أقلام ثقافية

ناجي ظاهر: صرخة شاعر

ناجي ظاهرأطل الشاعر العربي العريق ابو فراس الحمداني. من نافذة سجنه في بلاد الروم. فرأى حمامة حرة طليقة تتوقف على فرع شجرة هناك. لفتت الحمامة نظره. وكان حاله مثل حال الشاعر عبدالله بن الطاهر عندما رأى قمرية او حمامة في السوق تبكي نادبة وحدتها فخاطبها قائلًا.. بي مثل ما بك يا حمامة. فاسألي من فك اسرك ان يحل وثاقي.

أثار شاعرنا مشهد هذه الحمامة. على ما يبدو. فراح يراقب الآفاق في خارج محبسه. علّه يرى حمامة يلمس فيها بعض ما ينشده من حريته المفقودة. ذات لحظة مشابهة شاهد حمامة تنوح.. هناك على فرع شجرة محاذ لنافذة محبسه. فما كان منه إلا أن خاطبها قائلًا..

أقول وقد ناحت بقربي حمامة        أيا جارتا لو تشعرين بحالي

معاذ الهوى ولا ذقت طارقة النوى. ولا خطرت منك الهموم ببالي

إلى أن يقول.. تعالي اقاسمك الهموم تعالي. او شعرًا مثل هذا..

مناجيات أبي فراس الحمداني من مأسره لدى الروم، تغلغلت في روح شاعر شعبي من بلادنا. الاغلب انه توفيق الريناوي، فصدح بها معبرًا عن حزن الإنسان الفلسطيني وعن توقه إلى حمامة تستمع إلى نجواه.. وتشاطره مشاعره الباكية النائحة.

أبو فراس الحمداني هو قريب حاكم حلب التاريخي سيف الدولة الحمداني.. وممدوح الشاعر العربي النابغ أبي الطيب المتنبي، وهو صاحب قصيدة أراك عصي الدمع شيمتك الصبر. أما للهوى نهي عليك ولا امر. التي غنتها أم كلثوم. واستمعت إليها الاجيال المتعاقبة. وله ديوان شعري منشور.. ضمّنه الروميات وهي تلك الاشعار التي كتبها خلال اسر الروم له. لقد عاش ابو فراس في ظل الدولة الحمدانية في حلب وغادر عالمنا عن سبعة وثلاثين عامًا فقط.. أما مناجاته للحمامة فإنها تتخطى العصور.. وتعبّر عن طموح الانسان المرهف إلى الحرية في عالم يُصرّ على حرمانه منها واسره أيضًا.

 

ناجي ظاهر

 

 

 

في المثقف اليوم