أقلام ثقافية

لا حب في زمن الكراهية!

latif shafiqبتاريخ 15 شباط 2013 أي قبل سنتين بالضبط، وفي هذا اليوم من العام الحالي تذكرت بأنني كتبت مقالة بعنوان الحب في زمن الكراهية والعنوان مقتبس من رواية للكاتب الكولومبي غابريل كارسيا ماركيزا (الحب في زمن الكوليرا)، فقررت أن أراجعها عسى وأنني سأجد ما قد تغير مما ذكرته فيها من أحداث وتطورات، فكانت النتيجة مخيبة للآمال وسأذكر بعض ما ورد بتلك المقالة وأظن أن من قرأها وحتى إن لم يقرأها البعض فسوف أستمر بالكتابة إلى يوم يقرأ ون وسيجد بأننا راوحنا في مكاننا أو بعبارة أدق بأننا ذهبنا إلى المجهول والأسوأ منه وهو ما يحز بالنفس ويؤلمها هو ما أصاب الفقراء والذين لا ذنب لهم وممن ترك دياره وشرد ونهبت ممتلكاته وظلت عيونه شاخصة إلى السماء عسى أن الغمة تزول وتنقشع غيمة الشر وتعود الحياة لسابق عهدها بالألفة والمحبة.

لقد ذكرت بمقالتي قبل سنتين أن في مثل هذا اليوم ضربت سواحل الشمال الشرقي من الولايات الأمريكية عاصفة ثلجية استمر تساقط الثلج خلالها لمدة يومين وبدا كل شيء هناك أبيضا وشمل ذلك السماء والأرض والأبنية والأشجار والماء وكان ذلك أمرا متوقعا ومألوفا عند مواطني هذه المناطق وبالفعل فقد تكرر ذلك هذه السنة أيضا وبنفس اليوم والتاريخ والحالة، وقد تشكل هذه الحالة بالنسبة لنا نحن القاطنين هنا الأمر الأول الذي لم يتغير في حياتنا خلال سنتين قضيناها في الغربة.

وإن الأمر الثاني والذي ذكرته في مقالتي السابقة والذي لم يتغير أيضا هو أنني وكما ذكرت كنت أتطلع إلى السماء الصافية الزرقاء من نافذتي التي أقبع خلفها بسبب شدة برودة الجو وحملتني مخيلتي على بساط زرقة السماء إلى بلدي العراق وبالذات إلى بغداد وتذكرت كم كانت رائعة تلك السماء ويبدو أن شيئا لم يتغير فيها أيضا وهو الأمر الثالث المتعلق بالمقالة السابقة وكما ورد وكالآتي: ولكن ما يحز بالنفس أن تلك السماء الخلابة وضوء شمسها الذهبي قد سودتها أيادي الإثم والعدوان وأنست أهلها الطيبين الأفراح والليالي الملاح والذي مع كل الأسف مضت نحو الأسوأ وإن الجناة والقتلة استمروا بجرائمهم وطغيانهم وزادوها أضعافا مضاعفة مستحدثين وسائل جديدة وعديدة في تنفيذ مخططاتهم الجهنمية من قطع رؤوس البشر وحرقهم وهم أحياء ويندرج هذا الأمر تحت مفهوم التغيير نحو الأسوأ خلال السنتين وأكثرها سوء هو قطع جزء عزيز من أرض الوطن من قبل عناصر الشر والإرهاب المتمثلة بداعش ومن ساندهم من أبناء الجلدة.

إن ما يهم من هذه التذكرة وربما قد تنفع من يعنيه الأمر هو مفردة كلمة (الحب) ومعناها النبيل، وارتباطها بمناسبة دأب الكثير من شعوب العالم أحياءها سنويا وفي مثل هذا التاريخ وهي ما أطلق عليها تسمية (عيد الحب) وإن هذه المناسبة وبغض النظر عن مصدرها والجهة التي ابتكرتها فإن ما تحمله من معاني تجعل الكثير من الناس أن يعتبرها مدعاة لحب من هم أعزاء على النفوس وتدفعهم للتفاؤل والفرح، ويظهر أن قوى الظلام والتي تمارس الشر وزرع الضغينة والأحقاد بين الناس تعمل جاهدة وبكل الوسائل والمفاهيم لإبقائهم ضمن دائرة الخوف والتهديد والوعيد تارة باسم العادات الاجتماعية وتارة باسم الدين والمحرمات والمقدسات، في وقت لم يتناول لا الدين الذي ينشر المحبة بين بني البشر ولا العادات الاجتماعية العريقة ولا ما ورد باسم الله الرحمن الرحيم تحريم أو منع الناس من أن يحبوا بعضهم بعضا .

كنت قد قلت في مقالتي السابقة أنني أتحرق شوقا لمعرفة ما سيقوم فيه أبناء وطني بهذه المناسبة وهل ستكون فعالياتهم بما ينسجم مع ما تعنيه كلمة الحب وتدفعهم للاحتفال بيومه أم أن قوى الظلام ستحول دون ذلك ؟ وهنا يمكنني القول إن جانبا مما تمنيته قد تحقق فإن ما تناقلته بعض الفضائيات قد أظهرت لقطات مفرحة عما جرى هنا وهناك وفي بغداد بشكل أعم،إلا أن إمرا مؤسفا قد حدث في مكان ما عكر صفو هذه الفرحة ومنعت الناس من تبادل التهاني والهدايا تعبيرا عن المحبة والتسامح وفي ضمنها تقديم تلك التهاني والهدايا للأمهات اللواتي بحاجة لها لتخفف عنهن الأحزان وتأثير الملابس السوداء التي غطتهم طيلة عقود من السنوات وكذلك تقديمها لأفراد قوى الأمن والجنود المدافعين عن الوطن ضد أعداء الحياة ليشعروا بمدى حب الشعب لهم وتثمينا لتضحياتهم وبالفعل فقد أقدم البعض على مثل تلك الخطوة النبيلة خلال هذه المناسبة. إن يوما وحدا في السنة تقام فيه الأفراح ويتبادل الناس من خلاله التهاني وتقديم هديا ترمز للحب والمودة كفيل بأن يجلو عن النفوس المهضومة أياما طوالا من البكاء والأحزان وإن بث روح الخوف من المجهول والتلويح بعذاب مرير والاعتداء على من يقيم مثل هذه المناسبة باسم عيد الحب بحجة الخروج عن الأعراف والدين والمذهب والمقدسات لا تقره قوانين السماء والأرض ومخالف لما زرعه الله سبحانه وتعالى في نفوس بني البشر من المحبة مقابل الشر والبغضاء ليعيشوا بسلام آمنين إلى يوم الدين والحساب. وهنا نطرح سؤالا مشروعا لنتبين من خلاله الخيط الأبيض من الخيط الأسود (لماذا يستهجن ويشجب العالم أعمال داعش وينعتها بأبشع الأعمال الإجرامية ويتفق أكثر المسلمين مع هذا الوصف، ألم تقدم هذه القوى الظلامية على جلد وإعدام وسبي واغتصاب الفتيات والنساء وتدمير المدن وتهجير سكانها بحجة مخالفة الشريعة الإسلامية وحسبما رسمتها عقولهم المريضة من ممنوعات لم تقرها الشرائع والأديان السماوية.؟) فالحب أسمى ما منحه الله لعباده فلا يحق لأي إنسان أن يزيله من قلوب الناس فاعتبروا يا ألي الألباب.

 

لطفي شفيق سعيد

شروزبيري 17 شباط 2015

          

في المثقف اليوم