أقلام ثقافية

شعبان عبد الله: اعتذار

أمسكت بقلمي لا اعرف لماذا ولكن ربما تملكني شيطان الكلمة؟.

امام عيناي تنهمر ذكرياتي كالمطر المصحوب بالرعد والبرق،تارة اضحك ومرات عديدة تنتابني نوبة من الحزن لا اعرف لها سببا . وبدأت أتساءل هل سبب ذلك هو شعوري بالذنب ام القلق والخوف من ذلك المصير المحتوم الذي سألقاه بعد أن تغادر روحي جسدي؟.

واذا بعقلي وانا في هذا الشتات الفكري تسيطر عليه فكرة انني مدين باعتذار. وأتساءل وانا في حالة من الحيرة، في لحظة بين الأمل والرجاء من ناحية والخوف والقلق من الناحية الأخرى اعتذر لمن؟. وبلغة اخر من هو الي انا مدين له بالاعتذار؟.

هل هو الآخر سواء تجسد في شخص أو جماعة؟ هل هو العالم المحيط بي بكل ما يحوي من أشياء؟؟.

وإذا بي افيق من سكرتير للحظات وأجدني أقول لا ليس الآخر فهو أخذ مني وأعطاني، أراحني وأتعبني. حنَّ عليَّ وقسى. لذلك فالمعادلة متساوية لذا فأنا لست مدينا للآخر باعتذار. لمن إذا انا مدين بالاعتذار؟.

أدركت الإجابة نعم انا مدين لذاتي بهذا الاعتذار لما سببته لها من ألم ومشقة، من حيرة وقلق وخوف، جعلتها تقف حائرة بين الأمل واليأس، بين الحب والكراهية،بين الخوف والرجاء...الخ من هذه الثنائيات المتناقضة. لذا فإن حديثي موجه إلي ذاتي التي أشعر أنها فارقتني.

فيا ذاتي الغالية والقريبة مني والبعيدة عني اغفري لي خطيئتي في حقك ،تجاوزي تلك الجدران  التي جعلتك تقبعين بينها كسجين حكم عليه أن يقضي عقوبته في حبس انفرادي. اغفري لي تقصيري في حقك وجعلتك خادمة للآخرين وهم لا يستحقون ذلك، اصفحي عن تقصيري معكي في أدنى حقوقك وهو الحفاظ عليكي.

اعلم يقينا أنني مذنب في علاقتي معكِ فأغفري ذنبي وتجاوزي عن سقطاتي فأنت اكبر من أن تعامليني بالمثل. فأنا ملئ بالأثام والذنوب والأخطاء وأنت نقية طاهرة فهل لك أن تنتشليني من هذا المستنقع؟. ولكن كيف وأنا وأنت نعيش في قالب واحد تحيط به من كل الجوانب مغريات زائفة، آمال واهية، والحقيقة الوحيدة التي لا مفر منها أننا نعيش حالة من الخداع والمراوغة المتبادلة بيننا وبين هذا العالم الخارجي بكل مكوناته ومحتوياته.

يا معشوقتي اقبلي اعتذاري لأني جعلتك تحلمين بعالم مثالي وتعيشين واقعاً حيوانيا بكل ما تحوي الكلمة من معنى. جعلتك تأملين في كلمات جوفاء-حب، مساواة، عدالة، حرية، كرامة....الخ- وتعيشين نقيضها. وعدتك بعالم مملوء بالمحبة والسلام وألقيت بك في غيابات جب يعج بالكراهية والحكام. جعلتك تغوصين معي بين أغوار الأفكار والكلمات في عالم تحكمه العملات. بحثت معك عن انا واعية في عالم يحكمه الجهلاء. جعلتك حبيسة عالم مثالي وتعيشين عيشة الغرباء. وأنت لا ذنب لك إلا أنك سكنتي جسد وعقل انسان مهموم بالفكر. فسامحيني وتقبلي اعتذاري.

***

ا. د. شعبان عبد الله محمد

أستاذ الفلسفة بكلية الآداب بسوهاج

 

في المثقف اليوم