أقلام ثقافية

وصيّة حمار

عصمت نصاردَرَجَ كبار المصلحيين والأنبياء والأولياء والحكماء والفلاسفة كتابة خلاصة دعواتهم ورسالتهم وفلسفتهم، وما كان يأملون فيه، وما يرجون تحققه من خلفهم، وذلك في صورة وصية مكتوبة أو شفهية تحمل بين طياتها الكثير من الحكم والمواعظ والتحذيرات من ارتكاب بعض الأفعال أو الانصياع والميل إلى ما يناقض جوهر دعوتهم.

غير أن هذه المرة نجد "الحمار" هو الذي يكتب وصية يعظ ويحذر فيها! ولا ينبعي علينا أن نتعجب؛ وذلك لأن حمارنا هو أشهر حمار في تاريخ الحواديت والحكايات، فهو "حمار جحا" الذي طالما أكد في مواقفه من أحداث الواقع، أنه ليس ذلك الموجود الغبي الذي لا يعي إلا طعامه وشرابه، ولا يسمع إلا لأوامر صاحبه، أو من يركبه.

وكان يرى نفسه أذكى بني جنسه، بل يفوق الإنسان أحياناً في تقديره للأمور. وأن كل ما كتب عنه من أخبار محض كذب وافتراء، وتجاهلاً لمقامه وقدره.

وذات يوم أرسل الحمار لجحا خطاباً يطلب فيه قبول استقالته من وظيفة المستشار الخاص بجحا، مبرراً ذلك بعدة أسباب.

أولها : أنه ضاق من أفعال الناس المحيطين به، فرضى أن يعتزلهم.

وثانيها : أن معظم مآربه وتوصياته لا تتحقق بحجة أن المسؤولين لا يفهمونها.

وثالثها : تمادي الحمقى من البشر في السخرية منه والتهكم عليه.

ثم ذيل خطابه بأن الأمر الوحيد الذي يجعل العودة في هذه الاستقالة هو عقد مؤتمراً كبيراً من ذوي المكانة والمقام في شتى المعارف للإشادة بمناقبه والاعتراف بفضله وإحصاء مكارمه في سائر الحضارات. وأخيراً حفظ وصيته في مكان أمين لقراءتها بعد وفاته والعمل بكل ما جاء فيها.

ولمّا كان "جحا" أحرص الناس على وجود الحمار بجانبه استقبل خطابه بصدر رحب، وأخذ من فوره يعد خطابات الدعوة لإرسالها إلى المؤرخين ورجال الدين والأدباء والشعراء والفلاسفة والساسة بعقد حفلاً كبيراً على شرف حماره المفتري عليه؛ وذلك لاسترضائه والتعبير له عن تقديرهم لأعماله واحترامهم لمواقفه، وامتنانهم لحسن أخلاقه وطباعه.

وسوف نواليكم بالأحداث خلال الشهر الكريم، وذلك في حكايتنا المسموعة ذات القوافي المصنوعة.

 

بقلم : د. عصمت نصار

 

في المثقف اليوم