أقلام ثقافية

الواثق بالله الخليفة المريض!!

صادق السامرائيالواثق بالله (196 - 232) ثالث خليفة عباسي في سامراء، وهو إبن المعتصم من جارية رومية أم ولد إسمها قراطيس، تولى الخلافة (227 - 232) بعهد من أبيه، ووجد نفسه محاطا بالأتراك الذين تكاثروا وتمكنوا من الدولة، فاستخلف على السلطة (إشناس التركي).

وقد وصلت محنة خلق القرآن ذروتها في زمانه، حتى أفحمه وفنده (الأذرمي) فكف عنها قبل موته.

قال إبن أبي الدنيا: "كان الواثق أبيض، تعلوه صفرة"

وقال يزيد المهلبي: " كان الواثق كثير الأكل جدا"

"كانت علته الإستسقاء وأدخل في تنور مسجر فلقي خفة، ثم عاودوه في اليوم الثاني أكثر من الأول، فأُخرجَ في محفة (سرير له ذراعان من كل ناحية أو كما نسميه "سَدْيَه") فمات فيها ولم يشعروا به".

أي تركوه في ما يشبه (الصونا)، وعانى من قلة الأوكسجين وصعوبة التنفس فمات مختنقا. ويوجد ما لا يتفق وما يُروى عن موته بأنه قال كذا وكذا وأبى ان يوصي بولاية العهد، وهذه تبدو أكاذيبا ملفقة، فالرجل  مات في (التنور المُسجَّر)، وأخرج منه جثة هامدة.

الواثق ما أوصى بالخلافة من بعده، فاجتمع القادة والوزراء واختاروا المتوكل.

يبدو أن الواثق كان بدينا، لفرط الأكل، وربما يكون مصابا بالسكر، أما داء الإستسقاء الذي كان يعاني منه، فهو تجمع الماء في البطن، وقد يترافق مع تورم في الأطراف، وأهم أسبابه ما يصيب الكبد من أضرار (تليف أو تشمع)، والذي يضغط على الأوردة الجالبة للدم، فيتسبب بنضح السوائل منها،  وهذا يؤدي إلى تجمعها في البطن، ومضاعفتها، كصعوبة التنفس والآلام والضغط على الأحشاء الداخلية.

وأعراض الإستسقاء : إنتفاخ البطن، زيادة الوزن، الشعور بالإمتلاء والإنتفاخ والثقل، غثيان وتقيؤ، تورم في الساقين، صعوبة بالتنفس، والإصابة بالدوالي الشرجية (البواسير).

ومن المعروف أن الإسراف بشرب الخمر يتسبب بأضرار فادحة في الكبد، وهو من أهم أسباب تليفه (تتحول خلايا الكبد إلى أشبه بالكتل الليفية بعد موتها).

فهل كان الواثق مسرفا في الشرب؟!

مما يذكر عنه أنه كان يحب الغناء والموسيقى ولديه ندماءه، لكن الكتب لا تشير إلى شربه للخمر، لكن حالته الصحية تشير إلى أنه كان من المسرفين بشرب الخمر، كما وصفوه بأنه تعلوه صفرة، ربما تشير إلى أنه كان يعاني من مرض الكبد منذ زمن، وهذه الصفرة من علامات اليرقان، التي شملت لون بياض عينيه أيضا.

أو ربما كان يعاني من مرض وراثي بالكبد، لكن لا يوجد ما يشير إلى أنه مريض في طفولته وصباه، أو أنه ولد عليلا، بل كان في تمام قدراته العقلية والبدنية، ولهذا عهد إليه المعتصم بولاية العهد.

وكأنه قد أمضى معظم فترة خلافته مريضا، وربما تكون نسبة (اليوريا) في دمه قد تعاظمت، وشوشت تفكيره، فهو صاحب قرارات خالية من الحكمة والقدرة الواعية على التقدير والتقييم، ويتميز بإنفعالية وإندفاعية غير مبررة (كما في قصة قتله للخزاعي).

ومن أسباب تليف الكبد: الإدمان على الكحول، إلتهابات الكبد الفايروسية، تجمع الدهون في الكبد، تجمع الحديد بالجسم، التليف التكيسي، تجمع النحاس بالكبد، تشوهات خلقية في قنوات الصفراء، إضطرابات أيضية لها علاقة بالسكر، السفلس والبروسلوسز، وغيرها.

في موضوع الواثق بالله يمكن الإشارة إلى الكحول، فربما كان مدمنا على الخمر، رغم عدم وجود ما يؤكد ذلك في المدونات، او أنه كان مصابا بإلتهابات كبدية فايروسية، وهذا يعني أنه قد نقلها للعديد من الجواري، وهنَّ قد نقلنها لغيره، فلا بد أن يكون هناك مصابين مثله في حاشيته وغيرهم، وهذا لم يًذكر في الكتب.

أما عن تجمع العناصر في الكبد كالحديد والنحاس، فربما يكون لهما دور لأن الأواني المستعملة مصتوعة منهما، ولا يمكن أن ينفرد هو لوحده بالإصابة دون غيره لأن الجميع يأكل بأواني حديدية أو نحاسية.

أما بخصوص التليف التكيسي فهذا لا يشمل الكبد لوحده بل أعضاء أخرى بالجسم كالكلية، ولا توجد معلومات تشير إلى أنه كان يعاني من أعراض أخرى.

أما الإصابة بالسفلس والبروسلوسز، فلا توجد أعراض مدونة تشير لهذين المرضين، ولو أن إحتمالات الإصابة بالسفلس عالية بسبب التفاعلات الجنسية المتعددة.

وتبقى بعض الأمراض الوراثية النادرة، لكنها لم تظهر بغيره من أبناء المتوكل، ولو أنهم من جواري متعددات، فقد تكون أمه تحمل مرضا وراثيا، وهي أم ولد قبله.

والمرجح أنه كان مدمنا على الخمر مبكرا، فأصيب بتليف الكبد، ومضاعفاته الدالة على أنه كان يعاني منه منذ وقت، فوصل إلى أشد مصاعفاته في هذا العمر، وكما تقدم كان يوصف بصفرة البشرة، مما يعني أن مادة البليروبين كانت عالية في دمه، وأن أضرار الكبد مزمنة ومتقدمة.

والعجيب في الأمر لا يوجد ما يشير إلى تداخلات علاجية ووصف لحالته من قبل أطبائه.

فهل كانوا يتكتمون، ولا يريدون إظهاره للناس على حقيقته، بل كما يجب على الخليفة أن يُرى، وتكون صورته في الوعي الجمعي؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم