أقلام ثقافية

الموسيقى وغايات الشعر

يسري عبد الغنيوالحق يقال إن الموسيقى أدت أدواراً متعددة في خدمة أهداف وغايات الشعر كفن من الفنون الجميلة، فقد أصبحت إيقاعات الألفاظ مادة أساسية في الرمز يعبر بها الشعراء عن خلجات أنفسهم تعبيراً يقصد به إلى الإيماء بنفس الرنين والنغم .

وكأنهم يريدون أن تكون موسيقى الشعر، موسيقى تعبيرية (تصويرية ) تنقل أحوالهم الوجدانية، وخواطرهم النفسية نقلاً موجزاً، وكأنهم قد عرفوا معرفة تامة مدى تأثير النغم الجميل في السامع، فهم يوقرونه في حرص شديد .

وكأننا لا نستمع إلى ألفاظ فحسب، وإنما نستمع أيضاً إلى موسيقى ينتظم فيها الإيقاع إلى أقصى حد ممكن .

ولم يقتصر أجدادنا على تضمين شعرهم فن الموسيقى، وإتقانها فيه إلى هذه الدرجة الرائعة بل تغنوا به، وصقلوه عن طريق الغناء، حتى صار فناً غنائياً .

ولا غرابة في ذلك فإن الموسيقى من مقدمات الغناء ودواعيه في التغني بالشعر إتماماً للمتعة الفنية، وتتميماً للوحدة الجمالية فيه .

ولذلك نجد الشاعر المخضرم / حسان بن ثابت (رضي الله عنه) يوصي الشعراء بالتغني بالشعر، لأن الغناء يصقله، ويجوده .

يقول حسان:

[تغن بالشعر! ما كنت قائله

إن الغناء لهذا الشعر مضمار]

وعن طريق الغناء ضمن الشعراء لشعرهم كثيراً من القيم الجمالية الغنية التأثير، وأشربوه ماء السحر أو فلنقل ماء الفن الجميل المؤثر، وغذوه روح الجمال، وبذلك ثقف العرب شعرهم بالغناء، وأقاموه على أصول موسيقية، فكان من نتيجة ذلك أن صار من بين الفنون الجميلة .

ندرك ذلك جيداً عندما نشدوا أو نتغنى بقول الشاعر الفارس / أبي فراس الحمداني، وهو في الأسر يناجي حمامة، فيقول:

[أقول وقد ناحت بقربي حمامة

أيا جارتاً لو تعلمين بحالــي

معاذ الهوى ما ذقت طارقة النوى

ولا خطرت منك الهموم ببـال

أيا جارتاً ما أنصف الدهر بيننا

تعالي أقاسمك الهموم تعالــي

تعالي تري روحاً لدي ضعيفة

تردد في جسم يعذب بالـــي

أيضحك مأسور وتبكي طليقة

ويسكت محزون ويندب سال؟ !

لقد كنت أولى منك بالدمع مقلة

ولكن دمعي في الحوادث غال.]

وبعد ذلك، أظنك معي ـ أيها القارئ المفضال ـ في أن هذا الشعر رق حتى ليكاد يذهل الإنسان عن نفسه فلا يتنبه إلا وهو يضرب على هذا الوتر الحنون الذي يعزف عليه الشاعر الفارس / أبو فراس الحمداني، بنغمة الحزين

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

في المثقف اليوم