أقلام ثقافية

الرّجال في عُيون النّساء

سوف عبيدإذا كان الغزل في الشّعر العربي قائما أغلبه على غزل الرّجال بالنّساء فإن بعض الأخبار الواردة في كتب التراث تؤكد على أن المرآة العربية في كل العصور قد عبّرت هي أيضا عن ولعها بالرّجل وتعلقها بصفات الكمال والجمال فيه.

فهذه أمّ أبان بنت عتبة بن ربيعة قد خطبها عمر بن خطاب بعد أن مات زوجها يزيد بن أبي سفيان فقالت عندئذ: إنه لا يدخل إلا عابسا ولا يخرج إلا عابسا، ثم خطبها الزّبير فقالت: يَدٌ له على السّوط ويَدٌ له على قروني وخطبها علي بن أبي طالب فقالت: ليس للنّساء فيه حظ، وخطبها طلحة فأجابت وتزوجته .

فما كان من علي بن أبي طالب إلا أن دخل عليها ذات يوم وقال لها: رددت منّا من رددت وتزوّجت ابن بنت الحضرمي؟

فقالت له: القضاء والقدررفقال عليّ: بل إنك تزوّجت أجملنا مرآة وأجودنا كفّا وأكثرنا خيرا على أهله.

وكأنه بذلك حدّد الصّفات المحبّبة في الرّجل لدى المرآة العربية

ويُروى كذلك أن أبا بكر كان قد مرّ في خلافته بطريق من طرق المدينة فسمع إحدى الجواري تنشد:

وعشقته من قبل قطع تمائمي

متمايسا مثل القضيب النّاعم

و كأن نور البدر سِنَةُ وجهه

ينمُو ويصعد في دبابة هاشم

وأنا التي لعب الغرام بقلبها

قُتلتْ في حُبّ محمد بن القاسم

فدقّ عليها الباب فخرجت إليه فقال:ويلك. أحُرّة أم مملوكة ؟ فقالت: مملوكة فبعث إلى مولاها واِشتراها منه وبعث بها إلى محمد بن القاسم بن جعفر بن أبي طالب وقال له: هؤلاء فتن الرجال ، فكم مات بهم كربم واتُّهِم بهنّ سليم

و هذه الواقعة التي نقلها أبو غسان المهدي تبيّن لنا مدى سماحة أبي بكر في مثل هذه المواقف التي تفضح فيها المرآة عواطفها.

و تُروى قصة أخرى عن امرأة من نساء المدينة أيضا، فقد عشقت فتًى من بني سليم يقال له نصر بن حجاج الذي كان أحسن أهل زمانه وجها حتى ضنيت من حبه ومن الوجد به حتى لهجت بذكره ذات ليلة قائلة:

هل من سبيل إلى الخمر فأشربها

أم هل سبيل إلى نصر بني حجاج 

فسمعها عمر بن الخطاب وهو مارّ بدارها عند غنائها لهذا البيت، فلما أصبح دعاه وقال له: لقد فتنت نساء المدينة يا اِبن حجاج فقال له: وأيّ ذنب لي في ذلك يا أمير المؤمنين؟

قال عمر: صدقتَ، الذنب لي أن تركتك في دار الهجرة .

ثم أركبه جملا وسيّره إلى البصرة فكتب نصر بن حجاج إليه قائلا:

ظننت بي الظن الذي ليس بعده

بقاء ما لي في الندى كلام

وأصبحت منفيا على غير ريبة

وقد كان لي بالمَكّتيْن مقام

سيمنعني مما تظنّ تكرّمي

وآباءُ صِدق سالفون كرام

فلما بلغ هذا الشعر عمر بن الخطاب لم يأذن له بالعودة إلى المدينة

وأقطعه أرضا ودارا بالبصرة .

نلاحظ بعد ذلك أن المجتمع العربي في المدن والأمصار قد تحوّل عن قيمه القديمة بسبب الخيرات التي وزدت من الفتوحات فأصبح السّلم الاِجتماعي يقوم على ركائز أخرى غير الفتوة والنسب وبدأت قيم جديدة منها المال

والثراء يحسب لها الحساب في مكانة الرجل وحظوته لدى المرآة . 

فعندما مرّ رجل من بني سعد بحيّ من أحياء العرب لمح فتاة بارعة الحسن فخطبها فسألت عن حرفته وما له قال لها شعرا:

وسائلةٍ ما حرفتي قلت حرفتي

مقارعة الأبطال في كل شارق

إذا عرضت خيل لخيل رأتني

أمام رعيل الخيل أحمي حقائقي

فما كان من الفتاة إلا أن كتبت إليه قائلة:

ألا إنما أبغي جوادا بماله

كريما محياه كثير الحدائق

فتًى همُّه مُذْ كان خُودًا خريدةً

يعانقها في اللّيل فوق النّمارق

فشتّان بين صورة فتى الأحلام لدى هذه الفتاة المنعّمة وبين هذا الفارس الذي فات أوانه في ذلك العصر.

ففي تاريخ الدب العربي ثمّة أخبار عديدة تثبت أن المرأة العربية قد أمكن لها في الكثير من المناسبات أن تعبّر عن رأيها في اِختيار زوجها حسب ذوقها الخاص مثل المرأة التي تقدم لخطبتها شيخ وكهل وشابّ فقالت مبيّنة قرارها:

أيا ربّ لا تجعل شبابي وبَهجتي

لشيخ يعنّيني ولا لغُلام

و لكن لكهل قد علا الشّّيب رأسه

فَرُوج لأحراج النّساء حُسام

فقد اختارت هذه المرآة الرّجل الكهل الذي جرّب أمور الحياة والذي قد لاح الشيب عليه فهو كالحسام مضاء وعزما .

وبعد:

فهل يمكن القول إن الغزل هو من نصيب الرّجال في النساء فقط ؟؟

 

بقلم سُوف عبيد

https://www.soufabid.com/

 

 

في المثقف اليوم