أقلام ثقافية

عن القراءة والجمال الذي لايشيخ

asmaa mohamadmustafaفتاة من الجيل الجديد، تهتم بماكياجها ومظهرها والموضة وهاتفها الجوال والأنترنت والترفيه فقط، انتقدت زوجين شابين يهتمان بالقراءة ولديهما مكتبة في البيت ويعملان في مجال بيع الكتب متصورة أنّ حياتهما مجرد قراءة وكتب فقط قائلة إنّ حياة كهذه تكون مملة وخالية من الترفيه .

لاشك أنّ في حياة هذين الزوجين أموراً أخرى غير الكتب، فإهتمامهما بالقراءة والمكتبات لايعني أنهما لايهتمان بالأمور الأخرى كالترفيه والتجديد، ذلك أنّ الحياة على وتيرة واحدة وبلاتنوع يمكن أن تخلق الرتابة في النفس، ولكن تلك الفتاة تجهل مايمكن أن تغيره الكتب في حياتها إن هي فكرت في تصفح كتاب، لتدرك كم من الجمال والترفيه يكمنان في تلك الكنوز الورقية . ذكرني رأيها بموضوع قصير جدا قرأته في طفولتي، عن فتاة كان كلّ همها أن تكون ملكة جمال، ولكنها بعد أن قرأت الكتب واكتشفت جماليات الحياة التي تحملها بين أغلفتها وثقفت نفسها وأنارت عقلها بالأفكار العميقة، قالت إنها لم تعد مهتمة بأن تكون أجمل الجميلات في العالم .

الجيل الجديد، معظمه لايقرأ الكتب خارج المناهج الدراسية، وإن قرأ فمصادر قراءاته شبكات التواصل الاجتماعي، والأمور التي يقرأها، لاندعي بأنّها لاتنفع، وإنما أحيانا كثيرة هي عبارة عن أفكار سريعة، تتعلق بأمور سطحية اومكررة او مخطوءة أيضا، ولغتها غير دقيقة ومليئة بالأخطاء، ولاتدعو للتأمل والتفكير، بينما القراءة في كتاب تفتح الذهن وتعمل على توسعة الأفق بما توفره من مجال خصب للتخيل والتأمل والاستنتاج في ظل الهدوء والخلوة اللتين تتطلبهما، فضلا عن أنها قراءة لاتستوجب السرعة والعجلة، مايمنح القارئ مجالاً ليفكر ويحلل ويتوصل الى قناعات ونتائج معينة .

ومثلما القراءة تزيد من المعلومات بمايجعل القارئ يمتلك قاعدة معرفية تجعله أكثر ثقة بنفسه حين يجالس المثقفين ويستمع اليهم ويشترك معهم بحواراتهم، فلايشعر بأنّه أقل منهم، فإنّها ـ أي القراءة ـ تحسن من اللغة، وتطور ملكة الكلام لدى صاحبها، إذ تكسبه مفردات جديدة وتصبح كلماته أجمل وأثرى وأدق وبذلك يتمكن من إيصال أفكاره بسلاسة .

القراءة، تفتح بوابة لعالم واسع الجمال، لايمكن أن يدرك الإنسان مايحمله من دهشة إلاّ إذا تشجع ودخل اليه بلا دعوة ومن غير أن يطرق البوابة، فهي مفتوحة على الدوام لمن يود زيارة هذا العالم ليكون جزءاً منه وليس ضيفاً .

ففي هذا العالم القرائي، نتاجات عقول وقلوب، فيها ماتشاء الفتاة من مواد تجميل ولكن للعقل والروح، وهي بذلك مواد لاتحمل المعنى الحرفي للماكياج، وإن كنت اعتقد بأنّ الماكياج ليس لتجميل القبح وإنما إبراز الجمال وزيادة إشراقته، كذلك التجميل الذي تقدمه الكتب يتجاوز الجمال المادي الى الروحي الذي هو أشمل وأغزر بتأثيره وأكثر خلوداً، فجمال الروح والعقل لاتهدده التجاعيد التي تغزو الوجوه، والكلام يعني الرجال كما النساء .

في هذا العالم القرائي ترفيه أيضا، فثمة كتب تسعدك وأنت تقرأها، ولاتود أن تتركها بل تعود لقراءتها مجدداً، وإن كنت صاحب مخيلة فإنك ستحول الكلمات التي تقرأها الى صور فنية ومشاهد سينمائية في ذهنك، وذلك يشعرك بأنك تشاهد لوحة فنية او فيلما جميلاً .

في هذا العالم القرائي لاوجود للضجر، فأنت مع كل عبارة تقرأها في كتاب، وبتنقلك من كتاب الى آخر، تجد أفكاراً جديدة تنساب الى رأسك ، وصوراً متجددة تتشكل في ذهنك، و مشاعرَ متنوعة تنثال على قلبك، وهذا يناقض الجمود والروتين، وبذلك يمتلئ وقتك وذهنك بمالايسمح للملل بالمكوث عندك . فبالقراءة لن يكون يومك مثل أمسك، ولاغدك مثل يومك، مع هذه الرحلات المستمرة والمحطات غير المتكررة والقطارات المختلفة الكثيرة التي تستقلها في سفراتك القرائية الى أعماق الجمال الذي لايشيخ .

 

ـ أسماء محمد مصطفى

 

في المثقف اليوم