أقلام ثقافية

الإنسان بلا حزنٍ ذكرى إنسان

"أنا من قبلك لم أدخل

مدن الأحزان..

لم أعرف أبدا..

أن الدمع هو الإنسان

أن الإنسان بلا حزنٍ

ذكرى إنسان.."

يحيلنا هذا الشعر لنزار قباني على أن  نستشعر الفرق بين وقع الأحزان الذي يغرقنا في الأسى فنستسلم له ولا نحاول النجاة، وبين أثر الأحزان الذي يصفه نزار في قصيده.. هو ذلك الأثر الذي ينتج عن التأمل ونحن نختبر حزننا ..تأمل ينتقل بالنفس من دائرة الانغلاق فيتيح لها الانفتاح على الإنسان..على الوجود.

الحزن لغة ضد الفرح، وخلاف السرور.

أما اصطلاحا فهو الغم الحاصل لوقوع مكروه.

الحزن هو ألم نفسي وهو شبيه بالهم واليأس والأسى والكآبة..

نموذج "كيوبلر روس" المعروف بـِمراحل الحزن الخمسة

‏ هوَ نموذج يصف خمسة مراحل للطريقة التي يتعامل بها الإنسان مع الحزن الناتِج عن المصائب.

 ( Kübler-Ross model, Five Stages of Grief)

عرضت النموذج للمرة الأولى طبيبة النفس السويدية " إليزابيث كيوبلر روس" في كتابها الصادر عام 1969 "عن الموت والوفاة" .

يقدم نموذج "كيوبلر" المراحل التي يمر بها الشخص عند تعرضه لصدمة كبيرة مثل فقدان شخص عزيز، أو خسارة ثروة كبيرة، أو تشخيصه بالإصابة بأحد الأمراض القاتلة، أو التعرض لصدمات عاطفية، حيث تؤثر كلها سلبا على نفسيته بالدرجة الأولى، وتختلف مدة كل مرحلة، كما تختلف حدتها من شخص إلى آخر، وتم استعراض مراحل الحزن الخمسة من منظور نفسي.

أولاها مرحلة الإنكار تليها مرحلة الغضب ثم مرحلة التفاوض فمرحلة الاكتئاب وأخيرا مرحلة التقبل.

ويعنينا هنا التطرق إلى المرحلة الأخيرة من مراحل الصدمة وهي مرحلة التقبل.

تتصف مرحلة التقبل بعودة الاستقرار النفسي والذهني والرضا بالواقع. هذه المرحلة هي التي يتمكن فيها الواحد منا خلال حزنه أن ينظر إلى نفسه وإلى الوجود من حوله نظرة فيها الكثير من التسليم.

هي مرحلة تغيب فيها المقاومة.. يكون الحزن خلالها صموتا. حزن يعيش معك وأنت تمارس يومياتك فلا يلحظه أحد من حولك..قد يجعل خطواتك أكثر بطئا وأنت تسير مع السائرين ولكنها خطوات أكثر اتزانا.. سيجعلك حزنك الهادئ تشعر أن الوحدة ليست النهاية..بل هي لحظة تعود فيها إلى ذاتك لتمتلئ بها وتكتنه من خلالها أن الخير والعطاء ليسا ضعفا ..أن ما قدمته باختيارك من حب وجهد واهتمام لا يفترض أن تنتظر مقابله عرفانا.. أن الحياة لا تهبك دائما ما تريد ولكنها تضعك أما اختبار يجعلك تتقبل مالا تريد بطيب خاطر..

ربما وأنت تتعايش مع حزنك ستجد الكثير من السلوان.. كثيرا من التفهم لأسبابه ومسببيه.

يقول عالم النفس السويسري" كارل يونغ" (1875-1961) أن "كلمة سعادة ستفقد كل قيمتها إن لم يتم موازنتها مع كلمة حزن"

فعلا لا يمكن للواحد منا أن يسترد شعوره الأصيل بالسعادة إذا كان من أصحاب الذوات السطحية التي لا تحزن لموت ولا تجزع لخطب..لا يهمها من الحياة سوى ما يمكن أن تملأ به بطونها.. تلك الذوات التي تعيش كأنها بلا روح.

أن تسترد شعورك بالسعادة هو أن تستجيب قبل ذلك استجابة تلقائية لما يخالجك.. أن لا تطمس تفاعلك الصادق وتقمع التدفُّق الطبيعي لصوت ذاتك الداخلي  .. هو أن تحيا حزنك الذي يجعل منك إنسانا حتى تصل المرحلة الأخيرة منه وهي مرحلة التقبل..حين تتيقن أن حزنك غالي وأن دمعك غالي لأنه يجعل منك إنسانا، عندها فقط تولد لحظة اكتناه الفرح لتملأ حسك بالضياء قبل أن تفاجئك العتمة من جديد..

 كل المآسي والأحزان سوف لن تردينا، مهما عظمت، إذا استطعنا أن نتزود ونحن نواجهها بخير زاد ألا وهو الرضا.

***

درصاف بندحر - تونس

 

في المثقف اليوم