أقلام ثقافية

تماثيل تولستوي في موسكو

diaa nafie2توفي ليف تولستوي عام 1910 عن عمر ناهز 82 سنة، وعمل النحّات الروسي ميركورف رأسا قناعا لوجهه كما يفعلون عادة عند وفاة الناس المشهورين، اذ كانت فكرة اقامة تمثال لتولستوي موجودة لدى هذا النحّات آنذاك، وفعلا بدأ ميركوروف بعمل التمثال المطلوب وانتهى منه بعد سنتين من العمل، واعلن أحد الاغنياء الموسكويين استعداده لاقامة ذلك التمثال على نفقته الخاصة في احدى ساحات موسكو، ولكن منظمة (اتحاد الشعب الروسي)، والتي كانوا يسمونها ب (جورنوسوتيني) اي (ذوي الرداء الاسود) اعلنت انها ستنسف هذا التمثال رأسا حال الانتهاء من تشييده، وذلك لان تولستوي كان (ضد الكنيسة الارثذوكسية الروسية وابتعد عنها وخرق تعاليمها !)، وهو موقف اتخذته الكنيسة الروسية آنذاك – كما هو معروف - من تولستوي نتيحة اجتهاداته الفلسفية (انظر مقالتنا بعنوان تولستوي فيلسوفا). وهكذا اتخذت السلطات المحلية لمدينة موسكو (الدوما) قرارا بالتحفظ على اقامة هذا التمثال نتيجة لذلك وتأجيله، خصوصا وان الوضع السياسي في روسيا كان قبيل الحرب العالمية الاولى متوترا بما فيه الكفاية، لكن بعد الحرب العالمية وثورة اكتوبر 1917 واعلان الدولة السوفيتية وبداية استقرار الوضع العام فيها،عادت روسيا الى فكرة تنفيذ هذا التمثال نفسه، وهكذا تم افتتاحه فعلا عام (1928) في موسكو (قرب البيت الذي عاش فيه تولستوي من 1882 الى 1901)، وهو اول تمثال يقام لتولستوي في روسيا بعد 18 سنة من تاريخ وفاته . يجسّد هذا التمثال تولستوي واقفا وهو يرتدي زي الفلاحين الروس ويضع كلتا يديه في حزامه، وهي وضعية موجودة في عدة صور مشهورة لتولستوي، بما فيها صورة فوتوغرافية معروفة له مع مكسيم غوركي (هذه اللقطة معروفة حتى للقراء العرب لانها منشورة في الكثير من المصادر العربية حول الادب الروسي) . بقي هذا التمثال الوحيد لتولستوي في موسكو الى عام 1956، اذ قرر ادباء اوكرانيا ان يقدموا لادباء موسكو هدية بمناسبة ذكرى مرور 300 سنة على وحدة اوكرانيا وروسيا، والهدية هذه هي تمثال لتولستوي امام بيت آل روستوف ابطال رواية الحرب والسلم، والذي وصفه تولستوي تفصيلا في روايته تلك . وهكذا ظهر في موسكو تمثال ضخم لتولستوي وهو جالس على كرسي وفي حالة تأمل عميق، ولا زال هذا التمثال قائما في موسكو، وهو التمثال الثاني له . في عام 1972، وكانت روسيا تحتفل بالذكرى 144 سنة على ميلاد تولستوي تم تدشين تمثال كبيرللكاتب في نفس مكان التمثال الاول بموسكو، اي قرب البيت الذي عاش به كما ذكرنا اعلاه، اما التمثال الاول له، فقد تم نقله الى باحة متحف تولستوي بموسكو . التمثال الثالث هذا يجسّد تولستوي وهو جالس على كرسي، والتمثال مصنوع من الكرانيت الرمادي الغامق، ويعد واحدا من ابدع النصب الموجودة في موسكو . وهكذا اصبح لتولستوي ثلاثة تماثيل كبيرة في موسكو، اضافة طبعا الى الكثير من التماثيل النصفية له في مؤسسات ثقافية مختلفة، مثل (دوم ليتيراتورف) (بيت الادباء)، وعدة جامعات ومكتبات عامة، وكل ذلك في موسكو فقط، اما في عموم روسيا، فحدّث ولا حرج، كما يقول تعبيرنا الطريف!

هكذا تكرّم الامم عباقرتها و مفكريها، و هكذا تحافظ على ذكراهم في مسيرتها اليوم وغدا والى الابد...

 

أ.د. ضياء نافع

 

 

في المثقف اليوم