أقلام ثقافية

مكابدة ثقافية

ali mohamadalyousifنص الكلمة التي القيتها في جلسة محاضرة بائسة لي كانت بعنوان (شيء عن التخلف الثقافي والمجتمعي) في ملتقى الكتاب بالموصل تاريخ 18/4/2018، الكلمة ادناه مع موضوع المحاضرة فتح علي كل ابواب المتخلفين والادعياء والنكرات الثقافية المناصبين العداء بالوراثة والفطرة والتطبع لكل ما يمت بصلة للثقافة وهي منهم براء حتى اني اخذت اكرر مع نفسي كالمعتوه مقولة المفكر الكبير عبد الله عبد الدائم، وقد كنت ثبتها في بداية المحاضرة يقول (هل يستطيع المثقف العربي الابداع وسط مجتمع متخلف؟ (ولم يقل اشباه مثقفين متخلفين)، وفي نفس المعنى يذكر الفيلسوف الانكليزي كولن ولسون (المجتمع يموت برأسه وليس بقدميه).

كان مقررا القاء محاضرة اخرى لي في الموصل، فتقدم مني المدير القائم على المنتدى واسدى لي النصيحة التالية: استاذ لا تكن استفزازيا في محاضرتك ومناقشاتك ومداخلاتك!! فقلت له معذرة استاذ لكن الثقافة الحقيقية هي استفزاز مطلوب، وليس مرضا مكروها يتوجب علينا الوقاية منه!!

غالبية مثقفينا وخاصة الاكاديميين منهم حملة (د. قبل الاسم) يلازمهم الجرح النرجسي حسب تعبير المفكر الراحل جورج طرابيشي، ويقعون في خطأ تطيّرهم انهم لا يفرقون بين شخصية الكاتب او المحاضر ومكانته الجامعية او المجتمعية، وبين افكاره المطروحة التي اصبحت ملكا صرفا للقاريء المتلقي، وان اي شخص يجرؤ على المساس بافكاره المنزهة عن الخطأ والتصويب والنقد ما هي الا انتقاص لمكانته العلمية الطاؤوسية، والطعن برأيه المنزّه المعصوم، وما على الاخرين الا ان يسلكوا سلوك الطلبة المؤدبين ويستمعوا ويتلقوا ولا يناقشوا ولا يعترضوا لان مناقشة الاستاذ قلة ادب واخلاق وتربية!!

نص كلمة الندوة

الحضور المحترمون اهلا ومرحبا بكم:

استميحكم عذرا ان تسمحو لي ان اجيز لنفسي قراءة بعض ما يجيش بذاكرتي من شجون ثقافية لازمتني طيلة اربعين عاما امضيتها بالكتابة والنشر والتاليف .... لاني اجد في تجربتي الثقافية، التي نحتها باضافري في صخرة المعاناة والالم، وما سببته لي من مكابدة نفسية شديدة طيلة سنين طويلة اجد ضرورة اطلاعكم على موجزها .اسمحو لي ايها الاحبة ان اوجز بسطور قليلة بعض شجوني الثقافية منذ بداية السبعينات والى يومنا هذا، وفي الوقت الذي اجّل واحترم رموزا ثقافية موصلية كبيرة مشهود لهم عطاؤهم ومكانتهم الثقافية الكبيرة، فهم قدوة لنا تحتذى، وامل لنا يرتجى، اجدني ملزما وضع النقاط على الحروف في مشهدنا الثقافي الموصلي .

اقول ايها الحضور الكرام من موقع كوني باحثا ومؤلفا وكاتبا موصليا، ولدت في محلة عبدو خوب بالموصل، وانهيت جميع مراحل دراستي فيها التي لا يطاوعني قلبي ولساني وصفها انها المدينة التي تدفن طاقات ابنائها، وتظلم مثقفيها الحقيقيين اصحاب الكفاءة والابداع الجاد ولا تذكرهم الا بالنعي والتأبين الخجول بعد مماتهم بعد ان ساهمت ركنهم بالظل واهمالهم في حياتهم.

اقول هل من المعقول والمنطقي ان اكون باحثا ومؤلفا في الفلسفة والفكر والثقافة، معروفا على المستوى العراقي والعربي في وقت لا يعرفني فيه اهلي في مدينتي الموصل؟، هل من المعقول والمقبول ان تحتفي بابحاثي وتحترم كتاباتي دور نشر عراقية ولبنانية واردنية، ومواقع ومجلات رصينة محكّمة مثل مجلة دراسات فلسفية في بيت الحكمة ومؤسسة مدارك المحكمة التي لا ينشر على صفحاتها الا اساتذة نخبة في مجال تخصصهم، ومجلة افكار الاردنية، ومجلة روافد الاماراتية، ودار الشؤون الثقافية ببغداد، وموقع المثقف العربي الرائد في سدني، وموقع فلسفة بالجزائر الذي طلب مني الموافقة على تدريس بعض ابحاثي بالفلسفة في المرحلتين الثانوية والجامعية، وكذلك موقع (كوّة) الفلسفي في المغرب الذي نشر لي العديد من البحوث والمقالات بكل حفاوة وتثمين.

اقول اليس من المفارقة الغريبة ان تتبنى هذه المنابرالثقافية خارج العراق الترحيب والاحتفاء بنتاجاتي الفكرية والثقافية، في حين يجنّد بعض مثقفي الموصل والثقافة منهم براء كل طاقتهم اللااخلاقية في محاربتي والنيل مني والتعتيم على منجزي الثقافي ومؤلفاتي، عناصر تناصبني العداء على الضلالة، لأني غير قابل للتدجين والانضواء تحت خيمة الايدلوجيات الرثّة التي عفا عليها الزمن واثبتت الايام ضحالتها وفشلها في التطبيق الميداني .عناصر تدعي الثقافة التي هي سلوك وتصرف حضاري قبل كل شيء لا يمتلكونه، تتلبسهم عقد الحقد والحسد والانانية من قمة رؤوسهم وحتى اخمص اقدامهم وتأكلهم الغيرة والشعور بالنقص وافلاسهم الثقافي .

السادة الحضور، الا تتفقون معي ان المشهد الثقافي الموصلي مشهد مفكك بائس متشظ تتجاذبه الاستقطابات الانانية والشللية الانتفاعية المتضخمة لديها نرجسية الذات المرضية في ادعاءات فارغة لا رصيد حقيقي لها في الواقع الثقافي او المجتمعي ؟!

فكيف يدعي مزيفو الثقافة وهم عاجزون التخلص من عيوبهم انهم نخبة ثقافية بمستطاعها خدمة مجتمع وهم اولى بالاصلاح قبل غيرهم، هؤلاء الادعياء يرون انفسهم انهم سدنة الثقافة الموصلية والاوصياء عليها ولا مكان لمثقف لا يخرج من تحت عبائتهم المهترئة، او من تحت مظلتّهم المخرومة، نجدهم يتسابقون في تسويق انفسهم ومريديهم فقط، ويتمّلقون اصحاب السلطة والنفوذ والجاه والاستظلال بفيء عطاياهم .

اننا ايها الاخوة الحضور نجد بعد نكبة الموصل الكارثية على يد الارهاب الداعشي، وما تعرض له اهلنا وعوائلنا ومجتمعنا الموصلي عموما من تدمير همجي غير مسبوق طال الارواح البريئة ويتّم الاطفال ورمّل النساء وهدّم البيوت واحرق الممتلكات في مأساة انسانية قل نظيرها عشناها وعاشها الموصليون معنا ولانزال نرزح تحت اثارها النفسية والمادية . كل ذلك يرتّب على كل موصلي مثقفا او غير مثقف وكلاّ من موقعه ومجال عمله وتخصصه ان يراجع نفسه باخلاص وامانة امام الله اولا ومع ضميره ثانيا، ويعاهد اهلنا في الموصل على انه سوف لن يدّخر جهدا من اجل موصل ناهضة باعادة الاعمار وتوفير الامان والتسامح وزرع الامل والفرح والجمال على وجوه اطفالنا وعوائلنا وسعادة اجيالنا.

اعرف جيدا ايها الاخوة ان ما ادعو له لايتحقق بكلمات مع بعض اناس جبلوا على كل ما هو زائف ونفاقي ودعّي كاذب، لكني في هذا المقام اكتفي بالدعوة وهي اضعف الايمان، ضرورة الكف عن المناكفات والعداوات والتحاسد والبغضاء المعلن منها والخفّي، بوجوب ترك المبدعين الحقيقيين يعملون في مسعاهم النبيل لخدمة الموصل واهلها وان لا يكونوا حجر عثرة امامهم، وعدم رميهم بسهام الحقد والضغينة والنيل من سمعتهم ومكانتهم، فالذي يعجزعن تقديم العطاء لمدينته وخدمة اهلها فلا اقل من ان لا يكون بركة آسنة امام من يريدعبورمسنقع العطالة والاعاقة، ليتمكن من تقديم امكاناته الثقافية وهو أهل لها .

ويعلم الجميع ان ساحة الموصل بعد الكارثة باتت مفتوحة في جميع الميادين امام كل صاحب مقدرة وامكانية ان يدلو بدلوه بما بنفع الناس والموصل الحبيبة، وان لا يفكر ايا كان بناء امجاد شخصية زائفة على حساب بخس الاخرين عطائهم وابداعهم . ومن غير تلاقي وتكامل جهودنا فسوف لن يعتبرنا تاريخ الموصل اكثر من ارقام في سجّل الوفيات، وادعوا ولا استثني نفسي ان جميع المثقفين الموصليين مطالبين الارتفاع بوعيهم الى مستوى المسؤولية ومستلزمات معالجة تركات الكارثة، واختم بمقولة الكاتب والفيلسوف الانكليزي برناردشو (ان اعظم المصلحين هم الذين بدأوا بانفسهم ) والذي لا يمكنه اصلاح نفسه لن يكون جديرا باصلاح غيره .

وشكرا لاصغائكم والسلام عليكم.

 

علي محمد اليوسف/الموصل

الموصل نيسان 2018

 

في المثقف اليوم