أقلام ثقافية

مسلسل النهاية (5)

اميرة مصطفى محمودباديء ذي بدء، ظهور رائع متميز للنجمة سوسن بدر وإن كانت طلتها بحد ذاتها بأي عمل فني، كفيلة بأن تضمن للمُشاهد سلفا مشاهدة ممتعة وعملا فنيا قيما، إلا إنها بالإضافة إلى ذلك قد برعت بداية من لحظة انفتح الباب لتظهر منه بهيئة مميزة وطلة لا يمكنها غير أن تسجل بصمة فورية للحضور.

تخرج علينا بهيئة شخصية عليا ذات وضع وكلمة مسموعة، وبنفس الوقت على ما يبدو، اليد اليمنى للشخصية الأعلى والأكبر. وتتألق بحركتها ومشيتها وأسلوب كلامها، في دمج الهيبة والوقار بالتبسط واللطف.

بحوار علمي معقد وبسيط، وبلا مقدمات، كانت خاضت مباشرة وبلطف في صلب الموضوع والهدف، مع البطل زين بشكل لم يكن فظا أو فجا. وكان الحوار انسيابيا منطقيا ومباشرا ومقنعا وكان من أبرع العبارت التي قيلت فيه على لسانها أو لسان شيرا وأكثرها إقناعا للبطل ما معناها، أن لا تدع زوجتك وابنك يقفان عائقا في طريقك بل اجعلهما سببا لمواصلته.

وجدير بالملاحظة التحول أو النقلة التي حدثت في نبرتها الهادئة ولهجتها الودودة، فجأة، حين رأت إصرار زين على موقفه بخصوص زوجته وابنه في نهاية حوارهما، وهنالك تغيرت نظرتها وارتفعت نبرتها وتبدلت لهجتها لتتلون بالحدة إلى حد ما والصرامة تزامنا مع رفعة تلقائية لرأسها تعكس موقفا مغايرا حازما، فكان أداءً متقنا جدا. وإذا بالحوار يحيد عن مساره الإقناعي، إلى لحظة فاصلة حازمة ترمي فيها الكرة في ملعب زين وتنتزع منه القرار المنشود بطريقة سحرية وبِحُر إرادته!

أما عن مواصفات الرجل المجهول أو الرجل الأعلى فكانت منطقية ومناسبة جدا كونه مثير للغموض ومتعدد اللغات ومجهول الأصل والجنسية ويبدو ذلك متماشيا مع أساس الفكرة والعالم الجديد الذي انقلبت فيه موازين الهيمنة والسيطرة ولم تعد بعد من الثوابت!

ثم تطل علينا النجمة سوسن بدر قبالة شاشة لتقابل إقرار زين المسموع، بابتسامة رزينة ونظرة الرضا، ثم تختفي من الحلقة ونأمل لو أن لها طلة جديدة بحلقة أخرى!

وتكشف لنا المشاهد مفاجأة جديدة وهي أن رضوى التي يحادثها زين عبر شاشة ما هي إلا سوفت وير. وعلى الرغم من أن ذلك الإجراء يبدو احترازيا أمنيا اعتياديا، إلا أنه للوهلة الأولى يومض بشكٍ محتمل ربما قد يتحقق لاحقا، في مصداقية تلك الجهة وحقيقة أهدافهم!

 ويبرع المؤلف في إتقان حبكته ليربط خيوط كل القصص في عقدة واحدة. فيعطي الأمن الحجة والتهمة التي يقبض بها على زين البديل، ليستغله لصالحه، وبنفس الوقت يتفاقم الوضع وينكشف أمر العلاقة السرية المنسوبة إلى زين البطل طبعا وبالتالي يضع جميع الأطراف في مأزق وتوتر نتوقع منه تصاعد سريع في مجريات الأحداث.

ويخرج علينا الفنان أحمد وفيق بأداء الشرير الهاديء المسيطر وزاد عليه المرِح في هذه الحلقة. ثم تبرز لنا بأحد المشاهد ما بينه وبين قائده الفنان زكي فطين عبد الوهاب، فجوة كبيرة في حوارهما عقب القبض على زين الروبوت. كان الأخير لا يعنيه سوى حصة المحصول فقط بينما الأول يعنيه الإختراق الأمني ويريد أن يكشف سره. فكان تصرف قائده مريبا مثيرا للشك والغرابة أو ربما كان لا أكثر من سوء تصرف وافتقار للحنكة، وعلى أي حال فأوامر أو سياسة القائد تلك وإن كانت واقعية إلى حد كبير بالنسبة إلى زماننا وأزمان غابرة أخرى، إلا أنها بالنسبة إلى العمل ربما تحمل مفاجأة غير متوقعة فيما بعد! 

أما عن أحد أفراد العصابة الذي كان تم الإمساك به في أثناء المطاردة فكان ضروريا من أجل الحبكة إذ قل لعب دورا هاما في وعي زين الروبوت وجعله قادرا أن يتخطى احتكاكه الحواري بمؤنس دون إثارة الشك به. وإن كان لي تحفظ آخر على صياغة عبارات حوارهما حول مفهموم الكذب وإدراجه بوعي زين الروبوت وفيما عدا ذلك فكان حوارا متقنا مناسبا خادما للغرض. وبناء على ذلك الحوار استطاع الروبوت أن يجتاز لقاءه بمؤنس بحوار ناجح تلقائي ومقبول وزاد عليها خفة ظل وفكاهة عفوية رائعة حين عرض مؤنس عليه أن يتقابلا بموعد ومكان مناسبين فرد عليه الروبوت بعفوية ظريفة صريحة قائلا: "عشان نخالف القانون!"

ومن ضمن المشاهد الرائعة ذاك الذي جرى ما بين رضوى ومؤنس في مكتبه وكان حوارهما مكتوبا بشكل انسيابي رائع بما فيه من عبارات التشفي أو التضليل والخداع والمكاشفة والضغط وصولا إلى تحقيق الهدف المنشود وإحداث الوقيعة ما بين رضوى وزوجها.

واختتم المخرج حلقته أخيرا بمشهد شائك وبالأحرى قنبلة موقوتة.

 

أميرة مصطفى محمود

 

في المثقف اليوم