أقلام ثقافية

محمود محمد علي: جدل الفيلم المصري "ريش" (1)

محمود محمد عليفيلم "ريش" Feathers" من الأفلام التي كرمت في مهرجان الجونة السينمائي الأخير 2021 م من خلال حصوله على جائزة عالمية جديدة، حيث كرم صنّاع الفيلم، خلال احتفالية نظّمها المركز القومي للسينما، برئاسة السيناريست، محمد الباسوسي، وبحضور الدكتور خالد عبد الجليل مستشار وزير الثقافة لشؤون السينما، وهذا الفيلم هو فيلم دراما مصري للمخرج عمر الزهيري لعام 2021. كتب الفيلم المخرج الزهيري بمساعدة الكاتب أحمد عامر، وقام بالبطولة مجموعة من الأشخاص الذين لم يسبق لهم التمثيل من قبل. يتناول الفيلم في إطار من الدراما والخيال من إبداع المخرج، الذي خلق هذا العالم بمفرداته وأبجدياته الخاصة، بما في ذلك إيقاع وموسيقى وألوان وديناميات الفيلم، التي تطرح قضية فنية أكثر منها مجتمعية أو سياسية، تثير كل هذا الجدل، الذي يراه صحيّاً، وتابع: "من الطبيعي أن يعجب الفيلم بعض الناس ولا يعجب البعض الآخر" .

علاوة علي أن فيلم "ريش" من أوائل الأفلام الروائية الطويلة للمخرج، عمر الزهيري، وقد اشترك في تأليفه مع السيناريست، أحمد عامر، وهو من إنتاج الفرنسيين جولييت لوبوتر وبيير مناهيم، بالمشاركة مع "فيلم كلينك" والمنتج محمد حفظي. وحول فيلمه يقول الزهيري إنه أراد "كسر المتعارف عليه في الأفلام وحركة الكاميرا، لإيجاد جانب مختلف يتيح فهم الشخصيات من منظور آخر". ويتابع: " لقد اتبعت تكنيك الفن الفوتوغرافي نفسه، حيث بإمكان اللقطة الواحدة إتاحة مئات التوجهات في اللحظة التي يتلقاها الإحساس والعقل، فتركت المتفرج يتأمل تماماً ويخلق قصته. صحيح أن القصة قاسية والفيلم عنيف بمشاعره، لكن السمّ هنا ممزوج بالعسل".

وفيلم "ريش" هو التجربة الإخراجية الأولى في الأفلام الروائية الطويلة للمخرج عمر الزهيري وتدور أحداث الفيلم حول عائلة فقيرة مكونة من أب وأم وثلاثة أطفال. وفي أحد الأيام يقرر الأب الاحتفال بعيد ميلاد أحد أبنائه فيُحضر ساحرا لتقديم فقرات مسلية للضيوف، لكن عندما يستعين الساحر بالأب في تأدية فقرة يدخله إلى صندوق خشي كبير ويحوله إلى دجاجة ويختفي الأب، ومن هذه المفارقة العبثية تنطلق أحداث الفيلم إذ تلجأ الزوجة لكل السبل لاستعادة الأب وتبحث عن الساحر لكن دون جدوى، وبعدما تستنفد ما لديها من جنيهات معدودة تبدأ في الاعتماد على نفسها لتدبير متطلبات الأسرة وتدفع بابنها الأكبر للعمل في المصنع الذي كان يعمل فيه أبوه لسداد ديونهم، وبعد أن يستقر وضع الأسرة نسبيا يظهر الأب من جديد لكن حالته المزرية وفقده للكلام والحركة يجعله عبئا جديدا على الأسرة، وقال الزهيري في حديث لرويترز "الفكرة تبدو هزلية وأقرب إلى النكتة بتحول الزوج إلى فرخة، لكن عندما نقترب من الحكاية نراها مشكلة كبيرة، مشكلة حياة أو موت؛ وأضاف «الفيلم مختلف تماما وفيه سينما متجددة وفيه تجريب بشكل كبير. الاختلاف أحيانا يكون مربكا لبعض الناس، وتابع قائلا «أي شيء فيه تجديد تقابله محاولات للتصنيف، لكن في النهاية أنا مصري، والفيلم مصري، والفيلم ليس ملك صنّاعه بل هو ملك الجمهور".

وقد حصد قبل مهرجان الجونة السينمائي الأخير علي جائزتين في مهرجان «كان» بفرنسا، ونال إشادة كبيرة لدى عرضه دوليا، لكن هذا لم يحُل دون تعرضه للنقد والهجوم عقب مشاركته في مهرجان الجونة السينمائي بمصر.

واللافت أن هذا الفيلم لم تعترض عليه الرقابة، بل إن مبادرة حياة كريمة، التى تستهدف تغيير حالة الفقر في كثير من القرى، اعتبرت أن مصر أكبر من أن يسئ لها فيلم سينمائي، بما يعنى أن الظروف كانت مهيأة لإجراء نقاش حول العمل الفني نفسه ونقده أو الإشادة به تبعًا لرؤية كل مشاهد.

ولذلك هناك اختلاف على دور الفن، والسينما فى القلب منه، والتباين بين من يركز على ما هو جمالي وترفيهي، كما يقول الأستاذ طلعت إسماعيل في مقاله «ريش» الحرية، بدعوى مساعدة الناس على تحمل الواقع بضغوطه الهائلة، وبين من يسلط الضوء على تفاصيل الحياة اليومية لواقع آخر أشد قسوة، مسرحه عالم المهمشين والفقراء، ليس وليد اليوم، كما أن ساحته لا تقتصر على السينما المصرية وحدها، بل هي حالة موجودة فى العديد من البلدان التي تعرف صناعة السينما، وخصوصا في العالم الثالث؛ فالبعض يريد حصر ما يعرض على الشاشة في قصص ملونة بستائر وردية ومخادع مخملية، والبعض الآخر يريد فتح الحجرات الخلفية التي لا ترى الشمس، وتعانى الرطوبة، وتسكنها وجوه تغضنت بفعل غائلة الأيام، وجور بنى الإنسان، والهدف الرئيس تغيير الواقع إلى الأفضل وعدم الاستسلام لصورة غير حقيقية.

وهذا جوهر الخلاف القديم والمتجدد الذى كان طرفاه من خرجوا من قاعة عرض «ريش» في الجونة، حيث أبدى عدد من الفنانين (من أمثال: شريف منير وأشرف عبد الباقي وأحمد رزق) من الذين حضروا الفيلم غضبهم من الصورة التي نقلها العمل عن المجتمع والإسراف في مشاهد الفقر التي تضمنتها الأحداث، واعتبروا أنه يسيء للبلاد، ولا يقدم الصورة الحقيقية لمصر.

وقد كشف الفنان شريف منير عن سبب موقفه من فيلم ريش، الذي عرض ضمن فعاليات اليوم الرابع لمهرجان الجونة السينمائي، وذلك بعد تعرضه لهجوم وانتقادات بعد انسحابه من عرض الفيلم وإعلان استيائه منه؛ حيث قال شريف منير رداً على الانتقادات والهجوم الذي ناله بعد انسحابه من فيلم ريش، خلال مداخلته مع الإعلامي عمرو أديب في برنامج الحكاية، إنه يحترم المنتج محمد حفظي صاحب العلامات البارزة في السينما، وهو منتج فيلم ريش، مشيراً إلى أنه صديق عزيز.

أوضح شريف منير أن صورة الفيلم مؤذية نفسياً، وبعيدة عن الواقع سواءً في الماضي أو الحاضر، قائلا: "حتى الأسر اللي كانت عايشة في العشوائيات قبل تطويرها، ما كانتش كده، أسرة عايشة في عذاب ومعاناة مش طبيعية".  وأضاف شريف منير أن الفيلم تغاضى عن التطويرات التي حدثت في مصر خلال الفترة الأخيرة، مؤكداً أن سُكان العشوائيات والمناطق المُهمشة، في الماضي لم يعيشوا بمثل هذه الصورة البائسة، لذلك فقد شعر بالضيق والاختناق أثناء عرض الفيلم، مشيراً إلى أن انسحابه يعد رأياً شخصياً وهو حر فيه. وأكد شريف منير على فكرة أن سُكان العشوائيات، انتقلوا للعيش في بيوت نظيفة وأماكن أفضل لذلك فيجب على العين الابتعاد عن مثل هذه المناظر المسيئة لمصر بشكل عام وبدون استناد حقيقي. وتابع شريف منير أنه التقى محمد حفظي أثناء خروجه من القاعة، ولمّا سأله عن سبب انسحابه من الفيلم، أخبره منير بأنه لم يسعد بالفيلم من الناحية التقنية ومشاهدة الصورة ولا من الناحية الفنية على حد سواء، مشيراً إلى أن الإبداع الوحيد في الفيلم هو استعانة المخرج بأشخاص عاديين لتقديم فيلمه وليس بممثلين حقيقيين، بالإضافة إلى فكرة تحول الرجل إلى دجاجة.

وقال الفنان "أشرف عبد الباقي" في بث مباشر عبر "فيسبوك": "بحضر أفلام كتير لزمايلنا الفنانين وساعات كتير مش بيعجبني الفيلم أو المسرحية ولكن بقعد لنهاية العرض". وتابع: "كنت بتفرج على الفيلم والأحداث مشوقة جدًا، ولكن خلال أحداث الفيلم حصل حاجة وخصوصًا هو بيتكلم عن الطبقة الفقيرة جدًا، وعارف الطبقة دي لأني واحد عشت فيها، وعارف ناسها وحياتهم لكن شايف أن في أحداث غريبة شوية".

وأوضح: "اتكلمت مع محمد حفظي منتج الفيلم عن هذه النقاط بعد انتهاء العرض، وكلمته عن حاجات كتير منها الديكور، وبصراحة الراجل تقبل الكلام عادي خالص، لأن في بعض المشاهد التي أثارت غضبي بسبب الفنانين مش الفيلم".وتابع : "في ناس كتير خرجت من الفيلم وده شىء عادي جدا، لكن الفيلم كان جميل وأتمنى أنهم يقدموا أفلام تاني وتشارك في مهرجانات تانية".واستطرد: "كنت متحمس لمشاهدة الفيلم الذي حاز على جائزة هامة من مهرجان كان، وكان الجميع سعيدا بهذا الحدث، لكن اللغط الذي وقع حول فيلم (ريش) جاء بسبب تقديم فكرة غريبة وبطريقة جريئة، خاصة أن المخرج اعتمد على ممثلين غير محترفين، ونوعية هذه الأفلام لا تلقى إعجاب الجميع مثل الأفلام التجارية". وأضاف، أنه شاهد فيلم "ريش" بعين المتفرج، قائلا: "لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع، أعجبت ببعض تفاصيله ولم يعجبني أشياء في الفيلم وهذا أمر طبيعي في السينما".. وللحديث بقية..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم