّده صبيح ممتاز الذي كان وكيلًا لوزارة العدل وهو الذي قام بتوزيع المبلغ بحضور الوزير كما أخبر الجادرجي.

وبالطبع لم تكن هناك مبررات كافية لمثل هذا الحكم الغليظ، إلّا إذا كان موقف فهد من الصهيونية وتأسيس عصبة مكافحة الصهيونية وقيام دولة "إسرائيل"، ففي جميع البلدان العربية لم يعدم حتى ذلك الحين أي قيادي شيوعي، لاسيّما في قضية مدنية.

ولم تنته القصة بإعدام فهد، بل انتقل المجلس العرفي العسكري بكامل هيأته إلى سجن نقرة السلمان الصحراوي أواخر العام 1949، فأجرى محاكمة ﻟ 44 سجينًا بتهمة ترويج الشيوعية، لأنهم قدّموا عريضة يحتجوّن فيها على إعادة محاكمة فهد وإعدامه.

الوكالة اليهودية

وكانت الوكالات اليهودية قد نظّمت حملة مضادة لتوجّهات فهد وعصبة مكافحة الصهيونية جمعت بعض مئات من التواقيع المطالبة بالهجرة، لتأكيد روايتها بأن الصهيونية مسؤولة عن يهود العالم، وزاد الأمر سوءًا ما تعرّض له اليهود من أعمال عدوانية وعنفية والتي عُرفت ﺒ "الفرهود" راح ضحيّتها العشرات من القتلى والجرحى، وذلك لدفع الحكومة العراقية لإصدار قانون يسهل أمر تهجيرهم وهو ما حصل فعلًا في العام 1950.

وهكذا تواطأت الحركة الصهيونية مع بعض أركان النظام الملكي والقوى المتعصّبة بشكل مباشر أو غير مباشر على تهجير اليهود من العراق، وحينما كانت تفشل في مخطّطها لعدم الاستجابة الكافية من جمهور اليهود، كانت تضع المتفجرات في محالهم التجارية وأماكن سكنهم ودور عبادتهم، فضلًا عن نشر الإشاعات لتخويفهم ودفعهم إلى الهجرة على نحو قُضيَ على أعرق وأقدم مجموعة ثقافية يهودية خارج فلسطين (نحو 125 ألف مواطن عراقي يهودي)، وألحق ضرراً بالنسيج الاجتماعي للمجتمع العراقي وتعدديته الدينية والعرقية والثقافية، وهو الأمر الذي يتكرّر اليوم بخصوص المسيحيين في العراق وعدد من البلدان العربية، بما فيها فلسطين المحتلّة، ناهيك عن الإزيديين والصابئة المندائيين وغيرهم.

الهجرة القسريّة والدور المشبوه

وسبق للصديق عباس شبلاق أن سلّط الضوء الكاشف على المزاعم الصهيونية بشأن هجرة اليهود "القسريّة" إلى "إسرائيل" في كتابه الموسوم "هجرة أو تهجير – ظروف وملابسات هجرة يهود العراق". وكشف الجاسوس الصهيوني رودني الذي سبق له أن خدم في الجيش البريطاني وهو معروف بقسوته ووحشيته فضيحة الأسلحة المدفونة في عدد من أماكن بغداد، فضلًا عن جمعه المعلومات عن شخصيات عراقية كبيرة لإقناعها بعقد الصلح مع حكومة "إسرائيل".

ومثل هذا الدور الذي قام به رودني ظلّ قائماً منذ ذلك الحين وازداد كثافة وسفوراً بعد احتلال العراق العام 2003، حيث يتم الاتصال بجهات وشخصيات عراقية لدعمها مقابل تبنّيها فكرة إقامة علاقات مع "إسرائيل" تمهيداً للاعتراف بها، وهو ما يقوم به العرّاب الفرنسي برنارد ليفي.

وأختتم بفقرة مما كتبه فهد باسم لفيف من الشباب اليهودي برسالة موجّهة إلى وزير الداخلية لطلب تأسيس العصبة وهي تعكس حقيقة توجّهه وتفسّر سبب إعدامه، وجاء فيها: "نحن نعتقد، إخلاصاً، بأن الصهيونية خطر على اليهود مثلما هي خطر على العرب وعلى وحدتهم القومية، ونحن إذ نتصدّى لمكافحتها علانية وعلى رؤوس الأشهاد، إنما نعمل ذلك لأننا يهود ولأننا عرب بنفس الوقت".

***

عبد الحسين شعبان

توطئة: بلغ عدد القتلى الناجم عن الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا وسوريا فجر السادس من (شباط/فبراير 2023) بقوة (7.8) على مقياس ريختر، اكثر من (46) ألف قتيل بواقع (40642) في تركيا و(5800) في سوريا، واكثر من (25) مليون متضررا بلا مأوى، وذلك لغاية (18 / 2/ 2023)، وفقا لـ بي بي سي، ليرتفع العدد الى 47 الف قتيل بعد آخر زلزالين في (19 / 2/2023).

ومع ان العالم العربي والدولي قدم المساعدات المطلوبة، غير ان الجميع لا يخطر على بالهم ما سيحصل للناجين والذين سحبوهم من تحت الأنقاض، والذين شهدوا انهيارات العمارات والأبنية، وحالات الرعب والهلع الجماهيري.. من اضطرابات نفسية شديدة بعد انتهاء الحدث بأشهر وحتى سنوات!. وهذا ما سنتحدث عنه ونقدمه الى وزارات الصحة في تركيا وسوريا والعالم العربي، والى أسر واقرباء ومحبي الذين سيعانون حالات نفسية شديدة.. بعضها ينتهي بها الحال الى الأنتحار.

البداية.. حرب فيتنام

يواجه الإنسان في حياته اليومية ضغوطاً نفسية متعددة.ويعني الضغط (stress) أحداثا خارجة عن الفرد، أو متطلبات استثنائية عليه، أو مشاكل أو صعوبات تجعله في وضع غير اعتيادي فتسبب له توتراً أو تشكل له تهديداً يفشل في السيطرة عليه.

ولقد جرى تشخيص هذه الاضطرابات ودراستها بصورة منهجية تبعاً لوضوح أعراضها وشيوعها، والتقدم العلمي في مجالي علم النفس والطب النفسي. ويمكن تحديد " الهستيريا " بوصفها أول اضطراب من مجموعة الاضطرابات التي تعقب الأحداث الضاغطة يتم دراسته وتوصيف أعراضه بصورة منهجية، فيما يعد اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية( Post Traumatic Stress Disorder – PTSD) آخراضطراب في هذه المجموعة يتم الأعتراف به في التصانيف الطبية النفسية.

ويعود السبب الرئيس في تعرّف هذا الاضطراب بالوصف الذي عليه الآن إلى الحرب الفيتنامية .فقد لوحظ في السبعينات (1970) على الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في حرب فيتنام أعراض اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية، وذلك بعد تسعة اشهر إلى ثلاثين شهراً من تسريحهم من الخدمة العسكرية . وقد أثارت هذه الملاحظة دهشة الباحثين، فالمتوقع هو حصول أعراض هذا الضغط في أثناء المعركة أو بعدها بأيام، وليس بعد انتهاء الحرب بسنتين أو ثلاث!. بل أن قسماً من اولئك الجنود ظلوا يعانون أعراض هذا الاضطراب بعد مرور اكثر من ربع قرن على تلك الحرب، تقدّر الدراسات عددهم بنصف مليون من الجنود الذين شاركوا فعلاً في حرب فيتنام!

وقد وصفت التصانيف الطبية والمرشد الطبي النفسي الأمريكي اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية بأنه أية حادثة تكون خارج استجابة مدى الخبرة المعتادة للفرد وتسبب له الكرب النفسي، او تكون استجابة الضحية فيه متصفة بـ" الخوف الشديد، والرعب، والشعور بالعجز".. فيما نبهت تصانيف أخرى الى ضرورة التمييز بين اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية (PTSD) وبين اضطراب الضغط الحاد (Acute Stress Disorder)، حيث يستعمل الثاني لوصف الحالة التي يكون فيها تماثل سريع للشفاء من ضغط الحادث الصدمي، فيما يستعمل اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية (PTSD) لوصف الحالة التي لا يحصل فيها شفاء سريع من هذا الضغط.

والتساؤل هنا: اذا كان ما حصل للجنود الأمريكان من ضغوط نفسية حادة استمرت لأشهر ولربع قرن.. فكيف الحال مع ملايين الناجين من زلازل تركيا وسوريا.. والكارثة اوجع وافجع؟!

ما سيعانيه الناجون

تشير الدراسات الى ان الذين يصابون باضطراب ما بعد الضغوط الصدمية، او اضطراب الكرب التالي للصدمة، يعانون من الأعراض الآتية:

الاستيقاظ في الليل عدة مرات، مصحوبة بكوابيس متكررة لها علاقة بالزلازل.

ذكريات وافكار ومدركات اقتحامية وقسرية ومتكررة عن حدث الزلزال تسبب الحزن، الهمّ، التوتر، القلق، الأكتئاب، العنف، والتوتر.

الشعور كما لو ان الزلزال سيعاود الوقوع في اية لحظة.

تذكّر الحدث على شكل صور او خيالات.

انزعاج انفعالي شديد لأي تنبيه يقدح زناد ذكريات الحدث.

صعوبة التركيز على اداء نشاط كان يمارسه .

وفقدان الاهتمام بالحياة اليومية، الشعور بالذنب، وافكار انتحارية.

واذا علمنا ان عدد الناجين والمشردين وأسر وأقرباء ومحبي الضحايا والذين شهدوا حالات الرعب والفواجع والانهيارت الكبيرة للعمارات والبيوت في زلازل تركيا وسوريا يتجاوز الثلاثين مليون شخصا، وأن الدراسات تشير الى أن ما لايقل عن 9% من الذين تعرضوا للكوارث الطبيعية يعانون من اعراض اضطراب ما بعد الضغوط الصدمية فان عدد الذين يصابون بهذه الاعراض يتجاوز الثلاثة ملايين شخصا، بينها حالات تحتاج الى علاج نفسي سريع يمتد الى اسابيع أو اشهر، واخرى تمتد فيها المراجعات والأشراف النفسي الى سنوات.

وانطلاقا من هذه الحقيقة، وادراكا من منظمة الصحة النفسية العالمية التي عمدت الى ادراج الصحة النفسية في اطار الاغاثة في الكوارث، فاننا ندعو وزارات الصحة في تركيا وسوريا والبلدان العربية الى اتخاذ التدابير لمعالجة من يعاني من تلك الأعراض، وبينها حالات تحتاج الى سنوات، والبدء من الآن باقامة دورات تدريبية يشارك فيها اختصاصيون بالصحة النفسية ( اطباء نفسيون، استشاريون نفسيون.. .) ومتدربون يتلقون في البدء محاضرات نظرية تشمل الذكريات الأقتحامية، التغيرات السلبية في التفكير، الحالات المزاجية، ردود الفعل الجسدية.. وحالات الخوف الشديد، الرهاب، نوبات الذعر، الأكتئاب، لوم الذات، العزلة الاجتماعية.. حرقة المعدة المزمنة، تشنج العضلات، الأسهال الشديد.. .والأفكار الأنتحارية، وصولا الى خيارات العلاج النفسي المناسبة لكل حالة ما اذا كانت تتطلب مضادات اكتئاب او علاجا سلوكيا معرفيا او جلسات ارشاد نفسي جماعي.. وأخرى.

ان هذا المشروع الانساني الذي نتقدم به عبر جريدة الزمان، يتطلب البدء به من الآن، وان ادارة الجريدة ورئاسة الجمعية النفسية العراقية يسعدهما التعاون مع وزارة الصحة العراقية.. لتكون المبادرة عراقية، نحن على يقين انها ستحدث تاثيرا على مستوى العالمين العربي والدولي لصالح ملايين ستظهر عليهم اعراض ما بعد صدمة زلازل القرن.

***

أ.د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

من واجب "القارىء الباحث": تسليط الضوء على هذه المرحلة الحسّاسة ـ نهاية الملكية وقيام الجمهورية ـ، أي التعامل مع الأحداث والفاعلين الإجتماعيين تعاملاً بعيداً عن التحزب والآيديولوجيا. لهذا فقد عزمتُ على كتابة هذا المبحث، فالتعامل "الإنتقائي" مع قاسم هو ظاهرة بارزة وبشدة الآن، إذ تضجُ وسائل التواصل الإجتماعي بهذه الإنتقائية الفاضحة، وما يميز هذا التعامل الإنتقائي هو الإبتعاد عن المصادر والمراجع الموثوقة! فإطلاق الكلام اللامسؤول أصبح موضةٌ تضج بها هذه الوسائل مع كل الأسف! وكأن الحكم في التاريخ سهلٌ وفي متناول الجميع!!

سأشتغل على محورين:

الأول: قيام ثورة 14 تموز 1958 والموقف من إسقاط الملكية وقتل العائلة المالكة

الثاني: سياسة الزعيم قاسم بعد الثورة. وسيتم بحث المسألة هنا بصورة موضوعية ما إستطعنا، إذ سنذكر ما لقاسم وما عليه.

المحور الأول:

قامت الملكية في العراق بعد الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918 وسقوط الإمبراطورية العثمانية "الرجل المريض"، وتحديداً في عام 1921، فقد جاءت بريطانيا العظمى بالأمير فيصل بن الحسين ونصّبته ملكاً على العراق بعد أن خسر عرشه في سوريا تحت ضربات الجيش الفرنسي. وقد ذَلّلت السلطات البريطانية المصاعب أمام فيصل، إذ ظهر عدد من المنافسين له: طالب النقيب ـ الشيخ خزعل ـ هادي العمري (1)

بقي فيصل ملكاً على العراق حتى وفاته في عام 1933، وكان فيصل رجلاً وطنياً مؤَسّسَاً للدولة العراقية الحديثة، هذه حقيقة لا مجال للمراوغة فيها (وبوفاة الملك فيصل الأول باني الدولة العراقية الحديثة ومؤسسها إختل التوازن السياسي في البلاد) (2) فتسلّمَ إبنه غازي العرش، وكانت فترة قصيرة، إذ توفي الملك غازي في حادثٍ غامض في عام 1939. فأصبح عبد الإله وصيّاً على العرش، فإبنه فيصل الثاني كان قاصراً، ولم يتسَلّم فيصل مهامه كملكِ على العراق إلاّ في عام 1953 (3)

وتميزت هذه الفترة بتسلّط الوصي عبد الإله، وحتى عندما تَسَلّم فيصل مهامه الدستورية كملك على العراق، أصَرّ عبد الإله على الحيلولة دون إتصال الملك الجديد بالشعب، وهذا ما قاد الملكية لنهايتها المحتومة (4)

لا يمكن أن أتوسع هنا، فالقلم لن يتوقف عن الكتابة، فالإجراءات الإرهابية لنوري السعيد في فترة الخمسينيات قد ضيّقت الخناق على المعارضين كثيراً كثيراً، وعليه فقد حفر العهد الملكي قبره بيده (5)

يُقال بأن العهد الملكي كان أفضل بما لا يُقاس بالعهد الجمهوري، وطبعاً لن نختلف مع هؤلاء هنا، فالبشاعة في العهد الجمهوري ـ ما بعد قاسم خصوصاً ـ طافحة وبشدّة. ولكن هذا لا يعني بأن العهد الملكي كان عهداً ذهبياً! ثم إن المسألة لا تُقاس بهذه الطريقة فقط، فهنالك جوانب متعددة يمكن أن نُطِلَ من خلالها على الموضوع. يتصوّرُ هؤلاء بأن عبد الكريم قاسم كان جالساً مع عدد من الضُباط، ثم فَكّروا في إسقاط الملكية وإقامة الجمهورية، فضغط قاسم على الزر وإنتهت اللعبة!!

منطق ساذج ويا للأسف، فلن يقبله التاريخ أبداً. فقضايا التاريخ ـ خصوصاً الحاسمة ـ لا تُقاس بهذه الطريقة البائسة، فالبُنية الفوقية لن تتغير إلا بعد أن تتغير البُنية التحتية، فالشروط الموضوعية هي الحاكمة في النهاية، فالبُنية الفوقية ـ الملكية ـ لم تعد تستطيع الإستجابة الى البُنية التحتية ـ أي الشروط الموضوعية على الواقع ـ، وهذا ما يُخلخل التوازن ويُفَجّرُ الوضع ويقوده الى نهايته المُنتَظَرَة (6)

كانت الشروط مختمرة على الواقع، فقد هيمن نوري السعيد على حياة البلاد السياسية هيمنة لا نظير لها في السنوات الأربع التي سبقت ثورة 14 تموز 1958 (7) وعليه فقد إزداد التعاون الوطني خصوصاً بعد تأميم قناة السويس، إذ إتخذت الأحزاب ـ رغم خلافاتها ـ مواقف متشابهة لتأييد مصر، ونتيجة لذلك فقد تشكلت "جبهة الإتحاد الوطني" في شباط 1957 والتي تكونت من أربعة أحزاب معارضة: الحزب الشيوعي العراقي ـ الحزب الوطني الديمقراطي ـ حزب البعث العربي الإشتراكي ـ حزب الإستقلال. أما الحزب الديمقراطي الموحد للكُرد فلم يدخل في الجبهة بسبب الفيتو الذي وضعه حزب الإستقلال والبعثيون، إلا أنه كان ناشطاً في الجبهة من خلال علاقاته الجيدة مع قادة الأحزاب المؤتلفة (8)

المسألة واضحة الآن، جناحٌ مدني سياسي ناقم وبشدة على السلطة الملكية، ولولاه لما أمكن للتنظيم العسكري أن ينجح في ثورته المظفرة أبداً. وعليه فالتبعة في إسقاط الملكية تقع على عاتق هذه الأحزاب وأتباعها أيضاً!! فَهُم من مَهّدوا الأرضية المناسبة للعسكر لكي يثب وثبته الظافرة!! فأين رُوّاد التواصل الإجتماعي من هذه الحقيقة التاريخية؟!! (9)

أما الجناح العسكري "تنظيم الضُباط الأحرار" فلم تتبلور فكرة هذا التنظيم إلا بعد ثورة 23 تموز 1952 في مصر، وقد بدأ التنظيم الحقيقي للضباط الأحرار في نهاية 1952، ويُعد النقيب المهندس رفعت الحاج سري المؤسس الحقيقي لحركة الضباط الأحرار، وقد ناقش سري مع صديقه الحميم ورفيقه في السلاح الرائد المهندس رجب عبد المجيد فكرة نشر شبكة من الخلايا السرية في صفوف القوات المسلحة (10) أما الزعيم الركن عبد الكريم قاسم قائد لواء المشاة التاسع عشر من الفرقة الثالثة والعقيد الركن عبد السلام محمد عارف قائد الفوج الثالث للواء المشاة العشرين من الفرقة نفسها، فقد عادا من الأردن في 3 كانون الثاني 1957، وبادر قاسم للمطالبة رسمياً بدمج منظمته بالمنظمة الرئيسية مع إصراره على إدخال عبد السلام عارف على أن يكون مسؤولاً ـ أي قاسم ـ عن تصرفاته. ونظراً لسموّ رتبة قاسم وأقدميته رُقيّ الى رئيس اللجنة في آب 1957، وأصبح محيي الدين عبد الحميد نائباً أول للرئيس ورجب عبد الحميد نائباً ثانياً له، وبقي رجب عبد المجيد أميناً للسر (11)

لنفترض أن قاسم لم يكن موجوداً! أو أنه لم يشترك في "مؤامرة" إسقاط النظام الملكي! فهل يعني هذا أن الملكية ستبقى؟! فقاسم قد إنضمَ لاحقاً لتنظيم الضباط الأحرار، أي أن المسألة لا تتعلق بقاسم ـ الأشخاص ـ قدر تعلقها بالمجموع أي العسكر.

مقتل العائلة المالكة: من البديهي أن مقتل العائلة المالكة مرفوضٌ قطعاً، خصوصاً بالطريقة البربرية التي تمت بها. لكن، نحن في ثورة، وفي النهاية فإن الثورة عبارة عن شأنٍ فَظِ وقاسٍ وعنيف، في جزءٍ منها على الأقل (12) يتساءل المؤرخ الكبير حَنّا بطاطو:

(هل كان هذا عملاً وحشياً أو لا إنسانياً؟) يقصد قتل نوري السعيد وعبد الإله ثم سحلهما والتمثيل بجثتيهما، فيُجيب: (ربما لا يكون إصدار مثل هذا الحكم ملائماً، ولكن علينا أن نُضيف ـ لا تبريراً بل توضيحاً ـ أن نوري وولي العهد لم يكونا أبداً رحيمين بحياة الناس. ثم: أيُستَغرَبُ أن تنبع اللاإنسانية من الأوضاع اللاإنسانية التي كان يعيشها "شرقاوية" ـ سكان الأكواخ الطينية ـ بغداد؟) (13)

ثم هل كان من الممكن الإبقاء على عبد الإله ونوري السعيد؟! ألا يعني هذا الإجراء أن الثورة ستتعرض للخطر الكبير وتتكرر مأساة 1941؟

المحور الثاني:

قبل أن ندخل الى هذا المحور، لا بُدّ من لمحة موجزة عن الزعيم قاسم.

وُلِدَ قاسم في 21 / 11 / 1914 في مدينة بغداد، أي في السنة التي تفجرت فيها الحرب العالمية الأولى، وُلدَ في عائلة تدين بالإسلام، من أبٍ عربي يُدعى قاسم محمد البكر الزبيدي، ومن أمٍ عربية إسمها كيفية حسين اليعقوبي. كان الأب سُنياً حنفياً، أما الأم فكانت شيعية جعفرية. دخل عبد الكريم قاسم مدرسة الصويرة الإبتدائية مع تأسيس الدولة العراقية الملكية في عام 1921 وإستمر فيها حتى الصف الرابع الإبتدائي، ثم إنتقل منها الى مدرسة الرصافة الإبتدائية في بغداد وتخرج منها عام 1927. بعدها دخل الى الثانوية المركزية في بغداد وتخرج منها في عام 1930 ـ 1931، وتَعَيّنَ بعدها لمدة سنة واحدة مُعلماً في مدرسة الشامية بلواء الديوانية، ومنها قَدّمَ في عام 1932 طلباً للإنخراط في الكلية العسكرية (14)

الخصم المنصف الذي يحترم نفسه لن يتوانى عن الإعتراف بوطنية قاسم، بعدم إستغلال المنصب من أجل الإثراء الشخصي، هذه حقيقة لا بُدّ من الإعتراف بها، فعبد الكريم قاسم كان رجلاً وطنياً مخلصاً لبلده وشعبه، وحقق الكثير من الإنجازات في فترة قصيرة جداً، خصوصاً للكادحين. فلم يُطعم قاسم الفقراء كلماتٍ فقط، بل عمل بشكل ملموس وبالتنسيق مع عارف أولاً ثم لوحده، على تحسين حصتهم، فقد خفض إيجارات الغرف والمنازل والدكاكين، وخفض سعر رغيف الخبز المسطّح والصمونة والطحين الموزع على الأفران، وحدد العمل الليلي بسبع ساعات، والنهاري بثمان ساعات. وبنى لسكان الأكواخ الطينية في بغداد خلال سنتي 1959 ـ 1960 مدينة كاملة تحتوي على 10000 منزل وطُرق وأسواق ومدارس ومستوصفات صحية وحمامات عامة، وسميت هذه المدينة الجديدة بمدينة الثورة (15) وكان قاسم يُعلن إنتماءه عند توجهه للجمهور الى فقراء العمال (16)

لكن هذا لا يعني بأن قاسم كان قديساً! إذ له أخطاء قاتلة دفع ثمنها هو شخصياً أولاً، ثم العراق ثانياً. فمع كل إيجابياته، لا يمكن تبرأته من كل ما حدث، فقد كان قائد الثورة والجيش، وكان بإمكانه منع دخول العراق وشعبه في ذلك النفق المظلم الذي إبتدأ منذ يوم 8 شباط 1963 (17)

فعلى الرغم من وطنية قاسم، لكنه كان سياسياً فاشلاً (18) في النهاية. نعم، كان يمتلك مقداراً من الدهاء، ثم الكفاءة والمقدرة على أن يكون وفق ما يريده أي شخص الى أن ينضب معين هذا الرصيد (19)، لكن سياسة "المداورة" القاسمية إلتفت عليه في النهاية! يضرب القومييين (20) ثم يخَفّفُ الوطأة عنهم! يتعاون مع الشيوعيين ثم يُنَكّل بهم! ومسألة الحزب الشيوعي تحتاج لوقفة خاصة:

نَكّلت الملكية بالشيوعيين أعظم تنكيل، وما إن تفجرت ثورة تموز حتى ظهر الشيوعيون الى العلن في مرحلة لم يعهدوها سابقاً، إذ كان العمل السري ديدنهم. لم يستفد قاسم من هذا الحزب العريض صاحب الشعبية الواسعة آنذاك، وعامله كغيره جرياً على قاعدة قاسم، أي الوقوف على مسافة واحدة من الجميع. وعلى الرغم من هذا الموقف ومن التنكيل القاسمي اللاحق للشيوعيين، لكنهم بقوا مخلصين لقاسم وللثورة الى النهاية، وكانت خاتمتهم مؤسفة ومميتة جداً، إذ نَكّل الحرس القومي بهم أعظم تنكيل، من سكرتير الحزب الأول سلام عادل، الى أبسط شيوعي من القاعدة (21)

سياسة قاسم عجيبة والله، إذ كيف يمكن الوثوق بالقوميين وحزب البعث بعد محاولتهم الفاشلة في إغتياله؟! (مع إن قاسم كان مُطلعاً على خطط البعث الإنقلابية فإنه فَضّلَ أن يمد للبعثيين يد المصالحة على البقاء تحت رحمة الشيوعيين. مع إن البعثيين والقوميين رفضوا حتى النهاية مصافحة اليد الممدودة إليهم) (22) ليذهب قاسم الى نهايته المأساوية...

الخلاصة:

1/ لم تكن العائلة المالكة محبوبة من قِبَل الشعب، وقد قضت ثورة 14 تموز على أسرة مالكة كريهة بكل ما لهذه الكلمة من معنى، والإنقلاب نفذته مجموعة صغيرة من الضباط، لكنه قوبل بحماسة من جميع الأوساط السياسية العراقية (23) وعليه فقد كانت 14 تموز ثورة شرعية مدعومة سياسياً وجماهيرياً.

2/ كان الزعيم عبد الكريم قاسم رجلاً وطنياً مخلصاً، لكنه لم يكن قديساً، ولم يكن شيطاناً أيضاً، بل كان إنساناً "فاعلاً إجتماعياً في المركز الأول"، وقد أخطأ كثيراً بسياسة التوازن بين الأطراف التي إنتهجها لنفسه، فأدخل نفسه والبلد في نفق مظلم، وقد دفع كلاهما ـ قاسم والعراق ـ الثمن غالياً.

3/ لا مجال للحديث عن "أفضلية" الملكية على الجمهورية، فلا توجد زاوية واحدة للنظر بل زوايا متعددة. ثم إن الكلمة الأخيرة ستكون للتاريخ ـ وقد قالها ـ وليس لهذا الطرف أو ذاك ممن لم يعاصروا الأحداث آنذاك.

***

بقلم:  معاذ محمد رمضان

.......................

الحواشي:

1ـ خيري العمري: حكايات سياسية من تاريخ العراق الحديث، مراجعة عبد الحميد الرشودي، تقديم علي الوردي، مطبعة دار القادسية بغداد الأعظمية، الطبعة الأولى، الصفحات: من 38 الى 90 وقد أسهب العمري في هذا الموضوع المهم

2ـ محمود الدرة: ثورة الموصل القومية 1959 / فصل من تاريخ العراق المعاصر، منشورات مكتبة اليقظة العربية بغداد الطبعة الأولى 1987 ص35

3ـ جعفر عباس حميدي: التطورات والإتجاهات السياسية الداخلية في العراق 1953 ـ 1958، الطبعة الأولى 1980، ساعدت جامعة بغداد على نشره، ص35

4ـ المصدر السابق ص15

5ـ المثقف في وعيه الشقي / حوارات في ذاكرة عبد الحسين شعبان، إعداد وتقديم: توفيق التميمي، دار بيسان للنشر والتوزيع الطبعة الأولى 2014 ص43

6ـ إعتمدنا في التحليل القيّم أعلاه ـ كما لا يخفى على القارىء النبيه ـ على المنظومة الفكرية الماركسية

7ـ عبد الفتاح علي البوتاني: العراق / دراسة في التطورات السياسية الداخلية 14 تموز 1958 ـ 8 شباط 1963، دار الزمان دمشق ـ سوريا الطبعة الأولى 2008 ص34

8ـ المصدر السابق ص35 و 36

9ـ من الضروري أن أشير هنا الى أن "حكم العسكر" بعيد عن الديمقراطية، وهذه طبيعة ملازمة له تقريباً، وعليه فنحن لا نؤيد هذا الحكم إلا في حالات خاصة

10ـ البوتاني: المصدر السابق ص39

11ـ المصدر السابق: ص40

12ـ حنّا بطاطو: العراق / الكتاب الثالث ـ الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار، بترجمة: عفيف الرزاز، منشورات دار القبس الكويت ص116. وتوجد في كتاب حنا بطاطو مناقشة رائعة مع سفير الولايات المتحدة فالديمار غالمان صاحب كتاب "عراق نوري السعيد" إنتهى فيها بطاطو الى أن 14 تموز كانت ثورة أصيلة ص115 و 116

13ـ المصدر السابق: ص111 و 112

14ـ إعتمدنا هنا على بحثٍ للدكتور كاظم حبيب بعنوان: عبد الكريم قاسم في ذمة التاريخ، وهو منشور في كتاب: ثورة 14 تموز وعبد الكريم قاسم في بصائر الآخرين، إعداد وتقديم: الدكتور عقيل الناصري، دار الحصاد سوريا ـ دمشق الطبعة الأولى 2012 ص207 و 208

15ـ وهي مدينة الصدر الحالية

16ـ حنّا بطاطو: المصدر السابق ص151 و 152

17ـ البوتاني: المصدر السابق ص377

18ـ عبد الحسين شعبان: سلام عادل الدال والمدلول وما يمكث وما يزول / بانوراما وثائقية للحركة الشيوعية، دار ميزوبوتاميا العراق ـ بغداد شارع المتنبي، الطبعة الأولى 2019 ص64

19ـ أوريل دان: العراق في عهد قاسم، الجزء الأول، ترجمة وتعليق: جرجيس فتح الله، دار آراس للطباعة والنشر ودار الجمل، الطبعة الأولى 2012 ص171

20ـ لا يعني القتل، فقاسم كان رحيماً حتى مع من حاول قتله! يُراجع: دان، المصدر السابق ص233 الى 237

21ـ يمكن مراجعة العديد من المصادر هنا، لكن أنصح القارىء بكتاب زوجة سلام عادل "ثمينة ناجي يوسف ونزار خالد: سلام عادل ـ سيرة مناضل" طبعة دار المدى 2001

22ـ البوتاني: المصدر السابق ص376

23ـ دان: المصدر السابق ص484

 

سؤال بدأ يطرح اليوم وبقوة، هو إلى أين تتجه العلاقات المولدوفية الروسية؟ ولماذا يدور الحديث عن ضرورة ان تغادر قوات حفظ السلام الروسية إقليم ترانسنيستريه؟ على الرغم من ان مولدوفا هي دولة صغيرة، ولا يتجاوز عدد سكانها 3.5 مليون نسمة، ولا تمتلك قوة عسكرية كبيرة، فأفراد قوتها العسكرية لا يزيد عن 10-15 ألفًا، مع مراعاة جنود الاحتياط، ولا تمتلك اي قطعة عسكرية كبيرة ؟

لقد أصبحت حقيقة أن الغرب يتوقع أيضًا من كيشيناو مواصلة المسار نحو التفكيك الكامل للعلاقات الروسية المولدوفية واضحة في الآونة الأخيرة، فقد زار عدد من الأوروبيين المؤثرين العاصمة المولدوفية كيشيناو، وقالت رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا، ان مولدوفا هي المنطقة العازلة الأولى في الصراع " في أوكرانيا والاتحاد الأوروبي"، وان على الاتحاد الأوربي فعل المزيد، أكثر من ذلك بكثير، في حين قال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، إن "الاتحاد الأوروبي سيشرك مولدوفا في مشاريع لزيادة الحراك العسكري للنشر السريع للقوات المقاتلة"، ان خطة التنقل العسكري إلى تهدف "تعزيز التعاون مع الناتو والشركاء الاستراتيجيين الرئيسيين مثل الولايات المتحدة وكندا والنرويج، مع تعزيز التعاون والحوار مع الشركاء الإقليميين وبلدان التوسع مثل أوكرانيا ومولدوفا ودول البلقان الغربية."

وتدعم الرئيس مايا ساندو المسؤولين الذين يحاولون إقناع السكان بأن كل مشاكلهم من روسيا، ومن "غازبروم" نفسها، التي "خفضت بلا أساس بنسبة 50٪ من إمدادات الغاز الطبيعي لمولدوفا"، في الوقت نفسه، نست رئيس مولدوفا، أن تقول إن كيشيناو انتهكت باستمرار شروط المدفوعات الحالية، وطلبت تأخيرًا في كل مرة، وكان من المفترض أن تقوم بمراجعة الديون التاريخية (700 مليون يورو) والبدء في سدادها في مايو، ولم يتم إجراء التدقيق، ولم يتم سداد الديون ومن غير المحتمل سدادها، وتؤكد مايا ساندو أن الاحتجاجات هي أيضًا من عمل موسكو، و كل الحديث عن حقيقة أن كيشيناو دفعت ثمن كل شيء ولم تنتهك أي شيء هو من أجل السكان، هو غير صحيح، والذين يخرجون اليوم للاحتجاج ويتهمون السلطات بحقيقة أنه يتعين على المواطنين الآن دفع المزيد مقابل الغاز الروماني والأوروبي، أكثر من دفعه مقابل الغاز الروسي .

أما السياسيون في مولدوفا، فيتخيلون باستمرار بعض المشاريع غير القابلة للتحقيق مع من يسمونهم بالشركاء الأوروبيين، إما أنهم يروجون لمشروع خط أنابيب باهظ الثمن، والذي لا يوجد إلا على الورق، أو يعلنون فجأة عن توفير الكهرباء من أراضي رومانيا، على الرغم من أن هذه الأسعار لن تكون في متناول مواطني مولدوفا بالتأكيد، لكن، حتى لا يتخيلوا هناك ولا يتحدثون على التلفزيون، فإن كل الغاز الذي يدخل البلاد اليوم يأتي من روسيا، والناس يعرفون ذلك جيدًا، لذلك لا يريد السكان الشجار مع روسيا، ولا يريدون قطع العلاقات.

وعن الوضع السياسي في مولدوفا والذي حدث مؤخرًا، فهناك موجة من الاحتجاجات، وتم تغيير رئيس الوزراء فجأة، بدورين ريشان، وهو من يعارض روسيا صراحة ويعتبر من الصقور، وأعلن ريشان عن حاجة قوات حفظ السلام الروسية إلى مغادرة ترانسنيستريا، في الوقت نفسه، أكد ريشان أن مجموعة من القوات الروسية يجب أن تغادر الضفة اليسرى لنهر دنيستر حصريًا بالوسائل السلمية، والحديث يدور عن رحيل أكثر من ألف ونصف من العسكريين الروس الموجودين على أراضي جمهورية مولدوفا دون أسس قانونية، حسب رأيه، بالإضافة تصريح وزير خارجية مولدوفا آنذاك، نيكولاي بوبيسكو، على قناة TV8 أن PMR هي التي "تعقد مسار التكامل الأوروبي" للبلد، وأن "الوجود غير القانوني للقوات الروسية" على أراضي كانت الجمهورية عاملاً من عوامل عدم الاستقرار في المنطقة بأكمله، على الرغم من أن وحدة حفظ السلام الروسية تحمي ترانسنيستريه بموجب اتفاقية عام 1992، التي وقعها رئيس مولدوفا آنذاك، والواضح أن هذا يساعد على حل النزاع بين ترانسنيستريا ومولدوفا، ومستودعات الذخيرة.

أذن الحديث بالدرجة الأساس يدور عن الذخيرة، ( وهو بيت القصيد ) الموجودة في ترانسنيستريه، ذلك الإقليم الصغيرة الذي أعلن استقلاله عن مولدوفا سنة 1992، ويقع على الضفة اليسرى لنهر دنيستر بين أوكرانيا ومولدوفا، وهي التالية في منطقة الخطر، ففي الآونة الأخيرة، وفي كثير من الأحيان، بدأت التهديدات الخارجية في الظهور على المنطقة، ويرتبط ذلك أساسًا بمحاولة الاستيلاء على مستودعات عسكرية معينة في قرية معينة من كولباسنا، ( وهي قرية صغيرة في ترانسنيستريا، يبلغ عدد سكانها بالكاد 1000 شخص)، وتقع على بعد 2 كلم من الحدود الاوكرانية، والتي يسهل حتى المشي اليها، حيث يستغرق ذلك 20 دقيقة، تفصل بين كولباسنا عن أوكرانيا، وقد أشارت وزارة الدفاع الروسية، إلى أن الجانب الروسي يسجّل حشودا عسكرية كبيرة لقوات كييف، ونشرها المدفعية والعربات المدرعة على الحدود مع جمهورية ترانسنيستريا، وزيادة غير مسبوقة في تحليق الطائرات المسيّرة فوق ترانسنيستريا، وقالت ان كييف تستعد لاستفزاز ضد ترانسنيستريا، وستقحم فيه كتيبة "آزوف" النازية، و " مثل هذا الاستفزاز يشكل تهديدا مباشرا لقوات حفظ السلام الروسية في ترانسنيستريا"، وشدّدت على أن الجيش الروسي سيرد بشكل مناسب على هذا الاستفزاز المحتمل من الجانب الأوكراني.

ويجاور القرية من الجنوب، مستودع عسكري يحرسه جنود روس، ووفقًا لبعض المعلومات، فالحديث يدور هنا عن القاعدة الأكبر في أوروبا الشرقية بأنواع مختلفة من الذخيرة، والتي يصل مجموع كتلتها الآن إلى حوالي 22000 طن، تضم قذائف دبابات ومدفعية، وقذائف الهاون والألغام الأرضية، والقنابل الجوية، وعلى أراضي المستودع من عيارات مختلفة، حتى FAB-5000، وقذائف البنادق الآلية والمدافع المضادة للطائرات، وكذلك الذخيرة للأسلحة الصغيرة، وأي هجوم على المستودع أو تخريب على أراضيه يمكن أن يؤدي إلى انفجار قوي ناتج عن تفجير مئات الآلاف من الذخيرة، وهذا هو السبب في أن حماية ترانسنيستريا هي إحدى المهام ذات الأولوية بالنسبة لروسيا في الوقت الحالي.

فهو أكبر مستودع عسكري في أوروبا وتحرسه قوات حفظ السلام الروسية، مع الأخذ في الاعتبار حقيقة، أن القوات المسلحة الأوكرانية فقدت أكبر مستودع في بالاكليا (منطقة خاركيف)، وبما ان الجيش الأوكراني لم يكمل بعد الانتقال إلى معايير الناتو، لذلك هناك حاجة ماسة إلى قذائف للقوات المسلحة الأوكرانية، وإذا لم تتبع حتى منطقًا استراتيجيًا، بل تكتيكيًا، فمن السهل جدًا على الوحدات الأوكرانية الحصول على قذائف لمدفعيتها، لذلك فإن الاستيلاء على هذه المنشأة بالنسبة لكييف سيكون حملة ناجحة للغاية، ولذلك أيضا يتم تجميع الوحدات التجريبية للقوات المسلحة الأوكرانية معًا بالقرب من بريدنيستروفيه، وأجرت القوات الأوكرانية التمارين والتنسيق، وهي مستعدة في أي لحظة لعبور الحدود، والشيء الوحيد هو أنهم يخشون أن تكون الترسانة ملغومة وأن يتم تفجيرها.

لقد تم إنشاء المستودعات العسكرية في قرية كولباسنا في عام 1949، وكانت ترسانة استراتيجية لأنواع مختلفة من أسلحة الجيش الرابع عشر السوفيتي، وتم إحضار الجزء الرئيسي من الأسلحة إلى هناك من أوروبا الشرقية بعد انهيار حلف وارسو، وبحلول بداية التسعينيات، كانت المستودعات تحتوي على أكثر من 40 ألف طن من الذخيرة حتى عام 2004، وبموجب اتفاقيات اسطنبول لعام 1999، تم تصدير نصف الترسانة إلى روسيا، وفي الوقت الحالي، وفقًا لمصادر مختلفة، يتم تخزين حوالي 22 ألف طن من الذخيرة في المستودعات التي تبلغ مساحتها حوالي 100 هكتار، وعلى الرغم من أن السلطات الأوكرانية تدعي أن أكثر من نصف هذه الترسانة المتفجرة قد فات موعد استحقاقها، إلا أنه وفقًا لوسائل الإعلام الأوكرانية، يمكن أن تكون 7-8 آلاف طن من هذه الذخيرة جاهزة للقتال.

مولدوفا الآن في نقطة الانقسام، وتتبع النخبة السياسية في البلاد بدقة، تعليمات رعاتها من واشنطن وبروكسل، الذين يريدون ربط مولدوفا بالقضية الأوكرانية، وترتيب ميدانهم هناك، لكن الناس يقاومون، وفي الواقع، فشلت مولدوفا في بناء علاقات فعالة حقًا ليس فقط مع بلدان رابطة الدول المستقلة، ولكن أيضًا مع الغرب، وقدم الاتحاد الأوروبي لهم قائمة ضخمة من المتطلبات التي يجب أن يفي بها الاقتصاد المولدوفي، من أجل الاندماج مع الاتحاد الأوروبي، ويحاولون الآن تبرير أفعالهم غير الكفؤة وغير البناءة في الاقتصاد والسياسة، ويكسبون نقاطًا أمام الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بمساعدة مذاهب معادية للروس، وبهذه الطريقة يبتزون روسيا، وفي نفس الوقت يمارسون ضغوطًا نفسية على دولتهم، والسكان الناطقين بالروسية.

لذلك من غير المحتمل، أن تتخذ روسيا- التي تنصح السلطات المولدافية بتوخي الحذر -، أي خطوات جذرية في ظل هذه الخلفية، مثل إغلاق صمام الغاز أو إرسال جميع العمالة الوافدة إلى خارج البلاد، أولاً، روسيا مهتمة برفاهية مواطني بريدنيستروفيه، وإمدادات الغاز تذهب إلى مولدوفا في المقام الأول من أجلهم، وثانياً، المولدافيين يعتبرون اشقاء للروس، ولديهما إيمان مشترك وثقافة وتاريخ مشترك، ولكن، على الرغم من كل الخوف من روسيا للسياسيين المحليين، فإن روسيا تتحلى بضبط النفس، ولم يتم إدراج مولدوفا بعد في قائمة الدول غير الصديقة، لذلك لا تزال العلاقات الاقتصادية والثقافية قائمة، لكن كل شيء يمكن أن يتغير، ويعتمد ذلك على كيفية تطور الأحداث إلى حد كبير على الخطوات التي سيتم اتخاذها في كيشيناو.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

ظهور رئيس الحكومة السابق، مصطفى الكاظمي، في طهران، بعد أيّام، من انتهاء زيارة الوفد العراقي، إلى واشنطن، برئاسة وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، شغَّل ميدان الرمي، على منصات السوشيال ميديا؛ التي حوَّلت "الإطار التنسيقي" إلى رَجُلٍ من القش، لا يستطع قول شيء.

إسعافُ اللِّسان الإطاري كان ضرورياً. هكذا قدَّم عزت الشابندر، "تايتل" سوشيالي سريع، تَرْجَم فيه زيارة الكاظمي، بأنها محاولة لـ "إحياء الموتى". حقيقة الأمر، إنَّ ما قيل عن تواجد الكاظمي في طهران، وما سيُقال، مجرَّد كلام موميائي. أعترف الوزير حسين، بأنَّ حكومة السوداني الحالية، تسير بمنجزات الكاظمي إلى "الأمام سِّر" و إلى الوراء لن تَدُر!

"الإطار" كاظمي المنهج

الوزير حسين، صوَّر في جلستِه الحواريَّة – معهد اتلانتيك – ورقة الكاظمي الإصلاحية؛ "الورقة البيضاء"، بأنها لوحة "موناليزا" الإطار؛ التي يُعلِّقُها رئيس الحكومة الحاليَّة، محمد السوداني في دِماغه، و هو يمضي مُسرِعاً، في توزيع رشقاتِه الإصلاحيَّة، على مؤسسات الدولة، المليئة بالسراديب الحزبيَّة.

مُحاوِرُه الأمريكي من أصولٍ عراقيَّة، بيَّن بأنَّ حكومة السوداني، أوَّلُ حكومةٍ عراقية، تبني على "إنجازات الحكومة التي قبلها". المُحاوِر اعتبر ذلك، دلالةً على نُضجٍ سياسي. التيار الصدري، كانت السمكة الوحيدة؛ التي لم تَعلَق في سِّنارة الحِوار. المُحاوِر لم يجِد أهميةً للمسألة. ربّما لأنهُ يحمِلُ رأياً مُسبقاً، ليس بديعاً، عن التيار و زعيمه، مفادُه: "إنَّهُ رئيسُ طائفةٍ لا أكثر". معنى الطائفة و زعيم الطائفة، ليس محموداً البتَّة في الثقافة الأمريكية.

توصيات الكاظمي عن التيار و زعيمه، هُجِرَت من الوزير حسين، رغم وجودها في أروقة واشنطن، ومُلخَّصُها: "لا يمكن للعملية السياسيَّة أن تستقر بدون مشاركة الصدريين". حصَّة "الإطار التنسيقي" من الزيارة، تستحِقُ هذا الاختصار: نحنُ إيرانيون الهوى مضمونون كاظميَّاً. ربّما ذلك يستطيع تفسير، سبب عودة نوري المالكي، لتقليب الحبَّة الصدريَّة، في مسبحتِه السياسيَّة.

المالكي، فجأةً و بدون إنذار، استخدم أشهر أدواته البراغماتية: "لا توجد لن في السياسة". السيدة الفرنسيَّة الشهيرة، إذاعة مونت كارلو، نقلت عنه: "إنَّ الخِلافات مع التيار الصدري ستنتهي قريباً". طبعاً، التيار الصدري مشهورٌ، بأكلِّ نوري المالكي في الحياة السياسيَّة، و الذي وصفه بـ "الميَّتة"؛ التي كان لا بُدَّ من هضمِها في انتخابات 2010م.

مصير مصطفى الكاظمي السياسي؛ سيكونُ وقفاً، على لائحة الطعام السياسيَّة للتيار. الأهم، إننا سنعرف إن كان ما فعلهُ التيار بسحب نوَّابِه، كان: نوبة قوَّة، برنامج "شيعي" كان مطبوخاً في الكواليس، أم نُضج سياسي!؟

اختفاء "تشرين" من البيان المشترك

الوزير حسين، استعرض كثيراً من نُقاط قوَّة النِظام السياسي بعد 2003م. مثلاً:" رأيتُ أربعة رؤساء للحكومة، يجلسون مع بعضهم الآخر. قُلت الحمدُ لله.. إذاً نحنُ ما زلنا على الطريق الصحيح". هذهِ الحذاقة الفؤاديَّة، لماسِك حقيبة الدبلوماسيَّة العراقيَّة، اضحكت الحاضرين. بدا الوزير، بعد هذهِ القهقهات، نجماً ساطِعاً عراقيَّاً بأضواءٍ أمريكيَّة.

المتظاهِرون، الاحتجاجات، و "تشرين"، اُختصِرت بأنَّ الشباب العراقي لا يعرفون "ما عشناه في زمن النظام السابق، ليس لديهم شيء يُقارِنون به". هكذا سُجيَّت "تشرين"، و عُرِض النِظام قويَّاً، في معهد السلام الأمريكي.

الحكمةُ الفؤاديَّة، اختارت "النفقات التشغيلية"، لجيش العاملين في المؤسسات الحكومية، حِجةً دامِغة على سلامة النوايا الحكوميَّة، تجاه الشعب العراقي، و شريحتهُ الشبابيَّة؛ التي لا تُفكِّرُ إلَّا بـ "الوظائف الحكومية". الأرقام التي استخدمها حسين: "الرواتب بلغت أربعين تريلوناً في السنوات السابقة، و هي الآن اثنان و ستون ترليوناً في ميزانية 2023م". الدليل إنَّ الترليونات الأربعين، بسعر صرف 1200 دينار عراقي للدولار الواحد، تشبهُ الترليونات الاثنين و الستين،  بسعر1500 دينار عراقي تقريباً للدولار الواحد حالياً، في سوق تصريف العملة الموازي.

وزير الخارجيَّة العراقي، عندما سأله الدبلوماسي الأمريكي، جيمس جيفري، في مركز ويلسون الدولي، عمّا يُريده العراق من الولايات المتحدة؟ أجابه: "نُريدُكُم هناك معنا".

البيان المشترك للجانبين، العراقي و الأمريكي، كان خالياً من شُبهة الحديث عن حقوق الإنسان. منح "فيزا" سفر للعراقيين، من النوع الذي ليس له علاقة بـ "الهُجرة"، ربّما كان نوعاً من التعويض. حتّى هذا التعويض المفترض، ما زال غير مكتمِل الإجراءات. الأرجح إنَّهُ سيصبحُ بدراً، متى ما زارت الشركات الأمريكية، العراق، في يونيو القادم.

الرياض، طهران، و اللقاءات الإعلامية

الوزير حسين كان بارِعاً و حاذِقاً، في لقاءاته الإعلاميَّة، رغم بعض الهِنَّات الاصطلاحيَّة، التشنُّجات في التأكيد على نُقاطٍ ليست بذاتِ أهميَّة، رغم إنَّهُ يمتلِكُ وجهة نظرٍ مُحقَّة، و تقييمه للدور الإيراني.

الهِنَّات الاصطلاحيَّة الصارِخة، كانت  تخصُّ الاقتصاد الرقمي. حسين اعاد تسميته مِراراً، بـ "الاقتصاد الإلكتروني". المؤكَّد إنَّ أعوامه السبعين و انشغالاته السياسية، كانت بعيدة عن العالم الرقمي عموماً. العيب الوحيد في هذا التفسير، إنّهُ كان وزيراً للمالية، و من المفترض أن يكون مصطلح "الاقتصاد الرقمي" قد زارهُ بشكلٍ متواتر.

لقاءهُ مع  إحدى القنوات العربيَّة، كان متشنجاً أثناء أيّام زيارته الأمريكيَّة. كان مسترخياً أكثر، في لقائه مع مُمثِّلِها في بغداد، قبل زيارته لواشنطن. لم يكُن هناك من داعٍ، أن يُصِرَّ على عدم وجود "تهريب للدولار" إلى إيران بشكلٍ كبير، و إن العراق لا يلعب دور الوساطة بين دول المنطقة إنّما يقومُ بدورٍ محوري. الأرجح إنَّهُ غالى في إيصالِ عِتابه، على نظيره السعودي، لأنه تحدَّث مع نظيره الآخر الإيراني، عند تهنئة رئيس البرازيل الجديد، لولا دي سيلفا.

التأكيد على أهمية الحِوار بين واشنطن و طهران، لأن "التوتر بينهما يؤثِّر على العراق"، كان قولاً فصلاً لحقيقة متأخِّرَة. إيضاحُ ذلك و بلهجةٍ مُباشِرة أوصل رِسالة، نقترحُ ترجمتها كالتالي: إن بقي التوتر فلن يحصل شيء إيجابي حقيقي من هذه الزيارة!

بخس العلاقة بين طهران و الميليشيات العراقيَّة، إلى مُجرَّد إيديولوجية، كان ارتجالاً على الأكثر. الخطير، كان محاولة إقناع العقول التي تقود مراكز التفكير الأمريكيَّة، بأنَّ القرار العراقي؛ سيتسرَّب مع مرور الوقت من "الأصابع الإيرانية إلى اليد العراقيَّة".

الواضح إنَّ هذه الزيارة كانت معقَّدة. نتائجُها من ناحية اشتراطات الفيدرالي الأمريكي؛ فيما يخصُّ بيع الدولار، ارتطمت بصخرةٍ صمَّاء. أمّا الإسعاف المعنوي؛ الذي قام بهِ رئيس الحكومة، من توقيعه مذكرة تفاهم مع شركة جنرال الكتريك؛ فهو واقعيَّاً خالٍ من أيَّة قيمةٍ آنيَّة.

الأهداف الواعِدة، كانت إعلان الدعم الأمريكي لمشاريع الغاز في العراق، و الإعلان عن لِجان إضافية مشتركة، تدعم تفعيل اتفاق الإطار الاستراتيجي، بين بغداد و واشنطن. أيضاً، إيران باتت تحترم كلام المسؤولين العراقيين أكثر من قبل! بحسب الوزير حسين.

 إنَّ "الإطار التنسيقي" بعد كُل شيء، كان ابناً سياسياً ضالاً، عن بيت العلاقات الدولية، و قد وجد طريق العودة أخيراً، عبر السفارة الأمريكية. وقَّعت حكومة الإطار كذلك، جولة جديدة من التراخيص النفطية. و مهَّدت لانسحاب شركات النفط الروسيَّة – صفقة على الأكثر - تستطيع بغداد من خلالها، دفع مستحقات شركات إيفان إيفانوفيتش (مصطلح يُطلق للإشارة عموماً إلى الإنسان الروسي العادي).

عراقياً، كانت هنالك صدى إيجابي. مثلاً، و بحسب تصريحات نوري المالكي، باتت هناك فُرصة حقيقية، لنزع السلاح، من الجماعات المُسلَّحة؛ التي تعمل خارج نطاق الدولة، رغم إنَّ المقصود بها - تقديري المتواضع - لا يعدو التيار الصدري، و  تشغيل الضوء الأحمر لعصائب أهل الحق و زعيمها؛ فالعصائب اينعت في حُقبة المالكي، بعد أن أُخِذت شتلتُها، من كوكب سجن "بوكا" الشهير.

ردود الفعل غير المناسبة، بدرت من حكومة إقليم كردستان العراق؛ التي استعدت لنتائج الزيارة منذُ بدايتها، بالتلويح من جديد بـ "الانفصال"، و هي ردَّةُ فعلٍ مفهومة، على دعم واشنطن لتشريع قانون النفط و الغاز؛ الذي لا يؤمِّن مصالحها الحزبيَّة، و يجعلُ قامتها السياسيَّة، أقل من بغداد بكثير، في حساباتِها المستقبليَّة. النتيجة النهائية و إن بدت ضبابية، لكنها ذات مؤشِّرات إيجابيَّة؛ إنَّها دفعت مثلاً، وزير الخارجيَّة الإيراني، إلى مُباركة علاقات العراق مع مُحيطه العربي!

طهران بالطبع، أبقت قُدرتها واضحة في العراق، من خلال التلاعب و لو إعلاميَّاً، بسوق العُملات الصعبة في العراق، عبر منصة "نيما". كان ذلك في اليوم الذي صدر فيه البيان المشترك، لكن تلك عادة دبلوماسيَّة إيرانيَّة متأصِّلة.. تقوم بالشيء و نقيضه؛ فقنطار الوقاية العراقي، أرخص من درهم العلاج الإيراني، المُخصص لـ ليالي فيينا النووية.

***

مسار عبد المحسن راضي

كاتب، صحافي، وباحث عراقي

 

الطائفية ُعلّة ترافق غير الأسوياء وصانعي النزاعات ومبتكري العداوات والضغائن لخلق البلبلة وشقّ صفّ المواطنة من اجل الترسيخ لحروب أهلية بين ابناء الوطن الواحد وجعلهم متنافرين ومتكارهين لبعضهم البعض مما يخلق تمايزا عرقيا ودينيا ومذهبيا  تؤدي الى سفك الدماء البريئة ؛ وكل من يعتنق الطائفية ويشيعها سواء رجال سياسة ام دين ام زعماء كتل يتحملون أوزار تلك النزاعات .

ولنا أن نتساءل: كيف للمرء ان يدعي ارتقاءه على "الطائفية" وهو لا يكل ولا يمل عن توصيف الاخر بها!؟ انه مايسمى بالمنطق"اجتماع الاضداد"oxymoron"

اعتقد ان افضل الطرق لمحاربة الطائفية هو رفضها سلوكيا والعزوف عن استخدامها كأتهام او توصيف للاخرين.

فالطائفية كما نراها هي منطق اختزالي اتهامي لكنه قيمة تافهة تهيمن وتتفشى شأنها شأن الهواء المنضب الفاسد الفاعل والمؤثر في ظواهره على انه ديني المنشأ ولكن في بواطنه سياسي اقتصادي يقوم على لعنة الاتهام ، فاتهام طائفة لأخرى ارتكازا على ادعاء احتكار الحقيقة المطلقة وحجبها زورا عن الطائفة الأخرى .

فهذا الوحش الضاري المفترس القاتل المخرب لبنى الوطن يتغذى بالتشرنق وبالوعورة الدينية حيث العقلية الباحثة زورا عن انه تمايز يُنتزع زورا وبهتانا على حساب إحقاق الحق وفرض الهيمنة والوصاية وانه الاصلح والاعدل بينما الطرف الاخر مضل وعدواني وبعيد عن الصراط المستقيم ويجب محاربته وحتى فناءه اذا اقتضى الامر  .

الطائفية هذه اللعنة المركبة غالبا ما يُهندس لها في المعامل الخارجية فتُخلق عبر آليات لعقليات اقتصادية وسياسية غارقة بالأدلجة المغرضة التي تروم السيطرة على الوطن وثرواته وكل مافيه من قبل فئة صالحة حصرا كما يدّعون  .

فكرة الطائفية المنعوتة بالهمجية والمذمومة المقيتة المعتدية المضادة للإنسانية والإنسان لا يمكن إثارتها في البلد القوي القادر المتوازن القادر على تطوير استراتيجياته الإقتصادية والسياسية والثقافية والقادر على الدفاع عن الصالح العام وتقديمه على الصالح الخاص؛ وبمعنى آخر أي لا وجود للطائفية مع إحقاق الحق وفرض العدالة حيث لا يوجد ظالم ومظلوم ومهيمن ميسور ولا مظلوم فقير غاضب أي لا يمكن للطائفية أن تتغذى وتنمو إلا في البلدان الفاقدة للرؤى  التصالحية القاصرة على تطوير استراتيجياتها بما يتوافق مع مصالح كافة الأطياف وإقامة التوازن في توزيع الثروات هذا يعني بأنه لا يمكن محوها ما لم يتم السعي حثيثا وجادا بإزالة الأسباب المؤدية إليها .

إنها توجيه للإرادة الإنسانية باتجاه مغاير للحضارة والتقدم والازدهار لأنها العدو الذي يقسم كي يسود ولأنها الطاعن بأخلاقيات العدل الإنساني .

إذاً ما هي أهم الأسباب الرادعة والزاجرة لها؟ بل ما هي السبل القادرة على إطفاء جذوتها.

وهنا تتعدد وجهات النظر بحيث يبقى السؤال هل يمكن تفعيل الإرادة السياسية لطاقاتها القصوى من اجل سنّ قوانين المحاسبة لكل من يتخذها ديدنا وصك الدساتير القادرة على وضع الحد الفاصل لسياسات التخوين ، وهل يمكن أختيار لجان على مستوى دولي من أناس عرفوا بالنزاهة والإنسانية للقضاء على هذا الشر المطلق حيث لا يجوز احتكار الوطنية لفئة دون أخرى فالوطن ليس من حق طائفة ولا طيف دون آخر بتاتاً .

إذاً فالطائفية تنمو في خرائب الظلم واللاعدالة .

الطائفي هو الذي يفقد عقله ويرهن إرادته لتاج رأسه، وهو الذي يتبع أحزابًا طائفية، ويتواطأ مع جرائمهم ومذابحهم وعمالتهم . وكل طائفي هو عميل دون أن يدري . 

الطائفية مثل ظاهرة الزنا تماما فالكل ينتقدها علنا لكن الكثير يمارسونها خفيةً .. هكذا أراها وأقولها بلا استحياء.

***

جواد غلوم

نظرا لطول أمد الصراع مع الكيان الصهيوني وعدم انجاز هدف التحرير والاستقلال الوطني، وبسبب ضعف النظام السياسي والطبقة السياسية وقوة التدخلات الخارجية في الشأن الوطني، يبالغ كثيرون في ممارسة النقد دون ضوابط ولكل شيء دون طرح أي رؤية أو استراتيجية واقعية وعقلانية للخروج من المأزق وتصحيح المسار.

النقد سلوك وقيمة سياسية وأخلاقية محايثة للحياة السياسية، والأحزاب والقيادات السياسية التي تحترم حرية الرأي والتعبير وتحترم شعبها تتقبل النقد بل وتمارس النقد الذاتي بين فترة وأخرى وخصوصاً عندما تجد حالة تذمر وعدم رضا من الشعب تجاه سياساتها.

لا نروم من انتقاد بعض منتقدي ومعارضي النظام السياسي الفلسطيني تجميل المشهد، فالنظام السياسي وصل لحال من التكلس والعجز والفساد بحيث بات محتاجا ما هو أكثر من النقد، والطبقة السياسية وصلت لدرجة من الكلاحة بحيث لم تعد تحترم الشعب، ولكن هناك فرق بين النقد الموضوعي الذي ينطلق من الفهم العقلاني للواقع وما يجب على القيادات السياسية القيام به وتستطيع ذلك ولكنها لا تقوم به، من جانب، والنقد الهدام الذي تكون دوافعه مجرد حب الظهور والتميز وينطبق عليهم المثل الذي يقول (خالف تُعرف) أيضا نقد السياسيين الذين ينطلقون من عدم فهم الواقع ومدفوعين بمواقف مسبقة تجاه النظام السياسي وقيادته تؤسَس على حسابات شخصية أو حزبية ضيقة أو لخدمة أجندة خارجية غير وطنية. الأولون يتلمسون ويعترفون بما يوجد من إيجابيات وانجازات عند الأحزاب والقيادات السياسية حتى إن كانت إنجازات محدودة، وحتى إن لم تكن هناك إنجازات لا يكون هدف الانتقاد مبنياً على رغبة بالانتقام بل السعي للأفضل وتصحيح المسار.

المنتقدون أو المعارضون الموضوعيون لا يسعون لمصلحة شخصية من الحاكم ومستعدون للتضحية بحريتهم وحتى بحياتهم من أجل المصلحة الوطنية وتصحيح المسار، أما الآخرون فيتنكرون لأي إنجاز للقيادة والأحزاب السياسية كما يتنكرون لكل التاريخ الوطني ولا يكون هدفهم من الانتقاد تصويب المسار بل البحث عن مصالحهم الخاصة حتى وإن كانت على حساب الوطن، وعندما ينتقدون فساد النظام السياسي يكونوا غارقين في فساد أكبر.

بالرغم من كل الانتقادات على عمل القيادات السياسية والأحزاب وما هي عليه اليوم من حالة ضعف وعجز في مواجهة التهديدات الإسرائيلية المتعاظمة وما ينتابها من أوجه فساد وعدم قدرتها على تحقيق الأهداف الوطنية بالحرية والاستقلال، إلا أن ذلك لا يعني تجاهل تاريخها النضالي في مقارعة دولة الاحتلال في الداخل والخارج ودورها في التعبئة والتنشئة السياسية، وبالتالي فإن الهدف من الانتقادات ليس اطلاق رصاصة الرحمة عليها والبدء من نقطة الصفر في العمل السياسي الوطني، بل حثها على تطوير عملها والخضوع لإرادة الشعب من خلال الاحتكام لصناديق الانتخابات وأن تتقبل كل ما يوجَه لها من انتقادات وأن تعترف بأنها وصلت لطريق مسدود في أدائها السياسي والعسكري وعليها فسح المجال لنخب سياسية جديدة، وألا تكون مصالحها الخاصة وارتباطاتها بحسابات وأجندة خارجية عقبة في طريق استنهاض الحالة الوطنية .

نفهم جيدا مأزق السلطة والحكومة في الضفة وكذا بقية الأحزاب والقوى السياسية بل وفشلها وانزلاقها المتدرج نحو التكيف مع واقع الانقسام وأحيانا مع مخططات العدو، ولكن لا مفر من إشراك هذه الأحزاب في أي توجهات لاستنهاض الحالة الوطنية، مع ضرورة انفتاحها واستيعابها للقوى الجديدة التي ظهرت على الساحة وخصوصا فئة المثقفين والكتاب وأصحاب الرأي المستقل، وفي نفس الوقت ممارسة الضغط عليها لتنبذ من صفوفها الفاسدين ومعيقي المصالحة.

وعلينا ملاحظة أن المجتمع الفلسطيني لم ينتج بعد فصائل منظمة التحرير حالات سياسية منظمة ذات أهمية وتأثير غير حركتي حماس والجهاد الإسلامي ويمكن إضافة حركة المبادرة التي يترأسها مصطفى البرغوثي، كما أن المجتمع المدني أصابه ما أصاب السلطة/ السلطتين من فساد وعجز وانقسام وارتهان لأجندة خارجية، وبالتالي غير مؤهل لقياد ثورة على السلطة .

الحالة الفلسطينية الراهنة تحتاج لفعل إبداعي يشارك فيه الشعب والقوى السياسية بما فيها الحاكمة، فعل إبداعي لإعادة بناء المشروع الوطني ضمن رؤية إستراتيجية بعيدة المدى تتجاوز حسابات الحكومة والسلطة والانقسام.

للخروج من هذه الحالة وتصويب المسار الوطني هناك طريقان:

الأولى - الإصلاح التدريجي

 ويكون ذلك من خلال التوافق على ثوابت ومرتكزات المشروع الوطني والنظام السياسي بين مكونات النظام السياسي الحالية، والانتخابات العامة على كافة المستويات أهم مفاعيل هذا الإصلاح. بالرغم من فشل جهود المصالحة بهذا الشأن إلا أنه ما زال في الإمكان الاستمرار في المحاولة.

قد يبدو هذا الطريق عبثيا، وقد يتساءل البعض كيف نراهن على إصلاح من داخل أحزاب وطبقة سياسية وسلطتين فاشلتين وعاجزتين وفاسدتين، وأي توافق بينهم يعني تقاسم مغانم السلطة واستمرار الأمور على حالها وقطع الطريق على أي قوى جديدة قد تكون أفضل من المتواجدين اليوم؟

هذا القول لا يخلو من بعض الوجاهة وقد كتبنا كثيرا عن الموضوع وانتقدنا الطبقة السياسية والسلطتين الخ، ولكن نطرح هذا الطريق للخروج من المأزق حتى لا نقع في دعوات العدميين السياسيين الذين يتهمون كل الأحزاب والطبقة السياسية بالخيانة ويطالبون بأسقاطهم دون طرح بدائل عقلانية لمرحلة ما بعد اسقاط السلطة أو الثورة عليها. كما أنه داخل الأحزاب يوجد اصلاحيون وطنيون يمكنهم تغيير توجهات الطبقة النافذة في احزابهم.

الطريق الثانية: الثورة والانقلاب على السلطة

وهذا نمط شائع وخصوصا في دول العالم الثالث لمحاولة التغيير حيث تثور الشعوب على أنظمة فاسدة ومستبدة، فعلى من يثور الشعب الفلسطيني؟ وكيف يثور في ظل الاحتلال والشتات والانقسام؟

بالرغم مما يعتري السلطتين والطبقة السياسية عموما من حالة عجز ومسؤوليتهم نسبيا عما وصل إليه النظام السياسي من طريق مسدود وعدم ثقة الشعب بهذه الطبقة السياسية، إلا أن للثورة أو الانقلاب على هذه الطبقة السياسية محاذيرها.

الحالة الفلسطينية مختلفة عن الحالة العربية حيث خرج الشعب في أكثر من دولة مطالبا بأسقاط النظام، وحتى في حالة الدول العربية المستقلة فإن الثورة اسقطت الدولة وأثارت حروبا أهلية، وفي الحالات التي تم إسقاط النظام جاءت أنظمة لا تقل سوءا من سابقاتها.

حتى لا تتوه خطانا عن الطريق وننجرف باتجاه ما يريده العدو من تأجيج الفتنة الداخلية لإبعاد الأنظار عن الاحتلال وممارساته، فإن الثورة يجب أن توجه ضد الاحتلال، مع ادراكنا أن الانقسام وحال الطبقة السياسية قد يشكل عائقا أمام نجاح ثورة أو انتفاضة أو حتى مقاومة سلمية على الاحتلال.

نجاح الثورة على الاحتلال يحتاج لثورة سلمية عقلانية مؤسساتية على الذات، ثورة داخلية توحد مكونات النظام السياسي والشعب على هدف ورؤية وطنية تقطع الطريق على المراهنين على المنقذ الخارجي، كما يجب التفكير قبل محاولة الثورة أو الانقلاب على حكومة غزة أو حكومة الضفة فذلك لن يؤدي إلا لمزيد من الفتنة والحرب الأهلية أو لحكومتين جديدتين أكثر سوءا لأن الاحتلال سيوجه الأمور في الحالتين لخدمة مصالحه. وعلينا الانتباه إلى أن واشنطن وهي لا تحتل العالم العربي احتلالا مباشرا تمكنت من توجيه الثورات العربية بما لا يتعارض مع مصالحها فكيف الحال مع الكيان الصهيوني الذي يحتل كل فلسطين؟.

***

إبراهيم ابراش

هذه قراءة تحليلية لخطاب الرئيس الروسي فلادمير بوتين السنوي المنتظر الذي القاه يوم أمس الثلاثاء بمناسبة مرور عام على نشوب الحرب الأوكرانية أمام الجمعية الفيدرالية وبحضور جمع غفير من العسكريين، وتواجد رمزي صيني تمثل برئيس مكتب لجنة الشؤون الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وانغ يي.

وقد بدا بوتين -كعادته- في خطابه ثابتاً متماسكاً مستقراً جاداً ذا رؤية ثاقبة وهو يستعرض استراتيجية روسيا الشاملة ذات المحددات الواقعية دون شطح للخيال أو التضليل، مؤكداً على الأسباب التي دفعت بروسيا إلى هذه الحرب الضروس، فَيُسْتَشَفُّ من عباراته المحددة والمركّزة إيمانه بالنصر الحتمي الذي لا تقبل روسيا غيره.. ملوحاً بالخيار النووي من خلال إعلانه تجميد روسيا لاتفاقية ستارك 2 التي أعيد تفعيلها في 25  مارس 2010 والتي تتضمن خفض نسبة الأسلحة الإستراتيجية الهجومية والتحكم بنسب تحريك ونشر الأسلحة النووية.. وهي رسالة مقلقة للغرب.

وأوضح في خطابه الذي جاء بعد نحو عام من بدء هجومه العسكري في أوكرانيا أن تدفقات المال الغربية للحرب لا تنحسر، وأن الغرب أخرج المارد من القمقم، مؤكدا أن "النخب الغربية لا تخفي هدفها: إلحاق هزيمة إستراتيجية بروسيا، أي القضاء علينا مرة واحدة وإلى الأبد".

فقد انتهج بوتين في خطابه لغة التحريض القائمة على القومية السلافية والدين المسيحي الأرثوذكسي ضد الخطر الغربي الداهم الرامي إلى تقسيم الاتحاد الروسي، قائلاً في سياق ذلك:

“نحن أصحاب حق، وسنقاتل حتى النهاية لإستعادة هذا الحق وتحقيق النصر”، وهو مؤشر إلى أن قرار الحرب مُبَرَّرْ فيما لا يمكن وقفه إلا وفق الشروط الروسية الضامنة لحقوق الروس في شرق أوكرانيا والقرم.

وللتذكير فقد أعلن بوتين منتصف سبتمبر 2022 ضم أقاليم لوغانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون الأوكرانية بالإضافة إلى القرم للاتحاد الروسي، فيما يواصل الجيش الروسي تقدمه في كافة الجبهات، وقد أوشكت مدينة باخموت الأوكرانية على السقوط بيد قوات فاغنر الروسية التي تخوض مع الجيش الأوكراني المحاصر حربَ شوارع ملحمية.

وحاول بوتين في خطابه تبرير خطوته الاستباقية في الحرب التي نشبت في 23 فبراير 2022 من خلال استعراضه لمراحلها مشيراً إلى أن الغرب تجاهل مطالبه المشروعة في عدم قبول أوكرانيا بعضوية الناتو وضرورة مناقشة أمن أوروبا الشامل، بعيداً عن أسلوب المناورة وفق اعتراف المستشارة الألمانية انجيلا ميركل أثناء التوقيع غير الجاد على معاهدة مينسك لوقف الحرب في شرق وجنوب أوكرانيا عام 2014 مؤكدة على أنهم فعلوا ذلك لكسب مزيد من الوقت، بغية تسليح الجيش الاوكراني لكي يتصدى للجيش الروسي إذا ما اقدم على دخول الأراضي الأوكرانية.

حيث قال بوتين ذلك للتاكيد على أن أمريكا وحلفاءها، يتبنون استراتيجية تفكيك روسيا من خلال إثارة الصراعات المحلية واستثمار الحرب الأوكرانية لاستنزاف روسيا وبالتالي توسيع نطاقها من الثنائية بين روسيا وأوكرانيا -بالوكالة عن الناتو- إلى العالمية في إطار حرب نووية محتملة؛ ما يمثل تهديداً وجودياً للاتحاد الروسي مستوجباً الرد التصعيدي المناسب.

وقد أسهب بوتين الحديث في مخاطبة الغرب مؤكداً بأن الحرب الأوكرانية لن تنتهي قريباً، فيما دعا مواطنيه إلى ضرورة التعايش مع هذه الحرب وما يرافقها من حصار غربي شامل ، بغية فك الحصار وتحقيق النصر مؤكداً بكل ثقة على أنه لدى روسيا قوات احتياط قادرة على الاستمرار حتى النهاية، موحياً إلى أن إيقاف هذه الحرب يعني نهاية الاتحاد الروسي وتقسيمه.

ويستشف المراقبون من تهويل بوتين لنتائج الحرب الكارثية -فيما لو هزمت روسيا- على الاتحاد الروسي بأنه يهيء الشعب الروسي والعالم لتفهم استخدام السلاح النووي في سياق "الدفاع المشروع عن النفس بكل الوسائل المتاحة"، هذا إذا علمنا بأن المناورات الروسية المتعاقبة وكان آخرها في جنوب أفريقيا التي تشترك مع روسيا والصين في مناورات عسكرية بحرية قبالة دوربان التابعة لجنوب افريقيا على المحيط الهندي، إلى جانب إعادة انتشار منظومات الصواريخ القادرة على حمل الرؤوس النووية والغواصات التي تصول وتجول في البحر الأسود والبلطيق؛ كل ذلك يؤكد هذه النوايا التي تضمنها خطاب بوتين التاريخي بلغته التصعيدية الجادة.

وقد سلطت عدسات التصوير الضوء على حضور كبار القادة العسكرين بوجودٍ صينيٍّ ذي مغزى يتمثل بحضور رئيس مكتب لجنة الشؤون الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وانغ يي، الذي اجتمع بالرئيس الروسي بوتين منوهاً إلى أن "الجانب الصيني سيلتزم بحزم، كما كان دائما، بموقف موضوعي وحيادي ويلعب دوراً بناء في التسوية السياسية للأزمة".

إلا أن الحضور الصيني بحد ذاته يخالف هذا الكلام ولا يعني إلا موقفاً منحازاً لروسيا.

وبعيداً عن التضليل الإعلامي الغربي من خلال الهجمة المستعرة على روسيا؛ فإن الشواهد على الأرض تؤكد نصر روسيا ميدانياً وتقدم جيشها في كافة الجبهات وإسقاطه الوشيك لمدينة باخموت، وحفاظ الروس على الاستقرار الاقتصادي من خلال تدفق عائدات الطاقة الروسية على الخزينة وثبات الروبل النسبي نتيجة السياسة الحكيمة للبنك المركزي الروسي التي لم تتأثر سلبياً وفق ما سعت إليه الاستراتيجية الغربية خلافاً للتضخم الذي أصاب دول حلف الناتو وعجزها عن انتاج الأسلحة والذخائر التي استنفدت في الحرب الأوكرانية حيث تُشَبَّه مجازاً بالثقب الأسود.

وقد أبدت روسيا تفوقها على خصومها الغربيين في تعويض نقص السلاح والذخائر والتحكم في مجريات الحرب الإلكترونية مع أن روسيا لم تضع كل ثقلها في الحرب التي من الممكن أن تتحول إلى حرب نووية تكتيكية أو شاملة؛ لو أن قادة الغرب لم يلتقطوا رسائل بوتين ممعنين في حشر روسيا بالزاوية.

فالحرب -تقليدية كانت أو نووية- تبدأ عادة بشرارة صغيرة حتى تأكل نيرانها الهشيم في لحظات.. فهل أصاب قادة الغرب العمى ليظلوا في غيهم يعمهون أم يستجيبوا لصوت العقل باعتماد خيار المفاوضات!

***

بقلم بكر السباتين

22 فبراير 2022

 

عُقدت بدُبَي الدَّورة العاشرة للقِمة العالميَّة للحكومات من 13إلى 15 فبراير 2023 حضرها رؤساء ورؤساء وزراء، وخبراء عالميون في العُمران.

ليست كالقمم السياسية، تفتتح بجدول أعمال وتُختتم ببيان، قمة أفكار وتجارب، لخصتها كلمة معالي مطر الطَّاير، وهو يُقدم خطة دُبَي في المستقبل تحت منهج «المدن للناس وجودة الحياة»، خطط للمحافظة على التَّطوير الحضريّ، والعمل على أنّ تكون مضيفة القمة الأفضل عالمياً بزيادة جودة الحياة، وأقرب ما فيها لسعادة الإنسان المحافظة على ستين بالمائة مِن مساحة الإمارة كمحميات طبيعيَّة، وعيش نصف السُّكان بالقرب مِن محطات النَّقل، ناهيك عن فورة الاستثمار، ودقة الأمن، كي تكون الأفضل عالميَّاً «محورها الإنسان». فالمدن النَّاجحة، والكلام للوزير «ليست صدفةً»، إذا لم تكن بها تنمية الإنسان أهم مِن تنمية العمران، فهي مجرد حيطان. كان قديماً أهم ما يشغل ذهن الحاكم، أو مؤسس المدينة، التّحصين مِن الغزاة، وأسباب الحياة مِن ماء وطعام، ويجمع الحُكماء أسباب اختيار المدن: «وقالوا: لا تبنى المدن إلا على الماء والمرعى والمحتطب» (الجاحظ، البيان والتَّبيين)، وأضاف آخرُ رابعاً «الحصانة»(التَّوحيديّ، الإمتاع والمؤانسة).

أمّا اليوم فما عادت هذه الأسباب موجبة، في الأرض التي تُختار لبناء المدن، لأنّها تُخلق، أمَّا نرى هذا الرَّمل اليبيس، الخالي مِن المرعى والماء والمحتطب، يقصده البشر مشتغلين وسائحين! توفرت فيه الخدمات وتكاملت للأفراد: الصحة والأمن والتَّعليم والتَّرفيه! ونزله رؤساء العالم ليضعوا خُطط مستقبل مدنهم؟!

عندما اختار أبو جعفر المنصور(ت: 158 هج) بَغْداد عاصمةً لم يفكر بتاريخها، ولا باسمها البابلي «بَغْدادو»، وكذب مَن جعلها «الصّنم وصاحبه»، أو فارسية المعنى. قَبِل المنصور بنصيحة الرَّاهب، صاحب الدَّير المقيم بها، أنها الأنقى هواءً والأفضل اتصالاً عبر دِجلتها(انظر: البَغْداديّ، تاريخ بَغْداد).

لفت وزير الدَّاخليّة الإماراتي الفريق  سمو الشّيخ سيف بن زايد آل نهيان، في كلمته عن بلاده وما يتعلق بالبيئة والإنجازات، إلى «بطارية بَغْداد»، وهو يتحدث عن الكهرباء ودورها، ماذا لو انسحبت مِن الحياة اليوم، وقد حل الظَّلام داخل القاعة، كمثال على معنى حضور الكهرباء وغيابها، ثم قال: «قبل ألفي عام ظهرت بطارية بَغْداد التي اكتشفت 1936»، وأظهر نموذجها على شاشة العرض، مع برقية تحية، مِن على المنصة، إلى العراق وأهله، شاكراً حفاوة الاحتفاء في كأس الخليج العربي 25 بالبَصْرة. كتب الآثاري العراقي بهنام أبو الصُّوف(ت: 2012) عن بطارية بَغْداد، المحتفى بها في قمة الحكومات بدُبَي، والمكتشفة شرقي بَغْداد، حيث قناة الجيش اليوم: «جرة صغيرة مِن الفخار، ارتفاعها لا يزيد على 15 سم، تحوي في داخلها مجموعة مِن مواد، تبين عند دراستها أنْها تضم أسطوانة نحاسيَّة، ثبت في وسطها قضيب مِن حديد، يبرز قليلاً عند فوهتها، وقد غُطيت بطبقة مِن مادة الأسفلت(القار)».

«كما توجد في قاعدة الأسطوانة النُّحاسيَّة طبقة مِن الأسفلت أيضاً، وقد طُلي باطن الجَرة كُلها بهذه المادة أيضاً، وفي ضوء دراسة محتويات هذا الإناء الفخاريّ ظهر أنْه يكون مواد لبطارية كهربائيَّة جافة، وهو يمثل خليةً مبسطةً... يرجع تاريخ بطارية بَغْداد المكتشفة في موقع خيوط ربُوعة إلى قبل نحو ألفي سَنة»(أبو الصّوف، التَّاريخ مِن باطن الأرض). كنت مذهولاً وأنا أسمع هذا الاحتفاء بتاريخ العِلم ببَغْداد، فمرت على ذهني عذاباتها، هذه بطاريتها وهي والكهرباء في خصومة.

أقول: إذا كان لابد مِن تخفيف الصَّدمة، فلا أجودَ مما نظمه مصطفى جمال الدّين(ت: 1996):

«بَغْداد ما اشتبكت عليكِ الأعصرُ/

إلا ذوت ووريق عُمركِ أخضرُ/

*

مرّت بك الدُّنيا وصُبحك مشمسٌ/

ودجت عليك ووجه ليلَّكِ مقمرُ/

*

وقستْ عليك الحادثات فراعها/

أنْ احتمالِك مِن أذاها أكبرُ»

(قصيدة بَغْداد: 1965).

***

رشيد الخيّون - كاتب عراقي

من هو الزعيمُ الإسبانيُّ الذي فرضَ علمَ الأنْدُلُس التاريخيِّ الأخضر فوقَ المؤسساتِ الحكومية!

لماذا أُدْرِجَ هذا الزعيم ضِمْنَ مَطِالِبِهِ اللغةً العربيةَ كلغةٍ رسميةٍ للإقليم؟

وهل فعلاً طالب بتعميم الزيِّ العربيِّ على دور الأزياء في اندلوسيا لاستلهامه!! من باب استرجاع الشخصية الأندلسية؟

وهل حقاً تضمنت أطروحاته الاستراتيجية اعتبار أندلوسيا المستقلة جزءاً من المغرب؟

ماذا كان مصير هذا الزعيم الإسباني الفذ.. وما هي آثاره الآن؟

من هو الشاعر الإسباني ابن غرناطة الذي مجد الأندلس؟

وأكثر من سؤال!!

سُئِل الشاعر الإسباني الشهر «فديريكو غرسيه لوركا» يومًا عن سقوط الحكم العربي لغرناطة في عام ١٤٩٢ ميلادية، فأجاب قائلًا والحسرة تلتهم مشاعره المرهفة، فَيُسَرِّحُ وجدانًه في غياهب ما جرى في الماضي المظلم:

«لقد كان يومًا أسودا، رغم أنهم يذكرون لنا عكس ذلك في المدرسة (مسيسة المناهج)، لقد ضاعت حضارة مدهشة، وشِعر، وفلك، ومعمار، ورِقَّة لا نظير لها في العالم، وحلَّت محلها مدينة فقيرة، خانعة، تزخر بطالبي الصدقات، وحيث توجد الآن أسوأ طبقة برجوازية في إسبانيا».

لقد تأثر هذا الشاعر الفذ بمسقط رأسه غرناطة التي توشحت السواد منذ سقوطها على يد القشتاليين حيث ترعرع في أحضانها الخصبة، بكل ما تنبض فيها من أجواءٍ عربيةٍ وأندلسيةٍ بقيت آثارها على مرِّ القرون دون أن تمس بضرر لهيبة مقامها الراسخ في الذاكرة الجمالية الإنسانية، ولقد استبانت تلك الأجواء في شِعره وفي مسرحياته التي استلهم فيها الروح الشعبية في قرى الأندلس ومدنه.. غرناطة التي شهدت ولادة لوركا الذي اعدمه الجنرال فرانكو في اتون الحرب الأهلية في عام ١٩٣٦م تحديداً في «عين الدمعة» بقرية «فرنار» الغرناطية كونه يسارياً انبرى للدفاع عن حرية الشعب المغبون .

عاشق الأندلس الذي قال:

"ليمهلني الموتُ حتى أصيرَ في قرطبة

قرطبةُ البعيدةُ الوحيدة "

نحنُ الأنَ في دولةِ الاتحادِ الإسبانيِّ ما يسمى بشبهِ الجزيرةِ اللإيبيرية وتحديداً في إقليمِ أندلوسيا جنوبِ البلاد..

بداية نحن سنتناول هذا الموضوع لثلاثة أسباب:

الأول ترسيخاً لمفهوم أنه لا يموت حقًّ وراؤه مطالب.. كرسالة موجهة إلى الشعوب المحتلة المغبونة كالشعب الفلسطيني!

والثاني مناصرة لشعب الأندلس المتجذر في المكان وقد سلبت هويته وشخصيته بكل ابعادها دون مشورة منه؛ بل تم ذلك بالترهيب منذ احتلال الأندلس على يد القشتاليين قبل مئات السنين!

الثالث: تعرض هذا الشعب لسياسة تعدد المكاييل فيما يتعلق بحق العودة للمهجرين خلافاً لليهود السفرديم.. وهذا ظلم تاريخي قاسي!

من هنا سَنَلِجُ هذه البلادَِ على متنِ عبارةٍ فحواها أنَّ ما يدورُ في إسبانيا منذُ سنوات، إنما يُثْبِتُ بأنَّ الحقَّ لا يموتُ بالتقادمِ وأنَّ الظلمَ لا يتخفّى كالحرباءِ في ظلِّ التاريخِ مهما طالَ أمَدُه.. ومن هذا البابِ يمكنُ فهمُ نضالِ الشعوبِ حتى تَنْتَزِعَ حريتَهَا واستقلالَها من براثِنِ الاحتلالِ كحالِ ما يحدثُ في فلسطينَِ المحتلة.. على اعتبار أنَّ من ورثوا تراث الأندلس هم من أصحابِ المكان الأصليين ممن تبرعموا من تحتِ ثراها متابعين خطى الشمس في كبدِ السماء، ودفعوا الثمن غالياً إزاء صبرهم على الضيم الذي أصابهم منذ سقوط الأندلس قبل 526عاماً.

حينما نتحدث عن انبعاثِ روحِ الأندلس في جنوب إسبانيا فهذا يقودنا لتسليط الضوْء على الحراكِ الأندلسيَّ في إقليم أندلوسيا بعد أن هبط ابناءُ هذه الحضارةِ الافلةِ من مهاجع الخوف والنسيان في قممِ الجبالِ النائية إلى عمقِ الإقليم ومدنه المعاصرة.

بداية تسلل غناؤهم "الفلمنجو" بواسطة الغجر الذين شكلوا رابطاً للتواصل بين منافيهم التي تسترت بظلال الهامش، حتى آن أوان استحضارهم لملامحهم التي ظن الخصوم بأنها طمست إلى الأبد وتماهت مع الهامش، ليعيدوا أمجادَ الأندلس وهيبةَ شخصيتِها في حراكٍ سياسيٍّ وتراثيٍّ فاعل وقد زرعوا الراية الأندلسية من جديد في مركز الفعل مطالبين بالاستقلال التدريجي، وها هي ترفرف عالياً فوق المباني الرسمية وعلى شرفات البيوت الخاصة.

وقبل الحديث عمَّن علّق الجرسَ أولاً، تنبغي الإشارةِ إلى أنَّ التحدّياتِ الكُبرى التي تواجهها إسبانيا في الوقت الراهن، تتجلّى برفض الأقاليمِ الإسبانية الثلاثة لفكرة الاتحاد في ظل التنافر الثقافي المتنامي والتقوقع الإقليمي المستقل مع مراعاة الخصوصية الثقافية والتاريخية لكل إقليم .. والأقاليم هي:

أولاً- إقليمُ كتلونيا الذي جرى فيه استفتاءٌ حول الانفصالِ عن الإتحادِ الإسبانيِّ عام 2016.

ثانياً- إقليمُ الباسك الشمالي، الذي يضم عاصمة الاتحاد الإسباني مدريد .

ثالثاً- إقليمُ أندلوسيا (الأندلس) صاحبُ المبادرة الريادية في الاستقلال التدريجي عن الاتحاد الإسباني، من أجلِ نيلِ الاستقلالِ التام، إذ يُعَدُّ الإقليمُ الإسباني الأخطرُ في قائمةِ التحديات، التي يواجهها الاتحاد من حيثِ تنامي مشاعر الغبن في الذاكرةِ الأندلسية التاريخية التي تُدِينُ جرائمَ القشتاليين ضد المسلمين في الأندلسِ التاريخية، الذين أُبِيدُوا عن بَكْرَةِ أبيهِمْ في إطارِ خياراتِ ثلاثة، تجلت فيما يلي:

أولاً- الإبعادُ عن إسبانيا في مجاميعَ سكانيةٍ ضخمة بناءً على الهوية الدينية التي تخالف معتقدات القشتاليين.

ثانياً- تغييرُ الهويةِ الثقافية، والدينية، بالانقلابِ إلى الدينِ المسيحيِّ بالترهيب.

ثالثاً- الإعدامُ قتلاً بالسيف، أو بالحرق لكل من قاوم هذه الخيارات علانية فنجم عن ذلك مجازر مرعبة يندى لها جبين الإنسانية، حيث استلهمها مقترفوها الإسبانيون فيما بعد إبان اكتشافهم الأمريكيتين وبسط نفوذهم فيهما، حيث مارسوا ذاتَ الجبروتِ ضدَّ الهنودِ الحُمْرِ كما تُؤَكِّدُ الوثائقُ التاريخية).

ولكن بالنسبة لليهود السفرديم ، وفي ظل ازدواجية المعايير، وبسبب الضغوطات على إسبانيا التي مارستها الحركة الصهيونية (المتسببة جوراً باحتلال فلسطين) ملوحة بمعاداة السامية من باب الابتزاز، فقد قدمت إسبانيا اعتذارها لليهود عن جرائم القشتاليين ضد الأقلية اليهودية الإسبانية وتجاهل جرائمهم بحق المسلمين الأندلسيين الذين بنوا حضارة الأندلس، لا بل وأعلنت وزارة العدل الإسبانية أن مدريد قررت منح حق الحصول على الجنسية الإسبانية لأحفاد اليهود الذين طردوا من البلاد عام 1492 بعد رفضهم لاعتناق الكاثوليكية.

وبموجب القرار، فإن كل السفارديم وعددهم 250 ألف شخص في العالم يتحدثون لهجة اليهود الإسبانيين (وأكثرهم يساهمون في احتلال فلسطين بالحديد والنار).. يعتبرون مرشحين للحصول على الجنسية الإسبانية بغض النظر عن مكان إقامتهم.. ويحرم من هذا القرار ذوو الأصول الإسلامية في ظل قانون جائر يكيل بمكيالين.

يبدو أنَّ العودةَ إلى الذاكرةِ أيقظتِ الزعيمَ الإسبانيَّ التاريخيَّ الفذ، “بلاس انفانتي بريث” الذي اعتبره الأندلسيون سنة 1983 من خلالِ برلمانَ إقليمِ الأندلس، بالإجماع،بانَّهُ أبُ الأمةِ الأندلسية، و رائدُ النضال، كونه تمكنَ من الحصولِ على قانونٍ للحكمِ الذاتيِّ بالأندلس، وبالتالي الحصول على حقِّ رفعِ العلمِ الأندلسيِّ الإسلاميِّ القديم، إلى جوارِ العلمِ الإسبانيِّ الحديث؛

ما يعني أنَّ مربعَ الحكمِ الذاتيِّ كان هو الأساسُ لدفع قضية الإقليم باتجاه نيل الاستقلال عن شبه الجزيرة الليبيرية القشتالية (إسبانيا) فمقومات ذلك كما كان يراها “إنفانتي” تتمثل; بوحدة التاريخ المتجلي بتاريخ العرب في إسبانيا الأمر الذي دعاه للمطالبة باستعادة اللغة العربية إلى جانب الإسبانية لاعتمادها في الحياة العامة وتعليمها في المدارس والجامعات.

لا بل وأكد على حرية أهل الإقليم في استعادة زي أجدادهم العربي الأصيل الذي كان سائداً في عهد الأندلس، وذلك في إطار الخصائص الاجتماعية الخاصة للإقليم ما يجعلها لا تنسجم نسبياً مع النمط السائد في عموم المقاطعات الإسبانية الأخرى.

من هنا فقد أعلن انفانتي إسلامه أسوة بأجداده من بني أمية رداً على مصادرة القشتاليين منذ 526 عاماً لهوية أجداده الدينية والثقافية!.

ولتحقيق مطالب الإقليم السياسية أسس “إنفانتي” حزباً يطالب بإعادة إقليم الأندلس للوجود، وتحققت مطالب هذا السياسي القوي في إطار ما يسمى اليوم إقليم (أندلوسيا) ويضم سبعة مدن إسبانية جنوبية رئيسية، هي غرناطة (مدينة لوركا) وهي عاصمة الإقليم، إلى جانب قرطبة، إشبيليا، ملقه , ألمريا، ألبا، وكادث.

والإقليم اليوم مستقل في القانون وإدارة الشؤون الداخلية؛ إلا في مجال الدفاع والخارجية.

ولد ابن جنوب إسبانيا الزعيم الأندلسي الاستثنائي بلاس انفانتي بيريز، الذي يعده الأندلسيون اليوم بكافة مللهم، بمن فيهم المسلمون، أب قوميتهم ومفكر انبعاثهم المعاصر، في بلدة قشريش التابعة لمقاطعة مالقة وذلك في الخامس من يوليو عام 1885م، من أبوين تعود جذورهم العميقة إلى الأندلس، تحديداً لعائلتين سليلتين للمورسكيين القدماء ممن دافعوا عن الأندلس حتى الرمق الأخير فتشرذمت حياتهم بين النفي أو تغيير ديانتهم أو القتل.

والموريسكوس بالقشتالية هم المسلمون الذين بقوا في الأندلس تحت الحكم المسيحي بعد سقوط الحكم الإسلامي للأندلس وأجبروا على اعتناق المسيحية.

أنهى انفانتي دراستَه الابتدائيةِ في بلدته. ثم انتقل عام 1896م إلى أرشذونة ضمن مقاطعة مالقة من أجل الدراسة الثانوية، ثم انتقل إلى قبرة ضمن مقاطعة قرطبة سنة 1897م، حيث حصل عام 1900م على شهادته الثانوية. ثم عمل مع أبيه في محكمة قشريش، قبل التحاقه بقسم الحقوق في جامعة غرناطة، وتخرج من كلية الفلسفة والآداب بامتياز في أكتوبر عام 1906م.

شعر هذا الزعيم الفذ بأن الحضارة الأندلسية تمثل جوهر شخصيته.. فزار انفانتي إشبيلية وقرطبة ومجريط (مدريد)، واجتمع بزعماء الحركة الأندلسية، وأصبح يعتقد أن الهوية الأندلسية ليست هوية عرق، أو دم؛ ولكنها هوية «وجود»، و«معرفة».

وفي عام1907م، زار انفانتي إشبيلية، فوجد فيها نشاطاً فكريًا كبيرًا ذكره بطليطلة إبان العصر الذهبي الأندلسي التي مثلت بوابة انتقال الحضارة الإسلامية إلى عموم أوروبا فشكلت لدى الأوروبيين بداية نهضتهم المشهودة، فماذا وجد انفانتي في أشبيلية:

وجد هناك جمعيات شبابية لدراسة تاريخ الأندلس، و«ألعاب وردية» تُلْقَى فيها الخطب الحماسية الأندلسية. وفي سنة 1909م، تحولت هذه الألعاب إلى احتفال قومي أندلسي.

وفي سنة 1910م، عين انفانتي قاضياً عدلياً في بلدة (قنطيانة) بتلمسان في الجزائر وهي بلدة الشيخ "أبو مدين الغوث" المدفون فيها، فسكن إشبيلية القريبة منها حيث يفصل بينهما مضيق جبل طارق، وأصبح يتنقل بين البلدتين عبر مضيق جبل طارق.

تأثر انفانتي في إشبيلية بمفكريها الأندلسيين، وساهم في أنشطتهم الثقافية. وفي عام 1913م، قبل انفانتي في مجلس المحامين.

وفي 1914م، ألقى خطاباً في «أتينيو» بإشبيلية عن «النظرية الأندلسية»، كان أساس كتابه التاريخي عن القومية الأندلسية. وفي نفس السنة فتح مكتب محاماة في إشبيلية. وفي سنة 1914م، ظهرت الطبعة الأولى من كتابه الشهير «النظرية الأندلسية».

وفي العام 1916م، أسس انفانتي أول «مركز أندلسي» في إشبيلية، تبعته مراكز أخرى في مدن الأندلس وقراها، وأصدر مجلة «الأندلس» كلسان حال المراكز الأندلسية، والحركة القومية الأندلسية.

ومع الأيام تحول «مركز إشبيلية الأندلسي» إلى مركز أنشطة أندلسية، تثقيفية، وتخطيطية، ومنه خرج المنشور الداعي إلى «اجتماع المقاطعات الأندلسية» الذي استعمل فيه عبارة «الأمة الأندلسية» لأول مرة.

وهكذا أصبح انفانتي بأفكاره، وحركته، رئيس تيار جديد للحركة القومية الأندلسية.

وفي 1917م، ألقى انفانتي بصفته رئيس «مركز إشبيلية الأندلسي»، محاضرةً أساسيةً أعطت لأفكاره نضوجاً ثورياً، صرح في آخرها: «نحن لسنا بصدد إنشاء حزب، نحن نريد إنشاء شعب قادر بأن يحكم نفسه بنفسه».

***

وفي الرابعة عشر من يناير عام 1918م، انعقد اجتماع «مجلس المقاطعات الأندلسية» في رندة ب"مالقة"، فعدد انفانتي معالم القومية الأندلسية في النقاط التالية:

أولاً:- الاعتراف بالأندلس كبلد، وقومية، ومنطقة ذات حكم ذاتي، ديمقراطي، على أساس دستور انقيرة (مدينة أنقيرة قرب مالقة).

ثانياُ:- اختيار العلم الأخضر والأبيض، علماً للأمة الأندلسية، ورمز قادس شعارًا لها، و(قادس إقليم أندلسي).

خاطت هذا العلم زوجة بلاس إنفاتي، بحيث يرمز اللون الأخضر والأبيض للخير والسلام.

(هناك زعم غير دقيق باعتبار الألوان ترمز للدولة الأموية والموحدين).

ودخل انفانتي اللعبة السياسية للتعريف بأفكاره القومية الأندلسية، فتقدم لانتخابات منطقة (غسان – أشتبونة) في مقاطعة مالقة، حيث يوجد مسقط رأسه بلدة قشريش لكنه لم يفز ولم يثنه ذلك عن طموحه المتجدد باتجاه تحقيق الحلم الأندلسي العظيم؛ لذلك تقدم بلاس انفانتي، ورفيقه خوزي أندرس، باسم المؤتمر، لهيأة الأمم المتحدة مطالبَيْن بالاعتراف بالقومية الأندلسية.

وتعزيزاً لذلك؛ شارك انفانتي في يناير عام 1919م، باجتماع «المجلس الإداري الأندلسي» التأسيسي، الذي انتهى بالاتفاق على «تخطيط نظري للقومية الأندلسية»، كان له تأثير هام على مجرى الفكر القومي الأندلسي، ومنه انبثقت مشاريع النهوض بالقومية الأندلسية وترسيخها كمسألة تاريخيةٍ سياسيةِ واجتماعية.

وفي نفسِ العامِ تزوج انفانتي. ثم تقدم لانتخابات إشبيلية باسم «الديمقراطية الأندلسية» المكونة من الجمهوريين الاتحاديين، والقوميين الأندلسيين، والاشتراكيين المستقلين. وقد اتَّهَمَ حينها عاصمة الاتحاد الإسباني مدريد بأنها تتحكم بنتائج الانتخابات من خلال توظيف المال السياسي؛ لكنه رسب في الانتخابات فكانت فرصة متاحة للحكومة المركزية للتخلص منه سياسياً باتهامِهِ وأتباعِهِ بالتآمرِ على أمن الدولة ووحدتها كونه ظل ثابتاً على شعاراته ساعياً لتحقيقها.

ثم أسس انفانتي في إشبيلية دار ومكتبة «أبانتي» للنشر والتوزيع( ابانتي: بمعنى التقدم بالإسبانية)، نشر فيها عددًا من كتبه.

كما أسس «مركز الدراسات الأندلسية».

وفي سنة 1920م، ظهر كتابه «المعتمد ملك إشبيلية»، وهي قصة مسرحية تاريخية عرف فيها انفانتي بجذور الهوية الأندلسية الإسلامية لترسيخ مبادئه في الوجدان لتكون نواة للتعبير الأدبي عن أفكاره من باب التاثير الثقافي .

وفي عام 1921م، ازدهرت الحياة الثقافية الأندلسية خلافاً لما أصاب مدريد من اضطرابات، فانتشرت «المراكز الأندلسية» في الأقاليم الصغيرة بمدنها وقراها، وانتشر معها الفكر الأندلسي في المجالات الثقافية والاجتماعية حتى ترسخت في الوجدان الأندلسي كبنية ثقافية.

لكن في الأول من يناير عام 1923م، تحولت أسبانيا إلى الحكم الدكتاتوري الذي قضى على الحريات، ودمر هذا الحكم أفضل «المراكز الأندلسية»، فيما اتهم القوميين الأندلسيين بمقاومة الدولة والكنيسة.

فانتقل انفانتي، تحت ضغط عائلته، إلى ايسلا كريستينا (مقاطعة ولبة) جنوب الأندلس للعمل كموثق عدلي.. فالحكم الدكتاتوري عطل مشاريعه القومية وادخل الياس في قلبه.

وانسحب انفانتي بفعل تلك الضغوط من العمل السياسي، لا بل نصح أتباعه بذلك. سوى أنه عاد من جديد ليركز على التفكير في مصير الأندلس، وجذور الهوية الأندلسية.

وفي 1923م، زار انفانتي قبر آخر ملوك بني عباد في الأندلس، الشاعر المعتمد بن عباد المدفون في أغمات بالمغرب، حيث تعرف على بعض أبناء الأندلس، فقرر إشهار إسلامه على يدهم ( كما ذكرنا آنفاً). ثم حاول بعد إسلامه ربط الحركة الأندلسية بالحركات الإسلامية والعربية لتوفير بعد استراتيجي عربي إسلامي لحركته في بداياتها التي طال مخاضها العسير.

وفي سنة 1930م، انهارت الدكتاتورية، فنقل انفانتي عمله كموثق عدلي إلى بلدة قورية بالقرب من إشبيلية.

وفي سنة 1931م، أسس «مجلس الأندلس التحرري»، عوضاً عن المراكز الأندلسية القديمة، وانضم إلى «الحزب الجمهوري الاتحادي». وأصبح انفانتي يمجد التاريخ الإسلامي كأساس الهوية الأندلسية حيث تم سلبها من قبل القشتاليين، ويطالب الأندلسيين باستعادة الهوية، والتاريخ، والأرض.

وفي أبريل عام 1930م، انعقد في العاصمة الهندية نيودلهي مؤتمر «الشعوب التي لا دول لها»، شارك فيه عن القوميين الأندلسيين الشاعر الأندلسي المسلم آبل قدرة، الذي بيّن في خطبته للحاضرين، أن نضال تحرير الأندلس هو جزء من نضال شعوب آسيا وأفريقيا المغلوبة على أمرها، وبأن جذور القومية الأندلسية هي الإسلام.

وهذا مؤشر يوضح للقوى الطاغية كيف أن قضايا الشعوب خالدة ولا يموت حق وراءه مطالب وهي رسالة للفلسطينيين أيضاً كي يثبتوا على المطالبة بحقوقهم المشروعة.

ثم التقى انفانتي بالحركات التحررية العربية عبر مجلة «الأمة العربية» في جنيف (سويسرا) التي كان ينشرها أمير البيان والسياسي اللبناني شكيب أرسلان، والسياسي السوري إبان الثورة العربية إحسان الجابري.

وتجلت أفكار انفانتي والقوميين الأندلسيين الواضحة بعد عشرينيات القرن العشرين الميلادي في أن هوية الأندلس إسلامية، وليست غربية، مما دفع أعداؤهم إلى رميهم بالاتهامات المتواصلة، فحوربت الحركة من طرف اليمين واليسار على حد سواء.

وفي يوم الأحد 2/8/1936م، بعد 14 يوماً من انفجار الحرب الأهلية الأسبانية، هجمت فرقة من الكتائب على انفانتي في بيته «دار الفرح» بقورية، وساقته إلى إشبيلية، حيث سجنته، وأعدمته رميًا بالرصاص يوم الإثنين 10/8/1936م، إبان الثورة على الدكتاتورية التي شارك فيها فرانكو فمات شهيدًا رحمه الله، وهو يصرخ مرتين: «عاشت الأندلس حرة!» وهو نفس العام الذي شهد إعدام الشاعر الغرناطيّ لوركا.

والغريب أنه بعد أربع سنوات من إعدامه عام 1940 في فترة حكم الجنرال الدكتاتور فرانكو، وفي مفارقة مبهمة أصدرت محكمة المسؤوليات السياسية، التي أنشئت بعد الحرب، حكماً بإعدامه وبغرامة مالية يدفعها ورثته، وفقاً لوثيقة مؤرخة في الرابع من مايو 1940.

ويبدو أن ذلك جرى لردع اتباعه من الاستمرار في الحراك الأندلسي التحرري. وقد خابت مساعيهم كما تبديه الشواهد التاريخية.

إذْ تمخض عن حراك انفانتي ما بات يعرف ب"يوم الأندلس" وهو العيد الوطني لمنطقة الأندلس, ويحتفل به في 28 فبراير لإحياء ذكرى استفتاء عام 1980، الذي أعطى حكماً ذاتياً كاملاً إلى منطقة الأندلس مكافأة لروح أبي القومية الأندلسية انفانتي الذي قضى بعد أن رسم لورثته معالم الطريق.

وقد تمت صياغة مشروع الاستقلال الأندلسي في أنتيكيرا سنة 1883.

وفي جمعية روندا سنة 1918 تمت الموافقة على علم وشعار الأندلس.

وخلال الانتقال الديمقراطي الإسباني أيد الأندلسيون سنة 1978 الوفاق الدستوري المتمثل اليوم في الدستور تأييداً واسعاً، وذلك فيما يتعلق بمادته رقم 2 التي تعترف بالأندلس على أنها جنسية في إطار وحدة الدولة الأسبانية التي لا تقبل التقسيم.

ومع تنامي الروح القومية الأندلسية خرجت مظاهرات حاشدة في الرابع من ديسمبر عام 1977 وعقد استفتاء في 28 فبراير 1980 عبر عن إرادة شعب الأندلس في تحقيق الحكم الذاتي على أعلى مستوى.

وبذلك كانت الأندلس الإقليم الوحيد الذي تمتع بمصدر محدد للشرعية في مسيرته نحو تحقيق الحكم الذاتي من خلال ما تم الإعراب عنه في صناديق الاقتراع من خلال الاستفتاء، وهذا ما أكسبه هويةً ذاتية.

نتجت عن هذه الجهود لائحة الحكم الذاتي للأندلس التي تمت المصادقة عليها في 20

هذه قصة فينيق آخر خرج من تحت الرماد أشد عنفواناً.. يشبه فينيقنا الكنعاني الفلسطيني المكبل باصفاد الاحتلال افسرائيلي العنصري الزائل بإذن الله إذ لا يموت حق وراءه مطالب.. مثلما امتلك الأندلسيون حق تقرير مصيرهم بايديهم.

***

بقلم بكر السباتين..

22 فبراير 2023

.....................

المراجع

(1) Miguel Asin Palacios “Empreintes de L’Islam” Al-Andalus XXIIe, 1957.

(2) A. Medina Molera “La Herencia Islamica y Arabe en la Lenguay literature Aljamiada” Primero Congreso Mundial Andalusi Castellar De la Frontera, (Cadiz), 2-5/9-1989.

(3) Blas Infante Perez “I deal Andaluz” Madrid, 1914.

(4) J.L. Ortiz de Lanzagorta “Blas Infante, Viday Muerte de un Hombre Andaluz” Sevilla, 1979.

(5) La Voz (Cordoba), 19/6/1931.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، شعبان 1432هـ = يوليو 2011م ، العدد : 8 ، السنة : 35

6- المصطفى العسري” الوسط الإلكترونية” النزعة الاستقلالية والظلم التاريخي الذي ألم بأهل الأقليم الذي قربهم من العرب”.

http://www.alwasatnews.com/425/news/r...

7- الإستفادة من خبر بعنوان”إسبانيا: مساومة المسلمين لدعم استقلال كتالونيا” نقلاً عن الرابط: http://www.alukah.net/world_muslims/0...

8- هشام المغربي/ محاكم التفتيش ”Blas Infante y El Islam’’” للكاتب الأندلسي علي مونثانو باكو Ali Manzano Baco.

الرابط:http://www.churchinquisition.com/read...

9-https://www.facebook.com/ew3a.elsalaf...

10- لوركا شاعر الأندلس- ماهر البطوطي- صدر عن مؤسسة هنداوي عام 2022.

11- معلومات مفيدة عن مقاطعة (أندلوسيا)

-تقع أندلوسيا في جنوب إسبانيا، تحدها من الشمال منطقة كاستيا لا منتشا ومنطقة إكستريمادورا، ومن الجنوب المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط وجبل طارق، ومن الشرق منطقة مرسية، ومن الغرب البرتغال.

تبلغ مساحة أندلوسيا 87.268 كم² (ثاني أكبر منطقة من حيث المساحة في إسبانيا).

ثقافة أندلوسيا هي الثقافة التي تأثرت جذورها بمختلف الشعوب التي تركت بصمتها على مر العصور. وكما ساهم أيضا التاريخ والعوامل الجغرافية بشكل كبير على تشكيل الثقافة الحالية.

اللهجة الأندلوسية

يتحدث الأندلسيون الإسبانية القشتالية بلهجة مميزة، وهي ذات اللهجة المستعملة في الأمريكتين اليوم نظراً لأن حملات الاستكشاف انطلقت من إشبيلية

 

يعود تاريخ عربستان (الأحواز) إلى عهد العيلاميين (4000 ق.م) الذين كانوا أول من استوطنها، وقد خضعت للبابليين ثم الآشوريين، كذلك اقتسمها الكلدانيون والميديون من بعدهم، ثم غزاها الأخمينيون وخضعت للساسانيين، وقبل الفتح الإسلامي كانت جزءا من دولة المناذرة، فيما كانت تحت حكم الكعبيين منذ عام 1724م لغاية تعرضها خلال عام 1925 للاحتلال الإيراني، بعد أن تحالف شاه إيران (رضا بهلوي) مع البريطانيين الذين قاموا باختطاف أميرها الشيخ خزعل الكعبي وسلموه للإيرانيين، الذين أعدموه وفرضوا سيطرتهم على إمارة عربستان، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن تجري محاولات إيرانية دؤوبة وشديدة القسوة لمحو الطابع العربي عن عربستان التي أطلقت عليها تسمية خوزستان.

اسم عربستان يطلقه غير العرب على الأرض العربية المجاورة لهم فأطلق الأتراك اسم عربستان على سورية لاسيما القسم الشمالي منها، ونرى ذلك في التقويم الذي أصدرته الحكومة في الاستانة سنة ۱۸۰۹ أن اسم الفيلق المرابط في سوريا (عربستان أو ردوسي). وتقع عربستان إلى الجنوب الشرقي من العراق وهي بذلك تكون نهاية الطرف الشرقي من الهلال الخصيب، الذي يبدأ عند السهول الفلسطينية مارا ببلاد الشام والعراق، وتحتل القسم الشمالي الشرقي من الوطن العربي، وهي تشكل منطقة حاجزة بين الوطن العربي آسيا العربية والقسم الغير العربي من قارة آسیا ومعناها بلاد القلاع والحصون. إن منطقة عربستان هي النهاية الطبيعية لسهل العراق الرسوبي (السهل الفيضي) ذي التربة الغرينية الخصبة، والذي تتوافر فيه المياه الجزيرة . فسهل عربستان من حيث تكوينه وطبيعة أرضه يُعدّ امتداد للسهل المنخفض الموجود في جنوب العراق، وهو مشابه لأراضي العراق الجنوبية التي هي جزء من نطاق اليابس الحديث التكوين، ويكون بصورة عامة سهلا منبسطة شأنه شأن المناطق التي تكونها ترسبات الأنهار، وقد تكون هذا السهل الرسوبي نتيجة للترسبات التي جلبتها مياه الأنهار. ونهر الكرخة وكارون، يعدان من أعظم الأنهار القادمة من المرتفعات الشرقية تكويناً للدلتات. وقد كونا دلتاهما بسرعة تفوق سرعة امتداد دجلة والفرات، وبينما كان نهرا دجلة والفرات يرسبان الطمى كان نهر کارون يصب مياهه الغرينية في ملتقى نهري دجلة والفرات وبهذه الكيفية كان عاملا أساسيا في تكوين الأراضي المرتفعة نسبيا الممتدة من البصرة في اتجاه الشرق .

وقد كانت إحدى الوحدات السياسية الصغيرة التي تحفه بشبه الجزيرة العربية، إلا أننا لا نستطيع أن نتحدث عنها كإقليم قائم بذاته، فهي امتداد طبيعي لسهول وادي الرافدين ومتصلا اتصالا يكاد يكون تاما من النواحي الجغرافية والاقتصادية والبشرية والتاريخية. وعربستان محصورة بين خطي عرض ۳۰، ۳۳° شمالا، أما بالنسبة لخطوط الطول فتقع بين 48 و 51 شرقا وبهذا يكون امتدادها من الشرق إلى الغرب يساوي امتدادها من الشمال إلى الجنوب تقريبا - ومن ملاحظة امتدادها بالنسبة لخطوط العرض نجد أنها تقع في القسم الجنوبي من المنطقة المعتدلة الشمالية. ويحدها من الشمال سلسلة جبال كردستان (لرستان) و(بشتكوه)، ومن الشرق امتداد جبال البختيارية وهي جزء من جبال زاجروس  التي تفصل هضبة ايران العالية عن الاحواز لتكون امتداداً طبيعياً لسهل العراق الرسوبي، وتبلغ مساحة الاحواز 186,000كم .

أما موقع عربستان العسكري فلا يقل أهمية عن مكانتها الاقتصادية فقد وصفه العسكريون بأنَّه في غاية الأهمية، لأنَّه يقع ضمن الجسر الأرضي، الذي يوصل القارات الثلاث - آسيا وأفريقيا وأوربا – بعضها ببعض، كما أنه يكون خط الدفاع الطبيعي - المتمثل بجبال البختيارية وكردستان - بين العراق وإيران (الدركزلی، 2012: 304) . وتبلغ مساحة عربستان 159,600 ألف كيلو متر مربع (حيث يبلغ طول الإمارة الآن 4۲۰ كم وعرضها ۳۸۰ کم، إلا أن إيران عمدت إلى اقتطاع مساحات كبيرة من أرض هذا الإقليم وضمنها إلى ولايات مجاورة بهدف تقليص مساحتها وتحت ستار إجراء التنظيمات الإدارية الحديثة) أما عدد سكانها فيقدر ب (1,5) مليون عربي ينتمي معظمهم إلى بني كعب وتميم وبنی طرف – مما حدا بفارس - تحت حكم الصفويين - أن تطلق على هذا الإقليم اسم عربستان ومعناها بلاد العرب - وهذا اعتراف ضمني من فارس بعروبة هذه المنطقة غير أن العرب كانوا يطلقون اسم الأحواز على هذا الإقليم، فالأحواز اسم عربي وكان اسمها في أيام الفرس خوزستان .

***

الدكتور حميد ابولول جبجاب

رهاب روسيا الذي تمكن من الأوكرانيين ودفع برئيسهم زيلينسكي -ضيق الأفق- ليجرَّ البلادَ إلى الدمار سواء في البنى التحتية أو التفريغ الديمغرافي إلى جانب خسارة مناطق شاسعة شرق اوكرانيا (لوغانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون الأوكرانية) التي ضمها بوتين إلى روسيا نهاية العام الماضي.

هذا الرهاب الذي يصيب العقول بالعمى يبدو أنه يداهم الآن جمهورية مولدوفا، التي تقع شرق أوروبا بين أوكرانيا و‌رومانيا.

وتجدر الإشارة إلى أن معظم أهالي مولدوفا من أصول غير سلافية، ما عدا شريط ترانسنيستريا الواقع شرق نهر دنيستر والذي يحكمه عسكر روس في إطار قوات حفظ السلام تحت قيادة الأمم المتحدة سوى أن وجود تلك القوات يعد بمثابة صمام الأمان للمطالبين بالانضمام إلى روسيا.

وهذا يفسر ما تبذره رئيسة مولدوفا مايا ساندو من أسباب لمواجهات تصعيدية محتملة خاسرة مع روسيا في ظل المطالبة بالانضمام إلى الناتو والطلب من الأمم المتحدة رسمياً بخروج قوات حفظ السلام الروسية من إقليم ترانسنيستريا وهو ذات السيناريو الذي ورط أوكرانيا في حرب ضروس مع روسيا لا تبقي ولا تذر.

فرأس الحكمة يكمن في أنه من لا يتعلم من الدروس والعبر، تداهمه الكوارث دون أن يستعد لمواجهتها.. فالنموذج الأوكراني خير مثال على ذلك.

لقد مضى على تداعيات الحرب الأوكرانية عاماً كاملاً حيث يصادف يوم الجمعة 24 فبراير 2023 ذكرى دخول القوات الروسية شرق أوكرانيا بذريعة أن النازيين الجدد (اليمين المتطرف) قد أمعنوا في التنكيل بذوي الأصول الروسية في إقليم الدونباس (جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانسك الشعبية) التي كانت خاضعة لسيطرة المجموعات الانفصالية في سياق الحرب الروسية الأوكرانية قبل ان تتحول إلى ميدان حرب مفتوحة بين الروس والأوكرانيين.. بالإضافة إلى رفض أوروبا مناقشة الأمن الأوروبي الشامل مع روسيا، ورغبة فلادمير زلينسكي الجامحة للانضمام إلى الناتو، وبالتالي تحويل البلاد إلى قاعدة عسكرية ما كان من شانه لو تحقق وفق رغبة زيلينسكي، أن يشكل خطراً داهماً في وجه الاتحاد الروسي.

وهنا يكمن الشبه بين السيناريو الأوكراني والمالدوفي ما لم يتدارك القادة المالدوفيين الأمر فيجنحوا إلى المفاوضات دون التاثر بتحريضات زلينسكي الذي يُعَدُّ مسؤولاً عن جرِّ بلاده إلى الخراب.. بتحريض أمريكي وصل ألى حدِّ قيام بايدن بزيارة كييف مؤخراً وإطلاق وعود قطعها على نفسه، بتقديم دعم لأوكرانيا بقيمة 500 مليون من الأسلحة والذخائر التي نَفَدَتْ من مستودعات الناتو بينما عجز حلفاء أوكرانيا عن تعوضها وتصنيع الكمية التي تستهلكها أوكرانيا (60 الف قذيفة يومياً) خلافاُ لقدرة الروس المذهلة في ذلك.. ناهيك عن تأخر وصول دبابات ليوبارد الالمانية إلى جبهات القتال وتقاعس الحلفاء في إرسالها وفق تصريح وزير دفاع المانيا بوريس بيستوريوس.

الآن يمارس زلينسكي -ربما بمشورة غربية- دوراً تحريضياً على ملدوفا بالنيابة عن الناتو دون تقديم ضمانات.

بحيث لا يُعْرَفُ على ماذا يراهن هذا الرئيس الذي أدّى تعنته إلى تدمير بلاده فيما يستغله الغرب بما فيه أمريكا لاستنزاف روسيا وتفكيكها وقد باءوا جميعاً بالفشل الذريع.

ولكن رهاب روسيا بات يسيطر على قادة ملدوفا وبوجود من يصب الزيت على النار مثل "الدمية الغربية" زيلينسكي؛ فإن انبعاث صراع روسي مالدوفي وارد تماماً.

والسؤال الذي يطرح نفسه:

هل يمثل الناتو الضمان المحتمل لمالدوفا التي لم تُقْبَلْ بعد في الحلف الغربي، ما سيجعلها لقمة سائغة في فم الدب الروسي لو حصل صراع على إقليم ترانسنيستريا !

فقد عرضت رئيسة مولدوفا مايا ساندو - يوم أمس الثلاثاء- مخططات قالت إن روسيا تحاول تنفيذها في العاصمة المالدوفية كيشنيف؛ لقلب نظام الحكم الدستوري المؤيد لأوروبا الغربية واستبداله بنظام مؤيد لروسيا اعتماداً على عملاء روسيا مثل حزب "الثري إيلان سور" المؤيد لروسيا والفار من البلاد، فضلاً عن مواطنين روس وبيلاروس وصرب ومن الجبل الأسود.، وذلك من خلال خفض موسكو إمداداتها من الغاز إلى النصف، وتنفيذ هجمات عنيفة واحتجاز رهائن، بغية زعزعة استقرار مالدوفا البالغ عدد سكانها نحو 2.6 مليون نسمة والواقعة بين رومانيا وأوكرانيا.

وتواجه مولدوفا كذلك تهديدات من الجيش الروسي الذي يستحوذ على مخزون ذخائر روسي كبير في منطقة ترانسنيستريا الانفصالية الموالية للروس؛ لذلك طالب رئيس وزراء مالدوفا بداية بنزع السلاح أممياً من هذا الإقليم حتى لا يتحول إلى بؤرة صراع .

وفي إجراءات احترازية، أعلنت ساندو تعزيز الإجراءات الأمنية وهو تصعيد غير مبرر لكنه خطير جداً بالنسبة لروسيا.

من جهته الرئيس الأوكراني زيلينسكي ومن باب الصيد في المياه العكرة، تحدث عن هذه المخططات التي رصدتها المخابرات الأوكرانية الأسبوع الماضي في بروكسل إبّان جولته الأوروبية، وربما يكون هذا هو الطعم الذي يقدمه زيلينسكي إلى مالدوفا بالنيابة عن الناتو.

فهل يكتمل فخ الإيقاع بمالدوفا في مواجهة خاسرة مع روسيا! لضرب روسيا في الخاصرة وإنهاكها وتشتيت قوتها! فكل شيء وارد حينما يعربد الشيطان في التفاصل.

الكرملين من جهته صرح بأن العلاقات مع ملدوفا غير مستقرة، وأنها تفعل كل ما يتعارض ومصالح روسيا، وطالبها بتوخي الحذر فيما يتعلق بقوات حفظ السلام الروسية في إقليم ترانسنستيريا.

وهذا يذكرنا بما جرى في إقليم دومباس الأوكراني قبل عام.

ويبدو ان زلينسكي يدفع الأمور إلى التصعيد بين ملدوفا وروسيا ويا ويلُ من لا يتعظ من الدروس والعبر.

فمنذ عام والحرب الأوكرانية مشتعلة، والنتيجة أن من حرض زلينسكي على التصعيد مع روسيا وَرَفْض الجلوس إلى طاولة المفاوضات، كانت الدول المنضوية في حلف الناتو التي قدمت للأوكرانيين دعماً مفتوحاً على كافة الصعد الاقتصادية والإعلامية والعسكرية؛ ولأجل أوكرانيا حاصرت روسيا واخرجتها من نظام سويفت، ووضعت سقفاً لأسعار الطاقة، وحاولت ضرب الروبل وحشر روسيا في الزاوية لتنكفئ على نفسها، فإذ بالسحر ينقلب على الساحر؛ لتمتصَّ روسيا الصدمة فوجدت الأسواق البديلة في شرق آسيا، وتمكنت بحرفية استثنائية من دعم استقرار الروبل وبالتالي مقارعة الدولار باعتماد سلة العملات المحلية في عقود بيع الطاقة خلافاً لما هو سائد في سوق الطاقة (النفط والغاز)، لا بل أن روسيا تمكنت من تعويض النقص في السلاح والذخيرة بتشغيل مصانعها 24 ساعة وباقصى طاقاتها، واستدعت جنود الاحتياط لتحصين خطوط المواجهة.

وها هو الجيش الروسي على طول الجبهات يتقدم وقد اوشك على استعادة باخموت التي توقعت قوات فاغنر "استردادها" بعد ايام في حرب شوارع أربكت الجيش الأوكراني، حيث استنزفت خيرة المقاتلين الأوكرانيين بعد أن خسر الجيش الأوكراني المحاصر خطوط إمداداته ومخازن اسلحته بفعل القصف الروسي المكثف والدقيق.

لا بل أن روسيا انفتحت على العالم في سياق تحالف عسكري مع الصين وكوريا الشمالية وايران، فيما حافظت على موقعها ضمن مجموعة بريكس التي تضم الصين والهند والبرازيل إضافة إلى جنوب أفريقيا التي تشترك مع روسيا والصين في مناورات عسكرية بحرية قبالة دوربان التابعة لجنوب افريقيا على المحيط الهندي.

إذن ما الذي يجول في خاطر زيلينسكي من أهداف استراتيجية يبتغي تحقيقها كما يتوهم نيابة عن الناتو وفق ما تردد على لسانه في أكثر من مناسبة؟

الأول: طرد الروس من الأراضي التي "تحتلها" بما فيها جزيرة القرم.

الثاني: الدفاع عن أوروبا وقيمها الاجتماعية الحداثية

الثالث: تحريض ملدوفا على التصعيد مع روسيا، وسعيها أممياً لسحب الشرعية الدولية عن قوات حفظ السلام الروسية كما اسلفنا؛ تهيئة لطردها من إقليم ترانسنيستريا المختلف عليه، واعتبارها قوات احتلال غير شرعية. فيما وعد زيلينسكي بتقديم الدعم اللوجستي اللازم وكأن فاقد الشيء يعطيه! والناتو لن يتخلى عن مالدوفا رغم أنها خارج حلف الناتو كما هو موقفه من أوكرانيا.

وفي المحصلة يبقى السؤال الأهم منتصباً حول قدرة الغرب على تحمل اعباء جديدة فيما لو تمكن زيلينسكي من إشعال الفتنة بين روسيا ومالدوفا!

وكأن ارتدادات الحرب الأوكرانية لم تُصِبْ اقتصاد دول حلف الناتو بأضرار كارثية ربما كان أخطرها التضخم الاقتصادي ونفاد الذخيرة وعدم القدرة على تعويضها وعجز المصانع الأوروبية عن توفير ما تستهلكه أوكرانيا يومياً من قذائف المدفعية، ليتحول الدعم إلى مجرد وعود جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع.

فهل بتعظ قادة مالدوفا من الدروس والعبر!

***

بقلم بكر السباتين

21 فبراير 2023

 

خوفا من أن تلحق روسيا الهزيمة بنظام كييف في الجنوب والشرق، وأن تتأخر الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا، وعشية زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى بولندا، طالبت إدارة البيت الأبيض أوكرانيا، بتكثيف الإجراءات في ساحة المعركة، وتحقيق نجاحات عاجلة، أو القيام بهجوم مضاد على القوات الروسية، وأبلغ البيت الأبيض فريق زيلينسكي، بالاستعداد للهجوم الآن حيث تتدفق الأسلحة والمساعدات من واشنطن وأوروبا بحرية، خشية أن يصبح الدعم من جيران أوكرانيا الأوروبيين محدودا قريبا .

أفادت صحيفة "فاينانشيال تايمز" بأن المستشار الألماني أولاف شولتس انتقد حلفاء برلين لعدم إمدادهم أوكرانيا بالدبابات رغم مرور عدة أشهر على حث ألمانيا على القيام بذلك، ورد شولتس على سؤال الصحفيين، حول ما إذا كان يدفع الآن الدول الأخرى لتقديم الدبابات الموعودة: "هذا سؤال يجب أن أطرحه على الآخرين، وخاصة أولئك الذين حثوا بعناد على التصرف"، وبهذه التصريحات فإن شولتس يؤكد خيبة أمل برلين المتزايدة من حلفائها، حيث تعرض رئيس الحكومة الألمانية لضغوط منذ عدة أشهر، بسبب الموقف المتعلق بتزويد القوات المسلحة الأوكرانية بالدبابات، ولكن في الأسابيع التي تلت موافقة برلين أخيرا على إرسال الدبابات، التزم عدد قليل من الدول بنقل الأسلحة الثقيلة.

وعلى ما يبدو فأن عرض زيلينسكي للدبابات سيتأخر، وحتى قبل وصول العينات الأولى، فإنه يكتسب ميزات مخزون يثير السخرية، فقبل أسبوع ونصف، صرخت دول أوروبا تضامناً مع عدد المركبات العسكرية التي قررت منحها لأوكرانيا، وعدد ساحات التدريب التي سيتدرب فيها "بانتسير - باندر" بسرعة وكفاءة، ولكن اليوم أختفى هذا الضجيج، ولم يبق سوى التعليقات والملاحظات الهادئة حول الامتناع، فقد أعلنت الدنمارك واليونان وهولندا انها لم تتمكن من نقل (ليوبارد) .

فقد تذكر النمساويون حيادهم، ورفضوا رسميًا تدريب أطقم من أوكرانيا، ولم يتضح بعد بالضبط ما هي الأسلحة التي كان يتحدث عنها وزير الدفاع الإيطالي لورنزو غيريني، لكن بدا الأمر على هذا النحو، "أشك في أننا سنكون قادرين على إرسال أسلحة، هذه واحدة من العديد من المشاكل الخطيرة "، في حين قرر وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس، "المرسل" الأكثر نشاطًا، الرد على الجميع وأعلن، واعلن "لا يبذل الحلفاء الغربيون جهودًا كافية لإعداد كتيبتين كاملتين من دبابات ليوبارد 2 لإرسالها إلى أوكرانيا، كما وعدت"، وهي حتى الآن، حسب قوله، ألمانيا والبرتغال فقط هما اللذان يوفيان بالتزاماتهما اليوم، وبالمناسبة، لم يفشل بيستوريوس في مقاومة البولنديين، قائلاً إن وارسو أيضًا أوفت جزئيًا بوعودها، بعد أن أعدت للأوكرانيين حوالي 30 وحدة من الإصدار القديم من دبابات ليوبارد 2 A4، ومعظمها في حالة سيئة و بحاجة إلى إصلاحات كبيرة.

اما البريطانيون فقط فقد بدأوا بنشاط في تدريب Veseushnikov على تعديلات تدريبهم على دبابة Challenger 2، في وقت يعمل الألمان والبولنديون يعملون بجد في هذا الاتجاه، ولا أحد يستطيع أن يقول كم عدد الدبابات الموعودة التي يبلغ عددها 300 دبابة ستعبر حدود أوكرانيا، وكم منها ستصل إلى خط المواجهة.

والامر مع الدبابات الامريكية "أبرامز"، فهو أكثر متعة، فقبل أيام قليلة، قال المقدم بالجيش الأمريكي، المقدم دانيال ديفيس، إن نقل الدبابات إلى كييف لن يحل القضايا العسكرية، وبالتالي فهو مجرد عملية إعلامية، بالإضافة إلى ذلك، وفقًا للضابط، هناك مشكلة أخرى، تتمثل في جعل ما يصلح في ألعاب الفيديو وعلى الورق يعمل على الأرض، أي أن "أبرامز" المعقدة لن تفهمها "أبسط المخلوقات" التي أراد زيلينسكي تدريبها للقتال عليها، وكرر كلام ديفيس من قبل في مقابلة مع مجلة نيوزويك نقلت عنه قوله: "إن نقطة الضعف الرئيسية لدى أبرامز الأمريكية هي عدم تدريب طاقمها بشكل كافٍ".

وذهبت صحيفة Financial Times، إلى أبعد من ذلك، وذكرت ببساطة أن M1 Abrams أقل ملاءمة للجيش الأوكراني من الألمانية Leopard 2، وان الحجج معروفة بالفعل: Abrams أكثر تعقيدًا وأكثر قوة، فهي تحتاج إلى الكثير من قطع الغيار، و تقع شبكة الإمداد في الولايات المتحدة الأمريكية، مرة أخرى هناك حاجة لأطقم التحضير، وهذا يعني أن "أبرامزوف" لن يكون تقريبًا من الحديد.

وامام هذه السخرية، لابد من الإشارة الى التصريحات التي اطلقتها وزيرة الدفاع الهولندية كايسا أولينجرين في مقابلة مع قناة الجزيرة، قالت فيها "نحن [السلطات الهولندية] سوف ندعم توريد دبابات T77 لأوكرانيا ونزودهم [الجانب الأوكراني] بدبابات ليوبارد"، وأن كييف يمكنها أيضًا الاعتماد على هولندا من حيث تدريب (الأفراد العسكريين) و [تسليم] الذخيرة"، وبعد البحث والتمحيص في شبكات البحث، لأننا بصراحة، لم نسمع قط عن "دبابات T77 أمريكية الصنع"، اتضح أن هذه الآلة لم تخرج من مرحلة التطوير ولم تكن موجودة إلا في نسختين. "المدفع الرشاش ذاتي الحركة متعدد الأسطوانات .50 T77 (متعدد العيار الإنجليزي .50 Gun Motor Carriage T77) هو مدفع تجريبي مضاد للطائرات ذاتي الدفع تم إنشاؤه في 1943-1945 على هيكل M24. في أبريل 1944، صدر أمر ببناء نموذجين أوليين. تم الانتهاء من أولها في يوليو 1945 وتم نقلها إلى Aberdeen Proving Ground للاختبار. النموذج الأولي الثاني، المعين T77E1، تميز بنظام محسن للتحكم في الحرائق. فيما يتعلق بنهاية الحرب، لم يتم تبني أي من هذه الخيارات.

والفضول الصحفي دفعنا الى التعمق في البحث، وخلال عمليات التنقيب المتعمقة، تمكنا من الوصول إلى قاع الخزان T77 نفسه، واتضح أنه موجود بالفعل، وكانت موجودة في الخمسينيات من القرن الماضي في عدة نسخ، "كمشروع دبابة أمريكية يعتمد على المسلسل M48 باستخدام تطورات من T54، تم تطويره في منتصف الخمسينيات، وتم بناء العديد من الأبراج، ولكن في عام 1957، وبسبب التغيرات المستمرة في المتطلبات والتأخير في العمل، تم إلغاء المشروع، وفي أوائل عام 1958 تم شطب الأبراج.

ومن الجانب الاوكراني، فقد كان هناك وزير الدفاع ريزنيكوف، الذي ظل في منصبه، وفجأة أيضًا اعترف بأن الأمر سيستغرق أشهرًا للناقلات الأوكرانية لإتقان المعدات، وبالتالي فإن الوصول المتوقع لمجموعة من المركبات لن يحل مشكلات الاستعداد لاختراق القرم، وتم تأكيد كلمات ريزنيكوف من قبل المتدربين، الذين بدأوا التدريب، بإنهم ليسوا سعداء بالدبابات الغربية، ووفقًا لقائد لواء اللواء الرابع العقيد أوليغ تشيرنوف، فإن إنشاء سلاسل لوجستية لإصلاح وتوريد الوقود للمعدات الأجنبية يمثل مشكلة خطيرة، وإنه يعتقد أن مزايا Leopard 1 أقل حتى من T-64s القديمة، والعيب الخطير هو عدم كفاية كمية الذخيرة والتدريب المتسرع للغاية للطواقم والألوية.

وإذا صدقنا الانباء الغربية، وانطلقنا من حقيقة أن هناك مدربين تدريباً كافياً لا يستطيعون ببساطة تحريف بيان وزير الدفاع الهولندي دون خجل، فقد اتضح أن الغرب سيقدم الدعم، للجيش الأوكراني بالدبابات من الخمسينيات من القرن الماضي، وباستثناء بعض العينات التجريبية التي تم إرسالها منذ فترة طويلة، لم تكن موجودة على الإطلاق في الطبيعة، فقد اتضح أن إمداد القوات المسلحة الأوكرانية بدبابات T77 سيأتي الآن مباشرة من موقع لعبة World of Tanks! ثورة حقيقية في الشؤون العسكرية!.

***

بقلم: الدكتور كريم المظفر

 

"مبارك منْ المنصةِ إلى القصرِ، ومنْ القصرِ إلى السجنِ؛ ومنْ السجنِ إلى المستشفى ومنْ المستشفى إلى القبرِ؛ أوراقٍ مبعثرةٍ منْ حياةِ جنرالِ حكمِ مصرَ 30 عاما!!

ولدَ مباركٌ في إحدى قرى محافظةٍ المنوفية وسطَ دلتا مصرَ منْ أصولٍ ريفيةٍ وتلقي تعليمهِ اَلْأَسَاسِيّ في القريةِ ثُمَّ تلقي تعليمهِ اَلثَّانَوِيّ في المدينةِ. ثُمَّ التحقَ بالكليةِ الحربيةِ، وتَمَّ اختيارهُ للالتحاقِ بالكليةِ الجويةِ بعدَ عامِ منْ دراستهِ في الكليةِ الحربيةِ، عرفَ عنهُ الانضباطُ اَلْعَسْكَرِيّ وممارسةُ الرياضةِ والالتزامِ.؛ عينَ معلما بالكليةِ الجويةِ ثُمَّ قائدٍ سربَ في قاعدةِ بني سويفْ الجويةِ حتى نكسةِ يُونْيَة (حُزَيْرَان) عامُ 1967 أصدرَ الزعيمُ/ جَمَال عبدِ اَلنَّاصِر قرارُ بتعيينِ العقيدِ طيار/ مُحَمَّد حسني مُبَارَك بتعيينهِ مديرا/ للكليةِ الجويةِ وبعد وفاةِ عبدِ اَلنَّاصِر تَمَّ تعينهُ رئيسُ أركانِ سلاحِ القواتِ الجويةِ ثُمَّ مديرِ سلاحِ القواتِ الجويةِ، وخاضَ حربُ أُكْتُوبَر وَتَمَّ تكريمهُ منْ ضمنِ قادةِ حربِ أُكْتُوبَر" تشرينَ "عامَ 1973 م / برتبةِ فريقٍ ثُمَّ فريقِ أولِ وحصلَ على وسامِ نجمةِ" سيناءَ "، كانَ حلم مبارك قبلَ تقاعدهِ منْ الخدمةِ أنْ يعينهُ اَلسَّادَات سفيرا لمصر. وكانتْ المفاجئةُ غيرَ المتوقعةِ تعينهُ " نائبا لرئيسِ الجمهوريةِ" رغمَ كُلّ التوقعاتِ كانتْ تشيرُ بتعيينِ السيدِ/ مَنْصُور حسنْ أمينِ ديوانِ رئاسةِ الجمهوريةِ، والمقربِ منْ السيدةِ" جِيهَان اَلسَّادَات " عندما سئلَ اَلسَّادَات منْ المقربينَ لهُ لماذا اخترتُ مبارك نائبا لكَ قالَ إنهُ "موظفٌ جيدٌ"

مباركٌ منْ المنصةِ إلى القصرِ

كانتْ مصرُ بعدَ حربِ أُكْتُوبَر "تشرينَ" عامَ 1973 م تحتفلُ بذكرى انتصاريها في الحربِ بعرضٍ عسكريٍّ كُلّ عامِ بحضورِ رئيسِ الجمهوريةِ وقادةِ الجيشِ والأفرعِ وتشكيلاتِ عسكريةٍ. وفي يومِ/ 6 أُكْتُوبَر عامَ 1981 م وأثناءُ العرضِ قامتْ مجموعةٌ منْ الأفرادِ بإطلاقِ النارِ باتجاهِ المنصةِ وترتبَ على ذلكَ مصرعُ اَلسَّادَات وبعضَ ضيوفِ العرضِ منْ الأجانبِ وكبيرٍ الياوران اللواءِ حسنْ اَلْأَخْرَس وسكرتيرِ اَلسَّادَات شوقي عبدِ اَلْحَفِيظ. ونجا مباركٌ والقادةُ العسكريون منْ محاولةِ الاغتيالِ... بعدُ الحادثِ مباشرةً توجهَ اَلرَّئِيس مُبَارَك إلى مستشفى المعادي اَلْعَسْكَرِيّ حيثُ وصلَ جثمانُ اَلسَّادَات للمستشفى لمحاولةِ إنقاذهِ ولكنهُ فارقَ الحياةَ.؛

مبارك منْ داخلِ المستشفى اَلْعَسْكَرِيّ عقدَ اجتماعا مصغرا، لنقلِ السلطةِ بسرعةٍ... أصدرَ مباركٌ تعليماتٍ منْ داخلِ المستشفى بتحركِ قواتٍ بالسيطرةِ على مباني الوزاراتِ ومبنيٍّ اتحادِ الإذاعةِ والتلفزيونِ. وهذهِ الخطةُ السريعةُ هيَ التي أفشلتْ خطةَ الضابطِ الهاربِ/ مقدم/ عَبُّود اَلزُّمَر قائدِ الجناحِ اَلْعَسْكَرِيّ لتنظيمِ الجهادِ اَلْإِسْلَامِيّ. منْ الوصولِ لوزارةِ الدفاعِ والسيطرةِ عليها وعلي مبني التلفزيونِ... كما جاءَ في التحقيقاتِ معهُ في المحكمةِ العسكريةِ.؛

قاتل اَلسَّادَات يطلبُ منْ المحكمةِ شهادةَ مباركٍ... ؟!

طالبُ الملازمِ أول/ خَالِد شوقي الإسلامبولي المتهمِ بقتلِ اَلسَّادَات أنهُ يطلبُ منْ المحكمةِ شهادةَ مباركٍ بقتلِ اَلسَّادَات وانهَ كانَ في استطاعتهِ قتلَ كلٌّ منْ في المنصةِ وكانَ يقصدُ اَلسَّادَات فقطْ، ونفى اتهامهُ بقلبِ نظامِ الحكمِ...؟!

تَمَّ ترتيبُ مراسمِ تشييعِ جنازةِ اَلسَّادَات بحضورَ اَلرَّئِيس الأمريكي" كارترْ وَمَنَاحِم بِيجِين رئيسُ وزراءَ إسرائيلَ" وبعضِ الوفودِ الأوروبيةِ في غيابٍ تامٍّ منْ زعماءِ العربِ. وَتَمَّ الإعلانُ عنْ حالةِ الطوارئِ والأحكامِ العرفيةِ.، حاولَ المقدمُ/ عَبُّود اَلزُّمَر وابنَ عمهِ/ طَارِق اَلزُّمَر نسفِ الموكبِ اَلْجَنَائِزِيّ. ولكنهمْ لمْ يتمكنوا كما جاءَ في محاضرِ الاعترافِ في المحكمةِ... في صباحِ يومِ عيدِ إلاضحى بعدَ أيامِ منْ اغتيالِ اَلسَّادَات قامتْ مجموعةٌ منْ الجماعةِ الإسلاميةِ والجهادِوكانَ اَلْقِيَادِيّ المهندسُ عَاصِم عبدِ اَلْمَاجِد منْ ضمنِ المجموعةِ

باقتحامِ مَقَرّ مديريةِ أمنِ أسيوط جنوبَ البلاد؛ وترتبَ على ذلكَ قتلَ أعدادَ منْ الضباطِ وأفرادِ الخدمةِ...

مبارك رئيسا لمصر..!!

في مساءِ يومِ / 6 أكتوبرَ "تشرينَ" عامَ 1981 م تمَ الإعلانُ عنْ مصرعِ الساداتْ رغمَ التأخيرِ منْ الإعلامِ المصريِ عنْ مصرعِ الساداتْ وتعينَ الدكتورُ/ صوفي حسنْ أبو طالبْ؛ رئيسِ مجلسِ الشعبِ رئيسا مؤقتا للجمهوريةِ. كما ينصُ عليهِ الدستورُ المصريُ عامُ 1971 م في حالةِ فراغِ منصبِ الرئيسِ يتولى رئيسَ مجلسِ الشعبِ مؤقتا لمدةَ 60 يوما وتجري عمليةُ استفتاءٍ في البلادِ لنقلِ السلطةِ لنائبِ الرئيسِ... تولي مباركٌ الحكمِ وقدْ بلعِ منْ العمرِ 52 عاما في بدايةِ عامِ 1982 م. ففي خلالٍ العشرِ سنواتِ الأولى كانَ هناكَ شبه ارتياحٍ لحكمةٍ؛- وبدأَ مباركٌ حكمةً بالإفراجِ عنْ المعتقلينَ السياسيينَ التي تمَ التحفظُ عليهمْ السادات، في الفترةِ منْ يومٍ/ 3 إلى 6/ منْ سبتمبرَ "أيلولَ" عامَ 1981 في الاعتقالاتِ الكبرى منْ كلِ التياراتِ السياسيةِ وقدْ شملَ العفوُ الرئاسيُ كلا منْ؛- البابا شنودة الثاني بابا الإسكندريةِ والكرازةِ المرقسيةِ، والكاتبُ الصحفيُ/ محمد حسنينْ هيكلُ "ورئيسُ حزبِ الوفدِ وأساتذةِ الجامعاتِ وطلبةٍ وصحفيينَ وكتابٍ. وأعضاءٌ منْ الحركاتِ النقابيةِ وغيرهمْ وفتحَ حوار معَ الجماعاتِ الإسلاميةِ الأصوليةِ بحواراتٍ متلفزةٍ قادها علماءُ منْ الأزهرِ الشريفِ منْ مراجعاتٍ عنْ الأفكارِ التكفيريةِ والريديكالية... كما أطلقَ سجناءُ منْ رجالِ حكمِ الزعيمِ/ جمالْ عبدِ الناصرْ الذي أطلقَ عليهمْ الساداتْ/ مراكز القوى ثورةَ التصحيحِ" 15 مايو 1971 "ومنهمْ/ الفريقُ محمدْ فوزي وزيرِ الحربيةِ والسيدُ/ علي صبري نائبُ الجمهوريةِ/ والسيدُ شعراوي جمعة وزيرَ الداخليةِ والسيدُ/ سامي شرفُ مديرِ مكتبِ جمالْ عبدِ الناصرْ وأمينِ الاتحادِ الاشتراكيِ فريد عبد الكريم؛وغيرهمْ ممنْ حكمَ عليهمْ بالسجنِ في عهدِ الساداتْ وبدأَ يفتحُ خطوطا دبلوماسيةً في عودةِ مصرَ إلى الصفِ العربيِ؛ وعودةُ مقرِ" جامعةِ الدولِ العربيةِ "إلى مقرها في القاهرةِ " بعد قراراتِ جبهةِ الصمودِ والتصدي ضد الساداتْ بعد اتفاقيةِ السلامِ معَ إسرائيلَ، بنقلِ مقرِ جامعةِ الدولِ العربيةِ إلى تونسِ العاصمةِ... في منتصفِ الثمانينياتِ منْ القرنِ المنصرمِ...

الجبهة الداخليةِ ونشوبِ صراعاتٍ دمويةٍ بعدَ السنواتِ الأولى منْ حكمٍ مباركٍ...

شهدتْ البلادُ في بدايةِ عهدٍ مباركٍ شبهٌ استقرارٍ أمنيٍّ حتى حدثَ تمردٌ لقواتٍ (الأمنُ اَلْمَرْكَزِيّ) أدتْ الأحداثُ إلى نزولِ القواتِ المسلحةِ لإخمادِ التمردِ؛ وتمتْ إقالةُ وزيرِ الداخليةِ اللواءُ/ أحمدْ رشدي رغمَ أنها كانتْ عمليةٌ مدبرةٌ منْ مافيا المخدراتِ ضِدّ الوزيرِ رغمَ ذلكَ ضحى مباركٌ بالوزيرِ؛ ثُمَّ مظاهراتُ عامٍ/ 1986 م/ في مقتلِ المجندِ سَلِيمَانِ خَاطَرَ في محبسهِ واشتعلتْ المظاهراتُ في الجامعاتِ المصريةِ. وبعدٌ عودةِ العلاقاتِ المصريةِ معَ الدولِ العربيةِ وفتحِ صفحةٍ جديدةٍ. حتى اجتياحِ العراقِ للكويتِ في أواخرِ عامِ 1989 م.، وقفتْ مصرُ مباركٌ معَ مطالبَ الكويتِ ودولِ الخليجِ وأمريكا، وظهرَ ذلكَ في قراراتِ القمةِ الطارئةِ لجامعةِ الدولِ العربيةِ في القاهرةِ بالوقوفِ معَ تحريرِ الكويتِ والتحالفِ معَ الدولِ الغربيةِ وأمريكا وفي إرسالِ قواتٍ مصريةٍ لتحريرِ الكويتِ وعلى الصعيدِ اَلدَّاخِلِيّ نشطَ التيارُ اَلْجِهَادِيّ منْ جماعاتِ الجهادِ والجماعاتِ الأصوليةِ ضِدّ النظامِ. بضربِ السياحةِ وتصفيةِ بعضِ ضباطِ الشرطةِ ورجالِ الدولةِ والدخولِ في مواجهاتٍ دمويةٍ مثلٍ عملياتِ تفجيراتٍ عنْ بعدَ في سياراتِ مواكبِ الوزراءِ ومنهمْ، رئيسُ الوزراءِ عَاطِف صدقي ووزيرِ الداخليةِ السابقِ/ ذكي بدرٍ، وعمليةُ إطلاقِ النارِ وإصابةِ السيدِ اللواءِ/ حسنْ أبو باشا وزيرِ الداخليةِ السابقِ ومقتلِ رئيسِ مجلسِ الشعبِ الدكتورِ/ رفعتْ اَلْمَحْجُوب وطقمُ حراستهِ الخاصةِ، ودخلتْ البلادُ في دائرةٍ منْ العنفِ والعنفِ اَلْمُضَادّ ظلتْ الأوضاعُ بعدَ ذلكَ حتى يومٍ/ 2 منْ أُغُسْطُس عامَ 1995 م حيثُ تعرضَ موكبُ اَلرَّئِيس مُبَارَك في العاصمةِ الإثيوبيةِ أثناءَ خروجهِ منْ مطارِ أديسْ أبابا لحضورِ القمةِ الأفريقيةِ لعمليةِ اغتيالِ منْ قبلُ الجماعةِ الإسلاميةِ ونجا مباركٌ منْ العمليةِ التي أدتْ إلى توترِ العلاقاتِ المصريةِ السودانيةِ على خلفيةِ تهريبِ المتهمينَ المشاركينَ في عمليةِ الاغتيالِ الهاربينَ داخلَ الأراضي السودانيةِ بعدَ فشلِ محاولةِ الاغتيالِ. منْ قبلِ مسؤولينَ كبار في حكومةِ اَلْبَشِير حيثُ تَمَّ دفعُ مبلغِ 5 ملايينَ لعدمِ تسليمهمْ لمصر لكبارِ مسؤولينَ سودانيينَ؛- وكانتْ نتيجةُ العمليةِ إهمالَ مصرَ وإعطاءِ ظهرها لافريفيا ودولِ حوضِ النيلِ...

تنظيمُ ثورةِ مصرَ الناصريةِ... في ظِلّ الأوضاعِ المضطربةِ ظهرَ تنظيمٍ غامضٍ في تصفيةِ وضربِ أعضاءِ البعثةِ الدبلوماسيةِ الإسرائيليةِ في القاهرةِ ومقتلِ دبلوماسيٍّ إسرائيليٍّ في منطقةٍ المعادي وملاحقةُ البعثةِ في محاولةِ اغتيالٍ دبلوماسيٍّ آخرَ وعملاء الموساد في القاهرةِ حسبَ زعمِ رئيسِ التنظيمِ مَحْمُود نُور اَلدِّين رغمَ حدوثِ عمليتينِ لمْ يكشفْ التنظيمُ عنْ هويتهِ الأيدولوجيةِ. حتى العمليةِ الكبرى في اغتيالِ أربعةِ دبلوماسيينَ في زيارتهمْ لمعرضِ القاهرةِ للكتابِ. وقامَ بها التنظيمُ بعد حادثٍ إجبارِ هبوطِ طائرةٍ مصريةٍ منْ قبلُ الولاياتِ المتحدةِ بعدَ تدخلِ مصرَ بتسليمِ رهائنَ منْ عمليةٍ قامَ بها اَلْقِيَادِيّ اَلْفِلَسْطِينِيّ أبو اَلْعَبَّاس وإجبارِ قائدِ الطائرةِ بالهبوطِ في مطارِ روما في إيطاليا فاعتبرَ التنظيمُ إهانةً لمصر وقامتْ المجموعةُ بالثأرِ وبالانتقامِ منْ الولاياتِ المتحدةِ في ضربِ وتصفيةِ دبلوماسيينَ أمريكانٍ... وبعدُ الخلافِ بينَ قائدِ التنظيمِ/ مَحْمُود نُور اَلدِّين اَلدِّبْلُومَاسِيّ ورجلِ المخابراتِ السابقِ في لندن معَ شقيقهِ الذي أبلغَ وأرشدَ على التنظيمِ في اتصالٍ هاتفيٍّ معَ السفارةِ الأمريكيةِ بالقاهرةِ التي أعلنتْ عنْ مكافأةٍ عنْ أَيّ معلوماتٍ عنْ مرتكبي الحادثِ وَتَمَّ القبضُ على تنظيمِ ثورةِ مصرَ واتهامِ نجلِ الزعيمِ/ جَمَال عبدِ اَلنَّاصِر الدكتورِ/ خَالِد عبدَ اَلنَّاصِر وابنِ أَخ جَمَال عبدِ اَلنَّاصِر. منْ ضمنِ التنظيمِ. وَتَمَّ تقديمهمْ للمحاكمةِ... وترددَ أَنَّ الدكتورَ مصطفى الفقي تَمَّ إعفاؤهُ منْ منصبهِ مديرَ مكتبٍ مباركٍ للمعلوماتِ عنْ تسريبِ موعدِ زيارةِ الوفدِ اَلْأَمْرِيكِيّ لمعرضِ الكتابِ اَلدَّوْلِيّ بالقاهرةِ، بسببَ علاقتهِ بنجلِ الزعيمِ عبدَ اَلنَّاصِر المتهمِ في القضيةِ

المواجهات الدمويةِ بينَ الجماعاتِ الأصوليةِ المسلحةِ والحكومةِ المصريةِ... اغتيالُ المتحدثِ اَلْإِعْلَامِيّ للجماعةِ الإسلاميةِ اَلْقِيَادِيّ/ عَلَاء محيي اَلدِّين. في شارعِ الهرمِ بمدينةِ الجيزةَ... أصدرتْ الجماعةُ الإسلاميةُ بيانا قالتْ فيهِ إِنَّ دمَ الدكتورِ/ عَلَاء "لنْ يضيعَ هدرٌ.". فقامتْ الجماعةُ بنشاطها في عملياتٍ انتقاميةٍ في القاهرةِ وصعيدِ مصرَ. منْ ضربِ واقتحامِ فنادقَ سياحيةٍ... في نهايةِ عامٍ/ 1997 م قامَ مجموعةً منْ تنظيمِ الجماعةِ الإسلاميةِ جنوبَ البلادِ في مدينةِ الأقصرِ السياحيةِ بمقتلِ أعدادٍ كبيرةٍ منْ السياحِ الأجانبِ وَتَمَّ إقالةَ وزيرِ الداخليةِ/ اللواءُ حسنْ الألفي... ثُمَّ استقرتْ الأوضاعُ الأمنيةُ بعدَ اتفاقِ داخلَ قيادةِ الجماعةِ في السجونِ والحكومةِ المصريةِ بوقفِ العملياتِ ونزيفِ الدمِ... ظهورُ جمالٍ مُبَارَك علي مسرحِ الأحداثِ... كانَ اَلصَّحَفِيّ "رضا هِلَال" اَلصَّحَفِيّ في جريدةِ الأهرامِ المص منْ ضمنِ المقربينَ للسفارةِ الأمريكيةِ بالقاهرةِ، ومقربَ النائبِ "دِيك تشيني" وكانتْ لهُ زياراتٌ متعددةٌ إلى أمريكا. بعدُ عودتهُ منْ زيارةٍ قامَ بها إلى أمريكا عامَ 2003 كشوفٍ عنْ شخصيةِ جَمَال مُبَارَك وعلاقتهِ برجالِ أعمالٍ يهودٌ في لندن وهوَ أولُ منْ أدلى بتصريحِ عنْ عمليةِ التوريثِ، الذي سببَ في إحراجٍ لرئيسِ مجلسِ إدارةِ الأهرامِ. لدى الجهاتِ العليا وتحذيرهُ منْ هذهِ التصريحاتِ... وأثناءَ خروجهِ منْ مبنى الأهرامِ وعودتهِ إلى منزلهِ قالَ شهودُ عيانٍ إنهُ دخلَ المنزلُ... ومازالَ مختفيا حتى هذهِ اللحظةِ ولمْ يعرفْ مصيرهُ حتى كتابةِ هذهِ السطورِ... هلْ تَمَّ اغتيالهُ...؟

الحياةُ السياسيةُ والبرلمانيةُ في مصرَ...

سمحَ مباركٌ بهامشٍ منْ ممارسةِ الحياةِ السياسيةِ والحزبيةِ وسمحَ لجماعةِ الإخوانِ المسلمونَ في خوضِ العمليةِ الانتخابيةِ تحتَ عباءةِ تحالفٍ حزبيٍ فمثلاً تحالفُ حزبِ الوفدِ معَ جماعةِ الإخوانِ في الانتخاباتِ البرلمانيةِ عامَ 1985. ثمَ تحالفِ حزبِ العملِ معَ الإخوانِ. في مجلسيْ الشعبِ والشورى... وسمحَ للصحفِ الحزبيةِ بحريةِ الرأيِ والتعبيرِ في حدودٍ معينةٍ... في انتخاباتِ عامِ 2005 م. تمَ التنسيقُ العلنيُ بينَ الإخوانِ والحكومةِ في تنسيقٍ في بعضِ الدوائرِ للسماحِ لهمْ بالتمثيلِ داخلِ البرلمانِ بصفتهمْ وليسَ تحتَ حزبٍ معينٍ كما حدثَ منْ قبلٌ، وكانَ مهندسُ العمليةِ؛ السيدُ/ كمالْ الشاذلي زعيمُ الأغلبيةِ في المجلسِ وممثلاً للحكومةِ والسيدُ/ المهندسُ خيرتْ الشاطرْ ممثلاً لجماعةِ الإخوانِ وقدْ فازَ الإخوانَ بحواليْ 80/ مقعدٌ في المجلسِ التشريعيِ لمجلسِ الشعبِ... ومعَ الألفيةِ الجديدةِ وحربِ الخليجِ الأولى والثانيةِ كانتْ مصرُ لديها علاقاتٌ قويةٌ معَ الولاياتِ المتحدةِ والغربِ وتعاونٍ أمنيٍ بعدَ حادثِ برجيْ التجارةِ العالميِ... ومعَ صعودِ باراكْ أوباما لسدةِ الحكمِ. كانتْ الإدارةُ الأمريكيةُ لها حساباتٌ أخرى في تحفظها عنْ نظمِ الحكمِ في الشرقِ الأوسطِ. ومطالبةُ مصرَ بمسارٍ جديدٍ للديمقراطيةِ بديلاً عنْ "الفوضى الخلاقةِ" ما بعد مباركٍ كما جاءَ في تصريحِ الوزيرةِ "كوندليزا ريسْ" الولاياتِ المتحدةِ تبحثُ لها عنْ بديلِ لمباركْ...؟ بعدٌ انتخاباتِ 2005 تمتْ محاكمةَ مديرِ مركزِ ابنْ خلدونْ بالقاهرةِ/ الدكتورُ سعدْ الدينْ إبراهيمْ بتلقي أموالِ منْ الاتحادِ الأوروبيِ ومنظماتُ حقوقيةٌ بمراقبةِ العمليةِ الانتخابيةِ. وتمتْ محاكمتهُ وإيداعهُ في السجنِ تدخلتْ السفارةُ الأمريكيةُ للافراجْ عنهُ بصفتهِ يحمل الجنسيةَ الأمريكيةَ. وفي أثناءِ الزياراتِ للسفارةِ الأمريكيةِ لهُ وجدَ بعضُ قادةِ الإخوانِ معهُ في محبسهِ وكانَ المهندسُ/ خيرتْ الشاطرْ يقضي تنفيذَ حكمٍ عليهِ فطلبَ منْ الدكتورِ سعدْ أنْ يفتحَ خطوطا وقنواتِ معَ جماعةِ الإخوانِ معَ الأمريكا ن وبعيدا عنْ إحراجِ الأمريكانِ تمَ التنسيقُ برعايةٍ كنديةٍ. في أحدِ فنادقَ القاهرةِ تحتَ سمعِ وبصرِ الجهاتِ الأمنيةِ عنْ البديلِ لمباركْ...

في السنواتِ الأخيرةِ كانَ الحاكمُ اَلْفِعْلِيّ في كُلّ الملفاتِ جَمَال مُبَارَك وحاشيتهِ منْ رجالِ الأعمالِ حتى انتشرَ الفسادُ والمحسوبيةُ باعترافٍ تحتَ قبةِ البرلمانِ منْ/ الدكتورُ زكريا عزمي أمينِ ديوانِ رئاسةِ الجمهوريةِ وعضوِ مجلسِ الشعبِ والمقربِ منْ مباركٍ وعائلتهِ في "الفسادِ أصبحَ للركبِ" وكانتْ الجلسةُ علنيةً وتنقلَ عبرِ شاشاتِ التلفزيونِ اَلْمِصْرِيّ وكانتْ هناكَ صراعاتٌ خفيةٌ بينَ الحرسِ القديمِ منْ صقورِ الحزبِ اَلْوَطَنِيّ ومجموعةِ لجنةٍ اَلسِّيَاسَات الجديدةَ... وفي صيفِ عامِ 2010 م بدأتْ الأمورُ تأخذُ منعطفا آخرَ عنْ حديثِ التوريثِ والانتخاباتِ التشريعيةِ... كانتْ الحدودُ المصريةُ الشرقيةُ غيرَ مستقرةٍ في قطاعِ غزةَ. غابَ عنْ المشهدِ كَمَال الشاذلي ممثلاً للحكومةِ والمهندسُ/ خيرتْ اَلشَّاطِر ممثلاً للإخوانِ المسلمينَ داخلَ السجنِ لتنفيذِ حكمٍ قضائيٍّ ضدهُ... وَمِنْ صعودُ لجنةِ السياساتِ في السياسةِ العامةِ التي ليسَ لديها خبرةٌ في التنسيقِ معَ التياراتِ السياسيةِ والحزبيةِ،،- "القشةُ التي قصمتْ ظهرَ البعيرِ ومعَ صعودِ جَمَال مُبَارَك أمينِ الحزبِ اَلْوَطَنِيّ ومجموعةِ لجنةِ السياساتِ منْ المقربينَ منْ جَمَال مُبَارَك منْ رجالِ الأعمالِ وتولي رجلِ الأعمالِ المهندسُ/ أحمدْ عَزَّ أمينِ التنظيمِ دور/ الوزيرُ المخضرمُ/ كَمَال الشاذلي في اختيارِ الأعضاءِ المرشحينَ للمجلسِ ورسمِ السياساتِ للحزبِ الحاكمِ دونَ خبرةٍ كانتْ بدايةِ سقوطٍ مباركٍ والقشةِ التي قصمتْ ظهرَ البعيرِ... كانتْ الولاياتُ المتحدةُ تبحثُ عنْ البديلِ لها في مصرَ ما بعد مباركٍ... وكانتْ لجنةُ السياساتِ بالحزبِ الحاكمِ تَسْتَعِدّ لعمليةِ توريثِ الحكمِ للسيدِ/ جَمَال مُبَارَك بعدَ الانتهاءِ منْ عمليةِ الانتخاباتِ التشريعيةِ بمجلسيْ الشعبِ والشورى واستبعادِ أَيّ تياراتٍ أخرى للوصولِ إلى المجلسِ بدأتْ توزعُ منشوراتٍ سريةً في القاهرةِ وبعضِ المدنِ عنْ التوقيعِ لترشيحِ اَلسَّيِّد جَمَال مُبَارَك ووضعِ ملصقاتٍ على الحوائطِ والمباني الحكوميةِ سرا في الليلِ كذلكَ ظهرَ صورَ تأييدٍ أخرى للسيدِ/ عمرْ سَلِيمَانِ...مديرُ جهازِ المخابراتِ العامةِ كمرشحِ الآخر للرئاسةِ وكانتْ تختفي هذهِ الملصقاتِ بعدَ قليلٍ. أجريتْ الانتخاباتُ في أُكْتُوبَر "تشرينَ" عتمَ 2010 وَتَمَّ استبعادُ كُلّ المرشحينَ منْ المعارضةِ والتدخلِ اَلْعَلَنِيّ في عدمِ فوزهمْ. فكونتْ مجموعةً منهمْ مجلسا موازيا فكانَ ردا مباركا عليهمْ " خَيْلهمْ يسلو" وأتذكرُ مقالةً قرأتها في جريدةِ "الحياةِ اللندنيةِ" حوار معَ الدكتورِ/ مجمد بَدِيع "مرشدَ جماعةِ الإخوانِ" بعد عمليةِ الانتخاباتِ وعنْ التوريثِ قالَ بالحرفِ الواحدِ لنْ نسمحَ بالتوريثِ والمهزلةِ التي أجريتْ فيها الانتخاباتُ التشريعيةُ وسوفَ تشتعلُ النارُ في مصرَ في حالةِ التوريثِ "كانتْ مصرُ مقبلةً على أخطرِ ملفٍّ ولكنَ العنايةَ الإلهيةَ تدخلتْ حيثُ تَمَّ تفجيرُ كنائسَ في أعيادِ الميلادِ. ونشطَ أقباطُ المهجرِ في وقفاتٍ احتجاجيةٍ في معظمِ المدنِ الأوروبيةِ. 25 منْ يَنَايِر عامَ 2012 م ورحيلٌ مباركٌ عنْ المشهدِ اَلسِّيَاسِيّ الإعلامِ اَلْعَالَمِيّ وشاشاتُ الميديا تنقلُ الأحداثُ في مصرَ لحظةً بلحظةٍ تترقبُ. مجرياتُ الأحداثِ وارتفاعٍ في الإصاباتِ وأعدادِ القتلى وارتفاعِ سقفِ الطلباتِ." ارحلْ يا مباركٌ "حناجر المتظاهرينَ تعلو في كُلّ ميادينَ وشوارعَ المحروسةِ، جمعة الحسمُ وجمعة الرحيلِ والغضبِ بعدَ الانتهاءِ منْ صلاةِ الجمعةِ جمعة الغضبَ، أثناءَ إقامتي في مدينةِ ميلانو. في إيطاليا. خرجتْ مسرعا إلى مقهى. لمتابعةِ تطوراتِ الأحداثِ وكانتْ شبكاتُ التلفزةِ الإيطاليةِ تنقلَ الحدثِ. وظهورَ طائرةِ مروحيةٍ في سماءِ القصرِ اَلْجُمْهُورِيّ كانَ إعلانا برحيلٍ مباركٍ، حقا إِنَّ يومَ الجمعةِ (11 منْ فَبْرَايِر عامَ 2011 م) كانَ يومٌ مشهودٌ في الربعِ الأولِ منْ الألفيةِ الجديدةِ في تاريخِ مصرَ الحديثُ، ففي هذا اليومِ خرجَ السيدُ/ عمرْ سَلِيمَانِ نائب الرئيسِ اَلْمِصْرِيّ ومديرِ جهازِ الاستخباراتِ السابقِ؛ في بيانٍ مقتضبٍ تنحي الرئيسِ" حسني مُبَارَك "عنْ الحكمِ وتسليمهِ مقاليدَ السلطةِ والبلادِ" للمجلسِ الأعلى للقواتِ المسلحةِ ". بالطبعِ لمْ يأتِ هذا القرارِ منْ فراغِ أوْ بينَ عشيةٍ وضحاها، فقدْ كانَ تتويجا لسلسلةٍ طويلةٍ منْ الأحداثِ استمرتْ لثلاثةِ أسابيعَ وبدأتْ في صباحِ يومٍ/ 25 منْ يَنَايِر/ 2011 م/ وبعدَ ظهورٍ مباركٍ في خطابٍ متلفزٍ إلى الشعبِ أثناءَ الأحداثِ وقالَ إنهُ يريدُ أنْ يموتَ على أرضِ مصرَ ولا يهربُ خارجها ونفيُ عمليةِ التوريثِ وطلبَ منْ المتظاهرينَ مدةَ 6 أشهرٍ للانتهاءِ منْ فترةِ حكمهِ. وتجري انتخاباتٌ. كانَ هناكَ تعاطفٌ بعدَ الخطابِ ولكنْ حدثَ حادثُ المعروفِ بموقعةِ الجملِ فارتفعَ سقفُ الطلباتِ بالرحيلِ... كانتْ الشرطةُ وجهازُ مباحثِ أمنِ الدولةِ تتوغلُ في كلٍّ كبيرةٍ وصغيرةٍ، وانحطاطَ الأوضاعِ الاقتصاديةِ وسيطرةُ الحزبِ الواحدِ ورجالِ أعمالهِ على مقدراتِ البلادِ في السنواتِ الأخيرةِ. وبعدُ ثلاثينَ عاما منْ الحكمِ أصبحَ فيها مباركٌ الحاكمِ بأمرهِ، بدأَ في إعدادِ العدةِ والخططِ لتمريرِ الحكمِ إلى" نجلهِ جمال "، وهيَ" القشةُ التي قصمتْ ظهرَ البعيرِ....

كانتْ الشعلةُ الأولى في جسدٍ (مُحَمَّد بوعزيزي) الشرارةِ الأولى لإشعالِ الثورةِ في مصرَ تحتَ كلنا "خَالِد سَعِيد وجماعةُ كفايةِ وجماعةِ 6 إِبْرِيل وجماعةِ الإخوانِ التي انضمتْ بعدَ اشتعالِ المظاهراتِ في الأيامِ الأولى" لتأخذ منعطفا آخرا بعدَ تصعيدِ المظاهراتِ وإقالةِ حكومةِ الدكتورِ/ أحمدْ نَظِيف وتعينَ حكومةَ أحمدْ شَفِيق وزيرَ الطيرانِ رئيسا للوزراءِ وتعينَ نائبُ لِمُبَارَك اللواءِ/ عمرْ سَلِيمَانِ. وكانتْ مطالبُ المتظاهرينَ أولاً: رحيلٌ مباركٌ عنْ الحكمِ وتقديمهِ للمحاكمةِ، ومحاسبتهُ عنْ مصادرِ ثروتهِ وأسرتهِ ومجموعةَ رجالِ الأعمالِ المقربينَ منْ نجلهِ جَمَال مُبَارَك منْ رجالِ الأعمالِ وعلي رأسِ القائمةِ رجلَ الأعمالِ المهندسُ/ أحمدْ عَزَّ وزكريا عزمي ومعظمَ منْ شملهمْ التحفظُ على أموالهمْ وقياداتِ الداخليةِ وللأسفِ كُلّ الفاعلينَ في الميدانِ ساسةٌ ونخبٌ وتياراتٌ منْ الأحزابِ والمجتمعِ اَلْمَدَنِيّ ضلوا الطريقُ عنْ العدلِ والمساواةِ فرفعَ شعارِ حريةٍ- عدالةٌ اجتماعيةٌ للآنِ "منْ يحكمُ بالعدلِ على منْ همْ دونهُ، يحكمَ عليهِ أيضا بالعدلِ ممنْ همْ فوقَ لِأَنَّ العدالةَ هيَ القانونُ اَلْإِلَهِيّ، وهيَ ضميرُ البشريةِ جمعاءَ". ومنْ وجهِ نظري البسيطةَ كانَ يجبُ علي الفاعلونَ؛- أولاً؛- كانَ يجبُ محاكمةَ مُبَارَك علي 30 عاما منْ الفسادِ اَلسِّيَاسِيّ وليسَ قصرُ هنا وهناكَ. ثانيا؛- إعادةُ هيكلةِ بعضِ الوزاراتِ وعلى رأسها وزارةَ الداخليةِ... ثالثا:- العدالةُ الانتقاليةُ بديلاً عنْ مهزلةِ المحاكماتِ ومنها محاكمةُ القرنِ وهناكَ منْ سبقنا في ذلكَ مثلٌ جنوبِ افريفبا. رابعا؛- تكوينُ مجلسٍ رئاسيٍّ منْ مدنيينَ وعسكريينَ للإدارةِ شئونُ البلادِ لمدةٍ انتقاليةٍ لا تزيدُ عنْ 5 سنواتٍ. خامسا؛- تفعيلُ قانونِ العزلِ اَلسِّيَاسِيّ لرجالِ النظامِ لمدةٍ لا تتجاوزُ 10 سنواتٍ، وللأسفِ اَلْكُلّ يبحثُ عنْ اَلْكَرَاسِيّ والمناصبِ والغنائمِ وخرجوا جميعا عنْ المسارِ الصحيحِ للثورةِ ووقعوا في فَخّ الدولةِ العميقةِ التي جاءتْ لها الفرصةُ منْ الصراعِ على السلطةِ وأخيرٍ؛. سوفَ يكتبُ التاريخُ يوما عنْ مباركٍ لهُ وماعليهِ بعدَ الغيابِ المفاجئِ لرجلِ معهُ كَلَّ الملفاتِ السريةِ الصندوقَ الأسودَ وعمليةَ وأسرارِ استبعادهِ منْ الترشحِ بعد مباركٍ ومحاولةِ اغتيالهِ ووفاتهِ السريعَ أنهُ اللواءُ/ عمرْ سَلِيمَانِ. وفي ظِلّ الأزمةِ الطاحنةِ والغلاءِ الفاحشِ كثيرُ منا يرددُ ولا يومَ منْ أيامكَ يا مباركٌ!! كانتْ الشعلةُ الأولى في جسدٍ (مُحَمَّد بوعزيزي) الشرارةِ الأولى لإشعالِ الثورةِ في مصرَ تحتَ كلنا "خَالِد سَعِيد وجماعةُ كفايةِ وجماعةِ 6 إِبْرِيل وجماعةِ الإخوانِ التي انضمتْ بعدَ اشتعالِ المظاهراتِ في الأيامِ الأولى" لتأخذ منعطفا آخرا بعدَ تصعيدِ المظاهراتِ وإقالةِ حكومةِ الدكتورِ/ أحمدْ نَظِيف وتعينَ حكومةَ أحمدْ شَفِيق وزيرَ الطيرانِ رئيسا للوزراءِ وتعينَ نائبُ لِمُبَارَك اللواءِ/ عمرْ سَلِيمَانِ. وكانتْ مطالبُ المتظاهرينَ أولاً: رحيلٌ مباركٌ عنْ الحكمِ وتقديمهِ للمحاكمةِ، ومحاسبتهُ عنْ مصادرِ ثروتهِ وأسرتهِ ومجموعةَ رجالِ الأعمالِ المقربينَ منْ نجلهِ جَمَال مُبَارَك منْ رجالِ الأعمالِ وعلي رأسِ القائمةِ رجلَ الأعمالِ المهندسُ/ أحمدْ عَزَّ وزكريا عزمي ومعظمَ منْ شملهمْ التحفظُ على أموالهمْ وقياداتِ الداخليةِ وللأسفِ كُلّ الفاعلينَ في الميدانِ ساسةٌ ونخبٌ وتياراتٌ منْ الأحزابِ والمجتمعِ اَلْمَدَنِيّ ضلوا الطريقُ عنْ العدلِ والمساواةِ فرعَ شعارِ حريةٍ- عدالةٌ اجتماعيةٌ للآنِ "منْ يحكمُ بالعدلِ على منْ همْ دونهُ، يحكمَ عليهِ أيضا بالعدلِ ممنْ همْ فوقَ لِأَنَّ العدالةَ هيَ القانونُ اَلْإِلَهِيّ، وهيَ ضميرُ البشريةِ جمعاءَ". ومنْ وجهِ نظري البسيطةَ كانَ يجبُ علي الفاعلونَ؛- أولاً؛- كانَ يجبُ محاكمةَ مُبَارَك علي 30 عاما منْ الفسادِ اَلسِّيَاسِيّ وليسَ قصرُ هنا وهناكَ. ثانيا؛- إعادةُ هيكلةِ بعضِ الوزاراتِ وعلى رأسها وزارةَ الداخليةِ... ثالثا:- العدالةُ الانتقاليةُ بديلاً عنْ مهزلةِ المحاكماتِ ومنها محاكمةُ القرنِ وهناكَ منْ سبقنا في ذلكَ مثلٌ جنوبِ افريفبا. رابعا؛- تكوينُ مجلسٍ رئاسيٍّ منْ مدنيينَ وعسكريينَ للإدارةِ شئونُ البلادِ لمدةٍ انتقاليةٍ لا تزيدُ عنْ 5 سنواتٍ. خامسا؛- تفعيلُ قانونِ العزلِ اَلسِّيَاسِيّ لرجالِ النظامِ لمدةٍ لا تتجاوزُ 10 سنواتٍ، وللأسفِ اَلْكُلّ يبحثُ عنْ اَلْكَرَاسِيّ والمناصبِ والغنائمِ وخرجوا جميعا عنْ المسارِ الصحيحِ للثورةِ ووقعوا في فَخّ الدولةِ العميقةِ التي جاءتْ لها الفرصةُ منْ الصراعِ على السلطةِ وأخيرٍ؛. سوفَ يكتبُ التاريخُ يوما عنْ مباركٍ لهُ وماعليهِ بعدَ الغيابِ المفاجئِ لرجلِ معهُ كَلَّ الملفاتِ السريةِ الصندوقَ الأسودَ وعمليةَ وأسرارِ استبعادهِ منْ الترشحِ بعد مباركٍ ومحاولةِ اغتيالهِ ووفاتهِ السريعَ أنهُ اللواءُ/ عمرْ سَلِيمَانِ. وفي ظِلّ الأزمةِ الطاحنةِ والغلاءِ الفاحشِ كثيرُ منا يرددُ ولا يومَ منْ أيامكَ يا مباركٌ!!

***

مُحَمَّد سَعْد عبدِ اَللَّطِيف

 كاتبٌ مصريٌّ وباحثٌ في علمِ الجغرافيا السياسيةِ

بقلم: مرتضى حسين عن موقع الانترسبت

ترجمة: قصي الصافي

 في أعقاب الثورة الاسلامية عام 1979 لم تتوقف الأزمات التي ظل يواجهها النظام الايراني باستمرار،حروبأ طويله و طاحنة، عقوبات دولية، معارضة داخليه وصراعأ دائما مع القوة العظمى الوحيدة في العالم، ومع ذلك بقيت الحكومة صامدة ومستمرة لحد الآن.

كان النظام قد واجه أكبر التحديات حتى الآن: موجة احتجاجات شعبيه على نطاق واسع، بدأت في أيلول على أثر وفاة امرأة كردية ايرانية تدعى مهسا أميني أثناء احتجازها من قبل الشرطة. تختلف الاحتجاجات هذه المرة عن سابقاتها لاختلاف السبب المحفز لها، فقد تم القبض على أميني لارتدائها غطاء رأس (غير لائق)، مما دعا المحتجين الى تحدي قانون الحجاب الالزامي في إيران، القانون الذي يعتبر ركيزة أيديولوجية وأداةً للهيمنة الاجتماعية للجمهورية الاسلاميه. لثلاثة أشهر والمتظاهرون يبدون شجاعة في مواجهة عنف الدولة المفرط والنزول للشوارع بهتافات " المرأة الحياة، الحرية" مع اضراب عام يعكس تزايد الغضب الشعبي ضد النظام.

لقد استمر حكم رجال الدين لحد الآن بفضل القمع الوحشي المفرط، فبحسب ما تناقلته التقارير تم اعتقال 15000 مواطن، وقتل المئات منهم على ايدي قوات الامن.

في غضون ذلك تلوح في الأفق ازمة أخرى تهدد النظام، ازمة تتفاقم تحت السطح ولم تظهر بعد الى العلن، وقد تكون هي الأزمة الأخطر على الجمهورية الإسلامية على الاطلاق.

المرشد الأعلى علي خامنئي طاعن في السن و يقال انه يعاني من العديد من الامراض. إن موته الذي يلوح في الأفق، وعدم وجود خليفة متفق عليه يقوم مقامه، سيدخل الجمهورية الإسلامية في أزمة خلافة حادة - تحدي من هذا النوع هو بالضبط ما اسهم في تفكيك العديد من الأنظمة الاستبدادية في الماضي- قد تؤدي الأزمة قريبًا إلى تمكين إحدى المنظمات الأمنية القوية في إيران، الحرس الثوري الإسلامي، من القيام بدور مباشر في حكم إيران لأول مرة في تاريخها.

عندما اندلعت الاحتجاجات في أيلول الماضي ، لم يظهر خامنئي للعلن، وقد توقع أنصاره أن يبدي رداً علنياً، وذلك لاعتلال صحته بسبب جراحة الأمعاء. في السنوات الأخيرة، أصيب خامنئي، البالغ من العمر 83 عامًا، بمجموعة من الأمراض الخطيرة، بما في ذلك سرطان البروستات، لكنه أيضًا خيّب العديد من التنبؤات السابقة بوفاته الوشيكة.

على الرغم من أنه ظهر منذ ذلك الحين علنًا للتنديد بالاحتجاجات الأخيرة باعتبارها تخريبًا خارجيًا، إلا أنه يجدر النظر في الشكل الذي ستبدو عليه إيران، سواء من حيث السياسة الداخلية أو الخارجية، بعد مغادرة مرشدها الأعلى هذا العالم أخيراً. بيد أن الموجة الأخيرة من الرفض العلني لنظامه تشير الى مدى قسوة التغييرات المحتملة القادمة.

ستشكل  وفاة خامنئي تحديًا كبيرًا للجمهورية الإسلامية، فمن يخلفه سيكون من جيل لم يشارك في الثورة. قال سينا أزودي ، محاضر في الشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن:

 " إنه أمر لا يناقشه أحد تقريبًا علنًا داخل إيران ، لكن الدولة بأكملها تجري استعداداتها الآن لقضية الخلافة، كان خامنئي قد شارك في ثورة 1979، حتى انه قد سجن من قبل شرطة الشاه السرية، السافاك، الذين يراهم عملاءً للولايات المتحدة. وهو كثير التشكيك بالنوايا الغربية تجاه إيران، و ما أن يغادر المشهد حتى تتلاشى إحدى العوائق الرئيسية أمام تحسين علاقات إيران مع الغرب ".

 أصبح خامنئي المرشد الأعلى في عام 1989، وقد حكم إيران أربع دورات تقريبًا، وهي فترة أطول من سلفه الوحيد، روح الله الخميني، زعيم الثورة ومؤسس الجمهورية الإسلامية. ومن أكثر من منظور يمكن القول بإن النظام الحاكم اليوم هو من صنعه الشخصي، وإن إدارة مراكز القوى المتنافسة داخل إيران تعتمد بشكل أساسي على مكانته كسلطة عليا.  لقد قام خامنئي بتهميش معظم منافسيه داخل المؤسسة الدينية، وعزز نفسه كسلطة عليا لا جدال عليها تقريباً داخل النظام. هذا الاحتكار للسلطة والنفوذ- السمة السائدة للديكتاتوريات- جعل موقعه آمنًا، ومن غير المؤكد ان النظام يمتلك القدرة على استبداله بشكل مناسب بعد وفاته.

على الرغم من نفوذه المتفرد، فقد برزت داخل المؤسسة الأمنية الإيرانية فصائل قد تكون مستعدة للاستفادة من زوال خامنئي. ومن أبرز هؤلاء الحرس الثوري الإسلامي، وهو فرع من القوات المسلحة تم إنشاؤه بعد ثورة 1979 ككيان مسلح مؤدلج. قد يكون الحرس الثوري الإيراني هو القوة الوحيدة المتبقية داخل إيران والتي تتمتع بالنفوذ والحافز الذي يؤهلها للقيام بدور مباشر في السياسة الإيرانية بعد رحيل خامنئي.

في قرار مثير للجدل ادرجت ادارة ترامب عام 2019 الحرس الثوري في قائمة الارهاب. و الحرس الثوري لم يعد اليوم قوة عسكرية تحت أمرة المرشد فحسب، بل أصبحت لاعباً اقتصادياً رئيسياً داخل ايران، فهي تمتلك أعمالًا تجارية مربحة وممتلكات عقارية من المرجح أنها تسعى إلى الحفاظ عليها بغض النظر عن التغييرات التي قد تطرأ في السياسة الإيرانية. إن ادراك مستوى التحكم شبه المافيوي للحرس الثوري على المجتمع الإيراني اليوم هو المفتاح لفهم ما ستؤول اليه سياسات البلاد تحت قيادتهم.

 لو أمعنا النظر لسلوكهم، ببدو أن قادة الحرس الثوري الإيراني يضعون منافعهم المادية في المقام الأول، فهم ليسوا مجرد أيديولوجيين. إنهم منهمكون في مجال جني الأموال، على عكس خامنئي، الذي حاول، ظاهريًا على الأقل، إظهار درجة من التواضع . انهم مهتمون بحماية مزاياهم الاقتصادية، وكانت العقوبات الدولية نافعة لهم في هذا المجال. إنهم لا يهيمنون على الاقتصاد الرسمي فحسب، بل يسيطرون على جزء كبير من السوق السوداء. جميع السلع الكمالية الواردة إلى إيران اليوم تصل عبر القنوات التي يسيطر عليها الحرس الثوري الإيراني .

 يرى بعض الخبراء إنه من الممكن، بل و المرجّح، أن تقرر قيادة ذات نفوذ اقتصادي قوي جيدة التسليح في الحرس الثوري الإيراني، القيام بانقلاب عسكري للسيطرة المباشرة على إيران بعد وفاة خامنئي.

 ليس من الضروري أن يكون مثل هذا الانقلاب علنيًا.  فالعديد من البلدان الأخرى في المنطقة ، وأشهرها مصر وباكستان ، تدار من وراء الكواليس من قبل مؤسسات عسكرية قوية، على الرغم من حفاظها على مظهر الحكومة المدنية شكلياً. مثل هذه الترتيبات لم تخدم مواطني هذه الدول، لكنها تخدم بشكل جيد النخب العسكرية نفسها.  لا يوجد سبب للاعتقاد بأن الشخصيات القوية في الحرس الثوري الإيراني ستعارض مثل هذه الفرصة، أو ستمنع نفسها من اغتنامها إن سنحت بعد وفاة خامنئي.

 كيفية حكم نظام محتمل بقيادة الحرس الثوري الإيراني لإيران (لا سيما في مجال تقييد الحريات الشخصية، وهي في صميم مظالم أغلب الإيرانيين اليوم) ستعتمد على تقييم قادة النظام الى مدى ديمومة الانتفاع من المؤسسة الدينية الإيرانية.

تأسست الجمهورية الإسلامية كَدولة ثيوقراطية، وذلك بفضل قدسية سلطة رجال الدين عند الشيعة وهي الطائفة السائدة في إيران. رغم ذلك يبدو ان غلياناً شعبياً عاماً يتزايد ضد رجال الدين انفسهم بسبب سوء الحكم، وقد تعرض خامنئي لهجمات شخصيه، كما ان الايرانيين قد بدأوا يصورون انفسهم في مقاطع فيديو وهم يوجهون صفعات للعمائم على رؤوس رجال الدين، الأمر الذي يشير بوضوح إلى تراجع مصداقية المؤسسة الدينية بأعين الجمهور. الصورة القاتمة

لرجال الدين في عيون عامة الايرانيين ستلعب دوراً في كيفية تصرف حكومة الحرس الثوري المحتملة.

 قال علي ألفونة، الزميل الأول في معهد الخليج العربي ومؤلف كتاب " الخلافة السياسية في الجمهورية الإسلامية" : " اذا ما تسنى لقادة الحرس الثوري إدارة ايران فعلياً، فان سياساتهم الداخلية سيحددها تقييمهم لمدى شرعية و مكانة رجال الدين الشيعة، فإذا كان رجال الدين الشيعة لا يزالون محتفظين بمكانتهم كمصدر للشرعية، فإن الحرس الثوري الإيراني سيواصل تقييد الحريات الشخصية على أسس دينية".

 " أما في حالة فقد رجال الدين الشيعة لمنزلتهم بحيث لم يعودوا مصدراً للشرعية، فإن قادة الحرس الثوري سيتخلون عنهم ومن المحتمل انهم سيطلقون الحريات الشخصية، وليست السياسية، للمواطنين الإيرانيين، الإيرانيات اللائي يرتدين التنانير القصيرة، والشباب الإيراني الذين يقضون أوقات فراغهم في ممارسة الجنس والمخدرات وموسيقى الروك أند رول يمكنهم التعايش مع دكتاتورية عسكرية للحرس الثوري الإيراني لمدة عشر سنوات على الأقل في السلطة".

 ليس هناك ما يشير إلى أن الحرس الثوري الإيراني مستعد لتسلّم السلطة في أي وقت قريب، خاصة وأن خامنئي قد يتعافى ويبقى على قيد الحياة لبضع سنوات قادمة. ومع ذلك، فإن رحيله الحتمي عن المشهد، في ظل غياب خليفة  محدد اختاره أو سمح له بالارتقاء من داخل المؤسسة الدينية، يعني أن استشراف الصيغة المستقبلية للسياسة الإيرانية باتت فعلاً واضحة في الأفق.

 إن الحكومة الإيرانية التي يقودها الحرس الثوري الإيراني - إما كدكتاتورية عسكرية مباشرة أو،على الأرجح، برأس  أعلى كدمية تحت سيطرتهم- لا تحدث فقط تغييرات في بعض سياسات إيران الداخلية، بل وأيضًا في نهجها تجاه المجتمع الدولي.

من البديهي أن إيران التي تقودها نخب عسكرية لن تكون دولة ديمقراطية، ولكن من المرجح أن تعود الى تبني  مواقف نفعية فيما يتعلق بعلاقتها مع إسرائيل والغرب، إن لم يكن مع دول العالم العربي. رغم ان النظام قد لايرتقي إلى مستوى تحقيق مطالب المحتجين في الشوارع بالتغيير الديمقراطي، إلا أن مثل هذا النظام قد يحول إيران إلى ما يشبه المملكة العربية السعودية مع انفتاح اجتماعي مما يجعله متناعماً مع المصالح الغربية، بالطبع بفضل ثروتها من الوقود الأحفوري،  ومع ذلك يظل النظام سلطويا في جوهره.

وقال ألفونة "من المرجح أن يولد نظام عملي كهذا، بغض النظر عن أي تغييرات أيديولوجية مستقبلية على النظام الذي سيقوده الحرس الثوري الإيراني بعد وفاة خامنئي.

 من عام1979 حتى عام1988 كان للحرس الثوري الإيراني علاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة في الماضي وكانت إسرائيل المصدر الرئيسي لمشتريات الحرس الثوري الإيراني من الأسلحة التي تنتجها الولايات المتحدة، وقد عقد الحرس الثوري الإيراني في مناسبات متعددة تحالفات تكتيكية مع الولايات المتحدة ضد طالبان وضد الدولة الإسلامية.  لذا لا أرى أي سبب يمنع مثل هذه السياسات في ظل إيران التي يحكمها الحرس الثوري الإيراني.

على الرغم من ترجيحه إمكانية حدوث تغييرات في العلاقات الخارجية، إلا أن ألفونه حذر من أن بعض الأشياء سوف لن تتغير.  وقال: " فيما يتعلق بالقضايا الأكثر جوهرية، كطموحات إيران النووية، والبرنامج الصاروخي، ودعم الوكلاء، ومعارضة وجود القوة العظمى في الخليج العربي، فلن يكون هناك تغيير طالما أن إيران مستمرة ككيان سياسي موحد".  .  "حتى إذا انهارت الجمهورية الإسلامية، فإن الإيرانيين يميلون بشكل جماعي إلى الزرادشتية واعادة إحياء الإمبراطورية الساسانية، هذه السياسات ستستمر كما كانت من قبل."

https://theintercept.com/2022/12/09/iran-regime-khamenei-death/

مع افتتاح مؤتمر ميونيخ الأمني، نشهد تصريحات أمريكية وغربية " متخبطة "، تعكس الواقع الذي يعيشه الغرب، على خلفية الانتصارات التي تحققها القوات العسكرية الروسية، في عمليته الخاصة في أوكرانيا، والوضع الصعب الذي تعيشه القوات الأوكرانية، وباعتراف قادتها العسكريين، ومنهم قائد القوات الأوكرانية الملقب بـ "ماديار"، الذي أعلن أن الوضع على الجبهة، حول مدينة أرتيوموفسك صعب للغاية، حيث تتكبد القوات الأوكرانية خسائر بشرية وآلية في كل دقيقة، وكذلك المطالب العجيبة والغريبة التي يقدمها الجانب الاوكراني، وآخرها، مطالبته للدول المشاركة في مؤتمر ميونخ الأمني، بتوريد ذخائر عنقودية محرمة دوليا، وهو الامر الذي رفضه حلف شمال الاطلسي (الناتو)، وقال امينه العام ينس ستولتنبرغ، " نحن نوفر المدفعية وأنواعا أخرى من الأسلحة، لكننا لا نوّرد القنابل العنقودية".

وفي الوقت الذي أعلن فيه رئيس الحكومة البريطانية، ريشي سوناك، بأن بلاده ستمد أوكرانيا بمعدات عسكرية تتجاوز قيمتها إمدادات العام الماضي وتقدر بـ 2.3 مليار جنيه إسترليني خلال العام الجاري، ودعوته الساسة الغربيين، إلى مضاعفة دعمهم لأوكرانيا، عاد ليؤكد حاجة كييف الماسة إلى الدبابات، والمدفعيات، والمدرعات، وأنظمة الدفاع الجوي، وغيرها من الأسلحة الثقيلة، منوها بوصول الأزمة الأوكرانية إلى نقطة مفصلية هامة.

وفي مقابل ذلك، جاء تصريح وزير الدفاع البريطاني بن والاس، أن الدبابات الغربية ليست "جرعة سحرية" من شأنها أن تغير الوضع في ساحة المعركة بين عشية وضحاها، لتكون بمثابة " صفعة قوية "، بوجه رئيس وزرائه، وزاد الوزير في تقييماته، ليكشف بأن العديد من الدول الغربية، بعد اتخاذ القرار السياسي بنقل الدبابات إلى كييف، وجدت أنها لا تمتلك دبابات صالحة للخدمة في أوكرانيا، وقال "أرسل " السياسيون جيشهم إلى المستودعات، وكان عليهم أن يذكروا أن دباباتهم إما معطلة أو لم يتم إصلاحها لتسليمها إلى أوكرانيا "، و الإشارة إلى أن هناك بيانات عن عدد الدبابات التي تمتلكها كل دولة، لكن الواقع يخبرنا أن القليل منها يعمل، ووفقا له، هذا هو الوضع فيما يتعلق بمخزونات الذخائر، والتي لا تكفي لنقلها إلى كييف.

ومن السخريات، فقد أعطى البريطانيون زيلينسكي وقادة القوات المسلحة الأوكرانية، نصيحة قييمة، لا سيما على خلفية الشكاوى المقدمة من كييف، بأن الذخيرة على وشك النفاد، فقد نصح وزير الدفاع البريطاني بن والاس يجب أن يكون الجيش الأوكراني أكثر دقة من أجل إنفاق قذائف أقل، وكذلك وبناء على طلب من رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي لزيادة إمدادات ذخيرة المدفعية، رد الشركاء الغربيون، بعبارة ملطفة، ببرود، أو بعبارة بسيطة، "تجمدوا"، وتوصلت قناة Legitimny تلغرام الأوكرانية إلى هذا الاستنتاج، وقال مصدر في القناة إن "زيلينسكي نُصِح بالتركيز على تدريب المشاة (حشد المزيد) للحرب في المدن، أي تحويل كل مدينة إلى أنقاض على طريق القوات المسلحة.

أما الجانب الأمريكي فلا يقل " تخبطا " من نظيره البريطاني، ففي الوقت الذي صرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، متحدثا في مؤتمر ميونخ للأمن، بأن الولايات المتحدة وحلفاؤها يناقشون الخطوات الممكنة لضمان أمن أوكرانيا على المدى الطويل، وافراطه في التفاؤل، والحفاظ على أمن أوكرانيا، و ان الكثير مما قدموه الآن سيقطع شوطا طويلا في ضمان القدرات الدفاعية لأوكرانيا على المدى الطويل، لكن الرد جاء على لسان نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، والتي حذرت فيه من أن أوكرانيا "ستشهد المزيد من الأيام المظلمة".

اما في المانيا، فقد انقسم شعبها الى قسمين، وباعتراف المستشار أولاف شولتس، الذي شدد على أنه لا توجد في ألمانيا وحدة في الموقف، حول توريد الأسلحة إلى كييف والعقوبات ضد روسيا، وانتقد في ذات الوقت دول حلفاء برلين، لعدم إمدادهم أوكرانيا بالدبابات رغم مرور عدة أشهر على حث ألمانيا على القيام بذلك، وقال "ضغطوا علينا ولما وافقنا اختفوا"، لتؤكد هذه التصريحات خيبة أمل برلين المتزايدة من حلفائها، حيث تعرض رئيس الحكومة الألمانية لضغوط منذ عدة أشهر بسبب الموقف المتعلق بتزويد القوات المسلحة الأوكرانية بالدبابات

والضعف الغربي، جسده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي اكد أهمية إيجاد الدول الغربية، للقوة والشجاعة لبناء حوار مع روسيا، والذي بدونه لن يكون السلام في أوروبا ممكنا، خصوصا وان لا أحد منهم يستطيع تغيير جغرافية روسيا، ستظل دائما جزءا من أوروبا، ومعضلتهم أنه لن يكون هناك سلام موثوق وكامل في القارة الاوربية حتى يتعلموا كيفية حل «المسألة الروسية»، ولكن بكل عقلانية، ودون أي تهاون، لذلك تحتاج اوروبا إلى القوة والشجاعة لإعادة فتح الحوار (مع روسيا) من أجل إيجاد حل مستدام.

التخبط الكبير في المواقف والتصريحات، يؤكد بما لا يقبل الشك، ان سياسة الكذب الكلي في أوكرانيا، قد أستنفذت إلى حد كبير، وإن ملامح الخروج التدريجي من الصراع في أوكرانيا تظهر الآن ليس فقط من خلال المنشورات البغيضة التي تعارض الديمقراطيين الأمريكيين والاتحاد الأوروبي، ولكن أيضًا من خلال وسائل الإعلام الليبرالية تمامًا، بالنظر إلى أن الهدف الرئيسي للغرب على المحك - ترتيب هزيمة روسيا في الصراع الأوكراني قبل صيف عام 2023، لكن طرق الهروب، على ما يبدو، يتم العمل عليها بالفعل.

وتاريخيا، يمكن مقارنة الوضع في أوكرانيا بفيتنام، ثم زادت الولايات المتحدة من تدخلها تدريجياً، وضللت الحكومة الشعب الأمريكي، فأوكرانيا هي فيتنام متسارعة، ولكن هذه المرة مع خطر نشوب صراع عسكري مباشر مع قوة عظمى وحرب نووية، ولخص حزب المحافظين الأمريكي، متسائلاً لماذا يحتاج الأمريكيون إلى حرب نووية لأوكرانيا.

ويؤكد الخبراء والمراقبون إن الولايات المتحدة، تغير تكتيكاتها تدريجياً وتستعد لنزاعات الشرق الأوسط، وتحويل تمويل وتسليح الميدان إلى الأوروبيين، وقال رئيس لجنة الدفاع البرلمانية البريطانية، توبياس إلوود، على قناة سكاي نيوز، " إننا بحاجة إلى لقاء روسيا وجهاً لوجه، وعدم ترك العمل لأوكرانيا وحدها "، ولكن السؤال المهم، هو من سيمول دخول دولة مدمرة ومهجورة من السكان إلى الاتحاد الأوروبي بعد الهزيمة؟ وعلى حساب من تكون المأدبة؟" خصوصا وإن مشروع "أوكرانيا" ليس له مستقبل خارج الحرب مع روسيا، ولكن وكما قال رئيس اللجنة العسكرية لحلف الناتو، روب باور، تعليقًا على سؤال صحفي عما إذا كانوا مستعدين لمواجهة مباشرة مع روسيا، أعرب عن أسفه لأن الجيش البريطاني يمر بأوقات عصيبة، وعرباته المدرعة عفا عليها الزمن، وانخفض عدد القوات إلى 10 آلاف فرد.

لعب الجميع ضد الجميع، استفز عمل عسكري، وقدم المساعدة للجميع، وقم ببيع الأسلحة، وقم بتوحيد المبادئ الجديدة للتفاعل في مجال الطاقة، ومنع إنشاء ممرات نقل جديدة من جنوب شرق آسيا إلى أوروبا، والتي ستبقى خارج سيطرة الولايات المتحدة، وتحافظ على التأثير على التجارة العالمية، وذلك لضمان بقاء الولايات المتحدة على حساب الاقتصاد الرقمي للمستقبل، وإنقاذ نظام التسوية بالدولار، سيتطلب هذا الكثير من الجهد والنفقات، أكثر من الحفاظ على القوات المسلحة لأوكرانيا، لذلك تم نقل المهمة بالفعل إلى أوروبا.

***

بقلم: الدكتور كريم المظفر

بقلم: شاندرا مظفر

ترجمة: نجوى فوزي السودة

 ***

شددت حركة العدل الدولية على حكومات أمريكا، وبريطانيا، وأستراليا، وكندا، وسويسرا، وبعض دول الإتحاد الأوروبي، وبعض الدول العربية الموالية أن العقوبات اللاأخلاقية وغير العادلة على سوريا لكي تقلل من المعاناة الشديدة التي يكابدها السوريون من جراء زلزال ال6 من فبراير 2023.

ناشدتها كذلك عدد من الجمعيات من بينها جمعية الصليب الاحمر السورية. شارك في ذلك على المستوى الدولي أيضا أفراد وجماعات ومعهد هيلجا زيب لاروش، مطالبين أن ترفع العقوبات عن سوريا. وفي تقرير نقلا عن الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي أنهم قد أوقفوا عقوباتهم مؤقتا. إلا أن هؤلاء المناشدين يرون أن هذا ليس كافيا لأن هذا يعني أنهم في مقدورهم أن يعيدوا فرض العقوبات في أي وقت.

إذا ما ألغوا العقوبة فعليه أن تكون فورية وإلغائها على كل شئ لأنه ليس هناك مبررات لهم في المقام الأول.

إن الولايات المتحدة بدأت في إستهداف سوريا عام 1979 بوضعها في قائمة الدول التي تمول الإرهاب. كان السبب الرئيسي وراء ذلك أن الرئيس السوري حينئذ حافظ الأسد منح المجاهدين حرية السعي إلى تحرير فلسطين، ومرتفعات الجولان والمناطق العربية الأخري التي تحتلها إسرائيل. إن هذا دليل دامغ على مدى النفوذ الذي تمارسه إسرائيل والصهيونية على السياسة الخارجية للولايات المتحدة في غرب آسيا وشمال أفريقيا.

زادت حدة العقوبات في الفترة ما بين مارس إلى أغسطس2004 وأرجعوا ذلك إلى إدعاءات جديدة كاذبة تزعم تدخل سوريا في العراق ولبنان اللتين تتصادمان مع إسرائيل. ومن ذلك الحين، وعلاقة الحكومة السورية مع حماس بفلسطين وحزب الله بلبنان وعلاقتها الأخوية مع إيران هو لب السبب في الكراهية التي تكنها الولايات المتحدة الأمريكية لدولة تأخذ قرارها بعقل حازم.

ليس هناك ما يدعو إلى أن نُذكر، أن مصالح إسرائيل كانت جلية في كل المواقف التي إتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية.

أيا كان، وفقط وبعد ما أُطلق عليه تمويها الربيع العربي2011 قامت الولايات المتحدة العدوانية بالتخطيط للإطاحة بالحكومة السورية برئاسة بشار الأسد، وساندها في مخططها بعض الدول الأوربية الحليفة لهاوبعض أصدقائها في دول غرب آسيا وشمال أفريقيا، ولَدَ سلسلة متكاملة من العقوبات الجديدة من موانع السفر وتجميد الأصول وموانع التصدير وفرض القيود على قطاع البترول. إنضم الإتحاد الأوروبي للولايات المتحدةفي مقاطعة قطاع البترول. يدر قطاع البترول 20% من دخلها القومي. وطبقا للإحصائيات فإن سوريا ومن عام 2011 قد خسرت 107 بليون دولار من عائداتها من البترول والغاز.

كما أن بعض الدول العربية جمدت أصولها كما فعلت تركيا في عام 2011. بيد أن ما من قرار من هذه القرارات كان له تأثيره القاسي على الإقتصاد السوري أو الدولة لأن إعتقال الجماعات الإرهابية الموالية لحكومات، وجماعات عرقية أو إرهابيين يمدونهم بالعتاد في المنطقة، يتضمن ذلك منتجات البترول والقمح والقطن. تُعرَف كل هذه الجماعات باسم بالجبهة السورية الديمقراطية التي يتزعمها الأكراد الذين يعيشون في حالة نزاع طويل المدى مع الحكومة السورية والتركية بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية. كان للزلزال وقعا بالغ الأثر على الأكراد الذين يحتلون أجزاءا من شمال غرب سوريا. يترأس الرئيس بشار الأسد هذه الدولة المنشقة والمُفتتة. إنها دولة يصل تعدادها 3مليون و15 نسمة من بين تعداد سكان يصل إلى 21مليون و3 نسمة هم في أمس الحاجة إلى المساعدات الإنسانية. لقد سعت الولايات المتحدة وحليفاتها إلى إضعاف قوة وسلطة بشار كما قد رأينا عن طريق عدم قدرته على السيطرة على الموارد الحيوية لسوريا وإعجاز سوريا بفرض العقوبات عليها.

يتضح لنا الآن أن حكومته صارت غير قادرة على أن تستجيب سريعا وبصورة فعالة لكارثة الزلزال التي وقعت في 11 من فبراير قُتِل فيها على الأقل 3 مليونا و500 من السوريين. هذا العدد أقل بكثير جدا من وفيات الأطفال والنساء والرجال الذين هلكوا وتجاوزا عددهم 22مليونا و300ألفا، في دولة تركيا جارة سوريا. إن المأساة السورية تتطلب إستجابة سريعة تتعدى عمليات الإنقاذ أو العمليات الجراحية وإلا كان كل هذا عبثا. إن حجم المأساة جسيم وصار أكثر تعقيدا بعد فروض العقوبة عليها والذي لا يعرقل فقط إجراء عمليات جراحية في مثل هذه العمليات لعدم وجود الأساسيات الضرورية مع وصول عدد لاحد له ممن في أمس الحاجة لكنه كذلك يحول إعادة التأهيل للعمل لا على المدى القريب ولا البعيد. لهذه الأسباب فإن فرض العقوبة ينبغي على الفور أن يُرفع عن سوريا. ولهذا السبب فإن على الشعوب والحكومات أن يناشدوا ذلك.

إن الصراع الدائر بين الجماعات المتناحرة التي تتمتع بالأغلبية المُسلحة ينبغي أن يوضع لها حدا على وجه السرعة إن كان ذلك ممكنا. إن الأمر ليس جدا يسيرا. نأمل ُ أن يدفع هذا الوبال العظيم البعض من الممثلين الرئيسيين في هذه الصراعات أن يكون لها رد فعل يعكس مدى شدة البلاء الذي قد أحل بسوريا –وألم لُجي لملايين من البشر على كلا الجانبين من الحدود السورية التركية. عليهم أن يبادروا بإنهاء الصراعات والقتل الدائر على طول الحدود وفي الأجزاء الأخرى من سوريا إذا كان هناك أي معنى للمعاناة التي يكابدونها. وفي هذا الصدد، نحث الأمم المتحدة أن تناشد وأن يكون لها تأثير فعليا على كل الأطراف المتحاربة أن تلتزم بوقف إطلاق النار حتى تصل المساعدات الإنسانية ويتلقاها ضحايا الزلزال.

لدينا بريق من الأمل. لقد صرح الرئيس التركي، أردوغان، أنه على إستعداد أن يلتقي مع الرئيس السوري، بشار الأسد، ليناقشا أوجه الخلاف في وجهات النظر وأن يضعا حلولا لها. دعونا نتحلى بالأمل وأن نبتهل إلى الله أن يسعى كلا منهما للقاء –لقاء ينجم عنه حلولا تتقبلها الأطراف وتحل النزاعات. لو أن الزعيمين اللذين كانا بينهما صداقة حميمة في وقت من الأوقات، قام بينهما سلام، فإن فرصة الوصول إلى خطى ثابتة ممكنة.

***

14/2/2023

 

من الأمور التي يعرفها المختصون ان من بين ابرز اسباب سقوط الاتحاد السوفيتي وكامل المنظومة السوفيتية، هو ازدراء آراء الاقتصاديين الحقيقيين ومعاقبتهم مما ادى الى هجرة افضلهم الى الغرب (ليونيتف ولانگة، كأمثلة). والذين استفاد منهم الغرب كثيراً ..

لكن بلدانهم سخرت من افكارهم واعتبرتهم منظرين للرأسمالية ويريدون اشاعة القيم الرأسمالية في البلدان الاشتراكية التي تحارب الرأسمالية!!!

هكذا ولاسباب ايديولوجية تافهة تم حرمان البلدان الاشتراكية من قواعد الحساب الاقتصادي العقلاني ومن اعتماد الاسس الاقتصادية المنطقية في توزيع الاستثمارات، وصارت القرارات الاقتصادية اداة بيد السياسيين الجهلة ومن هم ينتمون الى اختصاصات اخرى (كالمهندسين والمحاسبين وغيرهم ممن كان هدفهم الاسمى ارضاء الحاكم المستبد)..

النتيجة انهم اقاموا صناعات عملاقة بدون جدوى اقتصادية وصارت عبئاً على الموازنة لانها كانت تتطلب دعماً كبيراً لكي تستمر.

خلقوا وظائف لاداعي لها للجميع وبأجور زهيدة لكي يقال انهم قضوا على البطالة.. (كان نصيب الفرد السوفيتي من الناتج المحلي الاجمالي عند سقوط الاتحاد السوفيتي بحدود ٦٦٠ دولار مقابل ٤٤٠٠٠ دولار للفرد الامريكي).

موّلوا تلك السياسات الشعبوية عن طريق استخدام الموارد الطبيعية الهائلة التي كانوا يبيعونها للعالم كمواد خام واستخدام ايراداتها لتمويل برامجهم البائسة (مثل وضع العراق الحالي)..

احد السادة الكتاب نشر موضوعاً يوم امس كان بالنسبة لي كخيبة أمل كبيرة وصدمة لاسيما وانه حظي بتقدير واعجاب عدد من القراء!!

كان الرجل يسخر من استخدام الادوات الاقتصادية للسيطرة على حركة الاقتصاد كالضريبة وسعر الصرف ويسخر من الاقتصاديين الذين يدعون الى استخدامها ويدعوهم الى ترك الامور "لليد الخفية" التي تستطيع وحدها تعديل وضع الاقتصاد وارجاعه الى حالة التوازن!!

يبدو انه لايعلم ان فكرة اليد الخفية سقطت في الثلاثينيات على أثر الكساد العظيم الذي اوشك ان يُسقط النظام الرأسمالي ويحقق نبؤة كارل ماركس بأن النظام الرأسمالي يسقط بفعل تناقضاته. لولا نظرية كينز الداعية الى تدخل الدولة عن طريق الانفاق، لسَقط النظام بالفعل.

 كان الجميع ينتظر اليد الخفية، التي دعى اليها الكاتب ودعمه مجموعة من غير الاقتصاديين، ولكن بدون جدوى الى ان تدخلت الدولة وعالجت المشكلة..

بعض الناس، سواء أكان اقتصادي او مثقف غير اقتصادي، لديهم معلومات وافكار اقتصادية قديمة تعود الى بدايات تأسيس علم الاقتصاد عندما كان منظروا الاقتصاد يحرّمون تدخل الدولة...

أنا أسأل المؤمنين بعدم تدخل الاقتصاديين وادواتهم في الحياة الاقتصادية:

 هل هنالك بلد واحد ناجح ومتقدم اقتصادياً يترك اموره لليد الخفية؟

امريكا زعيمة العالم الحر عالجت التضخم وبحزم من خلال رفع سعر الفائدة الذي أصر عليه وبثبات رئيس الاحتياطي الفدرالي (الذي هو اقتصادي) ولم يستطع حتى الرئيس الامريكي ايقافه

او التدخل في قراراته.

ألم يسمع هؤلاء السادة بالاداة الضريبية (رفعاً او خفضاً) ودورها في دفع النمو؟

ألم يسمعوا بقرارات الرئيس ترامب وتدخله في فرض ضرائب كمركية وقيود استيراد لغرض تحفيز الاقتصاد الامريكي؟

ألم يسمعوا بمفهوم حزمة التحفيز الاقتصادي التي استخدمها الرئيس اوباما لمعالجة آثار ازمة العام ٢٠٠٨؟

وبعدها استخدمها بايدن لمعالجة آثار مرض كورونا؟

الا يعلمون ان لكل رئيس امريكي مجلس استشاري اقتصادي؟

الاقتصاد وإشاعة الثقافة الاقتصادية الجادة بين الجمهور وبين السياسيين، ليست لعبة للهواة وغير المختصين.

انه فوضى اضافية تضاف لماهو موجود بالفعل من كم هائل من الفوضى على كل صعيد.

اعتراضي الاساسي على صيغة التعميم بدل التخصيص وتحديد من هو المقصود التخصيص.

لو قال بعض الاقتصاديين

او قال في العراق

لكان الأمر مفهوماً، اما التعميم وكأنه يتحدث عن العالم، فذلك غير مقبول.

وحتى لو كان يتحدث عن العراق، فأن الدعوة للاعتماد على اليد الخفية التي جاء بها آدم سمث، غير صحيحة وغير مقبولة.

***

د. صلاح حزام

ورد في الأخبار أن الحكومة ستفتح سبعة أبواب جديدة في اتفاقية "الإطار الاستراتيجي" مع واشنطن وستنفذ مشروع أنبوب البصرة العقبة النفطي العبثي: حين قلنا قبل سنوات إن اتفاقية "الإطار الاستراتيجي" هي اتفاقية وصاية وارتهان استعماري يفرِّغ عملية انسحاب غالبية قوات الاحتلال الأميركية والغربية سنة 2011 من أي مضمون، ويهدر دماء مئات الآلاف من ضحايا الاحتلال الأميركي من العراقيين، حين قلنا ذلك سخر من كلامنا بعض المتذاكين - دع عنك الحلفاء الصرحاء للاحتلال- وقالوا إنكم تشككون بانسحاب قوات الاحتلال! واليوم، وبعد بدء واشنطن بتنفيذ أول ضغوطها ومضايقاتها لحكومة السوداني باستخدام الدولار التي أدت إلى فقدان جزء مهم من قيمة الدينار العراقي وخضوع الحكومة الإطار التنسيقي لإملاءات الجانب الأميركي بعد زيارة وزير الخارجية فؤاد حسين يتأكد بما لا يقبل الشك خطر اتفاقية "الإطار الاستراتيجي" على العراق وشعبه واستقلاله المنقوص أصلا وثرواته، وإليكم هذه الفقرات من تقرير إخباري حول زيارة وفد عراقي لواشنطن برئاسة فؤاد حسين تؤكد ما تقدم:

* ان "الوفد العراقي بقيادة فؤاد حسين الى واشنطن تمكن من الحصول على مهلة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد قبل الدخول في نظام سويفت (وهو نظام تحويلات عالمي)، مقابل عدة شروط.

* المصادر المقربة من الإطار التنسيقي الذي يقود الحكومة قالت إن "العراق قدم مواقف مرنة بخصوص انبوب النفط الى العقبة كما جرت تفاهمات سابقة بشأن وقف قصف قوات التحالف". وهناك "تفاهمات حول مصير القوات الاميركية وزيادة الشراكة النفطية وفتح مجالات جديدة ضمن ما يعرف بـ الاتفاق الاستراتيجي" مع واشنطن.

*المستشار المالي للحكومة مظهر محمد صالح نفى "وجود تمديد للإجراءات الاميركية بخصوص تداول الدولار لمدة ثلاثة أشهر". وقال ان "العراق ملتزم 100% بتلك الشروط وليس أمامنا حل آخر غير الالتزام وتكثيف الحوارات". وأكد صالح أن "بغداد ستبقى مستمرة في التفاهمات وفتح جوانب أخرى من اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع واشنطن".

*وأمس، قال محمد النجار مستشار الحكومة لشؤون الاستثمار بان العراق سيقوم بتفعيل "سبعة بنود غير مفعلة في الاتفاقية الستراتيجية" مع الولايات المتحدة. قوال النجار في تصريح للتلفزيون الرسمي ان زيارة الوفد الاخيرة الى واشنطن "تهدف لوضع أسس جديدة للتعاون مع الولايات المتحدة".

خلاصة القول هو أن الحكومة العراقية الحالية أو أية حكومة عراقية أخرى غيرها تطبق اتفاقية الإطار الاستراتيجي ولا تجرؤ على إلغائها أو على الأقل عرضها على التصويت الشعبي ليقول الشعب كلمته فيها، ستكون مرتهنة بالكامل للإرادة الأميركية "مع مراعاة نفوذ وتدخلات دول الجوار"، ومجبرة على خدمة مصالح تلك الدول وخاصة إيران وتركيا والأردن على حساب المصالح والثروات العراقية، وبهذا سيبقى العراق فاقدا للاستقلال منهوب الثروات محكوما بالفاسدين يراوح في موضعه باسم الوسطية الزائفة التي هي في جوهرها خضوع كامل لأمريكا والتدخلات الأجنبية، ولن يكون قادرا على حسم خياراته الاستراتيجية واتخاذ موقف في عصر الصراع العالمي الشديد بين الشرق الأوراسي بزعامة روسيا والصين والغرب الأميركي الأوروبي، في وقت تسعى دول كثيرة حتى تلك التابعة تقليديا لأميركا إلى فك ارتباطها معها والاقتراب من التحالف الدولي الأوراسي الشرقي، أو في الأقل تمانع وترفض الإملاءات الأميركية والغربية وتتخذ مواقف وإجراءات تقربها من المحور الشرقي وتحمي مصالحها من الضغوطات والابتزاز الغربي الأميركي! أما الحكومات العراقية المتوالية منذ 2005 فهي تتشبث بالمحور الغربي وتراوح في منطقة ملغومة بالكوارث باسم الوسطية الزائفة لإدامة بقاء الحماية والهيمنة الأميركية على العراق.

* لا سيادة ولا استقلال للعراق ولا مكافحة للفساد بوجود وتنفيذ اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع دولة الاحتلال باسم حكومات التوافق والمشاركة في النهب باسم الطوائف!.

***

علاء اللامي

اللقاء الذي عقده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مع عدد من ممثلي وسائل الاعلام الغربية والعربية، بما فيهم كاتب هذه السطور، كان مهما للجميع، وعنوان هذا المقال أستمد أسمه من مقولة للوزير الروسي وهو يكاشف الاعلام الغربي بحقيقة مهمة للتعامل الغربي وازدواجيته " الصلفة " تجاه العديد من القضايا الدولية، وفي المقدمة منها التعامل مع روسيا، والتطرق لقضايا الساعة والمفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية ومفهوم حرية التعبير في الدول الغربية

تجربتنا الإعلامية في روسيا والي تمتد لأكثر من 25 سنة، كشفت لنا وبشكل كبير، أن موسكو ومؤسساتها الحكومية المختلفة، ووزارة الخارجية على وجه الخصوص، ومنذ بداية العملية العسكرية الخاصة، هي أكثر إنفتاحا، على وسائل الإعلام، لعرض الحقائق كما هي، وفي المقدمة منها، العقوبات، والتي قال عنها الوزير الروسي، بأنها جزء من الحرب الهجينة الاقتصادية والثقافية والسياسية والعسكرية ضد بلاده، " و أنا على ثقة أن الصحفيين شأنهم شأن الدبلوماسيين يهتمون بالحقيقة والموضوعية ".

الحقائق والأدلة يجب أن تصل في نهاية المطاف إلى القارئ الذي يقع ضحية للتحليلات والتكهنات والاستنتاجات، ويجب علينا جميعا البحث عن الحقيقة، لذلك قامت وزارة الخارجية الروسية بتنظيم 60 رحلة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بواقع 20 رحلة في السنة، لنقل وجهة نظر البلاد، ورغبة روسية في التمييز عن الغربيين الذين يزعمون أنهم دعاة الديمقراطية، في الوقت الذي يحجبون فيه وسائل الإعلام الروسية، ويضعون الشارات على وسائل الإعلام التي يسمونها "مرتبطة بالكرملين" .

وقد بات هذا واضحا من خلال الهجوم على RT و"سبوتنيك" من قبل الغرب قبل 5 سنوات من بدء العملية العسكرية الخاص، وبدأ مجلس الاتحاد الأوروبي في وقت سابق عملية تعليق تراخيص البث للقنوات التلفزيونية الروسية NTV و REN TV و Rossiya 1 والقناة الأولى، بالإضافة إلى ذلك، فرض الاتحاد الأوروبي، كجزء من الحزمة التاسعة من القيود، عقوبات على منظمة غير ربحية مستقلة TV-Novosti، وهذا من وجهة النظر القانونية، فإن مثل هذا الخط بشأن إلغاء وسائل الإعلام الناطقة بالروسية، ينتهك بشكل صارخ الالتزامات التي تعهدت بها جميع الدول الغربية داخل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لضمان حرية وسائل الإعلام والوصول المتكافئ إلى المعلومات لجميع سكان منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

وترك الوزير الروسي في لقاءه الحكم للحاضرين في اللقاء، فالمفوض الأعلى للسياسة الخارجية والأمن جوزيب بوريل يؤكد إن حجب وسائل الإعلام الروسية بمثابة "الدفاع عن حرية التعبير "، ولكن وفق المبادئ التي ينادي فيها الغرب، فإن عملية حجب وسائل الإعلام الروسية تنتهك كافة القوانين التي تقرها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، كذلك فبعد أن أقدمت روسيا على أنشاء وسائل إعلام موضوعية وشفافة، كان ذلك بالنسبة لفرنسا وللأوروبيين أمرا غير مناسب، لأن خداع الجمهور أصبح العادة السائدة بالنسبة للمجتمع الأوروبي، لذلك وبحسب تعبير لافروف، " اليوم نرى نفس ما كان يحدث في الاتحاد السوفيتي، وما تنبأ به جورج أورويل، في حجب الرأي الآخر، يحدث في أوروبا " .

ما يفعله الغرب هو استهزاء بحرية الكلمة والتعبير، فبعد تصريح Highly Likely" " الشهير لتيريزا ماي، قام الغرب بطرد 150 دبلوماسيا روسيا من العواصم الغربية، ولا يريدون إجراء تحقيقات بشأن تفجير خط الأنابيب "السيل الشمالي"، ولنرى كيف ستتمكن سكرتارية الأمم المتحدة من إجراء التحقيقات استنادا إلى طلب إحدى الدول الأعضاء (روسيا)، خصوصا وان تقرير سيمور هيرش حول تفجير "السيل الشمالي" مبني على الحقائق، وهو "ما كنا نتوقعه منذ زمن طويل ولا نرى أي رد فعل من الغرب" بحسب قول الوزير لافروف . .

إن تفجير "السيل الشمالي"، بتأكيد روسيا، كان حل الغرب النهائي لقضية الغاز الألمانية، حتى لا تحاول برلين لعب دور مستقل، ولعب دور مستقل في المنظور التاريخي، وتنمو كقوة أوروبية رائدة، أولا وقبل كل شيء، بفضل مصادر الطاقة الروسية الموثوقة الرخيصة وبأسعار تنافسية تضمن نمو الاقتصاد الألماني، مثلما يحاولون الآن حل المسألة الروسية بشكل نهائي .

واستغرب الوزير الروسي من رفض السويد والدانمارك الكشف عن نتائج التحقيق في اعتداء "السيل الجنوبي"، وصمتهم منذ نصف عام، ومنذ سبتمبر، لم يرد السويديون ولا الدنماركيون على الرسائل الرسمية لرئيس الوزراء الروسي، الذي عرض بلباقة شديدة تعيين شخص ما، للتواصل معه لبحث ذلك، لأن الحادث وقع في مياه السويد والدنمارك الحصرية، وخطوط الأنابيب ملك لشركة روسية، وقال "أنا أعتبر أن هذه وقاحة، ولكن هذه الوقاحة تخفي الفشل الكامل لمحاولات التعتيم على مسؤولية الغرب المتكاتف بقيادة الولايات المتحدة عن التخريب وتنفيذ هذا العمل الإرهابي"، والاشارة إلى أنه إذا نُسب شيء مشابه إلى روسيا في ما يتعلق، على سبيل المثال، بخط أنابيب النفط "الكندي الأمريكي"، فلن يكون للصحفيين "وظيفة أخرى" وسيجبرونهم على الكتابة عن هذا فقط.

في الغرب أشاروا إلى الجمهورية العربية السورية، بعد مشاهد مصطنعة لـ"الخوذ البيضاء"، واعتبروها أساسا ليس فقط لإجراء تحقيقات وإنما لاستصدار قرارات من مجلس الأمن، والآن وبعد تحقيق سيمور هيرش، الذي تتوافق فيه كل الحقائق، يقول موظفو الأمم المتحدة إنه ليس لديهم أساسا يمكن الاستناد إليه لإجراء تحقيق، وذلك لان سيمور هيرش، ذكر السبب وهو عدم منح ألمانيا الفرصة للحصول على الغاز بشكل آمن ومستقر من هذه الأنابيب التي توفرها شركات روسيا للنمسا وألمانيا وإيطاليا، و إن ما يحدث الآن من وجهة نظر الوزير لافروف، هو أحد الأمثلة على "القواعد" بدلا من القوانين، والتي لا يهتم من يضعونها بالتداعيات التي تقع أضرارها حتى على حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، وإذا كان نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية يتحدث عن تقرير السيد سيمور هيرش بوصفه "هراء"، فهذا يعد مؤشرا عن العلاقة بحرية الإعلام والصحافة.

والغريب في الامر هو ذلك التناقض في التصرفات والفكر الغربي، فجميعنا قرأنا ما يقوله المستشار الألماني ووزيرة الخارجية الألمانية، دائما إن الغرب تمكن من تجاوز العقوبات الروسية، والسؤال هو عن أي عقوبات روسية يدور الحديث ؟ فروسيا كما اكد لافروف لم تفرض عقوبات، ولكن العكس هو ما حدث، فهناك فقط تقارير استعراضية حول "كيف تمكننا من الحصول على الغاز" دون ذكر الفرق (في الأسعار).

أن ما يحدث اليوم يحدث بمساعدة الاعلام الغربي، والذي كشف هو الاخر عن " ازدواجيته " في التعامل مع القضايا الدولية " والترويج لكذب سادته، فالولايات المتحدة وأقمارها الصناعية تشن حربًا هجينة شاملة ضد روسيا، والتي تم إعدادها لسنوات عديدة، باستخدام الراديكاليين الوطنيين الأوكرانيين ككبش فداء، والغرض من هذه الحرب ليس مخفيًا، ليس فقط هزيمة روسيا في ساحة المعركة، وتدمير اقتصادها، ولكن أيضًا لإحاطة بها بطوق صحي، و"تحويلنا إلى نوع من البلد المنبوذ "، بحسب تعبير الوزير الروسي.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

كتبت أستاذة التاريخ في جامعة يشيفا الأمريكية كتاباً حول هذا الموضوع المهم "العراق بين الحربين العالميتين / الأصول العسكرية للطغيان" بترجمة مهند طالب الحمدي، جمهورية العراق / وزارة الثقافة والسياحة والآثار ـ دار المأمون للترجمة والنشر بغداد ط1 2022

سيتصور القارىء للوهلة الأولى ـ  كما حدث مع كاتب هذه السطور ـ أن البحث مُختصٌ بحركة رشيد عالي الكيلاني 1941، أي أن الباحثة ستُسَلّط الضوء عليها لتخرج بنتيجة تُدينها وتكتشف "الأصول العسكرية للطغيان في العراق". لكن ما إن يبدأ القارىء بالكتاب حتى يتبين أن هذه النظرة كانت قاصرة وبشدة! فعمل سيمون إمتد بعيداً جداً، الى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، أي العهد الحميدي "السلطان عبد الحميد"، فكان عملها "أركيولوجياً" بإمتياز. حفرٌ عميق في التعاون العثماني الألماني في المجال العسكري، وما أدى إليه هذا التعاون من زرعٍ للروح القومية الألمانية في نفوس الضُباط العراقيين عندما كانوا ضُباطاُ عثمانيين، وبعد أن أصبحوا ضمن المملكة العراقية الحديثة التي أسّسها البريطانيون في  عام 1921.

يُقال دائماً بأن 14 تموز 1958 هي من أسّست لتدخل العسكر في السياسة وفتحت المجال واسعاً أمام الضُباط لولوج حقل السياسة، وما نتج عنها من تسلطٍ عسكري وطغيان لم يشهده العراق سابقاً. ونحن بدورنا قد أثبتنا تهافت هذا الرأي في الكثير من كتاباتنا السابقة (1)، لكن سيمون اليوم قد جاءتنا بإكتشاف جديد ومُذهلٍ فعلاً. فتدخل العسكر ـ كما هو معلوم ـ في العمل السياسي قد خرج من رحم الملكية العراقية، إنقلاب الجنرال بكر صدقي في عام 1936 ضد حكومة ياسين الهاشمي، هو أول إنقلاب عسكري في العراق والمنطقة. لكن سيمون قد أضافت تفسيراً جديداً من خلال طرح سؤال مركزي في البحث:

لماذا بدأت مجموعة من ضباط الجيش الذين سيطروا على الحكومة العراقية في عام 1941 بشنّ حرب كارثية عقيمة ضد بريطانيا العظمى؟ ولماذا رفض هؤلاء الضُباط القيم الديمقراطية والليبرالية البريطانية وإتجهوا بدلاً من ذلك نحو ألمانيا العسكرية؟ ص9

وتُرَكّز سيمون كثيراً على التعليم (هو المفتاح لتحليل أسباب الإرتباط الألماني ـ العراقي في عام 1941، والذي يُعدّ في جوهره تتويجاً لعملية بدأت قبل الحرب العالمية الأولى) ص10

وهذا ما دفع ناشر الكتاب الى القول: (يتميز هذا الكتاب الذي تضعه دار المأمون للترجمة والنشر بين أيدي قُرّائها بأنه من الكتب النادرة التي تُخَصّص حيزاً مُهماً لدور التعليم في بناء الدولة العراقية وتأثيره في غرس الأفكار القومية وبالنتيجة التحكم بتوجهات الجيل الجديد وببوصلة توجهاته السياسية) ص6، وقد ركّزت سيمون بإسهاب على تجربة المربي الكبير الأستاذ ساطع الحصري في العراق وما نتج عنها لاحقاً.

تمتدّ جذور "الطغيان العسكري" بعيداً الى ما قبل تأسيس الدولة العراقية كما أسلفنا، بل إن هذا الطغيان سيمتدّ في المستقبل بعيداً أيضاً - وهذا ما يُحسب للتحليلات السيمونية بكل تأكيد -، الى توتاليتارية حزب البعث ودكتاتورية صدام حسين!

تحليلٌ عميق ونظرات بعيدة فعلاً، فالطغيان العسكري لم يُولَد في تموز 1958، بل كان موجوداً في الدولة العراقية الملكية، ويسير بصوتٍ عالٍ في ثلاثينيات القرن الماضي، وبصمتٍ وخنوعٍ في ما بعد 1941، الى أن كشف عن وجهه في 1958. وقد نقلت سيمون حادثة لها مغزىً كبير هنا:

أصبح الضُبّاط مع إقتراب نهاية الثلاثينيات بؤرة للإقتتال السياسي الداخلي، إذ كان رشيد عالي الكيلاني ونوري السعيد يُغدقان عليهم النبيذ والأكل والويسكي، ويتنافسان على الحصول على دعمهم السياسي ص133.

(ساسة الملكية الكِبار يُغازلون ضباط الجيش للحصول على دعمهم! فهل فعلاً كان الجيش بعيداً عن السياسة كما يُشاعُ غالباً من قِبَلِ الملكيين؟!)

غنيٌ عن القول بأننا لا نؤيد جميع ما أثبتته سيمون، وإلاّ فهي تنقل عن الإستخبارات البريطانية أن 95% من العراقيين مؤيدون لألمانيا في عام 1942 ص50، أي أن المشروع "الديمقراطي الليبرالي" البريطاني قد فشل في العراق! ولعمري فهذه إجابة على ما جاء في سؤالها المركزي المذكور أعلاه! وهو سبب مهم في الإتجاه لألمانيا، فعدو عدوي صديقي كما يقول المثل الذي ذكرته سيمون نفسها في ص9

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

.....................

1- مثلاً مقالنا الموسوم: 14 تموز 1958 يوم خالدٌ في تاريخ العراق المعاصر، المنشور في هذه الصحيفة الموقرة بتاريخ 10 شباط 2023

 

المهووسون في السلطة في الجزائر من هم؟ وإلى أيّ تيّار ينتمون؟.. قراءة في كتاب

كثير من الثورات نالت اهتماما كبيرا لدى الباحثين الذين قاموا بتحليل نفسي اجتماعي للعملية الثورية ومدى استعداد الشعوب للموت من اجل قضيتهم العادلة التي كانت ولا تزال على المحك، تداولت فيها شعارات: " ارفع رأسك أنت مصري، ارفع راسك أنت عراقي، ارفع راسك أنت جزائري، تونسي، مغربي"، وقد اختصر هذا الشعار في "ارفع رأسك أنت عربي"، كانت التعبئة جماهيرية ضد الأنظمة القمعية ومواجهة آلتها الدكتاتورية كانت نقطة تحول جذري نحو التغيير الحقيقي.

كتاب مهووسون في السلطة لموريال ميراك وفايسباخ سلط الضوء على الأنظمة الاستبدادية العربية وكسف واجهت الشعوب العربية لهذه الأنظمة وكيف غيرت الأحداث والأفكار، هو كتاب يؤرخ للزعامات العربية التي كرست كل ما تستطيع تكريسه من أجل البقاء في الحكم وتسلطها لو بممارسة القمع والاستبداد، الكتاب صدرت طبعته الأولى سنة 2012 عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر لبنان وقام بالتدقيق اللغوي محمد زينو شومان وهو يحتوي على 137 صفحة دون حساب المراجع والفهرسة، ومقدمة في 13 صفحة كانت كافية للوقوف على الحقائق والأحداث دون الإطلاع على المضمون، الذي هو تحليل سايكولوجي لزعماء عاشوا ثوريات 2011، بيد أنه عبارة عن تحصيل حاصل للأحداث التي وقعت في الساحة العربية ونضال الشعوب من أجل تحقيق التغيير كذلك دور الزعماء ومواجهتهم للمعارضة المخالفة لسياسة النظام.

 وقد خص صاحب الكتاب أسماء اربعة زعماء عربية وهم: العقيد معمر القذافي، حسني مبارك، زين العابدين بن علي و علي عبد الله صالح، وخصص في كتابه فضلا حول الحاكن الصالح، وكما هو معلوم فمنظري الفكر السياسي عادة ما يستخدمون مفاهيم ومصطلحات محددة تخدم الفكرة المراد معالجتها كمفهوم (الزعيم والحاكم والقائد والرئيس) بعدما زالت مفاهيم كانت أكثر استعمالا في وقت مضى كاستعمال مفهوم (الإمبراطور)، ماعدا عبارة الملك والأمير لا تزال مستعملة في البلدان التي تتبع النظام الملكي كما نجده في المغرب والأردن مثلا، ولو أن مفهوم "الأمير" أعطيت له أبعادًا سياسية مخالفة، حيث يطلق هذا اللقب على الزعماء الذين يقودون الحركات الإسلامية المسلحة (داعش والقاعدة) ومن سار على نهجهما.

  الملاحظ أن صاحب الكتاب استثنى بعض الدول التي عاشت عربية وحروب أهلي قد تكون في عمقها أكثر من البلدان التي ذكرها الكاتب، لاسيما الجزائر التي عاشت أحداثا دموية وصل صداها إلى كل العالم منذ الربيع الأسود إلى غاية العشرية السوداء في 1990 وخلفت مآسي لم يندمل جرحها إلى اليوم، أراد المؤلف القول أن الحروب الأهلية التي استعمل فيها السلاح بين النظام والمعارضة اسبابها اقتصادية أكثر منها سياسية، وهذا يعني أنه يحاول إغفال جانب مهم جدا مما كان يدور في الساحة العربية وسبب وقوع هذه الحروب وهو الدعوة إلى بناء المشروع الإسلامي وتأسيس الدولة الإسلامية ومحاربة الفساد وإصلاح الشباب والعودة إلى الإسلام في ظل الصراع بين الحداثة والأصالة، أي أن الصراع ليس ديني ولا هو سياسي من اجل الحكم بل هو اقتصادي دفع بالشعوب إلى الانتفاضة تحت اسم ثورة الخبز، الأهم في هذه الحروب هو أن هناك من كانوا المستفيدين من هذه الحروب ومن فساد الأنظمة المستبدة واقتصاداتها التي تدار بأسلوب "المافيا" .

فمنذ قرون لم تكن هناك معارضة شرسة مثل التي شهدها القرن الواحد والعشرين بين المعارضة وما أطلق عليها بـ: "الدولة البوليسية". ومهما تنوعت هذه الثورات والحروب الأهلية وتلونت وتعدد اسماؤها (حركة كفاية، حركة البوعزيزي ثورة الياسمين، الثورة الخضراء,, وغيرها من الأسماء دون أن ننسى حركة بن غازي)، بما فيها الأحداث الدموية التي وقعت في الجزائر، كل هذه الحركات كانت ضد نظم مستبد، ففي الجزائر مثلا لم تقبل السلطة بفوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ FIS في انتخابات 1990 وحدث الإنقلاب على الشرعية، ووقع الحصار على الجزب المحظور وتعرض قائده أو زعيمه الشيخ عباسي مدني إلى النفي ظلما وقهرا، فما حدث للفيس يؤهله لأن يدخل التاريخ كما دخل من قبله زعماء آخرون، ولعل لقاء روما الذي اشتهر بلقاء سانت إيجيديو لعقد الصلح وإصلاح ذات البين بين الفيس والنظام، شارك فيه قادة أحزاب سياسية معارضة وابرزهم المجاهد الوطني حسين آيت أحمد وأحزاب موالية للسلطة ومنهم حزب جبهة التحرير الوطني بقيادة المجاهد عبد الحميد مهري يعتبر التأشيرة (الفيزا) لدخول الفيس التاريخ من ابوابه الواسعة، باعتباره الحزب الوحيد الذي وتجه النظام المستبد وما يمتلكه من أجهزة الدولة البوليسية، إذ لا يزال اكثر من 160 سجينا سياسيا داخل القضبان الحديدة ولمدة تزيد عن 30 سنة.

والسؤال الذي يستوجب طرحه لماذا استثنيت الجزائر أو زعماؤها الذين كان بعضهم مهووسون بالسلطة؟ نعم لقد عرفت الدولة الجزائرية في مرحلة ما زعماء مهووسون بالسلطة، وأبرزهم الرئيس أحمد بن بلة والرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، ودون الدخول في التفاصيل وكيف حاول بن بلة الإنقلاب على بومدين قبل وقوع التصحيح الثوري، وكيف حاول بوتفليقة أيضا أن يحوّل الجمهورية الجزائرية إلى ملكية خاصة هو وحاشيته، ويعتبر الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة أول رئيس جزائري يبقى في الحكم أربع عهدات أي 20 سنة كاملة، وقد دفعته نرجسيته إلى الاعتقاد بأنه الزعيم الذي لا يأتي بعده زعيم، لولا الحراك الشعبي الذي خرج إلى الشوارع في مسيرات سلمية مطالبا برفض العهدة الخامسة ومحاربة الفساد، لاشك أن ما حدث من ثورات كان كافيا لإعطاء الدروس للأنظمة المستبدة، خاصة وأن هذه الثورات نالت اهتماما كبيرا لدى الباحثين الذين قاموا بتحليل نفسي اجتماعي للعملية الثورية ومدى استعداد الشعوب للموت من اجل قضيتهم العادلة التي كانت ولا تزال على المحك، تداولت فيها شعارات: " ارفع رأسك أنت مصري، ارفع راسك أنت عراقي، ارفع راسك أنت جزائري، تونسي، مغربي"، وقد اختصر هذا الشعار في "ارفع رأسك أنت عربي"، كانت التعبئة جماهيرية ضد الأنظمة القمعية ومواجهة آلتها الدكتاتورية كانت نقطة تحول جذري نحو التغيير الحقيقي.

حسبما جاء في الكتاب فقد وقف المؤلف أمام شخصيات نرجسية، حيث قام تحليله على النمط الفرويدي، وقال أن الشخصية النرجسية يتكرر وجودها لدى الشخصية السياسية والعسكرية وخصوصا أولئك الذين يرتقون إلى مراتب السلطة، والشخصية النرجسية حسبه تسعى إلى السلطة لإشباع حاجاتها المرضية، وجوهر النرجسية هو حب الذات والنرجسي يفرط عادة في المبالغة في تقدير نفسه وقدراته، ولطالما تحدث التاريخ عن صراع الزعامات، نذكر جزءًا مما جاء في مقدمة الكتاب وهي عبارات تولد الروح الثورية في قلب كال مواطن عربي لمجابهة الظلم والاستبداد، إذ يقول: " في الوقت الذي اخد محاربو الحرية في العالم أجمع يصفقون للثورة العرببة أخذت الأنظمة المستبدة تقاتل من أجل مجرد بقائها".

 ففي الوقت الذي كانت المعارضة وانظام في صدام عنيف كان الانتهازيون يستثمرون في هذا الصراع لنهب ثروات البلاد وفي ظرف وجيز استطاعوا أن يكونوا الثروة قدرت بالمليارات وضعوها في حسابات خارجية بدلا من أن يقوموا بالثورة إلى جانب إخوانهم، هي الخيانة العظمى، وهو ما جدث في الجزائر مثلا خلال انطلاق الحراك الشعبي حين أدرك الجيش الجزائري أنّ أيّ ثورة قد تجر خلفها حالات فوضى وهذا لا يخدم الوحدة الوطنية، فالجزائر مرت بتجربة قاسية خلال العشرية السوداء ولا ينبغي ان يتكرر السيناريو، فكان من الضروري النظر إلى الآفاق في إطار الامتثال للواقع ومعالجة الأمور بعقلانية ودون تهور، والسؤال الذي يفرض نفسه هل كان الفيس يرغب في السلطة إلى درجة الهوس؟ وماذا عن الرئيس الحالي؟ عل يفكر هو الآخر في البقاء في الحكم لعهدة ثانية وثالثة كما فعل من سبقوه، والسؤال الذي يلح على الطرح هو كالتالي: لماذا يرفض تبون الإفراج عن سجناء التسعينات؟ ولما لم يفصل في قانون لم الشمل الجزائري ولم يكشف عن بنوده وتفاصيله؟ تلك اسئلة الأيام وحدها كفيلة بالرد عليها.

***

علجية عيش بتصرف

عادة ما تُفسر ظاهرة الزلازل وغيرها من الكوارث الطبيعية كالفيضانات والبراكين والأعاصير تفسيران أساسيان. أحدهما ذو طبيعة دينية كما نجد على سبيل المثال لا الحصر في العقائد التوحيدية الثلاث: اليهودية، النصرانية والإسلام. فيما يتعلق بنظرة الدين الإسلامي إلى الكوارث الطبيعية، فيُفسر بعضها بكونها عقوبة إلهية، وهذا ما يسري على مجموعة من الأمم الغابرة التي ارتكبت الفواحش والمعاصي والآثام، وانحرفت عن جادة الحق متحدية رسالة التوحيد التي جاء بها مختلف الرسل والأنبياء، مثل أقوام نوح وعاد وثمود ولوط وغيرهم. وهناك شواهد متنوعة في القرآن الكريم تثبت هذا النمط من التفسير الديني. نقتصر هنا على الآية 13 من سورة يونس: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ}. وقد تشكل بعض الكوارث ابتلاء من الله سبحانه وتعالى للناس. كما يستفاد من الآية 35 من سورة الأنبياء: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}. وتأتي كوارث أخرى لهدف تحذيري للإنسان، لعله يؤوب إلى طريق الرشد والحق؛{وَبَلَوْنَاهُمْ بِالحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} الأعراف، 168.

أما التفسير الثاني فهو علمي محض، كما تثبت علوم طبقات الأرض والزلازل، حيث الزلزال يعتبر ظاهرة طبيعية تحدث جراء اهتزازات أرضية ارتجاجية متتالية، وذلك نتيجة حركة الصفائح الصخرية في القشرة الأرضية. ويطلق على الزلزال الرئيس أو مركز الزلزال الصدمة الرئيسة أو البؤرة، وتتبع الصدمات الرئيسة دائما توابع الزلزال أو الهزات الارتدادية التي قد تستمر لأسابيع وشهور وحتى سنوات بعد الصدمة الرئيسة!

وإذا كان العلمانيون واللادينيون يركزون على التفسير العلمي فقط في استيعاب أسباب الكوارث الطبيعية عامة، والزلازل خاصة، فإننا نحن المسلمين نوفق بين هذين التفسيرين، حيث الزلازل ظاهرة طبيعية يمكن تفسيرها بشكل علمي وموضوعي في بعدها المادي الظاهري، غير أنها في الوقت نفسه تحتمل تفسيرا دينيا يربط أسباب وقوعها بالله سبحانه وتعالي بكونه خالق ومدبر كل شيء في الحياة والوجود؛ {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} القمر:49، وهو تفسير ما ورائي تعجز ملكات الإنسان وحواسه المادية عن إدراك حقيقته.

وقد يتساءل البعض عن سبب تناولي لموضوع الزلازل الذي لا يمت بصلة إلى تخصصي الفكري والأكاديمي، وقد يربط البعض الآخر ذلك بالزلزال الأخير المدمر والقاتل الذي شهدته تركيا وسوريا، وأودى بحياة أكثر من 36 ألف شخص؛ رحمهم الله تعالى وأحسن مثواهم وأدخلهم فسيج جناته.   

في الحقيقة، يمكن اعتبار الزلزال الأخير في تركيا وسوريا السبب الأولي الذي دعاني لكتابة هذه المقالة، لكن هناك في الوقت نفسه سبب أعمق منه جعلني أنظر في التفسيرات المتعلقة بالكوارث الطبيعية ودوافعها الطبيعية واللاهوتية، وأحيانا الخرافية التي كانت متداولة لدى الشعوب البدائية، وما زالت تحضر في عصرنا الحالي لدى البعض رغم التطور العلمي والتكنولوجي الذي حققه الإنسان.

بينما كنت أتصفح بعض أخبار ومشاهد الزلزال المرعبة الذي ضرب مناطق ومدن مهمة من تركيا وسوريا، وإذا بي أصادف أشرطة يقدم أصحابها هذا الزلزال على أنه مؤامرة غربية ضد تركيا، ويحاولون تبرير هذا الزعم الغريب بكل الطرق والحجج. ويدعى هؤلاء أن الغرب يستطيع التحكم في الموجات الكهروميغناطيسية، لكن هذا غير ممكن على مستوى عمق الأرض حيث تنشأ الحركات الزلزالية التكتونية، بل فقط على مستوى سطح الأرض، كما يؤكد خبراء الفيزياء والجيولوجيا.

وهناك من يزعم أن أوروبا كانت على علم بحدوث هذا الزلزال في تركيا، لذلك حذرت مواطينيها من السفر إلى هناك، لا أعرف من أين يأتي هؤلاء بهذه الأخبار، بينما غابت عمن يعيش في أوروبا!

وأكثر من ذلك، هناك من اعتبر أن تركيا تشكل خطرا على أوروبا والغرب، لأنها ضد الشذوذ الجنسي، وضد دمج الحشرات في المواد الغذائية، وأنها أصبحت قوة اقتصادية كبيرة في المنطقة، وتصنع الأسلحة، وغير ذلك من المبررات الواهية. لذلك فإن الغرب خطط لتدميرها، فما حدث في تركيا ليس زلزالا، بل إنه مؤامرة ضمن مخطط haarp، وهي نوع من الأسلحة الجيو- فيزيائية التكتونية، إنها أسلحة الدمار الشامل التي تستطيع أن تصنع أمطارا وعواصف وأعاصير وزلازل. وهكذا، فإن زلزال تركيا مفبرك ومخطط. لكن ماذا عن زلزال سوريا؟ ثم لماذا لم ترسل أوروبا وأمريكا هذا زلازلها إلى روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية؟ أليس هذا التفسير قمة في الخرافة؟ أليس شر البلية ما يضحك؟

***

بقلم/ التجاني بولعوالي

ليس وحدنا من كان شاهد عيان على اكبر جريمة وحشية، شهدها العالم "الديمقراطي المتحضر"، الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية، بسياسة دموية، تفتقد الى ابسط شروط الإنسانية الحقة، والتي تضمن للإنسان العيش بأمن وسلام، بعيد عن الشعارات "الزائفة"، التي يرفعها العم سام، هنا وهناك، ولأغراض تتكشف كل يوم، تهدف الى السيطرة على مقدرات الشعوب وثرواتهم، حيث أستباحت أمريكا  الأرض، وعبثت بقدسية الوجود الإنساني، وشوهت خلقه، وتمردت على قانون دولي، وتتبجح بالدفاع عنه، وتضع نفسها كقوة نفاذ في تطبيقه، باعتبارها قوة عظمى في مجلس الأمن الدولي.

ففي فجر مثل هذا اليوم وقبل 32 عاما، ارتكبت الولايات المتحدة مجزرة مروعة ضد شعب العراقي  في سلسلة طويلة من جرائمها، في بلد الرافدين العريق بتاريخه وحضارته التي تسبق الولايات المتحدة بالألاف السنين، لتحول ملجأ العامرية في بغداد، وكان بداخله 408 شخصا، بينهم 52 طفلا ما دون سن الخامسة، و12 رضيعا، و261 من النسوة وآخرون من كبار السن، وحولة ملجأ العامرية  الى مسرح جريمة مخيف، حيث اختلطت أجساد الضحايا بركام " الملجأ "، وغطى جدرانه الدوم المخلوط بالدخان الأسود والأبيض، ولازالت اثاره حتى اليوم شاخصة للعيان .

لقد  وضعت الولايات المتحدة حدا لحياة هؤلاء الأبرياء،  تهمتهم أنهم لجأوا  الى هذا المكان  الذي يفترض أن يكون آمنا، إلا أن الولايات المتحدة قلبت كل المفاهيم وداست كل القوانين والأعراف الدولية، ولتبعث للعراقيين برسالة مفادها، أن واشنطن لن ترضى أن يكون في العراق في ذلك الوقت، أي مكان آمن يحتمي به الناس،  وهديتها للضحايا كانت قد حملتها  طائرة أمريكية من طراز "إف – 117"،  وهي عبارة عن  قنبلتين "ذكيتين" زنة الواحدة 2000 رطل، لتسجل الولايات المتحدة تحت انظار العالم الغربي " الحقير "،  الذي سكت " وطمطم"،  أبشع جريمة أخرى ضد البشرية .

وهنا اسمحوا لنا ان لا نتذكر جريمة " لجأ العامرية " وحدها، فهناك المئات من الجرائم التي ارتكبتها الدول أمريكا وحلفائها الغربيين في العراق، والتي أفقدت المواطن العراقي أي مكان آمنا في العراق، وجعلت بلده مسرحا لتجربة أسلحتهم الفتاكة، فالقنبلة الأولى التي اخترقت سقف " ملجأ العامرية "،  تعتبر الاحدث في ترسانة الجيش الأمريكي، واحدثت  فجوة، ونشرت الموت والدمار بداخله، أما القنبلة الثانية سقطت بعد أربعة دقائق، واخترقت الملجأ المحصن وأكملت المهمة بقتل ما تبقى من أحياء، وحولت القنبلتان النساء والأطفال والرجال إلى أشلاء مقطعة وجثث مهشمة ومتقطعة الاوصال في كل مكان في الملجأ.

وعندما يكون العذر اقبح من الفعل، فإنك كمن ينفخ في قربة " مزروفة "، فالحجة الامريكية  الغربية لهذه الجريمة، والتي دافعت بها الولايات المتحدة عن تلك ""المذبحة"، بانها اعتقدت أن الملجأ كان مركزا سريا للقيادة والسيطرة، واتهمت الرئيس العراقي حينها صدام حسين، بأنه يستخدم شعبه كدروع بشرية، في حين أن البنتاغون أقر بأن ملجا العامرية كان قد استخدم أثناء الحرب العراقية الإيرانية للدفاع المدني، ولم توجه الولايات المتحدة في ذلك الوقت أي تحذير بأنها تعتبر وضع الملجأ المدني المحمي، منتهيا!، وتصريح  أحد مسؤولي البيت الأبيض رد على الصحفي جيريمي بوين الذي تحدث عن هذه الجريمة قائلا في تلاعب مفضوح: "هل أنت متأكد تماما من أنه لم يكن مخبأً عسكريا؟، او تصريح المتحدث باسم البيت الأبيض في ذلك الوقت مارتن فيتزواتر، وأسلوبه  المثير للسخرية والخالي من أي منطق في الرد على المذبحة بقوله إن "صدام حسين لا يشاركنا قدسية الحياة البشرية"، والسؤال هو أي قدسية تجيز  لليانكي الأمريكي ذبح وقتل الشعوب لأرضاء " شهواته " الدموية "؟  قتل ما يقارب 250 ألف عراقي بدم بارد .

ويجمع الكثيرون في وصف على ما جرى  ويجري في العراق  ومنهم  رامزي كلارك، وزير العدل الأمريكي الأسبق الذي زار العراق، وما خلفته الحرب بعد 42 يوما من بدئها، بأنها "إبادة جماعية مخططة ومنهجية لسكان عزل"، فقد أستهدف الجيش الأمريكي، كل شيء أخضر ويابس، ثابت ومتحرك، في البر والجو والبحر، وحتى في الهواء، فقد استهدف محطات تحلية المياه، ومحطات الكهرباء، وأنظمة الصرف الصحي، والمستشفيات والمدارس والسكك الحديدية ومصافي النفط، والجسور والبنايات الحكومية، ومحطات الاتصالات الهاتفية والبدالات، وكل شيء يرتبط بخدمة الإنسان العراقي، وتحول العراق  الى هدف مشروع لضربات الجيش الأمريكي وقواته الجوية، بأستخدام الأسلحة المحرمة، والمشبعة باليورانيوم المنظب، والتي لازالت اثاره قائمة على الحياة في العراق حتى اليوم.

ومنذ اليوم الأول للحرب على العراق، استهدفت الولايات المتحدة إمدادات الكهرباء، وحرمت بذلك المستشفيات والمراكز الصحية من الكهرباء، وقطع المياه عنها، بعد ضرب مراكز التحلية للمياه، لتزيد من معاناة المراكز الصحية اكثر، وبالتالي اضطر الأطباء فيها الى إجراء العمليات الجراحية على ضوء الشموع فقط، في حين دمرت اللقاحات والدم بسبب الحر، بعد أن قصفوا المستشفيات والعيادات الصحية والملاجئ".

مخطئ من يقول، ان  صفحة مذبحة "ملجأ العامرية" قد طويت، و من دون أن يحاسب أي عسكري أمريكي على هذه الجريمة الحربية البشعة، فاليوم على العراق ان يجبر " أمريكا وحلفائها "،  بالاعتراف  بما ارتكبه قادة وجيش الاحتلال الأمريكي والغربي  من جرائم لا تغتفر، ضد العراق وشعبه، ولا يجوز  لأي أحد، وصف الجرائم البشعة بـ "الأخطاء"،  ووضع هذه  "المذبحة" في خانة "الخسائر الجانبية"، فهل يُعقل اعتبار قصف ملجأ العامرية، وحصار 13 عام، وتدمير البنى التحتية، واحتلال العراق، والقتل العشوائي للمواطنين الأبرياء أخطاءً؟

إن جريمة غزو العراق وملجأ العامرية، لن تسقط بالتقادم، فمازالت وقائعها حية، وآثارها التدميرية لم تمح بعد، وضحاياها شاهد حي، يحملون وثائق ودلائل الجرم المشهود، ومعاهدات القوانين الدولية تفرض العقاب المشرع على مرتكبيها، بعيدا عن الكيل بمكيال الدول الكبرى،  وجرائم  أمريكا  المتكررة في العراق وليبيا وسوريا، وغيرها من البلدان،  تخضع لصيغها العقابية، بانتظار الحكم النهائي غير القابل للاستئناف أو التمييز.

***

بقلم : الدكتور كريم المظفر

بمناسبة النقاش الدائر حول سعر الصرف

منذ بداية عملية التدهور المتسلسل في سعر صرف الدينار العراقي، ونحن نلاحظ ظهور العديد من المقالات والتحليلات من قبل عدد من المختصين المحترمين وهم يحاولون تفسير اسباب الظاهرة وتقديم اقتراحات ومعالجات.

الذي لفت نظري ان هذه الكتابات تتحدث عن مفهوم السوق الحرة في العراق وضرورة اتباع السياسات التي تتلائم مع طبيعة تلك السوق المفترضة.

البعض دعى الى احترام قانون العرض والطلب فيما يتعلق بالعملات الاجنبية، والبعض دعى الى اتباع سياسات نقدية اكثر ملائمة، وآخرين قالوا ان السوق يمكن ان يعدّل اوضاعه ذاتياً الخ....

آخرين قاربوا الموضوع بشكل اكثر واقعية عندما قالوا ان السماح بتدفق الاستيرادات من دولة مجاورة وهي ايران وبشكل شرعي وقانوني ولكن مع عدم السماح بتدفق قيمة تلك الاستيرادات بالعملة الصعبة الى ايران، هو سبب المشكلة.

وضع الاقتصاد العراقي خاص واستثنائي، وهو حالة غير محسومة بين رأسمالية الدولة وهيمنة الحكومة وبين سوق ناشئة غير مكتملة الاركان ولاتستطيع قوانين السوق الحرة النظرية ان تعمل فيها ...

 القوانين الاقتصادية لاتستطيع ان تعمل بحرية لانها يجب ان " تُرضي" اكثر من جهة واكثر من فكر واكثر من اجندة واكثر من ضغط واكثر من توجه، الخ ....

النتيجة، انه يتعذر الحديث عن سوق حرة وقوانينها..

والدليل على صحة ماتقدم، ان الحكومة عندما رفعت سعر صرف الدينار مقابل الدولار بقرار حكومي، اضطرت أيضاً الى استخدام الاجهزة الامنية للحد من التلاعب والمضاربات بالدولار .

يعني ان الادوات الاقتصادية الصرفة لاتكفي ويجب استخدام ادوات أخرى!! وهذا غير موجود في اقتصادات الاسواق الحرة مما ينفي صفة الاقتصاد الحر عن الاقتصاد العراقي..

لا اتوقع ان يساعد ذلك الاجراء الحكومي على تخفيض سعر الصرف بشكل دائمي او ان يساعد على سيادة سعر صرف واحد واختفاء السعر الموازي.

السبب هو ان الطلب على الدولار نقداً لايمكن التكهن به او تقدير حجمه لان وراءه قوى شبحية (كما اسماها الدكتور مهدي البناي في مقالته حول الموضوع قبل ايام).

من الذي يطلب الدولار؟ وكم يطلب؟ ومن هي الجهات المستفيدة؟ وكم تبلغ كمية الدنانير العراقية الجاهزة للاستبدال؟؟

انها ليست قوى اقتصادية بالضرورة، بل هنالك حكايات عن مؤامرات دولية واقليمية وغيرها، ولانعرف مدى صحتها او حجمها..

الحل المرحلي هو تجميد عمل مكاتب الصرافة وحصر تمويل الاستيرادات بالمصارف الحكومية او الاهلية المعتمدة، بدلاً عن مطاردتهم وملاحقتهم امنياً.

والاعتماد على قوائم الاستيرادات الاصولية المدققة لغرض تحويل مبالغ الاستيرادات. وبالتالي لاداعي لشكوى التجار من ارتفاع سعر الصرف لانهم يستطيعون الحصول على مايحتاجونه بالسعر الرسمي.

بعض التجار يفضلون التعامل مع مكاتب الصيرفة لتمويل استيراداتهم لكي لايضطروا للتعامل مع الجهاز الضريبي لتسوية ذممهم المالية كشرط للحصول على حق التحويل لغرض الاستيراد، والذي يقولون انه يعرضهم للابتزاز وتأخير المعاملات.

وهذا يعتبر سبباً وجيهاً لتركيز الحكومة على تطهير وتنظيم الجهاز الضريبي (إن استطاعت)..

الطلب الشخصي على الدولار لاغراض السفر او العلاج يمكن ان يتم تلبيته من خلال البنوك بعد ابراز مايثبت ذلك.

مايتسرب من مبالغ بسيطة متبقية لدى العائدين من السفر لن تشكل مبالغ اجمالية ذات اهمية ويمكن اهمالها.

(ولكن ذلك الحل المرحلي يستحيل تطبيقه من قبل الحكومة لاسباب عديدة).

لايمكن للحكومة الاستمرار في طرح الدولارات نقداً لاشباع الطلب النقدي على الدولار لانها لاتعرف كم هو حجم ذلك الطلب !!

كذلك فأن الولايات المتحدة تراقب الوضع وسوف توقف او تحد من المبالغ المسموح بارسالها الى العراق بالدولار..

المسألة ليست عراقية صرفة والحكومة والبنك المركزي ليست لها السيطرة الكاملة على المتغيرات.

***

د. صلاح حزام

هل سترمم البرجوازية السورية ما دمره الزلزال؟

تشير دراسات أنه طالما عبرت سوريا عن ضمير الوجود العربي كله ولخصت عصارة تجربة الأمة العربية منذ قرون بعيدة وتمكنت من أن تتجاوز كل المحن، فالدعوة العربية أيام الدولة العثمانية تزعمها ابناء الشّام ونخبته وعلى راسهم المفكر الحلبي عبد الرحمان الكواكبي ودعوته إلى الفكرة العربية، لا شك أن زلزال سوريا سيجعل حكامها والقادة السياسيين النظر في كثير من المواقف التي تبنتها الشعوب من اجل تحقيق الوحدة العربية بل القومية العربية، فسوريا اليوم في حاجة إلى كل السواعد العربية لنجدتها وإخراجها من أزمتها

لا تزال آثار الدمار الذي لحق بالشعب السوري إثر كارثة الزلزال التي حلت به ومقتل آلاف الأبرياء من النساء والأطفال والشيوخ، يحاول السوريون أن يتجاوزوا المحنة التي ألمت بهم ولعل لا يشعر بحجم الجرح إلا من عاش هذه الأحداث ولا شك أن الجزائر غير بعيدة عن الألم والوجع لكونها واجهت عدة زلازل وخسرت المئات من مواطنيها، ولذلك يشعر الجزائريون بالوجع السوري، فما حل بالشعب السوري ألم فوقه ألمٌ فهي لم تكن ذات يوم في منأى عن الخطر، كان نضالها موضوعا على الرفّ منذ فجر استقلالها، لكن التسميات فقط تتغير، تارة باسم القومية العربية وتارة أخرى باسم الثورة الديمقراطية والبرجوازية، هي في الواقع نوع من أنواع الانتهازية وأخطر انواعها هو المُقَنَّعُ منها، لم تستكمل سوريا تحررها الوطني المعنوي بعد فمن ثورة إلى ثورة وفي كل ثورة تجد بداخلها ثورة، ومن كارثة إلى أخرى أيضا، إذ نجدها تواجه العواصف تارة بشكل فردي وتارة بدعم جماعي، م تخرج سوريا من الحرب الأهلية حتى يستيقظ شعبها على دمار من نوع خاص، وهو اشد خطرا هكذا يقول منظري الثورات العربية.

الزلزال كارثة طبيعية وليس استعمارا، كارثة يستوجب الاستسلام لها بقلوب راضية بقضاء الله وقدره لأنه حتمية ولعل هذه الكارثة فيها خير، قد تستيقظ فيها الضمائر العربية وتتراجع فيها الأنظمة المستبدة عن مخططها التطبيعي لضرب القومية العربية، قد تعيد اللحمة بين الشعب السوري ونظامه، فيه ينقلب ميزان القوى لمصلحة الشعب، حسب المنظرين في الثورات العربية فقد عاشت سوريا على غرار بلدان عربية اخرى ثورات وصراعات غذتها الانتهازية فيما يسمى بالبرجوازية الوطنية التي كانت في مواجهة مع البرجوازية الكبيرة وكبار الملاكين ورجال الأعمال، لقد كانت الانقسامية في أبشع صورها، انقسمت فيها الجماعة إلى جماعات اختصر اسمها في عبارة "الطائفية"، كانت الأقلية تسعى إلى تجاوز حالة الاستبداد ليس في سوريا فقط، بل في كل ربوع الوطن العربي، وعلى غرار بعض الأنظمة العربية عرفت سوريا فئات سلطوية شهدت صراعات مع المستضعفين وهم الأقلية.

 في هذا الزلزال لا يوجد رابح وخاسر، كنا لا يوجد مستكبر ومستضعف فالكل في دهليز واحد بعد سقوط المباني وتراكم الردم، تحولت المباني إلى شبه مغارات تحتها مواطنون عالقون، منهم من مات ومنهم من يبحث عن منفذ للتنفس أو للنجاة، الذي يميز الشأن السوري عن بقية الشعوب هو أن مثقفيها لا زلوا يحملون لواء الثقافة البرجوازية ويريدون إدماجها في ثقافة الإقطاع، وهم بذلك يعتبرون حلفاء لأي استعمار,.

الواضح أن كل شيئ مبني على الاقتصاد والثروة، وبدون الثروة لا يمكن تحقيق السيادة الكاملة، ولا شك أن هذ الزلزال خيب آمال البرجوازية السورية، التي هي مطالبة اليوم باستعادة ما خسرته في هذه الكارثة، في هذا الجانب يقول محللون أن الحكومة السورية في ظل هذه الكارثة تحتاج إلى معجزة كمعجزة إرهارد،الذي يعتبر أب المعجزة الاقتصادية في المانيا، والذي مكن ألمانيا من الخروج من أزمتها بعد الحرب، ما يجعلها تفتح الباب على مصراعيه للبرجوازية كما فتحته في مشروع اللاذقية، رغم أنها لم تكن يوما مثل بعض الدول (بقرة حلوب)، فإذا كانت سوريا تعاني منذ الطرابلسي وخالد العظم من العجز في القطاع الإقطاعي وحتى في عهد حافظ الأسد في ظل الحرب الطائفية القائمة بين السُنّة والشيعة،، فهي تعاني اكثر بعد الكارثة الطبيعية التي حلت بها، وكما يقال، لكل حُكْمٍ اسراره ولكل رجلٍ دوره، ولكل زعيم عقدته السياسية.

 فالطائفية جعلت من سوريا لغما اثر سلبا على ولادة الوحدة السورية بل اثر سلبا على تطور القومية العربية التي لم يعد لها حديث في زمن الحراك والثورات، وإيمانها المشترك بضرورة النضال المشترك ضد الاستعمار وإسرائيل ايام الحشود التركية، إن التجربة الحزبية في سوريا عرفت نجاحا كبيرا على كل المستويات بالمقارنة مع التجربة الحزبية في البلدان العربية الأخرى كالجزائر، فقد تميزت التعددية الحزبية في سوريا بالوعي النضالي والنضج السياسي، فكانت تجربة غنية ومتقدمة، فالأحزاب في سوريا كانت لها سمات الحياة الحزبية ومقامها من مثل حزب العث العربي الاشتراكي، الحزب الشيوعي والحزب القومي الاجتماعي، إلى جانب أحزاب تقليدية كالحزب الوطني وحزب الشعب ونجحت هذه الأحزاب في تحرير سوريا من الاستعمار وفي بنائها بعد الاستقلال، لأنها كانت تستند في نشاطها إلى إيديولوجية واضحة، لولا الحرب الطائفية التي زعزعت كيانها وجعلت الطليعة السورية غير قادرة على مواجهة الواقع وشهدت الساحة نوعا من التوتر السياسي خاصة مع ظهور كتاب عبد الحليم خدام وكشفه عن من وراء اغتيار رفيق الحريري.

ما يمكن قوله هو أن سوريا عاشت عدّة زلازل سياسية دون أن تتأثر بها تأثرا عميقا، إلا أن زلزال 2023 كلفها النفس والنفيس، وجعلها على باب الإفلاس الاجتماعي والاقتصادي، ولا شك أن هذا الزلزال سيعيد اللحمة بين الشعب السوري ويجعله اكثر تضامنا ووحدة، من خلاله يضع حدا لكل الصراعات والخلافات السياسية والمذهبية، والسؤال هنا موجه للبرجوازية السورية بدرجة أولى: هل تستطيع البرجوازية السورية ترميم ما دمّره الزلزال؟ أم أنها ستُبْقِي تحالفها مع الأجنبي لاسيما وهذا التحالف سيجعل لا محالة الإصلاح مستحيلا، وبالتالي فهي في حاجة إلى إعادة نظر في المواقف السياسية، هي تساؤلات طرحها منظرون سياسيون وهم يقفون على مواقف الساسة السوريين والعودة إلى الماضي العربي العريق.

***

قراءة علجية عيش

رغم التكتم الغربي الكبير على التحقيقات، التي من المفترض أن تكون قد توصلت لجان التحقيق المشكلة في ألمانيا والسويد و الدنمارك، إلى المتهم الرئيس في عملية تفجير خطوط نقل الغاز الروسي   (نورد ستريم 1 و 2) من روسيا الى المانيا، والتي وقعت في سبتمبر من العام 2022 ، والذي وصفته صحيفة نيويورك تايمز "باللغز"، إلا أن صحفيا أمريكيا وحده من وجه أصابع الاتهام المباشرة في عملية التفجير الى الولايات المتحدة الأمريكية، ليهتز عرش بيتها الابيض .

وتحدث الصحفي الأمريكي سيمور هيرش، الحائز جائزة بوليتزر، المعروف بمنشوراته عن الجرائم الأمريكية في فيتنام وفي حروب الشرق الأوسط، وخاصة فضيحة التعذيب في سجن أبو غريب العراقي، والذي تمكن من الحصول على معلومات حول العملية، من مصدر لم يذكر اسمه كان متورطا بشكل مباشر في الإعداد لها على حد تعبيره، عن قيام الولايات المتحدة بعملية بحرية ظلت طي الكتمان، ووجه الاتهام نحو واشنطن بالوقوف وراء تنظيم هجمات على خطوط أنابيب "السيل الشمالي1 و2".

وقال الصحفي الأمريكي " قام غواصون في البحرية يعملون تحت غطاء مناورات الناتو BALTOPS 22 التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة في منتصف الصيف بزرع عبوات ناسفة يتم تفعيلها عن بعد، والتي دمرت ثلاثة من أربعة خطوط أنابيب الغاز الطبيعي نورد ستريم "، فيما قام النرويجيون بتفعيلها"، موضحا في الوقت نفسه، أن "طائرة تابعة للبحرية النرويجية أسقطت عوامة "سونار" في 26 سبتمبر الماضي لتفعيل المتفجرات"، وخلص هيرش، في تقرير مفصل نشره حول العملية السرية، ان قرار بايدن بالتخلص من خطوط الأنابيب، جاء بعد أكثر من تسعة أشهر من المناقشات بالغة السرية داخل مجتمع الأمن القومي في واشنطن، حول أفضل السبل لتحقيق هذا الهدف، وفي معظم هذا الوقت، لم يكن الأمر يتعلق بتنفيذ المهمة، ولكن السؤال حول من يجب أن يعهد إليها، وأشار إلى أن الموضوع الرئيسي الساخن للمناقشات كان ضرورة عدم ترك أدلة تشير إلى منفذي التفجيرات.

ورغم مطالبات عدد من البرلمانيين الأوربيين ومنهم ساندرا بيريرا البرتغالية، عضو البرلمان الأوروبي، من المفوضية الأوروبية، تقديم معلومات عن ما وصل إليه التحقيق في حادث التفجير الذي طال أنابيب الغاز "السيل الشمالي 1 و2، ولم تستبعد ألمانيا و الدنمارك والسويد أن تكون عملية التخريب "مستهدفة" وبفعل فاعل، إلا أن المستشار الألماني أولاف شولتس، كان مضطرا للتبرؤ من إخفاء برلين لبيانات تتعلق بإنفجارات خط أنابيب "التيار الشمالي"، وهو الأمر الذي شخصته وزارة الخارجية الروسية بوضوح، وأشارت فيه إلى أن المرء يخرج بانطباع مفاده بأن السلطات الألمانية، لديها ما تخفيه فيما يتعلق بتلك الإنفجارات، إلا أن ممثلة مجلس الوزراء الألماني كريستيان هوفمان، تؤكد إن ألمانيا ليس لديها معطيات، أو تأكيد إستنتاجات الصحفي الأمريكي سيمور هيرش بشأن تفجيرات خطوط أنابيب "السيل الشمالي".

البيت الأبيض أهتز للمعلومات التي قدمها الصحفي الأمريكي هيرش، ورفض وبصورة قاطعة، المعلومات التي قالت إن عبوات ناسفة تحت خطوط "السيل الشمالي 2" تم زرعها في يونيو الماضي بغطاء تدريبات "بلوبس 22" الّتي نفّذها غواصو البحرية الأمريكية.، وشدد على ان "هذه كذبة مفبركة وخرافة كاملة"، في وقت كان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، قد أكد أن واشنطن تعتبر أي افتراضات بتورط الجانب الأمريكي في تفجيرات "السيل الشمالي"، لا أساس لها من الصحة، وستدعم تحقيق الدول الأوروبية في الحادث "وإن أي تلميح بتورط الولايات المتحدة في الأمر، لا أساس له على الاطلاق"، كما زعم أن روسيا "لديها تاريخ طويل في نشر المعلومات المضللة وتقوم بذلك مرة أخرى هنا".

روسيا التي لم تفاجأ بتقرير الصحفي الأمريكي، حذر نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف فيها، من العواقب التي ستلحق بواشنطن بعد نتيجة تحقيق سيمور هيرش بشأن تفجير خط أنابيب "السيل الشمالي"، وقال إن تحقيق الصحفي سيمور هيرش، أكد " ما نعرفه وليس لدينا أي شك مطلقا به من أن الولايات المتحدة وربما دول (الناتو) الأخرى، متورطة في هذا العمل التخريبي البشع"، فيما دعا الكرملين إلى تحقيق دولي مفتوح ومعاقبة المسؤولين" مشيرا إلى أن تحقيق الصحفي المعروف لم يلق تداولا واسعا في الغرب، وهذا أمر "مفاجئ" على حد تعبيره.

روسيا التي درست بعمق ما نشره الصحفي الأمريكي، لم تفاجأ باستنتاجات الصحفي سيمور هيرش بشأن تورط النرويج في تفجيرات خط أنابيب الغاز "السيل الشمالي، وأشارت المتحدثة بأسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إلى أن أوسلو، في سياساتها الخارجية، بما في ذلك في العلاقات مع روسيا، تتبع بلا شك خط الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وإن سلطات دول الشمال ليست مهتمة بتحديد الجناة الحقيقيين للهجمات الإرهابية على "السيل الشمالي"، وشددت على أن روسيا عرضت أكثر من مرة على سلطات الدنمارك والسويد، بما في ذلك من خلال رسائل من رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين، المساعدة في التحقيق في هذه الهجمات الإرهابية، وقالت "إلا أن تلك الطلبات من المدعي العام لاقت الرفض من الإدارات المعنية في تلك البلدان"، ومن الواضح أن سلطاتها غير مهتمة بإثبات الجناة الحقيقيين لما حدث، بل إنهم مهتمون، فيما يبدو، بالعكس، بإخفاء البيانات والحقائق والأدلة.

ومن الواضح أن جميع الحقائق المذكورة أعلاه يجب أن تخضع لتحقيق دولي، وفي الوقت نفسه، لا يمكن للمرء أن يعتمد على الموقف غير المتحيز للسلطات النرويجية أو استعدادها للتعاون البناء في هذا الشأن، وتنطلق روسيا من حقيقة أن تحقيقا شاملا ومفتوحا فقط بمشاركة إلزامية من الوكالات الروسية المختصة وشركة (غازبروم) هو القادر على تزويد الجمهور ببيانات موثوقة وموضوعية عن أسباب ومرتكبي وعملاء التخريب".

وأمام الصمت الغربي، الذي لم يعلق سواء بالتأكيد أو النفي حول المعلومات التي وردت في تقرير الصحفي هيرش، إلا الصين، التي طالبت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، بأنه يجب محاسبة الولايات المتحدة الأمريكية إذا ما ثبت تورطها في تفجيرات خط أنابيب "السيل الشمالي"، و "يجب محاسبة مثل هذه الأفعال"، والإشارة في الوقت نفسه إلى أنه إذا ما تم تأكيد ضلوع الولايات المتحدة الأمريكية بذلك، فإن واشنطن ملزمة "بتقديم تفسيرات مسؤولة للعالم"، مشددة على أن الانفجارات في "السيل الشمالي" كان لها "تأثير سلبي للغاية على البيئة العالمية وعلى السوق العالمية للطاقة".

لقد كان نورد ستريم 1 خطيرًا بما فيه الكفاية، وفقًا لحلف شمال الأطلسي وواشنطن، وان نورد ستريم 2، إذا تمت الموافقة عليه من قبل المنظمين الألمان، سيضاعف كمية الغاز الرخيص المتاحة لألمانيا وأوروبا الغربية، وكانت واشنطن تخشى أن تكون دولًا مثل ألمانيا غير مستعدة لتزويد أوكرانيا بالمال والأسلحة اللازمة لهزيمة روسيا، وفوض بايدن جيك سوليفان (مستشار الأمن القومي) لتجميع مجموعة مشتركة بين الوكالات لوضع خطة، ووفقًا لمصدر على دراية مباشرة بالعملية، أصبح من الواضح للمشاركين أن سوليفان، من بين أمور أخرى، أراد من المجموعة تطوير خطة لتدمير خطي أنابيب الغاز نورد ستريم، وأن هذا كان رغبة بايدن، وكانت النرويج المكان المثالي لاستضافة البعثة، فالقائد الأعلى لحلف الناتو هو ينس ستولتنبيرغ، وهو مناهض قوي للشيوعية خدم ثماني سنوات كرئيس لوزراء النرويج، لقد كان متشددًا في كل ما يتعلق ببوتين وروسيا، وقال المصدر "إنه القفاز الذي يناسب اليد الأمريكية"، بالإضافة إلى إن النرويجيين يكرهون الروس، والبحرية النرويجية مليئة بالبحارة والغواصين الممتازين، يمكن للمرء أن يأمل في إبقاء المهمة سرية، لأن لديهم دافعًا إضافيًا: في حالة تدمير نورد ستريم، يمكن للنرويج بيع غازها بسعر أعلى بكثير.

وفي 26 سبتمبر 2022، قامت طائرة استطلاع تابعة للبحرية النرويجية P8 برحلة روتينية على ما يبدو وأسقطت عوامة سونار، وانتشرت الإشارة تحت الماء، أولاً إلى Nord Stream 2 ثم إلى Nord Stream 1، وبعد ساعات قليلة، تم تفجير عبوة ناسفة قوية من طراز C4، وتم تعطيل ثلاثة من خطوط الأنابيب الأربعة ..

تورط الولايات المتحدة في تقويض نورد ستريم، بأنه سر أدركه أي شخص عاقل في البداية، ولاحظ الألمان أن الغرب لم يتمكن من إلقاء اللوم على روسيا في أعمال التخريب، وبدأت الحقيقة تتكشف تدريجياً، ويتساءل الروس كيف سيكون رد فعل برلين على التحقيق؟، وهل تستمر حكومة أولاف شولتز في "الجلوس والصمت" والتضحية بالمصالح الوطنية لإرضاء واشنطن؟، التي كذبت مرات، وآخرها في العراق، لم يعد من الممكن الوثوق به.

***

بقلم : الدكتور كريم المظفر

ثورة مصدق 1953م وعملية اجاكس الامريكية

جاءت ثورة (محمد مصدق) نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في إيران الراضخة تحت عرش (الشاه محمد رضا بهلوي) ومحاولاته الفاشلة لإعادة استقرار البلاد ورفع القيود الخارجية عنها، التي لم تكن وليدة اللحظة؛ بل نتيجة تراكم الأخطاء في السياسة الداخلية والخارجية وتعامله مع الأقليات والأحزاب، إلى جانب سياسته الخارجية مع الحلفاء، كل ذلك سرَّع في قيام ثورة مصدق بعد تولي (محمد رضا) العرش. بعد أن خُلع والده (رضا شاه)، من قبل الاحتلال السوفيتي والبريطاني مما رسَّخ لديه كراهية عميقة تجاههما وجعلته يبحث عن سند قوى يساعده في تحقيق إنجازاته وطموحاته وسيطرته الكاملة على شؤون دولته خارجياًّ وداخلياًّ. بالإضافة إلى أن وجود أقليات داخلية بإيران مثل الفرس الذين يعدون أنفسهم الحماة الحقيقيين لإيران ويشكلون نصف سكانها بالإضافة إلى إثنى عشر مليون كردي يقطنون أذربيجان، أغلبهم من المسلمين (السنة) وإحساسهم بأن الحكومة تهدد بقاءهم كعرق ولغة ثانية مختلفة، مما جعلهم يتمردون على السلطة المركزية في طهران، بجانب أربعمائة عشيرة من البدو الرُحَّل المقيمين في المناطق النائية في إيران وغالبيتهم مسلمون، ومليون من البلوش القاطنين شمال إيران وسبعمائة ألف من قبائل اللور، ومليون من البختياريين وهم يعيشون شمال ووسط جبال زاجروس وهم من المسلمين الشيعة.

بالإضافة إلى التركمان الذين يسكنون الشاطئ الشرقي لبحر قزوين وهم سُنَّة ويتكلمون اللغة التركية، بجانب وصول نصف مليون عربي يتمركزون في شمال شرق خوزستان، ويشكل المازنانيون والكيلانيون نصف مليون مواطن يسكنون ساحل بحر قزوين، بالإضافة إلى الأقليات من اليهود والبهائيين والزرادشت والسريانيين والمسيحيين والأرمن، جميعهم عانوا من تجاهل الحكومة لمطالبهم وإهمال المجتمع الإيراني لثقافتهم، فالأقليات والأعراق ظلت تعاني متاعب عديدة منشأها الحكومة البهلوية بسبب فرضها اللغة والثقافة الفارسية عليهم.

لهذه الأسباب عمل (محمد رضا) على بناء جيش قوي يساعده على فرض تماسك الدولة ووحدة، الأمة بالإضافة إلى أهمية المؤسسة العسكرية التقليدية في حماية العرش ومنع استغلال البلاد من الطامعين.

كما عمل الشاه (محمد رضا) فترة مهادنة ظاهرية بين قوى الاحتلال وبينه وبين عناصر الحركة الوطنية الموجهة ضد الاحتلال من ناحية أخرى، محاولاً بذلك احتواء المد الشعبي والظهور بمظهر المؤازرة للحركة النضالية ضد الاستعمار. ولتأكيد مؤازرته الحركة الوطنية أصدر (محمد رضا) عفواً عامّاً عن المسجونين السياسيين الذين ساعدوا على تكوين حزب (توده) الشيوعي بعد ذلك، والذي أسسه اثنان وخمسون من المفرج عنهم، حيث أصبح من أكبر الأحزاب السياسية في إيران بفترة الأربعينات وما بعدها.

إذ يُعد حزب (توده) استمراراً للحزب الشيوعي الإيراني الذي انبثق هو الآخر عن حزب العدالة (عدالت) الذي تأسس في1917م في باكو، وقد عقد الحزب الشيوعي أولى اجتماعاته في (22 /يونيو/1920م)، ونتيجة لاضطهاد (رضا شاه) لهم اضطر الحزب إلى العمل السري. في 1937م وجه (رضا شاه) ضربة قوية إلى الحزب عندما ألقت الشرطة السرية الإيرانية القبض على (تقي آراني) أحد أبرز الزعماء الشيوعيين مع (53) من أتباعه، وصدرت ضدهم أحكام بالسجن تتراوح بين (3-10) سنوات. وقد توفي (آراني) في السجن سنة 1940م، ثم أطلق سراح كل المجموعة بعد الغزو البريطاني- السوفيتي لإيران في أغسطس/1941م، وسرعان ما قامت هذه المجموعة بجمع مؤيدين للأفكار الشيوعية وأعلنت في (29/سبتمبر/1941م)، أي بعد مرور13 يوماً على تنازل (رضا شاه)، عن تشكيل حزب سُمي (حزب توده إيران- حزب الجماهير الإيرانية) بقيادة (سليمان ميرزا اسكندري) وقد عقد الحزب أولى مؤتمراته في 9 أكتوبر1941م.

كما عمل على كسب الشارع والعمال والمناهضين للمبادئ الشيوعية المتناقضة مع الإسلام؛ لهذا حرصت زعامات الحزب على إخفاء توجهها الشيوعي لفترة واكتسبوا رضا صغار موظفي الدولة والطلاب ورجال الفكر والنخبة المثقفة، وكان برنامجهم مناسب لمطالب شرائح عريضة من فقراء الشعب الإيراني.

وبقى الحزب على هذا المنوال حتى تم انفصال أذربيجان سياسياًّ عن إيران لمدة أربع سنوات، وبعد أن نجحت الدولة في استعادة الإقليم عام 1946م اكتشف الشعب حقيقة أعضاء الحزب الموالين للشيوعية، حينها عادت عناصر الحزب للعمل السري إلى أن فجرت محاولة اغتيال الشاه (محمد رضا)عام1949م ( ) بجامعة طهران، عندها وجهت الحكومة الاتهام لحزب (توده) ومن ثمَّ كان إغلاق الحزب والتنكيل بأعضائه وإحالتهم إلى المحاكمة العسكرية ( ). فأصبحت فرصة (محمد رضا) مناسبة لإنشاء دولة ينفرد فيها بالحكم المباشر، ولا تقوم على حق المعارضة بكل أنواعها، بحيث تصبح الدولة جميعها تخضع لإدارته المباشرة. خصوصاً بعد خيانته وكراهيته للبرلمان الذي كان يملك صلاحيات تفوق صلاحيات (محمد رضا) مثل اختيار الوزراء وحق الموافقة على إنشاء الأحزاب والاتحادات والجمعيات الفئوية والنقابية، في حين كان يشرف (محمد رضا) على شؤون الدولة العامة والجيش و (السافاك) فقط.

وقد لعبت الولايات المتحدة دوراً أساسياً في تشجيع (الشاه) على الانفراد بالسلطة حيث اقتنص فرصة محاولة اغتياله الفاشلة في (4/فبراير/1949م) للاحتفال بذكرى تأسيس جامعة طهران والتي أصيب فيها بيده وكتفه فقط، بعد أن قام الحرس الخاص به، بقتل الصحفي الذي نفذ عملية الاغتيال، مما أغضب (الشاه) على مقتله نظراً لرغبته في معرفة الدوافع الحقيقية من وراء المحاولة ومن ثم اتهم (الشاه) ورجال البلاط حزب توده الشيوعي بتدبير محاولة الاغتيال وصمموا على اقتلاع جذوره.

وبناء على ما سبق عمل الشاه (محمد رضا بهلوي) على تأسيس جمعية جديدة، منح بموجبها الحق في حل البرلمان بإجماع الأصوات، ونجح الشاه في تأسيس مجلس للنواب جديد يعين نصفه من أعوانه المقربين، وأصبح بموجبه له حق استرداد جميع الإقطاعيات والأراضي التي سبق أن صادرها والده من الشعب، كما أصدر قراراً باعتبار محاولة القتل محاولة انقلاب ضد العرش تستوجب الشنق، للرد على المعارضة الإيرانية.

فكان الرد من المعارضة وخصوصا مجموعة (مصدق) أن رفضت كل القرارات الملكية، وانضم إلى المعارضة التجار والأعيان وعلماء الدين ومجموعات من الليبراليين والأحزاب الاشتراكية الديمقراطية الذين كونوا (الجبهة الوطنية) التي بدأت أعمالها بالمطالبة بإجراء انتخابات حرة ونادت بحرية الصحافة، وإنهاء الأحكام العرفية وتنفيذ القانون طبقاً للدستور، وكانت من أهم مطالبهم تأميم شركة البترول الإنجليزية الإيرانية بهدف الاستفادة من ثروات إيران النفطية، بحيث يستفيد منها جموع الشعب الإيراني دون بريطانيا وشركاتها.

ومع مطلع عام 1950م لقيت (الجبهة الوطنية) تأييداً كبيراً من مختلف طبقات الشعب وطلائعه وشرائحه المختلفة وضمت بصفوفها الشرائح المختلفة المتنوعة من المجتمع الإيراني وعلى رأسها (آية الله الكاشاني) وآخرين من الحوزة العلمية في قم، وأصبحت (الجبهة الوطنية) المنبر الأساس المعبِّر عن أهدافهم.

وقد نظمت مظاهرات شعبية ضخمة وخصوصاً إضرابات عمال الزيت بتحريض من حزب (توده) كل ذلك أقلق الشاه مما اضطره لتعيين (مصدق) رئيساً للوزراء في مايو1951م، وكان يسعى إلى استغلاله في تحقيق أهدافه بامتصاص غضب الجماهير الملتفة حوله بعد أن عمت الفوضى جميع أرجاء الدولة وأصبحت تهدد المجتمع ككل.

فأراد (مصدق) الاستعانة بالحزب الشيوعي لاستمالة جماهير (حزب توده) إلى جانبه ولم يكن هدفه إحلال السوفييت محل البريطانيين في احتكار البترول الإيراني كما توهم أعضاء توده أو كما تصور الأمريكان، ولقد ازدادت مخاوفهم من نفوذ مصدق الذي اتسع بعد تأميم البترول الإيراني، كما أكد مخاوف المخابرات الأمريكية، وقد أنذرت (مصدق) بتجميد معوناتها لإيران إذا لم يقدم التسويات البترولية المعقولة، وحماية مصالحهم أمام النفوذ الشيوعي المتزايد بفعل تعاونه مع الحزب الشيوعي الإيراني، ولم يستجب (مصدق) لذلك بل كشف عن تعاونه مع حزب (توده) ليضمن تأييد السوفييت له، وأفرج عن المعتقلين السياسيين، وحاول التأثير على مجريات المحاكمات ضد الشيوعيين لتبرئة ساحتهم، ورفض التصرف كأمان للشاه، ثم بدأ في توجيه اتهاماته لرجال البلاط بأنهم يتدخلون في شؤون الدولة السياسية.

وبدأت كلُّ من أمريكا وبريطانيا باتخاذ موقف سلبي من (مصدق)، فهما المتضرر من تأميم النفط الإيراني، كما بدأت الحملات الإعلامية تصوب أسهمها لمصدق حيث قالت جـــــريدة التايمز: "إن التوتر الداخلي لإيران لا يمكن مواجهته إلا بتوجيه الاتهام لبريطانيا ككبش الفداء" (). وتطورت الأمور بسرعة حيث نجح (مصدق) بوضع القوات المسلحة الإيرانية تحت سيطرة الوزارة الإيرانية التي كان يرأسها في يوليو 1952م، ويعد ذلك هزيمة فعلية لسلطة (محمد رضا بهلوي) على الجيش الذي يعد القوة الرادعة لمعارضيه، وقد أراد (مصدق) استخدام الجيش سلاحاً مشهراً في وجه (الشاه)، لا يستطيع هو ورجال البلاط الوقوف في وجهه أو التصدي له.

وعليه بدأ (مصدق) في توجيه الدولة الوجهة التي يرتئيها، بعد أن ضمن ولاء الجيش له، فأعاد جميع الأراضي المصادرة لأملاك الدولة، واستقطع نسبة كبيرة من ميزانية البلاط الشاهنشاهي وضمها إلى ميزانية وزارة الصحة، ومنع اتصال (الشاه) برجال السلك الدبلوماسي في طهران، وزاد من عدد حرس الشاه ليراقبوا تصرفاته، كما استقطع 15% من ميزانية الجيش لزيادة خزانة الدولة، وزاد من عدد طرق المشاة وقام بتطهير القوات المسلحة من العناصر الموالية للشاه، وأسس لجانًا للتحقيق في الفساد المنتشر بين رجال المؤسسة العسكرية، وانتهى به المطاف إلى إجبار الشاه والأسرة الحاكمة على مغادرة إيران إلى إيطاليا أوائل 1953م.

ولعل من أهم أسباب فشل حكومة (مصدق)، أنها واجهت قضية (الحزام الشمالي وهي مشكلة أساسية، حيث إن إيران التي كانت حلقة مهمة لإنجاح المشروع، كانت في صراع مع بريطانيا حول تأميم النفط، وإقدام (محمد مصدق) منذ توليه رئاسة الحكومة الإيرانية عام 1951م، على تبنِّي سياسة الحياد في العلاقات الخارجية؛ لذلك لم يكن متحمسا للمشروع بسبب عدم رغبته في خلق التوترات مع جاره الشمالي المتمثل بالاتحاد السوفيتي السابق.

لذلك وبهدف إقامة مشروع الحزام الشمالي، أسرعت الولايات المتحدة الأمريكية وبالتعاون مع بريطانيا بالإطاحة بحكومة (مصدق) في أغسطس عام 1953م. من خلال انقلاب عسكري، وقد عبر (الشاه) بعد عودته مباشرة إلى إيران عن رغبة بلاده في الانضمام إلى مشاريع الدفاع الغربية وقال : "إن إيران ستتمكن من أن تُصبح حلقة أساسية في دفاع العالم الحر". ورغم إشارة الشاه هذه فإن الحكومة الإيرانية لم تعلن رسميا رغبتها في الانضمام إلى مشروع التحالف الغربي حتى عام 1954م، وقال الجنرال (فضل الله زاهدي) رئيس الحكومة الإيرانية آنذاك، بأن حكومته ترغب في التوجه نحو الغرب بمعنى الابتعاد عن المد السوفيتي.

وللأخطار التي أحاطت بالضباط المفصولين من الجيش والذين اعتقدوا أن الجيش والشاه لا يفترقان، كونوا لجنة سرية لحماية الأمة من الثوار المنادين بالجمهورية وبدأت جماعة من الضباط المفصولين الاتصال بالزعماء الدينيين وبالمخابرات الأمريكية والبريطانية لتمويل انقلاب عسكري للإطاحة بنظام مصدق، فقد كانت لكلا المخابرات البريطانية والأمريكية أسبابها الخاصة، ومن أهم هذه الأسباب الحفاظ على مصالحها البترولية والأمنية في الخليج وإيران، ومن ثم كانت دعوة الضباط الإيرانيين المفصولين بمنزلة إشارة شرعية لها من أجل التحرك لاسترجاع سلطة الشاه باعتبارها المدخل الطبيعي لحماية مصالحهم.

تلاقت الأهداف فانشغل رجال الجيش الإيراني والعملاء الأجانب في تدبير محاولتهم للإطاحة (بمصدق)، وبدأت الخلافات الأيديولوجية تنفجر داخل (الجبهة الوطنية)، حيث تركزت على تأميم الشركات الكبرى خصوصاً شركات النقل والتليفون، ومنح المرأة حق الانتخاب، وكذلك وضع خطة للإصلاح الزراعي، ومصادرة المشروبات الكحولية أو منع بيعها.

ونتيجة لهذه الخلافات التي ظهرت تم اتهام (مصدق) بأنه معاد للإسلام والشريعة وأنه يسعى لإقامة ديكتاتورية اشتراكية، ومن ثم انسحب من الجبهة الوطنية أهم شخصية دينية فاعلة فيها (آية الله أبو قاسم الكاشاني) وبصحبته مؤيدوه الدينيون. نتيجة للخلافات المتفجرة داخل (الجبهة الوطنية) وفقدانها أهم عناصرها الدينية النشطة، بالإضافة إلى تمويل المخابرات الأمريكية للمحرضين؛ لهذا استطاع الجيش بضباطه الساخطين توجيه ضربتهم في أوائل (أغسطس/1953م)، حيث نجحوا في احتلال مقار الوزارات وإلقاء القبض على الوزراء والاستعانة بقوة مكونة من (37) دبابة كان يقودها أحد رجال المخابرات الأمريكية، ونسفت مسكن رئيس الوزراء، كما قام المأجورين من العامة بالدخول لقلب العاصمة طهران، وقامت الصحف العالمية الغربية بالتقاط الصور المعبرة عن تظاهرات شعبية لكي تظهر للشاه أنها أنقذته من (مصدق) عن طريق ثورة شعبية جماهيرية.

وعاد الشاه منتصراً إلى العاصمة ولديه رغبة كبيرة في إقامة ديكتاتورية معتمدة على جهاز مخابرات إيراني جيد، ومدعَّم بقوة بوليسية متفوقة ونجح في تشييد جهاز (السافاك) والمخابرات الإيرانية بالاستعانة بالمخابرات الأمريكية وخبرة (الموساد) الإسرائيلي. وبفضل القوات المسلحة الإيرانية والشرطة السرية أصبح (محمد رضا) قادراً على كبح المعارضة وتمزيق المنظمات المناوئة لسلطانه منذ عودته للحكم عام 1953م وبدأ بحل (الجبهة الوطنية) وألقى القبض على معظم أعضائها وعلى رأسهم (مصدق)، وأعدم وزير الخارجية (حسين فاطمي) وحكم بالسجن على (مصدق) لمدة ثلاث سنوات ثم أفرج عنه عام 1956م ووضعه تحت المراقبة حتى وفاته عام1965م. وعليه فقد تحمل حزب (توده) وزر المرحلة المصدقية كلها.

لقد وقفت الحكومة التركية مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في ضرورة إزاحة حكومة (مصدق) عن السلطة؛ لأنها كانت ترى أن مصالح الغرب في منطقة الشرق الأوسط لا يمكن ضمانها مع وجود حكومة أممت النفط الإيراني، وتسعى للمجابهة مع بريطانيا، الأمر الذي يستغله السوفيت لمد نفوذهم الشيوعي إلى إيران كخطوة أولى باتجاه توسيعه نحو الدول المجاورة؛ لذلك كانت وجهة نظر الحزب الديمقراطي (Democratic Party) () الحاكم في تركيا تتفق تماما مع الاتجاه الغربي لإزاحة (مصدق) والمجيء بحكومة تتراجع عن التأميم وتسعى لدعم المخططات الغربية الرامية لتحويل المنطقة إلى منطقة مغلقة بوجه المد الشيوعي .

***

د. حميد ابو لول جبجاب

 

مهما تعددت اسباب الزلزال لكن يبقى السبب الرئيس في هذه الظاهرة الطبيعية عائدا إلى حركة الصفائح التكتونية للارض فهي في حركة دائمة وبطيئة جدا قد تصل بضع سنتيمترات في السنة فإذا ما تقاربت صفيحتان وتلامستا حتى نتج عنهما زلزال يترك آثارا واضحة على وجه الأرض في منطقة حدوثه، تتحرك هذه الصفائح تقاربا فتحتك احداهما بالاخرى وتتباعد من جهة أخرى لتحدث اخاديد في قشرة الأرض مخلفة دمارا هائلا خلال دقائق، هذا في الحوادث الطبيعية المعروفة لدى علماء الجيولوجيا ومع ذلك يذهب اليوم بعض المحللين من العسكرين والعلماء ان الدول الكبرى تمتلك سلاحا جديدا يسمى (السلاح التكتوني) له تأثير كبير في تحريك الطاقة الكامنة في الصفائح التكتونية وتحريكها في مناطق محددة والتحكم بخارطة وقوعه أيضا كما وقع في الزلزال الاخير على الحدود التركية السورية أي بين صفيحة الأناضول وصفيحة الدرع العربي...

كما يوعز البعض ان احد اسباب الزلزال الاخير في جنوب شرق تركيا الي الإفراط الكبير من قبل الحكومة التركية في إقامة السدود على مجاري الأنهار وإنشاء بحيرات اصطناعية كبيرة لتخزين المياه واستخدامها لتوليد الطاقة الكهربائية مما يعتبره البعض عمل عبثي متعمد في الطبيعة دون مراعاة التركيبة الجيولوجية للمنطقة، لان كميات المياه الهائلة هذه إضافة إلى الكتل الخرسانية المستخدمة في بناء السدود تشكل خطرا او سببا في حدوث الزلازل...

وعلى أية حال فالزلزال وقع مهما تعددت الأسباب فالنتيجة واحدة...

تعتبر منطقة وقوع الزلزال منطقة حيوية جدا لما تحويه من المصانع الكبيرة للاسلحة والمصانع الأخرى والمساحات الزراعية الشاسعة ومحطات توليد الطاقة المعتمدة على السدود وبحيرات تخزين المياه إضافة إلى الموانئ وخطوط تصدير النفط القادم من العراق تحديدا..

كما أن هذه المنطقة تتواجد فيها قوميات مهمة مثل العرب والكرد والأرمن والشركس لذلك فتركيا اليوم مهددة بالتقسيم اذا ما تركت هذه المنطقة دون عناية واعادة بناء بشكل سريع كما أن عدم الاسراع في بناءها يترك فراغا أمنيا يسمح للامريكان التدخل في تنفيذ مشروع بايدن لتقسيم دول المنطقة وإقامة دولة كردية في جنوب تركيا متصلا باقليم كردستان العراق..

اذن الخطر يحيق بتركيا من جهات عدة فهي يتوجب عليها ان تعيد بناء المناطق المنكوبة إضافة إلى خطر تدخل القوات الأجنبية تحت ذرائع شتى على غرار تدخلها في العراق وسوريا إضافة إلى رصد حركة القوميات في هذه المنطقة التي تريد الانفصال عن تركيا خصوصا الكرد التي ترعى مصالحهم أمريكا وإسرائيل.

ولا يغيب عنا وهذا مهم جدا أن نتطرق الى سياسة اوردغان إذ لم تكن واضحة فتركيا عضوا في حلف الناتو لكنها تتعامل مع روسيا كشريك ستراتيجي من خلال إقامة مشاريع عملاقة كمشروع تخزين الغاز الروسي في الأراضي التركية بعد تفجير أنبوب الغاز نوردستريم في البلطيق وعمدت تركيا إلى غلق مضيقي البسفور والدردنيل بوجه السفن الحربية الأمريكية لتحول دون تمكنها من الوصول إلى البحر الاسود وهذه سياسة تغضب الولايات المتحدة  ولهذا كسرت إحدى السفن الأمريكية هذا الحظر ودخلت للبحر الاسود فور وقوع الزلزال.

ولا ننسى سياسة تركيا مع جيرانها العراق وسوريا فهي تمددت في شمال العراق واسست قواعد هناك تحت ادعاء ضرب حزب العمال الكردستاني وقدمت الدعم للجماعات الإرهابية التي استولت على الموصل وفتحت لها الحدود... 

كما انها انهكت الاقتصاد العراقي من خلال تهريب النفط بالتعاون مع حكومة إقليم كردستان العراق

 وخربت سوريا ودعمت الجماعات الإرهابية من تنظيم داعش طيلة هذه الفترة ومنعت القوات الحكومية الرسمية السورية من الدخول إلى مدينة إدلب وعين العرب ومدن أخرى في شمال سوريا وتطالب بإقامة منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتر شمال سوريا... هذا كله جعل جيرانها في العراق وسوريا لا ينظرون إليها بارتياح وشعروا ان تركيا تريد الاستيلاء على أراضيهم والتحكم بمصير ثرواتهم وتأسيس أنظمة حكم سياسية موالية لها واستعملت ورقة المياه وإقامة السدود ومنع تدفق المياه إلى سوريا والعراق كورقة ضغط لتحقيق ما ترمي إليه من أهداف....

اذن تركيا اليوم تعاني من معضلة كبرى وليس مشكلة بسيطة، فقد دمر الزلزال منطقة اقتصادية حيوية كبيرة ولهذا له آثار اقتصادية سيئة على الاقتصاد التركي الذي هو اساسا يعاني من انهيار العملة التركية وديون اثقلت كاهلها وسدود مياه أصبحت تشكل خطرا على الأرض مما يضطرها إلى فتح بوابات المياه لتتدفق داخل الأراضي السورية والعراقية مما يؤدي إلى خفض توليد الطاقة الكهربائية والذي يؤدي بدوره إلى توقف الكثير من المصانع وأدنى مستوى الحياة الاقتصادية ولا ننسى ان تدفق المياه إلى سوريا والعراق يعيد النشاط الزراعي واستصلاح الأراضي التي تحولت إلى صحاري وتعيد الحياة إلى الاهوار التي غابت عنها منذ زمن بسبب سدود اوردغان.. كما أن تهريب النفط العراقي سيتوقف خلال هذه الفترة بسبب الدمار الهائل في منطقة مرور أنبوب النفط... انتعش سعر الدينار العراقي بعد الزلزال وكان قبله عمليات ضغط مستمرة على العراق لتمرير أنبوب الغاز عبر الأراضي التركية.

فتركيا اليوم تعاني من معضلة اقتصادية قد تستمر لسنوات طويلة قادمة ناهيك عن الوضع السياسي المتهرئ وتمرد القوميات في جنوبها وعلاقاتها المتذبذبة مع دول أوربا والناتو وعلاقاتها السلبية مع جيرانها الذين تتعامل معهم بتعالي واعتبارهم بقايا رعايا الدولة العثمانية.

ولهذا فالدولة التركية مهددة بالانهيار والتفكك مالم تذعن تركيا تماما إلى أوامر الإدارة الأمريكية وتنساق وراء سياسة الناتو لتكون اول سد للناتو بوجه روسيا.

***

جواد الســعيد العبـــادي

2023-02-09

كنّا في حاجة، ومازلنا، إلى زلزال فكريّ وثقافيّ، يوقظنا من سباتنا الحضاري، المستمر منذ سقوط بغداد في أيدي المغول والتتار الهمجيين، وسقوط غرناطة لسيوف القشتاليين المتعصّبين. لكن، يبدو أن حالة السبات، التي أصابت أمّتنا العربيّة، ستستمرّ سنينا عددا.

لكنّ، قدّر الله، أن تتزلزل الأرض تحت أقدام إخواننا في سوريا وتركيّا، وتبتلع آلاف النساء والأطفال والشيوخ والرجال، وهم نيام. وقبل بزوغ الفجر، فقضى من قضى نحبه، وأصيب من أصيب في بدنه، ونجا من نجا من هول الدمار.

و هكذا، توالت المصائب على إخواننا وأحبائنا في سوريا وتركيا، وحصد الموت – فجأة - آلاف الأرواح، نحسبهم عند الله شهداء.

كم، هي مناظر الدمار مهولة وقاسيّة. تحرق الأكباد، وتكوي القلوب، إنّها مأساة بكل مقاييس الألم والحزن.

و إذا كان الموت أجل مسمّى " وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ "

[ الأعراف: 34]

و إذا كان الزلزال قضاء وقدر" قل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لنا " (التوبة / 51). لم، يستطع العلم إلى يومنا الناس هذا، أن يتوقّعه أو يتنبّأ موعد حدوثه، كي يجنّب الناس مصائبه وعواقبه، ولا مسؤوليّة للإنسان في معرفة زمن حدوثه، وإدراك لحظات وقوعه، فهل للإنسان مسؤوليّة في حجم الخسائر البشريّة التي يحدثها ؟

لقد رأينا، ورأى العالم، القاصي والداني، عبر الشاشات العادية والرقميّة وفيديوهات مواقع التواصل الاجتماعي، كيف انهارت عمارات وبناءات على رؤوس ساكنيها، وكأنّها كان مبنيّة أو واقفة على تربة رمليّة، أو كأنّ أساستها من الملح، أو كأنّها بدون أساسات. لقد تحوّلت إلى ركام في بضع ثوان أو دقائق، وكأنّ الأرض تقيّأتها.

إن الزلازل ظاهرة طبيعيّة منذ خلق الله الكوكب الأرضي، وتحدث في أغلب مناطق الكرة الأرضيّة ؛ شرقا وغربا وجنوبا وشمالا. وهي كثيرة الضرر المادي والبشري بالمناطق الفقيرة والمجتمعات المتخلّفة، نظرا لعوامل اقتصاديّة وجغرافيّة. لكن، وألف لكن، ألا تكمن المسؤوليّة في طرق البناء، ونوعيّة مواده الأوليّة، وتقصير الإنسان المقاول أو غشّه في البناء، سعيا للربح السريع؟ لماذا انهارت هذه البناءات بهذه الصورة، وكأنّها كانت مرفوعة على أعواد من القصب؟. لا بد من إعادة النظر – وهذا شأن العلماء وليس السياسيين – في طريقة البناء في المناطق الواقعة على الصفائح التكتونيّة، والمهدّدة بالزلازل ..لا بد من تطوير هندسة المباني المقاومة للزلازل، وتفعيل أنظمة الإنذار المبكّر.. إنّ العلم والتكنولوجيا لا يستطيعان منع حدوث الزلازل، مهما بلغا من تطوّر، لكنّ العقل النيّر والعلم النافع يستطيعان حماية الإنسان من أخطار الزلازل، والكوارث الطبيعيّة الأخرى..

ولو أخذنا نموذج اليابان، الواقعة على أرض زلزاليّة نشيطة على مدار السنة. لأدركنا قدرة العلم على مسايرة الظاهرة البركانيّة، وهذا ما ينقص الدول الناميّة أو دونها.

إن هول ما وقع في تركيا وسوريا، بسبب الزلزال المدمّر (8، 7 على سلّم ريشتر، وما أعقبه من مئات الهزات الارتداديّة، لمصاب جلل، يدمي القلوب ويحرق الأكباد.

لقد وقع الذي وقع، لكن ليس من شيّم الإنسانيّة أن تترك أولئك الضحايا والناجين المشرّدين لأقدارهم، غرقى في دمائهم ودموعهم ومآسيهم وقساوة قرّ الشتاء.

تبّا للسياسة، إذا أعاقت نجدة الملهوف. تبّا للغرب الديمقراطي، الليبيرالي، إذا غضّ الطرف عن مآسي سوريا وتركيّا. تبّا للأنظمة المتواكلة، المتكاسلة، المتردّدة عن تقديم المساعدات اللازمة لضحايا الزلزال المدمّر. إنّ أمّة الإسلام، قد فاق عدد أفرادها المليار نسمة، فلماذا لا يقدّم كل فرد منّا دولارا واحدا، ومن لا يمله يدفع عنه جاره أو قريبه، لنجمع مليار دولار لإخواننا المنكوبين في سوريا وتركيا؟ يا أيها المسلمون، في مشارق الأرض ومغاربها، امتنعوا، يوما واحدا، عن شرب كأسا من الشاي أو زجاجة من الكوكاكولا وفنجان قهوة، وادفعوا أثمانهم لإخواننا في سوريا وتركيا.

من سيغيث هؤلاء الضحايا والمنكوبين والمشرّدين في العراء، وقد تحالفت عليهم الطبيعة القاسية، والسياسة الظالمة، إذا لم تغيثوهم، يا أبناء جلدهم وملّتهم، ويا أصحاب القلوب الرحيمة، والأيدي النظيفة وخدّام الإنسانيّة في مشارق الأرض ومغاربها؟ إنّي أسمع أنين الجرحى وعويل الثكالى قد بلغ الجوزاء، وأسمع أنين الأطفال والصبيان من قسوة الجوع ولسعات القرّ والصقيع. فلا تتركوهم يموتون فوق الركام بعدما نجوا من تحت الركام. فهل من مجيب... فهل من مجيب...

***

بقلم الناقد والروائي: علي فضيل العربي – الجزائر

هو اليوم الذي حصلت فيه الثورة التي أطاحت بالنظام الملكي وأقامت الجمهورية. وقد بدأ ـ خصوصاً في الآونة الأخيرة ـ تيار يحاول التقليل من أهمية هذه الثورة، بل يُحَمّلها ما جرى من مآسٍ قادت العراق الى وضع ما بعد 2003. ونحن بدورنا نختلف مع هؤلاء في نظرتهم، ونعتبرها "قراءة قاصرة" لا تُدرك معنى "الثورة". (وفي النهاية فأن الثورة عبارة عن شأنٍ فظٍ وقاسٍ وعنيف، في جزء منها على الأقل) (1) ولهذا السبب أقدمنا على كتابة هذا المقال، للمساهمة في رفع الغشاوة عن هذا الحدث الكبير.

لا يُكلّف البعض أنفسهم لقراءة "الأسباب الموضوعية" التي قادت الى الثورة، فهُم يُرَكّزون على الأحداث بعيداً عن إدراك عِلَلِها! بينما (القراءة الأمثل للتاريخ هي ليست "ماذا حدث" وإنما "لماذا حدث") (2) فقبل أن ينتقد هؤلاء الثورة ورجالها، كان عليهم قراءة الأسباب التي أدت إليها! فهي لم تحدث في الفضاء! إذ لم يضغط الزعيم عبد الكريم قاسم على الزناد وحدثت الثورة! وهي لم تكن عملاً عسكرياً فقط كما يُشاع! فلها جناح سياسي معارض، والسبب الذي دفع العسكر للتحرك قد ذكره زعيم الثورة عبد الكريم قاسم صراحة في 9 آب 1958 (لو إعتقدنا أن بإستطاعة الشعب أن يزيل كابوس الظلم "الجاثم على صدره" لما تَدَخَلنا بالقوة المسلحة، ولكننا كنا نعرف أن الناس يائسين ولا من يدافع عنهم) (3)

أما عن الجناح السياسي المعارض، فقد كان جناحاً عريضاً تمثّل في "جبهة الإتحاد الوطني" التي تكونت في أوائل شباط سنة 1957 من: حزب الإستقلال ـ الحزب الوطني الديمقراطي ـ حزب البعث العربي الإشتراكي ـ الحزب الشيوعي العراقي (4) وعليه فعلى المرء أن ينظر نظرة أوسع أفقاً الى الأشياء كما ذكر حنّا بطاطو (وعلى المرء كذلك، وعلى الأقل، أن يضع أحداث 14 تموز "يوليو" في إطارها التاريخي الطبيعي. وبهذا المنظور، تبدو هذه الأحداث وكأنها ذروة نضال جيل كامل من الطبقات الوسطى والوسطى الدنيا والعاملة، وأوج ميل ثوري كامل ومتشرب في الأعماق كانت له تعبيراته التي تمثلت بإنقلاب 1936 والحركة العسكرية 1941 والوثبة 1948 والإنتفاضة 1952 ثم إنتفاضات 1956) (5)

ويقول الأستاذ ليث الزبيدي:

(إن ثورة 14 تموز 1958 ليست وليدة الصدفة المحضة، ولا حركة إعتباطية دفعت بها ظروف عارضة، وإنما هي تاريخياً حصيلة نضال طويل ومرير خاضه الشعب العراقي منذ أن قام ما يسمى بالحكم الأهلي في أعقاب ثورة العشرين المجيدة) (6) وعلينا أن لا نغفل عن حقيقة في غاية الأهمية، ألا وهي أن ثورة تموز قد جعلت العراق يُحكَم ولأول مرة من قِبَلِ بنيه دون سلطان خارجي (7)

قبل أن ننتقل للحديث عن أسباب الثورة، لا بُدّ من المرور السريع على "النظام الملكي العراقي"، هذا النظام الذي "يتباكى" عليه الكثير من العراقيين الآن! وكأنه كان عهداً ذهبياً!

عندما نتحدث عن "الملكية العراقية"، فلا بُدّ من تقسيها. فهناك "الفترة التأسيسية" وهي فترة حكم الملك فيصل الأول 1921 الى 1933. وجاءت بعدها  فترة ولده الملك غازي "الملك الشعبي" 1933 الى 1939. ثم فترة الملك الصغير فيصل الثاني "الشاذة" 1939 الى 1958، وجاء شذوذها من أن الملك كان صغيراً، فصار خاله عبد الإله وصياً عليه، وفترة الوصاية هي الفترة التي قادت الملكية العراقية الى الإنهيار.

ولكي لا يُزايد علينا أحدٌ هنا، ويتهمنا ب"الجمهورية" والتقليل من أهمية إنجازات الملكية، نقول:

إن شخصية الملك فيصل الأول كانت شخصية فَذّة، وأن دورها القيادي في العراق وسيرها بالمملكة التي أقامها من عالم مجهول الى آخرٍ دولي مرموق، تكاد تكون أقرب الى الخيال منها الى الحقيقة (8)

ولكننا أيضاً مع من يقول:

(وما كان لذلك النظام من الحكم أن ينهار في العراق بمثل تلك السرعة، لولا الحوادث المؤسفة التي أدت الى مقتل الملك غازي في ليلة الرابع من شهر نيسان 1939، وما أعقبها من تدابير شاذة في إسناد منصب الوصاية على الملك الجديد الى خاله الأمير عبد  الإله، الذي كرهه الشعب العراقي، وكره ديكتاتوريته السافرة، وحكمه للبلاد حكماً تعسفياً لفت إليه نظر البعيد قبل القريب، وجعل الناس يتمنون زواله بأقرب فرصة ممكنة) (9)

أسباب الثورة:

كثيرةٌ هي الأسباب التي قادت الى ثورة تموز، وقد كُتِبَ الكثير عنها، ونحن بدورنا سنحاول ضغطها للخروج بها مُجمَلَةً مُكَثّفَة، وسنُرَكّزُ على السببين الآتيين:

1ـ السبب السياسي:

أُنشئت الدولة العراقية على أساسٍ هزيلٍ واهٍ، فقد جاءت في أعقاب إقتسام الدول الإستعمارية الكبرى لممتلكات الدولة العثمانية "الرجل المريض". وقد قام النظام الملكي على أركان ثلاثة هي: السيطرة البريطانية والبورجوازية الكبيرة  والإقطاع (10)

أما عن "النظام البرلماني" الذي يتبجح به الكثير الآن، بحجة أن "التعددية" كانت موجودة في العراق الملكي، بخلاف العراق الجمهوري. فهل كانت فعلاً نظاماً برلمانياً ناجحاً؟

(ونتيجة لهيمنة الملك الهاشمي في العراق، فقد كان النظام البرلماني العراقي "برلمانية منحرفة لمصلحة رئيس الدولة" (11) كالبرلمانية الأورليانية والدكولية والفايمارية والناصرية. ولهذا يمكن أن نطلق على النظام البرلماني العراقي إسم "البرلمانية الهاشمية"، أسوة بالتسميات التي أُطلقت على الأنظمة البرلمانية التي هيمن فيها رئيس الدولة في كل من فرنسا وألمانيا ومصر) (12) وكانت الإنتخابات مزيفة، وهي أقرب الى التعيين، وفي خطاب صريح جداً للباشا نوري السعيد داخل مجلس النواب في جلسة 15 كانون الثاني 1944، توجّه للنواب مُتحدياً:

(إن نظام الحكم يقضي بإجراء إنتخابات في المملكة، وللشعب أن ينتخب من يعتمد عليه ليراقب، ويسيطر على أمور الدولة. هذا هو أساس الحكم. ولكن بالنظر الى قانون الإنتخابات الموجود بأيدينا هل في الإمكان، أناشدكم بالله، أن يخرج أحد نائباً مهما كانت منزلته في البلاد، ومهما كانت خدماته في الدولة ما لم تأتِ الحكومة وتُرشحه. فأنا أُراهن كل شخص يَدّعي بمركزه ووطنيته، فليستقل الآن، ويخرج ونعيد الإنتخابات ولا نُدخله في قائمة الحكومة، ونرى هل هذا النائب الرفيع المنزلة الذي وراءه ما وراءه من المؤيدين، يستطيع أن يخرج نائباً؟) (13)

وبِغَض النظر عن حُسن نية الملك فيصل الأول، فهناك من يرى ـ جماعة الأهالي ـ أن فيصل، وبالإتفاق مع الحكومة البريطانية، كان السبب الرئيس وراء إنحراف سير الدولة العراقية الحديثة عن الديموقراطية الصحيحة، بسبب تدخله في إنتخابات المجالس النيابية منذ قيام المجلس التأسيسي، حتى أخر مجلس نيابي في حياته، وبعدها. وعليه فقد مُسخت الحياة الدستورية (14)

وبشأن التكوين الإجتماعي لمجلس النواب، فمنذ تأسيسه حتى 14 تموز 1958 لم يدخله أي نائب من طبقتي العمال والفلاحين بالرغم من أن أكثرية سكان العراق هي من هاتين الطبقتين (15)

أما عن القمع السعيدي فحدّث ولا حرج. فقد قامت حكومة أرشد العمري في 1954 بإجراء إنتخابات نيابية حصلت فيها الجبهة الوطنية على 10 مقاعد، وكان من الممكن أن تحصل على الأكثر لولا التدخلات الحكومية الفاضحة. بينما حصل حزب الإتحاد الدستوري ـ حزب نوري السعيد ـ على 51 مقعداً، وحزب الأمة الإشتراكي ـ حزب صالح جبر ـ على 21 مقعداً (16)

كان الفائزون من الجبهة الوطنية من المعارضين المرموقين منهم: كامل الجادرجي ـ حسين جميل ـ محمد مهدي كبه ـ فائق السامرائي ـ صديق شنشل (17)

لم يُطق نوري السعيد وجود هؤلاء الضئيل في المجلس النيابي، وإشترط حَلّ المجلس لكي يُشَكّل الحكومة، فقبل الملك بشروطه، وقام السعيد بحَلّ المجلس النيابي، وشكّل حكومته "حكومة المراسيم الإرهابية" سيئة الصيت 1954.

فقد نص المرسوم الأول على تجريم كل من جَنّد أو رَوّجَ أيّاً من المذاهب الإشتراكية البلشفية والإلحادية (18)، أما المرسوم الثاني فقد نص على إسقاط الجنسية العراقية عن الشخص المحكوم بالمرسوم الأول (19) إضافة لمراسيم أخرى.

وقد كانت الخمسينات فترة حرجة جداً على النظام الملكي العراقي، فقد قامت ثورة 1952 في مصر، وبرز الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر كقوة يُحسَب لها ألف حساب في الوطن العربي. ولم يكن نوري السعيد قادراً على السيطرة على هذا السلاح الجديد، أي إذاعة صوت العرب في القاهرة، فقد تغلغل في القرية والحقل وتجمعات البدو والثكنات والأقسام الداخلية للطلبة. وقد زاد عدد المعارضين للنظام وتقوضت شرعيته المتبقية (20)

لكن، هل أخذ هذا النظام بحدث كبير كالثورة المصرية على محمل الجد؟ هل حاولوا إصلاح الأوضاع تلافياً لحصول وضع مشابه في العراق؟

عقد البلاط الملكي العراقي مؤتمراً في مساء يوم 3 / 11 / 1952 برئاسة الوصي عبد الإله سبب تأزم الوضع الخارجي الذي أقلق الحكومة العراقية قلقاً شديداً بعد حدوث ثورة يوليو في مصر. وقد حضر للمؤتمر: طه الهاشمي وكامل الجادرجي وصالح جبر ومحمد مهدي كبة ونوري السعيد ومحمد الصدر وجميل المدفعي وتوفيق السويدي وعلي جودة الأيوبي وأرشد العمري وأحمد مختار بابان.

ما يهمنا الآن هو كلام الجنرال طه الهاشمي "رئيس الجبهة الشعبية المتحدة"، وهو رئيس وزراء سابق، وأخ لرئيس الوزراء الراحل ياسين الهاشمي، قال:

إن الأسباب التي أدت الى الإنقلاب في مصر موجودة في العراق، وإذا كانت العوامل متشابهة فلا بُدّ أن تكون النتائج واحدة، وأن القضية قضية زمن إذا لم تجرِ الإصلاحات بصورة جدية في العراق.

إنفعل الوصي عبد الإله وقال: أنت تقول إنه سيقع في العراق مثل ما وقع في مصر، أنا لا أخاف ذلك. ثم إحتد الكلام ودخل الوصي في مشاجرة مع الهاشمي (21)

وعليه فإن الجيل الجديد قد فقد كل أملٍ في التعاون مع الجيل القديم، وراح يُحَرّض الجماهير التي كانت الأجيال القديمة قد إستغلتها زمناً. فقد عجز الجيل القديم عن تهيئة الجيل الجديد ليتحمل معهم أعباء المسؤوليات في شؤون الحكم، وهذا ما دفع بزعماء الجيل الجديد الى إثارة الرأي العام وتأليبه على العهد القائم، وهو ما حرّض الشعب على الثورة (22)

وقد حاول السفير البريطاني ميشيل رايت الضغط على الطبقة الحاكمة للقيام بإصلاحات تتدارك الوضع، لكنه لم يلقَ إذناً صاغية، وهذا ما دفعه الى القول مُنذراً: إذا لم تُنَفّذ الإصلاحات فسلام على الملكية ومشايخ القبائل أيضاً (23)

2ـ السبب الإقتصادي:

من العوامل التي ساعدت على تدهور الإقتصاد العراقي: تبعيته الى الإقتصاد الغربي، وتخلف القطاع الزراعي، والإحتكارات النفطية (24) وعندما نلقي النظر بصورة سريعة على أوضاع أكبر شريحة عراقية، أي الفلاحين، سندرك حجم البؤس والمعاناة التي عاشها هؤلاء المساكين.

كانت مساكنهم حقيرة لا تصلح حتى للحيوانات، وكانت علاقة الفلاح بالأرض ما هي إلا علاقة رجل يعمل في أرض غيره بأجور عينية ويعتمد في حياته على مشيئة صاحب الأرض الذي بإستطاعته أن يطرده من أرضه متى شاء (25) وهذا ما أدى الى الهجرة الواسعة من الريف الى المدينة، فإستقر هؤلاء المساكين حول بغداد في وضع يُرثى له. فهل ستكون التربة مُنتجة في وضعٍ كهذا؟! يقول مونتسيكيو: تكون التربة منتجة إذا كان من يفلحها حُراً أكثر مما إذا كانت تحمل خصوبة طبيعية (26) وعليه فلم يُعطِ البلد للفلاح شيئاً كما ذكر بطاطو (27)

أما عن وضع هؤلاء وأكواخهم البائسة، ففي عام 1956 كانت هناك 16413 صريفة مُجمعة في تسع مناطق، وكانت هذه الصرائف عبارة عن أكواخ يتألف كلٌ منها من غرفة واحدة بُنيت بالقصب والحصير، وكانت تُغطى بالطين خلال الشتاء، وكانت كل صريفة تؤوي ما متوسطه 6، 5 أشخاص، أي أن الصرائف كانت تؤوي ما مجموعه 92173 نسمة (28) وقد وصف الدكتور كريتشلي من كلية طب بغداد في مسحٍ أجراه في عام 1952، وصف حياتهم:

فقد أُقيمت صرائف هؤلاء في موقع كانت تستخدمه بلدية بغداد كمدفن للفضلات البشرية والحيوانية وللنفايات، وكانت الأكواخ سيئة التهوية، مزدحمة، خالية من الترتيبات الصحية، يتغوّط سكانها أينما كان، ويُعتقد أن كل لقمة يتناولها هؤلاء كانت ملوثة، ومعدل وفيات الأطفال فيها لكل 1000 حالة حمل 341 وفاة (29)

فهل تجاوبت الحكومات العراقية مع هؤلاء البؤساء؟ هل قامت بتشريع القوانين التي من شأنها إصلاح الريف وأهله؟ وجد الأستاذ عبد الرزاق الهلالي ـ وهو الخبير في هذا المجال ـ أن الحكومات العراقية الملكية كانت بارعة في التشريع فقط، أما التنفيذ فلا! وعليه فقد زهد الناس بالقوانين (30) ومن الأمور الملفتة للنظر أن العراق الملكي لم يقم بأية محاولة لدراسة موضوع "سوء التغذية"! أما الإهتمام بمياه الشرب فقد كان ضئيلاً تافهاً جداً! (31)

بعد هذا العرض الموجز، هل سيكون قيام الثورة مفاجئاً؟!

ثورة تموز في قفص الإتهام:

يكثر الحديث في أوساط الرافضين لهذه الثورة عن إرتباط هذه الثورة الخارج، مرة تكون مرتبطة ببريطانيا! وأخرى تكون مرتبطة بالولايات المتحدة الأمريكية! ونحن بدورنا نُطالب بدليل دامغ! فقد أصبحت هذه المقولة معزوفة نستمع إليها دائماً! والمؤرخ لا يشتغل إلا على الوثائق، على ما في هذا الإتهام من إستهانة بجهد الجماهير العراقية فضلاً عن التخوين.

1ـ بريطانيا:

نحن لا نتكلم ولا نُطلق الأحكام إلا بعد القراءة والسَبر الدقيقين، وبشأن "إرتباط" الثورة ببريطانيا، فما علينا إلا الرجوع لباحث مختصٍ في هذا المجال، ألا وهو الدكتور مؤيد الونداوي.

في تقريره السنوي الذي قدّمه السفير البريطاني في العراق مايكل رايت لحكومته في عام 1958، وهو ـ برأي الونداوي ـ من أفضل التقارير التي كتبها رايت طوال عمله في بغداد. أساء رايت تقدير الموقف الداخلي، وطمأن حكومته بأنه بالإمكان أن يحافظ النظام الملكي على وضعه من الإنهيار جراء الضغوط الداخلية والخارجية، وقد إعتقد رايت بأن النظام العشائري لا يزال حيّاً وبإمكانه المحافظة على النظام.

أما الجيش فقد إعتقد رايت بأنه قد ترك تماماً ممارساته السابقة بالتدخل في السياسة، وأنه أصبح في عام 1958 لا يُبدي علائم على ذلك (32)

2ـ الولايات المتحدة الأمريكية:

سنرجع هنا الى الدكتور براندون روبرت كينغ، فقد تَعَرض لهذا الموضوع في أطروحته للدكتوراه، والتي قَدّمها الى جامعة تورنتو. يقول كينغ:

(عانى المجتمع الإستخباري الأمريكي من "إخفاق إستخباري"، فقد فشلت عيون وآذان مكتب المخابرات الأمريكية في العراق فشلاً واضحاً في توقّع أحداث الرابع عشر من تموز أو التحذير من وقوعها. وقد كَلّف هذا السهو الأمريكيين حليفاً حيوياً في صراع الحرب الباردة في الشرق الأوسط ضد الإتحاد السوفيتي، وفي الحرب العربية الباردة على الأنظمة العربية المناوئة للغرب)

ويقول:

(يظهر أن النزعة السياسية للجيش العراقي كانت بمثابة المنطقة العمياء لكلٍ من الأجهزة الإستخبارية الأمريكية والعراقية)

أما عن إيمان الأمريكان بقدرة نوري السعيد، فيقول:

(وقد برز تاريخ نوري الطويل في إدارة القمع بروزاً قوياً أيضاً في الحسابات الأمريكية. وكان المراقبون الأمريكيون يؤمنون على نحو متماثل تقريباً بأسطورة سلطة نوري السعيد المطلقة وحكمته وقوة بأسه كزعيم) (33)

وعليه فقد كان العالم الخارجي مطمئناً الى سلامة الحكم في العراق وإستقراره، ولهذا كانت ثورة 14 تموز مفاجأة كاملة للعالم بأسره (34)

فهل من مجال للحديث الآن عن "إرتباط" خارجي!

ثورة تموز وفتحُ الباب أمام الإنقلابات العسكرية:

ديباجةٌ نسمعها دائماً! ثورة تموز فتحت باباً بشعاً على العراق، ألا وهو باب الإنقلابات العسكرية. وبدورنا سنتحقق الآن من هذا الزعم.

يؤسفني أن أُصارح هؤلاء ب"الخطأ التاريخي الفادح" الذي وقعوا فيه! فلم يكن يوم تموز أول إنقلاب عسكري في العراق، بل حدث أول إنقلاب عسكري في العراق والمنطقة في عام 1936، عندما أعلن  الجنرال بكر صدقي زحفه على بغداد في صباح يوم 29 تشرين الأول من السنة المذكورة (35) فسقطت حكومة ياسين الهاشمي، وأقام الجيش حكومة حكمت سليمان.

ثم توالت بعدها التدخلات العسكرية في السياسة الى أن وصلت ذروتها في حركة 1941.

وجدير بنا ونحن نتحدث عن تدخلات العسكر في السياسة، أن نُلقي الضوء على دور الباشا نوري السعيد في هذا المجال. فالمعروف أن الباشا لا يؤيد تدخل الجيش في السياسة، فهل إلتزم بذلك؟

إجتمع العقداء الخمسة في 24 كانون الأول 1938 وهُم: صلاح الدين الصباغ ـ فهمي سعيد ـ محمود سلمان ـ كامل شبيب ـ سعيد يحيى الخياط، إضافة للعقيد عزيز يا ملكي، وقَرّروا إسقاط وزارة جميل المدفعي، وأرسلوا فصيلاً من الجُند لحراسة دار العميد طه الهاشمي، وفصيلاً آخر لحماية دار نوري السعيد.

إستنكر الملك غازي هذه الحركة، وطلب من حكومة المدفعي مرافقته الى كركوك ليلاً لمقاتلة المتمردين في بغداد، لكن المدفعي رفض هذا الطلب (36) والنتيجة نجحت "الحركة الإنقلابية الجريئة" وسقط المدفعي، وجاء نوري السعيد الى سَدّة الوزارة كما طلب الجيش.

يقول السفير البريطاني في العراق موريس بترسون:

(ولكن هناك وجوه كثيرة في عودة نوري باشا السعيد الى الحكم تستدعي القلق، وأولها أن عودته الى السلطة قد أعادت الجيش العراقي مرة أخرى الى التدخل في الشؤون السياسية، التي كان ينبغي أن يكون بعيداً عنها) (37)

ويقول العقيد جرالد دي غوري:

(وهكذا وصل نوري السعيد، الذي كان يتَشَكّى بمرارة من تدخّل الجيش في السياسة، الى الحكم نتيجة عملٍ قام به الجيش ذاته) (38)

أما سندرسن باشا فيقول:

(لم يكن نوري السعيد يوافق على تدخّل الجيش في الأمور السياسية، ومع ذلك فقد إلتجأ الى هذا التدخل عشية عيد الميلاد سنة 1938، للتخلص من الوزارة المقيتة التي كان يرأسها جميل المدفعي. وقد نجح هذا الإنقلاب، فأصبح نوري السعيد رئيساً للوزارة، لكنه قد إختار في هذا سابقة خطرة، هي ذات السابقة التي إستُعمِلَت بعد عشرين سنة لقتل أفراد العائلة المالكة، وقُتِل نوري نفسه بصفة لا إنسانية!) (39)

فهل بقي لهذا القول ـ ثورة تموز فتحت باب الإنقلابات ـ من وزنٍ بعد هذا؟!

بقي أمرٌ مهمٌ لا بُدّ من المرور السريع عليه، ألا وهو "قتل العائلة المالكة".

هذا العمل مرفوضٌ بكل تأكيد، وقد كُتِبَ عنه الكثير. لكن ما يهمنا الآن مقتل الثلاثة الكِبار، أي الملك فيصل الثاني رحمه الله، والوصي عبد الإله، والباشا نوري السعيد.

هل كان بالإمكان ـ نتحدث بعيداً عن الإعتبارات الإنسانية بكل تأكيد - الإبقاء على هؤلاء الثلاثة؟ فقد حاولت بريطانيا بعد قيام الثورة مباشرة التفاهم مع الولايات المتحدة الأمريكية بصدد ما يمكن عمله لإنقاذ النظام الملكي. ولم تقف الخارجية البريطانية موقفاً سلبياً من رغبة ملك الأردن للتدخل في بغداد لإعادة الأمن والنظام فيه بإعتباره رئيساً للإتحاد العربي (40)

فلو أُبقي عليهم لتكررت تجربة 1941! ولعاد هؤلاء تحت حراسة الحِراب البريطانية! ليقوموا بتصفية خصومهم ببشاعة!!

أما عن الطريقة التي تعرضت لها جُثتي نوري السعيد وعبد الإله، فليس أمامنا إلا ما يلي:

(هل كان هذا عملاً وحشياً أو لا إنسانياً؟ ربما لا يكون إصدار مثل هذا الحكم ملائماً، ولكن علينا أن نُضيف ـ لا تبريراً بل توضيحاً ـ أن نوري وولي العهد لم يكونا أبداً رحيمين بحياة الناس. ثم: أيُستَغرَب أن تنبع الاإنسانية من الأوضاع الاإنسانية التي كان يعيشها "شرقاوية" ـ سكان الأكواخ الطينية ـ بغداد؟) (41)

وختاماً أقول:

أما الحديث عن ما آل إليه الوضع في العراق بعد الثورة، من أجل الطعن بمشروعيتها، فهو حديث مردود. ويمكن أن أصفه بالحديث "البعيد عن التاريخ"، فهذا موضوع آخر يتطَلّبُ معالجات مُطَوّلة، لن تؤثر على مشروعية هذه الثورة الخالدة.

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

......................

الحواشي:

1- حنّا بطاطو: العراق / الكتاب الثالث - الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار، بترجمة: عفيف الرزاز، مؤسسة الأبحاث العربية، الطبعة العربية الثالثة 2003، دار القبس الكويت ص116

2- زياد صبري زيدان: الإنعطافات في مجرى الأحداث التاريخية في العراق في ضوء نظريات فلسفة التاريخ 132 للهجرة - 750 للميلاد / 447 للهجرة - 1055 للميلاد، أطروحة غير منشورة مُقدمة الى مجلس كلية التربية جامعة واسط لنيل الدكتوراه في فلسفة التاريخ الإسلامي، 1442 للهجرة 2021 للميلاد ص2

3- بطاطو: المصدر السابق ك3 ص116 الحاشية

4- محمد حسين الزبيدي: ثورة 14 تموز في العراق / أسبابها ومقدماتها ومسيرتها وتنظيمات الضباط الأحرار، الجمهورية العراقية، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، دار الشؤون الثقافية والنشر 1983، دار الحرية بغداد ص280 و 281

5- بطاطو: المصدر السابق ك3 ص116

6- ليث عبد الحسن الزبيدي: ثورة 14 تموز 1958 في العراق، منشورات مكتبة اليقظة العربية بغداد ط2 1981 ص13

7- المصدر السابق ص6

8- محمد مظفر الأدهمي: الملك فيصل الأول / حياته السياسية وظروف مماته الغامضة - دراسة وثائقية، الذاكرة للنشر والتوزيع بغداد ط1 2019 ص11 مقدمة المؤرخ عبد الرزاق الحسني. ولكن هذا لا يعني أن فيصل لم يكن مُقصراً، وهذا ما سنتناوله لاحقاً.

9- عبد الرزاق الحسني: تاريخ الوزارات العراقية ج10 وزارة الثقافة والإعلام، دار الشؤون الثقافية العامة ط7 1988 ص4

10- ليث الزبيدي: المصدر السابق ص19

11- التشديد منا

12- فائز عزيز أسعد: إنحراف النظام البرلماني في العراق، تقديم د. منذر الشاوي، مطبعة السندباد بغداد ط2 ص250

13- سعاد رؤوف شير محمد: نوري السعيد ودوره في السياسة العراقية 1932 - 1945، مراجعة د. كمال مظهر أحمد، مكتبة اليقظة العربية بغداد ط1 1988 ص177

14- محمد حديد: مذكراتي / الصراع من أجل الديموقراطية في العراق، تحقيق: نجدة فتحي صفوة، دار الساقي بيروت ط1 2006 ص131

15- ليث الزبيدي: المصدر السابق ص20

16- جعفر عباس حميدي: التطورات والإتجاهات الداخلية في العراق 1953 - 1958 ساعدت جامعة بغداد على نشره ط1 1980 ص93

17- حميدي: المصدر السابق ص93 حاشية 5

18- لينظر القارىء اللبيب الى هذا الخلط الواضح والمقصود بين "الإشتراكية والإلحادية"

19- حميدي: المصدر السابق ص103 و 107

20- فيبي مار: تاريخ العراق المعاصر 1921 - 2003، ترجمة: مصطفى نعمان أحمد، دار ومكتبة أوراق ودار ومكتبة المجلة ط1 2020 ص128

21- محمد حسين الزبيدي: المصدر السابق ص110 و 111 و 112

22- مجيد خدوري: العراق الجمهوري، إنتشارات الشريف الرضي قُم إيران ط1 1418 ص10 و 14

23- المصدر السابق ص58 حاشية رقم 59

24- محمد حسين الزبيدي: المصدر السابق ص190 وما بعدها

25- عبد الرزاق الهلالي: نظرات في إصلاح الريف، منشورات دار الكشاف بيروت ط3 1954 ص23 و 57

26- حنا بطاطو: المصدر السابق ك1 / الطبقات الإجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية ص177

27- المصدر السابق ك1 ص175

28- المصدر السابق ك1 ص162 و 163

29- المصدر السابق ك1 ص163

30- الهلالي: المصدر السابق ص24 و 25 الحاشية و 52 و 55 و 57

31- المصدر السابق ص30 و 38

32- مؤيد إبراهيم الونداوي: العراق في التقارير السنوية للسفارة البريطانية 1944 - 1958 دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد 1992 ص246 و 248

33- براندون روبرت كينغ: المخابرات الأمريكية وثورة تموز 1958 في العراق، بترجمة: مصطفى نعمان أحمد، دار ومكتبة المجلة 2021 ص5 و 15 و 59 و 86 و 87

34- خدوري: المصدر السابق ص52

35- حازم المفتي: العراق بين عهدين / ياسين الهاشمي وبكر صدقي، قَدّم له: د. عماد عبد السلام رؤوف، مطبعة سومر، توزيع مكتبة اليقظة العربية ص90

36- الحسني: المصدر السابق ج5 ص46 و 47 و 48

37- المصدر السابق ج5 ص55

38- العقيد جرالد دي غوري: ثلاثة ملوك في بغداد، بترجمة وتعليق: سليم طه التكريتي، الأهلية للنشر والتوزيع عَمّان الأردن ط5 2012 ص147

39- مذكرات سندرسن باشا "طبيب العائلة الملكية في العراق" 1918 - 1946، بترجمة وتعليق: سليم طه التكريتي، منشورات مكتبة المتنبي بغداد ط1 1980 ص210 و 211

40- مؤيد إبراهيم الونداوي: وثائق ثورة تموز 1958 في ملفات الحكومة البريطانية، المكتبة العالمية بغداد ط1 1990 ص20

41- بطاطو: المصدر السابق ك3 ص111 و 112

في المثقف اليوم