أقلام ثقافية

الجمال الحقيقي والجمال الزائف ولعبة الطاغوت

akeel alabodكنت ابحث مع صديقي بروفسور جون موضوعا عن معنى الجمال. قلت له الجمال معناه، البحث عن طريقة ما للارتباط  بالنور الالهي؛ الطاقة التي بها يحرر الانسان تفسه من ظلمة الوهم، ما يجعله قويا قادرًا للبحث عن معنى الحقيقة بين تفاصيل الدهاليز المعتمة.

 ورحنا معا نصنف المعنى الى عناوين متعددة، يتعلق البعض منها بالطبيعة، والفن والموسيقى، كما أشير له في الفلسفة اليونانية.

- قَال صاحبي معقبا: إذن لا يمكن للإنسان ان يدرك معنى الجمال دون ان يكون متصفا به، ومن خلال هذا الاتصاف، يصبح له القدرة على الإحاطة بصفاته، ومكوناته، وهيئته.

هنا باعتبارها ركنا من أركان البحث، حديثنا اتسعت آفاقه، فكان لبعض المسميات الخاصة بالأساطير والميثولوجيا الإغريقية نصيبا؛ تحدثنا بعض الوقت عن اورفيوس، وزيوس، وافرودويت، وهكذا.

علما ان ما نصبو اليه، لا يخص تفاصيل ما تحدثنا به، انما هو خاص بزاوية واحدة من زواياه، ما يجعلنا نفكر بطريقة ما لبلوغ الغاية من النقاش، وهو موضوع جمال المرأة، كعنوان للحديث في محطتنا الفلسفية، والجمالية، والأخلاقية.

ذكرت لصاحبي ان شاعرا قال في وصف من تغزل بها بتشديد اللام وفتحها ذات يوم: " فالوجه مثل الصبح مبيض، والشعر مثل الليل مسود، ضدان لما استجمعا حسنا والضد يظهر حسنه الضد".

ولكن هنا مع الأبيات هذه، احببت التنويه، والتعليق معترضا على ان الوصف الخاص بهذه الصورة زائف، فهو يبعد المتلقي عن المعنى الحقيقي للجمال- كونه مفردة للقلب، والنفس، والوجدان، وليس مفردة للمظهر والتصور.

فالجمال كائن حسي-عقلي قابل للنمو، والمشاعر المهذبة هي بيته الصغير. 

ولذلك فان الوصف المذكور، لصاحبة المحاسن تلك، اقصد هذه التي تحملها خارجيا يعد زائفا؛ فالمرأة  ليست بثوب تطرزه ألوان فاتنة، اوقطعة بيضاء، اوعيون زرقاء، اوجسد غض، اوصدر مكتنز.

فالكثير من اصحاب المفاتن، تراهن بهذه المواصفات يرسمن المخططات، لإيقاع هذا، وذاك في شباك فتنتهن، بطريقة تكاد ان تكون بعيدة عن المعنى المذكور، كما نشاهد في موضوعات الأفلام، والمسلسلات التي تفرض صاحبة المحاسن فيها سيطرتها على هذا، الذي أرغم على الزواج منها نتيجة لاندفاعه غير السليم، ليدفع حياته، ولتصادر عقاراته واملاكه ثمنا لغطرسة الشكل الذي تتمتع فيه صاحبة السلطان.

- وللمثال دعنا نتحدث بعض الشئ عن قصة يوسف وزليخة، فزليخة التي اتهمت يوسف بالمراودة ذات يوم عن نفسها، وأودعته السجن، كانت جميلة بمظهرها، لكنها في ذات الوقت كانت خائنة، وكاذبة.

وفي القصة ان يوسف لم يمتثل لإغرائها، وكانت النتيجة انها آمنت بالخالق الواحد بعد حين، حتى صار جمال يوسف بالنسبة اليها جزءا من ايمانها بذلك الخالق، فكان الجمال الحقيقي لإمرأة العزيز قد تجسد مرة اخرى بعد تحولها من الكهولة الى الشباب على يد النبي يوسف ع.

وبذلك ارتدت زليخة ثوب جمالها الحقيقي، بعد ان عاد  شبابها اليها مرة اخرى، لتلتحق بمن أحبته سابقا بطريقة صالحة.

لقد كان الجمال الزائف لزليخة، حائلا بينها وبين الجمال الحقيقي الذي تجسد في نبي الله يوسف، وكان الصراع قائما بين المظهر، والحقيقية.

-اذن المرأة الجميلة، هي ليست بهذا الوصف الذي عنده توقف  شاعر الغزل، انما هي العذراء التي في عفتها وجمالها، تلهم من يرتبط بها القوة والمحبة.

ذلك ليستضاء بنورها من يسير على خطاها، فهي اللغة المقدسة، التي ترنيمات الحب، تتدفق من روحها الطاهرة،

هي التي ورد اسمها في القران في سورة مريم، لتصبح اما لعيسى الذي به تكتمل أوصاف الطهر، والعفة، والنقاء. 

فالجمال المقصود هنا، هو كيان، اومملكة بين اسوارها تكمن قصص، وحكايات.

المرأة الجميلة تشبه شهرزاد الملكة في ذكائها مع شهريار، وتشبه ملكة سبأ في حكمتها وجبروتها.

 وفي امومتها، وعفتها، تشبه فاطمة بنت النبي محمد، تلك  المرأة التي من طهارتها ولد الحسن، والحسين، وهما سيدا شباب أهل الجنة كما وصف النبي محمد ص لهما، وهكذا أمثلة اخرى. 

وهذا ما لا يدرك الا من قبل اصحاب العقول، والقلوب التي تفهم في المعنى المذكور.

هنا يجب علينا ان نتوقف، ننظر وراءنا، أمامنا، لعلنا نقدر ان نعالج ما يجول في طبيعة افكارنا، خواطرنا، وأحاسيسنا عن طبيعة تلك الاوهام التي تسللت إلينا عن حقيقة الجمال.

باعتبار ان النظام الحسي الذي نمتلكه والذي يقع ضمن دائرة نظام الذائقة التي نمتلكها، يحتاج الى اعادة نظر.

نعم الذائقة الحسية التي نمتلكها نحن، تحتاج الى صياغة جديدة، وذلك ليس بالأمر اليسير، لان ذلك يحتاج الى رسم مخطط جديد لمفردات البيئة، التي نعيش فيها، والإعلام يلعب دورا، والسياسة التي تقود هذا الاعلام، وارتباطات ذلك بمكونات البناء الاجتماعي والديني للدولة كذلك.

اذن نحتاج الى حصانة سلوكية، بها نبعد أنفسنا عن شرور ما يختبئ فيها؛ نصون هذه النفس من مخالب الطاغوت الذي يتربص بها كل يوم، ليجرجرها الى الهاوية.

 

عقيل العبود/ ساندياكو

 

 

في المثقف اليوم