أقلام ثقافية

فنون اليوم رعد بلا مطر

كاظم شمهوداحد الفنانين الامريكيين الرواد عندما شاهد وعاش عصر التكنولوجيا وتطور وسائل الاعلام المرئية والسمعية والفضائية قال يمكن للفنان ان يشتهر من خلال 15 دقيقة، لكنه مات قبل ان يرى التطور الآخر الذي حصل من بعده وهو وسائل التواصل الاجتماعي السريعة التي احدثت ثورة غير مسبوقة في عالم الاتصال وهي تسبق في خبرها القنوات الفضائية والاذاعية والصحف الورقية والالكترونية؟ وبالتالي يمكن ان ينتقل خبر معرض الفنان او نشر اعماله الفنية خلال ثواني الى كل العالم ... ويمكن ان يستلم لايكات (اشارات الاعجاب) بالمآت خلال ثواني..؟ نعم في اعتقادي انها كارثة حقيقية ضاعت فيها الموازين؟.

احد علمائنا عندما راى عدد الحجاج الذي بلغ رقما قياسيا يعد بالآلاف او الملايين قال: (كثرة الضجيج وقلة الحجيج) ربما نحن نعيش اليوم كثرة الفنانين والرسامين والكتاب والمثقفين وكلها ترعد ويتعالى ضجيجها ولكنها بدون مطر اي بدون منتج مميز يستطيع ان يحرك المجتمع، فهم في وادي والمجتمع في وادي آخر ينهش فيه الفقر والتخلف والتحجر والتعصب .. احد الفنانين الاوربيين المعاصرين المعروفين قال : على المجتمع ان يصعد الى مستوى الفنان وليس على الفنان ان ينزل الى مستوى المجتمع ... ؟ وهو قول قابل للنقاش والرد ؟ نعم يمكن ان نحمله على وجين الاول ان يكون ذلك في مجتمعات راقية ومتحضرة ومتذوقة للفن، والثاني انه غير ممكن التطبيق في حالة مجتمعات يسودها التخلف والامية وبالتالي على الفنان ان يخاطب الناس على قدر عقولها ومستوى فهمها وذائقتها .

ينقل لنا صاحب كتاب معنى الفن عن نظرية – وردزورث – التي تتحدث عن الشعر والفن وتقول ان الفنان او الشاعر (انسان يتحدث الى الناس) وهنا اطلاق عام على كافة الناس، وهذا هو في نفس الوقت الوصف الكامل للفنان المثالي في نظر تولستوي حيث يقول ان الفن يجمع الناس على ما لديهم من مشاعر وعواطف مشتركة . ويسانده في ذلك الفيلسوف والكاتب الالمعي برناردشو بان الفن يعمل على الارتقاء باحاسيسنا وافكارنا الى مستوى عالي وقدرة كافية للتذوق والنقد .. ؟

قبل فترة ربما سنة شاهدت مجموعة من الرسامين العراقيين حملوا لوحاتهم وعرضوها في احد القرى الريفية حيث علقوها على حيطان البيوت الطينية ودعوا اهل القرية من الفلاحين لزيارة المعرض وقد كانت اللوحات تجريدية بحتة ؟ ربما هي اول تجربة من هذا اللون من العرض ؟ ولكن السؤال الذي يتبادر للجميع، ما هو الهدف والمنفعة من ذلك ؟ وهل ان الفلاح يتذوق ويفهم الفنون التجريدية ؟ ولهذا اعتقد ان التجربة غير موفقة وغير مدروسية وليس في محلها وان الهدف ربما الاعلام والنشر ؟

نحن اليوم نعيش عالم النشر والاعلام السريع الذي لا يكلف الرسام او الاديب شيئا يذكر غير خلق حساب في الفيس بوك او غيره ومن ثم عمل معرض هوائي يطير الى اقصى الارض بثواني، ثم تنهال عليه اشارات الاعجاب بالمئات واكثرها نفاقا ودجلا...؟

الثوابت والاهداف :

هناك قوانين ثابتة تتحكم في الفن في كل الازمنة ولكن الاهداف والاغراض تتغير حسب العصور والظروف الاجتماعية ومن هذه الثوابت هي التقنيات والوسائل المادية من فرشاة وقلم وقماش وورق وجدار واصباغ وغير ذلك وكلها تعتبر وسائل تعبير ونقل .. اما الاهداف فهي مختلفة تماما منها :

1 – احيانا يهدف الفن الى التعبير عن المظاهر الخارجية للاشياء، كما هو حاصل في المدرسة الواقعية .

2 – والهدف الآخر هو التعبير عن حقيقة الاشياء . وهو ما دأبت عليه الفنون الحديثة كالتجريدية والتكعيبية والبحث عن المضامين .

3 - والغرض الآخر هو التعبير عن المثل .و ساد هذا النوع من الفن المدرسة الكلاسيكية . ومدرسة اثينا .

4- واحيانا يستخدم الفن لغرض خلق نظام جديد للحقيقة وهو ما سعت اليه نظرية- الحداثة - والحداثة تعني التهديم ؟، نعم تهديم الاشياء تماما ثم خلق اشياء جديد ليس لها علاقة بالماضي ؟ وقد ذهبت اليه المدرسة الدادائية والمستقبلية ودعت الى حرق المتاحف والمكتبات وكل ما يتصل بالماضي والتاريخ .. ونتيجة لهذا التطرف ظهرت مدرسة اخرى اطلق عليها - ما بعد الحداثة - والتي تعتبر التراث واحترام هوية الامم من ثوابتها المحكمة ومفتاح لتطور وتقدم الانسان.

نيتشة والتراث:

ومن المحاسن ان نذكر شيئا عن احد اعمدت الفكر الانساني والذي اعتمد على التراث كمنطلق لفلسفته وفكره وهو الفيلسوف والمفكر الالماني نيتشة 1844 حيث الف كتاب (هكذا تكلم زرادشت) 1500 م - ويقع الكتاب في اربع مجلدات وكان نيتشة يعتقد ان الكتاب سيكون اعظم كتاب للبشرية.. وقد فهم البعض نيتشة خطاءا بانه ملحدا بقوله (موت الاله) وكان يقصد به الكنيسة التي اعتبرت نفسها ممثلة الاله على الارض حيث استغلت جهل الفقراء وبيعها لصكوك الغفران وحرق العلماء وتشييدها الكنائس الاسطورية العملاقة على حساب جوع الفقراء ... فكان يتوقع موت الاله الارضي ويخرج انسان آخر قوي جديد ..؟

1 – كلما ارتفعنا اكثر كلما بدونا اصغر لاولئك الذين لا يجيدون الطيران .

2 – لم يترك الاغنياء للفقراء شيئا سوى الله .

3 – لا صلاح لامة فسدت منابت اطفالها .

هذه المفاهيم نجدها في ثقافاتنا الشرقية (انما قلب الحدث كالارض الخالية ما القية فيها من شئ قبلته) فما جاع فقير الا بما متع به غني) ..

 

د. كاظم شمهود

 

في المثقف اليوم