أقلام ثقافية

التحليل ومنهج التبرير!!

عدت لكتاب قرأته عندما كنت طالبا في كلية الطب، يتحدث عن تحليل الذات العربية، وتصفحته من جديد، وهو لعالم نفسي عربي جليل، فإحترت بمنهج الطرح والإستنتاج، وما وجدت إلا آليات تبرير لما يجري وجرى وفقا لنزعة الترسيخ.

وتصفحت كتبا في علم الإجتماع لأساتذة برعوا بالكتابة، فظهر ذات المنهج التسويغي والتعزيزي الذي يتبرقع بالتحليل!!

وما نتداوله في الصحف والمواقع وحتى النشاطات الأدبية والفكرية، لا يخرج من هذا الطريق الذي يمعن بإستحضار ما يبرر الأحداث والتطورات، بدعوى أنها كتابات تحليلية، وذات قيمة ثقافية.

والواقع القائم المتفاقم يدحض كل إدّعاء بالتحليل!!

فالأمة مبتلاة بالكتابات التبريرية، التي تبرهن أن ما كان ويكون يجب أن يكون، ولا خيار غير الذي تحقق في الواقع الآسن الشديد، وكأنها تؤمن بأن ليس في الإمكان خيرٌ مما كان.

ذلك أن الكتابات التحليلية تتناول الأسباب وتبحث فيها، وتصل إلى الحلول والتطبيقات العملية الكفيلة بعدم تكرار الحالة التي يُتصدى لها.

أما أن نتغنى بالتفسيرات وندّعي الفهم والإنجاز الفكري والمعرفي، فهذا إسهام في تحويل أية مشكلة قائمة إلى كرة ثلج تزداد حجما وثقلا، مما يجيب على سؤال : لماذا نعجز عن حل المشاكل وتجاوزها، ونمعن بتنميتها والإستثمار فيها؟

ولكي ننهض بواقعنا ونتخطى مشاكلنا ونتعلم من تحدياتنا، علينا أن ندرس الأسباب بعلمية ونزاهة معرفية بحثية خالصة، ونقيمها بموضوعية وشمولية، ونبتكر الأجوبة العملية الكفيلة بتطبيبها وتوفير مؤهلات المناعة من تكرارها والإصابة بها مجددا.

فواقعنا ومنذ قرون وكأنه ناعور يدور ويعيد ذات الموضوعات، التي أزمنت وتعقدت وتقيّحت وما وجدت الطبيب المداويا.

فالمطلوب من أجيال الأمة الحاضرة والصاعدة، أن تُعِمل عقولها في زمن المعلومات الفياضة، وتتدارس بعلمية وتفاعل فكري إنساني إيجابي، للخروج من نفق الظلمات إلى آفاق النور والبهجة والسعادة، والحضارة المعطرة بالإبداع والعطاء العربي الأصيل.

تحية لكل قلم نابه متيقظ غيور يذود عن جوهر أمته ومصير شعبه ووطنه، ويجتهد بالبحث عن أجوبة معاصرة ذات قيمة إنسانية مطلقة.

 

د-صادق السامرائي

في المثقف اليوم