أقلام ثقافية

التينة الحمقاء وحبس العطاء

حشاني زغيديإن حاجتنا لإعادة دراسة الموروث الأدبي الحديث لبعض العمالقة من الأدباء حيث يعتبر المخزون الأدبي لهؤلاء القمم ثروة فكرية رائعة حملت دروسا قيمة وأحكاما وفوائد مستفادة من خبرة الحياة صاغوا تلك الفوائد في نظم شعري رائع ليتنا نستفيد منه.

وقفتنا اليوم مع الشاعر: إيليا أبو ماضي شاعر من مدرسة أدباء المهجر تغنى للطبيعة والجمال لا يخلو شعره من فائدة أو حكمة نستعرض معه بعض صور بخل العطاء وحبس النفع والخير، فالإنسان مجبول على فعل الخيرات فالناس شركاء في المصالح والمنافع .

تناول الشاعر ظاهرة حبس المنافع والعطاءات في قصة شجرة التينة الحمقاء، المستوحاة من وحي خياله ليقرب لأفهامنا ضرر البخل إذا تفشى في المجتمع ، إن التينة الحمقاء نموذج للإنسان الأناني بخيل العطاء . توحشت التينة الأنانية القاتلة، فأرادت حبس سجاياها وعطاياها عن المخلوقات ظنا منها أن الجمال والمواهب الذي خصت بها انفردت بها وحدها. هذا ظنها الخاطئ، فالحقيقة المغيبة عنها أن الحياة التي خلقها الله تمضي وتستمر ولو توقفت عن عطائها أو حسبت كل المزايا عن الخلق .

و قد جاءت قصيدة الشاعر في صورة رائعة نقف عندها نستلهم الفوائد المستخلصة منها .

وتينة غضة الأفنان باسقة               قالت لأترابها والصيف يحتضر

بئس القضاء الذي في الأرض أوجدني     عندي الجمال وغيري عنده النظر

لأحبسنَ على نفسي عوارفها             فلا يبين لها في غيرها اثر

كم ذا اكلَف نفسي فوق طاقتها           وليس لي بل لغيري الفيء والثمر

لذي الجناح وذي الأظفار بي وطر         وليس في العيش لي رأي ولا وطر

انَي مفصلة ظلي على جسدي           فلا يكون به طول ولا قصر

ولست مثمرة إلا على ثقة             ان ليس يطرقني طير ولا بشر

عاد الربيع الى الدنيا بموكبه           فازيًنت واكتست بالسندس الشجر

وظلت التينة الحمقاء عارية           كأنها وتد في الارض او حجر

ولم يطق صاحب البستان رؤيتها         فاجتثها فهوت في النار تستعر

من ليس يسخو بما تسخو الحياة به       فانه أحمق بالحرص ينتحر

إن المرء الخير مثل الشجرة الطيبة،التي ترسل كل خيراتها، فتعطي ثمارها وأزهارها وظلها بلا من ودون انتظار المقابل، هكذا فطر الله سبحانه وتعالى تلك الخلائق، خلقها لتعطي وتمد، تنفق في الليل والنهار، في السر والعلن، فهو مثل الشمعة التي تنير بأنوارها أشعة ذهبية، تحمل النور والضياء تحرق نفسها لتشع نورا على غيرها، هي هكذا دوما . وهكذا يجب أن يكون الاسان المكرم، يكون كأمثال تلك الكائنات، يجود بعطائه و بجهده ووقته وماله وفكره يبتغي بكل ذلك مرضاة الله سبحانه، يتلمس بذلك طريق الأجر والمثوبة طمعا في الجنة، عطاء لإسعاد الأهل والأقارب والمجتمع و يرتقي لإسعاد أمته بل لإسعاد الانسانية .

إن الدارس في السنة المطهرة يستلهم منها قيم العطاء في شتى دروب النفع، يكفي ان نقف عند هذا الحديث الجامع نستوحي منه الإشارات والدلالات الباعثة لمشروع يقظة اجتماعية في عالمنا المفكك الأوصال الممزق الأواصر، يكفي لهذه البشرية التائهة أن تقف عند هذه الروائع لتسعد، نقف عمدها الانسانية المحرومة لتتلمس طريق الخلاص . وقد لخص الحديث الجامع فضائل الأعمال التي يحبها الله لعباده الأخيار ليسعدوا في مواسم الخير قد أقبلت وقد أشرعت أبوابها للمقبلين على الخيرات ليعطي كلا من فضله ومواهبه.

أخرج الطبراني في الكبير وابن أبي الدنيا عز وجل عن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظاً، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل، كما يفسد الخل العسل. " والحديث حسنه الألباني -رحمه الله-

 

يقلم الأستاذ حشاني زغيدي

 

في المثقف اليوم