أقلام ثقافية

صادق السامرائي: المنقول ومحنة العقول!!

صادق السامرائيما كل منقول معقول، بل ربما منحول، ومن الإفتراءات الشائعة، والأضالييل الذائعة أو الأساطير والخطايات المتداولة، التي رسخها التكرار المرير بين الأجيال، في زمنٍ ما كان للتدوين مقام.

فالتدوين بدأت معالمه تتجسد بوضوح في أواخر العصر الأموي، وبلغت ذروتها في العصر العباسي، وتواصل بعد ذلك في حواضر متعددة وفي مقدمتها الأندلس.

ومن ثم مرّت الأمة برقدة النسيان، وفي القرن التاسع عشر، أوجدت إصلاحيين وتنويرين وعقلانيين بذلوا الجهود، لبعث إرادتها وصقل جوهرها.

لكن الواقع المعرفي والتنويري توجهت نحوه أدوات التدمير والتغيير المتخندقة بما تراه دينا، وعلى رأسها الأحزاب المؤدينة، التي إنطلقت في مصر عام (1928)، تطالب بعودة الخلافة، ورفعت رايات الإسلام هو الحل، وإن المسلم أفضل من الآخرين لأنه مسلم وحسب،  أما تفاعله العلمي والمعرفي مع مكانه وزمانه فيُعد بدَعا مناهضة للدين، وكأن الدنيا خالية من الأديان ولا دين فيها إلا الإسلام.

وبعد ذلك عمَّ الثبور بإنشاء الأحزاب الأخرى، التي عليها أن تتفاعل مع الأحزاب الدينية، فإنشغلت الأجيال بصراعات خسرانية مريرة وقاسية تعطلَ فيها العقل، وإنطلق مبدأ السمع والطاعة من جديد، وتأكد الإستبداد والطغيان للإمعان بإستعباد وإذلال الإنسان.

وبسبب ما نجم عن ذلك من معطيات، أصبح العقل محارَبا والنقل معززا ومؤزرا بإرادة  الكراسي، وما حولها  من الذين يتاجرون بالدين، الذي تحوّل  إلى مطية للكراسي، فكلما أرادوا تمرير آثمة إتكلوا على  الدين، ورفعوا راياته  وهم من ألد اعدائه.

وتجدنا في محنة تحرير العقل من قبضة النقل، وأفاعيل الإمتهان  والعدوان، والعقل يريد والنقل مديد، وأعداء العقل  يتكاثرون ويتفاخرون بالقضاء على أعلام الأنوار المعرفية في أرجاء الأمة.

فالعقول مُهانة، مُشرّدة، مُهجّرة، ومنكودة في أوطانها، لأنها لا تخدم الإستبداد، وتريد للإنسان أن يفكر ويسخر عقله لبناء حاضره ومستقبله، وسوط التسلط والطغيان الشديد فاعل في المجتمعات.

وهذه العلة القاهرة المريرة ليست جديدة، وقد عانى منها، إبن رشد وأمثاله في القرن الثاني عشر، وتعرض لعدوان سافر فأحرقت كتبه وأبعد عن الحياة وأهين بشدة.

والكثيرون قبله وبعده أصابهم ما أصابهم لأنهم، أرادوا إعمال العقل وتفعيل المنطق، فداهمتهم وحوش النقل وأساطين السمع والطاعة فأجهزت عليهم .

واليوم نقف أمام ذات الحالة، التي يُراد للنقل فيها أن يترسخ ويفوز في عصر الأنوار المعرفية الساطعة. فهل من عقل ثائر جريئ؟!!

 

د. صادق السامرائي

10\8\2021

في المثقف اليوم