أقلام ثقافية

ضياء نافع: حوار عن غوركي

اطلعت على حوار مع سفيتلانا ديومكينا – مديرة متحف مكسيم غوركي في معهد الادب العالمي التابع لاكاديمية العلوم الروسية، وجرى هذا الحوار بمناسبة الذكرى (155) لميلاد غوركي، والتي احتفلت به الاوساط الادبية الروسية في مارت / آذار عام 2023، وقد وجدت في هذا الحوار الحيوي جوانب طريفة و مهمة حول مكسيم غوركي، وأظن، انها ربما ستكون ممتعة ومفيدة وجديدة للقارئ العربي بالذات، اذ ان غوركي هو واحد من أشهر الادباء الروس بعالمنا العربي، بل انه كان في فترة (مالئ الدنيا وشاغل الناس في عالمنا العربي !!!)، وكان رمزا كبيرا يحتذي به بعض الادباء العرب باعتباره مؤسس منهج جديد في الادب هو الواقعية الاشتراكية، وكلنا نتذكّر (سيل!!!) الكتابات العربية النظرية والتطبيقية في اواسط القرن العشرين عن هذا المنهج الادبي الجديد وكيف انعكس – كما كانوا يكتبون - في نتاجات ادباء عرب كبار مثل عبد الرحمن الشرقاوي وحنا مينا وغيرهم، وكيف ان هذا المنهج سينتصر لاحقا ويسود في دنيا الادب العربي، ويمكن القول طبعا ان هذه (الموّجة!) قد انحسرت الان بشكل عام، رغم ان (بقايا و آثار!) هذه الكتابات لازالت لحد الان تظهر هنا وهناك احيانا في الدوريات العربية دون الأخذ بنظر الاعتبار، ان الكلام عن منهج الواقعية الاشتراكية قد اختفى واقعيا في الساحة السوفيتية نفسها منذ سبعينيات القرن العشرين تقريبا .

ولهذه الاسباب والعوامل بمجملها ارتأينا عرض المضمون العام لهذا الحوار حول غوركي في مقالتنا هذه، خصوصا وان الحوار يجري بالذات في وقتنا الحاضر (اي في عام 2023) مع مديرة متحف غوركي في اكاديمية العلوم الروسية، اي مع شخص اكاديمي روسي يعمل من أجل الحفاظ على تراث غوركي ومكانته، وكي يطلع عليه الناس في متحف خاص بهذا الكاتب الروسي الكبير، ولا يمكن لهذا الشخص طبعا ان يكون مضادا لغوركي (وما أكثرهم بيننا وحتى بين الروس ايضا!!!)، ويجب ان تكون افكار هذا الشخص حول غوركي بعيدة عن الشعارات الطنانة وهادئة و موضوعية (وهذا هو المهم جدا) بعد اكثر من قرن ونصف على ميلاد غوركي واكثر من ثمانين سنة على وفاته.

السؤال الاول الذي نود ان نتوقف عنده في هذا الحوار كان يدور حول منهج الواقعية الاشتراكية في الادب، باعتبار ان غوركي - قبل كل شئ – هو، كما جاء في نص السؤال (... واضع اسس هذا المنهج...)، فقالت مديرة المتحف في اجابتها عن هذا السؤال، ان هذا المفهوم الذي تنطلقون منه في سؤالكم (.. عتيق وغير دقيق ..)، واوضحت، ان منهج الواقعية الاشتراكية لا يرتبط بغوركي، وانما يرتبط بافكار ستالين حول الادب، هذا الزعيم السوفيتي الذي كان متابعا دقيقا للادب الروسي المعاصر له ويتفهمه بعمق، ولهذا فانه (اي ستالين) كان يعرف الدور الكبير و الحاسم للادب في توجيه الرأي العام، وبالتالي في بلورة الوعي الاجتماعي للشعب، وكان يضع آماله حول هذا الادب وتوجيهه، وتستشهد مديرة متحف غوركي بقول ستالين الشهير حول تعريفه للاديب بانه - مهندس الروح الانسانية، وقالت ديومكينا، ان ستالين كان بحاجة الى ربط هذه الافكار باسم اديب كبير وبارز مثل غوركي، والذي كان اكبر الادباء الروس شهرة داخل روسيا وخارجها آنذاك، والذي كان مقبولا ومعترفا به من جميع الاطراف الادبية الروسية رغم خلافاتها وعدم انسجامها، اي ان غوركي لم يكن (واضع اسس مفهوم الواقعية الاشتراكية)، وانما ربطوا هذا المفهوم باسم مكسيم غوركي ليس الا، علما، ان رواية (الام)، التي استشهدوا بها واعتبروها (النموذج!) لهذا المنهج قد أصدرها غوركي عام 1906، اي قبل ميلاد هذه المفهوم باكثر من ربع قرن، وقبل الافكار عن الاتحاد السوفيتي نفسه، وتضيف مديرة المتحف الى ان مكسيم غوركي واسلوبه ومنهجه في الكتابة الابداعية و مكانته الادبية في مسيرة الادب والفكر الروسي قد تبلورت كلها قبل ثورة اكتوبر بمدة طويلة، وانه لم يكتب اي شئ يتناسب او يتطابق مع مفهوم الواقعية الاشتراكية بعد المؤتمرالاول لاتحاد الادباء السوفيت (1934)، الذي اقر منهج الواقعية الاشتراكية . تختتم مديرة متحف غوركي اجابتها عن هذا السؤال قائلة، ان الحديث عن منهج الواقعية الاشتراكياة الان هو (... شئ شكلي وبلا حياة ...)، اذ يعني البحث في زوايا بعض النتاجات الادبية آنذاك، ومحاولة ايجاد بعض المقاطع فيها، وهي مقاطع تتناول الواقع عندها لا اكثر . 

الحوار مع مديرة متحف غوركي طويل ومتشعب، اذ تحدثت فيه عن الطريق الذاتي العصامي الصعب، الذي اخترقه غوركي، واستطاع ان يصل به الى مكانته المتميّزة في روسيا والعالم، وتوقفت عند قيصر روسيا آنذاك وعلاقته السلبية تجاه غوركي، لأنه اصبح في روسيا رمزا للحركة الثورية، وكيف تدخّل القيصر في قضيّة اخراجه من اكاديمية العلوم وكيف تضامن معه تشيخوف و كورولينكو، وتحدثت بتفصيل عن مواقف غوركي تجاه الادباء الروس وكيف حاول حمايتهم في بداية السلطة السوفيتية، وكيف عرض افكاره بكل شجاعة امام السلطة ...الخ ...الخ، وكم اتمنى ان يقوم أحد المترجمين بترجمة هذا الحوار باكمله الى العربية، لأن مديرة المتحف رسمت صورة حقيقية لمكانة غوركي واهميته في تاريخ الادب الروسي، صورة لغوركي كما هو في الواقع و دون رتوش واضافات من هذا الطرف او ذاك، وكم يحتاج القارئ العربي ان يطّلع على هذه الصورة الموضوعية، كي يعرف قيمة غوركي الحقيقية ومكانته في مسيرة الادب الروسي والعالمي . 

***

أ. د. ضياء نافع

في المثقف اليوم