أقلام ثقافية

الإنتقام الحضاري!!

في بداية الربيع العربي، إقترب مني شخص أتعرف عليه لأول مرة، وكنت جالسا على مائدة الغداء في المطعم ، وإستأذن بالجلوس بعد أن قدم نفسه على إنه من (بنما)، وبوده أن يتكلم معي لأنه عَلِم بأني عربي!!

جلس الرجل وهو في عقده السادس على ما يبدو، وذكر عمله وبأنه متقاعد، ومطلع على التأريخ وثقافات الشعوب، ومهتم بحضارات المنطقة العربية، وبعد برهة من الكلام رأيت دموعه تترقرق في عينيه، وهو يريد الإفصاح عن الموضوع الذي سيحدثني عنه!!

إحترت في فترة الصمت التي حاول بها معالجة دموعه، ولا أستطيع تقدير ما يريد قوله،

لكنه قال: بكيت البارحة وأنا أرى الإنسان يرحل عن المدن السورية!!

لم أجبه، لكنه تابع مضيفا: شعرت بأن التأريخ والحضارة ترحل عن المكان!!

قلت: هذا هو المطلوب!!

قال: ما يسمى الربيع العربي، هدفه الخفي محق الحضارة والتأريخ الإنساني في المنطقة، فمنطقتكم تتعرض لعدوان يرفع رايات الإنتقام الحضاري، فهل تستطيع أن توصل الرسالة للناس؟!!

قلت:هناك حكومات تقوم بهذا الدور وتوفر له الظروف الحاضنة!!

قال: ستنمحق معالم الحضارة في بلدانكم، وعندما عرف أني من العراق، قال أن حضارات العراق القديمة هي المستهدفة، وستخبرك الأيام عن صدق ما أقول!!

تأملته بتوجس، لكنه مضى : حضارة سومر وأكد وبابل وآشور ستمحق آثارها، وكذلك آثار الحضارات الأخرى وخصوصا العباسية، فلن تجد أثرا لها بعد حين!!

قلت: من أين لك هذا؟

قال:العارف بما يدور هكذا يقول، فلا ديمقراطية وإنما خراب ودمار وتهجير وتمزيق وتعويق، وقتل متواصل وأحداث متأججة متجددة، ولن تهدأ الأمور على مدى هذا القرن، الذي سيبيد معالم الحضارات كافة في المنطقة!!

وقال: أتدري لماذا؟

وأضاف: لن أجيبك، لأن الجواب واضح كالشمس، فهل ستدركون مخاطر اللعبة؟!!

تذكرت كلامه وأنا أتابع ما يتحقق من تفجير لمعالم الحضارة في سوريا والعراق ودول أخرى، تُستهدف فيها الآثار والعمارات الأثرية والبوابات، وكل ما يشير إلى وجود حضارة إنسانية، وهذا يعني أن جميع المعالم الحضارية مستهدفة، والعالم يتفرج، ومنظمة اليونسكو في غاية الصمت والتجاهل، والكل يدّعي ما يدّعيه من الأكاذيب، وفي قرارة نفسه يكتم فرحته ونشوة نصره على المسيرة الحضارية في بلاد الرافدين وبقاع المنطقة العربية، التي كانت مواطن حضارات ورموز عزة ومجد وكرامة وكبرياء!!

فهل سندرك حقا أم قد تحولنا إلى بيادق لعبة، اللاعب فيها هو الملعوب؟!!

وهل سنترحم على معالمنا الحضارية التي لن تعيش إلا في الصور؟!!

 

د-صادق السامرائي

في المثقف اليوم