آراء

آراء

[صفقة أوكس "أسوأ صفقة في التاريح"

بول كيتنغ رئيس الوزراء العمالي الأسترالي ألأسبق]

مؤخرا بدأت تظهر الى العلن تصريحات للمسؤولين استراليين عن التغييرات في الوضع الجيوستراتيجي في العالم وخصوصا في منطقة الباسيفيك، وما كان يهمس به أصبح لازمة وكأن أستراليا ذاهبة الى الحرب اليوم قبل الغد او غدا قبل الذي يليه.

يلعب الإعلام دوراً محورياً في عملية التعبئة وفي تأجيج نيران العلاقات المضطربة بين الصين وأستراليا وقرع طبول الحرب ضد الصين.

فمنذ اسبوعين نشرت صحيفتي ذي سدني مورننغ هيرالد والايج وفي وقت واحد عنوان ملفت (ذي ريد آلرت) الانذار الأحمر في سلسلة من ثلاث حلقات وتوقعت الصحفيتين عن إمكان دخول أستراليا الحرب في العام 2025 في حال قامت الصين بغزو تايوان.

اقامت الصحيفتين ندوة عن الوضع في المنطقة وكان محور الندوة هل أستراليا جاهزة في حال وقعت الحرب وماالتهديدات التي تواجه أستراليا ، وما هي الثغرات في استعداداتنا، وما يجب أن نفكر في القيام به ردًا على ذلك؟

تحدث في الندوة التي نظمتها الصحيفتين 5 من الخبراء العسكريين في كافة المجالات وكلهم من الذين يملكون وجهات نظر معادية للصين كما قال بول كيتنغ رئيس الوزراء العمالي ألأسبق والخبراء هم ليزلي سيبيك، ميك ريان، آلن تنكل، ليفانا لي وبيتر جيننغز، وكان لكل منهم وجهة نظر في مجال إختصاصه.

التقت وجهات نظر المجموعة على انه على أستراليا الاستعداد لما قد تحمله الايام والسنوات القادمة من تحديات وفي بيانهم المشترك قالوا: "لم تكن العقود الأخيرة من الهدوء هي القاعدة السائدة في الشؤون الإنسانية ، بل كانت انحرافًا". "عطلة أستراليا من التاريخ قد ولت".

إذنن لماذ تعزيز القدرات العسكرية ألأسترالية؟

أستراليا تنفق حاليآ 2% من الدخل القومي على النفقات العسكرية ما يوازي 40 مليار دورة ومن أجل سد الفجوة هناك دعوات لمضاعفة الإنفاق العسكري الى 4% اي 80 مليار دولار مع ان الحكومة تقول أن الإنفاق لن يتجاوز 2.5%.

ما كان يدور خلف الابواب المغلقة أصبح على كل شفة ولسان سواء كان من مؤيدي او معارضي الحرب والتي قد تقع مع الصين في حال قررت الصين غزو تايون لإعادتها الى الوطن الأم، مع العلم أن سياسية الحكومات الأسترالية المتعاقبة (عمال واحرار) هي الإعتراف بالصين كدولة واحدة وهو ما يطلق عليه البعض (الغموض الأستراتيجي)، والجدير ذكره أن زعيم المعارضة الفيدرالية بيتر داتون (أحرار) كان قد قال عندما كان وزيراً للدفاع في حكومة موريسن أن استراليا ستدخل الحرب الى جانب الولايات المتحدة في حال نشوب الحرب مع الصين.

حكومة العمال والتي جاءت الى الحكم في أيار الماضي تحاول جاهدة ترميم العلاقات مع الصين، والتي كانت تدهورت في عهد حكومتي مالكوم تيرنبول وسكوت موريسن بسبب مطالبة أستراليا التحقيق في مصدر كوفيد 19، بالاضافة الى منع شركة هواوي من بناء الجيل الخامس من شبكة الاتصالات وغيرها من القضايا والتي ادت الى رد فعل عنيف من الصين التي فرضت عقويات اقتصادية على أستراليا بقيمة 20 مليار دولار بعد ان أوقفت استيراد الأخشاب والشعير والفحم والمأكولات البحرية وغيرها من المواد الأولية والزراعية.

نفسها الحكومة والتي ورثت من حكومة موريسن إتفاقية أوكس لا تزال ماضية في تعزيز تحالفها مع الولايات المتحدة وبريطانيا وكان آخرها الإعلان عن صفقة الغواصات التي ستشتريها أستراليا وبكلفة 368 مليار دولار خلال الثلاثين عاماً القادمة.

بالإضافة الى اوكس تعمل حكومة العمال على تعزيز تحالف الكواد مع الولايات المتحدة واليابان والهند التي زارها رئيس الوزراء أنطوني البانيزي ألأسبوع الماضي لتوقيع إتفاقيات تجارية، وقد أعلن البانيزي من الهند أن أستراليا ستستضيف عمليات عسكرية مع الهند واليابان والولايات المتحدة في مناورات (مالابار) قبالة سواحل مدينة بيرث ألأسترالية في أغسطس آب القادم.

كيف كانت ردود الفعل على صفقة الغواصات النووية والكلفة الباهضة؟ وكيف سيتم تأمين هذا المبلغ الضخم؟ وأين ستتخلص أستراليا من النفايات النووية؟ وهل توجد طواقم أسترالية لتشغيل تلك الغواصات وهل توجد بنى تحتيه لإستقبالها؟ وهل يعني شراء تلك الغواصات تخلي أستراليا عن إتفاقية منع إنتشار الأسلحة النووية؟ وغيرها من الأسئلة وما ذا عن الشفافية الحكومية بشكل عام ؟

أولاً نشير إلى أن الصفقة تحظى بدعم الحزبين الكبيرين العمال الحاكم والمعارضة المؤلفة من تحالف حزبي (الاحرار- الوطني).

رئيس الوزراء انطوني البانيزي قال أن الصفقة سوف تؤمن قرابة 20 ألف وظيفة، وقال أن استراليا سوف تشغل تلك الغواصات وبطواقم أسترالية، واضاف أن أستراليا لن تتنازل عن سيادتها بهذا الخصوص، وهذا ما أكده وزير الدفاع ريتشرد مارلز مدافعاً عن الصفقة، وقال إنها لا تعني أننا ذاهبون الى الحرب ولكنها لتعزيز الردع والسلام. ورفض وزير الدفاع الإفصاح عن كلفة صفقة الغواصات وتهرب من الإجابة عدة مرات في برنامج انسيدرز على اي بي سي 19/3/2023 لانه لا يملك الإجابة الشافية والتي قد تتجاوز مبلغ 368 مليار دولار.

بيتر داتون زعيم المعارضة الفيدرالية قال إن تامين هذه الصفقة مهم لحاجات أستراليا الدفاعية، ولكنه تحفظ على قيمة وكلفة الصفقة وأضاف انها ستكون على حساب النفقات العسكربة الاخرى، وقال إنه سيعطي رأية بهذه الكلفة بعد إجتماع مجلس الحزب وكان هذا الموقف أول خروج عن تأييد الحزبين غير المشروط للصفقة كما تقدم.

حزب الخضر حذر من ان تامين هذا المبلغ الكبير سيكون على حساب إقتطاع نفقات الصحة والتعليم وهدد بأنه لن يدعم عمليات الإقتطاع في البرلمان.

الأستاذ بالجامعة الوطنية الأسترالية هيو وايت رأى أن إنشاء أسطول أكبر من الغواصات التقليدية أفضل من الغواصات النووية الثمانية.

الرد الأعنف على الصفقة كان من جانب رئيس الوزراء العمالي الأسبق بول كيتنغ الذي إستضافه نادي الصحافة الوطني الأسبوع الماضي، فشن هجوماً غير مسبوق وعرى حزب العمال وسياسته اتجاه الصين والتحالف مع أميركا وبريطانيا، وسمى بالأسماء كل من وزير الدفاع ووزيرة الخارجية واتهمها بانعدام الرؤية ولم يوفر رئيس الوزراء على عقد تلك الصفقة، واعتبر هذه السياسة الأسوأ منذ الحرب العالمية الأولى والتي تم فيها تجنيد الشباب اجباريا للذهاب إلى الحرب، وقال اننا سوف ندفع وحدنا تكاليف الصفقة والتي تقدر ب368 مليار دولار لدعم الصناعات العسكرية الاميركية والبريطانية ووصف اوكس بأنها أسوأ صفقة بالتاريخ.

واعتبر كيتنغ بأنه من غير المنطقي إعتبار ان الصين تستطيع احتلال أستراليا هذا اذا كانت هذه النية موجودة.

وقال بأنه لا ينبغي أن تنجر أستراليا إلى صراع حول مستقبل تايوان.

وهاجم الصحافة الفارغة والمضللة ولم يوفر حتى أجهزة المخابرات.

تصريحات كيتنغ فتحت النقاش على مصرعيه حول الصفقة، رئيس الوزراء دافع عن سياسة حكومته واتهم كيتنغ بأنه لا يزال يعيش في تسعينات القرن الماضي وكذلك فعلت وزيرة الخارجية بيني وونغ.

ودعم تصريحات كيتنغ بيتر غارث الذي كان وزيراً للبيئة في حكومة كيفن راد العمالية ووضف أوكس بالصفقة (النتنة) وكان موقف مؤيد لتلك المواقف من بعض نقابات العمال المهمة والتي ترفض أن يشارك أعضاءها في العمل في موانئ تستقبل غواصات تعمل بالطاقة النووية.

النائبة المستقلة عن مقعد فولر في سدني أيدت تصريحات كيتنغ بقوة معتبرة أنه ليس من الحكمة إنفاق مبلغ 368 مليار دولار غلى أصول لن تؤثر عللى الأستراليين العاديين.

سكان منطقة بورت كمبلا والتي يعتقد أنها ستكون المرفأ الذي سيكون مركز الغواصات اعربوا عن سخطهم وغضبهم من تلك الخطوة والتي تشكل خطراً صحياً وانهم لا يرغبون بأن تكون القاعدة هناك.

الملفت في ألأمر أنه لم يصدر موقف معارض للصفقة أو مؤيد لتصريحات كيتنغ من أي من الوزراء والنواب العمال الحاليين رغم وجود حزبيين مؤيدين وبقوة لتصريحات كيتنغ.

مالكوم تيرنبول رئيس الوزراء السابق (أحرار) أصرعلى أنه كان من الأفضل الحصول على غواصات تعمل بالطاقة النووية من فرنسا لأنها ستكون أرخص ، وتكون في بالخدمة في وقت مبكر من الغواصات الاميركية والبريطانية ولا تستخدم إلا اليورانيوم المنخفض التخصيب.

وتساءل تيرنبول عما إذا كانت المملكة المتحدة على مستوى أن تكون شريكًا طويل الأجل في المشروع نظرًا لأن اقتصادها "المريض" غارق في "مشاكل وجودية أساسية.

نشير هنا الى أن حكومة تيرنبول كانت قد وقعت عقد شراء الغواصات من فرنسا والتي الغاها خلفه سكوت موريسن (أحرار) بضغط من الولايات المتحدة لصالح أوكس والتي أدت أي عملية الإلغاء الى توتر العلاقات الفرنسية الأسترالية واتهام الرئيس الفرنسي ماكرون لموريسن بأن كاذب.

الرد الخارجي الأعنف جاء من الصين التي اعتبرت ألإتفاقية طريق خطر وخاطئ وازدراء كامل لمخاوف المجتمع الدولي واعتبرت الصين أن هذه ألاعيب لا تؤدي إلى نتيجة.

واتهم أليكس لو المحرر في صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست الصحف الأسترالية "بصب المزيد من الوقود على النار" في وقت مضطرب للعلاقات بين أستراليا والصين وأضاف لو: "إن شريحة كبيرة من مؤسستها السياسية تهلل الآن بسعادة للحرب مع الصين" مع ان النهاية "لن تكون خيراً لأي شخص".

من جهتها روسيا أدانت الاتفاق وركز وزير الجارجية الروسي سيرغي لافروف على الطبيعة «الأنغلوساكسونية» للبلدان الثلاثة.

ويبقى السؤال الذي لا بد من طرحه أين هي الشفافية الحكومية ولماذا لم تعرض الحكومة خطتها على البرلمان بمجلسيه ( النواب والشيوخ) في جلسة مغلقة وسرية وإطلاعهما على نوياها قبل ان تلزم البلاد بهكذا صفقة بتكلفة 368 مليار دولار! والتي حتى المعارضة الفيدرالية المؤيدة بقوة للصفقة تتروى لإعلان موقفها من تكلفة الصفقة كما قال زعيمها بيتر داتون؟

أخيراً، هل تكون صفقة الغواصات المسمار الأخير الذي دق في نعش العلافات الأسترالية الصينية وتنهي علاقة المساكنة بين البلدين؟!

***

عباس علي مراد - سدني

 

 

بعد عشرين عاما من غزو الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها ومتخادميها للعراق صدرت كتب ودراسات وابحاث ومذكرات ومصنفات فنية عن جريمة الغزو والاحتلال. كشفت وسردت روايات جريمته واجتهدت بمتابعته وتصوير ادواته وتداعياته واثاره وما حدث وما جرى.. فلم يكن الغزو فعلا عاديا، بل كان انتهاكا صارخا للقانون الدولي وميثاق الامم المتحدة والأعراف الدولية وحقوق الانسان والشعوب. ولن تتقادم هذه الجرائم بل تحتاج الى ان يرفع الضحايا اصابعهم عاليا ويعلنون صوتهم بشجاعة مطالبين بالمحاكمة والقصاص للجرائم ومرتكبيها وانفاذ القانون والعدالة.

فضحت كل ادعاءات الغزاة وحججهم واكاذيبهم وخداعهم، وتعرت في الواقع اسباب غزوهم ولم يستطيعوا ستر الجرائم والفضائح والأكاذيب مع كل ما خططوا وملكوا من وسائل اعلام وتضليل ورعب وصدمات..

صحيح انجزوا القضاء على الطغاة الذين مهدوا لهم طرق الغزو والاحتلال من هدر طاقات الشعب وتبذير امكاناته وتجريد منعته وهدم معنوياته في التصدي والمقاومة الوطنية الشاملة، رغم انطلاق شرارات لها في زوايا الوطن، بعد ان دنست قوات الاحتلال ارض الوطن، وهدمت اركانه، فقدم الشعب المحاصر والمضطهد كالعادة قرابين وجوده على ارضه وتزايدت اعداد ضحاياه وكوارثه وظل العراق جريحا لم يشف من آلامه، وخطايا الطغاة والغزاة والبغاة الذين امعنوا في مأساة الشعب والوطن.

في كلمات تقديم لكتابي: لا للحرب .. خطط الغزو من اجل النفط والامبراطورية، الصادر عن دار نينوى،دمشق، 2004، كتبت: كانت أجواء الفترة الزمنية مشحونة بسجالات، وحوارات ساخنة بين تيارات واحزاب وقوى سياسية وارتباطات لا عدد لها وضغوط وحسابات لا تحصى، وضمن تلك المناخات الملتهبة وتبادل الاحكام السريعة والظالمة والاتهامات الجاهزة تتاتى قوة الموقف وقيمة الرأي وسداد الحكمة وشجاعة الكلمة، لا سيما وقد أعطت الحياة ودروس الأحداث صدقية وراهنية وقيمة فعلية وعبرة للجميع (ص8). وبعد الإشارة الى جريمة الغزو اكدت: وفي مثل هذه الحالات من الضروري إشعال شمعة بدلا من لعن الظلام فقط، وشد عزم وروح المقاومة والكفاح والمواجهة والمناوئة وكل اشكال وتعابير المواجهة في الساحات الكفاحية والبلدان المحتلة أو المحتملة لهجمات الإستراتيجية الإمبراطورية الصهيو امريكية وحلفائها، مستمدة روحها من ارادة الشعوب الحية وتأريخها المجيد..".

وكتبت في كتابي: العراق.. صراع الارادات، الصادر عن دار التكوين، دمشق ، عام 2009، "إعادة قراءة الأحداث وتسليط الاضواء عليها او على مجرياتها او ما يتعلق بها مباشرة او بشؤون العدو المحتل مهمة كبيرة وضرورية لحركة التحرر وبرامجها وبلا شك تفيد في الاعتبار من تداعياتها الخطيرة والانتباه منها، وتدفع الى العمل على تحقيق مشروع تحرري وطني تقدمي، وكذلك الصحوة من الكبوات ومن تفريط الجهود والطاقات والانحراف عن الاهداف السامية بالانجرار وراء مخططات الاحتلال واساليبه ولابد من معرفة انجح السبل الى النهوض والصمود وما يفترض ان يسهم في انجاز المهام والأهداف والامل في التغيير الفعلي بعد كل ما جرى وحصل في الوطن والعالم".

بعد عشرين عاما ماذا انجز للضحايا ؟

لابد من السؤال والإجابة المباشرة ، بإعداد كل الادلة والوثائق والاعترافات واعتماد ما صدر عن فرسان الغزو من شهادات مع اظهار الضحايا البشرية، الاعداد والأرقام، ومناشدة كل المنظمات الانسانية التي واكبت الجريمة وعملت على فضحها، واللجان التي شكلت في عواصم العدوان، مثل لجنة تشيلكوت البريطانية، او دراسات مكاتب البنتاغون، والدعوة للمحاكمة واقرار العدالة.. وتطمين حقوق الشعب والوطن.

عشرون عاما مرت على جريمة الغزو والاحتلال، وفي زلة لسان مجرم من مجرميها انها كانت جريمة بشعة، وفي اعتراف مجرم اخر بان الجريمة سببت انقساما في مجتمعه وندم عليها، ولكن مازال المذنبون دون حساب وعقاب. ان مصداقية اية محكمة ومنظمة حقوقية وتجمعا بشريا اليوم تقف على محك اقرار الجريمة ومحاكمة المجرمين، التي لا يختلف عليها حتى من مرتكبيها..

وهنا الوردة…. فلنرقص معا…..!!

***

كاظم الموسوي

 

 

هناك أسباب قوية جعلت مصر لم تضرب مصر سد النهضة رغم قدرتها، وقد قال من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي:" لا يستطيع أحد أن يأخذ نقطة ميه من مصر وإلا عاوز يجرب يجرب"، وهذه الجملة قد لقيت ترحيباً شديد من قبل كثير من المصريين، وكان هذا موقفاً واضحاً من موضوع سد النهضة، وبمناسبة أخري طلب الرئيس "السيسي" من المصريين أن يتوقفوا من فائض الكلام غير المفيد في موضوع سد النهضة .

وفي الأيام الماضية رأينا وزير الخارجية المصري الأستاذ سامح شكري، قال أن الممارسات الأحادية الأثيوبية فيما يتعلق ببناء سد النهضة، تمثل تهديد مباشر لأمن مصر القومي، وانتهاك للقانون الدولي، والسؤال الآن لماذا لم تضرب مصر سد النهضة حتى الآن؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من معرفة بعض الحقائق المهمة عن موضوع سد النهضة تخزينياًً، ودبلوماسياًً، وعسكرياًً، ففيما يخص التخزين، فكلنا يعلم أن التخزين الأول، كان في يوليو عام 2020، وقد حجز الأثيوبيون حوالي خمسة مليار متر مكعب، والتخوين الثاني كان في يوليو عام 2021، وتم حجز ثلاثة مليار متر مكعب، فيكون حاصل الجمع ثمانية مليار متر مكعب، ثم التخزين الثالث وكان في العام الماضي 2022، فتم تخزين ثلاثة عشر مليار متر مكعب فيكون حاصل الجمع 22 مليار متر مكعب، وأما التخزين الرابع وكان من المفترض أن هذا العام في يوليو المقبل، والذي كان يجب أن يصل بموجبه التخزين حوالي 30 مليار متر مكعب، وهكذا كل عام، حتى يتم الوصول لحوالي 74 مليار متر مكعب حاصل التخزين النهائي، وهو السعة الكاملة لخزان السد.

وأما دبلوماسياً، فقد حدثت جولة مفاوضات أخيرة بشأن الحد خلال الأسبوع قبل الماضي، وقد شارك عدد من الخبراء من الدول الثلاثة: مصر، والسودان، وإثيوبيا، والنتيجة النهائية لا جديد كما يقول الدكتور معتز عبد الفتاح، ولكن مصر من ناحية أخرى تريد أن تأخذ الموضوع إلى مجلس الأمن مجدداً، وذلك لإخباره أنه من أن دعوتمونا كي نتفاوض مع بعضنا البعض، فحتى الآن لم نستطيع التفاوض، ولهذا تحاول القاهرة التحرك دبلوماسياً بسرعة، وذلك لأن إثيوبيا تسعي لاستمالة السودان تجاهها إثيوبيا في الفترة الأخيرة عرضت معلومات مفصلة على الخرطوم بشأن علية الملئ الرابع والذي ستتم في يوليو المقبل، وذلك كي تستعد السودان لعملية الملئ الجديد بالشكل الذي يجنبها أي مخاطر، أو تداعيات سلبية، ولكن الخرطوم من جانبها رحبت بالخطوة الإثيوبية، ولكنها لم تقل ولم تتحدث بما كانت تقوله من ذي قبل، بأن لا بد من أن يكون هناك تمسك بربط كل الأحداث المتعلقة بالملئ حسب إتفاق قانوني ملزم ما بين الدول الثلاث، وهذا هو المطلب والذي كانت مصر والسودان متمسكين يه .

وأما عسكرياً فهناك سؤال مهم وضروري أن نقوله هنا وهو: هل السلاح اللازم لضرب السد موجود؟..

والإجابة .. نعم، فالسلاح موجود، والخطة موضوعة، ومناطق ضعف السد والذي يمكن ضربها معروفة، ومن جهة أخرى فإن استخدام السلام محظور، وتكرار الحديث عن ضرب السد يمثل إحراج للدولة المصرية، وهي لا تريد ذلك، وذلك لأنها لم تزل في مرحلة ضبط النفس، وسياسة النفس الطويل، والدبلوماسية الهادئة مع الأصدقاء والأشقاء بما فيهم الإثيوبيون .

ولكن هل من بديل عسكري آخر أمام الدولة المصرية؟، وبمعني آخر هل لو قلنا بأنه لا توجد دبلوماسية هادئة، ولا ضبط النفس وخلافه بحيث يخول لنا اللجوء إليه؟، وماذا لو أقدمت حكومة إثيوبيا بشكل مباشر على تعطيش الشعب المصري والدولة المصرية؟

اعتقد مع الدكتور معتز عبد الفتاح أن ملف سد النهضة سيتحول ملف سد النهضة من وزير الخارجية سامح شكري، إلى وزير الدفاع المصري الفريق محمد زكي وزير الدفاع، مع المحاذير التالية، وأعتقد أنها تمنع مصر حتى الآن من توجيه ضربة عسكرية خاطفة:

أولاً: هل السودان يوافق على إنطلاق طائرات الرفال، والسوخوي، والـ f16 من قاعدة المروة العسكرية، بوصفها أقرب قاعدة من إثيوبيا لضرب السد.

ثانيا: وعلى فرض أن السودان ترفض ذلك، ولكن مصر تستطيع توجيه ضربة عسكرية للسد بدون مساعدة السودان، وذلك لأن هناك كثير من الطائرات المصرية، والتي تم استيرادها حديثاً، تستطيع أن تطير حالي 3،700 كم متر، والمسافة من قاعدة " برنيس" والقريبة جداً من الحدود المصرية السودانية، والمسافة بينها وبين سد النهضة تساوي نصف مدي قدرة الطائرة، بحيث إذا أُتخذ القرار السياسي لهذا الاتجاه .

ثالثا: ولكن لا يمكن أن تتجاهل الدولة المصرية تجاهل السودان بوصفه سريك مصري أصيل في المنافع والخسائر، وذلك من الناحية العسكرية قبل الدبلوماسية، وقانونياً، ولهذا فإن هناك ما يقلق الدولة المصرية من كلام الفريق أول الركن " عبد الفتاح البرهان"، حينما قال خلال زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي " أبي أحمد" للسودان في الأسابيع الماضية، حيث قال بصريح العبارة " السودان، وإثيوبيا، متفقان، ومتوافقان، حول كافة قصايا سد النهضة، وهذه معناه كما يفهم أن السودان تتعامل الآن مع إثيوبيا، باعتبار أنهما متقاربان على حساب مصر، والحقيقة في نظري أن هذه قضية كبيرة مما يجعل مصر تعيد التفكير في الموضوع كله.

رابعاً: إن الضرر لم يقع تماماً على مصر، رغم أن الملئ يكاد يصل إلى ربع السعة التخزينية للسد وهذا الدي قاله وزير الموارد المائية المصرية الدكتور " هاني سويلم" ن حيث قال:" مصر لم تتأثر بالملئ الثالث لسد النهضة (وهو الذي كان العام الماضي)، والذي وصل بالمياه المخزنة أمام السد إلى 22 مليار متر مكعب بسبب مفاجأة لم تحدث منذ حوالي 115 عاماً من ذي قبل، ولهذا قال بصريح العبارة:" حدوث فيضان كبير أدي بأن تحصل مصر على مياه لم يسبق لها مثيل " ... وهنا يكون السؤال: في حالة إذا ما ضربت السد والعالم كله سألها: ما الذي أغضبك كي تضربين السد؟ .. وهنا يكون قد الرد ردها:" وذلك لكونه يضر بأمني المائي" .. ولكن كيف يضر أمنك المائي وقد وصل إليكِ كمية مياه ضخمة جدا ولم تخطر بيالك منذ 115 بشهادة وزير الموارد المائية الخاص بكي؟ .. ولهذا السبب كان صعب على مصر من توجيه ضربة عسكرية مباشرة لسد النهضة .

خامساً: القضية ليس في عملية توجيه ضربة عسكرية مباشرة لسد النهضة، ولكن ماذا عن تداعيات تلك الضربة؟... فهل مصر مستعدة أن ترتكب تبعيات الضربة العسكرية ؟.. اعتقد صعب على مصر فعل ذلك، وذلك لأن الضرر المتعلق بالتعطيش الحقيقي لم يقع، ومن فالمتربصون بمصر سيقولون الآن تم اصطياد مصر، وهنا توقع على مصر عقوبات شديدة، لا سيما وأن إثيوبيا بمعايير إفريقيا تمثل دولة عظمي، ففيها يقع مقر الاتحاد الإفريقي، ومن ثم لا تستطيع مصر أن تقع في عداء مباشر مع إثيوبيا وحلفائها الأفارقة بدون دفع تكلفة كبيرة، ولهذا على مصر قبل أن تقدم على أي عمل عسكري أن تفكر في جيدا في أنه لا بد من إقامة الحجة الكاملة:سياسيا، ودبلوماسيا، وقانونيا، وأخلاقيا، قبل الإقدام على توجيه ضربة تكتيكية للسد، وذلك لإخراجه من الخدمة، وليس لتدميره كاملاً، وهذا لن يتم إلا بإثبات أن مصر في حالة دفاع شرعي عن النفس، وأن ضرب السد جزئياً لن يسبب كارثة للخرطوم، ولهذا السبب لابد من أن نحسب هذا الأمر بدقة متناهية، ولهذا علينا أن نجعل باب مفتوحاً باستمرار، خاصة وأن إثيوبيا قد تراجهت عن ملئ السد خلال ثلاث سنوات كما كانت تعتزم ذلك، ونحن الآن قد وصلنا حوالي أكثر من سبع أو أكثر في تفاوض، ولم يتم ملئ السد حتى لمجرد 25 مليار متر مكعب، وهي بهذا تقول للعالم (وأعني هنا إثيوبيا) أنا أرعي احتياجات مصر والسودان، ولا أتعسف في استخدام حقي، ولهذه الأسباب فإن التفكير في الضربة العسكرية الجزئية ستكون تكلفتها الأكيدة أضعاف أي مكسب محتمل مهما كان.. وللحديث بقية...

***

الأستاذ الدكتور محمود محمد على

أستاذ الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط المصرية

وافقت روسيا على تمديد صفقة الحبوب لمدة 60 يومًا بدلاً من 120 يومًا كما كان من قبل، وعلى الرغم من أن الغرب لم يفِي ببعض وعوده بموجب هذا الاتفاق، فإن تمديده يمنح روسيا عددًا من المزايا المباشرة وغير المباشرة، والسؤال ما هي الفوائد المحددة التي نتحدث عنها وكيف يمكن لموسكو استخدام الاتفاقية لصالحها؟

كما هو معلوم أن صفقة الحبوب، التي انتهت في 18 مارس، قد تم تمديدها لمدة 60 يومًا أخرى، أعلن ذلك نائب وزير خارجية الاتحاد الروسي الكسندر غروشكو، الذي أوضح أنه خلال المفاوضات، تم التأكيد من جديد على طبيعة رزمتها، ووفقا له، ستسعى موسكو بإصرار للوفاء بالتزاماتها تجاه روسيا بموجب هذا الاتفاق، والمسار الثاني مهم بشكل خاص لموسكو - وهو إلغاء جميع القيود، المباشرة وغير المباشرة، لتوريد المنتجات الزراعية الروسية إلى الأسواق العالمية.

وبدوره، قال السكرتير الصحفي لرئيس الدولة الروسية، دميتري بيسكوف، إن روسيا تقدر الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لتنفيذ اتفاقية الحبوب، ولكن ليس من الممكن "اختراق الجدار الفارغ" لجماعة الغرب، وشدد بيسكوف على أن الشروط المتفق عليها "كجزء لا يتجزأ من الصفقة" لم يلبها الغرب، وإن الاتصالات بشأن هذا الأمر مستمرة، وشدد بيسكوف على ان "هذا [تمديد الصفقة] هو نوع من بادرة حسن النية من جانب الاتحاد الروسي، على أمل أنه بعد هذا الوقت الطويل، سيتم الوفاء بالشروط والالتزامات التي تعهدت بها الأطراف المعروفة .

لقد تم تمديد الاتفاق مرتين بالفعل، لكن في غضون 240 يومًا لم تتمكن أنقرة ولا الأمم المتحدة من إجبار الاتحاد الأوروبي، على رفع القيود المفروضة على الصادرات الروسية من الحبوب والأسمدة، و رسميا، الحبوب لا تخضع للعقوبات، ويمكن تصديرها، لكن البنوك لا تصدر قروضا وشركات التأمين لا تقدم ضمانات، كما أن حوالي 300 ألف طن من الأسمدة الروسية عالقة في موانئ البلطيق، علاوة على ذلك، لا توجد قيود على الصادرات - ولا يخضع منتجو الأسمدة ولا مؤسسوهم للعقوبات، لكن الشركات الأوروبية لا تريد تصديرها، والسفن التي ترفع العلم الروسي ممنوعة من دخول موانئ الاتحاد الأوروبي، وأنه من المستحيل أيضًا دفع تكاليف التصدير بسبب قطع اتصال البنوك الروسية بشركات MasterCard و Visa و SWIFT، وعلى خلفية الوضع الحالي، ليس من المنطقي بالنسبة لروسيا أن تمدد الصفقة لمدة 120 يومًا، وترى موسكو إنه إذا لم يحل الغرب كل هذه المشاكل في 60 يومًا، فقد تكون الصفقة في خطر.

في الوقت نفسه، قال وزير البنية التحتية الأوكراني أولكسندر كوبراكوف، إن الاتفاقية الخاصة بمبادرة حبوب البحر الأسود، الموقعة في 22 يوليو، وقعت روسيا وتركيا والأمم المتحدة وأوكرانيا، ( مما يعني فتح ممر بحري لتصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية. الجزء الثاني من الاتفاقية، المعروف أيضًا باسم "مبادرة البحر الأسود"، يتضمن إزالة العقبات أمام تصدير المنتجات الزراعية والأسمدة الروسية )، تنص على تمديد صفقة الحبوب لمدة 120 يومًا على الأقل، وليس لمدة 60 يومًا، ووفقًا له، فإن الاقتراح الروسي تمديد الاتفاقية لمدة 60 يومًا فقط لا يتوافق مع الوثيقة التي وقعتها تركيا والأمم المتحدة، وفي الوقت نفسه، أشارت الأمم المتحدة إلى أن الصفقة تضمن توريد 24 مليون طن من الحبوب، بالإضافة إلى "1.6 ألف مرور آمن للسفن عبر البحر الأسود"، في الوقت نفسه، كما أكدت الأمم المتحدة، يتم إرسال 55٪ من المواد الغذائية إلى البلدان النامية، و أن الحفاظ على الاتفاقية مهم للأمن الغذائي العالمي، ويشار إلى أن أسعار الحبوب والأسمدة والوصول إليها لم تعد إلى مستوياتها السابقة.

وكما هو معروف، انتقد الجانب الروسي مرارًا وتكرارًا جودة تنفيذ الصفقة، وأشارت روسيا إلى أن الحبوب المصدرة من أوكرانيا لا تصل أبدًا إلى أفقر الدول، ومع ذلك، في نوفمبر تم تمديد الصفقة لمدة 120 يومًا أخرى، وأعلنت وزارة الخارجية الروسية في أوائل مارس، أن الاتفاقات الموقعة في اسطنبول بشأن نقل الحبوب إلى البلدان المحتاجة، والتي أطلق عليها اسم "صفقة الحبوب"، لم تعد تعمل، وأوضحت الوزارة أن المشكلة الرئيسية كانت تخريب الغرب وعدم تنفيذ مذكرة التفاهم المبرمة بين روسيا والأمم المتحدة، ويشار إلى أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية لا تولي اهتماما لمشاكل الدول المحتاجة وجهود الأمم المتحدة، بل تحاول أن تجعل الأخيرة "أداة مطيعة" لمصالحها السياسية.

كما صرحت وزارة الخارجية الروسية، أن معظم الحبوب من أوكرانيا تذهب بأسعار إغراق الأعلاف إلى الاتحاد الأوروبي، وليس إلى أفقر الدول، وأضافت الوزارة أن مصدري المنتجات الزراعية الروس يواجهون مشاكل من الغرب، الأمر الذي "يدفن" الرزمة الإنسانية للأمم المتحدة، ومع ذلك، تم تجديد الصفقة مرة أخرى في مارس - وهذا القرار له حججه الخاصة، ومن الإنجازات الرئيسية للاتفاقية القضاء على النقص الحاد في الحبوب في السوق، ووقف ارتفاع أسعار هذا المورد، وهذا الفارق الدقيق هو ما يثير، على سبيل المثال، شركاء روسيا الأفارقة، فقد صرح بذلك أندري ماسلوف، مدير مركز الدراسات الإفريقية في كلية الاقتصاد العالي بجامعة الأبحاث الوطنية، "نحن لا نتحدث عن المكان الذي ستنتهي فيه الذرة الأوكرانية مباشرة، على مائدة جزائري أو نيجيري"، وقال إن الأفارقة مهتمون بماهية أسعار الصرف للمواد الخام، وكيف ستؤثر على الميزانيات والأمن الغذائي لبلدانهم، وهذه النقطة، وفقًا لماسلوف، يجب على روسيا أيضًا أن تأخذ في الاعتبار، حيث تشكل أفريقيا نفسها 50٪ من دعم السياسي لروسيا في الأمم المتحدة عند التصويت، وما إلى ذلك، و إنهم يرون بشكل إيجابي للغاية رغبتها في فهم مخاوفهم واحتياجاتهم، وأوضح ماسلوف: "نحن بحاجة إلى بناء علاقات معهم على المدى الطويل"، هناك إيجابيات من تمديد الصفقة لموسكو كذلك.

وخلال العام الماضي، زادت روسيا من صادراتها الغذائية من الناحية النقدية بنسبة 15٪، ومع ذلك، لا يتعلق الأمر حتى بعشرات المليارات التي تكسبها روسيا – فهي بحاجة إلى استقرار النظام "، وانها بحاجة إلى هذه الصفقة من أجل كسب الوقت وبناء نظامها المستقل والبنية التحتية المالية، والتي سيتم إغلاقها أمام الروبل واليوان والعملات الأخرى للدول الصديقة، وكذلك، من الضروري بناء سوق تأمين ونقل مستقل عن الوسطاء الغربيين، لبناء نظام لحجز وتخزين الحبوب على أراضي الدول المستوردة، ووفقا للخبراء فأن هذا العمل يجب القيام به، وهذا يستغرق وقتًا، ويشيرون الى انه ستعقد قمة روسية - أفريقية في يوليو، حيث من المرجح أن يكون الأمن الغذائي هو القصة الرئيسية، وبالتالي فن روسيا بحاجة إلى إنشاء أنظمة تخزين الحبوب في إفريقيا، وحل المشكلات الإنسانية، ولكن الأهم من ذلك، توسيع الصادرات، وإن كل من إفريقيا وروسيا مهتمتان بتوسيع هذا التعاون .

في الوقت نفسه، ذكّر الخبير الاقتصادي إيفان ليزان، بالمطالب الأولية لأوكرانيا، التي لم يتم تلبيتها، من بينها تمديد الصفقة لمدة عام، وتوسيع منطقة تغطيتها إلى ميناء نيكولاييف، وهذا من شأنه أن يسهل على أوكرانيا إرسال الحبوب من الجزء الأوسط من البلاد، في الوقت نفسه، يمكن للقوات المسلحة الأوكرانية إنزال قواتها في " كينبورن سبيت " ومحاولة استعادتها من روسيا، وفي هذا الصدد، تحتاج روسيا إلى إعادة إنشاء مشاة البحرية التجارية الخاصة بها من أجل وقف تكبد الخسائر، فهي لا تحتاج إلى نقل البضائع تحت أعلام أجنبية ودفع مبالغ زائدة للشحن، ولكن عليها تسليم جميع المنتجات الضرورية تحت أعلامها ومع أطقمها الخاصة، ومن الضروري أيضًا إجراء معاملات بالروبل في البورصة الروسية والتأمين عليها في الشركات الروسية.

ويرى الروس، أن هناك عنصرًا إنسانيًا في تمديد الاتفاق، الذي يستهدف شركاء موسكو في إفريقيا ومناطق أخرى، ولسوء الحظ، وبسبب العقوبات المباشرة وغير المباشرة، لا تستطيع روسيا التعاون بشكل كامل مع الدول الأفريقية، ومع ذلك، يمكن لموسكو التأثير على سوق الحبوب وعلى الأقل مساعدة شركائها الأفارقة بهذه الطريقة، لكن هناك مشكلة أخرى، جوهرها إلزام الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بالامتثال لجميع شروط الصفقة الشاملة، و أنه في الأيام الستين المقبلة لن يتغير الوضع للأفضل، وأن موسكو قررت الآن عدم تفاقم الوضع، لكن لا يمكن أن يستمر على هذا النحو إلى الأبد.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

كتب الصديق د. أحمد جليل البياتي دراسة بعنوان "الدولة والبداوة / دراسة في طروحات د. علي الوردي" الطبعة الأولى لدار المرهج ودار ألواح بغداد 2023

يسعى الكتاب لتوضيح ما يمر بالعراق اليوم، وكيف يمكن التعامل مع الظروف الحالية بما يخدم مستقبل العراق لا حاضره، معتمداً على مؤلفات عالم الإجتماع العراقي المعروف د. علي الوردي ص9

سيتساءل القارىء المُطلع على الأرجح:

هل تصلح أفكار الوردي للوقت الحالي؟!

لم تغب هذه الإشكالية عن البياتي، فقد عمل على تطوير وتحديث النظريتين: الخلدونية والوردية، ليتناسبا مع روح العصر. وإلاّ فستصبح مجرد أحفوريات فاقدة لأي قيمة عملية ص9 و 10

يُذَكّرُني البياتي هنا بالمفكر المغربي الراحل د. محمد عابد الجابري وما قام به في "تبيئة" المفاهيم الخارجية لتكون صالحة داخل البيئة المعرفية العربية. نعم قد يُقال الآن بأن العمليتين مختلفتان! فالمفاهيم الجابرية "مستوردة" من الخارج، أما المفاهيم الخلدونية الوردية فهي في النهاية مفاهيم عربية!

فعلاً فهي مفاهيم عربية، لكنها أصبحت الآن من الماضي، فالمجتمع العربي الآن مختلف عن وقت صياغة هذه المفاهيم بكل تأكيد، وهذا ما دفعنا لهذه المقارنة، أي أن البياتي يعمل الآن على "تبيئة" المفاهيم الخلدونية الوردية لتتناسب مع الواقع العراقي.

سنضرب مثالاً على هذه "الطريقة البياتية":

العصبية والبداوة وجهان لعملة واحدة بحسب تحليل د. البياتي ص22، وجميع سمات البداوة التي إقترحها الوردي تنطبق على الجماعات المتعصبة العراقية التي ظهرت بعد 2003 ص28. وينقل البياتي العصبيتين "الخلدونية والوردية" بعيداً عن الصحراء لتناسب روح العصر ص34 في خطوة منهاجية ناجعة برأينا.

صَنّف البياتي الدول الى ثلاثة أصناف:

أولاً: دول ذات عصبية سلبية واحدة "الدول الدكتاتورية"

ثانياً: دول ذات عصبيات متعددة "الديمقراطية الناشئة"

ثالثاً: دول ذات عصبية إيجابية "الدول الديمقراطية المؤسساتية" ص37

ثم يُناقشها واحدة واحدة، فدكتاتورية صدام حسين، نموذجاً للأولى. والعراق بعد 2003 نموذجاً للثانية. ودول الغرب الديمقراطية نموذجاً للثالثة. ويذهب البياتي ـ نؤيده في ذلك ـ الى أن الدول ذات العصبيات المتعددة أفضل من الدول الدكتاتورية. فأصنام متعددة أفضل من صنم واحد ص42 وهذا ما دفع البياتي للدعوة الى الحفاظ على التجربة العراقية الحالية رغم الأخطاء والنواقص.

يقول في نص سننقله لأهميته:

(هنا قد يقول أحدهم، النظام الحالي في العراق فاسد ويجب أن يزول. بالحقيقة هو نظام فاسد وفاشل وغير مؤهل، ولكنه على الأقل ضامن لإستمرار دولة العصبيات المتعددة التي هي الطريق الوحيد نحو دولة العصبية الإيجابية. لذا يجب أن يتم تأهيله وتحسين الأنظمة والقوانين من داخله لضمان إبعاد الفاسدين ومحاسبتهم ودفع عجلة التحسينات الى الإمام. هذا التأهيل والتحسين يجب أن يكون من خلال النظام نفسه، ما دام يسمح بحرية التعبير والممارسة الديمقراطية. أما إزالته من جذوره والبداية من الصفر فهذه مغامرة لن تُقدّم شيء جديد سوى المزيد من القتل والدماء والإضطرابات وقد ترجع البلاد الى مربع العصبية السلبية الواحدة المقيت) ص86

وهذا ما دفع البياتي لنقد نظرية التيار الصدري "شلع قلع" ص86، وكذلك الى نقد "مظاهرات تشرين" وزج الشباب في المظاهرات (لا يأتي الإصلاح من الشارع والمظاهرات وإنما يأتي بتدعيم المؤسسات وتقويتها ومحاربة الفاسدين وفضحهم بالأدلة لا بالكلام والشعارات) ص107

بطبيعة الحال لا مجال للإسهاب هنا، فالإختصار هدفنا كما هو واضح من العنوان.

وقفة نقدية سريعة:

سنُرَكّزُ في هذه المحطة على بعض الأمور، وأرجو أن يتسع صدر الدكتور البياتي لنا، فهو أعرف منا بهذه المسألة: فلا غِنىً للبحث العلمي عن تعدد الآراء.

1- ينقل البياتي موقفاً مع صديق أثناء فترة الربيع العربي وإنتظار ثورة شعبية ستُطيح بنظام الملالي في إيران ص41

وينقل أيضاً حادثة عائلية له أثناء زيارته للمغرب العربي ص65

أقول:

كان الأولى بالدكتور البياتي وضع الحادثتين في الحواشي بعيداً عن متن البحث، فهي حوادث شخصية لا يتحملها المتن كما هو معمول في الأبحاث الأكاديمية.

2- يرى البياتي أن الفيصل في "الديمقراطية والإسلام" هو ما ذهب إليه المفكر الإيراني محمد مجتهد شبستري، ثم ينقل قوله في فقرة محددة ص51

لكن الإشكال هنا أن قول شبستري معلقٌ في الفراغ! فلا وجود لأي مصدر لشبستري أو غيره! لا في الحاشية ولا في المتن.

وينقل أيضاً قولاً ـ وينقده البياتي بشدة ـ لأحد الكُتّاب، وقد أحالنا قبل أن ينقله الى "جريدة الصباح العراقية في عام 2007". أين العدد؟ التأريخ؟ إسم الكاتب؟ لا وجود لها.

3- في سياق حديثه عن المجتمعات الدينية والمنغلقة ثقافياً، يذكر البياتي الموقف المعارض للمرجع الشيعي كاظم اليزدي من تأسيس أول مدرسة للبنات في مدينة النجف عام 1929 ص50

لا أعرف، هل الخطأ يعود الى الطباعة أم الى الكاتب نفسه؟ فقد توفي السيد محمد كاظم اليزدي عن عُمر تجاوز الثمانين في 30 نيسان عام 1919، يُنظَر:

حميد أحمد حمدان التميمي و عكاب يوسف الركابي: السيد علوان الياسري / الزعامة العشائرية والعمل الوطني ـ دراسة في سيرته ومواقفه الوطنية في تاريخ العراق المعاصر 1875 - 1951، العارف للمطبوعات بيروت ط1 2013 ص78 حاشية رقم 2 و ص79

وفي الختام، نُحيي الدكتور البياتي على هذا العمل المهم.

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

أمور كثيرة كالأمن والاستقرار تشغل بال المواطن العراقي في الداخل، ونستطيع القول من خلال متابعتنا للأوضاع منذ السقوط وإلى يومنا هذا، إن من أهم الأمور التي يحرص العراقيون على تحقيقها هي: حماية المواطن وعدم السماح باستباحة دمه على يد مجهولين أو منتسبين لميليشيات متعددة المنشأ والهوية والتبعية؟… معرفة السقف الزمني لمعالجة الفوضى السياسية والاقتصادية السائدة على طول البلاد وعرضها، أيضا، الكشف عن أسبابها؟. أين يذهب النفط العراقي وعائداته منذ أول أيام الغزو ولحد اليوم؟ ومن المسؤول عن اختفائه من الأسواق العراقية؟. كم هي أموال العراق الموجودة في البنوك الدولية… ولماذا لا توضع تحت تصرف الجهات العراقية؟. لسد العجز المعاشي للمواطنين والعمل على صيانة البنية التحتية التي تضررت جراء الحروب وأعمال النهب والسلب والفساد؟

ولا يخفي العراقيون امتعاضهم من التمييز المفرط في مفردات الحياة اليومية على المستوى الفردي والجماعي، المادي والمعنوي، الذي تمارسه فئة مستهترة حاكمة، أتت من خارج الحدود، لا رصيد شعبي وسياسي لها. تتحكم بمقدرات البلد ومستقبله بتوجيه وضغط خارجي، “إيراني ـ أمريكي” جعل الساحة العراقية مفتوحة… يشعرون بمرارة، تشديد بعض القوميات أو الطوائف في مسار الخطاب السياسي الحديث عن الهوية والإنتماء، على أساس البعدين (الإنتماء القومي) أو (الديني ـ الاسلاموي)، فيما يستثنى العربي من التأكيد على عروبته. بمعنى آخر عندما يدافع العراقي العربي عن القيم المتعلقة بثقافة التنوع وحقوق القوميات في أي مكان، يقال عنه أممي، لكنه في نظر الآخر إذا ما طالب ثمة إحترام لهويته وإنتمائه العربي، يصبح “قومجي” منبوذ.. يتساءل العراقيون أيضا: لماذا تتدفق الأموال للمناطق الكردية التي لم تنلها الحروب والحصار، لكنها لوحدها، تحصد واردات الزراعة والصناعة وموارد الحدود والنفط في كردستان العراق دون دفع مستحقات الدولة من ضرائب وفوائد الإنتاج. فيما تفتقر مناطق الوسط والجنوب لأبسط مقومات الحياة اليومية من ماء وكهرباء وتعليم وغذاء ودواء بالإضافة إلى ما تعانيه تلك المناطق من خراب ودمار للبنى التحتية سببه الحروب والنزاعات العشائرية، ناهيك عن ما يعانيه شبابها منذ عقدين من بطالة وخطف ومداهمات يومية وخوف من التعرض للقتل.. انها نتائج عقدة الخطاب السياسي الشعبوي الذي لا يقبل دون شك الصراحة وكشف المستور والإعتراف بإنتماء الآخر.

معاناة النازحين

ومن الامور التي طال الوقوف عندها بألم: معاناة النازحين والمهجرين العراقيين عن ديارهم عنوة، دون أن تنتهي مآسيهم وعودة البسمة إلى وجوههم. إذ كانت السلطات العراقية بحلول نهاية آذار مارس 2021، قد أغلقت ودمجت جميع مخيمات النازحين تقريبا، ولم يتبق سوى مخيم واحد في نينوى وواحد في الأنبار. أدى هذا الإجراء من قبل السلطات المركزية إلى تشريد الآلاف من البالغين والأطفال المشردين داخليا أو تشريدهم مرة أخرى. ولم يكن لديهم إمكانية الوصول إلى السكن أو الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم. فيما لا زال أكثر من مليون ونصف شخص في العراق يعتبرون نازحين داخليا. وأثناء التحرك لإغلاق المعسكرات، هددت قوات الأمن العراقية النازحين وأجبرتهم على إخلاء المخيمات في نينوى دون أن تعرض عليهم لحد الساعة أي بديل أو السماح بالعودة إلى مناطق خارج مقاطعاتهم الأصلية. فيما ظل النازحين العائدين إلى مناطقهم الأصلية يواجهون عقبات. كان عليهم أن يتوقعوا طردهم أو مصادرة ممتلكاتهم أو تدمير منازلهم لأنه كان ينظر إليهم على أنهم من مؤيدي داعش المشتبه بهم. والأنكى من ذلك تعمدت قوات الأمن حرمان النازحين داخليا من الحصول على وثائق الأحوال المدنية الضرورية لحرية التنقل والحصول على الخدمات الصحية والتعليمية. فيما دعا قادة وحدات الحشد الشعبي إلى تطبيق نموذج جرف الصخر بحقهم، إعادة “التوطين القسري” للعائدين.

أنه لمن المؤسف أن يعد العراق صاحب أقدم حضارة بشرية ومنشأ أهم “القوانين المدنية”، من أكثر الدول التي يعاني مواطنوه من الإهمال القسري على كل المستويات، الاقتصادية والمعيشية. زيادة البطالة والفقر المدقع بين السكان، انعدام السكن وفقدان الأمن والرعاية الاجتماعية. إلى جانب انقطاع الكهرباء وتفاقم انعدام الأمن الغذائي ونقص مياه الشرب، وبالتالي إلى مزيد من الاحتجاجات بهدف تحقيق العدالة المجتمعية خاصة في المحافظات الجنوبية الأشد فقرا وإهمالا… للأسف دون جدوى!.

***

عصام الياسري

الذكرى الأولى للحرب الروسية الأوكرانية؛ وتداعيات الحرب علي النظام العالمي والاقتصاد وسلة الأمن الغذائي، صراع جيوسياسي- إستراتيجي في قطعة جغرافية تعيد ترسيم خريطة جديدة لمنطقة أوراسيا، (زبغنيو بريجنسكي)، مستشار الأمن القومي السابق في الولايات المتحدة، يتصدى للإجابة عن هذا السؤال في كتابه (لعبة الشطرنج)الذي يستشرق المستقبل، ويتشبع بدروس الماضي. بعد انهيار حائط "برلين وسقوط وتفكك الاتحاد السوفييتي" ومع بلوغ القرن العشرين نهايته، تبرز الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى وحيدة في العالم، حيث لم يسبق لأية دولة أخرى من قبل أن حازت قدرات عسكرية واقتصادية مماثلة، أو كانت لها مصالح تتوزع على العالم كله مثل الولايات المتحدة،. وفي ظل الوضع الراهن بعد عام من الحرب، السؤال الحرج الذي يواجه أمريكا يظل دون إجابة...؟!

ما هي الاستراتيجية العالمية، التي ينبغي لأمريكا اتباعها، من أجل المحافظة على وضعها الاستثنائي في العالم...؟!

هل إشعال فتيل حرب ضد أي قوة تحاول الصعود والمنافسة أو تحافظ علي أمنها القومي...؟

هل سوف يكون مصيرها الدخول في حرب تقضي عليها...؟!

لقد استطاعت أمريكا أن تشيطن النظام الروسي في صورة متعطش ديكتاتوري قاتل، يبحث عن أحلام اجدادة من " بطرس الأعظم وكاترين الثانية " في الإرث القديم من محاولة استعادة الحدائق الخلفية لروسيا القيصرية في أوكرانيا (روسيا الصغرى ودول البلطيق والقوقاز) ومع جيرانها وتصورها على أنها صراع بين أهل "الشر والخير، والديكتاتورية والديمقراطية" واستطاعت اللعب في البداية باستخدام الإله الإعلامية. بشيطانة المطالب المشروعة لروسيا بحماية الأقليات العرقية في جنوب وشرق أوكرانيا واتفاقية "منسك" الخاصة بجزيرة القرم والمنفذ الوحيد لها بحريا للعالم والتجارة والوصول للمياه الدفيئة عن طريق البحر الأسود ... واعتراضها في التوسع شرقا لحلف "الناتو" حق ومطلب شرعي للدول كما تفعل في ظل الأمور المشتعلة في فتح ملف انضمام (السويد وفلندا) للحلف الجارتين لروسيا ولم تعلم أمريكا أن الجغرافيا والتاريخ لهم حسابات أخرى، وان روسيا جزء من الكتلة اليابسة المتجانسة جغرافيا من أوروبا... إن استعراض القوة العسكرية وجميع أنواع الأسلحة القديمة والحديثة في الحرب واستخدام القوة المفرطة في الحرب أدت إلى تهجير حوالي/ 8 ملايين مهاجر أوكراني إلى أوروبا، إن تداعيات الأزمة على اقتصاديات العالم وخاضتا الدول الهشة اقتصاديا في بعض البلدان. إلى العجز والتضخم والركود الاقتصادي وأزمة في سلة الغذاء العالمي وشعوب تعاني من الفقر والجوع بسبب الحرب. كل ذلك من أجل أن تصبح أمريكا. منفردة على العالم لقد غاب في المشهد هروب دول كبرى، ودول صاعدة مثل الصين والهند والبرازيل في البعد عن تدخلهم في وقف الحرب بالطرق الدبلوماسية رغم العلاقات الكبيرة بينهم. ولقد نجحت أمريكا في عزل الصين عن التدخل لصالح روسيا، بفتح ملف "تايوان" في ظل بداية الحرب مع الصين الحليف الاستراتيجي لروسيا، كما نجحت من قبل أمريكا في عزل الصين والتقارب الأمريكي في ظل وجود الاتحاد السوفييتي وكان السيد/ هنري كيسنجر مهندس العملية في عزل المارد الشيوعي الذي كان بالنسبة لأمريكا أكبر خطرا في فترة الحرب الباردة،

إن رقعة الشطرنج الرئيسية التي تدور عليها اللعبة الآن كما يقول المؤلف ومستشار الأمن القومي الأمريكي السابق؛- هي أوراسيا وهي لعبة تنتهي بسيطرة الغالب على الإدارة الاستراتيجية للمصالح الجغرافية السياسية، حيث الاعتقاد الراسخ لدى السياسيين بأن من يسيطر على أوراسيا يسيطر على العالم القديم (أفريقيا، آسيا،، أوروبا). وفي عصرنا الحديث، استطاعت أميركا السيطرة على هذه البقعة الحيوية من العالم بعملية التوسع شرقا، حيث الهدف النهائي للسياسة الأميركية يتمثل في صياغة وتشكيل جماعة دولية متعاونة تكرس هذه الهيمنة. ووجدت ضالتها في القارة العجوزة، من الهيمنة عليها ودفع الأمور إلى المواجهة في سباقي التصعيد "السياسي والعسكري"، في شرق أوروبا والدول المنضوية، تحت حلف الناتو. والضغط على ألمانيا وفرنسا في إرسال الأسلحة الحديثة إلى أوكرانيا من دبابات ألمانية وبولندية حديثة، إلى ساحة القتال، إن الهيمنة الأمريكية على السياسات الأوروبية التي كان اتحادها يسعى دائما إلى الحفاظ على علاقات سلام وتجارة وتعاون مع روسيا، كما جاء في حديث للمستشارة الألمانية السابقة/ ميركل في ندوة في نهاية العام المنقضي في "برلين" عن اعتراضها على دخول ألمانيا بمساعدات لأوكرانيا ضد روسيا. واتهمت النظام الأوكراني بالفساد ؛- ولكنها دخلت مع روسيا في مواجهة تفرض العقوبات التجارية والاقتصادية على روسيا وتحاصر صادراتها من الطاقة المورد الرئيسي للقارة على الرغم مما يعنيه ذلك من غياب أمن الطاقة وارتفاع أسعارها عالميا، على نحو يرهق الشعوب والاقتصاديات، ومن جهة أخرى إلى كتلة سياسية تشارك الولايات المتحدة في توريد السلاح إلى أوكرانيا وفي الضغط من أجل ضم أعضاء جدد إلى حلف الناتو وفي رفع موازنات الجيوش والدفاع وفي إنتاج ذات خطاب التحدي والهيمنة باسم الديمقراطية الجديدة التي تفرضها على شعوب تربطها ببعضها عوامل الجغرافيا والتاريخ والقرابة والدين والعرق... على غرار ما رسمه السيد/ بريجنسكي في كتابة لعبة الشطرنج نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات من القرن المنقضي من خط عرض/ 30/ إلى خط عرض/ 40 منطقة سوف تشهد صراعا جيوسياسيا...؟! هل تصبح الأراضي الأوكرانية شبيها بألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية بعد ضم أربع مقاطعات "جنوب وشرق أوكرانيا" أراض تحت سيطرة روسيا وتحت مظلة الحماية النووية الروسية ويكون أمرا واقعا،. ..؟!

عام كامل على الغزو العسكري الروسي للأراضي الأوكرانية في غياب دور الأمم المتحدة والنظام الدولي في وقف نزيف الدم وعلى تداعياتها الفادحة لجنون ارتفاع الأسعار العالمية للغذاء وأسعار الطاقة والاستمرار الآمن لوارداتها، وعلي معدلات التضخم المرتفعة والنمو الاقتصادي المنخفض التي ترهق كاهل فقراء العالم في بلدان الجنوب والشرق الأوسط وتحاصرهم بأخطار المجاعات والعجز المالي والاستدانة كما يحدث الآن في مصر ولبنان ودول كثيرة حتي وصل حوالي 60% تحت خط الفقر .؛ إن تداعيات الأزمة سوف تطيح بكل اقتصاديات العالم وسوف تسبب عدم استقرار في الأمن والسلام العالمي ، وانتشار الفوضى في دول كثيرة وقد ظهر بإعلان إفلاس/ 3 بنوك أمريكية هذا الأسبوع، صراع التسلح العالمي يعود للواجهة مرة أخرى وأوروبا تدخل في صراع وسباق التسلح في رفع موازناتها العسكرية إلى 3/ إضعافها

علي غرار ما رسمه السيد/ بريجنسكي / في كتابة لعبة الشطرنج نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات من القرن المنقضي ،هل سوف تنجح أمريكا في انهيار روسيا وتفككها اقتصاديا من سباق جديد " سياسي واقتصاديالجنوب والشرق الأوسط وتحاصرهم بأخطار المجاعات والعجز المالي والاستدانة كما يحدث الآن في مصر ولبنان ودول كثيرة. إن تداعيات الأزمة سوف تطيح بكل اقتصاديات العالم وسوف تسبب عدم استقرار في الأمن وانتشار الفوضى في دول كثيرة وقد ظهر بإعلان إفلاس/ 3 بنوك أمريكية هذا الأسبوع، صراع التسلح العالمي يعود للواجهة مرة أخرى وأوروبا تدخل في صراع وسباق التسلح في رفع موازناتها العسكرية إلى 3/ إضعافها

علي غرار ما رسمه السيد/ بريجنسكي في كتابة لعبة الشطرنج نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات من القرن المنقضي هل سوف تنجح أمريكا في انهيار روسيا وتفككها اقتصاديا من سباق جديد سياسي واقتصادي وعسكري لتظل الهيمنة الأمريكية علي العالم...؟!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب مصري ومتخصص في علم الجغرافيا السياسية

 

في الأيام الأخيرة ثار جدل غير مسبوق في المغرب حول الموقف الرسمي من القضية الفلسطينية وذلك بعد بيان لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية والذي ترأس الحكومة المغربية لفترتين متتاليتين وفي عهده حدث التطبيع بين المغرب وإسرائيل عام 2020 قبل أن تتراجع شعبية الحزب كثيراً في الانتخابات الأخيرة 2021، وسبب الجدل ما تضمنه بيان الحزب من نقد لسلوك وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في المؤتمرات الأفريقية الأوروبية، وجاء في البيان: "تستهجن الأمانة العامة المواقف الأخيرة لوزير الخارجية الذي يبدو فيها وكأنه يدافع عن الكيان الصهيوني في بعض اللقاءات الإفريقية والأوروبية، في الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الإجرامي على إخواننا الفلسطينيين..." ومع أن البيان لم ينتقد مبدأ التطبيع إلا أنه استفز المؤسسة الملكية حيث أصدر الديوان الملكي بلاغا شديد اللهجة جاء فيه:

"أولا: إن موقف المغرب من القضية الفلسطينية لا رجعة فيه، وهي تعد من أولويات السياسة الخارجية للملك، رئيس لجنة القدس، الذي وضعها في مرتبة قضية الوحدة الترابية للمملكة. وهو موقف مبدئي ثابت للمغرب، لا يخضع للمزايدات السياسية أو للحملات الانتخابية الضيقة.

ثانيا: إن السياسة الخارجية للمملكة هي من اختصاص الملك، بحكم الدستور، ويدبره بناء على الثوابت الوطنية والمصالح العليا للبلاد، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية.

ثالثا: إن العلاقات الدولية للمملكة لا يمكن أن تكون موضوع ابتزاز من أي كان ولأي اعتبار، لاسيما في هذه الظرفية الدولية المعقدة. ومن هنا، فإن استغلال السياسة الخارجية للمملكة في أجندة حزبية داخلية يشكل سابقة خطيرة ومرفوضة.

رابعا: إن استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل تم في ظروف معروفة وفي سياق يعلمه الجميع، ويؤطره البلاغ الصادر عن الديوان الملكي بتاريخ 10 ديسمبر 2020، والبلاغ الذي نشر في نفس اليوم عقب الاتصال الهاتفي بين الملك والرئيس الفلسطيني، وكذلك الإعلان الثلاثي المؤرخ في 22 ديسمبر 2020، والذي تم توقيعه أمام الملك.

وقد تم حينها، إخبار القوى الحية للأمة والأحزاب السياسية وبعض الشخصيات القيادية وبعض الهيئات الجمعوية التي تهتم بالقضية الفلسطينية بهذا القرار، حيث عبرت عن انخراطها والتزامها به."

ومع اعتقادنا أن حدة هذا الجدل خفت بعد بيان حزب العدالة تعقيباً على بلاغ الديوان الملكي حيث نفت الأمانة العامة "نفياً مطلقاً كل ما يمكن أن يفهم من بلاغها المذكور أنه تدخل في الاختصاصات الدستورية لجلالة الملك وأدواره الاستراتيجية والتي ما فتئ الحزب يعبر عن تقديره العالي لها، وتثمينه ودعمه الدائمين لما يبذله من مجهودات داخلياً وخارجياً للدفاع عن المصالح العليا للوطن وتثبيت وحدته الترابية وسيادته الوطنية ...وجددت "في هذا الصدد اعتزازها الكبير بموقف جلالة الملك، أمير المؤمنين ورئيس لجنة القدس، المبدئي والثابت تجاه القضية الفلسطينية وتأكيده المتواصل على أنها في مرتبة قضية الوحدة الترابية للمملكة".

هذا الجدل ليس غريباً عن المناخ الديمقراطي السائد في المغرب وما تتيحه المؤسسة الملكية من حريات سياسية للأفراد والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني بدرجة أفضل مما هو متواجد في كل الدول العربية بل يمكن القول بأن التجربة الديمقراطية في المغرب يمكن للدول العربية ودول الجنوب الاحتذاء بها واستلهامها في عملية الانتقال الديمقراطي في بلدانهم. وفي رأينا ما كان من الضروري تدخل المؤسسة الملكية في الجدل وأن تبقى تسمو على كل الخلافات والتعارضات السياسية وخصوصاً أن ما ورد في بلاغ الديوان الملكي حقائق وثوابت يعرفها المغاربة والفلسطينيون وغيرهم.

أم بالنسبة لقضية التطبيع ومع رفضنا له وتفهمنا للظرفية التي جاء فيها بيان حزب العدالة والتنمية حيث تشهد فيه الأراضي الفلسطينية أبشع وأوسع عمليات استيطانية وعدوانية ضد شعبنا الفلسطيني بما يتعارض مع المنطلق الذي بنيت عليه اتفاقات التطبيع والسلام الإبراهيمي حيث كانت تقول بأن التطبيع سيعزز من فرص السلام ولن يسيء للشعب الفلسطيني، ومع اعتقادنا بأنه كان من الممكن لوزير خارجية المغرب اتخاذ موقف مغاير وتحديداً في قمة أديس أبابا الأفريقية بشأن طلب إسرائيل باعتمادها عضو مراقب في الاتحاد حيث كانت المغرب الدولة العربية الوحيدة التي أيدت طلب إسرائيل، وقد أثار موقفه المنحاز لإسرائيل استياء غالبية دول الاتحاد الأفريقي في الوقت الذي يسعى فيه المغرب لكسب تأييد دول الاتحاد لطرد جمهورية البوليساريو منه.

بالرغم من ذلك نؤكد على أن المغرب بكل مستوياته الشعبية والرسمية كان دائماً مع الشعب الفلسطيني، وأن الموقف من القضية الفلسطينية يتجاوز كل الأحزاب وعابر لها وفي هذا السياق نسجل ما يلي:

1- الجمعية المغربية لمساندة الشعب الفلسطيني التي تأسست عام 1968 هي الوحيدة التي استمرت في العمل حتى اليوم بينما توقفت الجمعيات الشبيهة في الدول العربية الأخرى.

2- كان المغرب وما زال من أكثر الدول العربية التي تشهد مسيرات، مليونية أحياناً، لنصرة الشعب الفلسطيني ورداً على العدوان الصهيوني وضد التطبيع، ولم ترتبط هذه المواقف والمظاهرات بحزب من الأحزاب بل كانت في ظل كل الحكومات التي ترأسها أحزاب ليبرالية ويسارية و(مخزنية) وإسلامية.

3- خلال حرب أكتوبر أرسل المغرب كتيبة عسكرية لتحارب على الجبهة السورية بقيادة الجنرال الصفريوي وقد اعترفت سوريا بالدور المشرف للجيش المغربي في الحرب.

4- المغرب احتضن القمة العربية في الرباط 1974 والتي فيها تم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعياً ووحيداً وتم تغيير مسمى مكتب ممثلية فلسطين في الرباط إلى سفارة فلسطين.

5- في كل المؤتمرات والمنظمات الإقليمية والدولية كان موقف المغرب مع القضية الفلسطينية.

6- عند قيام السلطة الفلسطينية عام 1994 تم التبادل الدبلوماسي بين المغرب وإسرائيل وفي نفس الوقت تم فتح سفارة فلسطينية في مناطق السلطة تحديداً في غزة، ولكن بعد انتفاضة الأقصى قطعت المغرب علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني واحتفظت بسفارتها في مناطق السلطة.

7- ترأس المرحوم صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني لجنة القدس التي انبثقت عن منظمة المؤتمر الإسلامي ومن بعده الملك محمد السادس وما زالت اللجنة تقوم بعملها بما هو متاح لها من إمكانيات من الدول المنضوية فيها.

8- الملك الحسن الثاني الوحيد الذي استقبل الراحل أبو عمار أثناء حصاره ومقاطعته بعد حرب الخليج الثانية.

9- كان بين الملك الحسن الثاني والرئيس أبو عمار رحمهما الله علاقات صداقة كبيرة فكان أبو عمار الوحيد الذي سُمح له بالمشاركة في دفن الحسن الثاني.

10- عند تطبيع العلاقات الرسمية بين المغرب والكيان الصهيوني لم يصدر بيان أو تصريح رسمي من السلطة الفلسطينية يدين التطبيع مع أن الفصائل الفلسطينية أدانته.

11- في يونيو 2021 أي بعد التطبيع زار رئيس حركة حماس إسماعيل هنية المغرب ومن هناك وجه الشكر لصاحب الجلالة على دعوته و جهوده لنصرة القضية الفلسطينية دون أن يتطرق للتطبيع الرسمي بين المغرب وإسرائيل.

***

إبراهيم ابراش

وصفعات لأمريكا و"إسرائيل"

إذا عرف السبب بطل العجب.. وهذا ينطبق على تداعيات ما قبل الاتفاق السعودي الإيراني الذي أبرم مؤخراً وأعلن عنه في بكين.

وجاء هذا الاتفاق ليشكل صفعة لواشنطن التي بدأ السعوديون يسحبون البساط من تحتها في الخليج العربي، مع أن أمريكا نقلت مركزية عملياتها العسكرية المتوقعة ضد إيران إلى قواعد جديدة شرقي الفرات ذات الحدود المشتركة مع كردستان العراق التي تعتبر من أكبر حلفاء أمريكا و"إسرائيل" حيث المسافة بين تلك القواعد وحدود شمال إيران أقرب من مسافة عرض الخليح العربي الفاصل بين إيران والسعودية، وبالتالي فإن الوصول إلى بنك الأهداف الإيرانية (حيث أعلن الإسرائيليون بأنها حوالي 600 هدف استراتيجي).

كما ويشكل هذا الاتفاق الذي يعد اختراقاً صينياً للمنطقة، صفعةً أخرى ل"إسرائيل" التي خسرت من جرّاء ذلك ولو استشرافياً أهم الدول الخليجية المؤثرة، مثل السعودية التي عودتنا في عهد ولي العهد محمد بن سلمان على اتخاذ قرارات تحوّلية جريئة، فالاتفاق السعودي الإيراني جاء على أرضية المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية لحلها لدى الطرفين آخذاً في الاعتبار التوافق بين الطرفين بعيداً عن المحاولات الإسرائيلية الرامية لإجهاض فرص التلاقي بين طرفي الاتفاق لتأزيم الموقف ضد إيران؛ وهي ضربة كبيرة للاتفاقية الإبراهيمية حيث خسرت من جراء ذلك أكبر حليف مستهدف يتمثل بالسعودية، التي اعطت الضوء الأخضر لصدور فتوى دينية عن دار الإفتاء السعودية رسمياً بتحريم الديانة الإبراهيمية ومن ينضوي في ظلها أو يدعو إليها، ما يعني أنها رفضٌ مُبَطَّنٌ لأية علاقة مع "إسرائيل" التي تعتبر جزءاً من المشروع الأمريكي لتوريط دول الخليج العربي في مهاجمة إيران ولو أدى ذلك إلى كوارث لا تحمد عقباها.

فوفق تسريبات أميركية، كشف النقاب عن خطة حرب عسكرية للجيش الأميركي أطلق عليها اسم عملية "دعم الحارس"

إذ نقلت "إسرائيل" قبل أقلّ من عام، بعض غواصاتها وسفنها الحربية إلى بحر العرب. واشتركت مع القوات البحرية الأميركية بعدة مناورات وتدريبات على مقربة من الشواطئ الإيرانية. وشملت التدريبات محاكاة هجوم مشترك على منشآت إيران الحيوية ومفاعلاتها النووية ومصانع صواريخها الباليستية وطيرانها المسيّر ومقرّات القيادة وعقد الاتصال، ويبدو أن الاتفاقية أعلاه ستحيد الخليج العربي وستضعف من احتمالات حصول هذا الهجوم في وقت قريب.

وفي ميزان الربح والخسارة لدى الطرفين السعودي والإيراني فقد أبدى كل طرف أسباب هذا التقارب بينهما.

ولنبدأ بالسعودية التي آثرت إبرام الاتفاق مع إيران صارفة النظر عن خيار

"إسرائيل" التي صورت للخليجيين بأنها الضامن لأمنهم أسوة بالإمارات والبحرين، فتبين مدى هشاشة هذا الكيان الذي لم يعد قادراً على حماية نفسه من المقاومة وأنه يبتغي تحويل دول الخليح إلى رأس حربة ضد الجارة إيران التي عندها مفاتيح الحل لو تم الاتفاق.. وقد دُفِعَتْ السعودية إلى ذلك لعدة اسباب أهمها:

أولاً:- البحث عن حل جذري للحرب الاستنزافية اليمنية من خلال رفع الدعم الإيراني عن الحوثيين من خلال حل توفيقي مقبول ويتناسب مع تطلبات الأمن السعودي.

ثانياً:- إيقاف النزف المالي المهدور في الحرب وتحويلها إلى مشاريع التنمية في سياق خطة 2030 التي طرحتها القيادة السياسية السعودية.

ثالثا:- وقف التهديدات الحوثية المباشرة التي طالت منشآتها النفطية والصناعية، وكان أخطرها الهجوم على منشآت أرامكو عام 2019، حيث وجهت الاتهامات إلى إيران كجهة داعمة.

رابعاً:- محاولة التخلص من عبء الولاء للأجندة الأمريكية وسطوة الدولار من باب تغليب المصالح السعودية واعتماد البديل الاستراتيجي المتمثل بالصين وروسيا ضمن مجموعة بريكس (مستقبلا).

أما بالنسبة لإيران فالأسباب كثيرة وأهمها:

أولاً:- التحرّكات الشعبية الداخلية التي أرهقت الحكومة والقوى الأمنية حيث يتهم السعوديون في تاجيجها وفق الأجندة الأمريكية.

ثانياً:- المعاناة من اقتصاد منهكٍ بعقوبات غربية شلّت عجلة التنمية المستدامة، وانعكست سلباً على حياة الإيرانيين.

ثالثاً:- تعثّر المفاوضات النووية مع المجموعة (5+1) في فيينا، ومع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ما أدى إلى استمرار العقوبات ضد طهران.

رابعاً:- الضغوطات الإسرائيلية والتلويح باللجوء إلى القوة لضرب الصناعات الإيرانية الحساسة في الوقت الذي يتهم الغرب فيه إيران بدعمها لروسيا بالمسيرات.

خامساً:- تحييد السعودية في اي مواجهات محتملة مع امريكا و"إسرائيل".

وفي المحصلة فإن ملفّ المصالحة السعودية الإيرانية، يتضمّن الاتفاق على عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فهل ينجح الطرفان في تطبيق ذلك وفق تعهد الجهة الراعية،الصين.

من هنا تأخذ الرهانات أسئلتها ويبدو بأن الحكمة سادت الموقف أخيراً بين الجارين الكبيرين.. فالاستقرار بينهما من معطيات الأمان في الخليج العربي عموماً والقضية الفلسطينية بالتحديد.

***

بقلم بكر السباتين

15 مارس 2023

 

كي ندرك أهمية ما جرى ويجري مِن كبح للصَّحوة الدِّينيَّة، والخطوات الجريئة لقطع الطَّريق على خلاياها السَّابتة ببلدان، بينما وجدت لها منابرَ ببلدان، لا بد مِن النَّظر في ما وصلت إليه هيمنتها، وعلى مجدها هذا تبكي البواكي. يربي حزب إسلاميّ منتسبيه على الاستخفاف بالأوطان وعداوة أهل الأديان. يُحكم على رجلٍ أُتهم بالسّحر بشهادة الجن، وما كنتُ مصدقاً لولا رواية مَن مارسها. نُشر الحديث في الصُّحف حينها، مِن باب الرّد على مَن تحدث ضدها.

عندما يُستغل التَّعليم، ويُعلم تقليد «ضرب المرأة»، فما بالك إذا كانت صُحفاً رسمية، وما زالت، تنشر مقابلات تعتبر ضرب المرأة شريعةً. الاختلاف بين تحية المسلم وتحية غير المسلم. يُستغل التَّعليم لإشاعة الهلع بتكريس ثقافة الموت. يُقدم درسٌ لتلاميذ الابتدائية في تغسيل الموتى، ومحاضرات عن عذاب القبر. وصل الحال إلى اعتبار قتل الأقارب جهاداً.

شاع في زمن الصَّحوة نبذ الفلسفة والعِلم، أمَّا مَن تفلسف منهم فالفلسفة عنده تقف عند تمجيد الأوهام في إيجاد نظام ديني. يُقدم كلّ هذا بلغة ينفر منها العاقل ويُتخدر بها الجاهل. قصد هذا صفي الدِّين الحليّ(ت: 750هج) ببيته: «لغةٌ تنفرُ المسامعُ منها/حينَ تروى وتشمئزُ النُّفوسُ»(الدِّيوان، النُّفور مِن الغريب).

كانت أكثر الكتب انتشاراً، بالبلدان التي طالتها الصَّحوة، الخاصة بعوالم الجن، والإعجاز العلميّ، وعندما يُسأل الوراقون عن غزارتها، في تلك الأيام، يردون بأنها الأكثر ربحاً، لأنَّ الشَّباب يصحون وينامون على صفحاتها. أمَّا عن تحضير الأرواح فقد استخدمت هذه الشَّعوذة لاستدراج الشَّباب إلى الكهوف الصَّحويَّة، فالاعتقاد بهذا الوهم يفتح المجال إلى تعليم كره الأوطان، فالإسلاميون يدارون بمرشد وخليفة وولي فقيه خارج الحدود، لا اعتبار للوطن عندهم.

ما نشاهده اليوم مِن عقائد خرافيَّة، حتَّى أصبحت حقائق في أذهان الشَّباب، غير منفصل عمَّا بدأت به الصَّحوة في السَّبعينيات. فما هي قوة ثقافة الوهم كي يغمض الطَّبيب أو المهندس عينه عمّا تَعلَّمه، ويقوم بعقد جلسات تحضير الأرواح، أو يأخذ القاضي بشهادة الجن؟ يمارس مسؤول إسلاميّ الاستخارة في إدارة الدَّولة. كيف وصل الطَّبيب إلى مُجندٍ للانتحاريين وناشرٍ للأوهام؟!

لا يقع الذَّنب فقط على شيوخ الصَّحوة وساداتها، فما هو مستوى الثَّقافة والتَّعليم، الذي اخترقته الخرافة؟! صحيح أنَّ الإسلاميين، بأحزابهم ومنظماتهم، كانوا الأساس، لكننا شاهدنا تخاذلاً أمام بدايات الصَّحوة، أن يؤتى بصحوي، يدعي التَّنوير، ويملأ العقول بخرافاته، داخلاً مِن باب العلم والأدب، والحِكمة. كانت الحكومات ترى ذلك مجاراة لعواطف الأسلمة! كيف اقتنعت أنظمة بإعلان حملات إيمانيَّة، أسست بها لأوضاع مخجلة؟

قال أحد القضاة في زمن الصَّحوة: «كان الجن يهوداً وقد أسلموا، وصاروا مِن شباب الصَّحوة، فعندما سألهم: إنْ كانوا مِن شباب الصَّحوة؟ فقالوا: نعم» (المدينة، العدد: 11667 في 16/3/1995). كان هذا دور الصَّحوة في تجهيل المجتمع، ومَن يقرأ ما حصل لا يستهن بكبحِ جماحها، وإزالة آثارها.

ضبطت بلدان الخطاب الديني، فالحرية فيه تعني الفوضى، بينما ببلدان، ومع مجدها الحضاريّ، في الماضي البعيد، تركت التعليم لحرية عقائد المعلمين، يعلمون النَّشءَ مِن مخابئ عقائدهم. تُركت الثَّقافة لأهل المنابر، فلا تستغرب أنَّ تجري محاكمة لهشام بن عبد الملك(ت: 125هج) في جامعة، المفروض أنها للعلم، أو يظهر أحد المنبريين، يبرر الهيمنة على عقارات، بأنها ليست أملاكه، إنما أملاك الإمام الغائب!

هكذا يكون تبرير الاستحواذ باسم الدِّين، بينما الفقر يتزايد. لأبي العلاء المعريّ(ت: 449هج) في صاحبنا المنبري:«توهمتَ يا مغرور أنَّك دينٌ/عليَّ يمين اللهِ مالك دِينُ/ تسيرُ إلى البيت الحَرام تَنسكاً/ويشكوك جارٌ بائسٌ وخَدينُ»(لزوم ما لا يلزم).

***

د. رشيد الخيّون - كاتب عراقي

 

فى تزامن فريد وعجيب.. حدثان نزلت أخبارهما على العالم كالصاعقة. أحدهما يصب فى صالح الصين وضد أمريكا، والثانى فُجع به الاقتصاد الأمريكي!

أما الخبر الأول فهو الاتفاق السعودى الإيرانى برعاية صينية.. وأما الثانى فهو إعلان إفلاس بنك وادى السيليكون. وكلا النبأين فوجئت بهما وكالات الأنباء وباتا فى غضون سويعات هما حديث الناس شرقا وغربا..

كلمة السر .. الصين

لطالما تحدثت فى هذا الموضوع وأشرت إلى أهميته منذ ما قبل كورونا..

أن علينا تحديد اتجاه البوصلة الاستراتيجية وإعادة تقييم أولوياتنا السياسية فى علاقاتنا الخارجية بالدول على أساس المتغيرات الحادة الحادثة حولنا.. وأننا لو لم نفعل فسوف يسبقنا إلى هذا آخرون..

تعال ننظر إلى ما فعلته الصين بالأمس وما تفعله بأمريكا منذ بداية الحرب الأوكرانية الروسية التى اتضح أنها فخ نصبته أمريكا لروسيا والصين.. هلم بنا نتذكر سلسلة أحداث ربما بدأت قبل هذا بقليل منذ ما قبل تولى بايدن مقاليد الحكم فى أمريكا واتهامه للصين بقيادة عملية تجسس كبري نالت من عدة جهات حكومية داخل أمريكا وانتهاء بمنطاد التجسس الصينى الذى ظل يتجول ويتوغل فوق أمريكا لمدة أسبوع كامل قبل أن تقرر أمريكا إسقاطه! فبات من الواضح للعيان أن الصين تسبق أمريكا بكثير فى مسارات عدة خلاف المسار الاقتصادى..

أمريكا حاولت جرّ أقدام الصين لغزو تايوان بنفس الطريقة التى استفزت بها روسيا لبدء حربها ضد أوكرانيا، فهل نجحت فى ذلك؟ نعم تحركت الصين، وبالفعل حاصرت تايوان، لكنها أبداً لم تقدم على اجتياح تايوان مع قدرتها على ذلك.. فلماذا لم تفعل؟

نترك هذا المشهد إلى مشهد قريب جداً استهلت به الصين العام الجديد 2023 مع ذكرى مرور عام على الحرب الروسية الأوكرانية عندما قدمت نفسها للعالم كحمامة سلام وكوسيط صلح بين الأطراف المتحاربة؛ فعرضت مبادرة للتهدئة وإنهاء الحرب وهى تعلم علم اليقين أن الطرفين كليهما سيرفضان! فلماذا تقدمت بهذه المبادرة الفاشلة؟

طوال الوقت والصين تنادى وتعلن وتؤكد مراراً أنها لا تهدف إلى قيادة العالم وإنما إلى رفاهية شعبها اقتصادياً،وأنها نفضت يدها من الحروب المهلكة للاقتصاديات.. إنها ركزت فقط على هذا الهدف الأوحد وأنها لا مطامع لها فى إذلال أمريكا كما تدعى الأخيرة.. ولهذا جاءت تحركات الصين تصب فى هذا الاتجاه.. دخولها فى عدة تجمعات وأحلاف اقتصادية آسيوية وإفريقية.. تجهيزها لطريق الحرير بإصرار عابر للعراقيل وللأجيال.. دعواها المتكررة لنبذ الحرب ومنع التدخل فى الشئون الداخلية للدول.. حتى جاءت خطوتها الأخيرة القاصمة. الصلح الإيرانى السعودى..

توب سيكريت

الصحف الأمريكية خرجت صباح اليوم التالى للصلح الثلاثى مذهولة فاغرة الأفواه.. تقول: كيف لم تعلم أمريكا بمخابراتها وأقمارها الصناعية بالنبأ؟ بل إن بعض الصحفيين عندما سأل بايدن عما تم بين الصين وإيران والسعودية سرا قبل إعلانه بدا بايدن كأنه آخر من يعلم! أمر عجيب..

أربعة أيام كاملة تمت فيها المباحثات السرية بين الأطراف الثلاثة قبل أن يخرجوا على العالم بالخبر الصادم. فأين كان السي آى إيه وأين كان الموساد وهما يسمعان النبأ من الفضائيات والصحف؟!

أما الخبر ذاته، فهو خبر الموسم بل قل خبر العام.. كيف لقطيعة دامت سبع سنوات أو أكثر أن تنتهى فى لحظات؟ فهذه عاصفة الحزم استمرت لسنوات طويلة سوداء على أهل اليمن والجنوب السعودى، وتهديدات مستمرة لحرب محتملة تنشب بين القوى الإقليمية كنتيجة للتحزبات نحو المعسكر الشرقى الآسيوي أو المعسكر الغربي. بعد كل هذا تأتى الصين لتقلب الطاولة على الجميع وتنهى الأزمة الخانقة للمنطقة خلال سويعات!! أى عجب..

إذا ضممت هذا الحدث لعدة أحداث سابقة تمت فى السعودية فأنت أمام مشهد مذهل بكل المقاييس.. فمنذ الصلح بين السعودية وقطر،وقرارات الأوبك برفع سعر برميل البترول لصالح المنطقة وضد القرار الأمريكي، ثم التقارب الصيني السعودى، واحتمالية كسر أسطورة البترودولار على أعتاب صعود اليوان والروبل! كلها أمور تقرأ منها مشهداً إقليمياً وعالمياً جديداً .. فما الذى يحدث؟!

إننا أمام خطوات انتصار تحققها الصين على الساحة العالمية وإن لم تدخل فى أتون أى حرب.. وفى المقابل هزائم متوالية تحدث للمعسكر الغربي الأمريكي وآخرها ما حدث فى الوول ستريت بالأمس القريب.. فما الذى حدث فى أمريكا؟ وما تداعياته عليها وعلى العالم؟

الدولار.. وبداية النهاية

كنت من أول المتسائلين عما سيصيب الاقتصاد الأمريكى بسؤال مصيري : من سيرث كعكة الدولار إذا سقط؟.. اليوم يبدو أن النبوءة قد بدأت تتحقق رويداً رويداً على أرض الواقع.. وربما استيقظ العالم يوماً على انهيارات مالية مهولة تتبع انهيار الدولار ..

لم يعد هذا بعيداً بعد خبر سقوط واحد من أكبر بنوك أمريكا، بنك وادى السيليكون.. إن كل الصحف العالمية تسابقت لتحليل تفاصيل هذا النبأ العظيم والحدث الجلل الذى أعاد للعالم ذكرى الانهيار الاقتصادى عام 2008.. فهل نحن مقدمون على ما يشبه الكساد العظيم القديم؟

البعض قد يتساءل: لماذا هذه الضجة الكبيرة على حدث عادى مثل إعلان إفلاس بنك؟ وكيف يمكن لمثل هذا الأمر أن يؤثر على اقتصاد أكبر دولة فى العالم وأقواها اقتصادياً؟

الحق أن الذهول الذى أتبع إعلان الخبر أمر طبيعى وله مبرراته.. لأن بنك وادى السيليكون ليس بنكاً عادياً أبداً.. إنه أحد أكبر البنوك الأمريكية برأس مال200 مليار دولار، أى بمقدار ميزانيات دول، فكيف له أن ينهار ويفلس؟ ثم أنه كان فى حالة نمو دائم منذ 2017 وحتى بدايات هذا العام، فمتى وكيف أفلس؟!

من بين التقارير التى صدرت فى هذا الصدد تقرير مجلة الإكونومست البريطانية التى شرحت أسباب انهيار البنك الذى كان من أهم بنوك الإقراض للشركات الناشئة فى قطاع التكنولوجيا، فقالت: أن ما حدث هو أن سعر سهم البنك قد بدأ فى الانخفاض خلال أسبوع ما قبل الانهيار من 60% إلى 70% وهو ما دفع البنك لمناشدة عملاءه بمساندته ودعمه وهى المحاولات التى قوبلت بالتجاهل حتى تم إيقاف التعامل بأسهمه فى الوول ستريت وتم الحجز على ودائعه ثم جاء السقوط وإعلان الإفلاس..

التكالب على الاقتراض من هذا البنك والذى بدا كأنه سبب نجاحه كان فى الواقع هو السبب الأول للسقوط؛ فنظرا لأن البنوك تجني الأرباح من الفارق بين سعر الفائدة الذي تدفعه على الودائع والسعر الذي يدفعه المقترضون فإن وجود قاعدة ودائع أكبر بكثير من دفتر القروض كان يمثل مشكلة يقتضي حلها حصول البنك على أصول أخرى تحمل فائدة.لذلك غامر البنك فأقدم على استثمار هائل بنهاية 2021 بلغت قيمته 128 مليار دولار، معظمها في سندات الرهن العقاري وسندات الخزانة بأسعار مرتفعة.. ثم تغير العالم -وفقا للتقرير- وارتفعت أسعار الفائدة مع ترسخ التضخم وانخفضت أسعار السندات، مما ترك بنك "إس في بي" مكشوفا بشكل فريد، وخفض العملاء ودائعهم من 189 مليار دولار في نهاية عام 2021 إلى 173 مليارا في نهاية عام 2022. واضطر البنك إلى بيع محفظته من السندات السائلة بالكامل بأسعار أقل مما كانت عليه، متكبدا خسائر بلغت نحو 1.8 مليار دولار تركت فجوة حاول سدها بزيادة رأس المال، لكنه لم يفلح.

معنى هذا أن قرارات البنك الفيدرالى الأمريكي باتت لها تبعات مباشرة على أرض أمريكا ذاتها.. وأن التبعات القادمة ربما كانت هى الأهم والأفدح..

وما خفى كان أعظم..

فى عالم السياسة بعيد الغور أشياء تجرى وراءها الصحافة وتتبعها ثم تعلنها وهى ليست إلا قمة جبل.. بينما يبقى الجزء الأعظم متوارياً فى العمق لا يعلم به أحد!

نبأ انهيار بنك السيليكون فالى ونبأ الاتفاق السعودى الإيرانى كلاهما قمة جبل من ورائه أخبار وفى أعماقه أسرار أكثر من أن تُحصى.. والتداعيات التى ستأتى بعدهما لابد أنها فوق التوقعات والتخرصات.. فما الذى تخفيه لنا الأيام من أحداث جسام؟ دعونا نرى..

***

د. عبد السلام فاروق

عادة ما تتجه المراكز البحثية في البلدان الديموقراطيّة وهي تريد أستقراء الأوضاع السياسيّة أو الأقتصادية وغيرها ومواقف الجماهير منها، الى عيّنات عشوائية من الناس وأستطلاع آرائهم لغرض عرضها على صانعي القرار السياسي لأتخاذ موقف ما من قضيّة ما. لكنّ أستطلاعات الرأي لا تعني مطلقا نجاحها في تقديم صورة حقيقية للقضيّة التي أستطلع الجمهور فيها، فهناك دوما هامش للخطأ بنسب تختلف من مجتمع لآخر إعتمادا على أمور عدّة، منها أنتشار الوعي، جودة التعليم، الديموقراطية، نسبة البطالة، قوّة النقابات والأتّحادات المهنيّة، الثقة بالحكومة، الأعلام المستقل، وغيرها من تلك التي هي على تماس مع مصالح الجمهور اليومية. أنّ أستطلاع الآراء أصبحت اليوم تجارة تقوم بها مؤسسات أستطلاع لأحزاب متنافسة في وصولها للسلطة، أو حتى بين شركات كبرى تتنافس لتسويق بضائعها في الأسواق، وهذا يعني أنّ هذه المؤسسات البحثيّة تعمل على صناعة رأي عام يساعد تلك الأحزاب للوصول الى السلطة، او تلك الشركة لتسويق منتجاتها، وهذا يعني تحديدا أرباحا مالية للأحزاب والشركات المتنافسة.

يُحدّد الكثير من الباحثين في موضوعة الرأي العام وأهمّيته، على أنّ هناك رأي عام ثابت وآخر مؤقّت. كما وأنّ هناك رأي عام يُقاد، وآخر يقود. ولأننا نتحدث هنا عن العراق، فأننا سنتحدث عن الرأي العام في العراق ودوره على الخارطة السياسيّة في بلده، وموقفه من الأزمات السياسية والأقتصادية والأجتماعية التي تمر بها البلاد. لنرى إن كان هناك رأي عام عراقي بالشكل المتعارف عليه في البلدان الأخرى، ومدى أمكانية أن يلعب الرأي العام العراقي دورا مؤثرّا في "العمليّة السياسيّة" التي تقوده وبلاده نحو المجهول؟.

من العوامل التي تشكّل الرأي العام وفق آراء الكثير من الباحثين ولا زلنا نأخذ العراق كمثال حصرا هنا هم الزعماء السياسيون ورجال الدين والعشائر وزعماء الميليشيات، وكم المشاكل الأقتصادية والأجتماعية التي يواجهها المجتمع العراقي، ولا نقول السياسية كون الشأن السياسي لا تهتم بها الغالبية العظمى من الجماهير نتيجة غياب ثقتها بمنظومة الحكم بأركانها الثلاثة من جهة، وغياب أو ضعف قوى سياسيّة تطمح وتعمل على التغيير، ويأسها أي الجماهير من حدوث تغيير نحو الأفضل من جهة ثانية، وكونها غير واعية لا بحاجاتها اليومية وتوفيرها للعيش بكرامة ولا بمستقبل وطنها. قد يبدو هذا الأستنتاج قاسيا، لكنّه الأقرب الى الحقيقة بشكل كبير من خلال أستقراء الأوضاع السياسية التي شهدتها البلاد منذ الأحتلال لليوم. أنّ الأنتماء الوطني بالعراق ضعيف مقارنة بالأنتماءات الطائفيّة والقومية والعشائرية بل وحتّى المناطقيّة، والقوى المهيمنة على المشهد السياسي وتشكّل الدولة والدولة العميقة في العراق اليوم تعمل على أنتشار وترسيخ الطائفية والعشارية والمناطقيّة كوسيلة لبقائها في السلطة، بل هي في الحقيقة وإن توخينا الدقّة فأنّها أي الدولة إمتداد طبيعي للنسيج الطائفي القومي المناطقي.

هناك رأي عام ثابت وآخر مؤقّت وفق الباحثين والمراكز البحثية المختلفة، والرأي العام الثابت هو الذي يرتكز على مفاهيم ثقافية ودينية وطائفية محدّدة ومشتركة بين غالبية جمهور مناطق جغرافيّة معيّنة وحتّى من أبناء تلك المناطق الذين يعيشون خارجها، ومزاج هذا الشكل من الرأي العام من الصعب تغييره، أو من الصعب تغيير غالبيته ولو البسيطة في مسائل سياسيّة مهمّة، كأصلاح أو تغيير سلطة. ولأننا لازلنا في المثال العراقي، فأنتفاضة تشرين على سبيل المثال لم تستقطب جماهير البلاد بأكملها، وأقتصرت لحدود بعيدة جدا على أبناء مناطق ذات لون ثقافي وطائفي واحد وهم الشيعة، لأسباب منها ضعف البنى التحتيّة والخدمات في المناطق الشيعية مقارنة بغيرها من المناطق ككوردستان مثلا، وكون السلطة التنفيذية بيد ساسة ورجال دين شيعة لم يقدّموا ما كان منتظرا منهم لأبناء جلدتهم على الأقل، هؤلاء الذي أنتفضوا ضد سلطة البعث في آذار 1991 تحت شعار "ماكو ولي الّا علي ونريد حاكم جعفري" وإذا بالحاكم الجعفري فاسد ولص وأذاقهم الفقر والبطالة والمرض والجهل والأميّة. والرأي العام المتحرك أو المؤقّت فهو مرتبط بوجود مشكلة ما أو مطلب ما، وموقف الرأي العام منها عن طريق تنظيم تظاهرات أو أعتصامات أو أضرابات أو وقفات جماهيرية، والرأي العام هذا سلبي أكثر ممّا هو أيجابي، كونه يبحث عن مصالحه بأنانيّة وغباء، فالسلطة تستطيع أن تقف بوجه أضراب المعلّمين أو الكادر الصحي والخدمي في مدينة أو منطقة ما في حال تنظيمهم تظاهرة أو أضرابا أو وقفة جماهيرية لتحقيق مطالبهم، لكنّ نفس السلطة ستكون عاجزة عن مواجهة أضرابات أو أعتصامات في كامل البلاد إن كانت هناك قوى سياسيّة قادرة على تنظيم هكذا شكل من أشكال النضال الجماهيري.

الرأي العام الثابت بالعراق ومن خلال تجربة ما بعد الأحتلال بل ومنذ تأسيس الدولة العراقيّة لليوم، يرتكز على أسس طائفيّة وقوميّة ومناطقيّة. فالرأي العام (بأغلبيته البسيطة على الأقل) في جنوب العراق مثلا، يتأثر لحدود بعيدة بالمؤسستين الدينيّة والعشائريّة وتتم أدارة موقفه وتوجيهه من قضايا البلاد وفق وجهات نظر رجال الدين والعشائر والأحزاب والميليشيات من تلك القضايا. وهذا ينطبق على المناطق الغربية والكوردية أيضا. وهذا يعني أنّ موقف الرأي العام عند الشيعة مرتبط بطقوس مقدّسة تنتجها وتديرها مؤسسات دينية وعشائرية وثقافية مرتبطة بهاتين المؤسستين من جهة، وسطوة رجال الدين والعشائر والنخب السياسيّة في ظل غياب الدولة أو ضعفها أو إنحيازها لجهة دون أخرى. وموقف الرأي العام في المناطق السنيّة يتم إدارته وتوجيهه هو الآخر من قبل مؤسسات دينية وعشائرية وثقافية ترتبط بهما، مع وجود نفس الدور لرجال الدين والعشائر والنخب السياسية في توجيه الرأي العام نحو حنين لماض كانت فيه أي الطائفة هي من تمتلك زمام السلطة. أمّا الكورد وهم يحلمون بوطن قومي لهم، فأنّ الرأي العام عندهم يقاد هو الآخر من مؤسسات عشائرية عائلية، مع تأثير واضح كما الآخرين للمؤسسة الدينية.

مثل هكذا رأي عام لا يمكن الأعتماد علية في قياس موقف ما من قضية وطنية بحتة، فالمجموعات الثلاث بغالبيتها البسيطة كي لا نكون قساة في حكمنا عليها لا تعرف معنى الوطنية والأنتماء للوطن، فالوطن عندها طائفة وقبيلة وعشيرة. ومثل هكذا رأي عام يقاد بسهولة الى مواقف من يقودها ويرسم سياساتها. فالمثقفون وهم أقليّة ولا يملكون وسائل أعلام ولا أمكانيات ماديّة كالتي تملكها مؤسسات الدولة التي هي أمتداد للطائفية والعشائرية كما اشرنا قبل قليل، غير قادرة في ان تلعب دور القائد في صراعها مع الطرف الآخر للتأثير في الرأي العام.

أمّا الرأي العام المتحرك أو المؤقّت، فهو رأي عام بائس وغير ميّال للمساهمة في إيجاد حلول أو مراكز ثقل لقوى مناهضة لسلطة الفساد ليمنحها القوّة على الساحة السياسيّة. فتظاهرة لعدم توفّر الكهرباء تنطلق في البصرة مثلا ويُقتل فيها عدد من المتظاهرين لا نرى تظاهرات متزامنة مثلها في مناطق أو مدن أخرى رغم معاناة أبناء تلك المناطق كما معاناة أبناء البصرة من نفس المشكلة، كي تكون ذات تأثير واضح على مزاج الناس من جهة وتحدّيهم للسلطة ودفعها لإيجاد حلول للمشكلة من جهة ثانية!

بشكل عام لا يجب أن يتحرك الرأي العام فقط بأتجاه تحقيق مطالب آنيّة وإن كانت ملحّة، بل عليه التحرّك نحو فضاءات أكبر بكثير من المطالب الآنية، فضاءات تأخذ قضايا سياسية كبيرة كتغيير شكل السلطة وترسيخ مبدأ القانون وبناء دولة مؤسسات حقيقية في ظل نظام علماني ديموقراطي، وهذه الأمور الحسّاسة والمصيرية بحاجة الى قوى سياسية قريبة من الجماهير ومزاجها من جهة، وقادرة على إقناع هذه الجماهير بضرورة مشاركتها الفعلية في ماكنة التغيير، كونها أي الجماهير هي الطاقة التي تحتاجها القوى السياسية الباحثة عن التغيير لتحريك ماكنة التغيير لأنقاذ الوطن من مستقبل تشير الوقائع الى أنّه كارثي بمعنى الكلمة.

***

زكي رضا - الدنمارك

مرحلة «عصر الاضمحلال» تنبؤات تحدث الآن في وصية أستاذي ومعلمي/ الدكتور العالم الشهيد راهب العلم "جمال حمدان" يقول جمال حمدان في مذكراته الخاصة... مصر اليوم إما القوة وإما الموت...؟!

وإن لم تحقق مصر، قوة عظمى تسد المنطقة بأسرها، فسوف "يتداعى عليها الجميع يوما ما" كالقصعة "أعداء وأشقاء وأصدقاء وجيرانا من المحيط الجغرافي. ويقفون هم يتفرجون في حياد كاذب في انتظار العزاء بعد الوفاة... ولكن رغم مرضها المزمن من الأمراض المتوطنة لن تموت وقد تحارب مصر يوما ما عسكريا في أعالي النيل وفي أثيوبيا والسودان ثم إسرائيل ثم عرب البترول ثم تركيا وإيران... وحين نقول مصر القوية، فنحن نقصد مصر القوية العزيزة الكريمة، في الخارج والداخل والقوة وحدها على خطورتها لا تكفي، فالصوت في الغناء، لا تكفيه القوة. بل لا بد من ثنائي القوة والجمال مصر القوة والجمال- هذا ما نريد. والقوة هي التحرر الوطني والسيادة الوطنية والعزة القومية ونفى التبعية والاستعمار والصهيونية وإسرائيل... أما الجمال: فهو عزة الإنسان المصري في دولته القوية، دولة" العدالة، والمساواة "، وإعادة توزيع الملكية والدخل... هكذا مصر: تأخذ وتعطى... تؤصل وتوصل... رحم الله هذا العبقري الراهب في محراب الوطنية المصرية الذي رأى بالفراسة ما عجز عنه أهل السياسة فرحل في ظروف غامضة وقلمه يكتب عن عشقه لمصر الزمان والمكان...!!

وفي ظل الوضع الراهن المأساوي التي تعيشه مصر اليوم في كل المجالات بعد رحيل جيل من العمالقة ربما لا تعرفها الأجيال الحالية أو حتى سمعوا عنه بعد أن تصدرت المجالات الأدبية والثقافية والفنية والاجتماعية في مصر حاليا، مجموعة من ذوي العاهات" السيكوباتية "والاضطرابات النفسية مثل شيوخ الفتاوى، وكل من يلتحف بعباءة الدين والتقوى. وكل من يبحث عن دور داخل المجتمع...

وأيضا من الذين قفزوا على المشهد الإعلامي من الكتاب والصحفيين ومقدمي ومقدمات البرامج التلفزيونية، وغيرها في مواقع التواصل الاجتماعي، بينما أولئك وهؤلاء لا يعرفون أن الفاعل هو اسم مرفوع، وأن المفعول به يكون منصوبا بالفتحة أو بحرف الياء، وغيرها من قواعد اللغة العربية في النحو والصرف لا أعتقد أن أيا من شباب الجيل الحالي يعرف أو حتى سمع عن الشخصيات التي أثرت الحياة الأدبية والثقافية والسياسية والعلمية، وأيضا الفنية والإبداعية من فنون الموسيقى والتلحين والغناء والرسم والتصوير والتمثيل، وغيرها من المجالات التي نبغت وبرعت وأبدعت فيها هذه الأجيال من العمالقة في العصر الحديث، وتحديدا منذ بدايات القرن العشرين. كما لا أعتقد، ولا حتى أتخيل أن أي أحد يستطيع أن يملأ الفراغ الكبير الذي تركه مثل هؤلاء العظام بعد رحيلهم؟! فعلي سبيل المثال …...

على ساحة الدعوة والدين:

الشيخ محمد عبده، أحمد حسن الباقوري،  الشعراوي، الغزالي، محمد السيد طنطاوي، الشيخ جاد الحق وغيرهم!؟

على ساحة الأدب والرواية والقصة والنقد... عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، عباس محمود العقاد، أحمد لطفي السيد، والدكتور محمد حسين هيكل صاحب أول قصة في السينما المصرية" زينب "مصطفى المنفلوطي، نجيب محفوظ، يحيى حقي، سلامة موسى، محمد عبد الحليم عبد الله، محمود تيمور، محمد مندور، يوسف السباعي، أمين الخولي، الدكتورة سهير القلماوي، مفيدة عبد الرحمن، الدكتورة عائشة عبد الرحمن" بنت الشاطئ "، والدكتور مصطفى محمود،احمد بهاء الدين ..

أمين يوسف غراب، يوسف جوهر، وغيرهم... وعلي ساحة الفنون الإبداعية مثل الموسيقى والتلحين والغناء والتأليف: الشيخ سيد درويش، محمد عبد الوهاب، أم كلثوم، عبد الحليم حافظ،فريد الأطرش.، سعاد حسني، نجاة الصغيرة، فايزة أحمد، شادية، صباح وردة... محمد القصبجي، رياض السنباطي، الشيخ زكريا أحمد، أحمد رامي، بيرم التونسي، حسين السيد، مأمون الشناوي، كامل الشناوي، محمد الموجي، وسيد مكاوي وغيرهم الكثير مما لا يتسع المجال هنا لذكرعلى ساحة السينما والمسرح والتمثيل والإخراج:

يوسف وهبي، أمينة رزق، فاتن حمامة، زكى رستم، حسين رياض، عبد الوارث عسر، سليمان بك نجيب، فردوس محمد، نجيب الريحاني، عبد السلام النابلسي، إسماعيل ياسين، إستفان روستي، محمود المليجي،يحي شاهين،  فريد شوقي، توفيق الدقن، أنور وجدي، عبد الفتاح القصري، عمر الشريف. محمود مرسي وعبداللة غيث. زينات صدقي، سراج منير، بركات، أحمد بدرخان، صلاح أبو سيف، يوسف شاهين .  وغيرهم الكثير على الساحة الإعلامية في الإذاعة والتليفزيون:

صفية المهندس، سامية صادق، جمالات الزيادي، حسني الحديدي، فاروق شوشة، أمان ناشد، سلوى حجازي، ليلى رستم، درية شرف الدين، إيناس جوهر، منى جبر، ناهد جبر... في الصحافة:

محمد زكى عبد القادر صاحبا" نحو النور "، على أمين و" فكرة "، مصطفى أمين. ومحمد حسنين هيكل ومحمد عودة

و" قبلات وصفعات "، فكري أباظة، محمود أمين العالم، عبد الرحمن الشرقاوي، زكى نجيب محمود، أنيس منصور،  وغيرهم ممن لا تعييهم ذاكرتي الآن أتذكر هؤلاء الرواد العمالقة كلما أسمع أو أشاهد أولئك المدعين الذين دخلوا خلسة من أبواب المنتجين من تجار الخردة في وكالة البلح، وبأموالهم القذرة، إلى عالم السينما من أمثال محمد مختار ونادية الجندي التي تارة تقوم بدور" عالمة الذرة "، وتارة نجدها قد" هزت عرش مصر "، ومرة تقضي" 48 ساعة في تل أبيب "لكي تهزم بمفردها" الموساد "الذي هو جهاز المخابرات الإسرائيلي؟!

وها هي تظهر علينا مؤخرا في ثياب الواعظة الدينية التي تنصح بالتقرب إلى الله لكي تنصلح أحوالنا هؤلاء ومعهم السبكي وأمثاله، ومعهم كلهم وقبلهم" صفوت الشريف "الذي حكم جهاز الإعلام بقبضة حديدية لعدة عقود هؤلاء وغيرهم من أسماء أصحاب السوابق الذين دخلوا إلى كل المجالات الإبداعية في كل أبوابها وصنوفها ودروبها، وأفسدوها بكل ما هو عفن وسيئ وهابط، وقضوا على عقول أجيال من الكبار قبل الصغار من الذين مشوا ورائهم وصدقوهم السيكوباتية من أمراض نفسية. نعم هم الآن يتصدرون المشهد...إننا نعيش حالة من الفوضى تشبه بردية الحكيم المصري القديم «إيبور»،

تؤرخ البردية لمرحلة قاسية في التاريخ المصري القديم حوالي سنة 2180 ق. م، بعد انتهاء الأسرة السادسة وزوال الدولة القديمة التي وصلت لأعلى درجات المجد في عصر بناة الأهرام، حيث مرت مصر بعقود من الفوضى تصفها البردية بكثير من التفصيل وببلاغة أدبية عالية؛ حيث يقول الحكيم إيبور: «أصبحت البلاد ملأى بالعصابات حتى أن الرجل كان يذهب ليحرث أرضه ومعه درعه، وشحبت الوجوه وكثر عدد المجرمين ولم يعد هناك رجال محترمون. وفقد الناس الثقة في الأمن. وعلى الرغم من فيضان النيل فقد أحجم الفلاحون عن الذهاب لفلاحة أرضهم خشية اللصوص وقطاع الطرق».

كما صارت القلوب رجفة ثائرة، خاصة بعد انتشار الوباء في كل الأرض، والدم أريق في كل مكان، وكثر عدد الموتى حتى أصبحت جثثهم من الكثرة بحيث استحال دفنها، ولذلك فإنها ألقيت في الماء كالماشية الميتة، وأصبح أصحاب الأصل الرفيع مفعمين بالحزن، وصارت الأرض تدور كعجلة الفخاري تعيد تشكيل ملامح الحياة، وبات اللص صاحب ثروة، وتحول النهر إلى بحر دماء عافتها النفوس وأصيبت التماسيح بالتخمة بما التهمت من جثث وقضي على الضحك، فلم يعد يسمع صوته على الإطلاق، بينما أخذ الحزن يمشي في طول البلاد وعرضها ممزوجا بالأسى، وكره الناس الحياة حتى أصبح كل واحد منهم يقول: يا ليتني مت قبل هذا. وعم الظلم والمرض والفوضى البلاد، وأصبح الرجل يقتل أخوه من أمه، والطرق شائكة، فاللصوص يكمنون في الحشائش حتى يأتي المسافر في ظلام الليل ليسلبوا منه حمله ويسرقون ما عليه، ثم يضربونه بالعصي حتى يقطع نفسه ثم يذبح ظلما...

ويقول الباحثون إن هذه البردية تلخص الحالة التي حدثت في مصر أثناء فترة ما يسمى «عصر الاضمحلال» بعد وفاة الملك بيبي الثاني، والذي جلس على عرش مصر 94 عاما، وفقدت مصر بعده وحدتها، وجرى تقسيم أقاليمها، ودام ذلك حوالي 80 سنة حتى جاءت سلالة جديدة منإننا نعيش حالة من الفوضى تشبه بردية الحكيم المصري القديم «إيبور»،

تؤرخ البردية لمرحلة قاسية في التاريخ المصري القديم حوالي سنة 2180 ق. م، بعد انتهاء الأسرة السادسة وزوال الدولة القديمة التي وصلت لأعلى درجات المجد في عصر بناة الأهرام، حيث مرت مصر بعقود من الفوضى تصفها البردية بكثير من التفصيل وببلاغة أدبية عالية؛ حيث يقول الحكيم إيبور: «أصبحت البلاد ملأى بالعصابات حتى أن الرجل كان يذهب ليحرث أرضه ومعه درعه، وشحبت الوجوه وكثر عدد المجرمين ولم يعد هناك رجال محترمون. وفقد الناس الثقة في الأمن. وعلى الرغم من فيضان النيل فقد أحجم الفلاحون عن الذهاب لفلاحة أرضهم خشية اللصوص وقطاع الطرق».

كما صارت القلوب رجفة ثائرة، خاصة بعد انتشار الوباء في كل الأرض، والدم أريق في كل مكان، وكثر عدد الموتى حتى أصبحت جثثهم من الكثرة بحيث استحال دفنها، ولذلك فإنها ألقيت في الماء كالماشية الميتة، وأصبح أصحاب الأصل الرفيع مفعمين بالحزن، وصارت الأرض تدور كعجلة الفخاري تعيد تشكيل ملامح الحياة، وبات اللص صاحب ثروة، وتحول النهر إلى بحر دماء عافتها النفوس وأصيبت التماسيح بالتخمة بما التهمت من جثث وقضي على الضحك، فلم يعد يسمع صوته على الإطلاق، بينما أخذ الحزن يمشي في طول البلاد وعرضها ممزوجا بالأسى، وكره الناس الحياة حتى أصبح كل واحد منهم يقول: يا ليتني مت قبل هذا. وعم الظلم والمرض والفوضى البلاد، وأصبح الرجل يقتل أخوه من أمه، والطرق شائكة، فاللصوص يكمنون في الحشائش حتى يأتي المسافر في ظلام الليل ليسلبوا منه حمله ويسرقون ما عليه، ثم يضربونه بالعصي حتى يقطع نفسه ثم يذبح ظلما.

ويقول الباحثون إن هذه البردية تلخص الحالة التي حدثت في مصر أثناء فترة ما يسمى «عصر الاضمحلال» بعد وفاة الملك بيبي الثاني، والذي جلس على عرش مصر 94 عاما، وفقدت مصر بعده وحدتها، وجرى تقسيم أقاليمها، ودام ذلك حوالي 80 سنة حتى جاءت سلالة جديدة من الملوك الأقوياء الذين أعادوا النظام والأمن إلى مصر، وبدأت معهم مرحلة حكم الدولة الوسطى في التاريخ الفرعوني، وهو المعروف باسم «عصر الرخاء»، الذي تميز بالرفاهية الشديدة والتقدم في جميع مجالات الحياة... هكذا هو حالنا الآن كما جاء في البردية...!!

الملوك الأقوياء الذين أعادوا النظام والأمن إلى مصر، وبدأت معهم مرحلة حكم الدولة الوسطى في التاريخ الفرعوني، وهو المعروف باسم «عصر الرخاء»، الذي تميز بالرفاهية الشديدة والتقدم في جميع مجالات الحياة... هكذا هو حالنا الآن كما جاء في البردية...!!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب مصري وباحث في علم الجغرافيا السياسية

 

ويعتبر دجلة والفرات نهرين عابرين الحدود وليسا نهرين دوليين!

هل يعقل أن رئيس الوزراء العراقي ومستشاريه وهم بالعشرات ، لا يعرفون الفرق بين المصطلحين الأول "الانهار العابرة للحدود" والثاني "الانهار الدولية" وأنه لم يطلعوا على تفاصيل الخلاف الشديد حول هذا الموضوع طوال عدة عقود بين العراق وتركيا؟  نرجو أن يكون ما قاله رئيس الوزراء  مجرد "زلة لسان" حيث ان تركيا طالبت العراق باعتبار النهرين عابرين للحدود وليست دوليين وقد رفضت الحكومات العراقية المتوالية ذلك.

ان الفرق بين اعتبار النهرين عابرين للحدود أو دوليين هو الاتي: تركيا تعتبر النهرين نهرين تركيين عابرين للحدود ولا ينطبق عليهما القانون الدولي الخاص بمجاري الانهار الدولية، ولذلك لم توقع تركيا على هذا القانون ورفضته.. أما القول انهما دوليان بمعنى يمران في عدة دول مستقلة فيعني ان القانون الدولي ينطبق عليهما..تركيا تعتبر الانهار التي تفصل بين الدول كالانهار بينها وبين بلغاريا وروسيا انهار دولية ولذلك وقعت مع بلغاريا وروسيا اتفاقيات لتقاسم مياه تلك الانهار ورفضت وترفض التوقيع على الاتفاقيات مع العراق وسوريا وما قاله السوداني اليوم سوف يتسبب بكارثة لانه يعتبر اعترافا بالمنطق التركي.. وقبل السوداني اخطأ الوزير حسن الجنابي حين قال عبارة "حوض دجلة والفرات" والصحيح انهما حوضان مستقلان جيولوجيا وهايدروليكيا وليس حوضا واحدا وتركيا تطالب العراق باعتبارهما حوضا واحدا، لتعوض مياه واحد من الاخر، ولكن العراق رفض ذلك. وقد كتبت مقالة مطولة في الصحافة العراقية واللبنانية حينها وانتقدتُ الجنابي على هذا التصريح وقد صحيح الرجل موقفه في تصريح لاحق رغم انه واصل اداءه المتهاون والتفريطي بحقوق العراق في مياه الرافدين.

ان الحل الممكن و السلمي وفي الحد الادنى يكمن في أن تنتهج الحكومة العراقية  موقفا وطنيا جذريا يتناسب وحجم الكارثة المحدقة بالعراق والعراقيين وتبادر فورا الى تدويل المشكلة وتقطع التبادل التجاري الضخم مع دول المنبع المتفردة بإدارة مياه النهرين الدوليين دجلة والفرات وروافدهما و إلا ستتحمل المسؤولية الكاملة عما حدث وما سيحدث. اليكم نص ما قاله السوداني: "مئات الالوف نزحوا من مناطقهم وسبعة ملايين مواطن تضرروا بسبب الجفاف، والانفراد بالتحكم بالمياه في دول المنبع يزيد من هشاشة الدول في مواجهة تأثيرات التغيرات المناخية! وما الحل؟ وقال: "ندعو الدول الصديقة ومنظمات الأمم المتحدة كافة لدعم العراق في مواجهة آثار التغيرات المناخية والدول الأطراف في الاتفاقيات الدولية البيئية، لتعزيز بنود التعاون الدولي في الإدارة المشتركة لأحواض الأنهار العابرة للحدود، والحفاظ على حقوق الدول المتشاطئة".

***

علاء اللامي

........................

*رابط يحيل الى التقرير الاخباري حول الموضوع:

https://www.alsumaria.tv/news/%D9%85%D8%AD%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA/450066/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%B7%D9%84%D9%82-%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9-%D9%83%D8%A8%D8%B1%D9%89-%D9%84%D8%B2%D8%B1%D8%A7%D8%B9%D8%A9-5-%D9%85%D9%84%D8%A7%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%B4%D8%AC%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D9%86%D8%AE

تواصل وسائل الإعلام الغربية ومراكز البحوث العسكرية والاستراتيجية، مناقشة الهجوم الصاروخي الروسي الذي نُفذ في 9 مارس / آذار على أهداف أوكرانية حرجة، ما ولد تساؤل كبير عن الذي يواجه مجتمع استخبارات الناتو، وهو ما هي الترسانة طويلة المدى وعالية الدقة للقوات المسلحة الروسية اليوم.

الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي الذي أجبر على الاعتراف، بهذه "الليلة العصيبة"، اخفى ووزير دفاعه، ما نتج عنه هذا الهجوم الصاروخي الروسي، والذي أستهدف بحسب مصادر مطلعة، مخابئ التحصينات ومراكز التخطيط، وكذلك على الدفاع الجوي / الرادار، ووفقا للمصادر المطلعة عن خسائر فادحة في صفوف الضباط، بمن فيهم الأمريكيون، يبدو أن "هيئة الأركان العامة الظل"، لحلف شمال الأطلسي تكبدت الكثير من الخسائر .

وجراء الهجوم قُتل "العشرات من ضباط الناتو" في "ضربة مرعبة" بصاروخ ماخ 12، وتؤكد " برو نيوز " في جميع الاحتمالات، حدوث هزيمة "لهيئة الأركان العامة الظل" لحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا، والمخبأ السري تحت الأرض، والذي بُني على عمق 400 قدم (120 مترًا)، وكان يأوي العديد من ضباط الناتو (المتقاعدين) والمستشارين، وفي المجموع، أكثر من 300 شخص، وحتى الآن، تم انتشال 40 شخصًا من تحت أنقاض المقر الرئيسي تحت الأرض، لكن معظم القتلى لم يتم العثور عليهم بعد، ولا يُعرف بالضبط كم عدد المواطنين الغربيين، وعدد الأوكرانيين الذين قُتلوا نتيجة لضربة صاروخ "الخنجر"، فمعظمهم وكم تشير بوابة " برو نيوز"، هم بريطانيون وبولنديون، لكن كان هناك أيضًا أمريكيون، وممثلون عن شركات خاصة تدعم الاتصالات ونقل البيانات، وسيتبين في الأيام المقبلة إلى أي مدى سيؤثر ذلك على سير العمليات الأوكرانية والغربية، ومحاولات وقف المرحلة الأخيرة من الهجوم الروسي على باخموت.

ويشير المراقبون والمحللون العسكريون الى ان "هذه"، هي أول ضربة واسعة النطاق ضد الأفراد العسكريين في دول الناتو، وليس معروفًا كيف سيكون رد فعل العواصم الغربية على ذلك، على الرغم من أنه في حالة حدوث رد فعل، سيكون الأمر نفسه كإقرار بالمشاركة النشطة للعسكريين في الحرب ضد روسيا، فبحسب الممثل الرسمي لوزارة الدفاع الروسية، اللفتنانت جنرال إيغور كوناشينكوف، فقد تم تدمير قواعد هجوم الطائرات المسيرة، وتعطل نقل الاحتياطيات والنقل بالسكك الحديدية للأسلحة الأجنبية، ومنشآت إنتاج لإصلاح المعدات العسكرية. وتم تعطيل إنتاج الذخيرة.

ووفقا لما اعلنه القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية زالوجني، في مطاردة حامية، فإن الجانب الروسي أطلق 81 صاروخًا على أهداف أوكرانية، بما في ذلك X-47 Kinzhal و X-22 و X-101 / X-555، بالإضافة إلى 8 طائرات بدون طيار من نوع Geran، وأن المدافع المستقلة المضادة للطائرات المزعومة قد أسقطت 34، و 8 "لم تصل إلى أهدافها نتيجة المعارضة المنظمة، الا انه ووفقا للمعلومات المستقلة، فإن قوة الهجوم الصاروخي كانت في 12 منطقة، وفي كل مكان مع دمار خطير، وحتى الآن، يستمر حريق قوي في CHPP-5 في كييف، وتم الوصول في قاعة التوربينات، وتحدثت "خاركيف" العامة عن ما لا يقل عن خمسة عشر انفجارًا وهجومًا على CHP-3 و CHP-5، في حين ذكرت صحيفة أوكرينسكا برافدا نقلاً عن مسؤولين من الإدارة الإقليمية: "في منطقة زابوروجيه، عن أصابة 5 صواريخ منشأة بنية تحتية حيوية في آن واحد، في حين اجبر وزير الطاقة الأوكرانية، على الاعتراف بأن الهجوم الصاروخي أضر بثلاث محطات طاقة حرارية على الأقل.

من ناحية، وصفت وزارة الدفاع الروسية رسميًا هذا الهجوم الصاروخي الواسع النطاق، بأنه ضربة انتقامية على أعمال تخريب عبر الحدود وهجمات إرهابية، ارتُكبت في وقت سابق من هذا الشهر في منطقة بريانسك الحدودية، ومن ناحية أخرى، أثبتت موسكو قدراتها من خلال الإشارة إلى أن طائرة Kh-47 Kinzhal التي تفوق سرعتها سرعة الصوت ستُستخدم الآن بشكل منهجي، ووفقا لتقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، فانه من المحتمل أن تكون روسيا قد طورت صاروخًا فريدًا و (شغله) لضرب البنية التحتية الأوروبية الحيوية بسهولة أكبر وبسرعة، جنبًا إلى جنب مع مسار الصاروخ غير المتوقع والقدرة على المناورة العالية، يمكن أن تجعل الاعتراض صعبًا، ووفقًا أعلن وزير الدفاع الأوكراني، ريزنيكوف، في نوفمبر الماضي، أن روسيا استخدمت 16 صاروخًا من طراز Kinzhal ولديها مخزون من 42 صاروخًا، ربما لتحل محل تلك التي استخدمتها بالفعل ضد أهداف أوكرانية، ومن الواضح أن المحامي السابق، الذي أصبح رئيس "ميدان" وزارة الدفاع، ليس له مصادر غير المصادر الأمريكية.

وعلى الرغم من تقليل المسئولين الأمريكيين من أهمية الصواريخ الروسية الجديدة، ولكن تظل الحقيقة، أن روسيا تبدو الآن لديها الموارد اللازمة لإطلاق صواريخ " كينجال "، وفي هذه الجولة من الدفاعات الجوية الأوكرانية، فشلت الدفاعات الجوية الأوكرانية. لوقف أي منهم، فقد اعترفت مجلة فوربس، المدعومة من المؤسسة الخارجية، هي الأخرى، بأن "أكبر مفاجأة - وأكبر مشكلة لأوكرانيا - كانت إطلاق ما لا يقل عن ستة صواريخ Kinzhal الفرط صوتية "، ووفقًا لديفيد هامبلن، الخبير في الأسلحة عالية التقنية، "إذا بدأت روسيا حقًا في إنتاج الكميات المطلوبة من" الخناجر "، فإن اللعبة ستتغير ليس لصالح كييف.

وبعد أن اشتكى زيلينسكي من "الليلة الصعبة"، أطلقت وسائل الاعلام الامريكية والغربية، ومنها صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية، حملة ضد الأزمة، لتهدئة الأعصاب المحطمة في الهياكل، مثل، فكر في "خنجر"، وبشكل عام، يعتبر هذا الصاروخ نادرا وثمينا، مما يعني أن موسكو قد خرجت بالكامل، الا ان جاستن برونك، كبير الباحثين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، قال ان هذا الاستخدام لمثل هذه الصواريخ القيمة يربك محللي (الناتو )، لعدة أسباب، منها، أولاً، ربما أرادت روسيا التغلب على حماية هدف معين، على الرغم من أن صواريخ إسكندر إم الباليستية، هي الأخرى ليس من السهل إيقافها على الإطلاق، وثانيًا، من الممكن أن يكون نفس الإسكندر قد نفد الهجوم، وثالثًا، تقوم روسيا على نحو غريب بمطابقة الأسلحة مع الأهداف، والذي قد يكون بسبب عملية صنع القرار شديدة المركزية.

وشركة Ukro-pravdoruby، تذكر بالفعل أن "الخناجر" استخدمت في استهداف المخابئ ومراكز التخطيط، وكذلك في الدفاع الجوي / الرادار، وعلى وجه الخصوص، أبلغ مجتمع التلغرام Zhovto-Blakit بالفعل عن خسائر في ضباط الأركان، بما في ذلك الضباط الأمريكيون، ويشدد برونك أولاً وقبل كل شيء، أن موسكو لديها هدف مهم للغاية، والذي كان لتدميره قيمة مماثلة لـ "جوهرة" X-47، وعلى سبيل المثال، لم يرغب الروس في المخاطرة ودمروا شيئًا مهمًا قام الناتو في أوكرانيا بتغطيته بدفاعه الجوي.

إن الاستخدام المكثف لصواريخ Kinzhal، وكما يؤكد المراقبون، فانه يمكن الافتراض أن روسيا قد أنشأت إنتاجًا ضخمًا لهذه الصواريخ وليس لديهم مشاكل مع المكونات، وتقول صحيفة واشنطن بوست، إن استخدام الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت زاد من قلق الولايات المتحدة، وأظهر أن روسيا لديها سلاح نووي يصعب اعتراضه، وخلصت إلى أن الولايات المتحدة لم تكن قادرة بعد على تطوير صواريخها الخاصة ذات الخصائص المماثلة، مما يجعل الدول الغربية أكثر عرضة للخطر، ووفقًا لمذكرة بحثية لـ Goldman Sachs، فقد وجهت روسيا أقوى ضربة لأوكرانيا، على عكس ادعاء رؤساء المخابرات الأمريكية، بأن طموحات موسكو في الصراع مع كييف، من المرجح أن تتراجع عن السيطرة على الأراضي، الأخرى ويبدو أن عملاء وكالة المخابرات المركزية يأكلون الخبز والزبدة مجانًا ويستحقون على الأرجح طردهم.

وللتذكير فإن صاروخ (الخنجر)، هو أحدث نظام روسي به صواريخ جوية تفوق سرعة الصوت محمولة بواسطة صواريخ MiG-31K الاعتراضية المجهزة خصيصًا، ويتمتع الصاروخ برؤية رادار منخفضة وقدرة عالية على المناورة، وهو مصمم لتدمير الأهداف البرية والبحرية، وقد كانت مجمعات Kinzhal في مهمة قتالية تجريبية في القوات المسلحة RF منذ ديسمبر 2017، ورسميًا، تم أول استخدام قتالي لهذه الصواريخ في 18 مارس 2022 خلال العملية الروسية العسكرية الخاصة .

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

لا يمكن بناء سلطة ديموقراطية بدون إحترام حقوق الأنسان وتحقيقها فعلا من خلال العمل على تطبيق القوانين الدولية بهذا الخصوص، خصوصا تلك التي تتبناها الأمم المتحدة، كون جميع الدول بأنظمتها المختلفة هي أعضاء في هذه المؤسسة الأمميّة. وقد تتعرض للتساؤل في حالة أخلالها بهذه القوانين من خلال عدم أحترام حقوق الأنسان في بلدانها. وبالتأكيد فأنّ للدول الحقّ أيضا في أن تنظر لهذه المسألة من خلال قوانينها الخاصّة والتي يجب أن لا تبتعد عن المفاهيم الأساسية لحقوق الأنسان وحقّه في العيش بكرامة. ولأننا نتحدث عن العلاقة بين الديموقراطية وحقوق الأنسان، فعلينا أن لا ننجر الى مواقع السلطات التي تتبنى من خلال برلماناتها وكونها الأكثرية سواء كانت تلك الأكثرية سياسية أو دينية أو طائفية أو قومية، في قهر الأثنيات والأحزاب السياسية والمجموعات الدينية والحريّات الشخصيّة من خلال مبدأ الأكثرية والأقليّة، فهذا المبدأ يفقد معناه حينما يبدأ بمواجهة تلك المجاميع من خلال مبدأ الديموقراطية.

نتيجة السجل الأسود للنظام البعثي في ملف حقوق الأنسان وضربه لكافّة المواثيق والعهود الدولية بل وحتى الأسلامية عرض الحائط وقمعه لجماهير شعبنا بكل أطيافه، تبنت المعارضة العراقية  وقتها هذا الملف بكثير من الحماس كونها عانت كما بقية أبناء شعبنا من إستبداد سلطة البعث وسجونه وإغتيالاته وإعداماته. وقد عوّل شعبنا على هذه القوى في إقامة نظام سياسي يحترم حقوق الأنسان وحريّاته الشخصية، وينهي مأساة تلك الحقبة السوداء من تاريخه. فهل نجح معارضي البعث وهم على رأس السلطة اليوم  في تقديم رؤية قانونية لحقوق الأنسان العراقي، على أنقاض رؤية البعث لها؟

لقد تاجرت القوى الأسلاميّة كما غيرها وهي في صفوف المعارضة على ملف حقوق الأنسان، وكان من ضمن الشخصيات الأسلامية التي تناولت هذا الملف المهم جدا من وجهة نظر إسلاميّة هو د. أكرم الحكيم القيادي في المجلس الأسلامي الأعلى المعارض وقتها، والشاغل لمناصب عليا في الدولة العراقية بعد الأحتلال الأمريكي للبلاد. ففي مقال له تحت عنوان " وجهة نظر إسلاميّة تجاه مسألة حقوق الأنسان"، والتي نشرتها مجلة الثقافة الجديدة التي يصدرها الحزب الشيوعي العراقي في عددها رقم 286  والصادرة بتاريخ كانون الثاني – شباط 1999 في صفحاتها 32 – 35  ، تناول السيد الحكيم هذا الملف إستنادا الى الفكر الأسلامي، وحتّى عندما كان يعرج في مقالته عن حقوق الأنسان في العصر الحديث فأنّه كان يربط هذه الحقوق بالدين الأسلامي وتأثيره المعاصر! فهل أوفت القوى الأسلاميّة وهي تتصدر المشهد السياسي اليوم بتعهداتها حول حقوق الأنسان العراقي كما كانت تروّج له وهي في المعارضة؟

السيّد أكرم الحكيم لم يخرج قط عن عباءة الدين بنظرة طائفية في مقالته وهو يقول " المصادر الأسلامية (القرآن الكريم ونصوص المعصومين عليهم السلام!!)، هي مصدر الفكر والثقافة والتشريعات والأخلاق الأسلاميّة"، فأكّد وهو يتناول نصوص دينية من التراث الأسلامي الشيعي وآيات قرآنية والتي سنتناول البعض منها لاحقا من أنّ " قيمة هذه النصوص ومثيلاتها تنبع أضافة الى المفاهيم التي تتضمنّها والسياسات التي تؤسسّها، تنبع أيضا من عمرها الزمني الذي يمتد لأكثر من ألف وأربعمائة سنة... بكلمة أخرى يمكن القول وبدون مبالغة بأنّ النصوص الأسلاميّة ساهمت وبدرجة كبيرة في أثراء التجارب البشرية المتراكمة بمرور الزمن حتى وصلت الى صيغتها المتقدمّة المعاصرة المتمثلّة بالأعلان العالمي لحقوق الأنسان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من كانون الأوّل 1948"، عازيا الدين كعامل مهم في تكوين ما أنتهى اليه الفكر الأنساني، علاوة على " حقوق الأنسان والمواطن" الذي أصدرته الثورة الفرنسيّة ووثيقة " أعلان الأستقلال الأمريكي" في أعلان الصيغة النهائية لقانون حقوق الأنسان، فهل حصل المواطن العراقي على جزء من حقوقه التي نادى بها السيد الحكيم وحزبه والأحزاب الأسلامية الأخرى تمتلك عرش العراق اليوم..؟

لقد أجتزء السيد الحكيم بعض الآيات التي ذكرها في مقالته وهو يسوّق مبدأ حقوق الأنسان من خلال معتقداته، والتي برهن التاريخ من أنّها لم تكن الّا وسيلة لذرّ الرماد في العيون، فها هو أسلامه وتشيّعه على رأس السلطة ولم نرى شيئا من حقوق الأنسان في بلدنا الذي أكتوى بنار البعث، وجاء الأسلام السياسي ليكمل ما عجز البعث عن أنجازه في كل حقول السياسة والأقتصاد والأجتماع ومنها حقوق الأنسان وحقوق المرأة وحقوق الأطفال. فالسيّد الحكيم يستشهد بآية (لا إكراه في الدين) سورة البقرةآية 256، لكنّه لا يستمرّ بالآية الى نهايتها والتي تقول (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، كما وأستشهد السيد الحكيم بالآية 29 من سورة الكهف (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْۚ) والتي كما التي قبلها جاءت في غير سياقها كونها لم تستمر حتى نهايتها (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ). في الآيتين السابقتين والتي جاء بهما السيد الحكيم كمثال على مبدأ حقوق الأنسان في القرآن الكريم، فيهما نوع من التهديد والوعيد وهذا بعيد عن مبدأ حقوق الأنسان، فحقوق الأنسان كما الحريّات لا تتجزأ والّا ستكون بعيدة عن أهدافها الحقيقية.

السيّد الحكيم وبعد كم الآيات والأحاديث التي تناولها في مقالته تلك التي كانت بعيدة عن صلب الموضوع أصاب الهدف بدقّة في نهايتها، حينما تساءل عن السبب الذي يجعل البلدان الأسلامية تعيش انتهاكات كبيرة لحقوق الأنسان، مؤكدا من أن أنتهاك حقوق الأنسان ومصادرة حريّاته هي سياسة ثابتة وأستراتيجية للحكومات بمختلف ألوانها. وقد حدّد السيد الحكيم الأمر بنقطتين جوهريتين الأولى هي " إنّ أغلب الحكومات التي تعاقبت  على السلطة في عالمنا الإسلامي ولقرون طويلة من الزمن اختارت من الأطروحة الأسلامية ما يناسبها وأهملت كل ما يتعلّق بحقوق الشعب وكل ما يتعارض مع تسلطها وأستبدادها، حتّى بلغ الحال أن تعتقد ملايين من المسلمين بقداسة تاريخ وشخصيات خلفاء وحكّام كانوا في الواقع ظلمة وطغاة وفاسدين"، والثانية " تخلّف الجماهير في وعيها الديني والسياسي والثقافي شكلّ على الدوام عاملا مساعدا لأستغلال الدين والقيم الدينية لغير أهدافها الأصليّة".

 إذا أخذنا النقطتين أعلاه كمثال لما يجري بالعراق الأسلامي اليوم، سنرى أنّ السلطات تكرّس ما تحتاجه من نصوص اسلامية وغير اسلامية لاستمرار هيمنتها على السلطة، والأسلام السياسي الذي ينتمي اليه السيد الحكيم هو جزء اساسي وفاعل في هذه السلطة اليوم، أمّا عن تخلّف وعي الجماهير فأنّ للسلطة والمرجعيات الدينية والعشائرية الدور الأكبر في تغييب وعي الجماهير وقبره.

غياب حقوق الأنسان والحريّات الأساسية تعني غياب الديموقراطية، وغياب الديموقراطية تعني الأستبداد وأن كانت صناديق الأقتراع فيصلا، كون الديموقراطية في هذه الحالة تكون على قياسات أحزاب السلطة. وما نراه في العراق اليوم من قمع للمتظاهرين وخطف للناشطين والتضييق على الحريات بقرارات تستند على نصوص اسلامية، بعيدة عن كل ما جاء في الأعلان العالمي لحقوق الأنسان. والقوى الأسلامية اليوم تختار من الأسلام نفسه ما يناسبها، فهي تحرّم أمور كثيرة، لكنّها لا تحرّم السرقة التي وردت آية في القرآن تأمر بقطع يد السارق كما جاء في الآية 38 من سورة المائدة (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، لأننا حينها سنرى مئات من الساسة ورجال الدين مقطوعي الأيدي.

أنّ السرقة حرام، والغشّ حرام، والفساد حرام، والخيانة حرام، وأشاعة الجهل بين الناس لغاية في نفس الأحزاب الأسلامية حرام، وأكل مال اليتامى والأرامل حرام، وأستيراد المخدرات وبيعها على شبابنا حرام ما بعده حرام، أمّا أستمرار سلطة المحاصصة فهي الكفر بعينه. لكي يكون للأنسان العراقي حقوق وفق معايير دولية، فأننا بحاجة الى نظام علماني ديموقراطي لا ينظر لهذه الحقوق من ناحية دينية، بل من ناحية قانونية ودستورية تمنح المواطنين الحق في التظاهر والتجمع والأضراب وممارسة شعائرهم الدينية وحريّاتهم الشخصية ومنها حريّة التعبير بما لا يتعارض ومفاهيم حقوق الأنسان.

***

زكي رضا - الدنمارك

 

 

كانت مشهورةً قبل الغزو الأمريكي للعراق، بأنها "مدينة البرتقال". هكذا يعصِرُ العراقيون ذِكرَ مُحافظة ديالى – التسمية الرسميَّة - في وعيهم. بعد 2003م. تعاونت ثلاثة أحداث مركزيَّة على عَصْرِ الحجر، البشر، و الأشجارِ فيها وأُمُّهُم البرتقال.

الأول كان تفجيرُ المرقدين – ضريحُ الإمامين علي الهادي و حسن العسكري - في قضاء سُرَّ من رأى (سامراء التسمية الرسميَّة)، في فبراير 2006. الثاني، كان تصفية معسكر أشرف، من منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانيَّة، حيثُ يقع المعسكر جوار مدينة الخالص، و قد انطلقت عمليات التصفية في فبراير 2012. أمّا الحدثُ الأب (المركزي)؛ فقد كان استيلاء " داعش" على الموصل، في يونيو 2014.

الأحداث الثلاث المركزية، لعِبت دور جهاز تزويد الطاقة المستمر (UPS)، لعدم الاستقرار في هذه المحافظة، التي تقعُ شرق العاصمة بغداد، على بُعدِ مسافةٍ خجولة جدّاً.. سبعة و خمسون كيلومتراً. الحدثان الأول و الثاني – تفجيرُ المرقدين و مجاهدي خلق – وفَّرا بحبوحة طائفيَّة، للميليشيات الإيرانيَّة، لكي تقوم بمجازر و مذابح.

المذبحة و بأبسط تعريف: "هي قتل أكبر عدد ممكن من السكان". أمّا المجزرة فهي: "ذبح عشوائي للأشخاص. وحشي في طبيعته". الميليشيات العقائديَّة، استخدمت مجازِراً و مذابِحاً، لتُخفي سلاح الكاتم الديموغرافي – جريمة التطهير العرقي - عن الضمير الصناعي.. الميديا، سواء كانت المحليَّة، الإقليميَّة؛ بل و حتّى الدوليَّة.

خلق محافظة مقدسة ثالثة!

النائب ناهدة الدايني عن ديالى، قالت: " إنَّ التهجير القسري، شمل 60% من مناطق المحافظة، وأن عمليات التهجير هذه تستهدف مكوِّن بعينه، كونه الأكبر في ديالى". كما أن ما يحصل في ديالى الآن – قتل أطباء و ضباط - هو صِراع بين ميليشيات، تريدُ تعديل حجومِها النافِذة في المحافظة، قبل بدء استثمارات الطاقة الغازيَّة فيها!

 ما تقوم بهِ إيران، هو نُسخة مُعدَّلة، من سعي "الشاه طهماسب" لـ: " أن ينعم بلقب "خليفة الخلفاء" على حاكمه في بغداد فلم يفلح" (المصدر السابق). إيران تريدُ تنصيب مرجعيَّة "صفويَّة" جدّاً، في سامراء. حظوظ ذلك في النجف، وعِرَة جدّاً.. لأن العالم يُركِّزُ عينيه عليها؛ على "العُليا" فيها تحديداً، و بغداد العاصمة، رغم مناطقِها العشوائيَّة – الهدف الأساس صناعة "جيتوات" طائفيَّة – ملعونة بعراقيين، ليس لتسبيل اليدين عندهم أو تكتيفُهما حظٌ كبير.

مرجعيَّة سامراء الافتراضيَّة؛ ستحكمُ باسمِ "ولي الفقيه و خليفة الخلفاء" في طهران. هكذا سيصبحُ للعراق محافظة مُقدَّسة ثالثة – العراق في غنى ديني عنها - تستطيعُ أن تُشِع صفويَّاً على بقيَّة البلاد. طهران تريدُ انتزاع (سُّر من رأى)، من الخليفة المعتصم بالله.. بالأحرى من السلاجقة!

تغيير ديموغرافيَّة ديالى، يوفِّرُ مدداً تبشيريّاً، بعيداً عن الأعين الفاحِصة؛ فهي بعد كُل شيء واقِعة في قبضة الحدود الإيرانيَّة، و ممتازة كقاعِدة لتمركُز الجيوش، و الذريعة "داعش"، الموجود إعلاميَّاً، ولفائدة جميع اللاعبين في العراق. جديرٌ بنا أن نُذكِّر هنا، إنَّ أحد رُباعي المراجع في النجف، هو " مسؤولٌ إداريّاً عن إدارة العتبة العسكرية" في سامراء".

مرجعيَّة خامِسة بدل رُباعيَّة النجف

ميليشيا "سرايا السلام" تُسيطر الآن على سامراء، و هي تابعة للزعيم الصدري. تكادُ تكون الجِدار الأخير، أمام استيلاء الميليشيات الأُخرى – التي تتبنى نهج ولاية الفقيه الإيرانيَّة – لكن و كما تحدَّث رجلُ دينٍ، بلسان نُخبة سامراء الدينية: "نريدُ الحكومة لا غيرها "، كتعبيرٍ مجازي صريح، عن عدم رغبة أهلها، بأي "سلاحٍ موازي" (تعبير نحتهُ الأكاديمي يحيى الكبيسي للإشارة إلى سلاح الميليشيات).

سامراء، توفِّرُ للزعيم الصدري، فُرصة تنصيب نفسه؛ كمرجعيَّة عراقيَّة عربيَّة – حسب سياق الأحداث و ظواهِرِها - بعيداً عن النجف، المُسيطر عليها، من قبل مرجعيات دين، مُتعدِّدَة الجنسيات الآسيويَّة (إيران، باكستان، أفغانستان، و الرابعة من بيت الحكيم).

الصورةُ الخياليَّة هذهِ، عن مطاطيَّة تغيير الحدود الإداريَّة للعراق و مناطِقه، وإمكانية استعمارِه، بريطانيَّة الطابع. عماد أحمد الجواهري، لاحظ ذلك، و هو يبحثُ مشكلة الأراضي و تملُّكِها في العراق من 1914م – 1932م، حيثُ سجَّلَ لنا، ما وردَ في برقيةٍ صادرة من القسم التجاري، للقنصلية البريطانية في البصرة: "إن حالة فوضى نظام ملكية الأراضي في وادي الرافدين يمكن أن تسمح للمستوطنين الأوروبيين ببناء مستعمرات فيه".

نستطيع القول؛ إن محاولات (عثمنة، إيرنة، تهنيد) العراق، إدارياً، تنبعُ من هذهِ الفوضى. أمّا لماذا ما يحصلُ في ديالى، لا يجذب الاهتمام الكافي إعلاميّاً؛ فربما نستطيع الاستعانة بـ ستيفن هيمسلي لونكرك مرَّة أُخرى – طبعاً هو يقصِد العراق بأكمله لكن دعونا نستخدمها لديالى حصراً - و بما مفادُه: " هذه الشهرة العريقة في القدم قد جاءت خيبة لا مثيل لها، في أن تستجلب نظرة من العطف؛ فقد نفَّر عصر الفقر، و الفوضوية و الإهمال الطويل، مؤرخي حمورابي و غيرهم".

بات لِزاماً على العراقيين، خاصَّةً: العاملين في مراكز البحوث الأجنبيَّة، مراكز حقوق الإنسان، نُشطاء الميدان، المؤرِّخون، المثقفون، أن لا يتصرَّفوا كـ "جامِعيْ معلومات" على حدِّ تعبير آلفن توفلر. أن لا يمارِسوا البخل المعرفي، في هذه اللحظة التاريخيَّة المهمة، في حياةِ بلادِنا؛ بل أن يتكلموا عن جمالِ وقُبحِ بلادِنا، شِفاهاً و تدويناً، حتّى لو وجدوا، إنَّ هنالك من سيسرِقُ أفكارهم، من العاملين في هذه الجهات، و يقبضون الثمن بدلاً عنهم.

الدول العربيَّة التي تبكي على العراق، ربّما بات عليها – لتحقيقِ أمنها القومي و الإقليمي - أن تُفسِح مجالاً أكبر للصوت العراقي، في وسائل إعلامها، بعيداً عن اشتراطات النقاء المذهبي – ذكرنا ذلك سابِقاً - أمّا الأُخرى التي تتعاون مع طهران؛ فإنّي أجِدُ إنَّ علاقاتِها الاستراتيجيَّة معها، ليس فيها من داعٍ لخنقِ العراق إعلاميَّاً!

وصيتنا الأخيرة للنُشطاء في العراق عامَّةً، و ديالى خاصَّةً، أن يقوموا مع كُل حدثٍ في ديالى، بتوضيح التالي شِفاهاً و كتابة، و لنأخذ قرية "الجيايلة" كمثالٍ ما زال راهِن التأثير: أين موقعها بالتفصيل الممل، جغرافيتُها، كم تبعد عن الحدود الإيرانيَّة، ما نوع القوى التي تُسيطر عليها، سواء الحكوميَّة أم الميليشياوية و هكذا. هذهِ التفصيلات ستكونُ ضوء كشَّاف مهم، يفضحُ الجُناة؛ الذين يستغلون الليل البهيم، لفوضى العراق الإداريَّة، و تعب الإقليم و العالم، من أحداثِه الأمنيَّة التي لا تنفُذ.

المعرفةُ هذهِ، و إن كان ما سيعلقُ منها شذرات، في وعي البُسطاء، هي ستُقلِّل اتساع نِطاق التُهم الرخيصة و الطائفيَّة، المُتبادلة بين العراقيين. خُلاصة النصيحة، إنَّها ستفضح المشاريع التدميرية للبلاد.

هذا ليس ابتكاراً من عندنا؛ بل ما فعلهُ أجدادُنا مع الاسكندر المقدوني؛ الذي كاد أن يُجن، بسبب قدرة العراقيين على التملُّص من مشاريعه، مما دفعهُ للتشكي منهم، في خِطابٍ، أرسلهُ لمُعلِّمه ارسطوطاليس؛ كي ينصحه عن الأفضل فعلهُ معهم، ليردَّ عليه و باختصار: "لا فائدة".

***

مسار عبد المحسن راضي و ناجي حرج

كاتب وباحث عراقي/ المدير التنفيذي لمركز جنيف الدولي للعدالة

 

كانت مشهورةً قبل الغزو الأمريكي للعراق، بأنها "مدينة البرتقال". هكذا يعصِرُ العراقيون ذِكرَ مُحافظة ديالى – التسمية الرسميَّة - في وعيهم. بعد 2003م. تعاونت ثلاثة أحداث مركزيَّة على عَصْرِ الحجر، البشر، والأشجارِ فيها وأُمُّهُم البرتقال.

الأول كان تفجيرُ المرقدين – ضريحُ الإمامين علي الهادي وحسن العسكري - في قضاء سُرَّ من رأى (سامراء التسمية الرسميَّة)، في فبراير 2006. الثاني، كان تصفية معسكر أشرف، من منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانيَّة، حيثُ يقع المعسكر جوار مدينة الخالص، وقد انطلقت عمليات التصفية في فبراير 2012. أمّا الحدثُ الأب (المركزي)؛ فقد كان استيلاء " داعش" على الموصل، في يونيو 2014.

الأحداث الثلاث المركزية، لعِبت دور جهاز تزويد الطاقة المستمر (UPS)، لعدم الاستقرار في هذه المحافظة، التي تقعُ شرق العاصمة بغداد، على بُعدِ مسافةٍ خجولة جدّاً.. سبعة وخمسون كيلومتراً. الحدثان الأول والثاني – تفجيرُ المرقدين ومجاهدي خلق – وفَّرا بحبوحة طائفيَّة، للميليشيات الإيرانيَّة، لكي تقوم بمجازر ومذابح.

المذبحة وبأبسط تعريف: "هي قتل أكبر عدد ممكن من السكان". أمّا المجزرة فهي: "ذبح عشوائي للأشخاص. وحشي في طبيعته". الميليشيات العقائديَّة، استخدمت مجازِراً ومذابِحاً، لتُخفي سلاح الكاتم الديموغرافي – جريمة التطهير العرقي - عن الضمير الصناعي.. الميديا، سواء كانت المحليَّة، الإقليميَّة؛ بل وحتّى الدوليَّة.

جريمة التطهير العرقي

يتبنى مركز جنيف الدولي للعدالة، هذا التعريف لـ (جريمة التطهير العرقي)، وهي باختصارٍ مُفيد: "عملية الطرد بالقوة لسكّان غير مرغوب فيهم، من إقليمٍ مُعيَّن، على خلفية تمييز ديني، أو عرقي، أو سياسي، أو استراتيجي، أو لاعتباراتٍ إيديولوجية، أو مزيجٍ من الخلفيات المذكورة".

ما حدث في قرية "الجيايلة"، في 20 فبراير 2023، الواقِعة في محافظة ديالى – قضاء الخالص – كان كوكتيل من الدم؛ المضروب في خلَّاطين.. المذبحة والمجزرة. عصيرُ الخلَّاطين، كان كافياً، لملء كأس تعريف جريمة التطهير العرقي.

شروط المذبحة تحققت، لأنها قتلت عدداً كبيراً، من الأفراد الذين لا يقتلون عادةً – النساء والأطفال تحديداً – فقتلُهم يُعتبرُ عاراً إنسانياً، وقَبَليَّاً أيضاً. شرطُ المجزرة موجودٌ بدورِه، إذ صوِّر بأنه ناتج عن عشوائية قانون "الثأر" العشائري. طبعاً، النِّزاعات العشائريَّة، اُستخدِمت وما زالت توظَّف في التبريرات الرسميَّة، كقطعة اسفنج لامتصاصِ الدم.

تبريرُ العشائريَّة، ليس اختِراعاً عراقيَّاً. هو في الأصل، براءةُ اختراعٍ بريطانيَّة. عرَّفها، عالم الاجتماع العراقي عبد الجليل الطاهر كالتالي: " من يستطيع السيطرة على شيوخ العشائر يستطيع السيطرة على العشائر. ومن يسيطر عليها يحكم العراق بكل سهولة".

السُلطات الإدارية، العسكرية، والأمنية، في ديالى، هي وبحسبِ نُشطاء محليين، بيدِ: " مجموعة مُتَنَفِّذة، تجمعُها صِلاتُ قرابة، ومن عشائر بعينها". المعتقلون من أهالي ديالى، كذلك، وبحسبِ معلوماتٍ، غير متداولة في الميديا العراقيَّة: " يمثِّلون نسبة كبيرة من أعداد المعتقلين في سجن مكافحة الإرهاب المركزي". أمّا تاجُ الجحيم؛ الذي ترتديه؛ فيتَمثَّلُ في: " قدوم قوَّات خاصَّة من بغداد، تقوم بحملات اعتقالٍ عشوائية، في مناطقِها. تأخذُهُم بعدها، لمُعتقلاتٍ في العاصمة، بدون علم وتدخل الأجهزة الأمنية والإدارية في المحافظة".

المُفارقة، إن هناك ثلاثين مُعتقلاً، في المحافظةِ نفسها. طبعاً، ليس فيها من الشروط الإنسانيَّة شيء، وفيها من الإجرام ألوان. الأهمُّ من ذلك، حفلات الشتم الطائفيَّة: يا "نواصب". هذا المصطلح خاص لـ "العرب العراقيين السنة"، بتهمةِ رفض ولاية الإمام علي. يترافقُ ذلك مع تهديمٍ مستمر للمساجد.

 النتيجة المطلوبة، وعلى اعتِبار إنَّ أغلب المعتقلين، لم ولن يروا النور أبداً! فإنَّ عوائِلهم ستلعن "الروافض". هذا المصطلح مُخصص لـ "العرب العراقيين الشيعة"، بتهمةِ رفض التكليف الإلهي للرسول العربي. هكذا تزدهر الميليشيات المُسلَّحة، ومُشغِّليها في قُم. يبدو ذلك نصراً عظيماً. خاصَّةً في محافظةٍ مُختلطةِ المذاهب والأعراق.

فخامةُ النصر، تتضحُ في نسيان "السنة والشيعة"، لشعارٍ ردَّدوه، مع طلائع الاحتلال الأمريكي: "لا سنة ولا شيعة.. هذا الوطن منبيعه (لا نبيعُه)"، ليُصبِح: "لا سنة ولا شيعة، انعل ابو اللي ميبيعه (تباً لمن لا يقوم ببيعه)".

ديالى.. معمل طابوق "محافظة سامراء"!

مرَّ سبعة عشر يوماً، تقريباً، ما بين المذبحة – المجزرة في قرية "الجيايلة"، ومحاولة تغيير اسم جامع "سامراء الكبير"، إلى "ولي الأمر". رئيسُ المجمع الفقهي في سامراء، الشيخ عز الدين الرفاعي، كان مصيباً عندما حرَّك حبَّات المسبحة، لتُطلقِ كلمة منطقيَّة: " ديالى". اللطيف إنَّ عمر "سامراء الكبير" وبحسب الرفاعي: "ثمانمائة وخمسة وثلاثون سنة". زاد الرفاعي: "ذلك له علاقة بما يحصل في الطارمية، التاجي، الدجيل، بلد، وصولاً إلى سامراء". سامراء بالطبع – لإعلام القارئ العربي - واحِدةٌ من أقضيةِ محافظة صلاح الدين.

السؤال هنا: من أين تأتي أريحيَّة الميليشيات الإيرانيَّة، إذاً، في محاولة رسم الديموغرافيا عموماً.. التي يُطلِق عليها العراقيون، تعبيراً بسيطاً وموحياً اسمهُ "الإيرنة"؟

تأتي تلك الأريحيَّة، أولاً، من التاريخ الإداري لبغداد. اختصاصات العاصمة الإداريَّة، كانت الإشراف على: "سنجق المركز وأقضيته عانة والرمادي وسامرا والكاظمين والعزيزية والكوت وخانقين وبعقوبة ومندلي وبدرة، وسنجق الديوانية وتتبع له أقضية الحلة والسماوة والشامية، وسنجق كربلاء وأقضيته الهندية والنجف وقضاء الرزازة الصحراوي" ( ستيفن هيمسلي لونكريك، أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث).

يتضحُ من ذلك، إنَّ الإشراف على المراكز والمحافظات الدينيَّة في العراق، كان من نصيب بغداد. الأهم في هذه اللقطة التاريخيَّة - بحسب سياق طرحنا– إنَّ ديالى تقعُ اختصاصات العاصمة. علماً إنَّ ديالى ترتبِطُ بوسط وجنوب العراق، جغرافيا الشمال فيه، القُرب من العاصمة كما أسلفنا، القُرب النسبي من غرب العراق الأنبار، وحدود مع إيران، تبلغُ مساحتها مائتان وأربعون كيلومتر.

التركيز على رغبةِ إيران، بفتحِ مزيدٍ من المنافذِ لها مع سوريا، لا يبدو كافياً. استطيع أن أعتبر ذلك نوعاً من المواربة، والاكتفاء بفتح نصف الباب. السبب الرئيسي والذي يعملُ كيدٍ، تستطيع فتح الباب كُلِّه وعلى مصراعيه، إنَّ "الإيرنة الصفويَّة" لا "التشييع"، الحاصل في ديالى، هو ميلُ الحرير الأخير، لتحويلِ سامراء من قضاء إلى محافظة إيرانيَّة صفويَّة، مُتنكِّرَة برداءٍ "شيعي".

***

مسار عبد المحسن راضي و ناجي حرج

كاتب و باحث عراقي/ المدير التنفيذي لمركز جنيف الدولي للعدالة

الانقسام الذي أدى للفصل بين غزة والضفة ليس معادلة فلسطينية خالصة ولم يجري بسبب الخلافات الفلسطينية الداخلية حتى وإن شاركت فيه بعض الأطراف الفلسطينية، بل هو مشروع استراتيجي اسرائيلي تم فيه توظيف هذه الخلافات وقد كتبنا عن ذلك كثيراً بما فيه كتابنا حول صناعة الانقسام ودولة غزة، ولو لم يحدث الانقسام وإخراج غزة من معادلة الصراع ما كان العدو يستطيع التفرد بالضفة كما يجري اليوم.

مطالبة البعض بإنهاء الانقسام من خلال تراجع حماس عن انقلابها وعودة السلطة الشرعية لقطاع غزة دون وضع آلية توافقية لذلك ليس طرحاً عملياً قابلا للتطبيق، ليس فقط لأن حركة حماس ترفض ذلك بل لأن الكيان الصهيوني لن يسمح بإعادة توحيد غزة والضفة في سلطة وحكومة واحدة وهو الذي صنع الانقسام ويعمل على اضعاف السلطة الوطنية حتى في حدود نفوذها المجدود في الضفة.

كما يمكننا الحديث مطولاً عن المشاركين في الانقسام والمستفيدين منه وعن مخاطره، كما يمكن لمعارضي حماس مواصلة اتهامها بالمسؤولية ومطالبتها بالتراجع عن انقلابها وسيطرتها على القطاع، كما يمكن لحركة حماس والفصائل المؤيدة لها والمعارضة للسلطة الوطنية مواصلة انتقاد السلطة وتحميلها مسؤولية الانقسام وفشل حوارات المصالحة ....  ولكن أن يستمر الانقسام والمناكفات في الوقت الذي تشهد فيه فلسطين أخطر هجمة عدوانية استيطانية لحكومة عنصرية لا تخفي هدفها بتصفية الوجود الوطني للفلسطينيين على أرضهم بحيث لا تقل خطورة المرحلة عما جرى خلال النكبة 48 وخلال حرب 67، هو أمر خطير يحتاج لتفكير ومعالجة خارج صندوق التفكير العدمي لكل الطبقة السياسية.

فشلت عشرات جولات حوارات المصالحة والاتفاقات الموقعة بشأنها لأن المتحاورين كانوا يريدون تحقيق توافق على كل الملفات: الأمن والحكومة والمنظمة والمصالحة الاجتماعية والانتخابات والبرنامج السياسي (رزمة واحدة)، ولم ينجحوا في ذلك، إذن ما العمل؟ هل سيبقى مستقبل ومصير المشروع الوطني والقضية برمتها أسير المخططات الصهيونية وأسير الانقسام والمستفيدين منه ويستمر كل طرف فلسطيني بتوجيه الاتهامات للآخر وتحميله المسؤولية؟ أم تفكر بموضوعية وعقلانية بإمكانية تفكيك ملف الانقسام والتدرج في مسار الوحدة الوطنية من خلال مصالحات وتفاهمات بين الفاعلين السياسيين في كل منطقة؟

إلى حين إجراء لانتخابات العامة الشاملة أو نجاح جهود المصالحة في الجزائر- إن كانت المبادرة الجزائرية ما زالت قائمة- ،وحتى لا تستمر نظرة العالم للفلسطينيين كشعب منقسم ويتصارع مع بعضه البعض ولا يتفقون على أية رؤية أو موقف موحد، وحتى لا يستمر توجيه الاتهامات لقطاع غزة بأنه محكوم من جماعة الإخوان المسلمين ومن جماعات مسلحة خارج إطار الاجماع الوطني، وتصنيف عديد الدول بما فيها عربية لحركة حماس كحركة إرهابية،  وبالتالي يستمر حصار القطاع وإخراجه من معادلة الصراع مع الاحتلال،  ولأن قطاع غزة كان خزانا ًللوطنية ويجب أن يستمر كذلك، وحتى لا نستسلم للمخطط الصهيوني لصناعة دولة غزة الذي طالما تحدثنا عنه وحذرنا منه وقد ذكر مؤخرا ًحسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أن مشروع دولة غزة مطروح على الطاولة لدى عديد الدول ... لكل ذلك يجب التفكير ومن خلال التوافق على مصالحات جزئية تكسر معادلة الانقسام وتغير المعادلة القائمة، في غزة من خلال تشكيل حالة وطنية تضم جميع أطياف الشعب الفلسطيني، مع استمرار جهود المصالحة الوطنية الشاملة مقابل أن تتوقف حركة حماس  وقوى المعارضة عن سياساتها المعادية للسلطة الوطنية  في الضفة، وأن تسمح السلطة في الضفة بحرية العمل السياسي لمعارضيها من حركة حماس وبقية الفصائل، وأن يتفهم كل طرف خصوصية كل حالة.

نعم، مع تمنياتنا بنجاح السلطة الوطنية الشرعية والرسمية في مواجهة ما تتعرض له من تهديدات وأن تنجح جهود المصالحة ليعود قطاع غزة جزءاً من سلطة وحكومة وطنية واحدة، إلا أنه راهناً هناك سلطة في قطاع غزة منذ عام 2007 تحكم فيها حركة حماس حكماً منفرداً،،  إلا أنها سلطة تحكم أكثر من 2 مليون فلسطيني، ومع أنها بدون سيادة ومحاصرة إلا أنه في قطاع غزة  لا يوجد مستوطنات أو احتلال مباشر، مما يجعل من الممكن أن يتشكل في قطاع غزة إدارة أو حكومة محلية وطنية تمثل كل الأحزاب والمجتمع المدني بجانب السلطة الوطنية الرسمية في الضفة.

يقول بعض المقربين من قائد حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار إنه يعتبر نفسه غير مشارك في الانقسام وأحداثه الدموية وبالتالي يرغب في تجاوز المرحلة السابقة وتشكيل حالة وطنية في قطاع غزة.  ويستشهد هؤلاء بخروج أو إخراج غالبية القيادات التقليدية والمؤسِسة الأولى للحركة من القطاع وإقامتها الدائمة في تركيا وقطر والتزام من بقي في القطاع الصمت، وهي القيادات المتهم بعضها بالمشاركة في صناعة الانقسام وتوتير العلاقة مع منظمة التحرير، كما توجد في القطاع إرهاصات حالة جديدة تتميز بتخفيف نسبي القبضة الأمنية المتشددة على المعارضين وتوظيف خطاب وطني وحدوي وفسح المجال نسبياً لكل الفصائل الفلسطينية بالعمل السياسي بما فيها تنظيم فتح في غزة.

صحيح أن قطاع غزة يشهد انفراجه في الأمور السابق ولكن ذلك لا يعني تجاهل بعض الأصوات الموتورة التي تواصل خطابها التحريضي على السلطة والقيادة الفلسطينية كما لا يمكن تجاهل ما يُقال من أن كتائب القسام تشتغل خارج إطار القانون وتعتبر نفسها فوق كل قانون، أيضا فالتنسيق مع إسرائيل يتزايد يوماً بعد يوم في مجال تنظيم العمل على المعابر والعمل في الأراضي المحتلة والحفاظ على الهدنة، وهي أمور على كل حال تجد قبولاً من قطاعات واسعة من الجماهير بحيث تراجعت الدعوات لإطلاق الصواريخ أو الدخول في مواجهات مباشرة على الحدود.

قد يقول قائل إن ما يجري في غزة مؤخراً من هدوء وتهدئة و تحسن في الوضع الاقتصادي حيث تدخل الأموال للقطاع من أطراف متعددة بتنسيق مع دولة الاحتلال، وهناك علاقة وثيقة بين الاقتصاد والأمن، محاولة من حماس لتحسين صورتها وإرسال رسائل للعالم أنه يمكن قيام دولة في غزة تعيش بسلام مع دول الجوار ، ولكن، هل يستسلم الفلسطينيون لهذه الحالة إلى ما لا نهاية مما يعني تكريس الانقسام والفصل أم يعملون على كسرها من خلال إثبات أنهم قادرون على حكم أنفسهم بأنفسهم في نطاق ما هو متاح لهم من أرض وسلطة في القطاع وفي نفس الوقت يؤكدون أنهم جزء من الشعب الفلسطيني ومن الحالة الوطنية العامة؟

في قطاع غزة مجلس تشريعي، أجهزة أمنية وجيش، إدارات تقوم بمهام وزارية كاملة الصلاحية، محاكم وقضاء وأنظمة قانونية منفصلة عما يوجد في الضفة، جباية للضرائب، إشراف على المعابر الحدودية، علاقات مع عديد الدول الخ، بمعنى أن في القطاع كل العناصر التي تشكل النظام السياسي إلا السيادة وهذه غير متوفرة حتى عند السلطة أو النظام السياسي القائم في الضفة.

دون أن يشط البعض في تفكيره ويتهمنا بتكريس الانقسام أو يُفهم من كلامنا تشكل بديل عن منظمة التحرير وعن السلطة الوطنية الشرعية، فإن ما نطالب به تشكيل حالة وطنية توافقية لا تعادي منظمة التحرير والسلطة الوطنية والمشروع الوطني، ومن غزة تستمر الحوارات لإعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير، فهل تتعاطى حركة حماس مع هذا الاقتراح وتقبل بتشكيل هيئة  أو حكومة محلية مؤقتة لإدارة القطاع تتكون من جميع الأحزاب ومن شخصيات مستقلة؟

قد يشكك البعض في أن تتخلى حركة حماس عن السلطة في غزة وما توفره لها من منافع أو تتخلى عن مشروعها الإسلامي وارتباطاتها الخارجية، كما قد يشكك البعض بأن تسمح السلطة بحرية العمل السياسي لحماس وفصائل المعارضة في الضفة وسيكررون الحديث عن التنسيق الأمني والتزامات أوسلو الخ، ومع ذلك يحدونا الأمل بتغليب صوت العقل والمصلحة الوطنية العليا عند الجميع كما نراهن على دور إيجابي من الفصائل والأحزاب المتواجدة في غزة وعلى دور إيجابي لمؤسسات المجتمع المدني والجمهور في قطاع غزة.

 تغيير الأوضاع في قطاع غزة في الاتجاه الذي ذكرناه سيفشل مخططات العدو بتكريس الانقسام والانفصال ما بين غزة والضفة وسيعزز العلاقة بين حركة حماس والاحزاب الوطنية كما يعطي مصداقية لخطابها الوطني الذي سمعناه يتردد مؤخرا، كما أن غزة تحتاج لحكم وطني ديمقراطي رشيد يثبت للعالم أن الفلسطينيين قادرون على حكم أنفسهم بأنفسهم فيما هو متاح لهم من الأرض.

من المتوقع عدم الرضا عن هذا المقترح من المستفيدين من الانقسام ومن أصحاب الأجندة غير الوطنية وقد يتحدث البعض عن سذاجة هذا المقترح، ولكن من لديه اقتراحات عملية للخروج من دوامة الانقسام ومربع المناكفات السياسية فنحن مستعدون للاستماع له.

***

إبراهيم ابراش

ان أزمة المجتمع العربي الاسلامي بالامس واليوم هي: أزمة أخلاقية تاريخية اساسها التزوير والتناقض بين الايمان ونقيضه في التطبيق، الذي مارسته الأغلبية من نخب السلطة وامعاتها حين حسبناهم مقدسين، من مضللي التاريخ وسارقيه الذين لا يستطيعون الافصاح والأعتراف بأنهم ابتعدوا عن نظرية التأسيس القرآني لحكم المجتمع القائمة على المَثل الأعلى والنموذج والتطبيق خوفا من السيف المسلط على الرقاب وطمعا في السلطة والمال،حتى حسبوه ديناً للتقاليد، كما ينقله لنا التاريخ الوهمي لهم.. لكن الحقيقة تقول انه كان ديناً يملك مشروعا له منطلقات وتوجهات وقسمات يرفض التقليد والتزوير.. وهي بكل تأكيد لو طبقت حسب ما جاء في النص المقدس لاحدثت التغير الجذري في المجتمع العربي والعالمي على مستوى النظر والعمل معاً.. وعلى مستوى الرؤية التاريخية بما هم فيه يعتقدون.

وحين فشلت نظرية منا امير ومنكم امير- بعد وفاة صاحب الدعوة - على طريقة حكم العراقيين الفاشل اليوم.بالامس كانت التجربة المحمدية في قمتها الروحية فسرعان ما تم تطويق هذه الفرقة وعادوا للمؤاخاة.. فمن يعود بالتجربة اليوم والحاكم يمتثل للاعداء الاخرين، ولا يؤمن بدين التوحيد العظيم.

لذا منذ البداية لم يعترفوا بنظرية تكوين الدولة على اساس النص المقدس ووثيقة المدينة اساس الحقوق والقانون.. بل كان الأعتراف على اساس الدولة"أنا" فكانت أنتكاسة الدين والدولة معاً نحو الضعف والتشويه.. ولا زالت.. حتى اصبح الدين اليوم ليس الاسلام المحمدي بل دين الفقهاء.. دين المذاهب الباطلة المخترعة من زعماء البويهيين والسلجوقيين من اصحاب التقاليد.. نطالب وبقوة تغيير المناهج المدرسية من اجل الحقيقة لا التقليد.

من هنا ظهرت المعارضة العربية الواعية صاحبة قوانين مجلس الملأ الرصين منذ البداية تطالب بتطبيق نظرية الشورى التي من اجلها دخلوا الاسلام رغبة لا ترهيب، فالعرب لم يكونوا من الجاهليين كما قرأناهم في برامجنا التعليمية الباطلة، بدليل النص القرآني الذي يقول:"كنتم خير أمة اخرجت للناس" فالنص ما جاء من فراغ بل من صدقية حقيقة الواقع العربي الأصيل.. وها هي مناهجنا المدرسية التي حولت كل صحيح الى باطل مدروس من الفرس والاترك المعادين لأمة العرب.. لكن المتنفذين عَدوا المطالبين بالحقوق مرتدين على النظرية، وليسوا مطالبين بتطبيقها فكان السيف والعصبية القبلية هما البديل. ومنذ ذلك الزمن البعيد بدأت نظرية التصفية لمن يعترض ويخالف لقتل الحقوق والمطالبين والى اليوم.. بألأمس قتل المعارض مالك بن نويرة التميمي وهو مسلم وأستبيحت زوجته.. واليوم قتل العلامة المفكر هشام الهاشمي ولا تحقيق.

اما الرؤية التاريخية للمشروع الاسلامي المتمثل بالمعايير التي تحدد مسار تفاعلات العلاقات على المستوى الواقعي من جهة، والاطار المرجعي المتمثل بما شرع من الدين منذ البداية المنتهي باختتام النبوة وتحويل السلطة الى المسلمين جاءت ليحكموا بقوة العقل والقانون بعد ان صار الدين حرا مختارا لمن يعتقد ويريد وليس اجبارا للمعترضين (لكم دينكم ولي دين) وقوله تعالى: (اعدلوا ولو كان ذي قربى) قوانين لم نقرئها في كل حضارات السنين.. والعقل دوما يعرف بفعاله في التطبيق.. لذا طالبت العامة "لا سيف ولاعصبية قبلية" بل لحكم الشورى بين المسلمين.. هنا أصطدمت نظرية الدولة المزيفة مع نظرية الأمة المطلوبة "هذه أمتكم أمة واحدة وانا ربكم فأعبدون".. من هنا بدأ ت السلطة الغاشمة بالتصفيات والانحراف الكبير.

 نعم.. لقد أشاعت السلطة البارحة واليوم عملية التحريف في كل ما هو جليل ودقيق دونما مسئولية من ضمير حين تم تحريف تفسير النص وأبتداع الحديث وحين تلقف المؤرخ والفقيه نظرية التزوير لخدمة الخليفة الاموي والعباسي حتى "اصبح كل الفاسدين امراء للمؤمنين. وما دروا ان الوعي الفكري والاجتماعي.. هو الذي يصنع الثورة التي تحقق اهداف التغيير وليس خليفة المواخير.. فمن أين نأتي بالاسلام الصحيح بعد.. من مجلس حكم الخائنين،ام من نظريات احزاب الفساد والطائفية والجنس، والكل من التابعين رافع سيفه يحارب المخلصين حتى تحول الدين والمجتمع الى ضنين لكل التابعين..

أفهم أخي المخلص أن الحكام الطغاة واعوانهم وغيرهم من الفاسدين في حكم الدولة مهمتهم ان يجعلوك فقيرا بلا وعي لتبقى تهرول من ورائهم من اجل المواعين.. وشيوخ الطاغية من فقهاء التخريف في الدولة (مرجعيات الدين) أن تقتصر مهمتهم ان يجعلوأ وعيك غائباً ملتصقا بالغيبيات والماورائيات والأدعية واستحداث المزارات الوهمية والزيارات.. وهم يعلمون ان الموتى لا رجاء منهم في التغيير، لتبقى انت خارج الفكر التنويري دون احساس بفكر المتنورين.والنهاية واحدة هي الجهل والموت البطيء.. كما هي مجتمعاتنا العربية والاسلامية وعراقنا المظلوم منهم اليوم.فلا حل الا بفصل الدين عن سياسة الطغاة الكاذبين.

اخي المواطن.. من هو الذي يرفع الغمة عن الحقيقة، غير انت الذي تحدد قيمة نفسك في مجتمع المتنورين، فلا تصغر من شأنها حين ترى فخامة وهيبة الاخرين.. فالطاغية الباطل بالون اجوف جاء بقوة السيف والخنوع للمغيرين،لا بقوة الوعي الانساني الكبير، ورجل الدين الفاشل عمامة فارغة أحبكت بدبوس جاءت من الوهم اللامعقول تساندهم بعض اقلام المنافقين الذين هم اقدر على التبرير. فلا تقف مكتوف الايدي والفكر تجاه عدوك الطاغية.. هؤلاء هم رجال بلا أوزان.. وسيبقون كذلك لانهم لايؤمنون بعدل ولا وطن ولادين فلا تحترمهم او تسمعهم انهم اعداء حرية الانسان والدين،وبدون الحرية فلا حضارة ولا تقدم ولانهوض.اعلم اخي القارىء لو كانت القيمة المادية تقاس بالاوزان لكانت الصخور اغلى من الماس في التثمين.

ان غباء الساسة السابقين والحاليين وطمعهم في السلطة والمال والجنس جعلهم لايدركون حقوق الشعوب وبَلاء الاستبداد في الوجود.. لكن الحقيقة تقول ان لا وجود ولا سلطة مالم تكن هناك سلطة مدركة لزارع يزرع وصانع يصنع وتاجر يشتري ويبيع وطبيب يداوي ومهندس يُعمر ومعلم يُعلم وقاضٍ يَحكم بين الناس بالعدل وسلطة تراقب وتنفذ القانون.. "فأين لنا منها اليوم"بعد ان اصبح الوطن مشاعا للقاتلين. كل هذا كان وما زال مفقودا في دولة الاسلام ودولتنا اليوم بالذات.ان اصرار الشعوب على الحقوق دون وجل هي التي تعلم الحاكم تجارب التاريخ، لذا فان ثورة تشرين العراقية العظيمة مثلاً هي التي جعلتهم يفكرون الف مرة قبل ان يستمروا بظلم الاخرين، ولازالوا رغم السيف وتبريرات رجال الدين مبهورين خائفين.. لذا سيبقى المواطن هو الذي يصنع التاريخ لا الطاغية الكريه القبيح الذي يعتقد انه هو سيد المجتمع والتاريخ.. لذا على المؤرخ ان يكون ضمير الامة وعقلها الباطن وهو بقلمه يُوجه ويُعلم المخلصين.

على المجتمع حفاظا على الحقوق ان لا يسمح لطبقة الساسة التي تعودت على حكم الناس بالباطل ان تتوارث الحكم عن طريق الاحزاب الباطلة والكتل الطامعة بكل جدبد،فلا توارث ولا كتل تحكم بالدين بل بالعدل والقانون.. وهي بلا ذمة ولا ضمير تستمد القوة من الاجنبي المساند لها والكاره للوطن كل تقدم وتجديد.من هنا سيصل الشعب الى طريق التجربة والعمل لمعاني الديمقراطية والحرية والتعاون والمساواة والعدالة.. وهذه القيم تأتي عن طريق المعاناة والاصرار على الحقوق لا عن سبيل المواعظ والعبر وراي مرجعيات الدين البائسة الجالسة على الحصير والأبناء في لندن وباريس يمتلكون الثروة والقصور وهم بالدين والمذهب يتحججون بها وهي ليس لها من حق في التعيين.. وتلك هي معاناة مجتمع الحقوق من وجهة نظر التاريخ.

الشيوعية مثلاً ترى يجب وفرة الاحتياج لكل شخص دون ان يتكل على احد هي بهذا تهدف الى تحقيق مجتمع سلام بلا طبقات، وهذا ما هدف اليه دستور المسلمين (وثيقة المدينة) المغيب عندهم منذ التأسيس

لكن الفرق ان الشيوعية كذبت فالواقع اثبت انها عكس العقيدة والتجريد وان بعض قادة الشيوعية كانت تدعوا للتخريب والتدمير وعدم الابقاء على شيء قائم وهو ما يعرف بنظرية العدمية واصحابها الذين يرون في تطبيقها ضرورة لبناء عالم أفضل.. وقد مات صاحب النظرية (نيتشسايف) في السجن من قبل اعدائه مخلفا ثمرة تجربته الى لينين وتروتسكي وغيرهما من قادة الثورة الروسية عام 1917 بعد ذلك.. لكنهم خابوا وفشلوا في التحقيق.. بعد ان كانوا يجهلون سنن الحياة التي تقول:ان الذي لا يتقدم يتأخر من تلقاء نفسه ويغرق ويموت.. والتقدم لا يعني صناعة البندقية والتدمير.. بل يعني الحقوق والقانون وهم فاقديها.. والا لماذا الاعتداء على الاخرين كما في أوكرانيا اليوم وفلسطين.. وهذاما حل بدولة الاسلام بعد ان حكمها المجرمون من زنادقة التاريخ.. واعتدوا على حضارات الاخرين بأسم الفتوح الكاذبة والفتح لا يبرر التدمير.

ومع تصور هذه الظاهرة بالضارة والعدمية.. لكن الانسان دوما له عقل يتصرف به،وبهذا العقل يستطيع التغلب على الظروف غير المواتية بدلا من الرضوخ لها وتركها تشكله كيف شاءت.. ولهذا بقي الانسان على هيئته وخصائصه رغم وعيه الكبير فترة طويلة دون ان يمس التغيير جوهره الحقيقي في التطبيق.. ولكن.. كان تقصيره في اتباع المنهجية العلمية في التطبيق وهذا ما افتقدناه عند المسلمين؟

حكامنا من العراقيين الحاليين الذين باعوا الوطن مقابل المال والسلطة والجنس خيانة للاخرين دون تفكير.لكن اذا نودي للصلاة تجد الف خنزير منهم يهرول خلف المؤذن ضحكا على الذقون، وكلها لا طعم ولا رائحة عندهم في التطبيق.. المهم المال والسطة والجنس بما ملكت ايمانهم صاغرين.. فهل معقولة ان الله اباح الاعتداء على النفس والمرأة وهو الذي امر بمحاربة الزنى ان يجعل.. ما ملكت ايمانهم دون حسيب ورقيب.. لا اعتقد فان الله منزه عن الكبائر ولا يحب المعتدين.. لكن التفاسير القرآنية في غالبيتها جاءت تحابي السلطة لا الدين.

.. على المسلمين ان يفهموا ان الايمان بانسانية الانسان يتضارب مع السيف والفساد والاحتكار وقتل المطالبين بالحقوق.لذا عليهم ان يعترفوا ان احتكارهم للسلطة اليوم وفتوحاتهم للبلدان الاخرى بالأمس كانت غزوات معتدية وليست أوامردين.. ولازال الحاكم المسلم هو هو دون تغيير.. فهل من العدم يحصل في المجتمع التغيير.. ؟

ولا زال اصحاب الفكر الديني.. يرون ان الحياة الكريمة تتمثل في يوم القيامة لتحقيق العدالة الاجتماعية.. تصور وهمي باهت فيوم القيامة يمثل عدالة التطبيق، ولم يكن مبني على اللاحقيقة التي يطرحها الفقيه.. مجرد تصور لاهوتي قديم.لذا فهم يلجئون للقوة لتحقيقه مدعين ان الله اوحى لهم التحقيق.. كما في غزوات المسلمين للاقطار الاخرى في التاريخ وكل الحروب العبثية التي اشعلوها نتيجة انعدام الوعي والتفكير.. كما من يعتقد بظهور السيد المسيح والامام المهدي المنتظراللذان سوف ينتجان الجنس البشري الخالي من العيوب.. ويقولون بعد ظهورهما لن يكون في الحياة الدنيا خير وشر ولا مشكلات ولا حاجة لابتكارات جديدة في المجتمعات في المسيحية هو المتكفل في رد الخطيئة، وعند المسلمين المهدي الذي سيحقق عدالة القانون.. ولا ندري وهم في السلطة لا يحققون.. هنا كمايعتقد بعض المؤرخين تظهرالمدينة الفاضلة التي تتمثل فيها العدالة المطلقة وانتهاء الاستهتار الانساني.. الكبير لكنهم واهمين.. فالوهم والخيال لاينتج حقيقة.. فالحقيقة لا ينتجها الا القانون كما في المجتمعات الانسانية اليوم التي حققت عدالة القانون.. وهاهم الهاربون من الجحيم يستظلون بظلها اليوم شهداء للتاريخ.

انا شخصيا لست كارها للدين أو رافضاً له، لكنني أرى انه السمو الاخلاقي والفكري لا حاجة له لرجال أوصياء عليه وبفلسفتهم الطوبائية المبنية على النفعية لهم والتمييز بينهم وبين الاخرين يطبقون أخلاقية الدين، ولا ادري من خولهم بهذا الامتياز الذي يتمثل فيه التفريق.. والله خلق الانسان من نفس واحدة دون تفريق.هؤلاء الذين حولوه الى نظرية عدمية ليس لها في الحقيقة من اصل.. وبقدر ما ارى ان وجود دولة دينية عقبة كآداء في سبيل تحقيق الوحدة الوطنية وتقدم وتطور القانون.. "كون ان النص الديني ثابت والقانون متطور".هنا تلغى التطورية التاريخية.هؤلاء مثلهم كمثل من يعتقد ان وجود مرتزقة في الجيش لكي لا يمكن السلطة السياسية من بناء جيش وطن مخلص قوي يدافع عن الوطن في الشدة كما نحن اليوم في التطبيق.. من اجل استمر السلطة والمال بايديهم كما هم حكام العراق اليوم. لذا هم يعيشون في مأزق الخطأ المستمر..

ونحن نقول لهم:كونوا فكرا دءوبا صادقاً ستفتحون به عصرا جديدا.. ان الذي يرضي الحياة ويطورها لصاح مجتمع التاريخ.. ليست الفلسفة التأملية التي يطرحها أصحابها وهماً.. بل الفلسفة الواقعية.. التي تمنح الانسان القوة بحيث يستطيع ان يوقف الظلم ويرد السلطة عن هواها اذا ارادته،ولكن اين نحن اليوم من اعداء علم الفلسفة الذي حولوه الى عقيدة التفريق.، وهنا تكسب السلطة في الاولى عدمية خبرة التحقيق.. وفي الثانية احترام النفس والوطن اجمعين.

وعلى هذا الاساس ينشأ الوعي الخلقي الذي يبتعد عن التفريق كما هم اليوم يفرقون كما في مسلسلي معاوية وابو لؤلؤءة المجوسي الكريهين الذي بهما يريدون الموت للشعوب بالتفرقة الدينية والطائفية المقيتة المخترعة منهم ليبقوا يحكمون.. قاتلهم الله انا يؤفكون.. لا..  بالوعي الفكري والخلقي نتقدم ونقهر المستحيل.. وهذا ما حدث عند الحكومات التي يسمونها (بالكافرة اليوم) التي تحترم شعوبها ونفسها دون تفريق.. فمتى نصل لهذا الادراك الكبير.. 

ليست الحقيقة امام عيني لأراها.. لكني ارى فيها كل ما ارى.. نعم كل ما ارى.

***

د.عبد الجبار العبيدي

قد يتساءل القارىء الكريم الآن: ماذا ستعني هذه "القراءة الجديدة"؟ هل ستطرحُ شيئاً جديداً عن هذه الشخصية التي أشبعها الباحثون دراسة وتفكيكاً! لذلك سَنُبيّنُ ما يلي:

ما نقصده ب"القراءة الجديدة" هو طرحٌ مُخالف لما يُشاع بعد سقوط نظام صدام حسين 2003 وما بعدها. فقد ظهر إتجاه جديد يتمثّل بالحنين الى العهد الملكي عموماً، والى الباشا السعيد خصوصاً، بإعتباره أكبر سياسي ملكي (1) وفي هذا الإتجاه من الأخطاء والمغالطات التاريخية الشيء الكثير (2) وعليه فلا بُدّ من تسليط الضوء على الباشا من خلال المصادر والمراجع المُعتَبَرَة، فهذا هو الطريق الصحيح.

ستكون خطة البحث كما يلي:

1ـ لمحة سريعة عن ولادة الباشا ونشاته

2ـ عقائده السياسية والقيم التي يؤمن بها

3ـ التصفيات السعيدية؟

4ـ إرتباطه ببريطانيا

5ـ الباشا والشيوعية

6ـ الباشا وتدّخل الجيش في السياسة

7ـ الباشا وإستغلال النفوذ الشخصي وإمتلاك العقارات

8ـ حِنكة الباشا تحت الإستفهام

1ـ الولادة والنشأة:

أقرّ دارسٌ مُميّزٌ (3) للباشا بقلة المعلومات المتوفرة عن طفولة الباشا وتبعثرها، فقد إختلفت المصادر في تحديد الموطن الأصلي لأسرته، ولم تتفق على تحديد نسبه. وعَلّل الباحث ذلك بأن الباشا نفسه لم يُشر في كتاباته وأحاديثه الخاصة والصحفية الى إنتمائه القومي.

وُلِدَ الباشا ببغداد سنة 1888م وقضى طفولته في جوٍ أقرب الى الإنغلاق منه الإنفتاح، وهذا ما إنعكس على شخصيته فيما بعد. يقول توفيق السويدي:

(نشأ نوري في بيئة إقليمية محدودة لم يستطع التخلص من مؤثراتها رغم الزمن الطويل الذي عاش فيه وهو متصل بكبار الطبقات من أجانب وشرقيين) (4)

إنعكس ذلك على شخصيته، فقد عانى من الكبت في البيت والكُتّاب، فكان منكسراً خانعاً، لكنه عندما يخرج الى الشارع يكون على النقيض، إذ كان يُنَفّسُ عن كبته بمصارعة الصبيان بالأيدي والتشاجر بقوة. ولعل ذلك قد أصابه بنوع من التناقض في شخصيته، فهو حيناً منكسر وحيناً آخر وحشٌ كاسر (5)

2ـ عقائده السياسية والقيم التي يؤمن بها:

كان السعيد "ميكافيلياً نفعياً" فالغاية عنده تُبَرّر الوسيلة، وهذا يعني بأن طريقه سيكون طريق "المساومة على حساب المبدأ" (6) وكان "دكتاتورياً سلطوياً" فلا مجال لإطلاق الحريات العامة مع الباشا (7) وأهم شيء عنده هو "البقاء في الحكم" وكان لا يعرف الحقد والحسد إلا في السياسة (8) وكل القيم عنده تكون تحت رحمة القيمة السياسية، فالقيمة الدينية في خدمة القيمة السياسية، وتتأثر قيمة الصداقة لديه بالقيمة السياسية (9) فكان كثير السخاء لمعارضيه الأقوياء وقاسي القلب على خصومه الضعفاء (10)

3ـ التصفيات السعيدية:

إرتبطت بعض الإغتيالات السياسية في العراق بإسم الباشا، ونحن بدورنا سنُرَكّزُ على إثنين: توفيق الخالدي والملك غازي.

كان الخالدي شخصية فَذّة وذو كفاءة نادرة، وكان خصومه السياسيون يخشون بأسه ويوجسون خيفة من قُرب صيرورته رئيساً للوزراء حيث يقضي على طموحهم ويُبَدّد أحلامهم وقد يُمهّد لقيام حكم جمهوري في العراق (11)

تتجه أصابع الإتهام في تصفية الخالدي الى الملك فيصل الأول ونوري السعيد وجعفر العسكري. نشرت جريدة العراق في 25 شباط 1924 الخبر الآتي:

بينما كان معالي توفيق بك الخالدي وزير الداخلية السابق ذاهباً الى داره في محلة جديد حسن باشا مساء أول أمس ـ أي مساء الجمعة 22 شباط ـ إذا بيد أثيمة أطلقت عليه أربع عيارات نارية فأردته قتيلاً لساعته، وقد هرب الجاني حالاً فأسرعت الشرطة بعد الواقعة ببضع دقائق ولكن رأت أن الرجل قد قضى وهرب الجاني. وقد تبين من الكشف الطبي أن العيارات النارية هي من مسدس من نوع البرونيك، وأن الرصاصات إجتازت من ظهره الى قلبه حيث توفي حالاً. (12)

بسبب غياب الدليل المادي، فقد إحتار الناس في تعليل الحادثة، فقال بعضهم: كان القتيل من أنصار الجمهورية، وكان يرى رأي عبد الرحمن النقيب في وجوب إسناد الحكم في العراق الى عراقي، فإتفق الملك فيصل مع وزيريه جعفر العسكري ونوري السعيد على وجوب التخلص من الخالدي، فأسر الوزيران الى شاكر القره غوللي، فتبعه الأخير وأرداه قتيلاً. يُعقّب عبد الرزاق الحسني:

(ويُدلل أصحاب هذا الرأي على رأيهم: أن كُلاًّ من العسكري، والسعيد والقره غوللي، لقي حتفه مقتولاً فكانوا مصداقاً للحديث المعروف "بَشّر القاتل بالقتل") ثم يذكر الحسني حادثة شخصية معه في غاية  الأهمية:

(وقد جمعت المعتقلات التي أقامها الإنكليز في العراق في أعقاب الحركة التحررية التي قامت في آيار سنة 1941، أشتاتاً من الناس، وكان عبد الله سرية ممن قضى مع المؤلف نحو سنتين في "معتقل العمارة" وقد سمع  من عبد الله بأنه هو الذي قتل الخالدي، وأن  شاكر القره غوللي كان شريكه في القتل، وأنه كان عضواً في جمعية سرية هدفها الفتك بمن يشايع الإنكليز، وأن الخالدي كان أحد هؤلاء المشايعين) (13)

ويقول محمد حسين الزبيدي بأن الملك فيصل قد قرر التخلص من الخالدي وتصفيته في أقرب فرصة قبل إستفحال خطره، وقد عهد الى نوري السعيد القيام بهذه المهمة فقام بها ونفذها ليلاً (14)

يروي سامي خوندة:

إتصل نوري السعيد بشاكر القرة غوللي وعبد الله سرية وطلب منهما تنفيذ المهمة. ويُدَلّل خوندة على ذلك أن نوري السعيد قد كافأ قتلة توفيق الخالدي على عملهم، فقد وظّف القرة غوللي مديراً للتصليح في معمل الجيش الذي كان يقع في وزارة الدفاع القديمة. وعندما أُحيل على التقاعد تزوج من أرملةٍ من بيت الكواز في بغداد وكانت تملك بعض الأملاك وكان  لها مزرعة في بعقوة قُتل فيها القره غوللي.

أما عبد الله سرية فقد تَمَكّن عن طريق نوري السعيد من إدخال إبن أخته الى المدرسة العسكرية وتخرج فيها. وكان دائماً يفاخر بأن خاله عبد الله سرية قاتل العملاء (15)

أما  بشأن الملك غازي، فقد رحل الى ربه في حادث السيارة المعروف في عام 1939، وفي ظِل غياب الدليل المادي، فما على الباحث إلاّ تفكيك هذا اللغز وتشخيص المستفيد من تصفية غازي.

لقد أشارت الوثائق البريطانية الى أن البريطانيين قد فَكّروا في إزاحة غازي منذ عام 1936 (16) وأن الباشا كان يحقد على غازي لإعتقاده بعدم كفاءته وإعلانه مراراً ضرورة تنصيب الأمير زيد أو الأمير عبد الإله مكانه. وأصبح الأمير عبد الإله واقعياً من أهم المستفيدين من مقتل غازي (17) وبشأن الرأي العام، فقد همست الجماهير بأن الإستخبارات البريطانية ونوري السعيد قد دبّرا إغتيال الملك. وقد حاول السعيد تجنب غضب الجماهير بالوصول الى المقبرة الملكية بواسطة قارب نهري ثم رجع الى المكان بنفس الوسيلة (18).

4ـ إرتباط الباشا ببريطانيا:

كان السعيد قلباً وقالباً مع الإنكليز، يقول ذلك بكل صلابة وصراحة (19) وكان صاحب مدرسة سياسية آمنت بالتعاون مع الغرب، وكانت له وجهة نظر خاصة في الحكم قامت على إحترام الأمر الواقع وتقديره حق تقدير ويحيطها إطار من التفاؤل (20)

لكن الأمر المهم هنا:

هل من المناسب أن نصف السعيد ب"العميل"؟ أي عميلاً لبريطانيا؟ قبل أن نخوض في هذا الأمر، لا بُدّ من أن نُقَرّرَ ب"تطرف السياسة السعيدية" هذه. فمثلاً رُستم حيدر، كان ينتمي الى مدرسة نوري السعيد السياسية، إلا أنه  لم يكن متطرفاً في تأييده للبريطانيين، لذا فإنه  كان يُمثّل الجناح المعتدل للمدرسة السعيدية (21)

يَتَحَفّظ الباحثون المعتبرون في ذلك، يقول عبد الرزاق النصيري:

(من الصعب جداً أن يُصَنّف نوري، على الأقل في المرحلة التي تدخل في الإطار الزمني لرسالتنا، ضمن الأعداء، أو العملاء) (22)

وتقول ليلى الأمير:

(على وفق تلك القناعات، ليس من السهل القول أن نوري السعيد كان عميلاً بريطانياً أو أنه تصرّف وكأنه عميلٌ فعلاً) (23)

نشرت جريدة الفرات ـ وهي من صُحف ثورة العشرين ـ وثيقة مهمة، رسالة عاجلة من "المؤتمر العراقي" في سوريا الى رؤساء الشامية في النجف الأشرف، ولطولها سنختصرها بالآتي:

ربما يحضر إليكم من الشام الجنرال نوري السعيد ليقوم بهذه المهمة المشار إليها التي أناطتها به السلطة البريطانية، ألا وهي توطيد أركان الإحتلال وتثبيت أقدامه في العراق بمفاوضة العراقيين ودرس أفكارهم وتسكين خواطرهم وتعليلهم بالأماني والمواعيد الكاذبة، وربما إتخذت السلطة المحتلة جميع الوسائل المادية والمعنوية التي من شأنها أن تجعل لكلامه شأناً ولشخصه قبولاً أينما حَلّ،  فتُكثر من ذِكر إسمه مقروناً بالجهر والثناء عليه وعلى مبادئه وتتظاهر بإحترامه وتبجيله. لا يحتاج بعد هذا أن نُبيّن لكم واجبكم الذي تؤمنون به إزاء هذا الرجل إذا فارقنا إليكم بهذه المهمة، وخصوصاً الإجتهاد بمقاطعته والإعراض عن أقواله وتحذير الناس من الوقوع في حبائله والسهر على تتبع خطواته ومراقبة حركاته وعرقلة مساعيه. لا تُبالوا أيها الإخوان ولا تقيموا له وزناً ولو إدعى الكلام بإسم الملك حسين والملكين فيصل وعبد الله أو بإسم المؤتمر العراقي الموجود في حاضرة الشام. (24)

وينقل مظهر أحمد عن فاروق صالح العمر، أن الوثائق السرية البريطانية قد ذكرت بأن السعيد كان يتجسس على أعمال المؤتمر العراقي في سوريا ويُزوّد المصادر المختصة بتقارير سرية مفصلة عنها (25)

ما يهمنا الآن هو رأي كمال مظهر أحمد بهذه الوثيقة:

(وهي تُعد أول تقويم صحيح لشخصية نوري السعيد الذي أصبح رجل الميدان السياسي الرسمي للعراق على مدى أربعة عقود أعقبت "ثورة العشرين". وتزداد أهمية الوثيقة أكثر إذا تذكّرنا أن نوري السعيد كان يُعدّ يومذاك أحد الوطنيين العاملين في سبيل القضية العربية، وأنه كان واحداً من أنصار الأمير فيصل المقربين الذي لم يقف أحد بعد على دقائق صلاته السرية مع الإنكليز) (26) ليقول مظهر أحمد في حاشية خاصة:

(إتضح ذلك كله بعد الكشف عن الوثائق السرية البريطانية، أي بعد مرور عشرات السنين على التقويم الصحيح الذي نشرته جريدة "الفرات" أيام "ثورة العشرين") (27)

وبطبيعة الحال ـ وهذا من مستلزمات البحث العلمي ـ لا بُدّ من الإشارة للوثيقة البريطانية التي أشارت صراحة ل"عمالة" نوري السعيد.

يقول النصيري:

(تؤكّد إحدى الوثائق البريطانية الخاصة أن نوري السعيد إستُخدم على إثر ذلك عميلاً للمخابرات البريطانية، وزار الهند لهذا الغرض) (28) ثم يُعقّب: (ورغم ذلك يجب على الباحث أن يُقيّم فحوى الوثيقة البريطانية المذكورة، ومغزاها في إطار الزمان والمكان ودون التطرف في تحميلها أكثر مما تتحمل على ما نعتقد. ويجب أن نأخذ بنظر الإعتبار أيضاً أن نوري في هذه الفترة كان هارباً من الدولة العثمانية ومحكوماً عليه بالإعدام) (29)

والإشارة هنا الى وقوع السعيد في قبضة البريطانيين في البصرة عام 1914 ونُقل بعدها الى الهند.

ومما يجدر ذكره هنا أن أغلب "الكُتّاب السعيديين" قد كانوا على جهل بهذه الوثيقة، أو بالأحرى تجاهلوها (30)

لكن السؤال الأهم هنا: هل عادت سياسة السعيد بالنفع على العراق؟ سياسته المبنية على "إحترام الأمر الواقع حق الإحترام"؟ تقول ليلى الأمير:

(نخلص من كل ذلك إن نوري السعيد لم يُحقق للعراق أي نتائج ملموسة من جرّاء تعامله مع الغرب وتضحيته بالإنضمام الى حلف بغداد) (31)

ويقول كاظم حبيب:

(كان ـ يقصد السعيد ـ حليفاً مخلصاً لبريطانيا يستند لا الى عمالة مباشرة لها بقدر ما كان يلتقي معها في الفكر والسياسة والمصالح، رغم أن المستفيد الأول من كل ذلك كانت بريطانيا والمتضرر الرئيسي في مثل هذا التحالف والطريقة التي كانت تتم بها هو الشعب العراقي) (32)

لكن الأهم من ذلك كُله أن نوري نفسه ـ رغم بقاءه وفيّا لمبادئه أي لإرتباطه بالغرب وهذا ما دفع ليلى الأمير للإستغراب (33) ـ قد إستاء من سياسة بريطانيا في سنواته الأخيرة، بل إنفجر بوجه السفير البريطاني وصارحه: بإستطاعتي أن أكون بطلاً قومياً يُحمَل على الأعناق (34)

لكن المشكلة السعيدية الأولى هنا، أن السعيد كان يرى ـ كما نقل عنه صديقه أسعد داغر ـ : إذا كان نهر دجلة لا يزال يجري فما ذلك إلا بفضل الإنكليز!! (35)

ثم هل من المعقول أن تبقى السياسة السعيدية مع بريطانيا بإتجاه ثابت؟ فإن كانت مُبَرّرَة في بدايات تأسيس الدولة العراقية، فلما الإصرار عليها حتى النهاية! وهذا ما دفع أحمد مختار بابان ـ آخر رئيس وزراء في العهد الملكي ـ الى أن يُوَجّه نقده للسعيد:

فقد يكون السعيد  مُحقاً في إستناده على الإنكليز أثناء مدة الإنتداب، ولا بأس بهذه السياسة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. لكن نوري ظل متمسكاً بصداقة الإنكليز، وكانت سياسته هذه خاطئة جداً (36)

5ـ الباشا والشيوعية:

للسعيد صيتٌ كبير في محاربة الشيوعية في العراق والمنطقة، وهو من قام بإعدام فهد وزميليه زكي بسيم وحسين الشبيبي علناً في ساحات مختلفة من بغداد في 1949 (37) وهذا ما دفع حنّا بطاطو الى القول:

(إن موت فهد أثبت كونه أقوى من حياته، إذ صارت الشيوعية محاطة الآن بهالة الإستشهاد) (38) ونحن مع حنّا بطاطو بكل تأكيد، فأي فكرة تُحرًم من ممارسة العمل العلني، ستتجه الى الخفاء، لتنمو تحت الأنقاض، ثم تكبر وتكبر لتُشكّل خطراً كبيراً على النظام الذي خنقها. وللباشا صيتٌ سيء في هذا المجال، فكل من يخالفه سيكون إشتراكياً وشيوعياً! وهو صاحب حكومة المراسيم الإرهابية في خمسينيات القرن الماضي، وصاحب "حلف بغداد" الذي أراد منه أن يكون سدّاً منيعاً بوجه الخطر السوفيتي الموهوم (39) ورغم إيجابيات هذا الحلف من ناحية تعزيز دفاعات العراق الداخلية والبنية التحتية للدولة، لكن كانت سلبياته كبيرة، فقد قَسّم العالم العربي الى معسكرين وأدخل العراق بسلسلة من مشكلات السياسة الخارجية في وقت إحتاج فيه الى تركيز إهتمامه على الجبهة الداخلية، وولّد حملة مستعرة معادية للغرب في المنطقة، وهي حملة يكاد العراق يكون بغنى عنها (40)

ومن يعلم بتحالف الباشا الوثيق مع زعماء القبائل، لن يستغرب من عداءه الشديد للشيوعيين، فقد أشاد الباشا بالنظام العشائري في مؤتمر صحفي في عام 1957، بل أنكر وجود الإقطاع وإعتبره مجرد مكيدة شيوعية (41)

بل وصل الأمر بالباشا الى محاربة أي إتجاه إصلاحي مهما كان حجمه بسيطاً يستهدف إنصاف الفلاحين وسحب البساط من تحت الملاكين الكبار. فعندما وصل محمد فاضل الجمالي لكرسي الوزارة في عام 1953، إنتعشت الآمال بدء عهد جديد، خصوصاً وأن فيصل الثاني قد إستلم مهامه الدستورية في هذه السنة أيضاً.

قامت وزارة الجمالي مُمثلة بوزير المالية عبد الكريم الأزري، بتقديم مشاريع إصلاحية، فإقترح بعض اللوائح لإنصاف الفلاحين بقدر أو بآخر لتضع حدوداً لتحايل المتنفذين وأساليبهم الملتوية التي حرمت هؤلاء من حقوقهم وعلى نطاق واسع خصوصاً في العمارة.

لم تَرَ هذه المشاريع الطموحة النور، بل إصطدمت بمعارضة نوري السعيد وكبار الملاكين، فوقفت قوى الحسم ـ البلاط الملكي والسفارة البريطانية والشيوخ في خندق الباشا (42)

6ـ الباشا وتدخل الجيش في السياسة:

قد يبدو للوهلة الأولى أن السعيد بعيدٌ عن هذا الإتجاه، خصوصاً وأنه قد كان ضحية لهذا التدخل في 1958.

لكن الحقيقة خلاف ذلك! يقول سليم طه التكريتي:

(كان نوري السعيد منذ أن توفي فيصل هو أول من وضع أسس تدخل الجيش في السياسة، وقد دفعه نجاح إنقلاب بكر صدقي في سنة 1936 الى ركوب مثل هذا المركب الصعب الذي ألحق بالبلاد الخراب والدمار لعدة أجيال سابقة. فقد إصطفى نوري السعيد هؤلاء العقداء الأربعة ومن والاهم من ضباط الجيش لتنفيذ مؤامراته وتطلعاته الخاصة. فلطالما فرضوه على غازي عدة مرات لكي يؤلف الوزارة) (43)

وقد أزاح ضباط الجيش وعلى رأسهم العقيد صلاح الدين الصباغ حكومة جميل المدفعي بالقوة في الإنقلاب العسكري الثالث في العراق، ووضعوا نوري السعيد على رأس الوزارة (44)

يقول العقيد جرالد دي غوري:

(وهكذا وصل نوري السعيد، الذي كان يتشكّى بمرارة من تدخّل الجيش في السياسة، الى الحكم نتيجة عمل قام به الجيش ذاته) (45)

ويقول سندرسن باشا:

(لم يكن نوري السعيد يوافق على تدخل الجيش في الأمورالسياسية، ومع ذلك فقد إلتجأ الى هذا التدخل عشية عيد الميلاد سنة 1938 للتخلص من الوزارة المقيتة التي كان يرأسها جميل المدفعي. وقد نجح هذا الإنقلاب، فأصبح نوري السعيد رئيساً للوزارة، لكنه قد إختار في هذا سابقة خطرة، هي ذات السابقة التي إستُعملت بعد عشرين سنة لقتل أفراد العائلة المالكة، وقتل نوري نفسه بصفة لا إنسانية!) (46)

بل إن مؤرخة من طراز فيبي مار قد صَرّحت:

(وقد زرع نظام نوري السلطوي بين 1954 و1958 بذور الديكتاتورية العسكرية المستقبلية) (47)

7ـ الباشا وإستغلال النفوذ الشخصي وإمتلاك العقارات:

يوجد تصوّرٌ عام على أن الباشا كان بعيداً عن إستغلال نفوذه الشخصي في الدولة، فهو بنظر كاتب سعيدي (48): نزيهٌ وشريف، عاش ومات وليس له من حُطام الدنيا إلا كفنه، وتاه أهله من بعده وبعد مقتل إبنه الوحيد صباح. وبنظر سعيدي آخر (49): مات هو وولده ولا يملكان واحداً من ألف دينار بالمائة مما يملكه أي إمعة من إمعات هذه الأيام ولما إضطرت زوجته الى قبول الإعانات.

أما حازم جواد ـ القيادي البعثي السابق ـ فقد قال:

(كنا نقول عن نوري السعيد عميل الإستعمار لكن، لم يطعن أحد في نزاهته أو أنه قبض رشوة من هذا أو ذاك، ولا أدري إن كان الإنكليز دفعوا له أم لا، ولكنني حتى هذه أشك فيها) (50)

لكن توجد أدلة مخالفة، فقد ذكر بيتر سلغليت:

(إستغل ياسين الهاشمي ونوري السعيد اللذان كان ضابطين في الجيش العثماني، موقعهما لإمتلاك أراضٍ وتمرير قوانين تُشَرّعن هذه الصفقات أو تكفل لهما إعفاءات ضريبية) ويقول في موضع آخر نقلاً عن وثيقة أجنبية بأن أراضي منطقة أبو عوسج الواسعة قد أُعطيت الى أربعة سياسيين منهم نوري السعيد (51)

ومما يُقويّ ذلك أن أقران السعيد من السياسيين الكبار آنذاك قد إتُهموا بالإستيلاء على الأراضي ومنهم صهره جعفر العسكري (52)

أما حنّا بطاطو فقد أورد جدولاً مُفصّلاً للأراضي الزراعية المملوكة لرؤساء الوزارات في العهد الملكي في عام 1958، فكانت حصة الباشا فيه صفراً، لكن كانت حصة إبنه صباح 9294 دونم (53)

وقد ذكر توفيق السويدي ـ السياسي الملكي المعروف ـ أن صباح كان نقمة على والده وحِملاً ثقيلاً على عائلته بتقريب الأشقياء والسفلة وحشرهم في جو والده، فأثروا غاية الثراء (54)

8ـ حِنكة الباشا تحت الإستفهام:

المشهور عن الباشا هو أنه كان سياسياً مُحنّكَاً، فهو أقدر رجل دولة في الشرق الأدنى (55) ويكاد أن يكون أسطورة القرن العشرين، شعلةٌ ذكاء يتمتع بصفات لا توجد في رجل آخر (56) وهو "تاليران الشرق" برأي مؤرخ ممتاز (57)

نقول:

هل من الحِنكة أن يستمر الرجل على سياسة ثابتة مع عدم مراعاة تغيّر الظروف والأحوال؟ أن يبقى متمسكاً بصداقته للإنكليز؟ يُهمل الشباب لتتلقفهم المعارضة؟ أن يصبح قليل الإختلاط بالناس خصوصاً في أيامه الأخيرة، فلا يسمح إلا لعدد قليل من الأشخاص المكروهين من أكثرية الناس الإتصال به؟ (58) هذه "الحنكة" التي جعلت وصفي طاهر "المرافق العسكري للباشا" (59) مع قادة ثورة تموز؟ هذا مع ضرورة التأكيد على أن الباشا كان مصاباً بداء العظمة (لم يُخلَق بعد الرجل الذي سيجرؤ على إغتيالي) (60)

من جانبنا فنحن نضع هذه "الحنكة" بين مزدوجين تحفظَاً.

وفي نهاية البحث لا يسعنا إلاّ ما يلي:

هل هذه الصورة عن الباشا، والتي إستقيناها من مصادر متعددة كما شاهد القارىء الكريم، تستحق هذا الحنين من قِبَل البعض الآن؟! خصوصاً من الأجيال الجديدة التي لم تعاصر الباشا ولم تَطّلع على سيرته من خلال المصادر المعتبرة؟! هل من المنطق والعقل أن يختم باحث (61) كتابه عن الباشا بعد أن أورد الكثير مما ذكرناه في أعلاه بما يلي:

(مضى المارد العملاق الى ربّه تاركاً صيتاً يلفّه العطر والذكر الحسن)؟!

نترك الحكم للقارىء الكريم.

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

.........................

الحواشي:

1ـ لو لم يرحل عبد المحسن السعدون في 1929 وياسين الهاشمي في 1937 لما تمكّن الباشا برأينا من أن يحتل الصدارة.

2ـ وهذا ما ناقشناه بإسهاب في كتاباتنا السابقة.

3ـ عبد الرزاق أحمد النصيري: نوري السعيد ودوره في السياسة العراقية حتى عام 1932، مراجعة: كمال مظهر أحمد، اليقظة العربية بغداد 1987 ص15 و16 و17

4ـ النصيري: المصدر السابق ص17 و18 و19

5ـ محسن محمد المتولي العربي: نوري باشا السعيد من البداية الى النهاية، الدار العربية للموسوعات بيروت ط1 2005 ص21

6ـ المصدر السابق ص30 و31

7ـ المصدر السابق ص32

8ـ المصدر السابق ص35

9ـ المصدر السابق ص50 و51

10ـ يعرب عبد العباس الشمري: نوري السعيد ـ تأريخه الشامل ودوره السياسي الريادي في العراق لنصف قرن ج1 دار أبجد للنشر والتوزيع العراق بابل ص22

11ـ عبد الرزاق الحسني: تأريخ الوزارات العراقية ج1 وزارة الثقافة والإعلام، دار الشؤون الثقافية العامة بغداد ط7 ص201

12ـ المصدر السابق ص200

13ـ المصدر السابق ص200 و201

14ـ محمد حسين الزبيدي: العراقيون المنفيون الى جزيرة هنجام، بغداد ط2 1989 ص292

15ـ المصدر السابق ص292 و295

16ـ رجاء حسين حسني الخطاب: المسؤولية التاريخية في مقتل الملك غازي، مكتبة آفاق عربية بغداد ط1 1958 ص17

17ـ المصدر السابق ص49 و50 ويُصرّح أحد الباحثين بأنه لم يعثر على دليل مادي يشير الى محاولات من قِبَل عبد الإله للإطاحة بغازي، يُنظَر:

عبد الهادي الخمّاسي: الأمير عبد الإله 1939 ـ 1958 ـ دراسة تاريخية سياسية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ط1 2001 ص70

18ـ لطفي جعفر فرج: الملك غازي ودوره في سياسة العراق في المجالين الداخلي والخارجي 1933 ـ 1939، مكتبة اليقظة العربية بغداد 1987 ص244 و247

19ـ عبد المجيد حسيب القيسي: التاريخ يُكتبُ غداً ـ هوامش على تاريخ العراق الحديث، دار الحكمة ط1 1993 ص127

20ـ ليلى ياسين حسين الأمير: نوري السعيد ودوره في حلف بغداد وأثره في العلاقات العراقية العربية حتى عام 1958، إشراف: فاروق صالح العمر، اليقظة العربية بغداد 2002 ص286

21ـ سعاد رؤوف شير محمد: نوري السعيد ودوره في السياسة العراقية حتى عام 1945، مراجعة: كمال مظهر أحمد، اليقظة العربية بغداد ط1 1988 ص84

22ـ النصيري: المصدر السابق ص328

23ـ الأمير: المصدر السابق ص286

24ـ كمال مظهر أحمد: صفحات من تاريخ العراق المعاصر ـ دراسات تحليلية، مكتبة البدليسي بغداد 1987 ص76 و77

25ـ المصدر السابق ص76 حاشية 63

26ـ المصدر السابق ص75 و76

27ـ المصدر السابق ص76 حاشية 61

28ـ النصيري: المصدر السابق ص42 وتاريخ الوثيقة في عام 1920

29ـ المصدر السابق ص42 و43

30ـ منهم مثلاً: عبد المجيد القيسي في كتابه المذكور أعلاه ص103 ويعرب الشمّري في كتابه المذكور أيضاً ص27، أما محسن العربي فقد تجاهلها في ص25 من كتابه المذكور أيضاً، لكنه عاد وأشار إليها في ص83 ناقلاً بعدها تعليل عبد الرزاق النصيري مع عدم الإشارة إليه!

31ـ الأمير: المصدر السابق ص284

32ـ كاظم حبيب: اليهود والمواطنة العراقية ـ أو محنة يهود العراق بين الأسر الجائر والتهجير القسري الغادر، حمدي للطباعة والنشر سليمانية 2006 ص134

33ـ الأمير: المصدر السابق ص284

34ـ المصدر السابق ص281 و282 وكذلك:

محمود الدرة: ثورة الموصل القومية 1959 ـ فصل في تاريخ العراق المعاصر، اليقظة العربية بغداد ط1 1987 ص70 الى 73

35ـ كمال مظهر أحمد: المصدر السابق ص276

36ـ مذكرات أحمد مختار بابان آخر رئيس وزراء في العهد الملكي، إعداد وتقديم: كمال مظهر أحمد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ط2 2013 ص55

37ـ يوهان فرانزن: نجمة حمراء في سماء العراق / الشيوعية العراقية ما قبل صدام، ترجمة: سعود معن، تقديم: كاظم حبيب، مكتبة النهضة العربية بغداد ط1 بيروت 2022 ص119

38ـ حنّا  بطاطو: العراق ك2 الحزب الشيوعي، بترجمة: عفيف الرزاز، مؤسسة الأبحاث العربية بيروت ط3 2003 ص227

39ـ الأمير: المصدر السابق ص285

40ـ فيبي مار: تاريخ العراق المعاصر 1921 ـ 2003 بترجمة: مصطفى نعمان أحمد، مكتبة أوراق ومكتبة المجلة ط1 2020 ص127

41ـ سلام إبراهيم عطوف كبة: إبراهيم كبة غني عن التعريف، دار الرواد المزدهرة بغداد ط1 2011 ص166

42ـ رحيم كاظم محمد الهاشمي: محمد فاضل الجمالي ودوره السياسي ونهجه التربوي حتى عام 1958، مراجعة: كمال مظهر أحمد، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ط1 ص2012 ص247 و255 و256 و 257

43ـ ستيفن همسلي لونكرك: العراق الحديث من سنة 1900 الى 1950 ج2 بترجمة وتعليق: سليم طه التكريتي، دار الرافدين بيروت ط1 2019 ص94 حاشية 1 تعليق التكريتي

44ـ سيف الدين الدوري: جميل المدفعي ودوره السياسي في العراق، ضفاف للطباعة والنشر الشارقة بغداد ط1 2022 ص145 و146

45ـ العقيد جرالد دي غوري: ثلاثة ملوك في بغداد، ترجمة وتعليق: سليم طه التكريتي، الأهلية للنشر والتوزيع الأردن ط2 2012 ص147

46ـ مذكرات سندرسن باشا طبيب العائلة الملكية في العراق 1908 ـ 1946 ترجمة وتعليق: سليم طه التكريتي، مكتبة المثنى بغداد ط1 1980 ص210 و211

47ـ فيبي مار: المصدر السابق ص135

48ـ يعرب الشمري: المصدر السابق ج1 ص12

49ـ عبد المجيد القيسي: المصدر السابق ص134

50ـ مذكرات حازم جواد الرجل الذي قاد البعث الى السلطة عام 1963 بدون دار نشر وتاريخ ص180

51ـ بيتر سلغليت: بريطانيا في العراق ـ صناعة ملك ودولة، ترجمة: عبد الإله النعيمي، دار المدى ط1 2019 ص128 المتن + الحاشية

52ـ علاء جاسم محمد: جعفر العسكري ودوره السياسي والعسكري في تاريخ العراق حتى عام 1936، اليقظة العربية بغداد ط1 1987 ص129 و130 الحاشية 308

53ـ بطاطو: المصدر السابق ك1 ص394 و395

54ـ توفيق السويدي: مذكراتي ـ نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت ط2 2010 ص455

55ـ مذكرات سندرسن باشا ص207

56ـ العربي: المصدر السابق ص511

57ـ كمال مظهر أحمد في تعليقاته على مذكرات بابان ص104

58ـ مذكرات بابان ص54 و55

59ـ العربي: المصدر السابق ص512

60ـ مجيد خدوري: العراق الجمهوري،  إنتشارات الشريف الرضي إيران ط1 1408 ص81

61ـ العربي: المصدر السابق ص515

 

يتمنى الناس لأوطانهم الأمن والسلام. تلك حقيقة بديهية. لكن ليس بإمكان الأمنيات أن تمنع كارثة طبيعية من أن تحدث. للطبيعة سطوة قهرية. تختار بنفسها الزمان والمكان، وتهجم فجأة، لتمعن في تدمير أرواحنا، وبيوتنا، وعلاقاتنا الإنسانية بقسوة مفرطة. إن عبارات من قبيل: "لن تصيبنا كارثة، نحن بعيدون عن منطقة الخطر"  قد تفلح في تطمين/خداع النفس، غير أنها لن تنفعنا بشيء لحظة حصول المأساة. ستجعل، فقط، قائمة خسائرنا أكبر حجماً.

نعم. كانت مشاكل العراق الكبرى في المئة عام الماضية بشرية سياسية لا طبيعية، فهو لم يسبق أن تعرض  لزلزال هائل، ليس فيه براكين أيضاً، وأخطار الفيضان تراجعت بمشاريع أنجزت في العهد الملكي، كما لا توجد فيه غابات لتحترق. كل ذلك صحيح، لكن ماذا لو حدث زلزال كبير بالفعل؟ تركيا تجاورنا من الشمال، وإيران من الشرق، جارتان لهما تاريخ من المعاناة مع هذه الكارثة، وقد كان الزلزال المدمر الذي ألمَّ بتركيا وسوريا قبل أيام قريباً جداً من المحافظات الشمالية، حيث أغلب السدود الرئيسية، ومن حسن الحظ أنه لم يؤثر فيها. إن أولئك المسؤولين الذين لا يستفيدون من الدروس القريبة، ولا يتأهبون للكوارث قبل حصولها سيتحملون وحدهم نتائجها الوخيمة.

لنا أن نتخيل سيناريو الزلزال قياساً على ما عرفناه من طبيعة أداء المؤسسات الحكومية مع حدث طارئ أبسط بكثير، ما تسببت به موجة الأمطار قبل عشرة أعوام. وقتها كان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وزيراً لحقوق الإنسان، وتم تكليفه برئاسة لجنة  لتعويض المتضررين. لم تتمكن اللجنة من عمل الكثير، برغم رصد 600 مليار دينار عراقي، وتخصيص خط ساخن لتلقي الشكاوى، وجدت نفسها بمواجهة منظومة فساد هائلة، تشمل أطرافاً في جهات عديدة، بعضاً من مختاري المناطق، وأعضاء في المجالس البلدية، والدوائر التابعة لأمانة بغداد، ومجلس المحافظة. فعل العجز والروتين فعلهما ليعرقل التنسيق بين الوزارات، وتلكأت المصارف في تأمين المبالغ المخصصة، كما خضع أغلب المتضررين الحقيقين للمساومات، وقسم كبير منهم لم يتلق تعويضاً، بينما نزلت أموال كثيرة في جيوب أناس لا تستحق. هذا السيناريو نفسه تكرر مع أحداث طارئة أخرى، أشهرها نزوح الآلاف من مناطق سكناهم، بعد احتلال تنظيم الدولة الإسلامية لثلث العراق.

لنتذكر أيضاً تحديات أخرى، كالأخطار البيئية الكثيرة، تلك التي لم تحسن حكوماتنا المتعاقبة التعاطي معها بطريقة احترافية مسؤولة، مع أن نصيبنا منها كبير للغاية: التغيرات المناخية، الأوبئة، التلوث، النفايات، التصحر، البناء العمراني غير المدروس، هدر واستنزاف الكثير من الموارد الطبيعية، الألغام التي خلفتها الحروب المتتابعة. قائمة طويلة تحتاج حلولاً فورية، ولا من مجيب.

كانت صور المأساة الإنسانية للشعبين التركي والسوري مؤلمة للغاية، شيء يفوق أي كلام. من المفرح أننا شهدنا دعماً شعبياً وحكومياً للجارتين. وسيكون من الرائع أن تتوفر حملات أخرى أكبر وأكثر، تسهم فيها منظمات المجتمع المدني، ودواوين الأوقاف، والمساجد، والمواكب الحسينية. يمكن لرجال الدين المؤثرين أن يوصلوا للناس رسالة مفادها أن صحن حساء دافئ لأطفال مشردين في العراء البارد يساوي الكثير عند الله، وفي إمكان نخب المثقفين، والناشطين، والفنانين، ونجوم كرة القدم القيام بدور مؤثر أيضاً، أن يعملوا مثلاً على استعادة لحظة الكرم الشعبي الأصيل التي شهدناها أيام بطولة خليجي 25. من شأن ذلك أن يعيد تأهيل صورة المجتمع والدولة، ويظهر للشعوب المجاورة، كما البعيدة المعدن الحقيقي للإنسان العراقي. بالمناسبة، لا يزال هذا أمراً ممكناً، وضرورياً أيضاً. فآثار المعاناة التي خلفها الزلزال ستمتد لأمد غير قليل.

تلك الآثار الأليمة تدق ناقوس الخطر أمامنا، وأمام المسؤولين، وتوفر لنا جميعاً فرصة لتجريب أفق مغاير للتفكير، للمراجعة والتقييم، ولمعرفة الوجهة التي يمضي إليها العراقيون وسط عالم "رجراج" على أصعدة متعددة. فلا شيء يسبر غور النفس الإنسانية، ويضع قدراتنا على المحك مثل ما تفعله المأساة.

في لحظة الهجوم الشرس لأي كارثة طبيعية سيجد  العراقيون أنفسهم بمواجهة أخطار مميتة لا قبل لهم بها، حتى الحكومات ذات الخبرة السياسية، والحنكة الراسخة في التعاطي مع الأزمات ستكون عاجزة عن تأمين استجابة سريعة، ومنسقة تؤمن حياة مواطنيها ما لم يهرع العالم لنجدتها. أمامنا مثال تركيا المتصالحة مع الجميع، فقد بدت مؤسساتها ذات الخبرة في التعامل مع الزلازل مرتبكة في اليومين الأوليين. لنتذكر مثال سوريا المعزولة أيضاً، حيث استهلك الحديث عن العقوبات، والمعابر، والجهة المؤهلة لاستلام المساعدات وقتاً طويلاً، كان يمكن فيه إنقاذ العديد من الأرواح.

الزلزال -إن توخينا الدقة- لا يقتل الناس مهما بلغت شدته، لا في تركيا، ولا سوريا، ولا العراق، ولا في أي مكان آخر. ليست له قدرة مباشرة على فعل ذلك. الوفيات تحدث بانهيار المباني، الذي يتسبب به. وهو ما يعيدنا إلى آفة الزلزال الأقوى، والأشد فتكاً: "الفساد". التجربة التركية القريبة كشفت كيف أنه هو المسؤول الأول عن قلب كثير من المباني على رؤوس ساكنيها، بينما في المنطقة نفسها، وعلى بعد أمتار قليلة منها بقيت بنايات أخرى قائمة لأن من بناها كان ملتزماً بالمعايير القانونية. قد يكون بعض منها أصيب بضرر ما، لكنها لم تتسبب بفقدان الأرواح.

تركيا أفضل حالاً منا بمكافحة الفساد، وقوانينها تشترط وجود مواصفات خاصة في الأبنية، مع ذلك انهارت آلاف منها نتيجة مخالفات كارثية ما كانت لتحدث لولا الرشاوى، والمال الحرام. حتى الآن اعتقلت السلطات هناك أكثر من مئتين وخمسين مقاولاً، ومتعهد بناء، أحدهم كان مسؤولاً عن بناء مجمعات سكنية حديثة تتكون مبانيها من اثني عشر طابقاً. ماذا عن المجمعات السكنية التي ارتفعت أبنيتها على عجل، في بغداد وسائر المحافظات، ماذا عن البيوت والمباني التي مضى على بنائها مئة عام في صوبي الكرخ والرصافة، عن أحياء الفقراء (التجاوز) المبنية دون أدنى مراعاة لمعايير السلامة، عن آلاف البيوت التي شيدت بعد تجريف البساتين، فوق تربة هشة؟

ما يحفظ أمن المجتمعات، ويضمن لها السلامة والرفاهية في كل الأوقات، هو ذاته ما يبنى بنجاح أسس الدولة الحديثة، إنه بمنتهى البساطة: "الكفاءة والنزاهة". أي حديث سوى ذلك هو مجرد جهل، أو خداع لن يقنع أحداً. وهنا، لن نأتي بجديد حين نتذكر أن كبار مسؤولي الدولة العراقية من وزراء، ووكلاء، ورؤساء هيئات، وسفراء، وخبراء، ومستشارين، ومدراء عمومين، تمَّ تعيين النسبة الأكبر منهم وفقاً لمنطق المحاصصة، بالولاء لا الكفاءة، وقد أثبتت تجارب السنوات الماضية أن الجهات الساندة لهم ستجعل من الصعب على رئيس الوزراء، وأعضاء البرلمان، والسلطة القضائية محاسبتهم على أدائهم المتعثر، وتخبطهم في إدارة شؤون مصيرية. فهل سيحسن هؤلاء التعامل مع حدث مهول مثل الكارثة الطبيعية بروح قيادية قادرة على اتخاذ القرار السريع والصحيح، أم سيجلسون ليرقبوا المشهد المروع بلا حيلة؟

العمل الإداري، كما السياسة علم لا يجيده إلا المحترفون. وقد صارت حكومات أغلب دول عالمنا اليوم تولي الأهمية الفائقة لما يعرف في اللغة الإنكليزية ب(Disaster management)، أي فن إدارة الكوارث. باختصار، إن لم نتمكن من منع كارثة طبيعية ما، فنحن قادرون على التخفيف من آثارها إلى حد كبير. يتوقف ذلك على مدى تمكين الخبراء الحقيقين من مواقع المسؤولية، أولئك الذين يمتلكون المؤهلات التخصصية، والعقل الاستراتيجي، الناتج من تراكم خبرات ميدانية طويلة، والأهم سرعة الاستجابة في الأوقات الحرجة، حيث الدقائق القليلة تساوي الكثير.

يفترض، قبل كل شيء، أن تكون لدى الحكومة خطط طوارئ جاهزة، وأن تتم مراجعتها، وتطويرها، واختبارها باستمرار في ضوء ما يستجد من تجارب، وتقنيات، خطط تأخذ في اعتبارها أسوء ما يمكن أن يحدث. ففي الزلزال التركي السوري الأخير، وفي غضون دقيقة واحدة فقط كان هناك آلاف الناس تحت الأنقاض، ومئات الآلاف دون مأوى، وسط برد قارص. كانت قوة الزلزال قد سببت انزياحاً في مواقع خطوط السكة الحديد، ولم تعد كثير من مدارج المطارات صالحة للاستخدام، كما أن أكثر الطرق الاستراتيجية السريعة تضررت أيضاً، حدث ذلك كله دفعة واحدة. ما السبيل الأمثل للوصول بسرعة إلى مكان بعيد لنجدة من هم تحت الأنقاض، وكيف سيتم نقل فرق الإنقاذ، وإيصال المساعدات في ظل أوضاع مثل هذه؟

تلك تحديات صعبة بلا شك، لكنها ليست بلا حل. عن السؤال المتقدم، مثلاً، يمكن الاستعانة بطائرات مروحية عسكرية، مما يعني ضرورة أن تشمل خطط الطوارئ تنسيقاً عالياً مع الجيش، للإفادة من إمكاناته في الأفراد والمعدات. غير أن البنية التحتية النموذجية تبقي خير من يوفر للتدابير الوقائية بيئة عمل أكثر فاعلية، تماماً مثل الحاجة لفرق إنقاذ احترافية، لجهاز دفاع مدني متأهب، أفراده مؤهلون، ومعدات الإنقاذ التي بحوزته تواكب أحدث وأفضل ما أنتج من تقنيات.

ما أكبر مسؤولية فريق إدارة الكوارث! يقع عليه العبء الأكبر في إنقاذ أرواح الناس، وتقليل الآثار السلبية، ولا مجال له أبداً لالتقاط الأنفاس. طبيعة مهمته تستلزم الانطلاق من أرضية ممهدة تتوفر فيها بيانات عن كل شيء، لكي يكون له وعي مسبق بالبدائل المناسبة، فحتى الخطط النموذجية المرسومة على الورق قد يعرقلها وقع المأساة الطبيعية. ترى أين هي البيانات التي تقيم تجربتنا مع وباء كورونا، أو مع الحروب، والنزاعات المسلحة التي حصلت؟ ما مدى نجاحنا، أو اخفاقنا في توثيق ودراسة كل ذلك؟ إن قيمة أية تجربة تأتي من قدرتنا على أن نستخلص منها درساً ينفعنا في قادم الأيام.

المشكلة الكبرى، إن شئنا أن نمضي أبعد في تخيل سيناريو الزلزال، ستظهر في التقرير النهائي لفريق إدارة الكوارث الذي ذكرناه قبل قليل، تقرير لن يتضمن مفاجأة أبداً، يعرف العراقيون فحواه من الآن: "فساد في الإدارة، فساد في العقود، فساد في مواد البناء،...فساد.. فساد...فساد...إلخ". أما أوامر إلقاء القبض على بعض المتسببين به فستصدر بعد أن يكونوا قد عبروا الحدود إلى بلاد آمنة، بلاد جميلة بأبنية رائعة لا تتأثر بالزلازل، سينعمون هناك بتناول الشاي الساخن قبل البدء بدفن الضحايا الأبرياء، أو الأصح قبل انتشال جثثهم من تحت أنقاض الخراب المهول.

ماذا لو حدث زلزال في العراق؟ هذا سؤال لم يدر في ذهني بصراحة. كنت قد سمعته بالمصادفة من حوار بين رجلين مسنين في سوق الحيِّ الذي أسكن فيه، والحياء وحده هو ما يمنعني من إيراد الجواب المضحك لأحدهما. لنأمل فقط بأن تشملنا السماء عندئذ بالرحمة.

***

عباس عبيد

أكاديمي وباحث من العراق

يمكننا وصف كثير من العراقيين، إذا قرأنا تاريخ بلادِهم القديم، تحديداً، الجزء الذي وثَّق صِلَتَهُم مع المشروبات الكحوليَّة، بأنهم "بيرويَّون" – نسبة إلى البيرة – ولم تُفلِح آلاف السنين، عشرات الاحتلالات، وتنوَّع الأديان التي اعتنقوها، أن تُغيَّر طبيعتهم "البيرويَّة" هذه.

انفق العراقيون حتّى الربع الأول من 2023، ما كانت قيمته، مائة وخمسون مليون دولار أمريكي على البيرة، شهرياً. الخمسون مليون الباقيَّة، من هذهِ العملة الصَّعبّة، اُنفِقت على مشروباتٍ كحوليَّة أُخرى.

العراقيون المتديَّنون – الديانة الإسلاميَّة غالباً –  استخدموا الخمسين مليوناً، لتبريرِ إدمانِهم، على إضفاء وصف "العرقجية" (تُلفظ عراقيَّاً بالجيم والكاف المُعجَّمتين)، على مُختلف الشرائح، المنتمية إلى المجتمع المدني. أيضاً، الفرد في هذا المجتمع المدني، يوصف بأنَّه " عَلماني"، لتقليلِ شأنِه، وتبخيس قيمة حِراكِه النقدي في المجتمع، وتبكيتاً لِنشاطه السياسي.

العلاقة المُلتبِسة بين الكحول والعراقيين، بلغَ عمرُها الموثَّق، ستة آلاف عامٍ. تعقدت تلك العلاقة ما بعد 2003، بشكلٍ أكبر. عام 2016م، وصلت مرحلة تشريع قانونٍ برلماني، يُحرِّم كُل عِلاقةٍ للعراقي، مع المشروبات "الروحيَّة" (الوصف العراقي الأكثر شيوعاً للمواد الكحوليَّة) .

خوف السياسيين من "ردَّة فعل المجتمع الدولي بالأساس، دفعهم إلى هجر العمل بالقانون، وتخلَّت الأحزاب الإسلاميَّة عن متابعة تنفيذه"، بحسب مصدري المقرَّب، من الفاعلين في العملية السياسية.

إذاً من هم أصحاب البطولة، في إحياء قانون واردات البلدية في 2023، والذي اُعتُبِرت مادتُه الرابعة عشر، أكثرُ المواد تعسُّفاً، لأنها منعت استيراد، بيع، وتصنيع المشروبات الكحولية!؟

الجواب التمهيدي: نيابي سابق، رجل دين، وسياسي يحتلُ منصِباً مهماً، في إحدى مؤسسات الدولة العُليا. لكن من المُفيد أن نبدأ الحديث، عن بدايات تخمير هذا القانون، في البراميل السياسيَّة منذُ 2016م، لكي نفهم بعدها، سبب تعبئته، في جريدة الوقائع العراقية الرسميَّة، في فبراير 2023م.

بداية الرحلة

النظام السياسي في العراق، بعد 2003م، انخفضت درجةُ حرارته، في تنفيذ واجباتِه الرِقابية والتنظيميَّة؛ فيما يخصُّ المشروبات "الروحيَّة"، إلى الدرجة صفر. التداعياتُ كانت، غليان الفواعل اللاحكومية – تلطيف وصف الميليشيات المُسلَّحة خاصَّةً العقائديَّة منها - بدرجة مائة "سيليزي"، في سوق " المشروبات الروحية"!

شهد نوفمبر عام 2016م، وقبل أشهر قليلة من القضاء، على تنظيم "داعش" الإرهابي، في الموصل، الموافقة النيابية، على مُقترحِ قانونٍ، قدَّمهُ النائب علي العلاق، عن ائتلاف "دولة القانون"، بموجبه: " حُظِرت المشروبات الكحوليَّة، وكان للقاضي والنيابي السابق، محمود الحسن – نفس فريق العلاق السياسي - الدور الأعظم في صياغته"، وبحسب المصدر أيضاً: "كان الخوف من ردُّ فعلِ المجتمع الدولي، هو الكابح الأكبر، أمام تنفيذ القانون".

الأرجح إنَّ هذا التشريع، كان المُراد منه، تحقيقُ هدفٍ ذا شقَّين: مُغازلة الحكومة للقوى المُسيطرة على الأرض "الحشد الشعبي"، والذي ترتبط أغلب مكوِّناته السياسيَّة وفصائِله المُسلَّحة، عقائدياً، بولاية الفقيه الإيرانيَّة. أمّا الهدف الثاني؛ فهو استخدام القانون، كمغناطيس، لجذبِ الناخب الملتزم دينيّاً، في انتخابات 2018م.

سهولةُ نوم القانون، هذا "المدلول" – وصف عراقي يُطلق عادةً على الأشخاص المُرفَّهين – لمدَّةِ ستة سنين، في أدراج البرلمان، بدون أن نسمع شخيراً له، يعودُ فضلُه، إلى صمت الدستور العراقي، عن مصير القوانين المُشرَّعة، إن لم تُنشر في جريدة الوقائع العراقيَّة الرسمية، والتي هي الإلزام الوحيد؛ كي يكون القانون المُشرَّع فاعِلاً (بعد خمسة عشر يوماً من تاريخ النشر)، كما أن أهمَّية مصادقة رئيس الجمهورية، على القوانين، بروتوكولية لا حقيقية.

عاد القانون للحياة، في فبراير 2023م. بسببِ طلبٍ: " قدَّمهُ نائِبٌ عراقي سابق، من الدورة البرلمانيَّة الثانيَّة، إلى رئاسة الجمهورية". الجدير بالملاحظة، إنَّ النائب المسؤول عن إيقاظِ "المدلول"، مشهورٌ بـ "المدنيَّة"، وترقيص "اللبراليَّة" على لِسانه. المصدر وضَّح لي بعدها، إنَّ النيابي السابق، قام بذلك بـ : " التعاون مع أحد رِجال الدين المُتشددين في بغداد"، على حدِّ تعبيره.

المُفارقة اللطيفة، إنَّ الطرف الثالث والأخير، في نفضِ الغُبار عن القانون، هو صاحِبُ منصِبٍ مهم، وقد ساهم في إيصال القانون إلى: "الرئاسة النيابية، قبل تثبيته رسميّاً. قبل مالا يقل عن أسبوعين تقريباً، من امتلاكِه صلاحيات المنصب".

لوَّن مصدري بعد ذلك، أريحية هذا المسؤول، في تأريخ المخاطبات الرسمية، بالمقارنة التالية: " هل يمكن مثلاً أن استحق وصف نائب في البرلمان العراقي، قبل قيامي بتأديةِ القسم داخل قُبَّتِه؟".

حبر الصفقة وملفات المصالح

الصفقة التي جمعت بين النيابي السابق، ورجل الدين "المُتشدِّد"، كانت: "ضمان حصوله على أصواتٍ انتخابيَّة، تكفيه كي يعود نائباً، في الدورة البرلمانية القادمة". رجلُ الدين هذا، وبحسبِ المعلومات المُتاحة: " مُقرَّب من زعيم إحدى التحالفات السياسيَّة، والذي كان قد أشهر تديُّنه في الفترة الأخيرة. أمّا صاحِبُ المنصِب المهم؛ فهو مدعومٌ من الزعيم أيضاً".

ركائز نجاح هذه الصفقة، كانت تحتاجُ اتحِاداً، مع أحد الأحزاب الإسلامية "الشيعية"؛ التي تمتلِكُ ميليشيات على الأرض، بشكلٍ مُعلن. نجحَ النائب السابق، في الحصول على: "دعم أحدِها، والمنتميةُ بدورِها، لإحدى التحالفات الكبيرة "الشيعية".

 هذا الحزب، يتشاطرُ مع "مجموعةٍ عقائديَّة "شيعية" أخرى، توفير الحماية مقابل "اتاوات"، لمحال ومخازن بيع المشروبات الكحوليَّة في بغداد/ قضاء الكرخ".

الحزب وشريكه، كُتِب عنهما، وعن نشاطاتهِما بهذا الخصوص، مرَّاتٍ عدَّة، في صُحفٍ عربيَّة وعالميَّة. النتيجة خُتِمت الصفقة، وتحققت الوحدة الوطنيَّة، بلا شوائبٍ مذهبية وبدونِ قرونٍ إيديولوجية!

مخاطر الصراع على عالم صناعة الكحوليات ومصائب الحظر

الحظر، جاء بعد ستة أيّام، من إعلان الحكومة، رفع الضرائب المفروضة، على استيراد المشروبات الكحولية، إلى مائتين في المائة! الحكومة ستحرمُ بذلك، من وارداتٍ ضريبية كبيرة، وستدفعُ تكاليفاً إضافيَّة، لعمل القوى الشُرطيَّة والأمنيَّة. مثالُ ذلك، ما حصل في الولايات المتحدة، خلال عشرينيات القرن الماضي، والسنين الثلاث الأولى من ثلاثينياته، عندما طبَّقت الحظر.

إيجابياتُ بقاء الحظر كثيرة. منها – استخدمنا المؤشِّرات الهندية لعدم وجود نظيرة عراقية - ارتفاع مستوى صحة المواطنين بشكلٍ عام، جسدياً وعقلياً، هبوط نسبة العُنف خاصَّةً المنزلي منه، وانخفاض نسبة المُصابين بأمراض القلب. الأهم إنَّ عوائل المدمنين على هذه المشروبات؛ ستجِدُ مالاً إضافياً، لتوفير احتياجاتِها الضرورية، على أقلِّ تقدير.

سلبيات بقاء القانون، عديدة أيضاً. منها ارتفاع نسبة الجريمة المنظمة، لجوء المدمنين إلى مُنتجات أُخرى للتعويض. غالباً ما ستكون المُخدَّرات؛ التي أصابت لعنتُها العراق ومجتمعاته، بعد أن كانت البلاد، محطةَ عبورٍ لها فقط، زمن النظام السابق.

الأسوأ، إنَّ السوق السوداء لبيع هذه المشروبات، بشكلٍ لا قانوني؛ ستزدهر. هذه السوق، ستُنتِجُ محليَّاً، أو تُهرِّب للبلاد، مُنتجات رديئة النوعية وملوَّثة، تُشكِّلُ خطراً على الصحة.

الحظر سوف يؤثِّرُ كذلك، على ارتفاع نسبة القضايا التي تنظرُها المحاكم العراقية، والخاصَّة بانتهاكات القانون. بالتالي إنهاك النِظام القضائي العراقي، والذي يُعاني أصلاً من قلَّة عدد القضاة، والمُدَّعين العامين، مما قد يُسبِّبُ اللجوء، إلى ما يُعرف أمريكياً بـ "أسلوب شطب الدعوى"، كما حصل مع السيد نور زهير، في القضية التي باتت تُعرف بـ "فساد القرن"، مقابل إرجاعه قسم من الأموال التي بحوزتِه. ورغم إنَّ هذا تعبيرٌ أفضل عن الحقِّ العام؛ الذي يكتفي بالسجن عادةً، مُسبِّباً ضياع المال العام. إلَّا إننا لا نعرف، إن كان ذلك، يتناسبُ مع طبيعة مجتمعنا العراقي، وإن كان هذا الإجراء القضائي؛ سيُساهِم على المدى المتوسط والبعيد، في ترجيحِ كفة القضاء، ضد الفساد المستشري، في مؤسسات الدولة. الحظر سيقضي بدوره، على "مائتي ألف فُرصة عمل، مُتاحة للعراقيين" (يونادم كنا، صحيفة الغارديان). ويسبِبُ ركوداً اقتصادياً، في أسواقٍ عديدة، مُرتبِطة بالمشروبات الكحوليَّة، ومن المؤكَّد ضياع فُرص العمل فيها.

أجِدُ إنَّ على النُخب المجتمعية، النُخب الدينية الإسلامية، النُخب السياسيَّة، والأهم من هؤلاء جميعاً الحكومة، أن تختار نوعية العراقيين؛ الذين سوف تتعامل معهم مستقبلاً، إن بقي الحظر أو أُلغي قانونه: الكريستاليون، مجرمون عُتاة، أم "البيرويَّون"!؟

العراقيون الآخرون، والذين لا ينتمون للأصناف الثلاثة، سوف يذوقون الأمرَّين من الصنفين؛ الأول والثاني. أمّا الصنف الثالث؛ فهو يبدو غير مؤذٍ، بالمقارنة معهما.

أعتقد إنَّ على القضاء العراقي، أن يُبيَّن مخاطر تجربة "الصح والخطأ"، في تشريع القوانين العراقيَّة، مُحذِّراً صُنَّاع السياسات العامَّة؛ الذين يعاني معظمهم، من الأُمَّية الثقافية والتاريخية - استناداً إلى تجارب السنين الماضيَّة - في فهمِ طبيعة مجتمعنا العراقي، من حشرِ أنوفهم الحزبية، في مسائلٍ، لا ناقة للصالح العام فيها ولا جَمَلٌ اقتصادي.

الفرد العراقي مُطالب أيضاً، سواء كان العَلماني أم الملتزم دينياً، أن يفهم، إنَّ إيقاظ "المدلول"، ورائه منافسة اقتصادية، على تجارة وصناعة المشروبات الكحوليَّة، التي تدرٌّ أرباحاً بمليارات الدولارات.

المنافسة هي بين رجال أعمال، يودون الالتزام بالضوابط القانونية، وميليشيات مُسلَّحة تابِعة لأحزاب، تودُّ إبقاء هذه الصناعة في قبضتِها، وإنَّ قانون الحظر، كان تعبيراً منها، عن الرُعب الذي أُصيبت بهِ، من توجّه الدولة، نحو تنظيم هذه الصناعة بالضرائب، والإجراءات القانونية الواضحة.

أخيراً، أُشير إلى عدم حصولي، على إجاباتٍ لأسئلتي، بخصوص هذا الموضوع. كُنت قد أرسلتُها، إلى كُل من: رئاسة الوزراء، اللجنة القانونية في رئاسة مجلس النواب، ورئاسة الجمهورية. أمّا حزب الاتحاد الوطني الكردستاني؛ فقد عادت الرسالة، لعدم إمكانية إيصالِها، إلى بريده الإلكتروني!

***

قصَّة/ مسار عبد المحسن راضي

كاتب، صحافي، و باحث عراقي

قبل أيام كنا وأحد طلبة المرحلة الأولى في دراسة الدكتوراه في إحدى الجامعات الروسية، في اختصاص الاعلام، كان قد أطلع على بعض من مقالاتنا المنشورة في المواقع العربية، وقال، وهو " باستحياء كبير " في التعبير عن رأيه، " يا دكتور نراكم منحازون بعض الشيء للجانب الروسي .. أليس كذلك؟ "، وهذا السؤال يجرنا الى موقعة أخرى، وهي لقاءنا كمحلل سياسي مع احدى القنوات الإخبارية العربية المعروفة، وعند استرسالنا بالإجابة على سؤاله، قاطعنا المذيع، وقال " انتم تتبنون الرواية الروسية "، فقلنا له " حسنا .. أعطيني أنت ما هي الرواية الغربية أذن، ليتسنى لنا المقارنة بينهما، ونعطيكم خلاصة القول "، وبالطبع، فالمذيع والكثير من المحللين السياسيين (آخر هذا الزمان) لا يوجد لديهم أي تصور، ولا يمتلكون أي قدر معقول من المعلومات، عن مجمل الاحداث التي سبقت بدء روسيا العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وكذلك الأسباب التي دفعت روسيا لاتخاذ مثل هكذا خطوة، والتي عشناها ونعيشها منذ عام 1995 وحتى الان .

والكلام هذا يجرنا أيضا، الى تغريدة كتبها زميلنا الرائع الدكتور علي شمخي، على صفحته في احدى مواقع التواصل الاجتماعي، وهو يرد على موضوع يخص العملية العسكرية الروسية الخاصة، ولأرتباطنا بعلاقة زمالة طويلة معه، آثرت أن أرد عليه في نفس المكان، وفضلت الاتصال به، لنوضح له حقيقة الامر، التي تغيب وكما قلنا عن الكثير للأسف الشديد، فتقبل منا الزميل " أبو محمد "، ما طرحنا له من معلومات حول هذا الموضوع، وكعادته و بهدوءه المعهود، وخلقه الرفيع، نسب كلامه على ما هو متوفر لديه من المعلومات التي يسوقها الاعلام الغربي والعراقي، وبسبب الغياب التام للإعلام الروسي الموجه للمنطقة العربية، وبالتالي فإنهم (أي الإعلاميين والكتاب والمحللين) غير ملامون على أي رأي يقولونه او يكتبونه، بسبب هذا التقصير الكبير من جانب الاعلام الروسي، في توضيح حقائق الأمور، ولبيان الموقف الروسي الصحيح تجاه هذه الازمة .

نعتذر على هذه المقدمة الطويلة للدخول في صلب موضوعنا اليوم، الذي أخترنا له هذا العنوان، والمقصود به هو الولايات المتحدة الامريكية، التي " تتحفنا " كل يوم وكل دقيقة او ثانية، بأكذوبة تسبق ما قبلها، وتزيدها مكرا ، لتثبت للعالم، بأنها لا تستحي، ولا تخجل، و لا تمتلك ذرة من الاخلاق في تبريرها لجرائمها، عملا بالمثل الشعبي " العذر أقبح من الفعل " ، فهي تقتل القتيل وتمشي في جنازته، ومن ثم تتهم أهله بقتله، أي قباحة هذه، وأي استهتار في العقول والمقدرات خدمة لصالحها، وخيانة حتى أقرب حلفاءها المنساقين وراءها " كالجراء".

اللعب بالكلام، وارباك الاحداث، وتشتيت الأفكار بمعلومات مغلوطة، نجح فيها الاعلام الأمريكي والغربي للأسف في تسويقه الى عقول وفكر الكثيرين، حتى أولئك المقتنعين بالخباثة الامريكية وكذبها، وسنسوق اليكم آخر هذه " الخزعبلات " الامريكية، التي تستخف بالجميع دون استثناء، وتستهتر بكل الأعراف الأخلاقية والإنسانية، والتي تؤكد " نظرية المؤامرة " تجاه روسيا، والتي يحاول الكثيرين طمسها او تجاهلها.

وكب معظمنا جريمة تعرض خطوط نقل الغاز الروسي عبر قاع البلطيق، "السيل الشمالي" و"السيل الشمالي-2"، للتفجير في 26 سبتمبر الماضي، فكل مؤشراتها تدل على ان " للخبث " البريطاني، والولايات المتحدة الامريكية، اليد الطولى في تنفيذ هذه " الجريمة "، ولا يختلف عن هذا اثنين، حتى اللجان التحقيقية التي تم تشكيلها في المانيا والدنمارك والسويد، تمتلك هذه الحقيقة، لكنها " تسترت " على الحقائق التي توصلت اليها، تلك الحقائق الني لا تدين روسيا وتنفي تورطها في تفجير خط الانبوب، والذي هو ملك لشركة روسية، وبالتالي فأن الانفجار لم يكن مفيدا لروسيا.

والضربة التي قصمت ضهر البعير الأمريكي، هي تلك الحقائق التي قدمها الصحفي الأمريكي الشهير سيمور هيرش، في الـ 8 من فبراير الماضي، في تحقيقه الصحفي حول حادثة تفجير خطوط أنابيب "السيل الشمالي"، التي وقعت في الـ 26 من سبتمبر 2022، مستندا فيه إلى معلومات استخبارية، قال إنه حصل عليها من أحد المتورطين بشكل مباشر في الإعداد لعملية التفجير، ووصفها " بالموثوقة "، وأشار هيرش في تحقيقه، إلى أنه تم زرع عبوات ناسفة تحت خطوط أنابيب "السيل الشمالي"، من قبل الولايات المتحدة، تحت غطاء تدريبات BALTOPS العسكرية، بدعم من المتخصصين النرويجيين، الذين قاموا بتفجيرها بعد 3 أشهر، ونوه هيرش، بأن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، اتخذ قرار إجراء العملية، بعد 9 أشهر من المناقشات مع مسؤولي الأمن القومي في إدارته.

أن عدم وجود أي استنتاجات تستند إلى نتائج ثلاث تحقيقات غربية في الانفجارات في خط أنابيب الغاز "السيل الشمالي"، وكما يقول الجنرال الفرنسي دومينيك ترينكان، الذي ترأس سابقا البعثة العسكرية الفرنسية لدى الأمم المتحدة، قد يشير ذلك إلى قمع متعمد لنتائجها، وأضاف "ليس لدينا كل المعلومات في أيدينا، وما يذهلني هو أن هناك تحقيقات ألمانية وسويدية ودنماركية، حيث تم بالفعل جمع الكثير من المعلومات، ومع ذلك، لا توجد نتائج، وإذا لم يكن هناك شيء، فربما تكون هناك نتائج لا يريدون ببساطة الإعلان عنها".

الاحراج الكبير الذي وقعت فيه الولايات المتحدة، والدول التي تشكلت فيها اللجان التحقيقية للتعرف على المسبب " بالجريمة " بسبب تقرير هيرش، جعل أمريكا، التي حاولت بكل السبل والطرق، درء الاتهام عن نفسها، ومحاولة دفعه الى جهات أخرى، وهنا بدأ " الاستخفاف والمكر " الأمريكي، فبعد ان بعدت الشبهات عن روسيا، بأنها هي من قامت بتفجير خطوطها بتهمة " استخدام الغاز " كوسيلة للضغط على أوروبا، ولذر الرماد في العيون، اطلقت وسائل الاعلام الغربية " بالونة " اختبار، تفيد بان جهاز الامن الاوكراني هو من نفذ هذه الجريمة.

وحتى لا تكون هناك " وقيعة " بين أوكرانيا وألمانيا (المستفيد الرئيس من خط الانابيب نورد ستريم)، وإمكانية ان تتخذ برلين خطا متشددا تجاه كييف، وتوقف المساعدات العسكرية والمالية لها، جاء الدور على وسائل الامريكية، وطبعا بالتنسيق مع السلطات الامريكية، عادت لتكشف لنا هذه المرة، ما تقول عنها معلومات استخبارية جديدة، تفيد بأن مجموعة موالية لأوكرانيا، تقف وراء ارتكاب أعمال تخريبية على خطي أنابيب الغاز "السيل الشمالي 1 و2".

ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز"،، ونقلا عن مسؤولين أمريكيين، فإن "مجموعة مؤيدة لأوكرانيا" تصرفت دون علم السلطات الأمريكية والمانية والسويدية والدنماركية والاوكرانية ودول أوربا مجتمعة (على أساس ان اوروبا ترتبط بنظام امني موحد)، يمكن أن تكون قد ارتكبت التخريب على خطوط أنابيب الغاز السيل الشمالي " ياحلاوة "، وتم تحديد أن المسؤولين رفضوا الكشف عن طبيعة المعلومات الواردة، وكيف تمكنوا من الحصول عليها، وأية تفاصيل حول الأدلة الواردة فيها، وبحسب المخابرات، فإن منفذي الهجوم هم "من المعارضين لفلاديمير بوتين"، وأضافت الصحيفة، لا شيء يقال عن تكوين هذه المجموعة وقادتها المحتملين، واحتمال وجود صلات بين منفذي الهجوم والحكومة الأوكرانية لا يزال مفتوحا، وبحسب الصحيفة، ربما تم زرع المتفجرات على خطوط أنابيب الغاز من قبل غواصين ذوي خبرة لا علاقة لهم بالجيش أو الخدمات الخاصة (أكيد ممن كانوا يتسكعون في شوارع أوروبا !!)، وفي الوقت نفسه، قال مسؤولون أمريكيون إنهم لم يعثروا على أي دليل على تورط روسي في هذه الهجمات، و"بالمفتشي"، هي محاولة " للملمة الموضوع .

ولأكمال أركان "الكذبة" الامريكية، أنيط الى صحيفة المانية مغمورة أخرى، مهمة الترويج لذلك، حتى يبان الأمر، وكأنه ليس الاعلام الأمريكي وحده من كشف هذه الحقيقة، فقد أفادت صحيفة "تسايت"، بأن المحققين الألمان تمكنوا من تحديد السفينة التي استخدمت في تفجير أنابيب الغاز "السيل الشمالي" في بحر البلطيق، وأن مواطنين أوكرانيين قد يكونون وراء العملية، و إن تحقيقا مشتركا، أجرته مع شبكة ARD الإعلامية وصحيفة SWR، يدل على "أثر أوكراني" في عملية تفجير "السيل الشمالي" على الرغم من أنه لا يزال مجهولا من أمر بتنفيذ العملية، وانه وحسب معلومات الصحيفة، فإن المحققين كشفوا عن السفينة التي استخدمت خلال العملية، وهي يخت تم استئجاره من شركة بولندية، يعتقد أنها مملوكة من قبل أوكرانيين اثنين، " ياحلاوة " .

وأضاف التقرير أن عملية التفجير نفذها فريق من 6 أشخاص، هم 5 رجال وإمرأة، كان يضم قبطان السفينة، وغواصين اثنين ومساعدين اثنين وطبيبا، وهم نقلوا المتفجرات إلى مكان الحادث ووضعوها هناك، وانه لم يتم تحديد جنسيات منفذي العملية، حيث استخدموا جوازات سفر مزورة لاستئجار السفينة، ويشير التقرير إلى أن السفينة أعيدت إلى صاحبها بعد تنفيذ العملية، وتم العثور على آثار المتفجرات في حجرتها، " ياحلاوة "، والسؤال المهم، أين كانت هذه المعلومات قبل تقرير سيمور هيرش ؟ ولماذا تم تسريبها الان؟ .. وهل الأجهزة الأمنية المانية " غافية " الى هذا الحد؟ ولماذا لا يت إشراك روسيا في التحقيقات الخاصة بأنبوبها؟، واسئلة أخرى كثيرة.

هذا الكلام وغيره، لا "ينطلي" حتى على أبسط الناس،، ولا تقنع المتلقي بما لا يعقل، خصوصا وإنه لا توجد ثقة في حيادية استنتاجات أجهزة المخابرات الأمريكية بخصوص تفجيرات أنابيب الغاز السيل الشمالي، وأنه تم تصميم التسريبات في وسائل الإعلام الأمريكية من مصادر مجهولة بخصوص تخريب خط أنابيب السيل الشمالي، لإرباك أولئك الذين يحاولون بصدق فهم هذه الحالة، فلا توجد ثقة في حيادية استنتاجات أجهزة المخابرات الأمريكية.

وأمام هذه المعطيات، نحن لسنا مضطرين للدفاع عن روسيا، فالحقائق هي من تدافع عنها، وتثبت مصداقية موسكو، في طروحاتها، فقد أثبتت المنشورات التي أشرنا إليها، حول الهجوم الذي تعرضت له أنابيب "السيل الشمالي"، هي مجرد شائعات تم بثها بطريقة مقصودة،  ومحاولة " للاستخفاف " بالآخرين، ومن الواضح أن الجهة التي نفذت الهجوم تريد من خلالها تحويل الانتباه لمصلحة الفاعل الحقيقي، وأنه لا يمكن أن نفهم كيف يمكن للمسؤولين الأمريكيين، الذين أشارت إليهم وسائل الإعلام في تقريرها، أن يقدموا فرضيات حول الهجوم الإرهابي الذي استهدف خطي أنابيب "السيل الشمالي"، دون إجراء تحقيق، اذن، ما نشرته الصحافة الأمريكية، حول تورط مجموعة موالية لأوكرانيا في الهجوم الإرهابي، تهدف أيضا إلى توجيه التحقيق في الحادث، إلى مسار خاطئ، ومحاولة للتشويش على أولئك الذين يحاولون بصدق الوصول إلى الحقيقة، وبرأيكم، هل يمكن تبني "الرواية الامريكية"؟ .

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

في مثلث برمودا حيث الانحدار الى المجهول، لم يكتشف علماء البحار ودهاقنة المخابرات كلهم ما بعد الانحدار الى أعماق العتمة والنهاية الأبدية من ذلك الثقب الشيطاني المرعب بأضلاعه الثلاثة التي تشمل أضلاع المثلث؛ فلوريدا (بالولايات المتحدة الأمريكية) وجزر برمودا (تابعة لبريطانيا) وجزر البهاما، وبصرف النظر عن صحة ودقة الاخبار المتداولة عن اختفاء السفن والأفراد في هذا المثلث، إلا أنه أصبح كمصطلح متداول يعبر عن خفايا مرعبة أكثر إثارة من ثقب الأوزون الذي لا يعرف حقيقته مليارات البشر، بينما يتحسس علماء البيئة شكل الكوارث التي ستصيب البشرية مستقبلاً نتيجة هذا الثقب الذي يسمح لنفوذ أنواع وكميات من الأشعة الكفيلة بتحويل السرطان الى كورونا سريع الانتشار والدمار.

وما بين ذلك المثلث المفترض وبين ثقب الأوزون تظهر بين حقبة وأخرى ثقوب التاريخ المظلمة التي تفعل فعلتها في الانحدار والجذب المرعب للأفراد والمجتمعات، وتساعد في انتشار رهيب لأشعة الكراهية والأحقاد التي تُسرّعُ في نشوب حروب ومآسي وكوارث أكثر إيلاماً من صيحات وفواجع ضحايا برمودا أو ثقب الأوزون أو اختناقات كورونا، فقد أثبتت الأحداث بأن تلك الثقوب تظهر في بيئة الحاضر المتخلف وانعدام وضوح رؤية المستقبل مع تكلس ظواهر الفقر والبطالة وانعدام العدالة، حيث تنهمك تلك المجتمعات ونخبها في عمليات النبش بين طبقات التاريخ وصفحاته التي كتبت قبل مئات والاف السنين بعقلية ومزاج وثقافة تلك الحقب، بل وكثيرا ما يتحكم في تصوير ووصف أحداثها مشاعر ذلك الشاهد أو المدون سلباً وايجاباً معاً أو ضد.

إن الإيغال في تفاصيل التاريخ ووقائعه وخاصة تلك التي تتعلق بالصراعات العقائدية أو العرقية أو الجغرافية يقود في كثير من الأحيان إلى الانجذاب عبر تلك الثقوب والانحدار من خلالها الى مستنقع تدوير الصراعات القديمة وتفعيلها وإشاعة الكراهية والأحقاد التي تؤدي الى ما يفعله ثقب الأوزون ومثلث برمودا، بدلاً من التعامل مع معطيات العصر الحديث ومخرجاته العلمية والثقافية والتربوية، والعِبر والدروس المأخوذة من التاريخ بقراءة نقدية دقيقة لتطوير الحاضر وبناء أسس المستقبل، خاصة مع إدراكنا لحقيقة مهمة جدا، وهي أن مدوني التاريخ من المؤرخين أو الشهود هم بشر مثلنا تتحكم فيهم غرائزهم وعواطفهم ونزعاتهم ومدى نزاهتهم.

إن العبر أو الدروس التي يؤخذ بها يجب أن تخضع للمساءلة والتمحيص، خاصة تلك التي تدور حول ما يكتبونه، هل هو مجرد نقل ووصف لوقائع منقولة لهم ام كانوا مجرد شهداء عليها وعلى تفاصيلها، ثم هل هي آراء ووجهات نظر ومواقف المدونين من الأحداث والصراعات بكل أشكالها ومواصفاتها، أم انها كتبت بحرفية ومهنية دقيقة، ومن هنا نستطيع الى حد ما أن نوظف تلك العبر والدروس المستخلصة للعبور الى المستقبل.

لقد أكدت الأحداث والصراعات إن ثقوب التاريخ والانغماس فيها، أقوى جذباً وانحداراً من مثلث برمودا، ونتائجها أكثر كارثية من تأثير تلك الأشعة التي تمر عبر ثقب الأوزون، وقد شهدت البشرية في تاريخنا المعاصر الكثير من تلك الكوارث التي وقعت نتيجة المرور من تلك الثقوب المرعبة، وما خلفته لحد اليوم من تناحر مذهبي وعرقي وجغرافي بين الشعوب.

لا تنبشوا دهاليز التاريخ ففي بعض طياتها ما يكفي شعوبنا قرونا اخرى من التناحر والكراهية والاحقاد!

***

كفاح محمود

يرى الدَّاخل إلى مُجَمع العائلة الإبراهيميَّة، بمنطقة السَّعديات مِن أبوظبي، ثلاث دور عبادة متجاورة على شكل مكعبات، متفقة بالعِمارة، منحها البياض الصَّفاء في نوايا التَّجاور الدِّينيّ، وفي داخلهنَّ اختلاف التَّقاليد، بما تميز به المسجد والكنيسة والكنيس. غير أنَّ مَن مرَّ بجزيرة السَّعديات، قبل عشر سنوات، وكانت رملاً وملحاً، ويراها الآن، سيُذهل مِن إتقان العمران، ومِن طبقات البشر السَّائح والقاطن، قاصدها مِن أقاصي الأرض.

احتوى المُجمع على رموز كلّ دين في بيته، عُرف المسجد باسم شيخ الأزهر، ولا يحتكر الصَّلاة فيه مذهب مِن المسلمين، والكنيسة باسم بابا الفاتيكان، لكنها لجميع عقائد المسيحيين، والكنيس باسم الفيلسوف موسى بن ميمون(ت: 1204م)، الذي لا تختلف عليه فِرقة مِن اليهود، وكان صديقاً لابن رُشد(ت: 1198م)، لم يقف اختلاف الدِّيانة حائلاً دون صداقتهما، وهذه نعمة الفلسفة (المسافر بين الفلسفة وعلم الكلام ابن ميمون وابن رشد نموذجاً).

إذا كانت فكرة تشييد البيت الإبراهيمي بأبوظبي ارتبطت بوثيقة الأخوة الإنسانيَّة، التي وُقعت بالعاصمة الإماراتيَّة يوم 4 فبراير 2019، فما الأساس الذي جعل دور الدِّيانات الثلاث تتجاور بقلب العاصمة البلغاريَّة صوفيا، قبل استقلال بلغاريا عن الدَّولة العثمانيَّة(1908)؟

كأن ذلك التَّجاور رسالةٌ مفادها أنَّ سُكان الإمبراطوريَّة مسلمون ومسيحيون ويهود، السُّؤال: هل حصلَ جدلٌ آنذاك، بشعور أنَّه سيقود إلى الانصهار في دينٍ واحدٍ؟! مثلما يجري الجدل اليوم عن ثلاثي العائلة الإبراهيمية بأبوظبي؟ فالفكرة قديمة، نُفذت في ظل الخلافة المرتجاة عند الإسلاميين، المتطاولين على التَّسامح، وقبل ذلك قال الشّاعر الحيريّ عَدي بن زيد(الرَّابع الميلادي): «سعى الأعداءُ لا يألون شراً/ إليكَ وربّ مكةَ والصَّليبِ»(ابن قُتيبة، المعاني الكبير)، فالرَّبُ واحدٌ، ولا أحد استنكر مِن مؤلفي المسلمين على قسم الشَّاعر.

هل أشار الفقهاء إلى الفقيه موسى بن يونس(ت: 639هج) أنه يريد إبداع ديانة جديدة، عندما «عكف على الاشتغال يُدرِّس، بعد وفاة أبيه، في مسجده، وفي مدارس كثيرة، وكان مواظباً على وظائفها، فأقبل عليه النّاس، حتَّى أنه كان يقرئ أهل الذّمة التّوراة والإنجيل»(ابن خِلِّكان، وفيات الأعيان)؟  بالطبع لا. 

افتتح بيت العائلة الإبراهيميَّة بأبوظبي(18 فبراير2023)، فإبراهيم مشترك، وهذا يُخفف مِن وطأة الكراهيَّة، ويقود إلى المراجعة. عدا هذا، أي ديانة من الدِّيانات الثَّلاث قابلة للانصهار؟! كي يُنظر إلى هذا التَّجاور انصهاراً للإسلام؟! هل بالفعل كان المتربصون حريصين على الإسلام، إلى حدٍ أنَّ وجود الكنيسة والكنيس بجوار المسجد يُهدد الإسلام؟! أمَّ أنّها السِّياسة قبل الدِّيانة والثَّقافة؟!

جمع البيت الإبراهيميّ أكثر الأديان انتشاراً، ولا يكاد يخلو مجتمعٌ مِن التَّجاور بينها، مِن الغرب إلى الشَّرق، فالمسيحيون المنتشرون بأوروبا والأميركيتين وآسيا وأستراليا وأفريقيا بلغ عددهم أكثر مِن مليارين، والمسلمون مليار ونحو ستمئة مليون، منتشرون بالقارات كافة، وأتباع اليهوديَّة أكثر مِن خمسة عشر مليوناً، وما بين هذه الأديان تجد إبراهيم مشتركاً، والوصايا العشر التي حوتها الكتب الثَّلاثة، حسب كلِّ ديانة.

يمكننا التَّذكير بما تداول في تراث إلى واليه على مصر ابن الأشتر، مصر المختلطة بالدِّيانات الثّلاثة: «إنِّهم صنفان: إمَّا أخٌ لك في الدِّين وإمَّا نظيرٌ لك في الخّلق»(نهج البلاغة). فإذا طبقت اليوم بنود «يثرب»، ووصية الخليفة، لا يستغرب مِن تجاور بيوت العبادة بأبوظبي، فتجاور الحيطان لا يصهر الأديان، نفهمها رمزية للاعتراف المتبادل، واليوم أحوج مِن الأمس.

***

رشيد الخيّون - كاتب عراقي

8 مارس 2023

 

 

عادة ما يبدأ الترويج للمسلسلات التي تعرض في شهر رمضان من كل عام مبكرا قبل بدء عرضها في الشهر الفضيل، ومن بين قوائمها المسلسلات التاريخية التي غالبا ما تلقى رواجا واقبال لدى شريحة كبيرة من الجمهور، خاصة إن كانت تسرد سيرة إحدى الشخصيات التاريخية التي أثارت الجدل في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو السبب الذي يبحث عنه المنتجين والذي بالطبع سيضمن لها جذب أكبر شريحة ممكنة من المشاهدين، كما حدث قبل عدة سنوات وذلك الجدل الذي أثير حول مسلسل "القعقاع بن عمر التميمي" واتهامه بالترويج لقبيلة كبيرة معينة في الخليج، في خطوة تركت أصداء إيجابية كبيرة على صناع العمل.

وقبل عدة أسابيع اثار مسلسل "معاوية بن أبي سفيان" المزمع عرضه في شهر رمضان القادم، جدلا واسعا لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة في العراق، حيث رأى الكثيرون بأنه يروج لأجندة مذهبية وطائفية، ما أثار حفيظة واستهجان بعض القنوات التابعة لإحدى المدارس الشيعية.

ولم تكد تعلن قناة mbc السعودية عن بدء تصوير المسلسل، حتى جاء الرد من إحدى القنوات العراقية التي أعلنت عن إنتاج فيلم "شجاعة أبو لؤلؤه" الذي يتناول سيرة قاتل الخليفة عمر بن الخطاب ويروج له. وعلى إثر تلك المواضيع وهذا الجدل الطائفي القائم، قررت هيئة الإعلام والاتصالات في العراق، منع بث مسلسل "معاوية" وفيلم "أبو لؤلؤة"، حيث قالت بأن التوجيه يأتي في إطار الرغبة في عدم بث أي أعمال فنية تتناول موضوعات تاريخية جدلية ومنها العملان الفنيان المذكوران.

لقد أعاد هذا الجدل "الطائفي" لذاكرتنا تلك المناظرات الطائفية التي كانت تعرض في إحدى القنوات الفضائية اللندنية في السنوات الماضية، والتي تقوم باستضافة شخصيات جدلية من "أهل السنة والشيعة" لعمل مناظرات عن الخلافات المذهبية بين الجماعتين، والشهرة التي حققتها آنذاك لتتوسع بعدها وتشمل المذاهب الأخرى كـ"السلفية والصوفية والأشاعرة والأزيدية" وغيرها..، ومن الطريف أن المتناظرين كانوا يتركون الحكم للمشاهد، وكأن آلاف المشاهدين المتابعين للبرنامج، كانوا على علم بـ"الكلام الإسلامي" ومعرفة بصحة العقائد الإيمانية ولديهم جميع المراجع الدينية لإطلاق الأحكام.

ولا شك في أن منتقدي العملين الدراميين، يرون أن الدراما الرمضانية والترويج لسياسات وأجندات طائفية، اساءة لحرمة هذا الشهر الفضيل، الذي يتسابق فيه صناع تلك الدراما   لعرض محتواهم سواء برامج أو مسلسلات. وهو شهر القرآن الذي يكثر فيه المسلم من قراءة القرآن الكريم وختمه وتدبر آياته ومعانيه التي تدعو إلى الوحدة والتآلف بين الناس عامة وليس المسلمين فقط ، بعكس إثارة النعرات الطائفية، التي تجعل المنطقة ملتهبة وترجعها مئات الخطوات الى الوراء، بعد خروجها المؤقت من حالة نزاع طائفي شرس راح ضحيته مئات الآلاف من الأبرياء، كحوادث تفجيرات المساجد أثناء صلوات الجمعة في الكويت والسعودية والعراق واليمن وغيرها.

وبكل أسف.. أقولها إننا في العالم العربي أو الإسلامي نفتقد للحس النقدي، ليس في الأعمال التلفزيونية فقط وإنما حتى في الكتابات التاريخية، ومن المؤسف أن نرى الرد على مسلسل معاوية يكون بإنتاج عمل "مضاد"، وهو هجوم سابق لأوانه لكثيرين يرون ذلك، فالعمل لم يعرض بعد!، صحيح أنه لن يتناول سيرة مؤسس الدولة الأموية بالنقد والتحليل وأنما سيغلب عليه الجانب التبجيلي، لكن هذا هو حال جميع المسلسلات التاريخية سواء  التي أنتجتها قنوات محسوبة على السنة أم الشيعة.

وهو ما يشبه الردود المتبادلة في السجالات المذهبية بين الجماعتين فعندما ألف الفقيه الشافعي ابن حجر الهيتمي كتابه "الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة" تصدى له من الجانب الآخر نور الله التستري بكتابه "الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة"، فهل انتقل السجال الطائفي بين المذاهب الإسلامية من الكتب إلى الأفلام والمسلسلات؟

***

بقلم: أ. صالح البلوشي

كاتب و إعلامي عماني

 

كل فترة نكتشف أمراً جديداً وحدثاً بارزاً تم على أرض الفيروز فى هدوء وخفاء. منذ البداية والرؤية لدى القيادة السياسية واضحة نحو تلك البقعة الغالية من أرض مصر..أن يتم تطويرها على أساس سليم وأن تتوجه لها كل الطاقات والإمكانيات المتاحة لتنميتها وحسن استغلالها..

الصعوبة الأولى التى واجهتنا كانت أن سيناء خارج السيطرة؛ فلا يمكن إصلاحها مع وجود ذلك الكم الهائل من الانفلات الأمنى والأنفاق وحرية الحركة التى تمتعت بها الجماعات الإرهابية فى السابق، فكان لابد من اتخاذ قرار حازم بامتلاك زمام الأمور بها. ولم يكن الأمر سهلاً ..

أنت تتحدث عن مساحة شاسعة تبلغ نحواً من 60 ألف كيلومتر أو تزيد، أى ما يعادل تقريباً سائر المساحة التى يعيش المصريون عليها بالوادى والدلتا! فكيف يمكن السيطرة على مثل تلك المساحة التى تعج بتضاريس متباينة بعضها صحراوى منبسط وبعضها الآخر جبلى وعر وبعضها ساحلى. ثم أن التركيبة السكانية لتلك المنطقة ذات طبيعة خاصة، والتواصل مع الطبيعة القبلية يختلف حتما عن التواصل مع غيرهم.

لذا كانت المهمة الأولى ما قبل التطوير هى مهمة التهيئة والإعداد لما يمكن البناء عليه من بنية تحتية متطورة على أنقاض ما تمت إزالته من أعشاش وخيم وأبنية عشوائية قائمة هنا وهناك كيفما اتفق. والأهم من هذا أن يقبل سكان المنطقة ما يتم من تطوير بأريحية واطمئنان ويشاركون فى تحقيقه، والحق أن سكان سيناء قاموا بدور عظيم فى هذا الصدد يحسب لهم.

هناك الكثير مما تحقق فى سيناء لا يعلم عنه أحد لأنه يتم فى منأى عن الأنظار ولأننا اعتدنا أن نتابع همومنا الخاصة دون أن نلم بالصورة الكلية العامة. العمل فى سيناء تم على ثلاثة محاور..محور السيطرة الأمنية ومحور البنية التحتية ومحور التعمير والتنمية. والمسارات الثلاثة حدثت بشكل متزامن. إن ما تم من إنجاز هناك هائل ومدهش ولا تستطيع أن تستوعبه إلا إذا قارنت بين ما كان وما هو الآن. وربما استيقظنا يوماً فوجدنا المصريين يشدون الرحال إلى سيناء بعد أن تصبح بديلاً عن الهجرة للخارج..

لم نكتشفها بعد

جمال حمدان قالها قديماً: إن المصريين مرتبطون بالأرض.. وهذا الارتباط عظيم لدرجة أنك تحتاج إلى قوة نفسية كبيرة لزحزحة المصري من مكان نشأته ليهاجر أو يسافر بعيداً عن أرضه هنا أو هناك. وأن تلك الطبيعة الموروثة فى جينات المصريين تركت أثراً سلبياً أحياناً فى النشاط الإنسانى للمجتمع المصري بشكل عام؛ إذ باتت بعض المناطق فى مصر قليلة السكان غير قابلة أصلاً لفكرة التعمير لغيابها عن ذهن أى مصرى؛ فكرة مغادرة مكانه إلى أماكن أخرى ولو على سبيل المغامرة والاكتشاف والسياحة. الدليل على هذا أن العالم كله حريص على زيارة مصر لرؤية بعض معابدها وآثارها مهما تكلفه ذلك من مشقة وجهد ومال، بينما بعض المصريين قد يعيش ويموت ولم يزر متحفاً أو أثراً ولو كانت تلك الزيارة لا تتكلف إلا بضعة جنيهات!

ربما لهذا السبب وغيره عانت سيناء تجاهلاً وخواء رغم أنها تحوى كنوزاً لا تخفى عن أحد..

كوكتيل عجيب من المعادن والثروات حظيت به تلك المنطقة الغنية بالكنوز.. بترول وفحم وحديد ونحاس وفوسفات ومنجنيز ويورانيوم وذهب وأحجار كريمة أهمها الفيروز الذى تحظى سيناء بأجود أنواعه عالمياً حتى صار اسمها مقترناً به، أرض الفيروز. ثمة ثروة حيوانية أكبر مما ظننا تصل إلى ما يزيد عن ربع مليون رأس ماشية ترعى على الكلأ والزراعات البسيطة فى تلك الأراضى الواسعة المنبسطة فما بالنا لو تضاعفت تلك الأرقام؟ لهذا كان البحث الأول والمشروع الأكثر إلحاحاً هو ما يختص بتوصيل المياه إلى تلك المناطق عبر ترعة السلام.. مشروع عظيم يجرى على قدم وساق وقد تم إنجاز جزء كبير من مرحلته الأولى وتتبعها مراحل. بعد أن تمت السحارة أسفل القناة.

هناك مناطق سكنية تم بناؤها على أساس تخطيط عمرانى سليم بدلاً من العشوائية السابقة. الهدف أن يتم زيادة عدد السكان فى مختلف المناطق بسيناء بنسبة تزيد عن 12% فى الوقت الحالى، نحن لا نتحدث عن حلم بعيد المنال، بل هو حلم يتحقق ويجرى تنفيذه الآن.

العبور الكبير

ها قد نفذنا أهم ما فى الخطة المرسومة.. تكاتفت كل مؤسسات الدولة مع أهالى سيناء، وتم تقويض الإرهاب ونزع أنيابه وانغلقت أنفاقه ، وانفتحت أنفاق الخير والنماء عبر السحارة، وبنيت الأسوار ، واستتب الأمن وبدأت خطوات التطوير تتم بالتزامن شيئاً فشيئاً فتوسعت الزراعة وتم التشييد فى القطاعات السكنية والصناعية والخدمية.. كل هذا ليس إلا البداية.. كل هذا كان يتم بهدوء وصمت..كل هذا كان يتم بالرغم مما حدث ويحدث من عراقيل ومعوقات؛ إذ لم تتوقف الأفواه والأقلام تثير الشائعات والأكاذيب ، ولم تتوقف فلول الإرهاب عن محاولاتها لزعزعة الاستقرار وعرقلة حركة التطوير.. لكن التطوير حدث ويحدث رغم كل الأفاعيل والعراقيل..

إذا قيل إن التنمية فى سيناء التهمت مليارات الجنيهات فهو قليل مهما بدا كثيراً فى أعين الناس لأسباب كثيرة.. أولها أن سيناء مساحتها هائلة وهى متعطشة للتنمية منذ عقود وأجيال من الإهمال، ثم أن المعوقات والمشكلات والتخلص منها له تكلفة ضخمة ، والأهم من هذا وذاك أن ما سبق من إنفاق يعد فوزاً واستباقاً لموجة غلاء عالمية حدثت اليوم وبالأمس منذ جائحة كورونا وإلى اليوم.

إن ما تم ويتم اليوم تحت قيادة الرئيس السيسي على أرض سيناء يعد بلا مبالغة عبوراً جديداً إلى أرض سيناء الحبيبة وكأنها عملية لإعادة اكتشاف تلك البقعة المباركة من أرض مصر.

أكبر من رواندا!

قد تندهش إذا علمت أن سيناء وحدها أكبر من رواندا بمقدار الضعف!. تلك الدولة الإفريقية التى عانت الويلات عبر تاريخها الدامى، وهى دولة مغلقة ليس لها سواحل. واليوم تتمتع تلك الدولة الإفريقية المنغلقة على ذاتها بنسبة نمو تتعدى النسب العالمية! وقد تندهش أكثر إذا علمت أن ما نبغت فيه رواندا ليس إلا السياحة! أين سيناء من كل هذا؟ وماذا لو أنها حظيت بنهضة تنموية كنهضة رواندا؟

سيناء بها مجموعة من أروع وأجمل الشواطئ لا أقول فى مصر بل فى العالم أجمع، والمرضى يأتون من كل أنحاء العالم للاستشفاء على رمالها وفى عيونها الساخنة والكبريتية فى عيون موسي ورأس سدر وحمام فرعون وغيرها..وسيناء هى معبر الأنبياء والصحابة عبر التاريخ، ولها قدسية لدى النصارى واليهود والمسلمين جميعهم لأنها منطقة شهدت رحلة العائلة المقدسة وتيه بنى إسرائيل ورحلة موسي وعبور عمرو بن العاص حاملاً رسالة الإسلام والسلام عبر شعبها الأصيل.. ماذا ينقص سيناء لتصير هى المفتاح لتنمية شاملة تبدأ فى سيناء ولا تنتهى إلا ومصر فى مصاف الدول الكبري إقليمياً وعالمياً؟!

سواعد وأهداف

رجال الأعمال جاءوا ورأوا بأنفسهم حجم ما تم إنجازه، وكلهم امتلأوا بالرغبة فى المشاركة بعد أن رأوا كيف اصطفت الآليات والمعدات بالمئات تعلن جاهزيتها للتعمير والبناء وتعطشها للارتفاع بالمصانع والشركات والارتقاء بسيناء على أيدى أهلها من السيناوية ذوى القوة والجلد. ولن تلبث أرض الفيروز أن تكون كما نتمناها أرضاً لخير وفير ونماء عميم يفيض على أهل مصر قاطبة.

***

عبد السلام فاروق

أكتسب اجتماع قيادة مجموعة الرؤية الاستراتيجية لروسيا - العالم الإسلامي، بمشاركة سفراء الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، المعتمدين في روسيا الاتحادية، وممثلي السلطات الفيدرالية والإقليمية، ورؤساء الجمعيات الدينية في روسيا، من وجهة نظر وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، خلال كلمته في الاجتماع هذا العام، أهمية كبيرة بالنسبة للجميع، حيث تصادف مع الذكرى العشرين للخطاب التاريخي لرئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين في اجتماع رؤساء دول وحكومات منظمة المؤتمر الإسلامي في ماليزيا، الذي أيد فيه تطوير العلاقات بين روسيا والعالم الإسلامي بشكل جديد نوعيا، ومُنحت روسيا صفة مراقب مع هذه الرابطة الدولية، وهكذا، تم إرساء أسس الشراكة بين روسيا والعالم الإسلامي، وركزت على البحث المشترك عن إجابات مناسبة للتحديات العديدة في عصرنا.

كما أكتب الاجتماع أهميته، بمستوى الحضور، وفي مقدمتهم وزير خارجية الاتحاد الروسي سيرغي لافروف، ورئيس جمهورية تتارستان، ورئيس مجموعة الرؤية الاستراتيجية لروسيا - العالم الإسلامي رستم مينيخانوف، ونائب رئيس لجنة مجلس الاتحاد للشؤون الدولية، فاريت موخامتشين، ونائب رئيس وزراء الاتحاد الروسي مارات خوسنولين، ورئيس وكالة تنمية الاستثمار في جمهورية تتارستان تاليا مينولينا، وبالإضافة إلى ذلك، ممثلي السلطات الفيدرالية والإقليمية، وأعضاء المجموعة، وقادة الاتحادات الإقليمية الروسية، ناقشوا خلاله، جدول الأعمال في إطار الاجتماع الخاص للمجموعة المقرر عقده في 19 مايو 2023: "روسيا - العالم الإسلامي: القيم الروحية والأخلاقية التقليدية كأساس للتعاون بين الأديان" والاقتصاد الدولي منتدى "روسيا - العالم الإسلامي: منتدى قازان 2023" تحت شعار "اقتصاد الثقة: شراكة بين روسيا الاتحادية ودول منظمة التعاون الإسلامي"، والذي سيعقد في الفترة من 18 إلى 20 مايو المقبل .

وتحافظ روسيا، بأعتبارها أكبر قوة في أوراسيا، على علاقات جيدة وصادقة ومحترمة بشكل متبادل مع دول العالم الإسلامي، ويعتبر تعزيزها من بين الأولويات الثابتة للسياسة الخارجية الداخلية، وبحسب تأكيد لافروف، فإن الجانبين متحدون من خلال الالتزام بالتنوع الثقافي والحضاري لشعوب الكوكب، وحقهم في تحديد مساراتهم الخاصة للتنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، جنبا إلى جنب مع الأصدقاء من الدول الإسلامية، والدفاع عن تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب أكثر عدلا وديمقراطية على أساس مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ورفض القيم الليبرالية المتطرفة التي يفرضها "الغرب الجماعي" بقوة.

لقد كانت الآلية الأساسية للحوار المشترك والترويج للمشاريع الواعدة ذات المنفعة المتبادلة هي مجموعة الرؤية الاستراتيجية لروسيا والعالم الإسلامي، التي تأسست في عام 2006، برئاسة رئيس جمهورية تتارستان آر إن مينيخانوف، وعلى مدى السنوات الماضية، تم إطلاق العديد من المبادرات المفيدة في إطارها، تهدف إلى المساعدة في تعزيز أجواء الصداقة والثقة والتفاهم المتبادل بين دولها وشعوبها، واليوم، يساهم الدعم الجماهيري الواسع، بما في ذلك من خلال الدوائر التجارية والجمعيات الدينية ومنظمات الشباب والعلماء والشخصيات الثقافية، في زيادة بناء التعاون، حيث تساهم المناطق الروسية مساهمة مهمة في الجهود المشتركة، و يعيش المسلمون تاريخيًا في وئام وسلام وانسجام مع ممثلي الديانات الأخرى.

وتقدر روسيا تقديراً عالياً الاتصالات المكثفة مع العالم الإسلامي، وهي منفتحة دائماً على التعاون في جميع المجالات، انطلاقا ن رغبتها في التقارب مع العالم الإسلامي على خلفية فرض الغرب لقيم غير مقبولة لروسيا تؤكد تقارب وجهات النظر التقليدية مع العالم الإسلامي، وتؤكد الاختلافات الجوهرية في وجهات النظر مع الغرب، لذلك فإن مجموعة الرؤية الاستراتيجية "روسيا - العالم الإسلامي" بالتعاون مع الجمعيات والمنظمات الإسلامية الوطنية، وهياكل الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، والأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي، والممثل الدائم للاتحاد الروسي لدى منظمة التعاون الإسلامي، والمنظمات الدولية، قد حققت نتائج جيدة في زيادة تعزيز الشراكات وتعميق العلاقات الاقتصادية والإنسانية.

وفي أنشطة المجموعة، تعتبر موضوعات التفاعل بين الإسلام والأرثوذكسية، والقيم التقليدية المشتركة للطائفتين، ومكافحة تدمير المبادئ الأخلاقية، والتجربة الروسية والدولية في هذا المجال، من الأولويات التقليدية، وأصبحت هذه القضايا وغيرها موضوع النقاش في المؤتمر الدولي "الأرثوذكسية والإسلام: الحوار بين الأديان في تحقيق السلام العالمي"، الذي عقد في 15 نوفمبر 2022 في مركز الجمعية الأرثوذكسية الفلسطينية الإمبراطورية في موسكو، وكان الحدث أحد الأحداث الرئيسية في عمل مجموعة الرؤية الاستراتيجية لدعم التفاعل الوثيق بين الإسلام والأرثوذكسية، والحفاظ على القيم التقليدية المشتركة، ومكافحة تدمير المبادئ الأخلاقية، ودراسة التجربة الروسية والدولية في هذا المجال.

وفي أنشطة المجموعة، كما يراها رئيس جمهورية تتارستان، توحد الجميع الرغبة المشتركة في تعزيز التقارب الواسع بين روسيا ودول العالم الإسلامي على أساس الحوار والشراكة المتكافئين التي تركز على توسيع التعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك تعزيز التقاليد التقليدية، القيم الروحية والأخلاقية في عملية حماية التنوع الثقافي وشراكة الحضارات. في هذا السياق، تصبح المجموعة منصة عامة موحدة، وفي هذا الصدد، من المقرر عقد اجتماع خاص للمجموعة في قازان في 19 مايو 2023 بأجندة "روسيا - العالم الإسلامي، " القيم الروحية والأخلاقية التقليدية كأساس للتعاون بين الأديان"، ويهدف هذا الاجتماع إلى أن يكون عرضًا لتعزيز تجربة الحوار بين المنظمات الدينية في روسيا ودول العالم الإسلامي، وقادتها الدينيين من أجل زيادة تعزيز التعاون بين القيم الروحية والأخلاقية التقليدية المشتركة، ومبادئ الإنسانية والأخوة بين الأديان والثقافات والصداقة بين الشعوب، حيث تتوسع أنشطة المجموعة وتكوينها باستمرار، وتحت رعايتها، تقام أحداث ذات طبيعة اقتصادية وعلمية وعملية ودينية وثقافية.

ويعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تقديره الكبير لمستوى تعاون مجموعة الرؤية الاستراتيجية بين روسيا والعالم الإسلامي مع دول العالم الإسلامي، ودعم مبادرة منح قمة قازان الاقتصادية الدولية مكانة اتحادية، إلى جانب منتدى سانت بطرسبرغ والمنتدى الاقتصادي الشرقي، و أصبح منتدى KazanForum ثالث منصة فدرالية رئيسية لضمان المصالح الاقتصادية لروسيا في إطار التعاون المتكافئ والمتبادل المنفعة مع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، و KazanForum هي المنصة الاقتصادية لأنشطة المجموعة، وبهذا المعنى فهي فريدة من نوعها - لا توجد مثل هذه المنصة في روسيا في الوقت الحالي، ومن أجل عقد المنتدى الاقتصادي الدولي "روسيا - العالم الإسلامي KazanForum 2023"، بنجاح في جمهورية تتارستان في 18-20 مايو 2023، فقد تم تشكيل برنامج أعمال ثري وتم التخطيط لعدد من الأحداث، بما في ذلك دورة حول التمويل الإسلامي من قبل سبيربنك مع AAOIFI (هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية) .

أن تطوير شراكة روسيا مع دول العالم الإسلامي على طريق تعزيز التعاون في الجوانب الاقتصادية والإنسانية سيتيح الوصول إلى المشاريع الدولية الواعدة مع المنظمات الإسلامية البارزة، و أعرب نائب رئيس وزراء روسيا الاتحادية مارات خوسنولين عن امتنانه للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي على نهجها المنفتح والمتعدد الاتجاهات والحوار الصادق والدعم في جميع مجالات التعاون مع روسيا، في حين شدد الرئيس التارستاني على ان " مجموعة الرؤية الاستراتيجية لروسيا - العالم الإسلامي " هي منبر للمشاورات على مستوى الشخصيات العامة والسياسية ودوائر الأعمال وممثلي المجتمع العلمي ورجال الدين الذين لديهم سلطة و النفوذ في الدول الإسلامية، وتقام تحت رعايتها الفعاليات الاقتصادية والعلمية والعملية والدينية والثقافية. نوع من التلخيص هي الاجتماعات العامة السنوية لأعضاء المجموعة

كما أولت المجموعة دائمًا اهتمامًا خاصًا بالناقل الشبابي في تطوير العلاقات الدولية، وهكذا، ستستضيف قازان في الربيع منتدى الدبلوماسيين الشباب للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي ومنتدى رواد الأعمال الشباب للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، والمدرسة الصيفية الدولية "حوار الثقافات البلغاري"، مؤتمر الشباب العلمي لروسيا والدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.

على مر السنين، أصبحت الاجتماعات في مواقع المجموعة، والمناقشة المفتوحة للقضايا الموضوعية لجدول الأعمال الثقافي والإنساني الحديث، وتبادل الخبرات وتحديد آفاق التعاون الأخرى، تقليدية، وإن زيادة تطوير أنشطة المجموعة سيصبح بلا شك خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون في الجوانب الاقتصادية والإنسانية وسيوفر الوصول إلى المشاريع الدولية الواعدة للشراكة مع المنظمات الإسلامية الدولية، بما في ذلك تلك الموجهة للشباب.

***

الدكتور كريم المظفر - موسكو

ما بين تكتيك المعركة واستراتيجية الحرب

اثناء تقابل الجيوش في أي معركة كانت، فإن الدروس المستفادة من الأخطاء في الميدان قد تؤدي إلى تطوير تكتيكي وفق القرارات المدروسة أو الارتجالية، بناءً على معطيات ما يدور من مواجهات على نحو: حالة التقدم أو التقهقر وربما حجم الخسائر في المعدات والأرواح.

كل ذلك من شأنه أن يؤثر في مجريات المعركة، وبعدها ترسل التقارير إلى القيادة العامة في غرفة العمليات لتقييمها واتخاذ القرارات العسكرية بشأنها، حيث تدار الحرب في إطار التنسيق التقني الميداني بين كافة الأجهزة الأمنية واللوجستية والاستخباراتية. وبالتالي ربط النتائج المستجدة للحرب عموماً بالقرار السياسي لتقييم الموقف العام من قبل القيادة العليا السياسية والعسكرية، لاتخاذ القرار الاستراتيجي المناسب اعتماداً على مدى انسجام تلك النتائج مع الهدف الذي من أجله اشتعلت الحرب، وانعكاساتها الدولية، وتوافقها مع القانون الدولي، وتأثيرها محلياً من النواحي الاقتصادية والإعلامية وإسقاطات الحرب النفسية المتبادلة بين أطراف النزاع على المواطنين.

هذا مدخل لتفسير الحرب الأوكرانية فيما لو كانت محصورة بين الطرفين الروسي والأوكراني أو عالمية النطاق، يتواجه في أتونها الاتحاد الروسي والناتو وكل من يدور في فلكيهما من حلفاء أو متضامنين.

الحرب في الأصل تقوم على المواجهات العسكرية المباشرة بين طرفين، بحيث أن كل من يستغل هذه الحرب لمصالحه من خلال دعم طرف ضد الآخر يعد شريكاً فيها.. حيث يتجلى هذا الدعم من خلال تقديم الدعم العسكري والإعلامي والاستخباراتي والخبراء والجنود المرتزقة وفرض حصار اقتصادي وسياسي إلى جانب استهداف مصالح الخصم الخارجية والسعي لضربه أمنياً في العمق.

لا بل إن ما يجري في أوكرانيا إنما هي حرب عالمية تقليدية مدمرة يتجاوز تأثيرها الاقتصادي والأمني حدود أوروبا وأمريكا إلى القارات الست.

أيضاً لا يمكن قياس نتيجة الحرب النهائية على نتيجة كل معركة ميدانياً لأن التكتيك يستلزم المراوغة وفق المستجدات كما قلنا في المقدمة فيتقدم هنا وقد يتراجع هناك.. أما نتيجة الحرب فهي الحاسمة، إذْ تزود أصحاب القرار السياسي بالموقف العام للاسترشاد به في إصدار القرارات المفصلية سواء بإيقاف الحرب واللجوء إلى طاولة المفاوضات وتقديم تنازلات إن استرعت الظروف أو فرض الأمر الواقع من قبل الطرف الرابح، وإلا فالاستمرار في الحرب إلى أمد طويل؛ ولكن بتغيير الاستراتيجية شكلاً ومصمونا.. وهذا قد يغير الاستراتيجية من الخيار التقليدي إلى النووي التكتيكي كمرحلة ,أولى في علاقة عكسية ما بين الخسارة والتصعيد.

فمن الناحية التكتيكية وعلى صعيد المعارك الأخيرة بين الروس والأوكرانيين (بالوكالة عن الناتو) حاول الجيش الروسي السيطرة على القرى الصغيرة لأهميتها الاستراتيجية ميدانياً، كونها تربط بين المدن لقطع طريق الإمدادات اللوجستية عبر الطرق البرية وسكة الحديد على الجيش الأوكراني (الإنفصاليين والمرتزقة)، توطئة لاحتلال مدينة أوجليدار التي تعد قلعة أوكرانية استراتيجية، وتشكل خطراً على خطوط الإمداد الروسية.. وذلك تمهيداً للهجوم الكبير الموعود (السهم الكبير).

إلا أنه كان من الصعب على الجيش الروسي احتلال هذه المدينة الاستراتيجية كونها أرضاً منبسطة.

وإمعاناً في الضغط الأوكراني على الطرف الروسي بعد احتدام المعارك بينهما، تم سحب جزءٍ من القوات الأوكرانية الانفصالية من منطقة الغابات في مدينة كريمينا المجاورة؛ لتعزيز القوات الأوكرانية في "أوجليدار " فتراجع الروس تكتيكياً حتى نهر دنيفر شرقاً للالتفاف حول المنجم الذي يستحكم به الأوكرانيون، وجر الجيش الأوكراني إلى المناطق المكشوفة والاستعانة بمن تبقى منهم في الغاباتة، وكانت مصيدة محكمة ساعدت الروس على إحكام قبضتهم كالكماشة على أوجليدار فَدُمِّرَ خطُ دفاع الأوكرانيين الأول باستخدام أنظمة قاذفة اللهب الثقيلة “سولنستبوك”.

وكانت أكبر الخسائر التي لحقت بقوات نظام كييف حصلت في منطقة قرية بافلوفكا التي تجاور أوجلدار من الجنوب الغربي. حيث يوجد تقاطع طرق كبير ، بما في ذلك تقاطع آخر مع اتجاه نحو فريموفكا وغربًا إلى جوليبول.

والخطوة التكتيكية الروسية هذه قطعت طريق الإمدادات عن الجيش الأوكراني الذي اندحر جهة الغرب.

يتزامن ذلك مع انتهاء أشد المعارك ضراوة بسقوط مدينة باخموت في يد الروس وفق إعلان قائد مجموعة فاغنر شبه العسكرية الروسية التي خاضت غمار المعركة باقتدار شديد.

الأمر الذي من شأنه أن يقرب ساعة الصفر للهجوم الروسي الكبير (المعركة الكبرى) حيث سيواجه الروس في المحصلة جيشاً واهناً مفككاً، إلى جانب مستودعات أسلحة وذخائر غربية باتت شبه خاوية مثلما هو حالها في المانيا، حيث استهلكت تلك الذخائر في الحرب الروسية الأوكرانية دون تعويض خلافاً لقدرات الطرف الروسي التصنيعية.. فأوكرانيا تستهلك ما يزيد عن 40 ألف قذيفة يومياً دون أن يؤثر استخدامها في تقدم الجيش الروسي على طول خط المواجهة أو استنزافه.

لذلك يحاول الأوكرانيون الحصول على ضوء أخضر من ملدوفا لاقتحام إقليم ترانسنيستريا والسيطرة على مستودعات كوباسنا الروسية التي تحتوي على ذخيرة بكمية 20 الف طن خزنت منذ عهد الاتحاد السوفيتي، وتبعد هذه المستودعات عن الحدود الأوكرانيا 5 كم، مع أنها قد تكون ملغمة حتى لا يتمكن الاوكرانيون من سلبها.

هذه التكتيكات في المعارك اعلاه هي جزء من استراتيجية الحرب التي يصعب تغييرها إلا في حالة الهزيمة فيها؛ ما يسترعي الانتقال إلى استراتيجية جديدة لحسم الحرب لصالح روسيا والشواهد تؤكد على ذلك.

فبعد انسحاب روسيا التكتيكي من كييف في أبريل 2022 الذي اعقبه سلسلة انسحابات تكتيكية ميدانية روسية من مساحات واسعة باتجاه الشرق، وصفت حينذاك بأنها هزيمة واندحار، تم تغيير استراتيجية الحرب من قبل بوتين بإعلان التعبئة العامة وتغيير أهم القادة العسكريين الميدانيين وتحصين المواقع التي يحتلها الروس والقيام بهجوم شامل ما زال يحقق الانتصار تلو الآخر في المعارك الجارية كان آخرها سقوط باخموت.

والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا لو تدخل الناتو مباشرة ودون محاذير مستهدفاً العمق الروسي بالصواريخ البالستية؟

فالمراقبون يؤكدون بأن الاستراتيجية الجديدة وفق العقيدة الروسية النووية ستدخل السلاح النووي التكتيكي في الحرب لحسم المعركة.. وستكون الترسانة النووية على أهبة الاستعداد.

لذلك فالمناورات الروسية الاستراتيجية توالت منذ اشتعال الحرب الأوكرانية مطلع العام 2022 في بحر البلطيق، في ظلّ ازدياد التوتر حول هذه المساحة الاستراتيجية تزامناً مع مناورات حلف شمال الأطلسي التي جرت قريباً من ذات المكان، ناهيك عن المناورات الروسية الاستراتيجية المشتركة في العام 2022 شرقي روسيا، وفي مياه بحري اليابان وأوخوتسك، بمشاركة 50 ألف عسكري من 14 دولة، بينها الصين والهند. ومناورات ديربان بين روسيا والصين وجنوب افريقيا في 27 فبراير2023 قبالة سواحل ديربان وريتشاردز باي الجنوب افريقية على المحيط الهندي.

في مجملها فإن المناورات الروسية المحلية والإقليمية تُعِدُّ المنطقة لكل الخيارات العسكرية المتاحة، سواءً كانت في سياق حرب تقليدية ما لبثت جارية، أو التحول الاستراتيجي باتجاه حرب نووية محتملة من خلال إعادة نشر الرؤوس النووية وتحريك الغواصات العملاقة الحاملة للرؤوس النووية التي لم يصنعها الروس للاستعراض.

وهذا يفسر سياسة الروس في تصنيع صاروخ آر اس-28 سمارت الاستثنائي وإعادة نشره.

وهو صاروخ روسي ذو وقود سائل عابر للقارات. يهدف ليحل محل صاروخ آر-36.

وفقاً لنائب وزير الدفاع الروسي يوري بوريسوف، سيكون الصاروخ قادراً على الطيران عبر القطبين الشمالي والجنوبي.

وصُمم هذا الصاروخ للإفلات من أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ عبر تقنيات لا تمنح هذه الأنظمة إلا وقتاً قصيراً لبدء التتبع فهو كالشيطان لا يخضع لقوانين الرصد والمراقبة فسرعته أكثر من 20 ماخ أي تفوق سرعة الصوت بكثير ويمسح دول باكملها عن وجه الأرض وفق ما قاله مراقبون غربيون.

فهل يرضخ الغرب لسطوة هذا الصاروخ المدمر الذي لا رادع له كفاتحة لنشوب حرب نووية لا تبقي ولا تذر! وإلا فلماذا سميت لدي الطرفين باسلحة الردع إذا لم توظف فعلياً في هذا الاتجاه؟ وخاصة أن تفكيك روسيا وحشرها في الزاوية بات الهدف الغربي الأبرز في الحرب الأوكرانية المجنونة.

وهذا يفسر سبب تجميد روسيا لمعاهدة ستارت 3 للحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية في 21 فبراير 2023 والمبرمة بتاريخ 8 أبريل عام 2010.والتحرر من قيودها.

لقد وُضِعَ هذا السؤال على محك الأزمة الأوكرانية التي تواجه فيها روسيا الناتو ومن ينضوي تحت مظلته.

***

بقلم بكر السباتين

6 مارس 2023

 

وكيف حوٌلها إلى بلد المخدرات والمافيات الأول:

إن السياسي الذي لا يأخذ العبرة من تجارب الشعوب الأخرى ليس رجل دولة بل مستبد صغير وأعمى بصيرة يريد فرض دولته الخاصة فينتهي بتدمير المجتمع والدولة معا: قانون فولستيد، نسبة الى أندرو فولستيد رئيس لجنة القضاء في البرلمان الاميركي، منع بيع، تصنيع ونقل المشروبات الكحولية في الولايات المتحدة في الفترة ما بين 1920 - 1933. وقد أُلغي القانون في 5 ديسمبر 1933.

أثار القانون جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة، فالمؤيدون وصفوا الحظر بالتجربة النبيلة وقدموه كانتصار للأخلاق الحميدة وصحة العامة. فيما اتهم المعارضون مؤيدي الحظر بفرض توجهات دينية بروتستانتية ريفية على أبناء المدن.

 كان فرض الحظر صعباً على السلطات التنفيذية لغياب تأييد شعبي، بالإضافة إلى أنه كان سبباً رئيسيا في نمو العديد من المنظمات الإجرامية ونشوء السوق السوداء. ظهر في فترة الحظر أحد أشهر رجال العصابات الأمريكيين المدعو آل كابوني وارتفعت نسب الفساد بين السياسيين ومنسوبي أجهزة الأمن.

في 22 مارس 1933، وافق الرئيس روزفلت على قانون يسمح بصناعة وبيع النبيذ والبيرة منخفضة الكحول وعرف القانون باسم «هاريسون» تيمنا بمتبنيه السيناتور بات هاريسون.

وقد رفضت بعض الولايات مثل ماريلاند ونيويورك الحظر. افتقر إنفاذ القانون بموجب التعديل الثامن عشر إلى سلطة مركزية. واستُدعي رجال الدين لتشكيل مجموعات أهلية للمساعدة في تنفيذ الحظر. علاوة على ذلك، ساهمت الجغرافيا الأمريكية في صعوبة تطبيق الحظر. وفي نهاية المطاف، اعتُرف عند إلغائه بأن الوسائل التي يُنفذ من خلالها القانون لم تكن عملية.

ففي شيشرون، إلينوي، (إحدى ضواحي شيكاغو) سمح انتشار المجتمعات العرقية التي لديها تعاطف مع زعيم المافيا البارز آل كابوني بالعمل على الرغم من وجود الشرطة.

وتحدثت جماعة كو كلوكس كلان (العنصرية الدينية المتطرفة) كثيرا عن إدانة المهربين وهددت باتخاذ إجراءات خاصة ضد المجرمين المعروفين.

خلق الحظر سوقا سوداء لبيع الكحوليات وانتشرت تجارة المخدرات وأصبحت تنافس الاقتصاد الرسمي، والذي تعرض للضغط عندما حدث الكساد الكبير في عام 1929. كانت حكومات الولايات بحاجة ماسة إلى الإيرادات الضريبية التي حققتها مبيعات الكحول. انتُخب فرانكلين روزفلت في عام 1932 بناءً على وعده بإنهاء الحظر، مما أثر في دعمه للتصديق على التعديل الحادي والعشرين لإلغاء الحظر وألغي التعديل الثامن عشر في 5 ديسمبر 1933، مع التصديق على التعديل الحادي والعشرين لدستور الولايات المتحدة. على الرغم من جهود هيبر ج.غرانت، رئيس كنيسة يسوع المسيح، صوت أعضاء يوتا البالغ عددهم 21 عضوا في المؤتمر الدستوري بالإجماع في ذلك اليوم للتصديق على التعديل الحادي والعشرين، مما يجعل يوتا الولاية السادسة والثلاثين التي يتعين عليها القيام بذلك.

بعد إلغاء قانون الحظر، اعترف بعض المؤيدين السابقين له علانية بالفشل. فمثلًا، أوضح الملياردير جون دي روكفلر وجهة نظره في خطاب عام 1932. وقال:

عندما حدث الحظر، كنت آمل أنه سيُدعَم على نطاق واسع من قبل الرأي العام وسيأتي قريبا اليوم الذي سيعترف به العالم بالآثار الشريرة للكحول. لقد توصلت ببطء وعلى مضض إلى الاعتقاد بأن هذه لم تكن النتيجة. بدلا من ذلك، ازداد الشرب بشكل عام. ظهرت مجموعة كبيرة من الخارجين على القانون، لقد تجاهل العديد من أفضل مواطنينا الحظر علانية، وتراجع احترام القانون بشكل كبير، وارتفعت الجريمة إلى مستوى لم يسبق له مثيل من قبل." وأخيرا فقد أطلق على هذا القانون اسم "أغبى قانون في التاريخ" بعد قانون تكساس الذي يمنع استعمال الأيدي في المزاح!

منقول باختصار عن التعريف بقانون فولستيد في الموسوعات الحرة، ومقالة مترجمة في الذكرى المئوية لصدوره.

***

علاء اللامي

 

باختصار شديد القضاء على المقاومة في عموم فلسطين المحتلة بات يشكل هدفاً استراتيجياً ومن الأولويات الإسرائيلية في السياسة الداخلية والخارجية، دون الاكتفاء بالمداهمات الأمنية التي باتت عاجزة عن اجتثاث المقاومة وسد المنافذ على خلاياها الفاعلة مثل عرين الأسود المستقلة عن الفصائل.

ودعماً لهذا التوجه الإسرائيلي المراوغ، فقد بادرت أمريكا إلى وضع كل ثقلها السياسي والعسكري والضغط على حلفائها الإقليميين وعلى رأسهم سلطة اوسلو؛ لإنجاح مساعيها في "القضاء" على المقاومة شمال الضفة الغربية المحتلة التي باتت تقض مضجع الإسرائيليين وتُعَثّرْ أهدافَ اليمين الإسرائيلي الساعية لبسط السيطرة على ما تبقى من اراضي الفلسطينيين المنتهكة.

ويتفق المراقبون عبر المنابر الإعلامية في أن هذه الجهود الأمريكية تتوجت بمخرجات مؤتمر العقبة الأخير الذي فُرِضَتْ عليه الإجندة الأمريكية الداعمة جوهرياً للاحتلال الإسرائيلي، ولو بدا شكلياً وكأنه يراعي حقوق الشعب الفلسطيني من خلال إنعاش حياته اقتصادياً في المناطق المحتلة.

ووفق مراقبين فإن هذه الأجندة الأمريكية من شأنها إشعال حرب أهلية طاحنة بين الفلسطينيين تحت شعار "كبّرها حتى تصغر" وهي فكرة ميكافللية تقوم على مبدأ :فرق تسد" الأمر الذي سيؤدي إلى تدخل السلطة لفضها بالقوة، وحتى تتمكن من ذلك مستقبلاً فقد وضع الأمريكيون ضمن أجندتهم خطة تعزيز قوات أمن السلطة بالعناصر الجديدة ودعمها بالسلاح المناسب، ومن ثم الإجهاز على ما يرون بأنه آفة اسمها المقاومة، ما سيؤدي إلى القطيعة بين الشعب الفلسطيني الذي يحتضن المقاومة، وعرين الأسود إذا ما تم استفزازها وجرها إلى الفخ المنصوب لها، حيث انها رغم استقلالها إلا انها تعتبر جزءاً من المقاومة الفلسطينية الموحدة ميدانياً، والتي تتبنى الكفاح المسلح كخيار استراتيجي بعد فشل اتفاقية أوسلو الذريع التي وضعت الفلسطينيين في مأزق وجودي.

وعلى المقاومة التعلم من تجربة الاقتتال الفلسطيني الداخلي في إطار التجاذبات الإقليمية ببيروت في سبعينيات القرن الماضي!

الشرارة جاهزة وتتمثل بتصريحات محافظ نابلس الفتحاوي إبراهيم رمضان بسبب ما ادلاه من تصريحات مستفزة وغير مسؤولة لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، معبراً عن انزعاجه من مواصلة مجموعات “عرين الأسود” مقاومتها للمحتل، ودفاعها عن الضفة الغربية المحتلة ومخيماتها المنتهكة من آلة البطش الإسرائيلية، وكأنه يتحدث بلسان حال اليمين الإسرائيلي، الأمر الذي أشعل معه حالة من الغضب والسخط داخل الأوساط الفلسطينية وعبر الفضاء الرقمي، فيما كشف فعليًا عن دور السلطة الفلسطينية المكشوف في ملاحقة المقاومة وانزعاجها من كل من يقاوم هذا المحتل الغاصب الذي يمارس سياسة التطهير العرقي بحق الفلسطينيين.

وهذا تصريح مستفز لمشاعر الفلسطينيين حيث جاء تكراراً لما قاله في أكتوبر 2022، مسيئاً لأمهات الشهداء ونال فيها حينئذْ من المقاومين وبخس من المقاومة المسلحة وجدواها؛ لزرع مشاعر اليأس في قلوب شباب المقاومة، مؤكداً على مواقف السلطة التي ينتمي إليها حيث توصف شعبيًا بأنها “انهزامية” بينما يعتبرها المطبعون واقعية.

هذه الشرارة تبدأ من البيان الصادر عن حركة “فتح” في بيت لحم إذْ حذرت فيه من المساس بالمحافظ، مؤكدة وقوفها أمام “حملة التهديد والتخوين” التي يتعرض لها رمضان.

ويتساءل كثيرون عبر الفضاء الرقمي:

أين كان هذا الموقف الفتحاوي -الذي لا يمثل إلا أتباع السلطة- وجيش الاحتلال يقتحم مخيمات نابلس وجنين وينكل بالفلسطينيين جهاراً نهارا! بينما يحظى َمْن يحضُّ على إيقاف المقاومة بهذه الحماية المثيرة للأسئلة.. وكأن فتح تخلع عن نفسها ثوب المقاومة! فتنصاع راضخة للأجندة الصهيوامريكية إلا من رحم ربي من الشرفاء الذين ينعشون روح المقاومة غير آبهين بمواقف قادة أوسلو المرفوضة جماهيرياً.

إن تصريحات محافظ نابلس المثيرة لفزعات الانتقام المتبادلة تندرج ضمن فخ الحرب الأهلية وتلتقي مع المقترح الأمريكي في مؤتمر العقبة الذي تضمنه البيان الختامي حيث أكد على ضرورة خفض التصعيد في الأراضي الفلسطينية، و”منع المزيد من العنف”، ووقف الاستيطان والبؤر الاستيطانية لستة أشهر.. وكأنها استراحة محارب للإسرائيليين كي يلتقطوا أنفاسهم ومن ثم يستأنفون مسيرتهم الاستيطانية واحتلال الأراضي دون رادع.. هذه فنتازيا سياسية تخالف المنطق ولا يقتنع بها حتى الطفل في القماط.

حيث وضع الجنرال الأمريكي “مايك فنزل” خطة لتدريب 12 ألف عنصر أمني فلسطيني لمحاربة المقاومة في شمال الضفة الغربية وتحديداً في نابلس وجنين حيث معاقل عرين الأسود.

هذا يعني بأن عدم تسييس عرين الأسود أو انتمائها للفصائل الفلسطينية قد شكل خطراً امنياً لسلطات الاحتلال وجعل الفلسطينيين يلتفون من حولها ترسيخاً لخيار المقاومة كبديل لسلطة اوسلو المنهارة -كما سنرى- ما استرعى طرح موضوعها على أجندة المؤتمر، حيث جاء في تقريرٍ مطوّل لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أن ظهور مجموعة عرين الأسود في الضفة نابعٌ من التأييد المتزايد من الفلسطينيين للمقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي، فيما يتسع نطاق المستوطنات على حساب الأرض الفلسطينية، عدا عن الهجمات التي يشنها المستوطنون ضد أهالي الضفة، وليس انتهاءً بـ”سلطة فلسطينية فاسدة وغير فعّالة.. وأن هذه المجموعات المسلحة -عرين الأسود- أمست محطّ إعجاب من أهالي مدينة نابلس؛ فها هي صور أعضاء المجموعة تعلق في كل مكان، حتى على خلفيات شاشات الهواتف النقالة فيما تصدح أناشيد العرين في المقاهي هناك.

إنها حالة جماهيرية متصاعدة، فتنعش في القلوب طاقة المقاومة التي استوجب من الصهاينة وأدها قبل استفاحلها فيصعب مشاغلتها.

وهذا يعكس -وفق الصحيفة- الدعم الاجتماعي لعرين الأسود كون افرادها يفعلون ما لا تفعله السلطة الفلسطينية، وهو محاربة "إسرائيل”.

من جهته، المسؤول المجتمعي في حركة فتح عميد المصري يتهم عرين الأسود بأنها تفتقر للأفق السياسي.. مُعْزِيًاً أسباب ظهورها جماهيرياً إلى ظروف البطالة السائدة بين الشباب، واضطهاد الاحتلال للفلسطينيين؛ لكنه أخذ يربط الانتفاضة الثالثة التي يدعو إليها الفلسطينيون، بقرار سياسي تتبناه اللجنة المركزية لحركة فتح في الوقت الذي ترتمي فيه سلطة أوسلو بمكونها الفتحاوي في أحضان الأجندة الصهيوامريكية التي تستهدفُ عرينَ الأسود؛ كمقاومة فردية.

من هنا تتوالي الأسئلة المبهمة حول جدوى سلطة أوسلو، مقابل التنبيه إلى الخطر الداهم على المقاومة كيلا تقع في فخ الحرب الأهلية التي لو حدثت فقل على قضية فلسطين السلام "الله يستر"

***

بقلم بكر السباتين

5 مارس 2023

 

يشهد العالم منذ فترة حدثين مهمين، ولا ابالغ اذا قلت انهما الابرز على المستوى العالمي منذ سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي السابق، ولعل تأثيرهما هو الابرز على الصعيد الاقتصادي والسياسي، وهما التغول الاقتصادي للصين ومحاولة تصدرها الساحة الاقتصادية العالمية، وصعودها السريع كمنافس حقيقي للاقتصاد الامريكي، الذي يعد الاول على مستوى تقدم الاقتصاديات العالمية، وانفتاح الصين باتجاه تأسيس لوبي اقتصادي موازي، يسعى لمواجهة اللوبي الغربي يسعى لمجموعة اهداف منها زحزحة مكانة الدولار الامريكي وكسر مقبوليته العالمية في التداولات الدولية، ويهدف لإعادة ترتيب السوق العالمي وفق الشروط الصينية، وبشكل مفاجئ وسريع كاد ان يدفع لحرب اقتصادية معلنة بين الصين والولايات المتحدة الامريكية لولا الخروج المبكر للرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب من اروقة البيت الابيض لحساب مرشح الحزب الديموقراطي جو بايدن.

والحدث الثاني هو الحرب المشتعلة بين روسيا واوكرانيا، والتي تكاد نيرانها تدفع العالم باسره نحو حرب عالمية ثالثة، في حال ان خرجت الامور عن السيطرة، وهو احتمال يبقى قائماً اذا ما اخذنا بالاعتبار تورط العديد من الدول الكبر  بشكل او باخر في هذه الحرب من خلال الدعم العسكري او الاقتصادي او المواقف السياسية الداعمة لهذا الطرف او ذاك، وبشكل بدء يعيد لاذهان العالم شكل التحالف الشرقي والتحالف الغربي الذي شطر العالم الى معسكرين متقاطعين في القرن الماضي، ومن جهة اخرى فان تداعياتها تطال معظم دول العالم من خلال عوامل عديدة منها ان 40% من واردات العالم من الحديد القمح والزيت والمواد الغذائية الأخرى هي كلها من روسيا وأوكرانيا، بالاضافة الى ارتفاع سعر الغاز والبترول في العالم كله والذي اثر بشكل او باخر فيكل الدول بدون استثناء.

ولعل ما يهمنا في هذين الحدثين ويثير الاهتمام،  ليس نتيجة الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، ولا نتيجة الحرب العسكرية بين روسيا واوكرانيا، بقدر ما يهمنا التكتلات الدولية والاصطفاف في محور شرقي بقيادة روسيا والصين واخر غربي بقيادة امريكا والغرب من ورائها، والذي يكاد يعيد رسم الخارطة الجيوسياسية العالمية ويعيد تمركز القوى بين الدول اعتمادا ًعلى مواقفها الاقتصادية والعسكرية من جهة ومدى نفوذها وتأثيرها في محيطها الاقليمي من جهة اخرى، ولا شك ان هناك دولاً صاعدة وغيرها هابطة واخرى تستمر في هبوطها وافول نجمها ، وبرغم  المحاولات (الخجولة) للحكومات المتعاقبة للنهوض بالبلاد ودفعها باتجاه مكانتها الدولية والاقليمية فان دور العراق لايزال اقل من ثانوي في المعادلات الناشئة، بل لعلي لا اجانب الصواب اذا خشيت ان يتحول بشكله الحالي الى مجرد ورقة من اوراق الضغط بيد القوى العالمية والاقليمية تدفع بها للضغط او المساومة فيما بينها، ولعل ما يؤلم ان ارض السواد لم يعد لها من التأثير ما لبعض الدويلات في المنطقة  والتي لم يمكن لها في احسن الاحوال سوى ان تكون سوى صفحة في تاريخ العراق، ولكنها في نفس الوقت ادركت نقاط قوتها وحاجة الاخرين لما يملكونه، فاحسنوا المناورة في الوقت الذي شغلتنا حروبنا في الداخل او الخارج . لا اريد في هذه السطور الخوض في تاريخنا وتاريخ غيرنا بقدر ما اريد التنبيه  الى حجم الفرص المهدرة في الوقت الذي يعاد فيه رسم خارطة القوة والنفوذ في العالم، وتقرر فيه مصائر الشعوب، وكما قيل قديماً فالحقوق تؤخذ ولا تعطى، ولن اطيل على القارئ وسأكتفي بالإشارة الى عاملين يجب على الحكومة التركيز والاتكاء عليها كمفتاح يرغم الاخرين على الاستماع لصوتنا، واعادة  الاعتبار لما يمكن ان  نمثله من ثقل اقليمي ودولي .

ان العراق يملك رابع أكبر احتياطي مؤكد من النفط الخام في العالم بواقع 145.019 مليار برميل ويأتي بعد كل من فنزويلا التي جاءت أولا والسعودية ثانيا وإيران ثالثا، وفقا للتقرير السنوي لمنظمة الدول المصدر للنفط (أوبك) مع العلم ان من الممكن زيادة احتياطيه النفطي إلى 270 مليار برميل ليحتل المركز الأول في العالم من خلال تحويله من احتياطي محتمل إلى احتياطي مؤكد بشرط زيادة الجهد الاستكشافي للقطاع النفطي في العراق، كما تجدر الاشارة الى ان العراق ينتج قرابة ٤مليون برميل نفط في اليوم بنسبة تصل  11% من انتاج اوبك بلس، وهو بذلك ثاني أكبر منتج في أوبك، فيما يعتزم البدء في زيادة طاقة تصدير النفط لإضافة ما مجموعه مليون إلى 1.5 مليون برميل يومياً بحلول عام 2025، فيمكن للقائ ان يتصور حجم التأثير الذي يمكن ان يلعبه العراق في المعادلة الدولية اذا اخذنا بالاعتبار ان العراق يأتي كثالث اكبر مصدر للنفط الى المصافي الصينية الحكومية بعد السعودية وروسيا .

الوضع الدولي المرتبك والحاجة الملحة الى الطاقة في ظل الظرف الذي فرضته الحرب الروسية الاوكرانية وحاجة اوربا المتزايدة للطاقة وتفاقم أزمة الطاقة في أوروبا على اثر الحصار الذي المفروض على روسيا والذي اتخذته اوربا كورقة ضغط دولية لوقف القتال، ادى في النهاية الى ارتفاع أسعار الطاقة لإضعاف عديدة، مع ملاحظة الحصار القديم على صادرات النفط والغاز الايراني والذي فرضته امريكا والزمت به معظم دول العالم، وما شكله ذلك من احراج للحكومات الاوربية والغربية، وخاصة الولايات المتحدة الامريكية اتجاه حلفائها، مع بقاء احتمال ان تتفاقم هذه الأزمة إلى درجة قد تودي الى عدم القدرة على توفير احتياجات المواطنين الاوربيين، الامر الذي دفع الدول الأوروبية  إلى الدعوة لزيادة إنتاج النفط، والبحث عن تلبية احتياجاتها من بلدان أخرى، منها العراق.

في الختام للقارئ  ان يتصور الفرصة المتاحة امام العراق لاستغلال رصيده الضخم من ، والحاجة الدولية لها في  فرض مواقف اقتصادية وسياسية تصب في  صالحنا وتساعد البلاد في الخروج من النفق الذي تاهت في ظلماته البلاد منذ اكثر من اربعة عقود ولغاية الان.

***

فراس زوين

كان من المفترض، أن أكتُب، ورئيس المركز الدولي للتحليل والتنبؤ السياسي (روسيا)، مقالاً مشتركاً عن أوكرانيا. السيد دينيس كوركودينوف، كان مهتماً أكثر، بنشرِ تغطيةٍ صحافية لـ "ويبنر"، مع مسؤولين وأكاديميين، من بعض الدول العربية، لتحليل نتائج التصويت الأخير (عربياً)، في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، وإدانته من معظم الدول الوازِنة، في المنطقة، رغم إنّهُ ليس قراراً مُلزِماً، لكنه انتِصارٌ معنوي للغرب ضد موسكو.

هذهِ الندوة الإلكترونية، والتي حضرتُها مُشاهِداً صامتاً لبعض الوقت - انسحبتُ بعدها - بسبب أخطاء "تقنيَّة"!

غامر كوركودينوف - المُستند لرصيدٍ متواضع من الحصافة والأدب المهني - عندما نقل تفاصيل هذا الـ "ويبنر"، من الشِفاه الناطِقة، إلى نصٍّ مُدوَّن، بالذهاب، إلى إنَّ الدول العربية، تقِفُ بالضِّد من "موقف الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين"، وأنها باتت أكثر "تَفَهُماً للعملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، والتي اصبحت بتعبير دبلوماسي عربي سابق، عملية خاصَّة ضد الناتو". المُفارقة إنَّ التقرير نُشِر في وكالةٍ إخباريَّة عربية، باللغة الإنكليزية فقط.

كُرة ثلج دعائية

كانت هذهِ الآراء وغيرها، كُرة ثلج صغيرة، ينتظرُ الزميل دينيس منها، أن يكبُر حجمُها، حالما تبدأ بالتدحرُج في وسائل الإعلام "البديل" – منصات الإعلام الإلكتروني عموماً – لتصِل حتّى ولو بحجمٍ صغير جدّاً، إلى الإعلام السائد في المنطقة، خاصَّةً القنوات العربيَّة المؤثِّرة.

الهدفُ المفترض هو: "تصفير قيمة التصويت، في الجمعية العمومية، من قبل وعي الإنسان العربي". كان الأجدر به، البناء على عدم صدور بيان مشترك، لقمة الدول العشرين الأخيرة في الهند، والأداء الرائع للوزير لافروف؛ الذي ذكَّر بمسألتين غاية في الأهميَّة. الأولى؛ إنَّ موسكو لا تُريد سوى تأمين دونيتسك ولوغانسك، والثانيَّة إنَّ بلاده تُريد التفاوض، ولكن الغرب دفع الرئيس زيلينسكي، إلى إصدارِ قرارٍ، يُحرِّمُ التفاوض مع موسكو، ما دام الرئيس بوتين في الكرملين!

الوزير لافروف لم يدخر وسعاً أيضاً، في تذكير الجميع؛ الذين حضروا جلسته النقاشية، على هامش أعمال القمة الهندية لدول العشرين، بما كتبه سيمور هيرش، عن قيام واشنطن وبمعية بعض الدول الأوروبية، بتفجير خط أنابيب "نورد ستريم".

بغداد، كوسوفو، صربيا وغيرها، حضرت أيضاً في حديثه. كانت رشيقةً على لِسان الوزير لافروف، كأنهُ كان يستعين بألمعيَّة الراقص الإيقاعي الشهير، فاسلاف نجنسكي.

إنَّ الذي فعله الزميل كوركودينوف، كان تعبيراً روسيّاً، عن اضطراب بلاده، نتيجة العداء الأوروبي؛ الذي خرجت آثارُه المزمِنة، من قاع الحدث الأوكراني. اثبت هذا الحدث وكما رأى الفرنسي، تييري مونبريال، بأنَّ: "العداء لروسيا يُساهم في وحدة أوروبا"، وإنَّ: " روسيا جزءٌ من جغرافيَّةِ أوروبا لكنها لا يمكن أن تكون أوروبية".

ألكسندر دوغين، صاحبُ النظرية الرابعة، وعقلُ بوتين كما يوصف، قال ذلك مِراراً وتكراراً. الأهم إنَّهُ بيَّن – الأسبقية لـ مونبريال على حدِّ علمي – إنَّ روسيا تُعاني من "فُقدان هويةٍ، وإيديولوجية متماسِكة، يجبُ أن تمتلكها للحِفاظ على زخمها في القرن الحادي والعشرين".

المُفارقة التي ذكرها دوغين أيضاً، في لقائه الأخير، مع إحدى القنوات العربية – قبل أيّام قليلة - بأنَّ التأكيد على "أهمية الهوية الوطنيَّة الروسية، سيكون موجوداً بين خُلفاء بوتين في الكرملين، وأنهُ لا داعي لانتظار خروج بوتين من الكرملين، أو إلى العالم الآخر، كي يتأكدوا من ذلك". بالنسبة لي، اعتقد إنّهُ بات على الغرب، أن يكُفَّ عن انتظار بوريس يلتسين جديد، أو غورباتشوف آخر!

مصير أوكرانيا في 2023

 كُل ما تقدَّم يأخذُنا بالتأكيد، إلى محاولة رصف خطِّ سيرٍ، لمصير أوكرانيا في 2023. الأمريكي، سكوت ريتر الأبن، وهو أحد المفتشين السابقين عن أسلحة الدمار الشامل، في العراق. عَمِلَ في الأمم المتحدة 1991-1998م، ليبرِز بعدها كأحدِ أنشط النُقَّاد، للسياسات الخارجيَّة لبلاده، ذهب إلى إنَّ "العملية الروسية المفترض أن تنطلق في الربيع، سوف تشهدُ انتصار روسيا، وإنَّ الأمل بصمود كييف، يشبهُ نجاة كرات ثلج موضوعة في الجحيم".

الكولونيل الأمريكي دوغلاس ماكريجور، والذي اجرى النيابي البريطاني الأسبق، جورج غالاوي، حِواراً معه، وَجَد أيضاً إنَّ "أوكرانيا حُشرت بين الغرب وموسكو وستدفع الثمن".

المُتابع للشأن الأوكراني، خاصَّةً في المنطقة العربية، يجب عليه أن يفهم بأنَّ ما يحصل في أوكرانيا، هو محاولة حقيقية لحذف روسيا، من قائمة الدول العُظمى، في القرن الحادي والعشرين.

هذا الحذف، ليس مشروعاً مُراهِقاً من الناتو. باراج خانا، عالم السياسة الأمريكي، من أصلٍ هندي، كتب عن ذلك في (العالم الثاني). مفادُ ما ذهب إليه خانا: "القرن الحادي والعشرين؛ سيكون أمريكياً، صينياً، أوروبيا، وإنَّ روسيا لا تعدو كونها دولة إقليمية كُبرى".

واشنطن بالطبع، تحاولُ الحصول على أرباح حذف روسيا المُفترضة، من الحدث الأوكراني. نستطيع أن نصِف هذا الربح بـ "الربح البولندي أو ربح مثلث فايمار".

مثلث فايمار المكوَّن من ألمانيا، بولندا، وفرنسا، والذي كان المُرادُ منه وما يزال، أن يُساهم بشكلٍ غامض، في استقرار غرب ووسط أوروبا، ضخَّم الحدثُ الأوكراني حجمه، في العيون الأمريكيَّة. وارسو وبحسب هذا الربح؛ ستكونُ عاصمة وسط أوروبا الأمريكية! ومركزاً جديداً لاستقطاب دول أوروبا الشرقية، بعيداً عن نفوذ موسكو.

انتصار روسيا المتوقع في أوكرانيا، سيطلقُ على الأرجح إعلاناً أمريكياً – أوروبياً، من النوع المُتسرَّع، بفتح الباب على مصراعيه، أمام كُل من يودُ الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، رغم إنَّ بروكسل تُصرِّحُ كثيراً، إنَّ الانضمام إليها يمرُّ بطريقٍ طويل من تنفيذِ الاشتراطات.

العيبُ البسيط في هذا التصميم، إنَّ وارسو إضافة إلى دولٍ عديدة، من وسط وشرق أوروبا، لديها مُنازعات حدودية مع أوكرانيا. الزميل كوركودينوف، سرَّب استعداد روسيا، لتقاسم الجغرافيا الأوكرانية مع تلك الدول. أمّا عيبهُ الأضخم؛ فسيكون إطلاق تسونامي يميني في أوروبا، يُهدد الاتحاد الأوروبي نفسه.

السلوك الأفضل للعرب في الحدث الأوكراني

السيناريوهات الأمريكية والأوروبية؛ التي تُريد المُضاربة بالحدث الأوكراني، لن تستطيع أن تؤثِّر على المنطقة العربية بشكلٍ كبير، إن استخدمت دول المنطقة، خاصَّةً الخليج العربي، إمكاناتِها الدبلوماسيَّة الكبيرة، حتّى ولو بدرجةٍ متوسِّطة.

الأفضلُ لها أن تسمح باستخدام مواردِها الإعلاميَّة، بشكلٍ مفتوح ولو جزئياً، لصالح سيناريوهات تحليلية، بالتعاون مع مراكز بحثيَّة، تجِدُ الميديا العربية، سهولة ويُسراً، في إيصالِها إلى فضاء الرأي العام العربي.

الهدف أن تُبقي دولنا العربية، خياراتٍ مفتوحة، للتعاطي مع الحدث الأوكراني، بعيداً عن ازدواجية واشنطن وبروكسل، واضطراب موسكو؛ التي تُريد تعطيل الرأي العام الدولي، المُسيطر عليه أمريكياً، بتحفيز الميديا في المنطقة العربية؛ الُمحبطة، إلى انتِهاج خِطابات عدائية، تجاه الغرب، والتي ليس لها من قيمة، إلَّا باستغلالِها من قبل "إسرائيل".

الحدث الأوكراني، فُرصة عظيمة أمام الدبلوماسيَّة العربية، في ملء أرصدة حضورِها، بين نظيراتها، في قارات العالم الأُخرى، حتّى لو كان ذلك بعيداً عن تصوَّرات الغرب؛ بل ومن أجلِ غربٍ أكثر معقولية، والمُساهمةُ كذلك في عِلاج، داء المركزية لديه، بالتعاون مع شركاء مُعتبرين، في هذهِ اللحظة التاريخيَّة، مثل بكين، موسكو، نيودلهي، برازيليا، ومع واشنطن، أهمُّ شريكٍ مؤثِّر في عالمٍ أُحادي أو متعدد الأقطاب.

***

مسار عبد المحسن راضي

كاتب، صحافي، و باحث عراقي

 

عندما نريد أن نُكَوّنَ صورة دقيقة عن: مذهب فكري - جماعة دينية - حزب سياسي، فلا بُدّ من قراءة هؤلاء بأقلامهم أولاً. فهذه الخطوة من أبجديات البحث العلمي الأساسية، إذ لا يجوز محاكمتهم من خلال خصومهم. نعم، قراءة الجميع ضرورة مُلحّة، لكن الخطوة الأولى هي "قراءتهم بأقلامهم".

من يريد الإطلاع على تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، فعليه أن يتجه لمصادر هذا الحزب أولاً، قبل أن يتجه للمصادر الأخرى. وبين يَدَي الآن مصدرٌ شيوعي ممتاز، ألا وهو كتاب "عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي"  للأستاذ عزيز سباهي، وهو كتاب ضخم بثلاثة أجزاء صادر عن شركة الرواد المزدهرة في بغداد ط2 2007.

أما المصدر الآخر فلا يقل أهمية عنه، وهو كتاب "محطات مهمة في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي" للأستاذ جاسم الحلوائي، وقد صدر عن الدار  المذكورة نفسها. يتناول فيه الحلوائي كتاب سباهي بالنقد.

وبطبيعة الحال لن يتسع المقام للكلام عنهما، وعليه فسأرُكّز على نقطتين لهما أهمية كبيرة في تاريخ هذا الحزب، إذ تُثار دائماً بهدف النيل منه ومن تاريخه الطويل. وهُما:

1- إرتباط هذا الحزب بالخارج، أي بالإتحاد السوفياتي والسير على تعليماته بعيداً عن خصوصية الواقع العراقي.

2 - موقف الحزب من القضية الفلسطينية.

(يلمسُ المرء ميلاً خاصاً نحو تحميله ـ الحزب الشيوعي - مسؤولية بعض ما مرّ على البلاد من مشاكل، وهناك من يغالي في هذا الشأن) هذا ما ذكره سباهي في ج1 ص11، وفعلاً فهذا الإتجاه واضحٌ جداً ويطفو على السطح في هذه الأيام.

برأينا، أن هذا الرأي فيه من التسرع و "المراهقة العلمية" الشيء الكثير. فكما ذكر سباهي ج1 ص11 و 13:

يبدو أن إحساس الحزب العالي بالمسؤولية تجاه الشعب، وإصراره على مكاشفته بالأخطاء، قد أغرى الكثيرين في أن ينسبوا له حتى ما لا علاقة له به وتحميله مسؤولية الجرائم التي إرتكبها خصومه. ثم إن هذا الحزب لم يكن فقط ثمرة للتوزع الطبقي، بل هو إبن البيئة الإجتماعية وعصبياتها، جاء يحمل مزاياها وعيوبها، فطبيعة العامل الذاتي من نفس طبيعة العامل الموضوعي.

صراحة، وأنا أقرأ هذا التحليل القيّم من سباهي، وجدتُ نفسي أمام قلمٍ مسؤول، إذ لم تمنعه أيديولوجيته من أن ينظر من زوايا أخرى ستعمل على إثراء الموضوع بكل تأكيد.

لنُناقش النقطة الأولى الآن:

هل فعلاً كان الحزب الشيوعي العراقي يأتمر بأوامر السوفيت بعيداً عن الخصوصية العراقية؟ يتلقاها على طريقة "نفذّ ولا تُناقش"؟

يقول الحلوائي في ص191: (هناك نظرة تبسيطية أحياناً لحقيقة العلاقة بين قيادتي الحزبين الشيوعيين العراقي والسوفيتي، وتُصوّر هذه العلاقة أحياناً وكأنها علاقة تابع بمتبوع، في حين أن آراء السوفيت كانت دوماً إستشارية، تُقبَل أو تُرفَض) ويضرب الحلوائي مثالاً وهو تجاهل الحزب الشيوعي العراقي "موضوعة الطريق اللارأسمالي" التي تبناها الحزب الشيوعي السوفيتي في ستينات القرن الماضي، لأكثر من عشر سنوات.

وينقل الحلوائي شهادة لزكي خيري تُلخّص حقيقة هذه العلاقة، وهي صادرة بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي ص192:

(كان الرفاق السوفيت يردّون على كل إستفسار نُوجّهه إليهم في المنعطفات السياسية الحادة ويُقدّمون لنا النصح الخالص. ولم يكن رد الفعل من جانبنا إيجابياً دائماً، ولم يُقاطعونا بسبب توترنا بل يواصلون الحوار بروح رفاقية ونَفَس طويل. وكُنّا نحن الذين نعرض عليهم خلافاتنا وعلى أشقائنا الشيوعيين الأجانب لنتسلح بفتاويهم في جدالنا مع بعضنا)

النقطة الثانية:

تتحدث بعض المصادر عن (تَبَنّي الحزب الشيوعي العراقي لوجهة النظر الصهيونية من الصراع العربي ـ الصهيوني) سمير عبد الكريم: أضواء على الحركة الشيوعية في العراق ج1 1934 ـ 1958 دار المرصاد ص5 مقدمة د. صلاح محمد.

يُذَكّر سباهي القارىء بحقيقة مهمة وفريدة ج1 ص377 و 378 (أُذَكّر القارىء أولاً، بأن الماركسيين كانوا هُم السبّاقين الى الدعوة الى التظاهر ضد زيارة الداعية الصهيوني الوزير البريطاني ألفريد موند في عام 1928، وفي مقدمة من إعتقلتهم الحكومة في المظاهرة الصاخبة ضد ألفريد موند كان حسين الرحال وعزيز شريف وعبد الفتاح إبراهيم وزكي خيري)

أصدرت الأمم المتحدة قراراً بتقسيم فلسطين في عام 1947، وقد أيّد الإتحاد السوفيتي هذا القرار، وهذا ما سينعكس بطبيعة الحال على الحزب الشيوعي العراقي. فما هو موقف الحزب من هذا القرار؟

تَبَنّى الحزب الشيوعي العراقي هذا القرار بتأثير الموقف السوفيتي. لكن إن وقفنا هنا فسنقع بخطأ فادح! فبشأن التقرير الموسوم "ضوء على القضية الفلسطينية 1948" يقول سباهي ج1 ص398 (ليس واضحاً كيف جرى تبني الحزب الشيوعي العراقي لهذا التقرير) بل إن قيادة الحزب التي أطبق عليها السجن آنذاك مُمثلَة بفهد، قد إستاءت من نشره، فقد أوقف فهد قارىء التقرير دون أن يُخفي إستياءه ص399

ولم تنفرد المصادر الشيوعية بهذه الحقيقة، يقول هاني الفكيكي:

(غير أن فهد وهو في سجنه تردد في التسليم بطروحاتها وتَمَنّع عن قبولها كسياسة للحزب، تاركاً القرار ليهودا صدّيق ومالك سيف اللذين أقرا الوثيقة) أوكار الهزيمة / تجربتي في حزب البعث العراقي، دار سطور بغداد ط1 2022 ص35

بل إن القيادة الميدانية قد أصدرت قبلها في عام 1947 بتوجيهات من فهد "رفض قرار التقسيم بشكل قاطع" كما ذكر الحلوائي في ص43 فضلاً عن قول فهد (لا أدري كيف إعترف الإتحاد السوفيتي بدولة اليهود!) ص49 الحاشية.

أما الحلوائي فقد أدلى برأي مهم ص48:

(ولم يكن بمقدور الحزب التخلف عن الركب أو السبَاحة ـ في النص: السبح ـ ضد تيار الحركة الشيوعية العالمية، خاصة بعد أن أصبح تقسيم فلسطين أمراً واقعاً في آيار 1948)

خلاصة المقال هو ضرورة قراءة تاريخ الحزب الشيوعي العراقي من خلال كوادره، فهي الطريقة الأسلم، وكتاب سباهي يفرض نفسه بكل تأكيد، فالنقد الذاتي حاضر وبقوة فيه.

ومما يجدر ذكره هنا، أن د. سيف عدنان القيسي "الباحث في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي"، قد أعطى رأيه لنا في تعليق خاص على صفحات التواصل الإجتماعي:

(لا يمكن الإستغناء عن كتاب سباهي، فأغلب مصادره وثائق شيوعية قبل هدم أو حرق أرشيف الحزب في جيكوسلوفاكيا). 

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

يتخوف كثيرون من أن الحكومة الصهيونية المتطرفة بزعامة نتنياهو وزمرته تعمل على حسم وإنهاء الصراع في وعلى فلسطين وبالتالي إنهاء القضية الفلسطينية، ومع اعترافنا بقوة الخصم إلا أن حسم وانهاء الصراع ليس قرارا إسرائيليا خالصا، نعم يمكن إنهاء الصراع مع دول وأنظمة عربية وإسلامية ولكن القضية والمسألة الفلسطينية تخص الشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى وإن لم يستسلم الفلسطينيون ويرفعون الراية البيضاء، وهذا لم يحدث، فسيستمر الصراع حتى وإن كان بثمن أكثر فداحة.

خلال الأشهر الأخيرة تأكدت حقائق لا يمكن لعاقل تجاهلها ستحدد مستقبل الصراع وطبيعته وهي:

الحقيقة الأولى: أنه لا يمكن التوصل لأية تسوية سياسية مع الحكومة الصهيونية اليمينية والفاشية حتى على مستوى الالتزام بالاتفاقات الموقعة، أوسلو ولواحقها، كما أن توجهات وممارسات الحكومة الحالية تُنذر بنكبة جديدة تتجاوز مشاريع توسيع الاستيطان إلى ارتكاب مجازر جماعية وعمليات تهجير قسرية للفلسطينيين وإلغاء الدور الوظيفي الوطني للسلطة الفلسطينية.

 الحقيقة الثانية: أن الشعب الفلسطيني لم يتنازل عن حقوقه الوطنية المشروعة وعنده الاستعداد لمقاومة الاحتلال بما هو ممكن ومتاح حتى وإن اقتصر الأمر على عمليات فدائية فردية.

الحقيقة الثالثة: بالرغم من التنديد الواسع للإرهاب الصهيوني كما جرى مع جرائم المستوطنين والجيش في حوارة إلا أنه لا يبدو في الأفق أي توجهات دولية جادة للضغط على إسرائيل لتتراجع عن ممارساتها كما لا يوجد أي تحرك لتفعيل عملية السلام.

الحقيقة الرابعة: تأكد أن الصراع هو بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني وسقوط أي مراهنة على الأمتين العربية والإسلامية كأنظمة وأحزاب ومنظمات إقليمية، حيث لمسنا ردود فعل دولية رافضة لجرائم الاحتلال أكثر من ردود الفعل العربية والإسلامية.

الحقيقة الخامسة: تأكد عدم قدرة بنية النظام السياسي الفلسطيني بمرجعيتيه وسلطتيه في غزة والضفة في الارتقاء لمستوى ما يجري حيث لم نسمع عن تفعيل حوارات المصالحة أو اجتماعات قيادية شاملة وبالتالي غياب أية استراتيجية أو رؤية وطنية لمواجهة ما تتعرض له القضية والشعب من مخاطر

الحقيقة السادسة: مهما كان بأس العمليات الفدائية وشرعيتها وما تلاقيه من تأييد وتعاطف شعبي إلا أن قدرتها لوحدها على تحرير فلسطين أو حتى إنهاء احتلال الضفة والقدس أمر شبه مستحيل.

الحقيقة السابعة: مع تأييدنا للعمل الدبلوماسي وتحركات القيادة الفلسطينية دوليا في الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات إلا أنه من العبث المراهنة أن تُعيد لنا الأمم المتحدة حقوقنا الوطنية أو تُجبر العدو الصهيوني على الانسحاب من الأراضي المحتلة،

الحقيقة الثامنة: التحدي الرئيسي الذي يواجه القيادة والسلطة الوطنية في الضفة راهنا هو كيف يمكن وقف اعتداءات المستوطنين والحفاظ على وجود السلطة ودورها الوطني ودفع إسرائيل للالتزام بالاتفاقيات الموقعة.

الحقيقة التاسعة: هدف حركة حماس وبعض فصائل المقاومة في غزة في الوقت الراهن الحفاظ على السلطة القائمة و استمرار التهدئة على حدود القطاع، مع محاولة توتير الوضع الأمني في الضفة من خلال مواجهة الاحتلال والسلطة الفلسطينية معا.

الحقيقة العاشرة: حتى مع وجود الحكومة الأكثر تطرفا وعنصرية ووجود وضع دولي وعربي عاجز إن لم يكن متواطئ أحيانا، فلا يمكن لهذه الحكومة أن تحسم الصراع كما يتخوف البعض ليس لأنها لا تريد ذلك بل لأن حسم الصراع نهائيا لا يكون بقرار إسرائيلي بل يجب وجود موافقة فلسطينية أو إعلان الاستسلام وهذا لم يحدث لا رسميا ولا شعبيا، مع التذكير أن العدو لم يحسم الصراع لصالحه عندما حدثت النكبة عام 48 ولم يحسم الصراع بعد حرب حزيران 67 واحتلاله بقية فلسطين وأراضي عربية أخرى.

انطلاقا مما سبق وبغض النظر عما ستؤول اليه الخلافات داخل دولة الكيان العنصري حيث كل الحكومات الصهيونية معادية للشعب الفلسطيني والخلافات الداخلية عندهم لها علاقة بالصراع على السلطة وترتيب نظامهم السياسي وليس على علاقتهم مع الفلسطينيين وأي حكومة قادمة ستبني على ما أنجزته سابقاتها ولن تتراجع عنه، وبغض النظر عما سيطرأ على المحيط العربي والدولي من تطورات حيث بدأ صراعنا مع المشروع الصهيوني في عهد عصبة الأمم قبل قيام منظمة الأمم المتحدة، وناضل الفلسطينيون ضد العصابات الصهيونية والاحتلال البريطاني قبل تأسيس جامعة الدول العربية وقبل أن تتواجد على الخارطة السياسية أغلب الدول العربية الحالية، وكانت القضية الفلسطينية حاضرة خلال الحربين العالميتين وخلال الحرب الباردة وما بعدها، واستمر صمود ونضال الشعب الفلسطيني في زمن المد القومي العربي واستمر حتى بعد انهياره، وكان موجودا قبل فوضى الربيع العربي والمد الأصولي وما زال مستمرا بعدهم، والفلسطينيون مستمرون في نضالهم منذ ما قبل التطبيع وما قبل ما يسمى السلام الابراهيمي وسيستمرون.

الصراع مع العدو لن يتوقف سواء استمرت الحكومة الصهيونية الحالية أم تغيرت. صحيح من المفيد استغلال الخلافات داخل معسكر الخصم ولكن دون كثير من الأوهام بأن انهيار الحكومة الحالية سيكون بالضرورة لمصلحة الفلسطينيين وما على هؤلاء الأخيرين إلا تعميق التناقضات داخل الجمهور الإسرائيلي وانتظار النتائج.

لكل ومع كل ما سبق فإن المعادلة التي تحدد شكل الصراع وطبيعته وأدواته مستقبلا وامكانية حسمه وانهائه لا يضعها أو يتحكم العدو فقط ولا المشاريع والمعادلات الإقليمية بل القرار النهائي بيد الفلسطينيين أصحاب الأرض والحق الأصليين، والعالم ينتظر منهم انهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية كشرط رئيس لتمتين وتمكين فعالية القرار الفلسطيني في معادلة الصراع.

***

إبراهيم ابراش

الطبقية تاريخ طويل من انعدام العدالة والمساواة بمصر...!!

كانت مصر قديماً تعيش نظاماً طبقياً بين "الريف والحضر"، والريف كان يمثل أكثر من 75% من السكان، ويعيشون تحت خط الفقر دون أي خدمات أو أي امتيازات، وكان يسود المجتمع الريفي الأمية، والفقر، والمرض ويوجد داخل المجتمع من يمثل الطبقة العليا من "ناظر الخاصة الملكية، أو ناظر الإقطاع والحاشية"، وكان ذلك في عهد الملكية.

بينما "الحضر" يحظى بالمدنية من المدن والحدائق والشوارع المرصوفة والأحياء الراقية والمساكن الأنيقة والمدارس الحديثة، وتوجد بها تقريباً كل ما تحظى به مصر من مستشفيات ومصحات وأطباء، للمصريين أو الأجانب، وينافس سكان مصر حينها في مستوى معيشتهم سكان أكثر الدول تقدماً في العالم.

كانت تسكن المدن الطبقة العليا ونسبتها كانت ضئيلة جداً، بالنسبة لمجموع السكان، وتتكون من ملاك الأراضي والكبار من الإقطاعيين، وعلى قمة الهرم الأسرة الملكية وحاشيتها، وكان لا يزال الكثير من عائلات هذه الطبقة العليا ينظرون إلى بقية المصريين على أنهم مجرد "فلاحين" وخدم لهم.

كما كانوا غارقين حتى الأذن في نمط الحياة الغربية، تختلط في كلامهم اللغة العربية مع مفردات بلغات أجنبية، ويمارسون كل عادات الغرب في المأكل والمشرب، والملبس، والمسكن، فضلاً عن المدارس التي يرسلون إليها أولادهم.

كل هذا كان من شأنه أن يعزل هذه الطبقة عزلاً شبه تام عن بقية المجتمع المصري في قصورهم ونواديهم وشواطئهم التي قد لا يراها بقية الناس من بعيد دون أن تطأها أقدامهم هذه الأماكن.

تواجد هذا العصر قبل عام 1952، ومن أهم ما يميزه "الطبقية" دون أن ينقسم إلى شرائح اجتماعية، عليا ودنيا، فتتمتع العليا بمتع الحياة، والجاه، والسلطة، بينما تحرم منها الشرائح الدنيا.

الغريب في ظل تلك الأوضاع ظهرت طبقة تخدم هذه الطبقة داخل المجتمع الريفي، واعتبرت نفسها أعلى من الطبقة الدنيا في المجتمع الريفي من نظار، ومهنة مثل الخولي في الزراعة والباشكاتب في الإقطاعيات الزراعية، بالاضافة إلى أن بعضهم كان يسند لهم مناصب مثل العمد ومشايخ الناحية؛ وتقوم أدوارهم بخدمة أسياد الطبقة العليا.

أوضاع الفقراء في مصر تزداد صعوبة/ رويترز

ثورة يوليو 1952م والتغيير الطبقي

لقد قامت ثورة يوليو عام 1952م للقضاء على هذه الازدواجية، وسرعان ما أدرك الشعب المصري ذلك وسعد به، ولكن بعد مرور عشرين عاماً أو أقل على قيام هذه الثورة، كانت هناك ازدواجية جديدة قد حل محلها من طبقة تعلمت وكبرت في عيون آبائهم من الطبقة المهمشة السابقة التي سمحت لهم الثورة أن يتولوا المناصب.

ومع قيام الثورة كانت الإجراءات والقوانين المتعاقبة من قانون الإصلاح الزراعي، وتأمين الشركات قد أظهرت طبقة جديدة تتربع على السلطة، وكانت تبحث عن امتيازات مادية، وتبحث عن المساكن الفاخرة واستغلال بعض الأماكن التي تم تأميمها، وتطلع بعضهم إلى حياة ما قبلهم من الإقطاعيين، وحاولوا تقليدهم في استغلال النوادي والشواطئ والقصور على أنها إرث لهم.

رغم ذلك لم تكن الازدواجية الجديدة بنفس حدة وقسوة الازدواجية القديمة، ولا كانت قائمة على المفارقة بين الريف والحضر كما كانت قبل عام 1952م، إذ دخل أصحاب السلطة الجديدة إلى الريف أيضاً، وانتقلت شرائح كبيرة من الفقراء ومتوسطي الدخل إلى الحضر، بسبب التوسع في التعليم ووظائف الحكومة والجيش والصناعة في المدن الحضرية.

لكن ظل عدد المهشمين كبيراً، بل ربما أصبح أكبر مما كان عليه قبل الثورة، إذ إن التهميش الآن لم يعد بسبب العامل اقتصادي فقط، بل أصبح يشمل نسبة كبيرة من المتعلمين والمثقفين الذين أصابهم نوع جديد من الاغتراب لا علاقة له بانخفاض الدخل.

ازدواجية المال والسلطة

عندما توفي جمال عبد الناصر في 1970م، كان نظامه قد خفف بلا شك من الازدواجية البغيضة بين الغني والفقير، وبين الحضر والريف، ولكنه ترك عناصر طبقة جديدة تحلم بالقفز إلى السلطة بمجرد أن تتاح لهم الفرصة، وهو ما تحقق بدرجة مذهلة في العشرين سنة التالية بعد حرب أكتوبر عام 1973 وصولاً لعام 1993، مع بداية هجرة العمالة المصرية لدول النفط.

حيث تم ترسيخ هذه الطبقية بعد حرب أكتوبر عام 1973م، وهذا ما ذكره بالتفصيل الدكتور جلال أمين في مذكراته ومقالاته؛ حيث تحدث عن التغييرات الطبقية التي حدثت في المجتمع المصري.

قد ظهر مع نهاية عصر السادات ما يعرف اصطلاحاً بزواج "السلطة بالمال"، فأوجد ازدواجية جديدة من القطط السمان وتجارة الأراضي والذين قاموا بتسقيعها ونهبها وأصبحت هذه الطبقة تسيطر على مفاصل الدولة.

إن صعود ازدواجية بين رجال السلطة ورجال الأعمال خلق طبقة واسعة داخل المجتمع من المهمشين رغم أنهم حظوا بنسبة كبيرة من التعليم والثقافة؛ مما جعلهم ناقمين على كل الأوضاع، بسبب سيطرة أصحاب رؤوس الأموال على القرار السياسي والاقتصادي بالدولة المصرية، ويتضح ذلك جلياً بوصول رجال الأعمال للبرلمانات والمناصب الوزارية، خصوصاً في عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وصولاً للعهد الحالي الذي يسيطر فيه رأس المال على السلطة مع اختلاف الشريحة المسيطرة، فأصبح على عالم الاقتصاد والسياسة حيث تدخل الجيش في مفاصل هذا العالم، مع تحجيم دور رجال الأعمال في عهد مبارك، على الرغم من امتلاكهم سلطة اقتصادية يستطيعون من خلالها الحفاظ على مكتسباتهم السابقة.

لذلك يحتاج المصريون للنهوض بالعدالة والمساواة كما كافح من أجلها المناضل الأسود القس "مارتن لوثر كينغ" في صراعه في ستينيات القرن الماضي مع البيض الأمريكان، التي أضاءت الطريق للوصول لرجل أسود من أصول إفريقية وإسلامية إلى سُدة الحكم بإعلان فوز "باراك حسين أوباما" ووصوله إلى البيت الأبيض!

***

محمد سعد عبد اللطيف .

كاتب مصري وباحث في الجيوسياسية

 

بمناسبة الضجيج المفتعل ضد (مسلسل معاوية)، يفرض هذا السؤال نفسه:

ـ كيف يمكننا التفريق بين الزعيم الجيد عن الزعيم السيء، فجميع زعماء تاريخ  العالم القديم والحالي، حتى  الانبياء والاولياء، قاموا بحروب وقمع عندما قادوا دولا، فلا دولة دون جيش وشرطة ومحاكم وسجون.

على هذا الاساس مثلا،  يقوم الحداثيون واليساريون بمعاداة تاريخ الاسلام الاول واتهام الخلفاء والصحابا بممارسة الحروب والعنف بينهم والاغتيال.  لكن اية نظرة لتواريخ جميع ثورات ودول العالم، تكشف لنا بوضوح كيف انها مليئة بالتصفيات والحروب والصراعات بين الزعماء بعد استلام السلطة:

لننظر الى الثورة الفرنسية (كيف اكلت ابنائها)، ومذابح وتصفيات الثورات الروسية والصينية والخمينية الايرانية.. الخ..

ـ اذن ما هو المقياس المعقول الذي يساعدنا على تمييز الزعيم الجيد عن السيء ؟؟!!

ـ هاكم هذا المقياس الذي نقترحه مع الامثلة الداعمة:

ـ النبي محمد، رغم حروبه وغزواته وعقوباته، الّا انه يستحق التمجيد لانه قدم لنا انجازات تاريخية كبرى: الاسلام والقرآن اساس اللغة العربية، واساس الدولة الاسلامية التي انتجت فيما بعد الحضارة العربية الاسلامية الكبرى.

ـ نابليون بونابورت، حروبه التوسعية العالمية كلفت حوالي 6 ملايين من الضحايا فرنسيين واجانب (ابحث: ضحايا حروب نابليون).. مع هذا فأنه من الزعماء التي تمجدهم فرنسا.. لماذا؟؟!! لانه مع حروبه التي خسر معظمها، قام بانجازات كبرى في مجال الاصلاحات وسن القوانين الايجابية في فرنسا والدول التي احتلها؟

ــ ماوتسي تونغ، زعيم الصين، كان دكتاتوريا وسفاحا، لكنه اسس الصين الجديدة المستمرة حتى الآن.

ـ نفس الامر ينطبق على الخميني واسماعيل الصفوي، فرغم جرائمهما العنفية، الا انهما يستحقان التمجيد من قبل ايران، لان كل منهما قد شيد دولة ايرانية جديدة قوية. اكرر يستحقان التمجيد من قبل ايران، وليس من قبلنا نحن العراقيون ضحايا حروبهما ضد بلادنا..

لكن  هنالك زعماء يستحقون النبذ والادانة:

ـ صدام حسين، ليس بسبب دكتاوريته وحروبه، بل لانه لم يقدم اية انجازات ايجابية، بل بالعكس دمّر انجازات نظام البكر، و سبّب الخراب للعراق، وبلغ ذورة طيشه ورعونته في تسليم العراق الى المحتلين الامريكان والايرانيين..

ـ هتلر، نفس الحال: يستحق النبذ  لانه قد دمّر اوربا وسلّم المانيا خرابا للمحتلين.

الخليفة معاوية وانجازاته العظمى

كل هذا يساعدنا على تقييم زعماء تاريخنا العربي الاسلامي: ليس على اساس حروبهم وقمعهم، بل على اساس: هل شيدوا وانجزوا ورفعوا قيمة شعوبهم..  ام خربوا وانهزموا وورطوا شعوبهم في كوارث؟

لنطبق هذا المقياس على (معاوية بن ابي سفيان):

1ـ انه قد اسس اول واكبر واعظم امبراطورية عربية اسلامية (الامبراطورية الاموية)، وجعلها دولة بأدارة حديثة متقدمة بمقاييس ذلك العصر.

2ـ  انه جعل الاسلام دين هذه الامبراطورية التي قامت بنشر هذا الدين الجديد من حدود الصين حتى حدود فرنسا!

3ـ ان هذه الامبراطورية التي شيدها معاوية، هي التي جعلت اللغة العربية لغة الدولة والادارات والجيوش، وبالتالي تحولها الى لغة الحضارة العربية الاسلامية طيلة اكثر من خمسة قرون.

4ـ انه شيد اول اسطول عربي اسلامي لمواجهة تهديدات الروم البيزنط.

5ـ انه كسب ودّ  الغالبية المسيحية في ذلك الوقت، من خلال زواجه بسورية مسيحية (سمّية ام الخليفة يزيد) وتقريبه شعراء عرب مسيحيين.

6ـ بالاضافة الى ان تاريخه الاسلامي الاول كان ايجابيا، إذ كان احد كتبة الرسول الكريم، وشاركه في معارك: حنين والطائف وتبوك. ثم قاتل المرتدين اثناء حروب الردة. ثم شارك في فتح الشام وبيت المقدس.  وان (ام حبيبة) زوجة الرسول، كانت اخت معاوية.

7ـ وباعتراف جميع المؤرخين، انه كان زعيما حكيما ذكيا يتقن فن السياسة والدبلوماسية. وتشهد له مقولته الشهيرة: (لو كان بيني وبين الناس شعرةً، ما انقطعت. فإذا مدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها).

نعم ان الخليفة معاوية، اهم شخصية تاريخية فاعلة ومؤسسة في تاريخنا العربي الاسلامي، بعد النبي محمد، ومن الخطيئة والجريمة علميا ودينيا اهماله ولعنه..

 تعصب الشيعة ضد (الخليفة معاوية) مقارنة بـ (الخليفة علي)؟!

ان حجة الشيعة واساس تكوينهم المذهبي قائم على (ثقافة البكاء على ضحايا العلويين وانصارهم) و(الحقد) على  الخلفاء الاوائل ثم على الامويين والعباسيين.

لكن (حجة الشيعة) هذه تفقد شرعيتها امام اية نظرة ضميرية حيادية الى التاريخ إذ تكشف لنا الحقيقة التالية:

ـ نعم صحيح ان (الخليفة علي) كان تقيا زاهدا ومحاربا شجاعا، لكن ايضا ان التاريخ بين انه كان (رجل سياسة ودولة فاشل) إذ اسس دولة في العراق (الكوفة) لم تدم ثلاث سنوات، خاض من اجلها اشرس الحروب ضد مسلمين وليس كفرة، كلف الآلاف المؤلفة:

1ـ معركة النهروان، ضد المسلمين الخوارج، والتي كلفت الآف عديدة من الخوارج المسلمين العراقيين: علما ان الخوراج كانوا من انصار علي، وجريمتهم انهم رفضوا ان يقبل (الخليفة علي) مبدا التحكيم من جماعة معاوية، وقالوا بشعار:«لا حكـــم إلا لله»

2ـ معركة صفين، ضد جيش معاوية التي كلفت اكثر من 70 الف

3ـ معركة الجمل، ضد جيش (عائشة) زوجة النبي!!

وهنا بالذات تكمن (عظمة الخليفة معاوية)، انه بدهائه (نجح) بتأسيس اول واعظم امبراطورية نشرت الاسلام والعربية بين آسيا وافريقيا واوربا.

مشكلة تزييف تاريخ الامويين

يضاف الى هذا هنالك حقيقة معتم عليها:

ان تاريخ معاوية والامويين، لم يكتب ابدا في عصرهم، بل كتبه العراقيون في اول العصر العباسي باشراف (التحالف الهاشمي: العباسي العلوي) للانتقام من الامويين وتدمير سمعتهم، لأن التدوين بدأ في هذا العصر في العراق. (ابحث عن: عصر التدوين). كلنا نعرف ان كتب التأسيس والتاريخ وغيرها، قد كتبت في العراق في العصر العباسي، مثل: سيرة النبي، لابن هشام، وصحيح البخاري، ونهج البلاغة، وتاريخ الخلفاء الاوائل والامويين.. الخ.

اساس التشيع ليس ديني اسلامي، بل سياسي عراقي!

ان هذا الموقف المتعصب والحقود للشيعة ضد 90% من زعماء وخلفاء المسلمين، يتحجج بحكايات خرافية عن (كسر ضلع فاطمة من قبل عمر) و(احقية علي بالخلافة) وغيرها من الاوهام المذهبية التي صنعها العراقيون. ان التشيع قبل تحوله الى مذهب بعد اكثر من قرن، بدأ اولا في الكوفة بعد مقتل (الخليفة علي)، كتيار سياسي متمرد ضد (السيطرة الاموية: الشامية المصرية).

لان (الخليفة علي) اول من اختار العراق مركزا للدولة الاسلامية الجديدة:(العاصمة الكوفة: وريثة بابل)، ومنح العراقيين الامل باعادة امجاد دولتهم وحضارتهم النهرينية التي غابت لألف عام.

بل ان (علي) اعلن اصله العراقي:

(قال نحنُ معاشِرَ قُرَيش حَيٌّ من النَّبَط، مِن أَهل كُوثى، والنَّبَطُ من أَهل العِراق.))(ابحث عن هذا القول)

لكن رغم ذلك فأن (الخليفة علي) بعد ثلاث سنوات من الحكم، فشل ومات قتيلا..

نعم ان (علي) كان رجلا شجاعا وحكيما وطاهرا، لكنه رجل دولة فاشل..

وهنا بالذات يكمن سوء فهم الشيعة و(تعصبهم العذري) لصالح (علي) وضد (معاوية والامويين)..

ان اهل العراق، ومعهم خصوصا اهل الحجاز وبعض ايران وتركستان: (خراسان)، بقيادة (التحالف الهاشمي: العباسي العلوي) نجحوا بعد حوالي قرن من التمردات الفاشلة بأسقاط الامويين وبناء الخلافة العباسية وجعل (بغداد: بين بابل وآشور) عاصمتها.

نعم الامويون صنعوا دولة ونشروا الاسلام والعربية، ولكن العباسيون انجزوا المرحلة الثانية: صنعوا الحضارة العربية الاسلامية في معاقلها العراقية خصوصا: بغداد والكوفة والبصرة والموصل. طبعا مع اسهام جميع الشعوب الاسلامية من حدود الصين حتى الاندلس.

إذن يتوجب انصاف الامويين والاعتراف بدورهم العظيم التأسيسي السياسي والديني واللغوي.. ثم انصاف العباسيين لدورهم في صنع الحضارة..

ولكن ايضا ايضا مع نقد جميع الاطراف والكشف عن اخطائها وتعصباتها..

هكذا تاريخ الاوطان والبشرية جمعاء، خليط من الخير والشر

اخيرا يتوجب القول: ان هذا الشحن الطائفي الشيعي المتصاعد في السنوات الاخيرة، مدفوع من قبل مرتزقة ايران التي تحرص على دوام السيطرة على شيعة العراق والعرب، من خلال اضعافهم وعزلهم عن اخوتهم المسلمين العرب واشعال الاحقاد الخرافية.

***

سليم مطر ـ جنيف

.....................

* لمن يرغب بالتفاصيل ليطالع الفصل الرابع من كتابنا الاخير عن تاريخ العراق. هاهو رابط الكتاب كله:

https://www.salim.mesopot.com/.../83-2017-03-15-15-39-26

وهاهو رابط الفصل الرابع وحده:

https://www.salim.mesopot.com/.../iraq.../iraq-history-4.pdf

أصبحت الهجرة جزءًا من حقيقة الحياة اليومية للأوروبيين في دول الاتحاد الأوروبي. يوجد اليوم ما يقرب من 37 مليون شخص في أوروبا ولدوا خارج الاتحاد الأوروبي ويشكلون حوالي 8٪ من مجموع السكان. سواءً داخل دول الاتحاد الأوروبي، أو بين الاتحاد الأوروبي وبقية العالم، ازداد عدد السكان المهجرون، سواءً كانت الهجرة بسبب العمل، أو الأسرة، أو بسبب الفرار من الاضطهاد والحروب، ستظل سمة رئيسية للمجتمعات الأوروبية خلال العقود القادمة.

 تُعتبر سياسات الاندماج والتكامل أمر بالغ الأهمية في الدول التي يتواجد فيها المهاجرون. حيث أصبحت الهجرة قضية شائكة سياسياً، ويعتبر ما نسبته 25٪ من مواطني الاتحاد الأوروبي أنها من بين أهم ثلاث قضايا تواجههم، بزيادة 5% عن الدراسة السابقة التي أُجريت عام 2017.

لمواجهة تحديات الهجرة والاندماج والتخفيف من مخاوف مواطني الاتحاد الأوروبي بشأن قدرة البلدان إدارة هذه التحديات، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات لدعم الدول الأعضاء في سياسات التكامل الخاصة بها. في حين قد تختلف احتياجات المهاجرين حسب أسباب قدومهم، فإن الدول الأوروبية تتلقى الدعم التشغيلي والمالي من الاتحاد الأوروبي.

من أجل فهم أفضل لكيفية عمل مؤسسات الاتحاد الأوروبي مع الدول الأعضاء والجهات الفاعلة الأخرى لمواجهة تحديات التكامل، من الضروري أن يكون لديهم فهم أوضح للرأي العام حول هذه القضية. بالإضافة إلى ذلك، من المهم فهم كيف تختلف وجهات النظر بين الدول الأعضاء، وكذلك بين المواطنين الأوروبيين عبر المجموعات الاجتماعية والديموغرافية، واعتماداً على التفاعلات والروابط القائمة مع المهاجرين.

لمعرفة التصورات العامة للمهاجرين في الاتحاد الأوروبي،  ولقياس مواقف الأوروبيين تجاه الهجرة واندماج المهاجرين من خارج الاتحاد الأوروبي، أجرت شركة Kantar للدراسات وتحليل البيانات ومقرها لندن، دراسة شملت 27 ألف مواطن أوروبي من دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرون بين شهري نوفمبر/تشرين الثاني عام 2021، وديسمبر/ كانون الأول عام 2022. الدراسة أُنجزت بتكليف من المفوضية الأوروبية ـ المديرية العامة للهجرة والشؤون الداخلية (DG

HOME)، في إطار العمل على "البوصلة الرقمية: الطريقة الأوروبية للعقد الرقمي.

تم إجراء مقابلات مع المجموعات الاجتماعية والديموغرافية التي شملتها الدراسة في بلدنهم الأصلية، وباللغة الأم. تم استخدام المنهجية الخاصة بمسوحات Eurobarometer ونفذت لصالح المديرية العامة للاتصالات في المفوضية (وحدة مراقبة وتحليل وسائل الإعلام).

فيما يلي أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة:

ما يقرب من أربعة من كل عشرة من الأوروبيين (38٪) يقولون إنهم على علم بالهجرة والاندماج، وهو الحال في معظم البلدان الأوروبية بين عامي 2017 و2022، كانت نتائج إجابات هذا السؤال بالكاد تغير. من المرجح أن يقول المستجيبون ذلك بشكل طفيف على دراية جيدة (38٪ ، +1 نقطة مئوية) وأقل احتمالاً للإشارة إلى أنهم لا يعرفون (0٪، -2).

 غالبية الأوروبيين، حوالي )56٪( يحصلون على معلوماتهم حول الهجرة والمسائل المتعلقة بالاندماج من خلال وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف والتلفزيون والمذياع. يقول أكثر من واحد من كل عشرة (15٪) إنهم يحصلون على هذه المعلومات من شبكات وسائل التواصل الاجتماعي.

 ثم يلي ذلك الملاحظات على ما يجري في منطقتي المحلية، والمناقشات مع العائلة والأصدقاء الموثوق بهم يشكلون (كلاهما 10٪).

أكثر من ثلث الأوروبيين (36٪) يعتقدون أن عدد المهاجرين الذين يقيمون بشكل قانوني أكثر من المقيمين بصورة غير شرعية.

 أكثر من ثلاثة من كل عشرة (36٪) من المستجيبين يعتقدون أن هناك المزيد من المهاجرين الذين يقيمون بشكل قانوني، مقارنة بدراسة سابقة أجريت عام 2017 بمقدار 3%.

يعتقد (57٪) من المستجيبين أن هناك الكثير من المهاجرين المقيمين بشكل غير قانوني، هذه النسبة تشكل زيادة كبيرة (+10) عن دراسة عام 2017.

يعتقد واحد من كل ثلاثة مشاركين (33٪) أن عدد المواطنين من خارج الاتحاد الأوروبي الذين يقيمون بشكل غير قانوني هم أكثر من المقيمين بشكل قانوني في الاتحاد الأوروبي، وهي زيادة طفيفة (+4) عن دراسة عام 2017.

إن (68٪) من الأوروبيين يميلون إلى المبالغة في تقدير عدد المهاجرين من خارج الاتحاد الأوروبي بالنسبة إلى سكان بلادهم. وحوالي سبعة من كل عشرة (68٪ ، +18) من الأوروبيين

يميلون إلى المبالغة في تقدير نسبة المهاجرين في بلدان الاتحاد الأوروبي. وما يقرب من الخُمس (19٪ ، -2) يقدرون أعداد المهاجرين بشكل صحيح، حيث تتراوح نسبة المهاجرين بين 0٪ و6% (مقارنة بمتوسط الاتحاد الأوروبي البالغ 5،1٪). وحوالي 13٪ يقولون إنهم لا يعرفون(-16).

 توصلت الدراسة إلى أن المستجيبون الحاصلون على مستويات تعليمية عليا ويشكلون نسبة (23٪) من المشاركين في الدراسة، وأولئك الذين أجابوا بأنهم لا يواجهون مشاكل في دفع فواتيرهم الشهرية، ويشكلون نسبة (21٪) يميلون إلى إعطاء تقدير أكثر دقة لنسبة المهاجرين في بلدهم، أكثر من هؤلاء الذين لديهم مستويات أقل من التعليم وأولئك الذين في كثير من الأحيان لديهم مشاكل في دفع فواتيرهم.

يشعر غالبية الأوروبيين (64٪) بالراحة مع جميع الفئات الاجتماعية للمهاجرين، مما يمثل زيادة بنسبة 7% نقطة عن عام 2017.

ثلاثة من كل عشرة (30٪، -4) يقولون إنهم يشعرون بعدم الارتياح مع فئة واحدة من المهاجرين على الأقل.

 في ستة بلدان أوروبية يشعر أكثر من ثمانية من كل عشرة مشاركين بالراحة في إقامة علاقات اجتماعية مع المهاجرين من أي بلد من البلدان التي تمت فيها هذه الدراسة، وعلى الأخص في الدول التالية: البرتغال وأيرلندا (كلاهما 89٪)، إسبانيا (88٪)، وهولندا (85٪).

وبالمقابل نجد أن نسبة الذين يرحبون بعلاقات اجتماعية مع المهاجرين هي الأقل في دول أوروبا الشرقية سابقاً. في المجر (24٪)، وبلغاريا (29٪) ورومانيا (35٪).

يتفاعل أربعة من كل عشرة مشاركين على مستوى الاتحاد الأوروبي مع المهاجرين مرة واحدة أسبوعياً على الأقل، على الرغم من أن هذه النسبة تختلف حسب البلد. الأصغر سناً (53٪) وذوي المستويات الأعلى من التعليم (45٪) هم الأكثر اتصالاً مع المهاجرين على أساس أسبوعي. غالبية الأوروبيين (51٪) لديهم علاقات شخصية مع مهاجرين.

 أكثر من نصف الأوروبيين (51٪) لديهم إما أصدقاء أو أحد أفراد الأسرة من المهاجرين، وهذا يشكل زيادة حادة بلغت 20% عن عام 2017.

الغالبية العظمى (أكثر من تسعة من كل عشرة) من الذين شملهم الاستطلاع كانوا من مواليد الدولة التي أجريت فيها الدراسة. مع ما يقرب من (92٪) يقولون إن والديهم قد ولدوا أيضاً هناك.

 في أكثر من نصف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كانت النسبة من المستجيبين الذين قالوا إن جميع أجدادهم كانوا كذلك ولدوا في البلاد قد انخفض في نطاق من 1 إلى %13 بين عامي 2017 و2021.

ما يقرب من واحد من كل ثلاثة أوروبيين (31٪) يعتقدون أن الهجرة مشكلة أكثر من كونها فرصة، وذلك يمثل انخفاضاً بحوالي 7% مقارنة بعام 2017. ويعتقد (22٪ ، +2) أن الهجرة من خارج الاتحاد الأوروبي تمثل فرصة، و(38٪ ، +7) يرون أن الهجرة تمثل مشكلة وفرصة.

يرى بعض المواطنون الأوروبيون أن الهجرة أكثر من فرصة في الدول التالية:

في أيرلندا بنسبة (41٪)، لوكسمبورغ بنسبة (39٪) ، والسويد بنسبة (31٪).

لا يعتقد المواطنين أن الهجرة فرصة في: اليونان بنسبة (3٪)، ولاتفيا بنسبة (7٪)، وكذلك في سلوفاكيا، وبلغاريا، وليتوانيا بنسبة (9٪ من الجميع).

 في خمس دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي يعتقد أكثر من نصف المشاركين في الدراسة أن الهجرة هي مشكلة كبيرة، ولا سيما في قبرص بنسبة (61٪)، وليتوانيا واليونان بنسبة (60٪)،

ولاتفيا بنسبة (56٪)، ومالطا بنسبة (51٪).

يزداد الميل إلى اعتبار أن الهجرة مشكلة مع التقدم في العمر. يرى أقل من واحد من كل خمسة، أي نسبة (18٪) ممن أعمارهم بين 15 إلى 24 عاماً أن الهجرة مشكلة. وما يقرب من أربعة من كل عشرة أي بنسبة (38٪) ممن تبلغ أعمارهم 55 عاماً أو أكثر يتبنون هذا الرأي.

 بالمقابل يرى ما يقرب من ثلث أصغر المشاركين بنسبة (32٪) أن الهجرة فرصة. وما يقرب من ستة من كل عشرة بنسبة (58٪) من عموم الأوروبيين يوافقون أن اندماج المهاجرين ناجحاً في بلادهم المنطقة المحلية أو المدينة أو البلد، ولكن هذا الرقم يختلف على نطاق واسع بين دول الاتحاد.

المواطنون الأوروبيون الذين يوافقون على نجاح اندماج المهاجرين بلغت نسبتهم في أيرلندا (86٪)، وفي لوكسمبورغ، وإسبانيا نسبة (76٪)، وفي الدنمارك نسبة (75٪). والأقل موافقة على نجاح اندماج المهاجرين كان في المجر، وبلغاريا بنسبة (كلاهما 40٪)، ولاتفيا بنسبة (42٪).

 بشكل عام، تعتقد أقلية فقط من الأوروبيين أن تحسنا قد حدث في أوضاع المهاجرين. على سبيل المثال، تعتقد أقلية فقط من الأوروبيين بنسبة (39٪) أن نتائج التعليم لأطفال المهاجرين تحسن. يمكن قول الشيء نفسه عن مستويات تعليم المهاجرون البالغون الذين لديهم إقامة طويلة الأمد التي تحسنت.

لا يعتقد ما نسبته (26٪) من الأوربيين أن معدل الفقر تحسن بين المهاجرين. يعتبر الأوروبيون أن تعلم لغة البلد الذي يتنقل المهاجرون إليه مهماً لنجاح الاندماج بنسبة (85٪). وينظر نسبة (69٪) إلى التمييز على أنه يعوق الاندماج. وترى نسبة (67٪) أن تعزيز التكامل هو استثمار ضروري في المستقبل. ويرى ما نسبته (كلاهما 78٪) أهمية مساهمة المهاجرون في نظام الرعاية الاجتماعية عن طريق دفع الضرائب، ويلتزمون بقيم ومعايير المجتمع.

 أكثر من ثلثي المشاركين في الدراسة بنسبة (69٪)  يعتقدون أن صعوبة العثور على عمل قد يعوق اندماج المهاجرين. ويعتبر (67٪) أن المهاجرون أنفسهم مسؤولون عن جهود الاندماج والتمييز.

يقدم (53٪) من الأوروبيين وجهات نظر مختلفة حول ما إذا كان الحكومات الأوروبية تبذل ما يكفي لتعزيز بنشاط اندماج المهاجرين.

 غالبية الأوروبيين بنسبة (69٪) يقولون إن الترويج لنشاط اندماج المهاجرين هو استثمار ضروري على المدى الطويل لبلدهم. مقارنة بعام 2017 فإن نسبة المشاركين الذين يتفقون مع هذا الرأي بقي مستقراً مع انخفاض طفيف في "بالكامل موافق "(27٪ ، -2).

 أكثر من نصف الأوروبيين بنسبة (53٪) يوافقون على أن الحكومات الأوروبية تفعل ما يكفي لتعزيز نشاط اندماج المهاجرين في المجتمع. هذا يشكل زيادة طفيفة بنسبة (+2) عن عام 2017.

 غالبية الأوروبيين بنسبة (58٪) يعتقدون أن الاندماج حالياً يمثل أولوية ملحة، ولكن ليس أولوية قصوى بالنسبة لهم، بل للحكومات.

 أكثر من ثلث المشاركين بنسبة (35٪) يعتقدون أنه يجب وضع الاندماج في مرتبة أعلى على جدول أعمال السياسيين.

 ثلاثة أرباع الأوروبيين بنسبة (75٪) يقولون إن التدابير التي اتخذت لمكافحة آثار جائحة COVID-19 كانت مهمة، وأخذت في الاعتبار احتياجات تكامل المهاجرين.

غالبية الأوروبيين بنسبة (70٪) ينظرون إلى الاندماج على أنه عملية ثنائية الاتجاه، مع مسؤولية متساوية للمهاجرين والمجتمع المضيف كليهما. بالكاد تغير هذا الرقم (+1) منذ عام 2017.

تعتبر أقلية بنسبة (10٪) إن المجتمع المضيف مسؤول إلى حد كبير عن اندماج المهاجرين (+2).

توافق غالبية كبيرة من الأوروبيين بنسبة (83٪) على أن العوامل المختلفة تلعب دوراً حيوياً في نجاح تكامل المهاجرين ببلدهم المضيف.

 أولاً وقبل كل شيء المهاجرون أنفسهم بنسبة (79٪)، ومؤسسات التعليم الوطنية الحكومية بنسبة (76٪)، والمحلية بنسبة (75٪).

***

حسن العاصي

باحث وكاتب فلسطيني مقيم في الدنمرك

...................

مصادر

http://appsso.eurostat.ec.europa.eu/nui/show.do?dataset=migr_pop3ctb&lang=en

https://ec.europa.eu/migrant-integration/news/europe-immigration-mostimportant-issue-facing-eu-eurobarometer-says_en

https://europa.eu/eurobarometer/surveys/detail/2169

مر عام على البدء بالعملية الحربية الروسية على أوكرانيا، وكانت عملية خاصة ومختصرة على أبعاد القوات الاوكرانية عن حدود روسيا والدنباس وجود جمهورية الدنباس ذات الحكم الذاتي والتي يسكنها أغلبية روسية من المتحدثين باللغة الروسية، وكانت روسيا انذاك استعادة جزيرة القرم ذات الموقع الاستراتيجي والتي هي كانت بالأساس عائدة إلى روسيا وأيام الإتحاد السوفيتي أقدم نيكيتا خروشوف وهو من أصول اوكرانية وكان سكرتير الحزب الشيوعي السوفيتي وأوكرانيا هي إحدى جمهورية الاتحاد السوفيتي، أصدر مرسوم بضم جزيرة القرم إلى أوكرانيا، ولاشك حارب الاوكرانيين إلى جانب كل القوميات والشعوب السوفيتية في الحرب الوطنية العظمى (الحرب العالمية الثانية) وقدموا الشهداء كما الشعوب الاخرى حيث قدم الشعب السوفيتي والجيش الأحمر مايقرب 30 مليون قتيل دفاعا عن الوطن السوفيتي وكذلك الإنسانية من أجل تخليصها من الفاشية والنازية (هتلر وموسليني)، وبعد التامر على الاتحاد السوفيتي من قبل غربوتشوف وزمرته انتهى الاتحاد السوفيتي وأصبحت جمهورياته دول مستقله وكانت من ضمنها أوكرانيا وابرم اتفاق مع حلف النيتو بعدم أقامة تحالف مع هذه الدولة وضمها مع دول الاتحاد السوفيتي السابق الى حلف ناتو (حلف شمال الاطلسي)، حتى لايكون هناك تهديد عسكري وتواجد للقواعد العسكرية تهدد أمن روسيا الاتحادية، وقد وقعت اتفاقية مينسك في جمهورية بيلاروسيا، بين روسيا وأوكرانيا ومنظمتة الأمن والتعاون في اوربا وسميت بروتوكول مينسك وقع قادة جمهورية دونيتسك الشعبية وجمهورية لوغانيتسك الشعبية على الاتفاقية في 5 سبتمبر عام 2014 في مدينة مينسك عاصمة جمهورية بلروسيا.

جوليتو كينازا عضو الاتحاد الأوربي يقول في خطاب له في مجلس 2015 وهو استاذ جامعي ومؤسس الحركة الديمقراطية قال إن أوكرانيا ستقودها النازية الجديدة. أوكرانيا سيجعلها الأمريكان مخلبهم لمواجهة روسيا. سيجعلون دونباس ومذابح النازين في لوهانسك شرارة لحرب عالمية ثالثة. الموضوع ليس أوكرانيا هو تدمير اوربا كلها في حرب روسية أوربية. اي عدوان على روسيا هو حرب عليكم ايها الاوربين. امريكا تنحدر ولن يكون لها مستقبل. ولن يكون القرن الواحد والعشرين أمريكيا ما لم تشن حربا مدمرة في العالم.

في جلسة في مجلس الأمن في الأمم المتحدة بناءعلى طلب المندوب الروسي، بشأن تطوير امريكا لأسلحة بيولوجية على حدودها داخل أوكرانيا:

1- تسليم المندوب الروسي وثائق وأدلة في مضبطة

الجلسة تؤكد مايلي: تمويل البنتاغون الرسمي لبرنامج أسلحة بيولوجية واضحة في أوكرانيا، اسماءالاشخاص والشركات الأمريكية المتخصصة بالأدلة والوثائق المشتركة في هذا البرنامج، اماكن المختبرات في أوكرانيا ومايتم حتى الان من محاولات أخفاء الأدلة.

2-اعلان مفاجأة أخرى من مندوب روسيا بأماكن المختبرات الأمريكية التي تعمل في تصنيع وأختبار الأسلحة البيولوجية في 26 دولة حول العالم (بزيادة 12 دولة عن الجلسة السابقة).

3- تحديد المندوب الروسي الأمراض والأوبئة ووسائل أطلقها والدول التي يتم تجربتها فيها ومتى واين تمت التجارب وبعلم حكومات هذه الدول او بدون علمها.

4 - تأكيد المندوب الروسي علانية أن من ضمن التجارب والآثار هو الفيروس عن الجائحة الحالية وكم هائل من الخفافيش المستخدمة في نقل هذا الفيروس.

5- امريكا تنفي وفرنسا وبريطانيا تحالف معها (و الصدى داخل شعوب هذه الدول عنيف للغاية)ويميلوا لتصديق هذه الرواية تحت الضغط النفسي الذي خلفته الجائحة على الجميع.

6- منظمة الصحة العالمية تنفي معرفتها بوجود تجارب بيولوجية في أوكرانيا وتقول كل معلوماتنا انها مختبرات طبية بحثية لمقاومة الأمراض (وروسيا تثبت بالأدلة مكتبات وزيارات منتظمة لخبراء من منظمة الصحة) للمختبر الامريكية المشبوهةحول العالم.

7- الصين تهاجم الجميع طالما انتم تلفون وواثقون من براتكم لماذا ترفضون باستماته إجراء تحقيق من متخصصين للوقوف على الحقيقة خاصة مع وجود وثائق وأدلة دامغة.

وللرئيس الكرواتي (زوران ميلانوفيتش) صرح أمام القمة الأوربية وبحضور ممثل أوكرانيا: من يريد يهزم المنتصر بالحرب العالمية الأولى والثانية فهو غير طبيعي او مخدوع. شبه جزيرة القرم واقاليم دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوروجيا وكل شرق أوكرانيا وغيرها لن تعود إلى أوكرانيا أبدأ. وكل ما أستمر المعركة ستضل روسيا أقوى فأنا اعلم من هم الروس وماذا يخفون وسوف تستمر تضم مزيدا ومزيدا من الأراضي الاوكرانية الذي اوقعها الممثل الكوميدي بالفخ بهمسة أمريكية الذي سوف تتخلى عنه بثواني لان روسيا لن تتوقف حتى توصل بولندا).

الولايات المتحدة الأمريكية وسياسة رئيسها الجمهوري بايدن، راح يعمل مع الاتحاد الاوربي ودول حلف الناتو، بأرسال الأموال والأسلحة إلى نظام النازي الجديد زلينسكي موجها الأخرين في هذه الدول بتزيد أوكرانيا بالأسلحة والعتاد من بولونيا وألمانيا، من أجل اطالة الحرب مع روسيا، والمعروف أن روسيا كانت تجهز اوربا بالغاز الروس عن طريق انبوب السيل الشمالي عملت المخابرات الأمريكية على تفجير هذا الأنبوب وقدمت روسيا الاتحادية وثائق تدين هذه الجريمة التي أقدم جهاز المخابرات الأمريكية على تنفيذها، واقدم الأمريكان على إعداد فصيل من المرتزقة للقتال إلى جانب الجيش الأمريكي، ولسوء حظ الأمريكان أن أحد هؤلاء المجند الأمريكي الجنسية كان يخطط للتعرف على هذا الفصيل ومهماته ومن هم أعضاء هذا الفصيل تسنى له أن يجمع كل المعلومات والوثائق ويهرب بها إلى الجانب الروسي وهي معلومات عسكرية مهمة وعندما سؤل، عن لماذا أقدم على هذا العمل، قال انا شيوعي وهو عضو في الحزب هذا مادفعه إلى هذه العملية المغامرة.

زلينسكي في آخر تصريح له يطالب السلطة الأمريكية في إرسال أبنائهم وبناتهم للقتال إلى جانب الجيش الاكورايني، وعدد من الأمريكان كتبوا في مواقع التواصل الاجتماعي، اننا لن نرسل ابنائنا وبناتنا للقتال مع النازية، كان هذا ردهم بتسميت النظام الاوكرايني كنظام نازي جديد، ويخفى على المتابع للحدث أن النظام العنصري في الأرض المحتلة متمثل بدولة الكيان الصهيوني، يقف إلى جانب حكومة زلينسكي يمدها بالمال والسلاح، بحجة أن روسيا لم تحترم سيادة دولة أوكرانيا وحتلت أجزاء منها، ونسأل كيف انتم احتليتم فلسطين العربية وجئتم بالمستوطنين من كل بلدان العالم ؟ !، مما اتخذ الروس موقفا من (إسرائيل) في عدوانها على سوريا محذرا وبشدة في حالة تكرار الاعتداءات، أصبحت (إسرائيل) والامبريالية الأمريكية تعلم العالم بالديمقراطية وحقوق الشعوب في تقرير المصير، نسأل الأمريكان: أين أنتم مما تقولونه اليوم، انسيت تدمير الشعوب في العدوان العسكري والحصار كما في العراق وسوريا تحت حجج منها أسلحة الدمار الشامل، وانتم بأنفسكم بعدها اعترفت كما قال كولن باول.

انكم ظللتم الرأي العام بكذبتكم في تدمير العراق من أجل دولة الكيان الصهيوني، وسرقت نفطه وثرواته وتراثه الحضاري، وتريدون الحفاظ على القطبية العالمية، من أجل قيادة العالم لنهب ثروات الشعوب، والتحكم بأقتصاده من أجل بيعه السلاح وما يصنع من قبل الشركات الرأسمالية الجشعة، لا.. والف لا، اليوم العالم يطمح بتعدد الاقطاب، وبدونكم ليعم السلم في العالم وبدون حروب.

***

محمد جواد فارس

طبيب وكاتب

 

في المثقف اليوم