أقلام ثقافية

مسلسل النهاية (2)

اميرة مصطفى محموديواصل المسلسل نفس الرتم النشط والعرض المكثف، للأحداث والنقلات ما بين الحكايات والشخصيات بشكل متلاحق ولا ينقصه الربط والترابط في نفس الوقت. فأن تكون بمواجهة مشاهد كثيفة بغير تطويل أو تكرار في الحوار، تفهم من ذلك بديهيا أنك بمواجهة وجبة درامية ثرية دسمة متخمة بالتفاصيل على عكس ما قد تواجهه من تطويل بغير فائدة أو إضافة في أعمال أخرى فقيرة المحتوى.

 فالمخرج ينقلك بكاميراته ما بين القصص ومسارح الأحداث لكنك بنفس الوقت لا تشعر بالإنفصال أو تفقد الصلة ما بين القصص لأنها جميعها مترتبة بعضها على بعض ومتصلة بشكل ما. فما تواجهه زوجة البطل زين في مجالها الوظيفي من محاولات لرشوتها واستغلالها ومن ثم موقفها النزيه الشريف، يترتب عليه صرف أنظار الجهة المستفيدة، عنها، إلى زوجها مهندس الطاقة، كوسيلة للضغط عليها. وذلك الزوج الطموح المتمرد المخالف للسياسات المفروضة والمليء بالثغرات وفقا لقوانينهم، بدوره يصبح صيدا ثمينا تطارده الجهة المستغلة، لهدفها المعلَن المفهوم مسبقا، في حين يمارس هو ببساطة وتلقائية دور الطريد لإدراكه لمخالفاته للسياسات الموضوعة، ويتزامن كل ذلك في حين أنه بنفس الوقت يمثل محورا أساسيا لقصة أخرى موازية قائمة على تخليق روبوت صورة طبق الأصل منه!

فمن الواضح حتى الآن أن العمل لا يعتمد سياسة الغموض وإخفاء أو تأجيل التفاصيل والحبكات بغرض التشويق وإجبار المشاهد على المتابعة لمعرفة السر الخفي أو القطعة الناقصة اللازمة لربط الأحداث وفهم سير المَشاهد، وذلك لأن الإثارة متوفرة بالفعل، رغم وضوح القصص والتفاصيل، ولكنها إثارة كامنة في الأحداث نفسها بما تعرضه من خطر ومطاردة ونشاطات سرية محظورة.. ولا يعني ذلك بالطبع التقليل أو التحقير من أسلوب الغموض، بالعكس وإنما لكل قصة أو عمل درامي، أدواته وظروفه الخاصة.

يبرز مشهد متميز جدا وفاصل، ضمن مشاهد الحلقة، ما بين عزيز صاحب الورشة والفتاة التي قامت بدورها الفنانة سهر الصايغ، في بيتها، والتي تألقت بدورها في المعايشة والتعبير عن انفعالات الشخصية. وكان أبرز تلك التعبيرات هو لحظة أن جرحت عنقها بأداة حادة مهددة بقتل نفسها فكانت بانخطافة روحها التي تجلت على ملامحها وعينيها لحظتذاك من أصدق ما يكون!

ويبرز لنا الحوار الذي جرى بينها وبين عزيز حينذاك أن الإنسان يظل يسافر ويقفز ما بين مستقبل وآخر وعصر وغيره ولكنه لا يتجرد أبدا من معاناته! وكان من أكثر العبارات المؤثرة التي قالتها في دفاعها وإصرارها على تصنيع الروبوت شبيه حبيبها، ما قالته عن كونها تريد ذلك الكائن الآلي بالذات لأنه لن يخونها كما البشر أو يتخلى عنها ولن يكف عن حبها أو يتركها لأي سبب.

لكن ثمة بعض النواحي التي ربما قد تؤخذ على العمل إن كانت غير مبررة من جانب الإخراج أو التأليف!

فمن المفهوم أن لا يخلو هكذا عصر من أماكن مهملة متواضعة التأثيث والديكور كملجأ الأطفال مثلا، لكن أن يكون مقر جهة أمنية كالذي يظهر منه مؤنس، متواضع المنظر إلى حد كبير، من داخل مركبته الطائرة عالية التقنية والتي تفتقر بذات الوقت إلى الفخامة ومظاهر الترف والبذخ التي لم تكن تخلو منها طائرة رئاسية أو خاصة من طائرات قرن سابق لهم، فذلك غير مفهوم!

أيضا ثمة مشهد بالملجأ حين يهلع المسؤل عنه لشعوره المريع بالمراقبة ويأمر الأطفال بإخفاء كل ما لديهم من كتب أو ورق أو أقلام وغيرها من أشياء قد تشي بأن ثمة جريمة تعليم، مخالفة للقوانين، تحدث. وبدورها تهرع الصبية إلى حاسوب على الأرجح لتمحو منه الدروس أو ما شابه. فكيف إذن كان سمح لها مسؤول الملجأ باستخدام الحاسوب لأغراض تعليمية أو دراسية، وكيف نصدق أن بضغطة منها يمكنها إخفاء ما كان يحويه من مواد؟! أوليس مفترضا أن هكذا عصر بهكذا تقنية وهكذا سياسات قمعية وأجهزة تتبع ومراقبة طائرة حديثة منتشرة، أن تكون فيه أجهزة الحواسيب جميعها تعمل تحت نظام مراقبة أشمل وأدق وصعب التمويه!

ومن جهة أخرى يبدو أن مشكلات السهو أو ربما التداخل، لن يكف عنها مساعدو الإخراج على ما أظن. فكثيرا ما تبرز بعض الأخطاء بسهولة للمشاهدين سواء في السينما أو الشاشة الصغيرة على شاكلة أن يحدث تغير غير منطقي أو تبديل في أزياء أو إكسسوارات الممثلين، الأمر الذي تعرض له هذا العمل في أحد المشاهد التي كان يسير فيها البطل زين في طريقه إلى الملجأ بينما كان مرتديا تي شيرت معلقا حقيبة على كتفه بطريقة الورب، في حين أنه كان مستئنفا سيره بمشهد لاحق وإنما بغير الحقيبة وعوضا عنها ظهر مرتديا جاكيت خفيفا فوق ثيابه!

كما كان هناك موقفا غير منطقي قام به ذاك المسؤول عن أطفال الملجأ حين حثهم على الهرب بينما رفض هو أن يهرب معهم ولا نفهم ما هي البطولة في بقائه ولماذا رفض النجاة بنفسه مع الأطفال بدل أن يواجه مصيرا حتميا كان يعلمه!

وبشكل عام فالحلقة كانت مليئة بالأحداث والإثارة ونتوقع المزيد من الإثارة على مدار الحلقات القادمة.

 

أميرة مصطفى محمود

 

في المثقف اليوم