أقلام ثقافية

شيء عن التخلف الثقافي والمجتمعي

ali mohamadalyousifهل يستطيع المثقف العربي العيش وسط مجتمع متخلف؟! سؤال قرأته للمفكر العربي د. عبد الله عبد الدايم قبل اكثر من ربع قرن مضى، وصادفتني مقولة للكاتب والروائي الانكليزي كولن ويلسون في ذات المنحى حينما تساءل: هل يصنع الحياة اولئك الذين يحبون صنع الكلمات، ام الذين يحبون صنع الحياة؟! واضاف ان المجتمع يموت برأسه وليس من قدميه.

ولكي لا تذهب بنا التفاصيل من وضع اجابة محددة سطحية لاتتعدى كلمة او كلمتين، نظلم بها الاستاذ المتسائل عبدالله الدايم كما نظلم عن قصد وقصور فهم انفسنا في تساؤله العميق وتاشيره آفة مجتمعية رجعية تاكل حاضر ومستقبل الوطن العربي .وبصرف النظر عن اي نوع من المثقف او المثقفين يقصدهم الاستاذ عبدالله الدايم في تساؤله، وبغض النظر ايضا عن درجة ومستوى ايا من المجتمعات العربية المتخلفة يقصد .فالمجتمعات العربية وان كان يجمعها التخلف كافة، لكن يفرقها درجة ومستوى التخلف، وفي اي الجوانب من اساليب حياتها نجده .فتخلف المجتمع الصومالي هو قطعا غيره ولا يشبهه تخلف مجتمعات عربية اخرى، كالسعودية، مصر، العراق، ليبيا، اليمن، وهكذا.

وفي تحاشي الانزلاق في تفاصيل لا حصر لها من التباينات والاختلافات في دراسة التخلف في الوطن العربي، سناخذ نموذجين جاهزين من مثقفي التخلف، تاركين تقصي اسباب تخلف المجتمعات العربية لذوي الاختصاص والدراية .

في النموذج الاول من مثقفي التخلف، نجد انه لا يستلزم اصلا الحاجة له مجتمعيا، وتنتفي حاجة بقائه وسط مجتمع متخلف يحتاجه، لان ثقافة هذا المثقف غاطسة مفهوما، معرفة، ممارسة، سلوكا، تطبيقا، وتعاملا مع الاخرين والحياة،  هي واقعة في دائرة الجدل والشد والجذب بين اصالة ثقافية قد يحملها او يدعيها، اوضحالة ثقافية انتفاعية متسلقة غير مسؤولة  ولا ملتزمة، يتباهى بحملها في المناسبات الاستعراضية الاعلامية او الثقافية، ويباهي استغفال الناس بها .

فهو بدءا لايعرف وطنه في محنه ومآسيه وكوارثه، تاركا اياه اما مهاجرا عنه، او منعزلا عنه لايهمه امره في قضية او مصير .واذا ما هيئت له هالة من الاضواء المنافقة في التسويق، عندها يشهر استاذيته الثقافية، وتنحصر مسؤوليته المجتمعية، بمواعظه الانشائية، ونصائحه الكتابية او تحليلاته الاستراتيجية الفضائية اما من احدى عواصم العالم الذي استجدى موافقة الاقامة فيها .او من وراء جدران الجامعات والمؤسسات الثقافية والاعلامية رسمية كانت او غير رسمية

التي تمنح الرواتب والامتيازات بما يليق به كاحد النخب الاكاديمية الاجتماعية وبذلك ياتي بالمرتبة الثانية بعد اعضاء حاشية السلطة وازلامها من المرتزقة السياسين. الذين يتاجرون بمصائر شعوبهم.

اما النوع الثقافي الثاني المستنسخ عن الحالة الاولى التي مررنا بها ويستبطنها فهم التساؤل في المراد  تحقيقه  نجد ايضا لاجدوى من مثقف يحمل افكارا (اسفارا) او موهبة في جنس ادبي واحد او اكثر ويجد في هذا التمايز المجتمعي الثقافي حقيقيا ام زائفا تبعا لما يمتلكه طريقا سالكا نحو الشهرة والحصول على الامتيازات بالمتاح امامه من وسائل تسويق  تلميع خادعة مخاتلة على حساب توظيف الموهبة الحقيقية في محاربة التخلف 0  فنجده في ازدواجيته انفصام الثقافة عن السلوك والممارسة والعلاقات مع غيره اجتماعيا بما يماشي التخلف والمخطوء في الحياة ويانس التراجع المجتمعي العام  لينأى بنفسه عن دوخة الراس وتجنب المتاعب وقد يجد او لايجد في موقفه المتخاذل هذا انه مشارك اساسي في  صناعة وادامة التخلف  الاجتماعي على انه من طبائع الامور التي لا يمتلك الانسان وسيلة تغييره .فيصبح مفهوم الثقافة عند كلا النموذجين الثقافيين يحتاج الى تساؤلات ادانة عديدة، واشارات استياء لان الثقافة تحولت عندهما من ثقافة الاسهام في بناء مصير ومستقبل بلد يعيش الكوارث والمآسي يوميا، الى ثقافة هامش استعراضي رخيص في لفت الانظار والظهور الاعلامي التسويقي في ابشع صورة امتهان للثقافة الجادة واستغفال المجموع الشعبي من شرائح الامية الثقافية او شرائح الامية الابجدية المتخلفة.

هنا نصل لتساؤل مفصلي اين يكمن الخطأ ؟ بالمثقف المزيف ام بالمجتمع المتخلف؟ ام بكليهما معا المثقف والمجتمع،  وكيف تكون المعالجة؟ وهل تلازمهما العضوي المتماسك في اعتياش احدهما على تخلف الاخر يكمل بعضه بعضا، وبالتالي يكون مطمح مجاوزة التخلف اكذوبة يتقبلها المثقف كممارسة انتهازية انتفاعية، كما يتقبلها المجتمع المتخلف كنوع من الحياة المقسومة المفروضة قهريا يتحتم ان يعيشها ويحتملها حتى لو كانت الوأد  للحياة في ادنى مراتبها الانسانية .لذا يصبح لدينا معادلة متكافئة هي اينما تجد مجتمعا متخلفا،  تجد ثقافة ضحلة تعتاش عليه وتساهم في صنعه وادامته .ولا نستغرب اذا ما وجدنا سياسيا متخلفا ثقافيا يسلك كل الطرق وراء جمع المال وكسب الامتيازات فقط على حساب المجتمع المتخلف المحروم وقل مثل ذلك في كل مناحي الحياة التي يسودها التخلف والفساد، حين تجد الكثيرين من الذين يصرون على سيادة القناعات والسلوكيات الخاطئة وتعميمها،  لان في تفشيها اجتماعيا انما تمثل عندهم الحبل السري في تغذية بقائهم وتمرير جميع ممارساتهم المحرمة في حق مجتمعاتهم .

اصبح عندنا في جميع صنوفه والوانه هو وسيلة كسب الشهرة وجمع الملايين،  ولم يعد الفن لا في خدمة الفن ولا من اجل الحياة،  ففناني الغناء والرقص ومافيات الجنس المقنعة والمفضوحة، حتى بعض فناني التشكيل والرسم، والتمثيل والمسرح والرياضة الخ ..فهم جميعا مشغولون في التسابق الى (عرب خليجي) فهناك وبكل الوسائل المعلنة والخفية يجري اقامة بناء ثقافة متخلفة هابطة ابتذالية مليونية تستقطب غالبية طالبي الشهرة الفاشلين من الفنانين العرب ومن ضمنهم تشترى اسماء معروفة ثقافيا وفنيا جادة بالمال كي توظف في التنكر لقضايا مجتمعاتها المصيرية وتنكرها لضميرها في خلط الاوراق والحقائق.

ويقف على هرم مسؤولية هذا البناء الثقافي التافه اشخاص جهلة يشترون كل شيء بالمال الحكومي الذي يغدق عليهم في المسابقات غير النزيهة وتوزيع الجوائز المزاجية،  وعقد المؤتمرات واقامة البرامج والحفلات الغنائية التي تستقطب وتصرف شعوب الوطن العربي عن حقيقة تخلفها الثقافي الحضاري وتعطيل دور الفنون والرياضة وغيرها ان تكون عوامل هادفة لتحفيز يقظة الشعوب العربية ولا علاقة لهذه الانواع من الانشطة بالثقافة والفنون والرياضة  التجارية بمصائب وكوارث الوطن العربي ان لم يكن توظيفها اسهاما مقصودا في ادامة وتعميق هذه الكوارث فقط خارج مجتمعاتهم، ويوجد وللاسف من المثقفين والفنانين والرياضيين العرب من يبيع وطنه وامته في مقابل عقد عمل في احدى دول الخليج لمدة عام وما اكثرهم في مقدمتهم العراقيين واللبنانيين والمصريين من المثقفين والفنانين والعاملين في الوسط الرياضي.

 

علي محمد اليوسف - الموصل

 

في المثقف اليوم