تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام فكرية

عمرون علي: فرويد والسينما.. من الأعلى الى الأدنى

مدخل عام: في شهر اوت 1909 الطويل والحار، وفي سن الثالثة والخمسين، أتيحت الفرصة لفرويد برفقة تلميذه وصديقه ساندور فيرينزي، للذهاب إلى السينما لأول مرة. وحدث ذلك في نيويورك خلال زيارته للولايات المتحدة حيث تم إلقاء خمس محاضرات في جامعةClark University  في Worcester رغم انه لم يكن منجذبًا جدًا للأفلام، باستثناء إبداعات تشارلي شابلن. ويؤكد الكثير من المهتمين بحياة فرويد وافكاره العلمية بأنه سيصاب بخيبة أمل كل من يبحث في نصوص فرويد على أمل العثور على بعض المراجع التي تشهد على اهتمامه بالسينما أو نقطة التقاء محتملة بين نظريته في التحليل النفسي والفن السابع فهل رفض فرويد كان نابعا من إمكانية تحويل التحليل النفسي الى سجل تجاري في ظل ثقافة غربية يغلب عليها الطابع المادي النفعي والاستهلاكي؟ وهل هذا الرفض ينفي وجود تقارب ونقاط تلاقي بين التحليل النفسي والشاشة السينمائية؟

لقد بدأ عالم السينما يهتم بالتحليل النفسي في منتصف العشرينات من القرن الماضي. ففي ديسمبر عام 1924 سافر المنتج صامويل جولدوين إلى أوربا وهو مؤسس شركة Goldwyn Pictures  Corporation  وفي تقرير أرسل إلى نيويورك تايمز على متن الطائرة، أعلن عن نيته زيارة فرويد والحصول على تعاونه في فيلم حب مبني على المشاعر الغرامية ، وانه مستعد لتقديم مائة ألف دولار لفرويد مقابل قبول عرضه. وكان رد فرويد على طلب المقابلة موجزا ونهائي: "ليس لدي أي نية لرؤية السيد جولدوين". رفض فرويد لعرض صامويل جولدوين تسبب في إحداث ضجة في نيويورك أكثر من نشر "تفسير الأحلام" والذي صدرت الطبعة الأولى منه سنة 1900 وقد اشارت الى ذلك صحيفة نيويورك تايمز  وكتبت قائلة ان هوليوود تفشل في إغواء مؤسس التحليل النفسي. على الرغم من وضعه الاقتصادي الضعيف، بل ان فرويد لم يوافق حتى على مناقشة الاقتراح.

هذا الرفض نجد له امتدادا عند بعض المشتغلين بالفلسفة على الرغم من ان السينما بوصفها شكلا من اشكال الفن لها قدرة على التأثير في نظرتنا لأنفسنا وللعالم الخارجي  فهي تمنحنا كنقطة انطلاق إمكانية التحرر من الواقع ورتابته وصلابته والسفر في امكنة وزوايا متخيلة ذلك ان الأفلام السينمائية على تنوعها وتعدد اشكالها تمثل جسرا نعبر من خلاله الى ذواتنا فهي لا تتحكم في عواطفنا وانفعالاتنا فحسب بل و تسلب في بعض الأحيان منا ارادتنا الحرة والفاعلة وتحولنا الى كائنات منفعلة فسحر الموسيقى وقوة الصورة وبلاغة الكلمة عوالم سحرية لا يمكن مقاومتها واذا كان هذا الانقياد يحررنا من رتابة وقسوة الواقع ويفتح امامنا أبواب التأمل فهل يمكن الثقة بقدرة السينما على تحريرنا وعلاجنا من امراضنا النفسية في غياب الإرادة الفاعلة؟  وهل يمكن لجمهور عاطفي منقاد ولا يتمتع بحس نقدي ان يدرك طبيعة اللعبة التي تراهن عليها السينما ؟الا يمكن ان تحولنا الأفلام السنيمائية الى قطيع من الخراف كما كان يعتقد ألفريد هيتشكوك؟

التحليل النفسي والسينما علاقة حميمية

العلاقة بين التحليل النفسي والسينما علاقة وظيفية تماما كعلاقة الكلمة بالصورة هي علاقة حميمة ومتنوعة. فالفن بأشكاله المختلفة، يلتقط المحتوى العاطفي والخيالي والشخصي  للإنسان السوي و للمريض النفسي وهذا المحتوى هو الذي يعمل الطبيب النفسي على التفكير فيه بطريقة حرة محاولا الصعود به الى مستويات الوعي بالحفر والنبش في اللاشعور.

وتاريخيا السينما والتحليل النفسي لا يمكن الفصل بينهما من حيث النشأة فقد بدأت السينما في ليلة السبت من ليالي الشتاء البارد، في اليوم الثامن والعشرين من شهر ديسمبر سنة 1895 حيث قدم الإخوة لوميير (أوجست ولويس) وهما من أبناء مدينة ليون عرضهما الأول لجهاز السينماتوغراف، في 14 شارع كابوسين بباريس، بمبنى (نادي جوكي) الذي يحتوي أسفل طابقه الأول على مقهى '' جراند كافيه '' هذا العرض الذي دام لمدة 20 دقيقة مقابل فرانك واحد من كل مشاهد حيث كان هذا الحدث مميزا ومنعطفا حاسما وشاهدا على تأثير الصورة. ولعل أول ما يلفت الانتباه في العلاقة بين السينما والتحليل النفسي ولادتهما المتزامنة، ففي السنة نفسها (1895) أصدر (سيجموند فرويد) بمشاركة الطبيب النفسي بروير أول مؤلف له بعنوان (دراسات حول الهستيريا).

وبما ان جوهر الفكر الفرويدي يقوم على منهج التحليل النفسي فانه يمكن فهمه من خلال الإحاطة ببعض الافتراضات الأساسية عن الطبيعة البشرية، وجميعها لها آثار ضمنية شديدة الأهمية على الطريقة التي يتم بها تفسير الأفلام ومنها:

1- الكائنات البشرية منذ الميلاد تتحرك مدفوعة برغبات أنانية (مثل الجوع ُ والجنس والعنف) بهدف جلب المتعة وتجنب المعاناة والبحث الاناني عن المتعة هو مما يكثر وجوده في الأفلام.

2- نحن نولد بدوافع أساسية، بطاقاتنا الحيوية الأولية المتمثلة في مايسمى (ال «هَو»). وحقائق الحياة تُعلِّمنا أنه لا سبيل لإشباع رغباتنا إشباعا كاملا ومن ثمة نقوم بالمساومات الضرورية في الحياة اليومية وهذا ما يشتغل عليه (ال «أنا»). وفي نهاية المطاف، نكتسب من والدينا ٍّحسا مدموجا بالصواب والخطأ  يتجسد في أوامر ونواهي (ال «الانا الأعلى»). بَيْد أنه ما لم «يتطور» هذا التنظيم الداخلي بطريقة سليمة، يبدأ الناس في الوقوع في المتاعب. وكثيرا ما تتبنَّى الأفلام الاعتقاد بأهمية عملية التطور في السنوات الأولى من العمر من خلال توظيف حبكات ِّ تغطي حياة الفرد بأكملها، أو الفلاش باك، أو الإحالات إلى أحداث هامة في فترة الطفولة من خلال الحوار على اعتبار ان الطفل اب الرجل.

3- ولأن ال «الهَو»، وال «الأنا»، وال «الانا الاعلى» ترغب جميعها في أشياء مختلفة، فإن تلك َّ البنى النفسية الثلاث تنخرط في «صراع» لا نهاية له بعضها ضد ِّ بعض. ويحدد فرويد ِ مركز ساحة هذه الحرب في ال «أنا» وهو «كائن مسكين يدين بالطاعة لأسياد ثلاثة ومن ثم َّ يتعرض لتهديد أخطار ثلاثة؛ العالم الخارجي، وظلمة (الليبيدو) ال «هَو»، وقسوة ال «الانا الأعلى » وقد قسم فرويد الجهاز النفسي الى ثلاثة اقسام (الانا،الهو،الانا الأعلى ) وقال :" يستمد الآنا طاقته من الهو، وقيوده من الآنا الآعلى و عقباته من العالم الخارجي انه يخدم ثلاثة سادة طغاة "

4- جميع السرديات السينمائية تقوم على صراع من نوع أو آخر ولأن الأفلام موضوعات رمزية، ِتتغذى من تلك العمليات يمكن اعتبار ملخص الحبكة هو َّ مجرد سطح؛ أما السْبر الرمزي فيَقُودنا إلى تلك الجوانب المظلمة.

صورة فرويد في السينما من السامي الى السخيف

على الرغم من أن سيغموند فرويد لم يكن مهتمًا بالسينما، حيث حضر العرض الأول أثناء إقامته في الولايات المتحدة، إلا أنه يوجد حاليًا مئات المقالات والكتب حول هذا الموضوع حيث لم تنل شخصية علمية هذا التميز والانفراد مثل شخصية فرويد وربما السبب يعود الى ان الاليات والمرتكزات على يقوم عليها التحليل النفسي هي ذاتها التي تشتغل عليه السينما تقول  إليزابيث كوي :" أن للسينما وظيفة مشابهة لوظيفة الأحلام، فعندما نشاهد فيلمًا، فإننا نشعر بنوع من الخيال، والذي سيُبنى عندما ينتهي الفيلم، بعد لحظات أو أيام من خلال استحضاره وإعادة التفكير فيه" وهكذا يتم عرض الأفلام على أنها حلم، والفرق فقط يكمن في أننا في السينما لسنا نائمين، ولكننا مهتمين بالمحفزات السمعية والبصرية و نواجه التحدي العقلي لخلق معنى في الشخصيات والحبكة. ومع ذلك فإن حالتنا المعرفية ليست حالة اليقظة العادية، لأنه على الرغم من أننا نحافظ على مهاراتنا الحركية، فإننا غير متحركين، صامتين، مضبوطين على هذه المحفزات، متجاهلين الآخرين الذين يتحدثون حولنا.

كمتفرجين ننخرط في عملية تحويل، حيث نتواصل مع الخيال، حتى للحظات القصيرة، "كما لو" كان حقيقيًا. نحن نرتبط بالأفعال والشخصيات "كما لو" كانت شخصيات في تاريخنا النفسي.  بالإضافة إلى ذلك، هناك عدد من الأدوات الجمالية - على سبيل المثال، الاستعارات - التي تُستخدم في الأفلام لدعوتنا إلى تفسيرها في عملية تحليل منظمة، بناءً على توقعات معينة حول القصة والأحداث. في السينما، بصفتنا جمهورًا، نحن حالمون ومترجمون للأحلام، وكذلك محللون ومحللون.

في عام 2019، صدر فيلم فرويد في السينما: من السامي إلى السخيف، وهو مقال سينمائي من إدواردو لاسو وخوان خورخي ميشيل فارينيا، نتيجة عمل بحثي جمع وعلق على جميع الأفلام والمسلسلات التلفزيونية التي ظهر فيها سيغموند فرويد كشخصية على الشاشة. من أول فيلم لجون هيوستون، العاطفة السرية لفرويد في عام 1962، مع مونتغمري كليفت في الدور الرئيسي، إلى أحدث إنتاجات Netflix، حيث نلمس الطرق المختلفة التي تم بها تصوير فرويد: من البطل الفكري مكتشف اللاشعور وواضع أصول منهج التحليل النفسي، بطل الحقيقة المدافع عن كون الانا ليس سيدا حتى في بيته ، إلى شخصية العصابي المهووس بالجنس. أو من رجل طموح متمسك بأفكاره حول اللاوعي الى شخصية مدمن على الكوكاين . وتجسد الطرق التي تم بها تمثيل فرويد في السينما النظرة الى التحليل النفسي التي كانت تحدث بمرور الوقت. منذ الأربعينيات من القرن الماضي، تم تعزيز التحليل النفسي في الولايات المتحدة، وبعيدًا عن أن يصبح معمما كما توقع فرويد، فقد تم دمجه في الثقافة الأمريكية و كانت النتيجة النهائية لهذا المكانة المرموقة أول فيلم عن فرويد في عام 1962. وحتى أواخر سبعينيات القرن الماضي، قدمت السينما صورة محترمة لفرويد، على الرغم من كونها صورة نمطية وغالبًا ما تكون بعيدة عن الحقيقة التاريخية.خلال الثمانينيات، هاجمته السينما أو صورته كاريكاتيرًا، بما يتماشى مع سلسلة من المنشورات التي تنتقد فرويد والتحليل النفسي. من عام 2004 فصاعدًا، ظهر فرويد كشخصية في الأفلام حيث يتم تهكمه أو تقديمه بطريقة متناقضة وسنتطرق هنا الى ثلاثة نماذج تتراوح بين الأعلى والادنى وهي:

1- فيلم "فرويد: العاطفة السرية" وبداية الفيلم  ترتكز على خلفية من الصور غير الدقيقة التي يتم تركيبها، يخبرنا صوت (صوت جون هيوستن ) عن الضربات الثلاث الكبرى لفخر الإنسان : الأول، إثبات كوبرنيكوس أن الأرض ليست مركز الكون ؛ والثاني، عندما أكد داروين أن الإنسان جزء من الطبيعة، وحيوان آخر، نتيجة التطور؛ والثالث، الذي وضعه فرويد، أن العديد من العمليات العقلية غير واعية، وبالتالي خارجة عن سيطرتنا ويأخذنا هذا الفيلم  في رحلة رائعة إلى أعماق العقل البشري، إلى جوانبه الخفية والمظلمة  في محاولة لكشف أسرارها.

يعتبر هذا الفيلم "سيرة ذاتية" تغطي خمس سنوات فقط من حياة طبيب الأعصاب والطبيب النفسي الشهير في فيينا فرويد  وهو الدور الذي لعبه مونتغمري كليفت تحديدًا من عام 1885 إلى عام 1890، عندما بدأ في تطوير أفكاره حول اللاشعور وبناء منهجه الجديد المسمى التحليل النفسي . يبدأ الفيلم ببطل رواية شاب (قريب من 30 عامًا) يرتدي زيًا جميلًا ومعبّرًا باللونين الأسود والأبيض، مليء بالوهم والفضول، لا يزال طالبًا يعيش في ظل افكار ثيودور مينيرت  وهو رجل لامع ومسيطر، لديه أفكار قوية. حريصًا على توسيع معرفته وحل الآليات الغامضة للهستيريا ، يسافر فرويد إلى باريس ويكتشف الاحتمالات الهائلة للتنويم المغناطيسي للوصول إلى جزء من العقل اللاوعي  والذي على الرغم من أنه يتجاوز إرادة الشخص، يمكن أن يؤثر عليه بقوة.وبالعودة إلى فيينا، وهو متزوج حديثًا، يتعرض فرويد للانتقاد والسخرية من قبل زملائه الذين يصفون التنويم المغناطيسي بأنه "سحر". فقط جوزيف بروير  يثق بأفكاره، لكنه يفعل ذلك في الخفاء خوفا على سمعته. بفضل دعم شريكه الجديد، بدأ فرويد  في العمل مع بعض المرضى وتطوير نظرياته حول أهمية وعمل اللاوعي. هذه هي الطريقة التي يلتقي بها سيسيلي من خلال شخصية سوزانا يورك، في دور مخطط لمارلين مونرو، وهي أرستقراطية شابة تعذبها حلم متكرر لا تستطيع رؤيته وترفض شرب الماء. من خلال هذه القضية وغيرها من القضايا الغامضة،سيحقق فرويد اكتشافات مذهلة ومقلقة تعزله وتواجهه مع المجتمع العلمي. فقط زوجته مارثا وشجاعتها التي لا تلين تشجعه على مواصلة بحثه ...لم يكن إنتاج الفيلم يخلو من الصعوبات، رغم أنه تم حلها جميعًا بنجاح. في عام 1958، لجأ هيستون إلى جان بول سارتر لكتابة سيناريو "فرويد"، ولكن كان لا بد من تصحيحه ووضعه في صيغته النهائية من قبل تشارلز كوفمان وولفجانج راينهارت.، لأن سارتر لم يكن قادرًا على تقليص نص تجاوز على ما يبدو 400 صفحة (يُفهم أن الصفحة الواحدة هي حوالي دقيقة واحدة من الفيلم). أخيرًا، كان الفيلسوف الفرنسي المرموق غير سعيد جدًا بالنتيجة النهائية لدرجة أنه طلب عدم ظهور اسمه في الاعتمادات، على الرغم من حقيقة أن قاعدة الحبكة والعديد من الحلول السردية لا تزال سليمة (مثل تمثيل سيسيلي لثلاثة مرضى حقيقيين من فرويد). على الرغم من الاندفاع والقص في بعض الأحيان، تمكن السيناريو من الفوز بجائزة الأوسكار .

2- مسلسل فرويد: والذي يعرض على منصة نتفليكس سنة الإصدار: 2020 وجاء في تقديمه :

سعيًا لتحقيق شهرة في "فيينا" خلال القرن التاسع عشر، ينضمّ الشابّ المتعطّش "سيغموند فرويد" إلى وسيطة روحية ومفتش لحلّ لغز سلسلة جرائم دموية. يتكون من ثماني حلقات الأولى بعنوان الهستيريا بينما يواجه "فرويد" تحدّيات في عمله ويسرف في تعاطي الكوكايين، يجد نفسه في خضمّ جريمة مروّعة، ثم جلسة استحضار أرواح خاصّة تقودها وسيطة روحية. والحلقة الثانية بعنوان الصدمة النفسية ُحيث يقدم “فرويد"، الذي قوبِلت نظرياته بالمعارضة، معلومات للسلطات التي تبحث عن فتاة مفقودة، لكنه يضطرّ للتعاون مع شخصية غريبة ليصل إلى الحقيقة. وباقي الحلقات جاءت على النحو التالي : السير أثناء النوم، الطوطم والحرام، الرغبة، الانتكاس، تطهير الفكر، الكبت ومدة كل حلقة حوالي 55 دقيقة تدور أحداث سلسلة فرويد في فيينا عام 1886، وتقدم لنا سيغموند فرويد الشاب الذي بلغ الثلاثين من عمره ولا يزال بعيدًا عن كونه الشخصية الراسخة التي نعرفها اليوم. في محاولة لإنشاء مكان احترافي لنفسه، يجب عليه التعامل مع سوء الفهم الطبي للوقت ومع تعقيد ما يمكن أن يكون اكتشافه العظيم: اللاوعي. في هذا السياق، تقترح الحبكة عقبة جديدة: مواجهة والد التحليل النفسي بسلسلة من الجرائم الغامضة التي يجب أن يكشف النقاب عنها مع وسيط ومحارب قديم. يلعب الممثل النمساوي روبرت فينستر دور سيغموند فرويد، وبذلك انضم إلى الثلاثين الذين لعبوا دور البطولة فيه بالفعل على الشاشة، بما في ذلك مونتغمري كليفت وكورد يورجنز وماكس فون سيدو وفيجو مورتنسن وبرونو غانز.هل يمكن أن تعوض متعة الاستماع إلى Unbebuste بلغتها الأصلية عن التراخيص الفاضحة للسيناريو؟

3- فيلم «Freud’s Last Session» للمخرج ماثيو براون والذي يعتبر سيرة ذاتية عن عالم النفس النمساوي الشهير سيجموند فرويد، يقوم ببطولته النجم أنتوني هوبكنز، من المقرر أن يبدأ تصويره خلال الربع الأخير من عام 2022، في لندن.وكشفت تقاير صحفية، أن الفيلم لا يقدم السيرة الذاتية للعالم الراحل، ولكن يركز على جزء فقط من حياته، حيث تدور أحداث الفيلم في عشية الحرب العالمية الثانية، في الفترة الأخيرة من حياة مؤسس التحليل النفسي، عندما يدعو عالم اللاهوت المسيحي الشهير سي إس لويس لمناقشة وجود الله، كما تتطرق أحداث الفيلم إلى علاقة «فرويد» بابنته، وعلاقة «لويس» مع والدة أقرب أصدقائه.ومن جانبه، قال المخرج ماثيو براون، «بعد فضولي العقلي وميلي نحو اتجاه، كان هناك إدراك عميق لمدى أهمية هذا الفيلم في التوقيت المناسب، نبقى في عصر شديد الاستقطاب أيديولوجيًا، حيث يبدو أن الجميع عالقون في أفكارهم الخاصة دون حوار حقيقي وأضاف: " أرغب في صنع فيلم لجميع الجماهير يكون عاطفيًا ومحفزًا للفكر وفنيًا، فيلم يطرح الأسئلة الكبيرة، أثناء التحقيق في ما يدور في القلب البشري ما بين الحب والدين والفناء"

لماذا رفض فرويد السينما؟

في 7 يونيو من عام 1924  استقبل كارل أبراهام في برلين زيارة من مدير UFA وهي أهم شركة إنتاج أفلام في ألمانيا. يقترح أن يصنع فيلمًا علميًا شائعًا عن التحليل النفسي، بإذن مناسب من فرويد وتحت إشراف تلاميذه المعروفين. بعد يومين، لم يستغرق فرويد أكثر من ساعة لإرسال إجابته: "المشروع المذهل لا يرضيني." ويحذر من مخاطر ترك المشروع في أيدي محللين متوحشين، لكنه في الوقت نفسه يقر بأنه "لا يمكننا منع أي شخص من صنع فيلم من هذا النوع دون موافقتنا"

بالنسبة لجولدوين، كان تعاون فرويد ضمانًا لنجاح شباك التذاكر: لقد راهن على أن اكتشافاته عن الحب "ستنير قلوب المتفرجين.

و مخطط الفيلم كان على النحو التالي الجزء الأول كمقدمة، مع "أمثلة بليغة" توضح الحلم، وعملية القمع، واللاوعي. الجزء الثاني يعرض حالة سريرية توضح  الأعراض والشفاء في ضوء التحليل النفسي.

في المؤتمر الذي عقد في جامعة كلارك في ورسيستر، عبر فرويد عن نفسه على النحو التالي:

ربما يمكنني أن أقدم لكم وصفًا حيويًا للقمع وعلاقته الضرورية بالمقاومة عن طريق تشبيه فج مشتق من وضعنا الحقيقي في هذه اللحظة بالذات. لنفترض أنه في غرفة الاجتماعات هذه وبين الجمهور، الذين لا أستطيع أبدًا أن أشيد بصمتهم وانتباههم المثاليين، هناك شخص ما، بعباراته المتعجبة وضحكاته وحركاته، يصرف انتباهي عن مهمتي. علي أن أعلن أنني لا أستطيع مواصلة المؤتمر. بعد ذلك، يقف ثلاثة أو أربعة رجال أقوياء منكم وبعد صراع قصير يطردون هذا الشخص  من الغرفة. وبالتالي، فهو "مكبوت" ويمكنني أن أكمل محاضرتي. ولكن حتى لا يتكرر الانقطاع في حال حاول المطرود العودة للغرفة، السادة الذين حققوا أمنيتي وضعوا كراسيهم على الباب وبالتالي أقاموا "مقاومة" بعد تحقيق القمع. إذا قمت الآن بالترجمة إلى مصطلحات نفسية، فإن التعريبين المعنيين هما "الواعي" و "اللاوعي"، فستكون أمامك صورة تقريبية إلى حد ما لعملية القمع.في الواقع، فإن التمثيل، أو حتى الصورة المتحركة لمجموعة من الرجال المزدحمين بالكراسي أمام باب "يقاومون" دفع شخص آخر يكافح للدخول، يوحي بإيقاع شبلينسك أكثر من آلية القمع اللاواعي. هذا التشبيه، التعليمي في سياق المؤتمر، عندما يتم وضعه في الصور يصبح ببساطة سخيفًا.

في نفس الشهر، أعلن في امريكا عن بدء تصوير فيلم "ألغاز الروح"، مشيرًا إلى أن تحقيقه سيحدث "بناءً على دراسة حالة سيغموند فرويد". و ذهبت مجلة تايم إلى حد التأكيد على أن فرويد نفسه خطط وأشرف على كل متر من الفيلم.

توفي كارل أبراهام في عام 1925 بسبب ما يُفترض الآن أنه سرطان الشعب الهوائية. في الشهر التالي، عُرض فيلم "ألغاز الروح" لأول مرة في برلين.

شكك فرويد في أي إمكانية للتمثيل البصري لأي من مساهماته النظرية. ومن النية التعليمية المزعومة، لم يلمح إلا إلى خطر السخرية. كانت جهود إبراهيم لإقناع فرويد بوجهة نظره غير مجدية. نظرًا لحماس تلميذه للمشاركة في النص، اختار فرويد ببساطة مشاركة اعتراضاته وإخطاره. من الناحية العملية، تم حذف الجزء الأول من الفيلم وتمسك النص بقصة التاريخ السريري. وبالمثل، قرر فرويد رفض ترخيصه لهذا الفيلم أو أي فيلم آخر.

يعتبر المهتمون والباحثون موقف فرويد غريبا لسببين على الأقل:

- الأول أن اللقاء بين التحليل النفسي والسينما، سواء على المستوى الإبداعي أو على مستوى الدراسات التنظيرية، قد أثمر أعمالا سينمائية غنية، خصبة، وطلائعية.

- والثاني أن هناك تشابها كبيرا بين الفيلم والحلم، بما يعني أن الفن السابع يعمل على تفعيل اللاوعي وإخراجه سينمائيا، لكن بطريقة مغايرة لطريقة التحليل النفسي.

لذلك انطلقت التأويلات لمحاولة فهم الموقف الفرويدي من السينما:هناك مَن فسّر الأمر بالانتماء الثقافي اليهودي لفرويد، وهو انتماء يحضر فيه الدين بكامل ثقله، مثلما تحضر فيه الصورة بوصفها ممنوعا أو محرما خاصة إذا سعت إلى الاقتراب من الإنسان نفسه ومن روحه.ويرجح الباحث السينمائي روجيه دادون في دراسة له بعنوان (اللاوعيان المتوازيان) تفسيرا لموقف فرويد الرافض للتعامل مع السينما بوجود تنافس شديد بين السينما والتحليل النفسي من حيث قدرتهما على التعبير والتمثل، أو من حيث قدرتهما على إخراج اللاوعي.ومرد هذا التنافس إلى أن التحليل النفسي يستطيع الوصول إلى عالم اللاوعي ورموزه وخباياه عن طريق الكلمة بالأساس، بينما تبلغه السينما أساسا عن طريق الصورة، التحليل النفسي يقترح علينا لاوعيا كلاميا، أما السينما، فهي تقترح بالمقابل لاوعيا صوريا (نسبة إلى الصورة)، وطبعا هناك بون شاسع بين الكلمة والصورة من حيث علاقة كل منهما بالواقع، تشكّل الكلمة دوما انزياحا عن الواقع، إنها تقول باستمرار أكثر مما تود قوله، وعبر إفراطها في القول تتجاوز الواقع نحو اللاواقع، أي نحو الخيال.

أما في الصورة، فإن الواقع حاضر بكامل ثقله، ومن هنا مقولة (الانطباع الواقعي) في السينما، وهي مقولة تؤكد القدرة الكبيرة للسينما على استنساخ الواقع. وقد استغلت الأديان هذا الاختلاف لتحريم الصورة وللتحذير من مخاطرها.

***

عمرون علي - أستاذ الفلسفة

المسيلة – الجزائر

في المثقف اليوم